جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

ولو أقاما بينة احتمل تقديم بينة الآخر ، وقيل القرعة.

ولو ادعى العامل العارية ، والمالك الحصة أو الأجرة قدّم قول المالك في عدم العارية ، وله اجرة المثل مع يمين العامل ما لم تزد على المدعى ، وللزارع التبقية إلى وقت الأخذ.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أقاما بينة احتمل تقديم بينة الآخر ، وقيل : القرعة ).

وجه الأول : أن المقدّم هو بينة الخارج أعني المدعي ، وقد سبق أن المدعي في المسألة الاولى هو مدعي زيادة المدة ، وفي الثانية هو غير صاحب البذر ، فتعيّن تقديم بينتهما.

ووجه الثاني : أن ذلك أمر مشكل ففيه القرعة.

وتنقيحه : أن ذلك على تقدير كون كل منهما مدعيا ومنكرا واضح ، أما على القول بأن المدعي أحدهما بعينه فلا يجي‌ء احتمال القرعة. وحيث اختار الأصحاب وجوب اليمين على منكر الزيادة (١) ، فالمذهب تقديم بينة الآخر.

قوله : ( ولو ادعى العامل العارية ، والمالك الحصة أو الأجرة قدّم قول المالك في عدم العارية ، وله اجرة المثل مع يمين العامل ما لم تزد عن المدعى ، وللزارع التبقية إلى وقت الأخذ ).

لا ريب في أنه إذا ادعى العامل العارية ، والمالك الحصة بالمزارعة أو الأجرة ، بالإجارة كل واحد منهما مدع ومنكر ، لأن العامل يدعي على المالك إباحة المنافع له والمالك ينكر ، ويدعي على العامل استحقاق الأجرة أو الحصة والعامل ينكر فيتحالفان ، فيحلف المالك لنفي العارية فتندفع دعوى‌

__________________

(١) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ١٥٢ ، والشهيد في اللمعة : ١٥٩.

٣٤١

أما لو قال : غصبتنيها ، فإنه يحلف ويأخذ الأجرة والأرش إن عابت وله المطالبة بطم الحفر وإزالة الزرع.

______________________________________________________

إباحة المنافع ، ويحلف العامل لنفي الأجرة أو الحصة فتندفع دعوى المالك عليه عوضا معينا ، لاندفاع الإجارة والمزارعة فتجب اجرة المثل.

لكن يشترط أن لا تزيد عن المدعى للمالك ، فإن زادت وجب المدعى ، لاعتراف المالك بعدم استحقاق الزائد ، فيتجه في هذه الصورة عدم إحلاف العامل ، إذ لا فائدة ليمينه حينئذ أصلا ، لأنه لو أقر بدعوى المالك ، أو رد اليمين على المالك فحلف لم يختلف الحال ، فلا فائدة لهذا اليمين أصلا ، وما هذا شأنه فحقه أن لا يتوجه.

واعلم أن ما ذكره المصنف من التحالف إنما يجي‌ء إذا كان الاختلاف بعد استيفاء المنافع ، إذ لو كان في مبدأ الأمر لكان اليمين على العامل لنفي دعوى المالك. ودعوى العامل العارية تندفع بإنكار المالك ، وقد سبق بيان ذلك في أول التنازع في الإجارة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنهما إذا تحالفا وجبت تبقية الزرع إلى أوان الأخذ ، لاعتراف المالك بأنه زرع بحق. ومنه يعلم أنّ المراد بأجرة المثل : الأجرة إلى أوان الأخذ.

قوله : ( أما لو قال : غصبتنيها فإنه يحلف ويأخذ الآخرة والأرش إن عابت ، وطم الحفر وإزالة الزرع ).

أي : ما سبق من التحالف فيما لو اختلفا في العارية والحصة.

أما لو قال المالك لمن بيده الأرض : غصبتها ، وقال الآخر : أعرتنيها فإن المالك يحلف لنفي العارية ، لأنه المنكر ، فإن الأصل بقاء منافع أرضه له ، وعدم خروجها عنه بعارية ولا غيرها.

والآخر هو المدعي فعليه البينة ، ومع عدمها يحلف المالك لنفي‌

٣٤٢

المقصد الثالث : في المساقاة ، وفيه فصلان :

الأول : في أركانها ، وهي خمسة :

الأول : العقد ، المساقاة معاملة على أصول ثابتة بحصة من

______________________________________________________

العارية فيستمر استحقاقه منافع أرضه ، فيطالب بالأجرة مدة ما كانت في يده ، وأرش النقص ، وبطم الحفر ، وإزالة الزرع إن كان ، لأنه قد انتفى بيمين المالك الاستحقاق الذي ادعاه الزارع.

وقال المصنف في التذكرة في هذه المسألة : حلف العامل على نفي الغصب ، وكان للمالك الأجرة والمطالبة بإزالة الزرع إلى آخره (١) ، وهو سهو قطعا.

قوله : ( المساقاة : معاملة على أصول نابتة بحصة من ثمرها ).

هذا هو المعنى الشرعي ، وقدّمه ، لأنه المقصود هنا. وبقيد الأصول النابتة تخرج المزارعة ، والمعاملة على وديّ (٢) غير مغروس والمغارسة.

قوله : ( بحصة من ثمرها ) مع كونه بيانا للواقع ، تخرج به الإجارة للعمل على الأصول الثابتة ، ونحو ذلك. لكنه تخرج به المساقاة على ما يقصد ورقه ونوره ، لأن المساقاة عليه جائزة عند المصنف ، وكأنه أراد التعريف الجاري على رأي الأكثر.

وفي حواشي شيخنا الشهيد : أن ( النابتة ) تقرأ بالنون متقدمة فيخرج بها الوديّ ، وبالثاء المثلثة متقدمة فيخرج بها نحو الخيار مما هو ملحق بالزرع ، وهو حسن.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٤٠.

(٢) الودي : صغار الفسيل. القاموس المحيط ( ودى ) ٤ : ٣٩٩.

٣٤٣

ثمرها ، وهي مفاعلة من السقي ، وسميت به لأن أكثر حاجة أهل الحجاز إليه لأنهم يسقون من الآبار.

وهي عقد لازم من الطرفين ، ولا بد فيه من إيجاب دال على‌

______________________________________________________

قوله : ( وهي مفاعلة من السقي ، وسميت به ، لأن أكثر حاجة أهل الحجاز إليه ، لأنهم يسقون من الآبار ).

هذا هو المعنى اللغوي ، وقوله : ( وسميت به ) إشارة إلى علاقة النقل ، ومناسبته التي هي بين المعنى المنقول إليه والمنقول عنه. أي : لما كان الأمر الذي تشتد إليه حاجة أهل الحجاز ، وهم الذين كان وضع هذه المعاملة وشرعيتها عندهم هو السقي ، لأنهم يسقون من الآبار سمّوا هذه المعاملة باسم مأخوذ من السقي ، لأن بقية الأعمال التي يقوم بها العامل من إصلاح الثمرة ، والتلقيح ، ونحوهما كالتابع بالنسبة إلى السقي ، لأنه الركن الأعظم.

قوله : ( وهي عقد لازم من الطرفين ).

إجماعا ، ولأنه الأصل ، لظاهر قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، وقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٢) فيجب فيه ما يجب في سائر العقود اللازمة من التلفظ بالعربية ، ووقوع القبول على وفق الإيجاب على الفور ، وغير ذلك مما بيّن غير مرة. وليس لأحدهما فسخه بغير مقتض ، إلا بالتقايل والتراضي.

قوله : ( ولا بد فيه من إيجاب دال على المقصود بلفظ المساقاة‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥ ، عوالي اللآلي ٣ : ٢١٧ حديث ٧٧.

٣٤٤

المقصود بلفظ المساقاة ، وما ساواه نحو : عاملتك ، وصالحتك ، واعمل في بستاني هذا ، أو سلمت إليك مدة كذا. وقبول وهو اللفظ الدال على الرضى.

ولو قال : استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط مدة كذا بنصف حاصله لم يصح على إشكال ، ينشأ من اشتراط العلم بالأجرة إذا‌

______________________________________________________

وما ساواه ، نحو : عاملتك ، وصالحتك ، واعمل في بستاني هذا ، أو سلّمت إليك مدة كذا ).

حيث قد عرفت أن صيغ العقود اللازمة تحتاج إلى توقيف الشارع ، وعرفت أن أصرح صيغ الإنشاء هي صيغة الماضي ، ولذلك اختارها الشارع في المعاملات ، وجب أن تعرف أن قوله : ( اعمل في بستاني ) لا يكفي في الإيجاب لهذه المعاملة ، واكتفاء المصنف به هنا يؤذن برجوعه عن الإشكال السابق في المزارعة إلى الجزم.

والظاهر خلافه ، لأن هذه المعاملة مشتملة على غرر وجهالة على خلاف الأصل ، فيقتصر فيها على موضع اليقين.

فعلى هذا لو عقدا بهذا اللفظ فهل ينتفي لزوم العقد أم صحته؟ الظاهر الثاني لما نبهنا عليه ، وليس هو كالإجارة والبيع تجري فيهما المعاطاة ، لبعدهما عن الغرر ، وثبوت المعاطاة فيهما عند السلف بخلاف ما نحن فيه.

قوله : ( وقبول ، وهو اللفظ الدال على الرضى ).

أي : الرضي بذلك الإيجاب ، ووجه اشتراطه وما يجب فيه قد علم مما سبق.

قوله : ( ولو قال : استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط مدة كذا بنصف حاصله لم يصح على إشكال ، ينشأ : من اشتراط العلم في‌

٣٤٥

قصدت.

أما إذا تجوّز بلفظها عن غيرها فلا ،

______________________________________________________

الأجرة إذا قصدت ، أما إذا تجوّز بلفظها عن غيرها فلا ).

أي : لو عقد المساقاة بلفظ الإجارة ، فقال : استأجرتك لتعمل في هذا الحائط مدة كذا بنصف حاصله لم يصح على إشكال ، ينشأ : من اشتراط العلم في الأجرة ، إنما هو إذا قصدت الإجارة ، فأما إذا تجوّز بلفظها في غيرها مما لا يشترط فيه العلم فلا اشتراط حينئذ فتصح.

ومن أن لفظ الإجارة صريح في موضوعه لا في المساقاة ، فإذا لم يجد نفوذا في موضعه كان إجارة فاسدة ، ولا تقع به المساقاة ، لأن لكل عقد لفظا يخصه ، فلا يقع بلفظ عقد آخر وقوفا مع توقيف الشارع.

وهذا هو الذي فهمه الشارحان من العبارة (١) ، ويرد عليه : أنه لا دلالة ـ لعدم اشتراط العلم مع التجوز بلفظ الإجارة في المساقاة ـ على صحة المساقاة بلفظ الإجارة.

والذي ذكره المصنف في التذكرة (٢) ، وغيره في بيان وجه الصحة : هو أن كلا من هذين العقدين مشبه للآخر (٣) ، ولفظ كل منهما يحتمل معنى لفظ الآخر ، ويؤيده عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤).

ويحتمل أن يراد بالعبارة معنى آخر ، وهو أن يكون قوله : ( ولو قال : استأجرتك ... ) مرادا به الإجارة ، ويكون قوله : ( إذا قصدت ) شرطا للحكم في ذلك بعدم الصحة على إشكال ، وقوله : ( ينشأ من اشتراط العلم‌

__________________

(١) فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٢٩١.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٤٢.

(٣) التحرير ١ : ٢٥٨.

(٤) المائدة : ١.

٣٤٦

______________________________________________________

بالأجرة ) اعتراض لبيان أحد وجهي الإشكال ، والوجه الآخر متروك بيانه لظهوره. وقوله : ( أما إذا تجوز بلفظها عن غيرها فلا ) معناه : أن الإشكال في الصحة إذا قصد بالإجارة معناها ، فأما إذا قصد بلفظها التجوز في غيرها ـ وهو المساقاة ـ فلا إشكال في عدم الصحة ، لأن العقود اللازمة لا يجازف فيها عندنا ، فلا تقع بالكنايات ولا بالمجازات. ولهذا لا يقع البيع بلفظ الخلع ، ولا النكاح قطعا وإن كان المبيع جارية ، وفي هذا الحمل فوائد :

الأولى : السلامة من طول العبارة بغير فائدة.

الثانية : السلامة من عدم حصول صورة الدليل منها.

الثالثة : أنه لا ربط بين الحكم بعدم الصحة والدليل المذكور على ذلك التقدير ، لأنه حينئذ دليل الصحة والربط وإن لم يكن لازما ، لكنه أحسن والإخلال به مخل بجزالة اللفظ.

الرابعة : حصول مسألة زائدة ، وهو بيان حكم ما إذا قصد الإجارة ، وليس في هذا إلا محذور واحد ، وهو أن المصنف لم يذكر في بطلان نظير هذه المسألة في المزارعة إشكالا ، وذلك غير قادح ، لأن مثل ذلك في كلامه وكلام غيره كثير.

والمسألة في أصلها قابلة للاحتمال ، فإن المساقاة لما كانت معاملة على عمل مخصوص ، بحصة من ثمرة أشجار معلومة كانت في معنى الاستئجار لذلك العمل بالحصة ، فاحتمل الحصة بلفظ الإجارة. وعلى كل حال فالعبارة لا تخلو من شي‌ء ، والأصح هو القول بالبطلان.

واعلم أن المراد بالحائط هنا البستان ، فإنه من أسمائه (١). وفي عبارة المصنف ( أما إذا تجوّز بلفظها عن غيرها ) والصواب في غيرها.

__________________

(١) القاموس المحيط ( حوط ) ٢ : ٣٥٥.

٣٤٧

ولا تبطل بموت أحد المتعاملين.

الثاني : متعلق العقد ، وهو الأشجار كالنخل ، وشجر الفواكه والكرم.

وضابطه : كل ما له أصل نابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا تبطل بموت أحد المتعاملين ).

لا نعرف في ذلك خلافا ، وقد أشرنا إلى الحكم في المزارعة ، نعم لو كان قد اشترط على العامل أن يعمل بنفسه بطل العقد بموته.

قوله : ( الثاني : متعلق العقد ، وهو الأشجار كالنخل ، وشجر الفواكه ، والكرم ).

لا يخفى أن الكرم من شجر الفواكه ، وعطفه عليها ليس بمستقبح ، لكن لو قدمه لكان أوقع ، لأن قوله حينئذ : ( وشجر الفواكه ) يكون تعميما بعد التخصيص.

قوله : ( وضابطه : كل ما له أصل ثابت ، له ثمرة ينتفع بها مع بقائه ).

احترز به عن نحو البطيخ ، والباذنجان ، والقطن ، وقصب السكر فإن هذه ليست كذلك. وإن تعددت اللقطات في الباذنجان ، وبقي القطن أزيد من سنة ، لأن أصول هذه لا بقاء لها غالبا ، وأمد اضمحلالها معلوم عادة.

وأصولها لا تعد أشجارا في العادة ، بخلاف رهنها فإنه جائز ، لأن صحة الرهن تابعة للمالية. ولما لم ينظر إلى أصول هذه الأشياء في نفسها ، ولم يكن المقصود فيها والمعدود مالا إلا ثمرتها ، كان الرهن آتيا على المجموع. فإذا رهنها قبل أن يظهر ما يطلب منها كالباذنجان والخيار دخل عند تجدده ، كما إذا رهن البيضة فأفرخت ، ويخرج به أيضا الوديّ الذي‌

٣٤٨

وفي المساقاة على ما لا ثمرة له إذا قصد ورقه كالتوت والحنّاء إشكال أقربه الجواز ، وكذا ما يقصد زهره كالورد وشبهه ،

______________________________________________________

ليس بمغروس.

قوله : ( وفي المساقاة على ما لا ثمرة له إذا قصد ورقه كالتوت والحنّاء إشكال ، أقربه الجواز ، وكذا ما يقصد زهره كالورد وشبهه ).

أما الإشكال فمنشؤه : من أن المساقاة إنما تجري على الأشجار التي لها ثمرة ينتفع بها مع بقائها ، لأن ذلك موضع النص والإجماع ، وما عداه لا دليل عليه من نص ولا إجماع. والمساقاة على خلاف الأصل ، لأنها معاملة على مجهول ، فيقتصر فيها على موضع الدليل ، ويبقى ما عداه على أصل المنع.

ومن أن الورق والنَّور في المذكورين كالثمرة ، فيكون مقصود المساقاة حاصلا بهما ، لأنهما فائدة تتجدد كل عام مع بقاء الأصل.

ووجه القرب فيهما : أنه قد جاء في لفظ بعض الأخبار : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل والشجر (١) ، و « ما » من أدوات العموم ، فيعم المتنازع. ووجود ذلك في خيبر وإن لم يثبت بالنقل ، إلا أنه يكاد يكون معلوما. على أن ظاهر اللفظ العموم ، فهو دال على جواز المساقاة على كل ما تناوله اللفظ. ولا دليل على اختصاص ذلك بماله ثمرة وإن كان هو الأغلب وجودا ، وما قربه هو الأقرب.

واعلم أن قوله : ( وكذا ما يقصد زهره ) يريد به المشابهة في الإشكال والأقرب.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٩٣ ، ١٩٨ حديث ٨٥٥ ، ٨٧٦ وغيرها ، وهي مصرحة بالنصف ، مسند أحمد ٢ : ١٧ ، ٣٧.

٣٤٩

والبقل ، والبطيخ ، والباذنجان ، وقصب السكر وشبهه ملحق بالزرع ، ولا تصح على ما لا ثمرة له لا يقصد ورقه كالصفصاف.

ولا بد أن تكون الأشجار معلومة

______________________________________________________

قوله : ( والبقل ، والبطيخ ، والباذنجان ، وقصب السكر وشبهه ملحق بالزرع ).

قال في القاموس : البقل : ما ينبت في بزره لا في أرومة ثابتة (١). والمراد بإلحاق ذلك بالزرع : عدم جواز المساقاة عليه ، كما لا يجوز على الزرع وإن كان قد يتجدد نفعه مرة بعد أخرى ، لأن ذلك لا يعد شجرا. وجوّز الشيخ المساقاة على ما يجزّ مرة بعد اخرى (٢) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ولا يصح على ما لا ثمرة له ولا يقصد ورقه كالصفصاف ).

قال في القاموس : الصفصاف شجر الخلاف (٣) ، وذكر في موضع آخر : أن الخلاف مخفف وتشديده لحن ، وأنه صنف من الصفصاف (٤). والحاصل : أن من الخلاف ما له نور يستخرج ماؤه وهو كالورد ، فعلى ما سبق تصح المساقاة عليه.

قوله : ( ولا بد أن تكون الأشجار معلومة ).

أما بأن تكون مرئية مشاهدة وقت العقد أو قبله ، أو موصوفة بوصف يرفع الجهالة ، فلا يصح بدون ذلك ، لأن المساقاة عقد اشتمل على الغرر ، من حيث أن العوض فيه معدوم في الحال ، مجهول القدر والوصف فلا‌

__________________

(١) القاموس المحيط ( بقل ) ٣ : ٣٣٦.

(٢) الخلاف ٢ : ١١٧ مسألة ٣ كتاب المساقاة.

(٣) القاموس المحيط ( صفف ) ٣ : ١٦٣.

(٤) القاموس المحيط ( خلف ) ٣ : ١٣٨.

٣٥٠

ثابتة ، فلو ساقاه على ودي غير مغروس ليغرسه بطل ، وأن لا تكون الثمرة بارزة فتبطل إلا أن يبقى للعامل عمل تستزاد به الثمرة وإن قل كالتأبير ، والسقي ، وإصلاح الثمرة ، لا ما لا يزيد كالجداد ، ونحوه.

______________________________________________________

يحتمل فيه غرر آخر.

ولأنها معاملة لازمة فلا بد فيها من العلم ، إلا ما استثناه الشارع ولا بد منه فيها.

قوله : ( نابتة ، فلو ساقاه على وديّ غير مغروس ليغرسه بطل ).

قال في التذكرة : الوديّ ـ بكسر الدال المهملة بعد الواو المفتوحة والياء المشددة آخرا ـ بوزن غني : فسيل النخل (١).

وفي القاموس : أنها صغار الفسيل (٢) ، ولا شك في عدم صحة المساقاة على ما ليس بمغروس. ولم ينقل في ذلك خلاف إلا لأحمد (٣).

قوله : ( وأن لا تكون الثمرة بارزة فتبطل ، إلا أن يبقى للعامل عمل تستزاد به الثمرة كالتأبير ، والسقي ، وإصلاح الثمرة ، لا ما لا يزيد كالجداد ونحوه ).

المراد من قوله : ( وأن لا تكون الثمرة بارزة ) أن لا تكون قد وجدت وقت العقد ، فلا تصح المساقاة حينئذ ، إلا أن يكون قد بقي فيها عمل تستزاد به الثمرة كالتأبير ، والسقي ، وإصلاح الثمرة ، وجودة إيناعها ، سواء بدا صلاحها أم لا ، فلو لم يبق عمل مستزاد لم تصح المساقاة إجماعا ولأن الثمرة إذا استغنت عن العمل انتفى متعلق المساقاة.

ومن العمل الذي لا تستزاد به الثمرة الجداد ـ بالدالين المهملتين مع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٤٢.

(٢) القاموس المحيط ( ودى ) ٤ : ٣٩٩.

(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ٥٧٨ ـ ٥٧٩.

٣٥١

ولا بد وأن تكون الثمرة مما تحصل في مدة العمل ، فلو ساقاه على ودي مغروس مدة لا يثمر فيها قطعا أو ظنا ، أو متساويا بطل.

ولو علم أو ظن حصول الثمرة فيها صح.

ولو ساقاه عشر سنين وكانت الثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة جاز ،

______________________________________________________

فتح أوله وكسره ـ وهو صرامها ، وتجفيف الثمرة ونقلها ونحو ذلك.

ولو كان العمل بحيث لو لاه لاختل حال الثمرة ، إلا أنه لا تحصل فيه زيادة ، إن أمكن تحقق هذا الغرض فهل تصح معه المساقاة؟.

ينبغي القول بالصحة ، إلا أنه حينئذ لم يتحقق تناهي بلوغ الثمرة فتحققت الزيادة ، لأن كمال البلوغ ونهاية الإدراك زيادة فيها.

قوله : ( ولا بد أن تكون الثمرة مما تحصل في مدة العمل ، فلو ساقاه على وديّ مغروس مدة لا يثمر فيها قطعا أو ظنا أو متساويا بطل ).

وجه البطلان : أنه لا بد من وجود العوض قبل انقضاء مدة المعاملة ، وإلا لخلت عن أحد العوضين ، ولأن ذلك خلاف وضع المساقاة. ولم يتردد المصنف في البطلان هنا ، وتردد في نظيره من المزارعة.

قوله : ( ولو علم أو ظن حصول الثمرة فيها صح ).

لأن الظن مناط أكثر الشرعيات ، ولأن غاية ما يستفاد من العادة المستمرة هو الظن الغالب ، فيمتنع اعتبار غيره.

وأراد بقوله : ( علم ) العلم المستفاد من العادة المستمرة ، وبقوله ( أو ظن ) ما يحصل بالمرجحات عادة ، كاعتبار الزمان في حصول ثمرة أكثر النخيل مثلا.

قوله : ( ولو ساقاه عشر سنين ، وكانت الثمرة لا تتوقع إلا في‌

٣٥٢

ويكون ذلك في مقابلة كل العمل.

وتصح المساقاة على البعل من الشجر ، كما تصح على ما يفتقر إلى السقي.

الثالث : المدة ، ويشترط تقديرها بزمان معلوم كالسنة والشهر ، لا بما يحتمل الزيادة والنقصان ،

______________________________________________________

العاشرة جاز ، ويكون ذلك في مقابلة كل العمل ).

وجه الجواز : اشتمال المساقاة على الأمور المعتبرة فيها جميعا من العمل والحصة ، وكونها على أصول نابتة إلى آخره.

وخلو بعض السنين في خلال المدة عن حصول الثمرة ليس بقادح ، فإن المعتبر حصول الثمرة في مجموع المدة.

قوله : ( وتصح المساقاة على البعل من الشجر ، كما تصح على ما يفتقر إلى السقي ).

في القاموس : البعل : كل نخل وشجر وزرع لا يسقى ، أو ما سقته السماء (١).

ووجه الصحة : أن المساقاة في الأصل وإن كانت مأخوذة من السقي ، إلاّ أنه غير منظور إليه في هذه المعاملة بخصوصه ، بل من حيث أنه عمل محتاج إليه لتلك الأشجار ، فحيث لا يحتاج إليه لا يكون معتبرا.

قوله : ( الثالث : المدة ، ويشترط تقديرها بزمان معلوم كالسنة والشهر ، لا بما يحتمل الزيادة والنقصان ).

كقدوم الحاج ، فإن الجهالة متطرقة إليه باحتماله التقدم والتأخر ،

__________________

(١) القاموس المحيط ( بعل ) ٣ : ٣٣٥.

٣٥٣

ولا تقدير لها كثرة فتجوز أكثر من ثلاثين سنة.

أما القلة فتقدر بمدة تحصل الثمرة فيها غالبا ، فإن خرجت المدة ولم تظهر الثمرة فلا شي‌ء للعامل.

ولو ظهرت ولم تكمل فهو شريك ، وإلا قرب عدم وجوب العمل عليه ،

______________________________________________________

وسيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى إشكال في تقدير المدة بالثمرة مع أنها من هذا القبيل.

وحيث أن المساقاة تصح إذا بقي شي‌ء من العمل الذي تستزاد به الثمرة ، فلا بعد في جواز تقديرها بشهر ، إذا بقي من العمل إلى إدراك الثمرة ما زمانه شهر باعتبار العادة.

قوله : ( ولا تقدير لها كثرة فيجوز أكثر من ثلاثين سنة ).

باتفاقنا ، وفي قول للشافعي منع الزيادة على ثلاثين سنة (١) ، وهو تحكم.

قوله : ( أما القلة فتتقدر بمدة تحصل الثمرة فيها غالبا ، فإن خرجت المدة ولم تظهر الثمرة فلا شي‌ء للعامل ، ولو ظهرت ولم تكمل فهو شريك ، والأقرب عدم وجوب العمل عليه ).

لما كان من شرط صحة المساقاة حصول الثمرة في مدة العمل ، وجب أن تكون أقل المدة التي يصح أن يجري عليها عقد المساقاة ما يغلب حصول الثمرة فيها بالنظر إلى العادة.

ويختلف ذلك باختلاف الأحوال ، فقد تكون المدة شهرا ودونه ، وقد تكون سنة وأكثر ، باعتبار أن الثمرة في وقت العقد قد تكون موجودة وقد لا‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٤٠٨.

٣٥٤

ولو قدّر المدة بالثمرة فإشكال.

______________________________________________________

تكون. فإذا عقد على مدة معينة تحصل فيها الثمرة غالبا ، فخرجت المدة قبل ظهور الثمرة ووجودها فلا شي‌ء للعامل وإن طلعت بعد المدة ، لأنه عقد صحيح لم يظهر فيه النماء الذي اشترط جزؤه له ، فكان كما لو لم تربح المضاربة ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب عوض غير المشترط. وإن ظهرت الثمرة في المدة ولم تكمل كما لو اطلعت فيها فله نصيبه منها.

وهل يجب عليه العمل إلى بلوغ غاية؟ الأقرب العدم ، لأن فائدة تعيين المدة هو عدم تعلق الحكم الثابت بالعقد بعدها ، ولأن العمل الواجب بالعقد هو ما كان في خلال المدة ، وما بعدها منفي بالأصل.

ويحتمل الوجوب ، لأن الحصة من الثمرة في مقابل العمل إلى زمان بلوغ الثمرة ، وتقدير المدة إنما هو باعتبار الغالب. فمع التخلف لو ملك الحصة بدون العمل لزم تملك أحد العوضين ، لا في مقابل العوض الآخر.

واختار هذا الاحتمال في التذكرة ، محتجا بأن المساقاة لو انفسخت قبل كمال الثمرة لوجب إكمال العمل ، فليكن هنا كذلك (١). ويمكن الفرق بين بقاء العقد وانفساخه ، وفي الأول قوة.

قوله : ( ولو قدّر المدة بالثمرة فإشكال ).

أي : بإدراك الثمرة فإشكال ، ومنشأ الإشكال : من أن الثابت بالعادة كالمعلوم ، وأن المساقاة عقد مبني على الغرر والجهالة فلا يفسد بهما ، وهو مختار ابن الجنيد.

ومن أن الغرر مناف لصحة المعاوضة ، وتجويز العقد مع فرد من الغرر لا يقتضي التجويز مطلقا وقوفا مع موضع النص. والأصح عدم الجواز ، وهو المشهور بين الأصحاب.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٤٨.

٣٥٥

ولو مات العامل قبل المدة لم يجب على الوارث القيام به ، فإن قام به ، وإلا استأجر الحاكم من تركته من يكمل العمل ، فإن لم تكن له تركة ، أو تعذر الاستئجار فللمالك الفسخ ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو مات العامل قبل المدة لم يجب على الوارث القيام به ).

خلافا لبعض العامة ، لأن المعاملة إنما تعلقت بالعامل لا بالوارث ، كما لا يجب عليه أداء ديونه من مال نفسه.

قوله : ( فإن قام به وإلا استأجر الحاكم من تركته من يكمل العمل ).

أي : فإن قام الوارث بالعمل فلا بحث في الاكتفاء به ، لكن قال المصنف في التذكرة : فإن أتم العمل بنفسه ، أو استأجر من مال نفسه من يتم العمل وجب على المالك تمكينه إذا كان أمينا عارفا بأعمال المساقاة ، وإن لم يقم به استأجر الحاكم من التركة من يكمل العمل (١).

وفي هذا إشعار أنه لا يجب على الوارث الاستئجار ، إنما يجب عليه تسليم ذلك القدر من التركة ، فإن الواجب على الوارث هو التخلية بين المستحق وبين حقه من التركة.

قوله : ( فإن لم يكن له تركة ، أو تعذر الاستئجار فللمالك الفسخ ).

أما إذا لم يخلّف تركة فظاهر ، لامتناع الاستئجار بغير أجرة. قال في التذكرة : ولا يستقرض الحاكم على الميت بخلاف الحي إذا هرب ، لأنه لا ذمة للميت ، وكذا إذا تعذر الاستئجار (٢).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥١.

(٢) المصدر السابق.

٣٥٦

فإن ظهرت الثمرة بيع من نصيب العامل ما يحتاج إليه من العمل أو بيع جميعه ، ولو لم تظهر الثمرة ففسخ المالك لتعذر من يكمّل العمل عن الميت وجبت اجرة المثل عما مضى.

______________________________________________________

وإن خلّف تركة ، لكن إذا لم يوجد متبرع في الموضعين ، وحيث تعذر العمل ـ الذي هو أحد العوضين ـ ثبت للمالك الفسخ.

قوله : ( فإن ظهرت الثمرة بيع من نصيب العامل ما يحتاج إليه من العمل ، أو بيع جميعه ).

يفهم من قوله : ( فإن ظهرت الثمرة ) أن ما سبق حكم ما إذا لم تظهر ، وهو كذلك ، فإن البيع قبل الظهور غير جائز.

ولا ريب أنه متى ظهرت الثمرة فقد استحق العامل الحصة منها وإن وجب عليه باقي العمل ، فحينئذ يبيع الحاكم من نصيب العامل ما يفي بالعمل الواجب ، فإن لم يوجد راغب في البعض ، أو لم يف بالعمل باع الجميع ثم أنفق قدر الواجب ، والفاضل تركة.

قوله : ( ولو لم تظهر الثمرة ، ففسخ المالك لتعذر من يكمّل العمل عن الميت وجبت اجرة المثل عما مضى ).

لما لم يكن الفسخ جائزا إلا مع موت العامل قبل الظهور مع عدم التركة ، أو تعذر الاستئجار وعدم متبرع أعاد المصنف فرض الموت قبل الظهور ، ليبين حكم ما إذا فسخ المالك حيث تعذر من يكمّل العمل. فإنه إذا تحقق ذلك وجب بالفسخ اجرة المثل لما مضى ، لأنه عمل محترم بذل في مقابلة الحصة ، وقد فاتت بفسخ المالك فوجبت اجرة المثل لها.

ولو كان الموت بعد الظهور فذلك منتف ، لوجوب بيع بعض الثمرة ، أو جميعها وصرفها في تحصيل العمل ، ويتولاه الحاكم أو من يقوم مقامه.

٣٥٧

ولو كان معينا بطلت قبل الظهور فله الأجرة.

الرابع : العمل ، ويجب على العامل القيام بما شرط عليه منه دون غيره ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان معينا بطل قبل الظهور وله الأجرة ).

أي : ما سبق من عدم بطلان المساقاة بالموت ، وترتب الأحكام السابقة حيث لا يكون العامل معينا للعمل بنفسه في العقد ، فأما إذا كان معينا فلا يخلو : إما أن يكون الموت قبل الظهور ، أو بعده.

فإن كان قبل الظهور انفسخ العقد لتعذر مقتضاه ، ووجبت أجرة مثل العمل الماضي. وإن كان بعد الظهور لم ينفسخ العقد من أصله ، لأنه قد ملك الحصة من الثمرة ، وهو مفهوم قوله : ( بطل قبل الظهور ). ولم أجد تصريحا بحكمه ، والمتجه انفساخه فيما بقي لتعذر المعقود عليه.

ثم ما الذي يسقط في مقابل العمل الباقي؟ يحتمل إسقاط قدر اجرة مثله من الحصة ، ويحتمل النظر في قدر الباقي ونسبته إلى مجموع العمل ، باعتبار الكم والنفع ، وإسقاط بعض من الحصة نسبته إليها كنسبة الفائت من العمل إلى مجموع العمل.

ويؤيد الاحتمال الثاني أن انفساخ العقد أخرج باقي العمل عن الاستحقاق ، فكيف تجب اجرة مثله؟ ولم أجد في هذه المسألة تصريحا يرجع إليه ، فلينظر ما ذكرناه.

قوله : ( الرابع : العمل ، ويجب على العامل القيام بما شرط عليه منه دون غيره ).

أي : يجب على العامل القيام بما شرط عليه من العمل ، دون ما لم يشترط عليه.

٣٥٨

فإن أطلقا عقد المساقاة اقتضى الإطلاق قيامه بما فيه صلاح الثمرة وزيادتها ،

______________________________________________________

ولا ريب أن العقد إن أطلق وجب على العامل جميع الأعمال التي بها صلاح الثمرة وزيادتها ، وإن شرط فيه عمل بخصوصه لم يجب ما سواه قضية للشرط.

والظاهر أنه لا فرق بين أن يقول في العقد : شرطت عليك هذا العمل دون غيره ، وبين أن يسكت عن قوله دون غيره.

لا يقال : العمل كله واجب بأصل العقد ، فإذا ذكر كله أو بعضه كان تأكيدا ، فمع ذكر البعض لا يسقط البعض الآخر ، لعدم ذكره ، فإن أصل العقد يقتضيه.

لأنا نقول : وجوب العمل كله مع إطلاق العقد ، فإذا خرج عن الإطلاق بالتقييد وجب اتباع القيد.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنه متى أخل العامل بالعمل المشترط تخيّر المالك بين : فسخ العقد ، وإلزامه بأجرة مثل العمل. نص عليه المصنف في التحرير (١).

فإن فسخ قبل عمل شي‌ء فلا شي‌ء له ، وإن كان بعده قبل الظهور فالأجرة له ، وإن كان بعد ظهور الثمرة فكذلك قضية للشرط.

ولو أخل بالأعمال الواجبة مع الإطلاق أو ببعضها ، فعلى ما سبق في الإجارة يتجه أن للمالك الفسخ في الجميع.

وهل يضمن له أجرة مثل ما عمل؟ يحتمل ذلك ، ويحتمل العدم. وفي البعض إن أتى بشي‌ء وله الإلزام بالأجرة ، ولم أظفر بتصريح في ذلك يعتد به.

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٥٩.

٣٥٩

كالحرث تحت الشجر ، والبقر التي تحرث ، وآلة الحرث ، وسقي الشجر واستسقائه الماء ، وإصلاح طرق السقي والأجاجين ، وإزالة الحشيش المضر بالأصول ، وتهذيب الجريد من الشوك ، وقطع اليابس من الأغصان ، وزبار الكرم ،

______________________________________________________

قوله : ( كالحرث تحت الشجر ، والبقر التي تحرث ، وآلة الحرث ).

أي : وكالبقر التي تحرث ، وكآلة الحرث من الخشبة ، والسكة الحديد ، والمساحي ، ونحو ذلك من الآلات المعدة للأعمال الواجبة.

ولا نعلم في وجوب ذلك خلافا هنا وفي المزارعة ، ولو شرط العامل شيئا من ذلك على المالك صح ووجب الوفاء بالشرط.

قوله : ( واستقاء الماء ، وإصلاح طرق السقي والأجاجين ).

الأجاجين جمع إجّانة ـ بالكسر والتشديد ـ والمراد بها هنا : الحفر التي يقف فيها الماء في أصول النخل والشجر. ويجب تنقية الآبار والأنهار من الحماءة ونحوها. صرح به المصنف في التذكرة ، ثم احتمل أمرين : أحدهما : كونها على المالك ، والثاني : كونها على من شرطت عليه ، فيفسد العقد بدون الشرط (١). وعبارة الكتاب تقتضي الوجوب على العامل لاندراجها في قوله : ( وإصلاح طرق السقي ).

ويدل على الوجوب كونها من الأعمال المتكررة في كل سنة ، لا كنحو شق النهر. ويجب أيضا فتح رأس الساقية ، وسدها عند الحاجة.

قوله : ( وزبار الكرم ).

المراد به : تقليمه ، وقطع رؤوس الأغصان المضر بقاؤها بالثمرة أو‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٤٦.

٣٦٠