جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

ولو كان العامل اثنين وساواهما في الربح صح وإن اختلفا في العمل.

______________________________________________________

تفاضلهما قد يكون ناشئا من تفاوت حصة العامل من نصيب كل منهما من الربح ، وذلك أمر جائز فينزّل إطلاق العقد عليه ، تغليبا لجانب الصحة وعملا بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وغيره ، وهو الأصح.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن صرف الإطلاق إلى هذا الفرد يحتاج الى صارف وهو منتف ، فيبقى محتملا لجانب الصحة والفساد على السواء من غير ترجيح ، وضعفه ظاهر ، وقد بيّنا المرجح.

وأمّا إذا شرطت حصة العامل من نصيب كل منهما بخصوصه ، فإن صحة العقد والشرط حينئذ مبني على ما سبق في الشركة إذا كان المالان ممتزجين.

وعلى ما اختاره المصنف في هذا الكتاب من أنّ الصحة مشروطة بما إذا عملا أو أحدهما لا يصح هاهنا ، لأن العامل غيرهما. وعلى ما اخترناه هناك لا يصح العقد ولا الشرط ، إلاّ إذا كان المشروط له الزيادة أيضا عاملا ، ليكون قراضا بالنسبة إليه أيضا.

وإذا عرفت ما قررناه ولحظت كلام الشارح الفاضل تبيّن انه غير واف بحل العبارة.

قوله : ( ولو كان العامل اثنين وسوّاهما في الربح صح وإن اختلفا في العمل ).

وذلك لأنّ تعدد العامل يقتضي كون العقد بمنزلة عقدين ، ولا شك في صحة ذلك مع تعدد العقد. ومنع مالك من المفاوتة بين العاملين في الحصة إذا قارضهما في عقد واحد (٢) ، ورده في التذكرة (٣) ، ولم يتعرض اليه هنا.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) المدونة الكبرى ٥ : ٩٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٣٠.

١٢١

ولو أخذ من واحد مالا كثيرا يعجز عن العمل فيه ضمن مع جهل المالك.

ولو أخذ مائة من رجل ومثلها من آخر ، واشترى بكل مائة عبدا فاختلطا اصطلحا ، أو أقرع.

المطلب الرابع : العامل يملك الحصة من الربح بالشرط دون الأجرة‌ على الأصح ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أخذ من واحد مالا كثيرا يعجز عن العمل فيه ضمن مع جهل المالك ).

لأنّ تسليم المال اليه إنما كان ليعمل فيه ، فإذا كان عاجزا عن العمل كان وضع يده على خلاف الوجه المأذون فيه فكان ضامنا ، أمّا مع علم المالك فلا.

قوله : ( ولو أخذ مائة من رجل ومثلها من آخر ، واشترى بكل مائة عبدا فاختلطا اصطلحا أو أقرع ).

لعدم العلم بعين مال كل منهما ، فان تراضيا فلا بحث ، وإن تشاحّا أقرع ، لأنّ كل أمر مشكل فيه القرعة.

ويحتمل إجراء مسألة الثوبين التي في الصلح هاهنا فيباعان مجتمعين إن لم يمكن بيعهما منفردين ، ويقسم الثمن بينهما. ولو أمكن واستويا في الثمن فلا بحث ، وإلاّ أقرع إن لم يتراضيا.

ووجه الاحتمال : إنّه لا دخل لخصوصية الثوبين في الحكم المذكور ، فيستوي الثوبان وغيرهما ، والقول بالقرعة أوجه ، لعدم دليل على غيره. وبيع مال الغير على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

قوله : ( العامل يملك الحصة من الربح بالشرط دون الأجرة‌ على الأصح ).

١٢٢

______________________________________________________

ذهب الشيخ في المبسوط (١) ، والخلاف (٢) ، والاستبصار (٣) ، وأكثر الأصحاب إلى استحقاق العامل الحصة المشترطة (٤). وذهب الشيخ في النهاية (٥) ، والمفيد (٦) ، وجمع إلى انه إنما يستحق أجرة المثل (٧).

وظاهر كلام المصنف في المختلف في الاستدلال للثاني أن القراض معاملة فاسدة عند القائل به (٨). وكلام الشيخ في النهاية غير دال على الفساد بل قد يشعر بالصحة ، فإنّه قال في آخر الباب : إنّه إذا كان له على غيره دين لم يجز له جعله مضاربة إلاّ بعد أن يقبضه ثم يعطيه إياه إن شاء (٩) ، ومقتضى هذه العبارة الجواز حينئذ.

وكيف كان فالأصح استحقاق الحصّة على ما شرط ، عملا بعموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١٠) ، وعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١١) ، والأخبار الكثيرة الصريحة في ذلك (١٢) ، والاحتجاج بأنّ الربح تابع للملك ، وأنّ جهالة الشرط توجب الغرر فتكون فاسدة ضعيف ، لأنّ عموم النهي عن الغرر قد خص منه كثير‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٨٨.

(٢) الخلاف ٢ : ١١٥ مسألة ١٤ كتاب القراض.

(٣) الاستبصار ٣ : ١٢٦.

(٤) منهم ابن إدريس في السرائر : ٢٥٦ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٤٠ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٤٦٠.

(٥) النهاية : ٤٢٨.

(٦) المقنعة : ٩٧.

(٧) منهم سلار في المراسم : ١٨٢ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٤٧.

(٨) المختلف : ٤١٨.

(٩) النهاية : ٤٣٠.

(١٠) المائدة : ١.

(١١) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(١٢) الكافي ٥ : ٢٤٠ و ٢٤١ حديث ٢ و ٣ و ٧ ، التهذيب ٧ : ١٨٨ حديث ٨٣٠ و ٨٣١.

١٢٣

ويملك بالظهور لا بالإنضاض على رأي ملكا غير مستقر ،

______________________________________________________

من الأحكام كالمزارعة والمساقاة ، ولا وجه للمنع هنا مع ورود النص.

قوله : ( ويملك بالظهور لا بالإنضاض على رأي ملكا غير مستقر ).

بناء على أن العامل يملك الحصة من الربح. قد اختلف الفقهاء في وقت ملكه إيّاها على أقوال ، أصحها انّه يملكها من حين ظهور الربح ، ويدل عليه وجوه منها : إن سبب الاستحقاق هو الشرط الواقع في العقد ، فيجب أن يثبت مقتضاه حين وجود الربح ، لوجوب الوفاء به متى أمكن. ومنها انه لو لم يملك بالظهور لم يكن له المطالبة بالقسمة لأنّها فرع الملك ، والتالي باطل اتفاقا.

فإن قيل : المطالبة بالقسمة لعلاقة استحقاق التملك بها ، كما إذا طلب البيع لرجاء حصول الربح بوجود من يشتري بزيادة عن القيمة.

قلنا : فلا تكون قسمة حقيقية ، لأنّها تميّز المالين ، وظاهر إطلاقهم أنها قسمة حقيقية.

ومنها صحيحة محمد بن قيس عن الصادق عليه‌السلام يعتق نصيب العامل من أبيه مع ظهور الزيادة (١) ، ولو لم يملك امتنع العتق.

ومنها إطلاق الأخبار بكون الربح بين المالك والعامل (٢) ، وهي كما تتناول ما بعد القسمة كذا تتناول حال الظهور.

الثاني : انه يملك بالإنضاض لا قبله ، لأنّ الربح قبله لا وجود له في الخارج ، وإنما هو موهوم مقدّر الوجود ، والمملوك لا بد أن يكون محقق الوجود ، فيكون الظهور موجبا لاستحقاق الملك بعد التحقق ، ولهذا يورث عنه ويضمن حصة من أتلفها ، سواء‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤١ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ حديث ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ حديث ٨٤١.

(٢) انظر : الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ١ و ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٨ و ١٨٩ حديث ٨٢٩ و ٨٣٦ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ حديث ٤٥٢.

١٢٤

وإنما يستقر بالقسمة أو بالإنضاض ، والفسخ قبل القسمة.

______________________________________________________

المالك والأجنبي.

وفيه نظر : فإنّا لا نسلّم أن الربح قبل الانضاض غير موجود ، لأنّ المال غير منحصر في النقد ، فإذا ارتفعت قيمة العرض ، فرأس المال منه ما قابلت قيمته رأس المال والزائد ربح لا محالة ، ومعلوم انه محقق الوجود.

ثم إنّا لا نسلم أن المملوك لا بد أن يكون محقق الوجود ، وانتقاضه بالدين واضح.

الثالث : انّه إنّما يملك بالقسمة ، إذ لو ملك قبلها لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعا في المال كسائر الأموال المشتركة ، والتالي باطل لانحصاره في الربح.

وفيه نظر ، لمنع الملازمة ، فإنّه لا منافاة بين الملك وكون الربح وقاية لرأس المال ، لجواز كون الملك متزلزلا واستقراره مشروط بالسلامة ، ولأنه لو ملكه لاختص بربحه. وفي الملازمة منع ، والسند ما تقدم.

وحكى الشارح الفاضل نقلا عن المصنف قولا رابعا ، وهو كون القسمة كاشفة عن سبق الملك ، لأنّ القسمة ليست من الأسباب المملكة ، والمقتضي للملك هنا إنما هو العمل. وإنما كانت كاشفة لأنها تدل على انتهاء العمل الموجب للملك (١) ، وضعف هذا غني عن البيان بعد ما سبق بيانه.

قوله : ( وإنما يستقر بالقسمة أو الانضاض ، والفسخ قبل القسمة ).

قد حققنا أن العامل يملك الحصة من الربح بالظهور ملكا غير مستقر ، لأن الربح وقاية لرأس المال فلا بد لاستقراره من أمر آخر ، فحينئذ نقول : لا يخلو أما أن ينضم الى الظهور انضاض جميع المال ، أو قدر رأس المال مع الفسخ والقسمة ، أو أحدهما ، أو بدونهما ، أو ينضم إليه القسمة دون الانضاض. ثم القسمة إما للربح فقط‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٢٣.

١٢٥

______________________________________________________

أو لجميع المال فهنا صور :

أ : أن ينضم الى الظهور الانضاض لجميع المال ، أو لقدر رأس المال فقط مع الفسخ والقسمة ، فلا بحث في الاستقرار.

ب : الصورة بحالها لكن لم يقتسما ، وفيه وجهان أصحهما ـ وهو مقرب التذكرة (١) ، وظاهر اختياره هنا ـ حصول الاستقرار أيضا ، لأن العقد قد ارتفع ورأس المال حاصل ناض ، فيخرج الربح عن كونه وقاية لارتفاع حكم القراض بارتفاع العقد ، ولوجوب صرف الربح الى ما شرطاه حيث ارتفع العقد.

والثاني العدم ، لأن القسمة من تتمة عمل العامل ، قال المصنف في التذكرة : وليس شيئا (٢) ، وما قاله حق ، لأن رأس المال متميّز وقسمة الربح لا دخل لها في استقرار ملك العامل على الحصة.

فإن قيل : ما دام لا يقبض المالك رأس ماله يجب أن يكون بحيث لو تلف منه شي‌ء يجبر من الربح ، استصحابا لما كان ، ولظاهر قوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٣).

قلنا : الاستصحاب حجة عند عدم الناقل لا معه وقد حصل ، لأنه إذا ارتفع العقد خرج المال عن كونه مال قراض فيبقى أمانة ، لأن اليد في الأصل لم تكن يد ضمان فينتفي حكم جبرانه من الربح ، لأنّه دائر مع كونه قراضا.

والحديث لا دلالة له على ما نحن فيه ، لأن واضع اليد على مال الغير وإن كان في العهدة إلى الأداء ، إلاّ أنه لا يلزم جبران التالف بغير تقصير من الربح في صورة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ حديث ١٠٦.

١٢٦

______________________________________________________

النزاع ، ولانتقاضه بما بعد القسمة قبل القبض. وتردد المصنف في التحرير هنا (١) ، ولا ريب في ضعف تردده.

ج : أن يقع الفسخ والمال عروض كله أو بعضه بحيث لم ينض رأس المال ، فإن حصلت القسمة بعد ذلك حصل استقرار الملك للعامل لانقطاع حكم القراض وإلاّ بني على أن العامل هل يجبر على البيع والانضاض؟ فإن قلنا به فحكم القراض باق لبقاء العمل ، وإن قلنا بالعدم فوجهان كالوجهين السابقين في الصورة الثانية. وسيأتي حكم المبني عليها في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.

د : أن تكون القسمة للربح فقط ولا دخل له في الاستقرار وعدمه ، بل إن حصل شي‌ء من الأمور المذكورة يقتضي الاستقرار فثبوته به ، وإلاّ فلا ، وسيأتي في كلام المصنف ما ينبّه عليه إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( وإنما يستقر بالقسمة ، أو الانضاض والفسخ قبل القسمة ) يتناول الصور السابقة جميعها ، فحكمه بالاستقرار بالقسمة في مقابل الانضاض يقتضي الاستقرار بها وإن كان المال عروضا كله أو بعضه.

لكن يرد عليه شي‌ء ، وهو أن القسمة بمجردها لا توجب الاستقرار من دون فسخ القراض ، لأنّه لا معنى للقسمة إلاّ قسمة الربح ، إذ ليس في رأس المال شركة إلاّ باعتباره ، وقسمة الربح وحدها لا تخرجه عن كونه وقاية لرأس المال.

ثم فالمدار على ارتفاع القراض وانتهاء عمله ، وعبارة المصنف لا تفي بذلك لإطلاقها. وما سيأتي من قوله : ( ان قسمة الربح مع بقاء العقد لا تقتضي خروجه عن الوفاء به ) لا ينفع في هذا الضابط لثبوت الإخلال بالفهم وعدم البينة الى ما هناك.

وقوله : ( أو الانضاض والفسخ ) ظاهره يقتضي اعتبار انضاض جميع المال ،

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٧٧.

١٢٧

ولو أتلف المالك أو الأجنبي ضمن له حصته ويورث عنه ، والربح وقاية لرأس المال ، فان خسر وربح جبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الربح والخسران في مرة واحدة أو مرتين ، وفي صفقة واحدة أو اثنتين.

______________________________________________________

وليس بجيد ، بل يكفي انضاض قدر رأس المال. ويقتضي أيضا أن انضاض قدر الربح لا أثر له ، وكذا يقتضي عدم الاستقرار إذا حصل الفسخ والمال عروض ، وهو صحيح على أن ما اختاره فيما بعد من وجوب الانضاض على العامل.

قوله : ( ولو أتلف المالك أو الأجنبي ضمن له حصته ويورث عنه ).

هذه الأحكام غير مخصوصة بأن العامل يملك الحصة بالظهور ، بل لو قلنا انه إنما يملك بالإنضاض أو القسمة فالحكم كذلك ، لأن له حقا مؤكدا إذ قد ملك ان يملك فيطالب المتلف ، سواء كان هو المالك أو غيره ، لأن الإتلاف يجري مجرى استرداد المالك جميع المال فيغرم حصة العامل ، وينتقل هذا الحق إلى الوارث.

قوله : ( والربح وقاية لرأس المال ، فإن خسر وربح جبرت الوضيعة بالربح سواء كان الربح والخسران في مرة واحدة أو مرتين وفي صفقة أو اثنين ).

روى إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه‌السلام : إنّه سأله عن مال المضاربة قال : « الربح بينهما والوضيعة على المال » (١) ، وهو دال على المدّعى ، لأن المال يتناول الأصل مع الربح ، ويقتضي ثبوت هذا الحكم ما دام مال مضاربة ، فيستمر ما دامت المعاملة باقية ، وقد أجمع أهل الإسلام على ذلك ، قال في التذكرة : لا نعلم في ذلك خلافا (٢).

ولأن الربح هو الفاضل عن رأس المال.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ حديث ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ حديث ٤٥٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

١٢٨

فلو دفع ألفين فاشترى بإحداهما سلعة وبالأخرى مثلها ، فخسرت الاولى وربحت الثانية جبر الخسران من الربح ، ولا شي‌ء للعامل إلاّ بعد كمال الألفين.

ولو تلف مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف من الربح ،

______________________________________________________

وعلى هذا فلا فرق بين كون الربح والخسران في مرة واحدة ، أو الخسران في سفرة والربح في أخرى. وكذا لا فرق بين كونهما في صفقة واحدة ، أو الربح في صفقة والخسران في أخرى.

قوله : ( فلو دفع ألفين فاشترى بإحداهما سلعة وبالأخرى مثلها فخسرت الاولى وربحت الثانية جبر الخسران من الربح ولا شي‌ء للعامل الا بعد كمال الألفين ).

بيان للصفقتين والحكم ظاهر.

قوله : ( ولو تلف مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف من الربح ).

المراد بدوران المال في التجارة : التصرف فيه بالبيع والشراء ، وهنا صورتان :

إحداهما : تلف جميع المال ، وذلك كأن يشتري برأس المال متاعا تزيد قيمته على أصل المال ، بأن يكون فيه ربح فيتلف منه مقدار رأس المال.

والثانية : تلف بعضه ، وإطلاق المصنف التلف يتناول التلف بآفة سماوية كمرض حادث ، وبغصب غاصب ، وسرقة سارق ، وغير ذلك ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ذلك في كلام المصنف صريحا.

وقد جزم بالحكم هنا ، وفي التحرير (١) ، وقال في التذكرة : إنّه الأقرب ، وهو‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٧٩.

١٢٩

وكذا لو كان قبل دورانه على إشكال ،

______________________________________________________

المختار ، لأنّ الربح وقاية لرأس المال على ما سبق بيانه ، فما دام رأس المال لا يكون موجودا بكماله على وجه يأخذه المالك فلا ربح.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأنّه نقصان لا تعلق له بتصرف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، ولأنّه في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق فلا حاجة الى جبره بمال القراض (١).

وضعفه ظاهر ، فإن كون الربح وقاية لرأس المال في القراض لم يدل دليل على اشتراط الحكم بكون النقص بسبب السوق ، ولأنّه لا يعقل وجود الربح مع كون رأس المال ناقصا. والكلام في الغصب والسرقة إنما هو مع عدم حصول العوض من الغاصب والسارق ، وحينئذ فهو تلف. وممّا قررناه يظهر أن دعوى الشارح السيد الإجماع على جبر التالف من الربح بعد دورانه في التجارة ليس بجيد.

قوله : ( وكذا لو كان قبل دورانه على اشكال ).

أي : وكذا يحتسب التالف من الربح لو كان التلف قبل دوران المال في التجارة ، سواء كان التالف الجميع أو البعض. فهنا صورتان أيضا على اشكال في الاحتساب ينشأ : من أن وضع المضاربة على أن الربح وقاية لرأس المال ، فلا يستحق العامل ربحا إلا بعد أن يبقى رأس المال بكماله ، لأنّه قد دخل على ذلك ، وعدم دورانه في التجارة لا أثر له في ذلك. ومن حيث أن التلف قبل الشروع في التجارة يخرج التالف عن كونه مال قراض ، لأنّ الفرض أن لا بدل له فلا يلزم عوضه من الربح. وهو ضعيف ، لأنّ المقتضي لكونه مال القراض هو العقد لا دورانه في التجارة.

وإنّما يحتسب التالف من الربح حيث لا يتحقق له بدل ، فكيف يؤثر عدم وجوب البدل في عدم الاحتساب؟ والأصح الأول ، واختاره الشيخ في المبسوط (٢) ، وابن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٤.

(٢) المبسوط ٣ : ١٩٠.

١٣٠

______________________________________________________

إدريس (١) ، قال المصنف في التحرير : وفيه نظر ضعيف (٢).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد يسأل هنا : انه إذا تلف جميع مال القراض قبل دورانه في التجارة لم يبق هناك قراض ليحتسب المال من ربحه ، لبطلان القراض حينئذ؟

وجوابه : ان ذلك يتصور فيما إذا أذن المالك للعامل في القراض بأن يشتري في الذمة ، فاشترى متاعا للقراض في الذمة بقدر مال القراض ، وتلف المال بغير تفريط قبل الدفع فإن البيع لا ينفسخ بذلك ، لعدم تعيين الثمن ، ولا يقع الشراء للعامل على أصح القولين وفاقا للشيخ في المبسوط ، حيث حكم بأن الشراء للمالك إذا كان قبل تلف رأس المال ، بخلاف ما لو كان بعده لانفساخ القراض حينئذ (٣).

واختار في الخلاف وقوعه للعامل (٤) ، وهو ضعيف ، واختار الأول ابن البراج (٥) ، والمصنف في المختلف (٦) ، وهو الأصح ، لأن العقود تابعة للقصود ، فحينئذ يجب على المالك دفع الثمن ويكون الجميع مال القراض.

( لكن يشكل تقييد الشيخ في المبسوط بما إذا غصب مال القراض فاشترى في الذمة ، ثم بعد اليأس من الاسترداد استرد ، فإنّ القراض يجب أن لا يبطل هنا ، إلاّ ان يقال حكم بالبطلان ظاهرا في وقت الشراء فلا يكون قصده معتبرا ) (٧).

__________________

(١) السرائر : ٢٥٨.

(٢) التحرير ١ : ٢٧٩.

(٣) المبسوط ٣ : ١٩٤.

(٤) الخلاف ٢ : ١١٥ مسألة ١٥ كتاب القراض.

(٥) المهذب ١ : ٤٦٤.

(٦) المختلف : ٤٨٢.

(٧) ما بين القوسين لم يرد في نسخة « ك‍ ».

١٣١

سواء كان التلف للمال أو للعوض ، باحتراق ، أو سرقة ، أو نهب ، أو فوات عين ، أو بانخفاض سوق ، أو طريان عيب.

والزيادات العينية كالثمرة والنتاج محسوبة من الربح ، وكذا بدل منافع الدواب ، ومهر وطء الجواري ، حتى لو وطأ السيد كان مستردا مقدار العقر.

______________________________________________________

قوله : ( سواء كان التلف للمال أو للعوض باحتراق ، أو سرقة ، أو نهب ، أو فوات عين ، أو بانخفاض سوق ، أو طريان عيب ).

تعميم للتلف بحيث يستوي جميع أفراده في هذا الحكم ، وأراد بتلف المال : تلف عين مال القراض قبل دورانه في التجارة ، وبالعوض : تلف الحاصل بالتجارة.

قوله : ( والزيادات العينية كالثمرة والنتاج محسوبة من الربح ، وكذا بدل منافع الدواب ، ومهر وطء الجواري ، حتى لو وطأ السيد كان مستردا مقدار العقر ).

أطلق المصنف الحكم بكون هذه محسوبة من الربح هنا وفي التحرير (١) ، وإن توقف فيه في احتساب مقدار العقر لو وطأ المالك.

ويشكل بأن المشروط في عقد القراض إنما هو الحاصل بالاسترباح بالتجارة ، لأن وضع عقد القراض على ذلك. ومن ثم لو عامله على الاسترباح بالاستنماء ونحوه لم يصح كما سبق ، لأنه خلاف وضعه حتى لو شرطه في العقد بطل ، لأنه خلاف مقتضاه ، فكيف يستحق العامل الحصة في هذا الربح مع أنه نماء ملك المالك؟ وانتقال الملك يتوقف على سبب مملّك. نعم ، لو كان النماء المذكور بعد ظهور الربح اتجه ذلك.

فإن قيل : اشتراط الاسترباح بغير التجارة هو المخالف لوضع القراض ، أمّا‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٨٠.

١٣٢

ولو كان رأس المال مائة فخسر عشرة ، ثم أخذ المالك عشرة ، ثم‌

______________________________________________________

استحقاق غير ربح التجارة فإنّ اشتراطه غير مناف ، فكما يجوز أن يشترط مالا وعملا ، كذا يجوز أن يشترط حصة من ربح آخر.

قلنا : اشتراط مال في عقد القراض يجب أن يكون معلوما وإلاّ ليجهل العقد به واغتفار جهالة الربح الذي هو مقصود العقد ، ومبناه عليه لا يقتضي اغتفار جهالة الشرط ، فإن الغرر محذور ، وتجويز بعضه بالنص لا يقتضي تجويز كل غرر.

فإن قيل فكيف جاز اشتراط مضاربة أخرى أو بضاعة؟

قلنا : هذا في حد ذاته معاملة سائغة ، فإذا اشترطت في العقد فلا إبطال. ولو سلّم جواز اشتراط ذلك فلا نسلم أن إطلاق الحصة من الربح في العقد يتناول هذا القسم ، فإن الربح الواقع في العقد لا عموم له ، والمتبادر منه إنما هو الربح الحاصل بالعمل الذي هو مقتضى العقد ـ أعني الاسترباح بالتجارة ـ فكيف يجوز حمله عليه؟ فإطلاق هذا الحكم في غاية الاشكال.

وقد رجّح المصنف في التذكرة ما قلناه ، حين حكى عن أكثر الشافعية أن هذا النوع من الربح للمالك خاصة ، إذا لم يكن المال قد ربح بالتجارة شيئا ، فنفى عنه البأس (١) ، وذلك هو الذي يقتضيه النظر.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( حتى لو وطأ السيد كان مستردا مقدار العقر ) يريد به نصيب العامل فيه ، كما صرح به في التذكرة (٢). لكن يشكل بأن ذلك إنما يتحقق إذا كان العقر محسوبا من الربح ورأس المال. وفيه نظر ظاهر ، لأن رأس المال غير شائع في هذا ليكون محسوبا منهما.

قوله : ( ولو كان رأس المال مائة فخسر عشرة ، ثم أخذ المالك‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٤.

١٣٣

عمل الساعي فربح فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية أتساع ، لأن المأخوذ محسوب من رأس المال فهو كالموجود ، فالمال في تقدير تسعين ، فإذا بسط الخسران ـ وهو عشرة ـ على تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينارا وتسع ، فيوضع ذلك من رأس المال.

______________________________________________________

عشرة ، ثم عمل الساعي فربح فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية أتساع ، لأن المأخوذ محسوب من رأس المال فهو كالموجود. فالمال في تقدير تسعين ، فإذا بسط الخسران ـ وهو عشرة ـ على تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينارا وتسع ، فيوضع ذلك من رأس المال ).

لما ذكر أن المالك إذا وطأ كان مستردا من المال قدر العقر. أراد أن يبيّن ما يترتب على الاسترداد من الأحكام باعتبار حصول الربح أو الخسران.

فأما في صورة الخسران : فإذا كان رأس المال مائة دينار مثلا فخسر عشرة ، وأخذ المالك بعد الخسران عشرة ، ثم عمل الساعي فربح فلا بد من معرفة قدر رأس المال حينئذ ـ أعني بعد الاسترداد المذكور ـ ليجبر خسرانه من الربح.

وقد ذكر المصنف انه ثمانية وثمانون وثمانية أتساع دينار ، الموجود منها ثمانون ، والتالف بالخسران ثمانية وثمانية أتساع فيجبر من الربح لا مجموع الخسران وهو العشرة التالفة ، وذلك لأن المأخوذ لا ريب انه محسوب من رأس المال ، فهو كالموجود في أن له حظا من الخسران ، لأن الخسران من المجموع فالمال الموجود في تقدير تسعين باحتساب العشرة المأخوذة ، فإذا بسط الخسران وهو عشرة على تسعين أصاب كل دينار تسع ، فنصيب العشرة المأخوذة دينار وتسع ، فيوضع ذلك ـ أعني الدينار وتسعا الذي أصاب العشرة من الخسران ـ مما بقي من أصل رأس المال بعد العشرة وهو تسعون ، لأنه لما استرد العشرة فكأنما استرد نصيبها من الخسران ، لخروجها بالاسترداد عن استحقاق الجبران لما يصيبها حيث بطل القراض فيها.

١٣٤

وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين ، لأنه قد أخذ نصف المال فيسقط نصف الخسران ، وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع.

وكذا في طرف الربح يحسب المأخوذ من رأس المال والربح ، فلو كان المال مائة وربح عشرين فأخذها المالك بقي رأس المال ثلاثة وثمانين‌

______________________________________________________

قوله : ( وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين ، لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران ، وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع ).

أي : وإن أخذ المالك في الصورة السابقة نصف التسعين الباقية بعد خسارة العشرة بقي المال خمسين ، منها خمسة وأربعون موجودة ويتبعها نصف الخسران وهو خمسة ، فيجبر من الربح ، ويتبع النصف المأخوذ نصف الخسران أيضا فيسقط.

وإن كان ما أخذه خمسين بقي رأس المال أربعة وأربعين وأربعة أتساع دينار ، منها أربعون موجودة ، ولكل دينار من الخسران تسع وذلك أربعة وأربعة أتساع ، فيجبر من الربح وتسقط خمسة وخمسة أتساع ، وعلى هذا القياس.

والضابط أن ينسب المأخوذ إلى الباقي ، ويأخذ للمأخوذ من الخسران بمثل تلك النسبة ، لأن نسبة حقه من الخسران إلى حق الباقين فيه كنسبته إلى الباقي ، أو يسقط من أصل رأس المال بمثل تلك النسبة ويبقى الباقي رأس المال.

ففي المثال الأول إذا نسبت العشرة المأخوذة إلى الباقي بعد الخسران ـ وهو تسعون ـ كانت تسعا ، فيصيب العشرة من الخسران تسع الخسران ـ وهو دينار وتسع دينار ـ أو يسقط من المائة تسعها ـ وهو أحد عشر دينارا وتسعا ـ فالباقي رأس المال ، وعلى هذا.

قوله : ( وكذا في طرف الربح يحسب المأخوذ من رأس المال والربح ، فلو كان المال مائة وربح عشرين فأخذها المالك بقي رأس المال ثلاثة وثمانين‌

١٣٥

وثلثا ، لأن المأخوذ سدس المال ، فنقص سدس رأس المال ـ وهو ستة عشر وثلثان ـ وحظها من الربح ثلاثة وثلث ، فيستقر ملك العامل على نصف المأخوذ من الربح وهو درهم وثلثان.

ولو انخفضت السوق وعاد ما في يده الى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذه ليتم له المائة بل للعامل من الثمانين درهم وثلثان.

______________________________________________________

وثلثا ، لأن المأخوذ سدس المال فنقص سدس رأس المال ـ وهو ستة عشر وثلثان ـ وحظها من الربح ثلاثة وثلث ، فيستقر ملك العامل على نصف المأخوذ من الربح وهو درهم وثلثان ).

هذا بيان الحكم المترتب على الاسترداد في طرف الربح ، وتحقيقه : أنه إذا كان رأس المال مائة فربح عشرين صار المجموع مائة وعشرين ، فإذا أخذ المالك عشرين كان ما أخذه محسوبا من المجموع ، للشيوع ، فيبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثلثا ، لأن المأخوذ سدس المجموع ، فيكون سدس كل من رأس المال والربح ، وسدس رأس المال ستة عشر وثلثان ، وسدس الربح ثلاثة وثلث فيبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثلثا ، وبطل العقد في المأخوذ فيستقر ملك العامل على نصف ربح المأخوذ ـ وهو درهم وثلثان ـ لخروجه عن كونه وقاية حينئذ ببطلان القراض فيه. وضابطه : أن ينسب المأخوذ إلى المجموع ، ويأخذ بتلك النسبة من رأس المال ومن الربح.

قوله : ( ولو انخفضت السوق وعاد ما في يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذه ليتم له المائة ، بل للعامل من الثمانين درهم وثلثان ).

أي : لو انخفضت السوق بعد أخذ عشرين ، وصار جميع ما في يده العامل الى ثمانين لم يكن للمالك أخذ الباقي ـ وهو الثمانون ـ لتتم له به وبما أخذ أولا المائة ، لأن نصيب العامل من سدس الربح المأخوذ قد استقر ملكه عليه ، وقد أخذه المالك فيأخذ بدله.

١٣٦

ولو كان قد أخذ ستين بقي رأس المال خمسين ، لأنه قد أخذ نصف المال فبقي نصفه ، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثا ، لأنه أخذ ربع المال وسدسه فبقي ثلثه وربعه.

فإن أخذ منه ستين ثم خسر فصار معه أربعون فردّها كان له على المالك خمسة ، لأن الذي أخذ المالك انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر ربحه خسران الباقي لمفارقته إياه وقد أخذ من الربح عشرة ، لأن سدس ما أخذه ربح.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان قد أخذ ستين بقي رأس المال خمسين ، لأنه أخذ نصف المال فبقي نصفه ، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثا ، لأنه أخذ ربع المال وسدسه فبقي ثلثه وربعه ).

أي : لو كان قد أخذ من مجموع مائة وعشرين ستين فالمأخوذ نصف رأس المال ونصف الربح ، فيستقر ملك العامل على نصف ربح المأخوذ ـ وهو خمسة ـ والباقي نصف رأس المال ـ وهو خمسون ـ يتعلق بخسرانه الجبران من الربح.

ولو كان قد أخذ خمسين فهي ربع المجموع وسدسه ، فيكون قد أخذ ربع رأس المال وسدسه وهو واحد وأربعون وثلثان ، ومن الربح كذلك ، فيستقر ملك العامل على نصفه ، ويبقى من أصل المال ثمانية وخمسون وثلث هي ثلث المال وربعه فهي رأس المال الآن.

قوله : ( فإن أخذ منه ستين ، ثم خسر فصار معه أربعون فردّها كان له على المالك خمسة ، لأن الذي أخذه المالك انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر ربحه خسران الباقي لمفارقته إياه ، وقد أخذ من الربح عشرة ، لأنّ سدس ما أخذه ربح ).

أي : فإن كان الذي أخذه المالك ستين ، ثم خسر الباقي عشرين فردّها‌

١٣٧

ولو رد منها عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين.

ولو دفع ألفا مضاربة ، فاشترى متاعا يساوي ألفين ، فباعه بهما ثم اشترى به جارية وضاع الثمن قبل دفعه رجع على المالك بألف وخمسمائة ، ودفع من ماله خمسمائة على إشكال.

______________________________________________________

انفسخ القراض ، فليس للمالك أن يأخذ الباقي ليتم له مائة ـ وهي رأس المال ـ بل للعامل نصف ربح المأخوذ ، لاستقرار ملكه عليه باسترداد نصف المال وانفساخ العقد في نصف رأس المال ، فإذا خسر النصف الآخر لم يجبر من ربح المأخوذ ، وهو ظاهر.

قوله : ( ولو ردّ منها عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين ).

أي : لو ردّ من الأربعين الباقية بعد الخسران عشرين ـ هي نصفها ـ فقد سقط نصف الخسران وهو خمسة ، لأن خسران الخمسين عشرة ، فيبقى رأس المال خمسة وعشرين باعتبار الخمسة التي يجب جبرانها من الربح ، وهي حظ الباقي من الخسران.

قوله : ( ولو دفع ألفا مضاربة فاشترى متاعا يساوي ألفين ، فباعه بهما ثم اشترى به جارية ، وضاع الثمن قبل دفعه رجع على المالك بألف وخمسمائة ودفع من ماله خمسمائة على اشكال ).

أي : لو دفع المالك ألفا مثلا على طريق المضاربة ، فاشترى بها متاعا يساوي ألفين وباعه بهما فقد ربح ألفا. فإذا اشترى جارية مثلا بألفين في الذمة ، لكون المالك قد أذن له أن يشتري لتلك المضاربة في الذمة.

وهذا وإن كان كلام المصنف خاليا منه ، إلاّ أنّه لا يستقيم بدونه ، لأنّ الشراء إذا كان بعين الألفين انفسخ العقد بتلفهما ، ولو كان في الذمة من غير إذن من المالك وقف على إجازته ، فلا يلزمه شي‌ء إلاّ أن يجيز فلا جرم وجب التقييد بذلك.

وحينئذ لو ضاع مال المضاربة الذي يريد دفعه ثمنا ـ وإنما اشترى على هذا القصد ـ قبل الدفع لم يبطل البيع قطعا ، لأنه بيع صدر من أهله في محله ولم يقع للعامل‌

١٣٨

______________________________________________________

ـ خلافا للشيخ في الخلاف (١) وقد نبهنا على وجهه سابقا ـ بل يقع للمالك والعامل معا.

أما المالك ، فلأنّه لمّا أذن في الشراء في الذمة للمضاربة كان العامل مأذونا له في الشراء في الذمة بقدر مال المضاربة ، فكل شراء يقع كذلك ولا يكون الثمن زائدا على قدر مال المضاربة يجب أن يقع للمالك.

فإذا تلف المال الذي يراد دفع الثمن منه بغير تفريط تلف من المالك فوجب عليه بدله ، ويكون محسوبا من مال المضاربة ، لأن العقد إنما وقع على هذا الوجه.

وإنّما قلنا إن العقد يصح ، لأن العامل لم يشترط في العقد أداء الثمن من هذا المال ، وإنما قصده فيجب على المالك دفع ألف وخمسمائة ، ويدفع العامل خمسمائة من ماله على اشكال ينشأ : من أنه ملك من الألفين خمسمائة ـ نصف الربح ـ بمقتضى الشرط ، والشراء إنما وقع للمضاربة على قصد أن يؤدي الثمن من هذا المال ، فيكون الشراء لمالك هذا المال وقد ملك ربعه ، فيكون ربع المبيع له فيجب عليه ربع الثمن.

ولأن اذن المالك في الشراء للمضاربة مقصور على قدر مال المضاربة المملوك له ، لامتناع اعتبار اذنه في مال غيره ، فلا يقع له من الشراء إلاّ مقدار ما تناوله الاذن ، والزائد لم يأذن فيه المالك ولم يقصده به العامل فيجب أن يقع للعامل.

ومن أن ملك العامل للربح غير مستقر ، لأن الاستقرار لا يتحقق بمجرد الانضاض من دون الفسخ أو القسمة ، وإنما اشترى للمضاربة فيكون مجموع الثمن لازما للمالك ، لأن الشراء وقع باذنه ولا شي‌ء على العامل.

ويضعّف بأن أصل الملك للعامل حصل بظهور الربح بناء على المختار ، وعدم الاستقرار لا ينافي أصل الملك ولا يرتفع بالتلف الملك من أصله ، وشراؤه للمضاربة إنما يقع للمالك منه بقدر ما يملك من مال المضاربة ، لاستحالة أن يؤثّر اذنه في ملك غيره ،

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١١٥ مسألة ١٥ كتاب القراض.

١٣٩

فإذا باعها بخمسة آلاف أخذ العامل ربعها ، وأخذ المالك من الباقي رأس ماله ألفين وخمسمائة ، وكان الباقي ربحا بينهما على ما شرطاه.

ولو دفع إليه ألفا مضاربة ، ثم دفع إليه ألفا أخرى مضاربة وأذن في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز ، وصار مضاربة واحدة. وإن كان بعد التصرف في الأول بشراء المتاع لم يجز ، لاستقرار حكم الأول ، فربحه و‌خسرانه مختص به.

______________________________________________________

والأصح الأول.

قوله : ( فإذا باعها بخمسة آلاف أخذ العامل ربعها ، وأخذ المالك من الباقي رأس ماله ألفين وخمسمائة ، وكان الباقي ربحا بينهما على ما شرطاه ).

هذا حكم المسألة على أحد وجهي الاشكال ، وهو المذكور في العبارة ، أعني : وجوب دفع خمسمائة من مال العامل.

ووجهه ـ بعد الإحاطة بما سبق ـ ظاهر ، فإن المبيع قد استحق العامل ربعه خارجا عن المضاربة ، لأنه دفع ثمنه من خاص ماله فيستحق ربع الربح لا بسبب المضاربة ـ وقدره سبعمائة وخمسون ـ ويبقى ثلاثة أرباعه يجبر منه التالف جزما ، لأنه تلف بعد دورانه في التجارة ـ وهو ألف ـ فيكون رأس المال ألفين وخمسمائة ، ويبقى ألف وسبعمائة وخمسون يقسّم بينهما على ما شرطاه.

قوله : ( ولو دفع إليه ألفا مضاربة ، ثم دفع إليه ألفا أخرى مضاربة ، وأذن في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز وصار مضاربة واحدة ، وإن كان بعد التصرف في الأول بشراء المتاع لم يجز ، لاستقرار حكم الأول فربحه وخسرانه مختص به ).

١٤٠