جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

ولو اشترى من نذر المالك عتقه صح الشراء ، وعتق على المالك‌

______________________________________________________

الحال الى أن يحصل الدليل الناقل بخلاف ما هنا ، فإن التصرف الواقع غير مأذون فيه قطعا. وإنما ظن العامل شمول الاذن له نظرا الى ظاهر الحال ، فإذا انكشف الأمر تبيّن عدم الشمول.

فإن قيل : فما الحكم؟

قلنا : إذا ثبت كون الشراء للقراض بالبينة أو بإقرار البائع ثبت بطلان البيع ، فيرد كلاّ من العوضين الى صاحبه مع الإمكان ، فإن لم يكن أو لم يثبت ذلك شرعا فالبيع ظاهرا لازم للعامل وإن كان بحسب الواقع فاسدا.

ثم المالك إن علم أن الشراء للقراض لم يكن له تغريم العامل ، لأنّ أقصى حاله أن يكون المال تالفا ، والتلف بغير تقصير غير مضمون ، فيعتمد التقاص حينئذ بأن يبيع العبد ويستوفي ماله ، لبقائه على ملك البائع ، وبقاء الثمن على ملك المالك في ذمته.

فإن قيل : فما الفرق بينه وبين شراء المعيب إذا تلف بالعيب؟

قلنا : الفرق أنّ شراء المعيب صحيح نافذ لجواز شرائه مع العلم بالعيب ، وان كان متزلزلا لجواز الفسخ بالعيب ، فإذا تلف بالبيع قبل الفسخ من غير تقصير من العامل فهو من مال المالك ، ولا ضمان على العامل.

فإن قيل : فلو كان شراء المعيب باعتبار العيب خاليا من الغبطة ، وإنّما ظنّها العامل لظنّ السلامة ، وكذا كل موضع ظنّ الغبطة فظهر خلافها.

قلت : لا أعلم الآن تصريحا في حكم ذلك ، والمتجه عدم صحة البيع (١) فتأتي الأحكام السابقة.

قوله : ( ولو اشترى من نذر المالك عتقه صحّ الشراء ، وعتق على‌

__________________

(١) في « ه‍ » : والمتجه صحة البيع.

١٠١

ـ إن لم يعلم العامل بالنذر ـ ولا ضمان.

ولو اشترى زوجة المالك احتمل الصحة والبطلان.

______________________________________________________

المالك إن لم يعلم العامل بالنذر ولا ضمان ).

إنّ علم العامل بالنذر فالحكم كما سبق في من ينعتق على المالك ، وإن لم يعلم فقد أطلق المصنف هنا وفي التذكرة صحة الشراء ، ووقوع العتق ، ونفي الضمان (١).

والفرق بينه وبين من ينعتق على المالك غير واضح ، فإنّ كلاّ منهما لم يتناوله الإذن الواقع في عقد القراض ، غاية ما في الباب أن المنذور عتقه إنّما يعلم كونه كذلك من قبل المالك ، وربما لم يعلم به أحد سواه ، بخلاف من ينعتق عليه بالأبوة ونحوها. لكن لا أثر لهذا الفرق ، وعلى صحة الشراء ونفوذ العتق يقبل قوله ، لأنّ له فسخ القراض في كل وقت.

وهل للعامل حق لو كان فيه ربح؟ ينبغي على قول الشيخ في المسألة السابقة أن يكون له حصة من الربح ، وأن ينفذ العتق فيها مع اليسار ، فيطالب بثمنها ، وعلى قول المصنف له الأجرة. وكل ذلك موضع نظر ، والتوقف طريق السلامة.

قوله : ( ولو اشترى زوجة المالك احتمل الصحة والبطلان ).

وجه الصحة : انها مال صالح للاكتساب به ، وقد اشترى بثمن المثل مع ظن المصلحة فوجب أن يقع الشراء صحيحا ، إذ لا مانع إلاّ انفساخ النكاح وهو غير مخلّ بمقصوده ، لأن حصول المطلوب به الآن آكد.

ووجه البطلان : اشتماله على ضرر المالك بانفساخ عقد عقده باختياره ، ولزوم نصف الصداق لو كان قبل الدخول ، وجميعه بعده. وهذا الاحتمال إنما يكون مع الشراء بالعين ، أو في الذمة مع ذكر المالك أو نيته ، وإن كان إذا لم يعلم البائع يقع الشراء للعامل ظاهرا ، وبدون ذلك فالشراء للعامل لا محالة.

__________________

(١) تذكرة الأحكام ٢ : ٢٣٨.

١٠٢

ولو اشترى زوج المالكة بإذنها بطل النكاح ، وبدونه قيل : يبطل الشراء ، لتضررها به وقيل : يصح موقوفا.

ولا يضمن العامل ما يفوت من المهر ويسقط من النفقة ، وقيل مطلقا فيضمن المهر مع العلم ،

______________________________________________________

وعلى الصحة لو كان الشراء قبل الدخول فقد قال المصنف في التذكرة : إن في لزوم نصف المهر للزوج وجهين. فإن قلنا يلزم رجع به على العامل ، لأنه سبّب تقريره عليه فيرجع به عليه ، كما لو أفسدت امرأة النكاح بالرضاع (١) ، ولم يذكر حكم ما بعد الدخول ، وكأنه يرى عدم جواز الرجوع به ، لأنه قد تقرر بالدخول.

ثم انه هل يستقل بالبيع من دون اذن؟ يحتمل العدم ، لما فيه من إبطال استباحة الوطء ، وذلك ضرر. ويحتمل الجواز ، لأنه لما بطل النكاح لصحة البيع صارت من جملة أموال القراض ، والأصح البطلان فكل هذه الأحكام ساقطة.

وليس المراد بالبطلان : وقوعه باطلا من أصله ، بل عدم الإجازة ، لأنه لا ينقص عن الفضولي ، وإن كان ظاهر عبارة المصنف الأول ، لأن حصول الضرر بالشراء دليل النهي عنه وإن بعد.

قوله : ( ولو اشترى زوج المالكة بإذنها بطل النكاح ).

أي : لو كان مالك مال المضاربة امرأة فاشترى زوجها العبد ، فإن كان بإذنها صح الشراء وبطل النكاح ، لامتناع اجتماع الملك والنكاح قطعا.

وإن كان بغير اذنها ففيه أقوال ذكرها بقوله : ( وبدونه : قيل : يبطل الشراء لتضررها به ، وقيل : يصح موقوفا فلا يضمن العامل ما يفوت من المهر ويسقط من النفقة ، وقيل : مطلقا فيضمن المهر مع العلم ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٨.

١٠٣

وكذا لو اشترى من له عليه مال.

______________________________________________________

الأول قول الشيخ في المبسوط (١) ، ووجهه ما أشار إليه من حصول ضرر المالكة به ، فيكون ذلك دليل عدم الرضى فيقع العقد باطلا. وهذا الاحتمال قائم وإن قلنا : إن الفضولي يقع موقوفا ، كما يفيده دليله وإن كان ضعيفا.

ووجه الثاني : انه شراء غير مأذون فيه فيقع موقوفا لكونه فضوليا ، لكن قول الشارح الفاضل : إن هذا قول كل من قال بصحة عقد الفضولي موقوفا على الإجازة (٢) غير ظاهر لما نبهنا عليه ، ولأنه خلاف المتبادر من العبارة.

ووجه الثالث : أن المقصود بالشراء للقراض حاصل في هذا العبد ، فيكون إطلاق العقد متناولا للإذن في شرائه فيقع صحيحا غير موقوف على الإجازة ، وهو المراد بقول المصنف : ( وقيل مطلقا ) ، أي : وقيل يصح مطلقا ، أي : غير مقيّد بالإجازة.

قال الشارح السيد : وهذا القول لم نقف عليه في كتب أصحابنا ، وإنما نقله المصنف وابن سعيد (٣).

إذا تقرر هذا : فعلى القول الأول الحكم ظاهر ، وعلى الثاني لا ضمان على العامل لو أجازت المالكة البيع لما يفوت من المهر والنفقة ، لأن ذلك باختيارها ، أما على الثالث فيضمن إذا كان عالما ، لأن التفويت جاء من قبله ، والأصح هو الثاني.

قوله : ( وكذا لو اشترى من له عليه مال ).

أي : وكذا يجي‌ء ما سبق لو اشترى عامل القراض عبدا لمالك مال القراض عليه مال فيحتمل بطلان الشراء من رأس ، لتضرر المالك بسقوط ماله بدخوله في ملكه ، لامتناع أن يثبت له على عبده مال.

ويحتمل وقوعه موقوفا إذ لا يقصر عن الفضولي ، ويحتمل صحته ونفوذه‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٦.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣١٦.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ١٤٢.

١٠٤

والوكيل في شراء عبد مطلق لو اشترى أب الموكل احتمل الصحة وعدمها ، والمأذون له في شراء عبد كالوكيل ، وفي التجارة كالعامل.

______________________________________________________

لتناول عقد القراض الاذن في شرائه ، لكونه مالا قابلا للاسترباح. فإن قلنا بهذا الأخير ففي تضمين العامل إشكال ينشأ : من أن سقوط دين المالك بسبب فعله فكان ضامنا ، لأنّه سبب الإتلاف ، كذا قال في التذكرة (١).

وعلى ما ذكره هنا في المسألة السابقة فحقه الجزم بالضمان في هذه أيضا ، والأصح الثاني. والظاهر انه لا فرق بين أن يكون له عليه مال مستحق الآن كدية الجناية خطأ ، أو في ذمته بحيث يتبع به بعد العتق.

قوله : ( والوكيل في شراء عبد مطلق لو اشترى أب الموكل احتمل الصحة وعدمها ).

وجه احتمال الصحة عموم الاذن هاهنا المتناول لمحل النزاع ، وربما تعلّق به غرض الموكل للفوز بثواب العتق ، بخلاف القراض فإن الغرض الاسترباح بالتقليب والبيع والشراء فلم يتناول الاذن في شراء نحو الأب.

ووجه العدم أن المتبادر من اللفظ شراء عبد تجارة أو عبد قنية ، وشراء من ينعتق ليس واحدا منهما. ولما فيه من الضرر بتلف الثمن لبذله في مقابل ما لا تبقى ماليته ، فحينئذ يكون فضوليا فيقف على الإجازة عند من قال : إنّ الفضولي يقع موقوفا ، وهو الأصح.

قوله : ( والمأذون له في شراء عبد كالوكيل ، وفي التجارة كالعامل ).

أي : والعبد المأذون له في شراء عبد إن اذن له في شراء عبد ولم يقيّد بكونه للتجارة فهو كالوكيل ، وإن قيّد بذلك فهو كالعامل ، فيأتي في صحة البيع وفساده ووقوعه موقوفا لو اشترى من ينعتق على السيد ما سبق.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٨.

١٠٥

ولو اشترى العامل من ينعتق عليه ولا ربح في المال صح ، فإن ارتفع السوق وظهر ربح وقلنا يملك به عتق حصته ، ولم يسر على اشكال ، إذ لا اختيار في ارتفاع السوق ، واختياره السبب وإن كان فيه ربح وقلنا انه لا يملك العامل بالظهور صح ولا عتق ، وإن قلنا يملك فالأقرب الصحة فينعتق نصيبه ، ويسري إلى نصيب المالك ، ويغرم له حصته لاختياره الشراء.

ويحتمل الاستسعاء في باقي القيمة للمعتق وإن كان العامل موسرا ، والبطلان ، لأنه مخالف للتجارة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اشترى العامل من ينعتق عليه ولا ربح في المال صح ، فإن ارتفع السوق وظهر ربح وقلنا يملك به عتق حصته ، ولم يسر على اشكال ، إذ لا اختيار في ارتفاع السوق ، واختياره السبب ).

ما سبق حكم ما إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك ، وهذا حكم من ينعتق على العامل.

فإذا اشترى أباه فلا يخلو : إما أن يكون في المال ربح ، أو لا. فإن لم يكن فيه ربح صحّ الشراء قطعا ، لعدم المانع ، ثم إن لم يظهر فيه ربح حتى بيع فلا بحث ، وإن ارتفع السوق وظهر ربح : فإما أن نقول بأن العامل يملك الحصة من الربح بالظهور ، أو لا. فإن قلنا بالأول عتق نصيب العامل لحصول المقتضي.

وهل يسري الى الباقي؟ ذكر المصنف فيه إشكالا ينشأ : من أن حصول الملك له لم يكن باختياره ، لأنه إنما حصل بارتفاع السوق ، وارتفاعه لا دخل لاختياره فيه ، فكان كالإرث الحاصل على وجه قهري فلا يسري.

ومن أنه اختار السبب وهو الشراء ، إذ لولاه لم يملك شيئا بارتفاع السوق ، واختيار السبب اختيار للمسبب.

وفيه نظر ، لأن الشراء ليس هو مجموع السبب وإنما هو سبب بعيد ، والسبب‌

١٠٦

______________________________________________________

القريب إنما هو ارتفاع السوق الذي لا دخل للاختيار فيه ، فلا يكون الملك بالاختيار ، لأن جزء سببه غير مقدور.

لكن روى ابن أبي عمير في الصحيح ، عن محمد بن قيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل دفع الى رجل ألف درهم مضاربة ، فاشترى أباه وهو لا يعلم؟ قال : « يقوّم ، فإن زاد درهما واحدا أعتق واستسعى في مال الرجل » (١). وهي كما يحتمل كون الربح موجودا وقت الشراء يحتمل تجدده ، فيكون حجة في محل النزاع ، لأن ترك الاستفصال دليل العموم.

والضمير في « أعتق » يعود الى ما عاد اليه ضمير « زاد » و « يقوّم » وهو الأب ، فيعتق جميعه. ولا يضر ذكر الاستسعاء ، لإمكان إجرائه على ظاهره ، أو الحمل على إعسار العامل ، والعمل بالرواية قريب.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( إذ لا اختيار في ارتفاع السوق ) إشارة الى أحد الوجهين من وجهي الاشكال ، وهو وجه عدم السراية.

وقوله : ( واختياره السبب ) إشارة إلى الوجه الثاني ، وهو مرفوع على انه مبتدأ محذوف الخبر تقديره : واختياره السبب ثابت ، ونحوه ، وإن كان عطفه على قوله : ( لا اختيار في ارتفاع السوق ) ليكون في حيز « إذ » غير مطبوع. كما أن تقدير اللام محذوفة ليكون تقديره : ولاختياره السبب غير حسن ، وإن كان فيه ربح حال الشراء ، وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( وإن كان فيه ربح وقلنا لا يملك بالظهور صح ولا عتق ، وإن قلنا يملك فالأقرب الصحة فينعتق نصيبه ، ويسري الى نصيب المالك ، ويغرم له حصته لاختياره الشراء ويحتمل الاستسعاء في باقي القيمة للمعتق وإن كان العامل موسرا ، والبطلان ، لأنه مخالف للتجارة ) وتحقيقه : انه إذا كان الربح وقت الشراء فإما أن نقول : إن العامل انما يستحق الأجرة دون الحصة المشروطة ، أو نقول : يملكها لكن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤١ حديث ٨ ، الفقيه ٢ : ١٤٤ حديث ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ حديث ٨٤١.

١٠٧

______________________________________________________

بالإنضاض أو القسمة ، فلا بحث في صحة الشراء إذ لا مانع فإنه لا عتق حينئذ.

وإما أن نقول : بأنه يملك الحصة بمجرد ظهور الربح ، ففيه احتمالان أقربهما عند المصنف صحة البيع ، لحصول المقتضي وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ حصول الضرر على المالك وهو منتف هاهنا ، لأن العتق إنما هو على العامل دون المالك ، وحينئذ فينعتق نصيب العامل لدخوله في ملكه ، ويسري الى نصيب المالك على ما اختاره المصنف ، ويغرم له حصته ، لاختياره الشراء الذي هو السبب ، واختيار السبب اختيار للمسبب.

ويحتمل ـ بناء على صحة البيع وانعتاق نصيب العامل ـ أن لا يقوّم نصيب المالك على العامل ، بل يستسعي العبد في باقي قيمته للمالك وإن كان العامل موسرا ، فإنه لا بحث في الاستسعاء إذا كان معسرا وهو اختيار أبي القاسم بن سعيد (١) ، لدلالة الرواية السالفة وغيرها على ذلك. ولأن التقويم على خلاف الأصل ، إذ هو شغل لذمة بريئة فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

الاحتمال الثاني : بطلان البيع ، لأنه مناف لمقصود القراض ، إذ الغرض هو الشراء للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح ، وهذا شراء يعقبه العتق فيكون مخالفا للتجارة ، فلا يكون مأذونا فيه فيكون باطلا ، أي : غير نافذ مع عدم الإجازة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الرواية دالة على صحة البيع ونفوذ العتق ، فتدل على صحته فيما إذا كان العبد بحيث يعتق على المالك وأذن فيه فلا يكون منافيا لمقصود القراض ويكون اشتراط الإذن هناك لما يلزم من الضرر. فتثبت الحصة ـ كما اختاره الشيخ (٢) ـ لا الأجرة كما اختاره المصنف.

وأمّا الاستسعاء فظاهر الرواية ثبوته مطلقا ، فإن قام الدليل على أنّ العتق بالشراء موجب للسراية نزلت على اعتسار العامل. فإذا نحن في السراية في الموضعين.

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ١٤٢.

(٢) المبسوط ٣ : ١٧٥.

١٠٨

المطلب الثاني : ليس للعامل أن يسافر إلاّ بإذن المالك ، فإن فعل بدون اذن ضمن وتنفذ تصرفاته ويستحق الربح.

ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها ، أو بابتياع شي‌ء معيّن فابتاع غيره ضمن ، ولو ربح حينئذ فالربح بينهما على الشرط.

______________________________________________________

هذا ، وقوله : ( ولم يسر على إشكال ) من المتوقفين.

قوله : ( ليس للعامل أن يسافر إلاّ بإذن المالك ، فإن فعل بدون إذن ضمن ، وتنفذ تصرفاته ، ويستحق الربح ).

أمّا عدم جواز السفر بدون الإذن فهو مذهب علمائنا ، لأنّ فيه تغريرا بالمال ، ولأنّه لا يتبادر من إطلاق العقد ولا يتفاهم منه ليكون شاملا له ، وللروايات الصريحة في ذلك عن أهل البيت عليهم‌السلام : مثل رواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (١) ، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٢) ، وقد تضمنت نفوذ التصرفات واستحقاق الحصة من الربح مع الضمان لو خالف.

وأيضا فإنّه لا منافاة بين المنع من السفر ونفوذ البيع ، فإنّه مأذون في التجارة من حيث هي تجارة وإن منع من السفر باعتبار التغرير فإنّ المنع من أحد المتقارنين لا يقتضي بمجرده المنع من الآخر ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطريق مخوفا أو لا.

قوله : ( ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر الى غيرها ، أو بابتياع شي‌ء معين فابتاع غيره ضمن ، ولو ربح حينئذ فالربح على الشرط ).

أمّا الضمان فلا بحث فيه ، للمخالفة ، ومع ذلك فإذا سافر الى غير الجهة المأمور بها ، وكان المتاع الذي يريد بيعه مثلا انقص قيمة من الجهة الأخرى بما لا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ حديث ٨٣٦.

١٠٩

ولو سوّغ له السفر لم يكن له سلوك طريق مخوّف ، فإن فعل ضمن.

______________________________________________________

يتغابن به في العادة لا يجوز البيع ، فإن فعل لم يكن نافذا إلاّ مع الإجازة ، صرّح بذلك في التذكرة (١) ، وحيث يصحّ فالثمن مضمون عليه.

وأمّا نفوذ البيع واستحقاق الحصة من الربح إذا أمره بابتياع شي‌ء معين فخالف فلظاهر صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يعطي الرجل مضاربة فيخالف ما شرط عليه والربح بينهما (٢). وفي صحيحة أخرى مرسلة عن رجل عن الصادق عليه‌السلام : في رجل دفع الى رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى غير الذي أمره ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرط » (٣) وهذه نص في الباب.

وهنا إشكال هو : إنّ الشراء الواقع حينئذ غير مأذون فيه ، فيجب أن يكون فضوليا يقف على الإجازة ، ولا يستحق به العامل أجرة لتبرعه به. لكن لا سبيل الى ردّ الرواية الصحيحة (٤) المعتضدة بعمل الأصحاب.

قوله : ( ولو سوغ له السفر لم يكن له سلوك طريق مخوف ، فإن فعل ضمن ).

هذا إذا أطلق له الإذن ، ولو سوغ له سلوك المخوف ، فعدم الجواز بحاله للتغرير بنفسه.

ولو لم يخف على نفسه ولا ماله فهل يحرم عليه إذا خاف على مال المضاربة؟ يحتمل ذلك ، للنهي عن إضاعة المال ، ويحتمل العدم ، لأنّ الإضاعة غير متيقنة ، وعلى‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ١.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٣ حديث ٨٥٣.

(٤) في « ه‍ » : الصريحة.

١١٠

فإذا أذن في السفر فاجرة النقل على مال القراض ، ونفقته في الحضر على نفسه ، وفي السفر من أصل القراض كمال النفقة على رأي ، فلو كان معه غيره قسّط.

ويحتمل مساواة الحضر ، واحتساب الزائد على القراض.

______________________________________________________

كل حال فلا ضمان.

وهذا قد يستفاد من مفهوم عبارة التذكرة حيث قال : وكذا لو أذن له في السفر مطلقا لم يكن له السفر في طريق مخوف (١).

قوله : ( وأجرة النقل على مال القراض ).

أي : نقل مال القراض إذا جرت العادة بالاستئجار على نقله ، ولو جرت العادة بحمله كلؤلؤة كبيرة فليس ببعيد عدم جواز الاستئجار عليه. وهذا إنّما هو مع الاذن في السفر لا مطلقا ، فإنّه مع عدمه يضمن أجرة النقل.

قوله : ( ونفقته في الحضر على نفسه ).

عند علمائنا أجمع ، فلا يسوغ له أن يتناول من مال القراض شيئا وإن قل ، ولا أن يواسي منه بشي‌ء كالغذاء ودفع كسرة الى السقاء ، ونحو ذلك.

قوله : ( وفي السفر من أصل القراض كمال النفقة على رأي ، فلو كان معه غيره قسط. ويحتمل مساواة الحضر واحتساب الزائد على القراض ).

المشهور بين الأصحاب أنّ العامل يستحق الإنفاق في السفر من أصل مال القراض كمال النفقة ، ذهب الى ذلك الشيخ في النهاية (٢) والخلاف (٣) ، وأكثر‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤١.

(٢) النهاية : ٤٣٠.

(٣) الخلاف ٢ : ١١٤ مسألة ٦ كتاب القراض.

١١١

______________________________________________________

الأصحاب (١) ، واختاره المصنف في كتبه (٢) وهو الأصح ، لأنّه بسفره انقطع الى العمل في مال القراض ، فناسب أن تكون النفقة على المال ، ولصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « في المضاربة ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه » (٣). وهو ظاهر في المطلوب ، لأنّ « ما » للعموم.

وذهب في المبسوط الى عدم الاستحقاق ، وإنّ نفقته من ماله كالحضر ، ولأنّه دخل على أنّ له سهما معلوما من الربح فلا يستحق سواه ، وقد لا يربح المال أكثر من النفقة. وذهب أيضا الى أنّه على تقدير القول بالاتفاق إنّما يستحق ما زاد على نفقة الحضر من مأكول وملبوس وآلات ، لأنّه الذي اقتضاه السفر (٤) ، والحجة الحديث السابق.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ استحقاقه للإنفاق من مال القراض ـ كمال النفقة أو بعضها ـ إنّما هو إذا لم يكن معه مال آخر لنفسه أو غيره ، فإن كان معه مال آخر قسطت النفقة عليهما على قدر المالين.

ويحتمل التقسيط على قدر العمل في المالين ، والأول أوجه ، لأنّ استحقاق النفقة في مال القراض منوط بكونه الباعث على السفر ، ولا نظر الى العمل في ذلك.

ويرد عليه ما لو أخذ مضاربة في حال السفر فإنّه يقتضي أن لا يستحق نفقة أصلا ، وهنا مباحث :

الأول : زعم الشارح الفاضل أنّ التقسيط على تقدير أن يكون مع العامل مال آخر يتفرع على وجوب كمال النفقة من مال القراض ، لا على القول بأنّ الواجب‌

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر : ٢٥٦ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٣٨ وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٦.

(٢) المختلف : ٤٨١ ، التذكرة ٢ : ٢٤٢ ، التحرير ١ : ٢٧٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٤١ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ حديث ٦٣٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ حديث ٨٤٧.

(٤) المبسوط ٣ : ١٧٢.

١١٢

______________________________________________________

هو الزيادة خاصة. فعلى هذا القول تكون نفقته على نفسه (١).

والظاهر أنّ ذلك سهو ، فإن المقتضي في الموضعين واحد ، وإنّما أوقعه في ذلك التفريع الواقع في عبارة المصنف حيث قال بعد قوله : ( كمال النفقة ) : ( فلو كان معه غيره ... ) ولا دلالة فيها ، فإنّ التفريع كما يكون على القول يكون على الآخر ، وعدم التعرض اليه لكونه ليس مختارا له. وعبارة التحرير (٢) والتذكرة (٣) مطلقة ، فتجري على القولين. ثم إنّ قول المصنف : ( فلو كان معه غيره ) يشمل مال نفسه ومال غيره.

الثاني : قول المصنّف : ( ويحتمل مساواة الحضر ... ) يمكن أن يكون إشارة إلى القول الذي إختاره الشيخ في المبسوط (٤) تفريعا على القول باستحقاق النفقة ، فيكون معناه : استواء الحضر والسفر في أنّ مقدار نفقة الحضر من ماله والزائد محسوب من القراض ويكون أحد المتساويين.

ووجه المساواة محذوفين في العبارة تقديره : ويحتمل مساواة الحضر السفر في كون مقدار نفقة الحضر من العامل والزائد على القراض. ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى القولين ، فقوله : ( ويحتمل مساواة الحضر ) إشارة الى عدم استحقاق النفقة أصلا. وقوله : ( واحتساب الزائد على القراض ) إشارة إلى القول الثالث فيكون في حيّز : ( ويحتمل ).

والشارح السيد جعل قوله : ( ويحتمل ... ) احتمالين ـ هما من تتمة أحكام ما إذا كان معه مال آخر في مقابل التقسيط ـ : أحدهما كون النفقة كلّها في مال العامل كالحضر ، لأنّه إنّما سافر في تجارته وأراد أن يزداد في الربح فأخذ مال القراض‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٢.

(٢) التحرير ١ : ٢٧٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٤٢.

(٤) المبسوط ٣ : ١٧٢.

١١٣

ولو انتزع المالك منه المال في السفر فنفقة العود على خاص العامل ،

______________________________________________________

مستصحبا له.

والثاني : استحقاق الزائد على نفقة الحضر من مال القراض في الفرض المذكور ، لأنه مشغول بمصلحته كما كان حاضرا ، وإنّما لزمه بسبب السفر المقدر الزائد على نفقة الحضر فكان له إنفاقه لا غير ، وليس بشي‌ء.

الثالث : لو شرط عدم النفقة لم ينفق ، ولو شرطها فهو تأكيد. وهل يشترط تعيينها حينئذ؟ يحتمل ذلك حذرا من جهالة الشرط ، ويحتمل العدم لثبوتها بدون الشرط ، فلا يزيد الاشتراط على الثابت بالأصل.

وانّما ينفق بالمعروف مع الإطلاق ، فإن أسرف حسب عليه ، وإن قتر لم يكن له أخذ الفاضل ، وكلّما يبقى من أعيان النفقة كالثوب والقربة يجب ردّه بعد العود الى القراض.

الرابع : لو شرط في القراض النفقة فأخذ من آخر قسط ، لأن ذلك منزّل على اختصاصه بالعمل له. وكذا لو شرطا. ولو شرط أحدهما وأطلق الآخر ، فإن علم الأول بالقراض الآخر فالنفقة من ماله خاصة عملا بالشرط ، وإلاّ قسّط. ولا يخفى أن استحقاق النفقة انما هو حيث لم يكن سفره بغير إذن المالك.

قوله : ( ولو انتزع المالك منه المال في السفر فنفقة العود على خاص العامل ).

أي : فنفقة العامل في حال العود عليه لا في مال القراض ، خلافا لبعض العامة ، لأنّه استحق النفقة ذهابا وعودا حين السفر (١) ، وهو ضعيف. ولا غرور ، لأنّ‌

__________________

(١) انظر : المدونة الكبرى ٥ : ٩٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، المغني لابن قدامة ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ١٦٥.

١١٤

ولو مات لم يجب تكفينه.

المطلب الثالث : ليس للعامل وطء أمة القراض وإن ظهر الربح ، فان فعل من غير إذن حدّ ، وعليه المهر ، وولده رقيق إن لم يظهر ربح ، ولا تصير أم ولد. ولو ظهر ربح انعقد حرا ، وهي أم ولد ، وعليه قيمتهما.

______________________________________________________

العقد الجائز يجوز فسخه دائما ، وقد دخلا على ذلك.

قوله : ( ولو مات لم يجب تكفينه ).

أي : لو مات العامل لم يحسب كفنه من مال القراض بل من ماله ، لأنّه استحق النفقة في حال الحياة لا مطلقا. وكذا لو مرض فاحتاج الى دواء ونحوه فإنه من ماله.

قوله : ( ليس للعامل وطء أمة القراض وان ظهر الربح ، فإن فعل من غير اذن حدّ ).

كمال الحد إن لم يكن ربح ، وإلاّ فبقدر نصيب المالك على القول بأنه يملك الربح بالظهور.

قوله : ( وعليه المهر ).

ولو كانت عالمة بالتحريم مطاوعة ففي وجوبه إشكال سبق في الغصب ، والأصح عدم الوجوب.

قوله : ( ولو ظهر ربح انعقد حرا وهي أم ولد ).

لأنّه لاحق بالواطئ ، لأنّ بعضها ملك له ، ولا يتصور التبعيض في اللحاق وحينئذ فيتحقق معنى الاستيلاد ، وبه رواية (١) سبقت في البيع.

قوله : ( وعليه قيمتها عند الولادة ).

لأنّه وقت تقويم الولد ووقت صيرورة الموطوءة أم ولد.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

١١٥

وليس للمالك وطء الأمة أيضا ، فإن فعل فهي أم ولد إن علقت ، ولا حد ،

______________________________________________________

قوله : ( وليس للمالك وطء الأمة أيضا ).

سواء كان هناك ربح أم لا صرّح به في التذكرة ، لأنّ حق العامل قد تعلق بها ، والوطء ينقصها إن كانت بكرا أو يعرضها للخروج من المضاربة ، وللتلف ، لأنّه ربّما يؤدي الى إحبالها.

كذا قال في التذكرة ، ثم قال بعد ذلك : إنّ انتفاء الربح في المتقومات غير معلوم ، وإنّما يتيقن الحال بتنضيض المال ، أمّا لو تيقن عدم الربح فالأقرب أنّه يجوز له الوطء (١).

هذا كلامه ، إلاّ أنّ هذا مناف لإطلاق كلامه بعد في التذكرة أيضا بأنّ المالك ليس له أن يكاتب عبد القراض إلاّ برضاء العامل.

قال في التذكرة أيضا : وإذا قلنا بالتحريم ووطأ فالأقرب أنّه لا يكون فسخا (٢).

أقول : حيث أنّ الوطء لا يعد فسخا فينبغي أن لا يجوز الوطء للمالك حتى يحصل الفسخ وإن لم يكن ربح ، لثبوت علاقة العامل بالمال بنفس عقد القراض ، فلا يسوغ كلّما يفضي الى زوالها.

نعم ، عدم جعل ذلك فسخا لا يخلو من نظر ، فإنّه إذا وقع في البيع من البائع وكان له الخيار كان فسخا ، فكيف في العقد المبني على الجواز.

قوله : ( فان فعل فهي أم ولد إن علقت ولا حد ).

أمّا صيرورتها أم ولد فلا بحث فيه ، وأمّا أنّه لا حد ، فلأنّها إذا لم يظهر ربح‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

١١٦

وتحتسب قيمتها وتضاف إليها بقية المال ، وان كان فيه ربح فللعامل حصته.

ولو أذن له المالك في شراء أمة يطؤها قيل جاز ، والأقرب المنع ، نعم لو أحله بعد الشراء صح.

______________________________________________________

ملك له خاصة ومع الظهور يدرأ بالشبهة ، لأنّ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شي‌ء إلاّ بعد البيع وظهور الربح والقسمة ، كذا قال في التذكرة (١).

ويشكل بأنّ المالك ربّما كان قائلا باستحقاق العامل الحصة بظهور الربح ، فكيف يستقيم نفي الحد هاهنا وعدّ ذلك شبهة؟ فإنّ صحّ ذلك يلزم أن كل ما وقع الاختلاف فيه يعد شبهة.

قوله : ( وتحتسب قيمتها ، ويضاف إليها بقية المال ).

ليكون الجميع رأس مال القراض ، لأنّ العقد لا يبطل بذلك.

قوله : ( وإن كان فيه ربح فللعامل حصته ).

أي : إن كان في المأخوذ قيمة ربح فللعامل أخذ حصته منه ، لأنّه قد نض حينئذ فله المطالبة بحقه.

ويشكل بأنّه إن كان فسخا للقراض لم يكن لإضافة بقية المال إليها معني ، بل لا بد من عقد جديد ، وإن لم يكن فملك العامل لا يستقر على الحصة من الربح بذلك.

قوله : ( ولو أذن له المالك في شراء أمة يطأها ، قيل : جاز ، والأقرب المنع ، نعم لو أحلّه بعد الشراء صحّ ).

القائل بالجواز هو الشيخ في النهاية (٢) ، تعويلا على رواية الكاهلي عن ابي الحسن عليه‌السلام (٣) ووجه القرب المستفاد من قوله تعالى : ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) النهاية : ٤٣٠.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩١ حديث ٨٤٥.

١١٧

وليس لأحدهما تزويج الأمة ولا مكاتبة العبد ، فان اتفقا عليهما جاز.

وليس له ان يخلط مال المضاربة بماله ، إلاّ مع إذنه فيضمن بدونه ، ولو قال : اعمل برأيك فالأقرب الجواز.

______________________________________________________

مامَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١) ، ولأنّ أمر الفروج مبني على الاحتياط التام فلا يعول فيه على مثل هذه الرواية ، والأصح المنع أمّا إذا وقع التحليل بعد الشراء على وطئه فلا بحث في الجواز.

فرع : لو ظهر ربح لم تحل الأمة بالتحليل على الأصح (٢).

قوله : ( وليس لأحدهما تزويج الأمة ولا مكاتبة العبد ، فإن اتفقا عليهما جاز ).

أمّا عدم الجواز للعامل فظاهر ، وأمّا المالك ، فلأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقص قيمتها فيتضرر به العامل.

والكتابة خلاف وضع القراض ، لما عرفت غير مرة من أنّ وضعه على الاكتساب بالبيع والشراء وما في معناهما ، أمّا إذا اتفقا فلا بحث في الجواز.

قوله : ( وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله إلاّ مع إذنه فيضمن بدونه ).

لأنّ الشركة عيب ، ولا دلالة لعقد القراض على الإذن فيه ، فإذا فعل بغير إذن فقد تعدّى فيضمن.

قوله : ( ولو قال : اعمل برأيك فالأقرب الجواز ).

أي : فالأقرب جواز الخلط ، ووجه القرب : إنّه قد عمّم له الإذن في التصرف‌

__________________

(١) المؤمنون : ٦.

(٢) هذا الفرع لم يرد في « ك‍ ».

١١٨

وليس له أن يشتري خمرا ولا خنزيرا إذا كان أحدهما مسلما ، وليس له أن يأخذ من آخر مضاربة إن تضرر الأول إلاّ بإذنه ، فإن فعل وربح في الثانية لم‌ يشاركه الأول.

______________________________________________________

باختياره ، فيندرج فيه محل النزاع.

وقيل : لا يجوز ذلك ، لأنّه ليس من التجارة.

ويضعّف بأنّه إذا كان فيه غبطة كان من توابعها.

وربّما وجه عدم الجواز بأنّ الرأي مصدر لا عموم له ويضعّف بأنّ المتبادر من هذه الصيغة باعتبار الاستعمال هو العموم ، إذ لا يراد ولا يفهم منها إلاّ تفويض التصرفات إلى رأيه ، فكأنّه قال له : اعمل برأيك في كل موضع ومعلوم أنّه لا يراد به عمله برأيه وقتا ما أو مرة ما ، فكان القول بالجواز مع المصلحة أقوى.

قوله : ( وليس له أن يشتري خمرا ولا خنزيرا إذا كان أحدهما مسلما ).

وكذا كلّ ما لا يجوز للمسلم شراؤه كالميتة.

قوله : ( وليس له أن يأخذ من آخر مضاربة إن تضرر الأول إلاّ بإذنه ).

يتحقق تضرر الأول بأن يكون العمل في المال الثاني مانعا عن العمل الأول ، أو عن كماله ، أو عجزه عن حفظهما وضبطهما وإنّما لم يجز ذلك ، لأنّ المضاربة مبنية على الحظ والاستنماء فإذا فعل ما يمنع ذلك لم يكن له ، كما لو أراد التصرف بخلاف الغبطة.

فإن قيل : إنّ المالك الأول لم يملك منافعه ، فكان له صرفها في أمر آخر.

قلنا : وإن لم يكن ملكها لكنه تعين صرفها في العمل للقراض الأول بمقتضى العقد ، ولهذا لا يجوز له ترك المال بغير عمل ، ولا التقصير عن العمل الذي جرت به العادة ، نعم لو لم يتضرر لم يمنع.

قوله : ( فإن فعل وربح في الثانية لم‌ يشاركه الأول ).

١١٩

ولو دفع إليه قراضا وشرط أن يأخذ له بضاعة فالأقوى صحتهما. ولو قارض اثنان واحدا وشرطا له النصف وتفاضلا في الباقي مع تساوي المالين ، أو بالعكس فالأقوى الصحة.

______________________________________________________

أي : فإن أخذ مضاربة بدون إذن الأول مع تضرره ، وعمل بها فربح كان للعامل حصة من الربح ، ولم يشاركه الأول فيها.

وقال بعض العامة : إنّ حصة العامل تضم الى ربح المضاربة الأولى ، لأنّه استحق حصته من الربح بالمنفعة التي استحقت بالعقد (١) وليس بشي‌ء ، لأنّ المنفعة غير مملوكة له ، ولأنّ استحقاق الربح في المضاربة إما بالمال أو العمل. وكلاهما منتف هنا.

قوله : ( ولو دفع اليه قراضا ، وشرط أن يأخذ له بضاعة فالأقوى صحتهما ).

أي : صحة القراض والشرط ، وقد سبق البحث في هذه المسألة أول القراض وذكرنا خلاف الشيخ وبيّنّا وجه الصحة.

قوله : ( ولو قارض اثنان واحدا وشرطا له النصف ، وتفاضلا في الباقي مع تساوي المالين ، أو بالعكس فالأقوى الصحة ).

مقتضى إطلاق العبارة أنّه لا فرق بين كون المالين ممتزجين وعدمه ، وأنّه لا فرق بين كون حصة العامل مشروطة من مجموع ربح المالين أو من ربح كل منهما وحده.

فأمّا إذا شرطت حصة العامل من المجموع فوجه الصحة وجود المقتضي ، وهو صدور العقد من أهله في محله ، وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ تفاضل المالكين في الربح مع تساوي المالين ، أو تساويهما فيه مع تفاضل المالين ، وذلك لا يصلح للمانعية ، لأنّ‌

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامة ٥ : ١٦٣ الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ١٥٦.

١٢٠