جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

وإن قدّر بالزمان قدّم قول المالك. ولو قال : أمرتك بقطعه قباء ، فقال : بل قميصا قدّم قول المالك على رأي ،

______________________________________________________

كذلك ، لأنه لو أقر بالعمل من دون التسليم لم يلزمه شي‌ء.

قوله : ( وإن قدّر بالزمان قدّم قول المالك ).

لأن الأصل عدم تقدم الهلاك.

فإن قيل : الأصل أيضاً عدم استحقاق الأجرة.

قلنا : بعد تسليم العبد وكون الأصل بقاؤه إلى أن يعلم الهلاك ، ويتحقق سبب استقرارها فلا ينتفي إلا بحجة.

فإن قيل : كذا نقول في مسألة التقدير بالعمل.

قلنا : لا يجي‌ء مثل هذا هناك ، لأن سبب الاستقرار هناك العمل ، والأصل عدمه ، ولم يدل على تحققه شي‌ء. والمقتضي للاستقرار هنا هو التسليم للعين للانتفاع طول مدة الزمان المعين ، وقد تحقق التسليم بدفع العين ، واستمرار ذلك طول المدة مستند إلى أصالة بقائه ، فقول المستأجر مخالف للأصل ، من حيث أنه يدعي تقدم الهلاك ، ومن أنه يدعي حدوث المسقط لاستقرار الأجرة.

وإذا تقرر هذا ظهر أن قول المصنف سابقا : ( ولا أجرة على المستأجر مع اليمين ) بعد قوله : ( وكذا إن ادعي إباق العبد من يده ) لا يستقيم على إطلاقه ، لأنه بمجرد دعوى الإباق في الجملة بعد تسلمه العبد لا يسقط الأجرة ، ما لم يدع كون ذلك سابقا على العمل ، فإذا ادعى ذلك فلا بد من التفصيل بكون التقدير بالعمل أو بالزمان.

قوله : ( ولو قال : أمرتك بقطعه قباء ، فقال : بل قميصا ، قدّم قول المالك على رأي ).

٣٠١

______________________________________________________

الرأي المذكور هو قول‌ الشيخ في كتاب الإجارة من الخلاف (١) ، وابن إدريس (٢). ووجهه : أن الخياط يدعي الإذن في قطعه قميصا والأصل عدمه ، والمالك ينكر ذلك فيكون القول قوله بيمينه ، ولأنه أحدث نقصا بالقطع ويدعي المسقط لضمانه وهو إذن المالك ، ولتقديم قول المالك في أصل الإذن لو اختلفا فيه قطعا ، فكذا في صفته ، لأن مرجعه إلى الاختلاف في الإذن على وجه مخصوص.

وقال الشيخ في كتاب الوكالة من الخلاف : إن القول قول الخيّاط ، لأن الأصل عدم تفريط (٣). وهو ضعيف ، لما قلناه من دعواه الإذن المخالف للأصل.

وقال الشافعي : إن الخيّاط يدعي الأجرة وينفي الغرم ، ورب الثوب يدعي الغرم وينفي الأجرة ، فلا أقبل قولهما بل يحلف كل واحد منهما لصاحبه ، ويرد الثوب على صاحبه ولا أجرة للخياط ولا غرم عليه (٤).

قال المصنف في التذكرة : وليس بجيد ، لأن الاختلاف وقع في الإذن لا في الأجرة والغرم ، فكان القول قول منكر الإذن ، ولأن الخيّاط يعترف بأنه أحدث نقصا في الثوب ويدعي الإذن فيه ، والأصل عدمه ، ولأنه يدعي أنه أتى بالعمل الذي استأجره عليه والمالك ينكره (٥).

قلت : هذا بيان أن الخياط مدع وذلك لا ينفي كون المالك مدعيا ، ولا بد من تحققه لينتفي التحالف.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٢٤ مسألة ٣٤ كتاب الإجارة.

(٢) السرائر : ٢٧٤.

(٣) الخلاف ٢ : ٨٧ مسألة ١١ كتاب الوكالة.

(٤) المجموع ١٥ : ١٠٦.

(٥) التذكرة ٢ : ٣٣١.

٣٠٢

فلو أراد الخيّاط فتقه لم يكن له ذلك إن كانت الخيوط من الثوب أو المالك ، ولا أجرة له وعليه الأرش.

______________________________________________________

ووجهه : أن المالك لا يدعي على الخيّاط بشي‌ء ، لأن مجرد الإذن في القطع قباء لا يوجب على الخيّاط شيئا ، إذ لو لم يحدث الخيّاط حدثا في الثوب لم يكن عليه بسبب الإذن ضمان ، غاية ما في الباب أنه لا يستحق أجرة. وإنما يتحقق التنازع باعتبار القطع قميصا ، ودعوى الخيّاط الإذن فيه لينفي عن نفسه الغرم.

ثم قال المصنف : ومن قدّم قول الخيّاط فلا بد وأن يقول بالتحالف ، لأنه إذا حلف الخيّاط خرج من ضمان الثوب ، فيحلف المالك لنفي الأجرة وهذا هو التحالف (١).

قلت : فعلى هذا يكون قول الشيخ في الخلاف بتحليف الخيّاط مصيرا إلى التحالف (٢) ، وإن لم يصرح به ، وما ذكره لازم. وسيأتي في عبارة الكتاب ما يخالفه. والذي في التذكرة هو الأوجه ، والأصح عدم التحالف ، بل التحالف هنا لا وجه له.

قوله : ( ولو أراد الخيّاط فتقه لم يكن له ذلك إن كانت الخيوط من الثوب أو المالك ، ولا أجرة له ، وعليه الأرش ).

لا ريب أنه إذا حلف المالك لنفي الإذن في القطع قباء يجب على الخياط الأرش ، وهو ـ على ما اختاره في التذكرة (٣) ـ تفاوت ما بين قيمته مقطوعا يصلح للقباء ، ومقطوعا قميصا. ويحتمل كونه تفاوت ما بين قيمته مقطوعا وصحيحا ، وهذا أوجه ، لأن القطع قميصا عدوان.

نعم لو لم يتفاوت القميص والقباء في بعض القطع أمكن أن لا يجب‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٣١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الخلاف ٢ : ٨٧ مسألة ١١ كتاب الوكالة.

٣٠٣

ولو كانت الخيوط للخيّاط ففي أخذها نظر ، أقربه ذلك ،

______________________________________________________

أرشه ، لكونه من جملة المأذون فيه ، إذ لا أثر لقصد القميص بقطعه ، وقد نبهنا على اعتبار ذلك سابقا. وحيث كان على الخياط الأرش ، فمعلوم أنه لا أجرة له.

فعلى هذا لو أراد فتق القميص لم يكن له ذلك إن كانت الخيوط للمالك ، سواء كانت من الثوب أم من غيره ، إذ ليس له عين يمكنه انتزاعها.

والعمل وإن كان كالأعيان في المالية ، إلا أنه ليس عينا حقيقة يمكن تخليصها من مال الغير وقد صدر عدوانا ، فكان كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى آخر عدوانا لم يكن له رده إلا بمطالبة المالك.

قوله : ( ولو كانت الخيوط للخيّاط ففي أخذها نظر ، أقربه ذلك ).

منشأ النظر من أنه قد ثبت بيمين المالك أنه وضعها بغير إذن ، فلم يكن له أخذها ، لاستلزامه التصرف في مال الغير عدوانا. ولأن الخيّاط يزعم كونها للمالك ، بناء على أن الخيوط على الخيّاط ، وأنه إنما يستحق الأجرة ، وقد ظلمه المالك بإنكاره فلم يكن له الأخذ.

ومن أنها عين ماله وهي باقية ، فكانت كالصبغ في الثوب المغصوب فيمكّن من أخذها.

وعلى القول بأن الخيوط على الخيّاط ، فإنما يكون ذلك على تقدير بقاء الأجرة ، أما إذا انتفت ظاهرا وتعذر على الأجير العوض فله الرجوع إلى عين ماله ، لتعذر المعاوضة. وبقوة هذا الوجه يظهر وجه القرب وهو الأصح.

ولو أراد المالك تملكها بالقيمة فقد سبق حكمه في الغصب.

٣٠٤

فلو قال المالك : أنا أشد في كل خيط خيطا ، حتى إذا سلّه عاد خيط المالك في مكانه لم تجب الإجابة ،

وعلى رأي قدّم قول الخياط ، فيسقط عنه الغرم وله اجرة مثله بعد اليمين ، لا المسمى إن زاد ، لأنه لا يثبت بقوله.

______________________________________________________

قوله : ( فلو قال المالك : أنا أشد في كل خيط خيطا حتى إذا سله عاد خيط المالك في مكانه لم تجب الإجابة ).

وذلك ، لأنه انتفاع وتصرف في ملك الغير بغير موجب يقتضيه ، فلا تجب الإجابة إليه ، ولا يجوز إلا بإذن المالك.

قوله : ( وعلى رأي قول الخيّاط فيسقط عنه الغرم وله أجرة مثله بعد اليمين ، لا المسمى إن زاد ، لأنه لا يثبت بقوله ).

ظاهر كلامه أن الإشارة بـ ( الرأي ) إلى قول الشيخ في الخلاف (١) ، لكنه في التذكرة قال : إن كلام الشيخ في الخلاف يشعر بعدم الاستحقاق ، لأنه في الأجرة مدع ، فيكون القول قول المنكر. وفائدة يمينه دفع الغرم عن نفسه ، ولأنه لو استحقها استحقها بيمينه ولا يجب له ما يدعيه بيمينه ابتداء ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى قوم دماء قوم وأموالهم » (٢) ولكن اليمين على المدعى عليه (٣).

وما ذكره صحيح ، فحينئذ لا يكون الرأي المشار إليه مذهبا لنا ، وإنما هو قول الشافعية (٤) ، ووجهه ما ذكره.

وتنقيحه : أن انتفاء الغرم تابع لثبوت الإذن ، وقد ثبت بيمين الخيّاط‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٨٧ مسألة ١١ كتاب الوكالة.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٧٨ حديث ٢٣٢١ ، وكنز العمال ٦ : ١٨٧ حديث ١٥٢٨٥.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٣١.

(٤) انظر : المجموع ١٥ : ١٠٥ ـ ١٠٦.

٣٠٥

ولو غصبت العين فأقر المؤجر بالملكية له قبل في حقه دون المستأجر ، وللمستأجر مخاصمة الغاصب لأجل حقه في المنفعة ،

______________________________________________________

وهو يستلزم أجرة ، فإذا امتنع ثبوت المسمى لامتناع ثبوته بيمين الخيّاط استحق أجرة المثل ، إلا أن يساويها المسمى أو ينقص عنها فيثبت المسمى ، لاعترافه بعدم استحقاق الزائد.

ولا يخفى ضعف هذا ، لأن اليمين لا يتوجه على المدعي ابتداء ، سواء كان الغرض منها دفع الغرم أو جلب النفع.

قوله : ( ولو غصبت العين فأقر المؤجر بالملكية له قبل في حقه دون المستأجر ).

أي : أقر المؤجر بالملكية للغاصب ، فإنّ إقراره في حق المستأجر لا ينفذ للحكم بصحة الإجارة ، والإقرار على الغير لا يجوز. نعم ينفذ في حقه فيحكم بالرقبة للمقر له ، دون المنفعة فإنه قد ملكها المستأجر.

وللشافعية في نفوذ الإقرار قولان :

أحدهما : العدم ، لمنافاته العقد السابق (١).

والثاني : النفوذ لأنه مالك غير متهم ، بخلاف البائع فإن إقراره إنما هو على المشتري.

فعلى هذا هل يبطل حق المستأجر من المنفعة ، سواء كانت العين في يد المؤجر أو المستأجر أم لا؟ فيه أوجه ، والمذهب عندنا ما ذكره المصنف ، وفيه رد على خلافهم ، وضعفه أظهر من أن يحتاج إلى بيان.

قوله : ( وللمستأجر مخاصمة الغاصب لأجل حقه في المنفعة ).

ليست هذه من تتمة المسألة الأولى ، وإنما هي مسألة على حدة ، وإن‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٥ : ٨٠.

٣٠٦

ولو اختلفا في المبطل للعقد فالقول قول مدّعي الصحة.

______________________________________________________

كانت العبارة توهم أنها من متممات الأولى.

وتحقيقه : أن العين المستأجرة إذا غصبها غاصب ، سواء كان الغصب من المؤجر أم من المستأجر ، فلا بحث في أن للمؤجر مخاصمة الغاصب فيها بحق الملك ، ولكون هذا الحكم إجماعي لم يتعرض إليه المصنف.

وللمستأجر أيضا مخاصمته في أنها ملك للمؤجر ، وأنه استحق منفعتها بالإجارة ، لأن له حقا متعلقا بها لاستحقاقه المنفعة ، فله مطالبته بها ليستوفي منفعته.

وقال بعض الشافعية : ليس له ذلك ، لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه (١) ، وليس بصحيح ، لأن المستأجر يستحق في تلك العين حقا على وجه الملكية جرت عليه المعاوضة فكانت له المطالبة به والمنازعة لأجله.

ومثله المرتهن في الرهن ، وغريم المفلّس ، والميت في العين المغصوبة ، والدين عند المنكر ، وكذا غريم المماطل ، والغائب إذا طالب بعين أو دين للمديون ، لأنهم مستحقون لذلك فجازت المطالبة لهذا الاستحقاق.

قوله : ( ولو اختلفا في المبطل للعقد فالقول قول مدعي الصحة ).

لا شك أنّه إذا حصل الاتفاق على حصول جميع الأمور المعتبرة في العقد ، من حصول الإيجاب والقبول من الكاملين ، وجريانهما على العوضين المعتبرين ، ووقع الاختلاف في شرط مفسد مثلا فالقول قول مدعي الصحة بيمينه ، لأنه الموافق للأصل ، فإن الأصل عدم ذلك المفسد ، والأصل في فعل المسلم الصحة.

__________________

(١) انظر : المجموع ١٥ : ٨٠.

٣٠٧

ولو قال : آجرتك كل شهر بدرهم من غير تعيين ، فقال : بل سنة بدينار ففي تقديم قول المستأجر نظر ، فإن قدّمنا قول المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر الأول ،

______________________________________________________

لا يقال : الأصل بقاء الملك على مالكه ، فيعارض الأصل المذكور.

لأنا نقول : بعد صدور الإيجاب والقبول على الوجه المعتبر ، وعدم العلم بالمنافي لصحتهما ، المقتضي للحكم بصحتهما عملا باستصحاب الحال تحقق السبب الناقل ، فلم يبق ذلك الأصل كما كان.

أما إذا حصل الاختلاف مع الصحة والفساد في حصول بعض الأمور المعتبرة وعدمه ، فإن هذا الاستدلال لا يستمر هاهنا ، فإن الأصل عدم السبب الناقل. ومن ذلك ما لو ادعى أني اشتريت العبد ، فقال : بل بعتك حرا.

قوله : ( ولو قال : آجرتك كل شهر بدرهم من غير تعيين ، فقال : بل سنة بدينار ففي تقديم قول المستأجر نظر ).

ينشأ : من أنه مدع للصحة ، وهي موافقة للأصل ، فيكون هو المنكر ، فيقدم قوله باليمين.

ومن أنه مع ذلك يدّعي أمرا زائدا ، وهو استئجار سنة بدينار ، والمالك ينكره ، فلا يقدم قوله فيه ، لأن الأصل عدمه ، ولأن الأمور المعتبرة في العقد لم يقع الاتفاق عليها ، فلم تثبت سببيته ، وتقديم قول مدعي الصحة فرع ذلك كما حققناه في المسألة السابقة ، فعدم تقديم قوله أوجه.

قوله : ( فإن قدّمنا قول المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر الأول هنا ).

لا يخفى أنا إن قدّمنا قول المستأجر بيمينه فالأمر واضح ، ولذلك ترك المصنف التعرض إليه.

٣٠٨

______________________________________________________

وإن قدّمنا قول المالك في فساد العقد ، فتقديمه إنما هو في الأمر الذي تضمنت دعوى المستأجر الصحة دعوى أمر آخر زائد على مجرد الصحة ، لأنه إذا كان الاختلاف في مجرد الصحة فالقول قول مدعيها بيمينه قطعا.

ولا ريب أن دعوى تعيين مجموع سنة بدينار مشتمل على أمرين : الصحة ، وخصوص ذلك التعيين ، فحيث قدّمنا قول المالك في ذلك وجب انتفاء ذلك بيمينه.

أما القدر الذي اتفقت دعواهما على حصوله وتعيين أجرته ـ كشهر بدرهم ، إذا كان صرف الدينار اثني عشر درهما ـ فإن الاختلاف ليس إلا في مجرد صحة العقد الجاري عليه وفساده ، فيقدّم فيه قول المستأجر بيمينه ، عملا بما تقرر من تقديم قول مدع الصحة إذا لم يدع أمرا زائدا ، وهذا هو الذي قوّاه المصنف في العبارة ، فيحلف المالك بالنسبة إلى المجموع ، ويحلف المستأجر بالنسبة إلى ذلك البعض ، وتثبت الإجارة فيه.

ويحتمل العدم ، لأن المتنازع فيه عقد واحد ، إذا حكم بفساده ـ لحلف المالك على عدم التعيين فيه للمدة ـ انتفى فتنتفي الأمور التي تضمنها ، وهي إجارة الشهر وما جرى هذا المجرى ، لامتناع أن يحكم بفساد المطابقي ولا يفسد الضمني ، والاحتمال الأول ضعيف جدا.

ومع ذلك فتبحث في العبارة أمور :

الأول : ذكر الشهر بخصوصه ، ووجه تخصيصه بالذكر : أن دعوى المالك تقتضي تعيين شهر ، وعدم تعيين ما سواه. ويشكل بأن « كلّ » يقتضي التعدد ، وأقل مراتبه مرتان.

الثاني : أن تقييده بقوله : ( هنا ) فائدته تخصيص هذا بالصحة في الشهر إذا حلف المستأجر ، بناء على تقديم قوله فيه ، بخلاف ما إذا اتفقا على وقوع الإجارة كل شهر بدرهم ، فإنه لا يلزم الصحة في شهر.

٣٠٩

وكذا الإشكال في تقديم قول المستأجر لو ادعى اجرة مدة معلومة أو عوضا معينا ، وأنكر المالك التعيين فيهما ، والأقوى التقديم فيما لم يتضمن دعوى.

______________________________________________________

والفرق أنه هناك قد اتفقا على تضمن العقد المفسد ، واختلفا هنا في الصحة والفساد. وقد كان تقديم قول مدعي الصحة هو الجاري على القوانين ، لكن يحلف هنا لدعواه أمرا زائدا ، وفي الشهر الواحد انتفى المانع فأجري على الأصل.

الثالث : أن عبارة المصنف وإن لم يستقم أن يريد بها إلا هذا المعنى ، إلا أنها لا تؤديه بل هي غير صحيحة في نفسها ، فإن الحكم بصحة العقد في الشهر الأول ، بناء على تقديم قول المالك بمجرده من دون يمين المستأجر معلوم البطلان ، فيتعين أن يكون مقصوده من العبارة : أن الأقوى تقديم قول المستأجر في صحة العقد في الشهر الأول ، وإن كان الذي سبق إليه القلم خلاف ذلك.

قوله : ( وكذا الإشكال في تقديم قول المستأجر لو ادعى أجرة معلومة ، أو عوضا معينا وأنكر المالك التعيين فيهما ، والأقوى التقديم فيما لم يتضمن دعوى ).

أي : ومثل الإشكال السابق في تقديم قول المستأجر لو اختلفا في المدة والأجرة آت فيما إذا اختلفا ، فادعى المستأجر أجرة معلومة كدينار مثلا ، أو عوضا معينا كثوب مخصوص ، ونحو ذلك ، وأنكر المالك التعيين في الأجرة أو في العوض بحيث لزم الغرر والجهالة ، وتقريبه ما سبق بعينه.

والأقوى عند المصنف : تقديم قول المستأجر بيمينه فيما لا يتضمن دعوى أمر آخر غير الصحة على المؤجر ، كما لو كان العوض الذي ادعاه المستأجر لا يزيد على اجرة المثل ، فإن ذلك القدر ثابت على كل تقدير ، فيقدّم فيه قول مدعي الصحة ، عملا بالأصل مع عدم المنافي.

٣١٠

المقصد الثاني : في المزارعة ، وفيه فصلان :

الأول : في أركانها ، وهي أربعة :

الأول : العقد ، المزارعة : مفاعلة من الزرع ، وهي معاملة على الأرض بالزراعة بحصة من نمائها.

______________________________________________________

وهذا الذي ذكره يمكن أن يرد عليه أمران :

أحدهما : إن الاختلاف الذي لا تترتب عليه فائدة أصلا ، ولا يكون فيه إلا محض تجرع مرارة اليمين ، وامتهان اسم الله العظيم بالحلف به لغير مصلحة لا يكاد يقع ممن يعقل ، ومع الفائدة فالمحذور قائم.

الثاني : إن تقديم قول مدعي الصحة إنما يتحقق على ما بينّاه ، حيث يتفقان على حصول أركان العقد ويختلفان في وقوع المفسد ، فإن التمسك لنفيه بالأصل هو المحقق لكون مدعي الصحة منكرا ، دون ما إذا اختلفا في شي‌ء من أركان العقد فإنه لا وجه للتقديم حينئذ.

وبهذا يتبين أن مدّعي الصحة هنا لا يقدم قوله على حال من الأحوال ، لأن الاختلاف وقع في ركن العقد وهو تعيين الأجرة ، فيكون ادعاؤه كادعاء أصل العقد.

وعدم تفاوت الأجرة واجرة المثل لا يكون مصححا لتقديم قوله باليمين ، غاية ما في الباب أن الاختلاف حينئذ لا تظهر له ثمرة.

واعلم أنه قد يقال : إن قوله : ( لو ادعى أجرة معلومة ) مغن عن‌

قوله : ( أو عوضا معينا ) فالتعرض إليه لا فائدة فيه.

قوله : ( المزارعة : مفاعلة من الزرع ، وهي معاملة على الأرض بحصة من نمائها ).

٣١١

ولا بد فيها من إيجاب كقوله : زارعتك ، أو عاملتك ، أو ازرع هذه الأرض على اشكال ، أو سلمتها إليك للزرع ، وشبهه مدة كذا بحصة معلومة من حاصلها.

______________________________________________________

لا شك أن المزارعة‌ في أصل اللغة : مفاعلة من الزرع ، وهذا المعنى متحقق مع المعنى الشرعي ، لأن المعاملة المذكورة يقارنها الزرع من المتعاملين وإن كان بمباشرة أحدهما ، لأن الآخر بأمره إياه زارع.

وفي الشرع : معاملة على الأرض بالزراعة بحصة من نمائها. وبالقيد الأخير تخرج باقي أقسام الإجارة. وهل هي المخابرة أم غيرها؟ فيه اختلاف ، ولا كثير فائدة في تحقيقه.

قوله : ( ولا بد فيها من إيجاب كقوله : زارعتك ، أو عاملتك ، أو ازرع هذه الأرض على اشكال ).

لا ريب أنه لا بد في المزارعة من إيجاب بالعربية ، كغيره من العقود اللازمة ، وهو ما يدل على تسليم الأرض للزراعة بحصة مشاعة كقوله : زارعتك ، وما أشبهه.

وهل يكفي ازرع هذه الأرض؟ فيه إشكال ينشأ : من أن المعتبر عند الشارع من صيغ الإنشاء الماضي ، فلا ينعقد بغيره من المستقبل وفعل الأمر ، ومن دلالته على المقصود ، ولروايتي أبي الربيع الشامي (١) ، والنضر بن سويد عن أبي عبد الله عليه‌السلام يقول لصاحب الأرض : ازرع لي أرضك ولك منها كذا وكذا (٢).

ويضعّف بأن مجرد الدلالة لا يكفي ، بل لا بد من الصيغة المعتبرة شرعا ، ولا دلالة في الروايتين على أن هذا القول هو العقد مع أنه لا تصريح‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٤ حديث ٨٥٧ ، الفقيه ٣ : ١٥٨ حديث ٦٩١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٦٧ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ١٩٧ حديث ٨٧٢.

٣١٢

ومن قبول ، وهو كل لفظ أو فعل دل على الرضا. وهو عقد لازم من الطرفين ، لا يبطل إلاّ بالتقايل ، لا بموت أحدهما.

______________________________________________________

فيه بالقبول ، فيمكن أن يكون هذا من جملة القول الذي يكون بين المتعاقدين قبل العقد ليتقرر الأمر بينهما ، والأصح عدم الصحة.

واعلم أنه سبق في الرهن الاجتزاء بقوله : هذا وثيقة مع أنه ليس بصيغة الماضي ، وظاهرهم الإطباق على صحته. ويمكن أن يقال : إن اسم الإشارة مشعر بالماضي ، لأن إنشاء كونه وثيقة في معنى الماضي في الصراحة ، وعلى كل حال فلا يجوز ذلك في غير الرهن.

قوله : ( وقبول ، وهو كل لفظ أو فعل دل على الرضى ).

لا شك في الانعقاد بوقوع القبول بصيغة الماضي بالعربية مع الإمكان.

وهل يكفي القبول فعلا؟ فيه نظر ينشأ : من حصول المقصود به وهو الدلالة على الرضى ، ومن أن السبب لا بد من كونه سببا عند الشارع ، ولم يثبت كون الفعل كذلك. ولأن العقود اللازمة لا تسامح فيها بمثل ذلك ، والأصح العدم وفاقا للتذكرة (١).

قوله : ( وهو عقد لازم من الطرفين لا يبطل إلا بالتقايل ، لا بموت أحدهما ).

لزوم هذا العقد من الطرفين أمر متفق عليه ، ولأن الأصل في العقود اللزوم ، لظاهر قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، وقوله عليه‌السلام « المؤمنون عند شروطهم » (٣) ولما كانت معاملة انفسخت بالتقايل.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٣٧.

(٢) المائدة : ١.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥ ، عوالي اللآلي ١ : ٢١٨ حديث ٨٤ ، و ٢ : ٢٥٧ حديث ٧.

٣١٣

ولا بد في العقد من صدوره عن مكلف جائز التصرف.

ولو تضمّن العقد شرطا سائغا لا يقتضي الجهالة لزم.

ولو عقد بلفظ الإجارة لم ينعقد وإن قصد الإجارة أو الزراعة ،

______________________________________________________

ولما كان الحصر في قوله : ( لا يبطل إلا بالتقايل ) في مقابل قوله : ( لا بموت أحدهما ) لم يرد أنه قد يبطل بغير ذلك كانقطاع الماء ، وفساد منفعة الإنبات في الأرض. ولا نعرف خلافا في أن المزارعة لا تبطل بموت أحد المتعاقدين ، بل إن مات العامل قام وارثه مقامه في العمل ، وإلاّ استأجر الحاكم عليه من ماله أو على الحصة. وإن مات المالك بقيت المعاملة بحالها ، وعلى العامل القيام بتمام العمل.

قوله : ( ولو تضمن العقد شرطا سائغا لا يقتضي الجهالة لزم ).

المراد بالسائغ الجائز كما هو معلوم ، وهل يخرج به ما ينافي مقصود المزارعة نظرا إلى كونه غير سائغ بالنظر إلى هذا العقد؟ فيه احتمال ، ولا بد أن يراد بما لا يقتضي الجهالة ، لا ما يقتضي جهالة زائدة على القدر الذي امتاز به عقد المزارعة.

قوله : ( ولو عقد بلفظ الإجارة لم ينعقد وإن قصد الإجارة أو الزراعة ).

أي : إذا عقد المزارعة بلفظ الإجارة لم يصح ، سواء قصد باللفظ حقيقة أم قصد المزارعة.

أما إذا قصد الإجارة فلأن العوض مجهول ، وفي الإجارة لا بد من كون العوض معلوما ، ولأنه مشروط من نماء الأرض وهو مع كونه معدوما مشروط من معين قد يحتاج ، ومثله لا يجوز بل يجب أن يكون المشروط منه العوض في موضع الصحة مما يندر احتياجه حتى يكون الغالب صحة العقد.

وأما إذا قصد المزارعة فلأن ألفاظ عقد لم يثبت جواز استعمالها في‌

٣١٤

نعم تجوز إجارة الأرض بكل ما يصح أن يكون عوضا في الإجارة وإن كان طعاما ، إذا لم يشرط أنه مما يخرج من الأرض.

ويكره أن يشترط مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة.

______________________________________________________

عقد آخر ، وأسباب الشرع تحتاج إلى التوقيف.

قوله : ( نعم تجوز إجارة الأرض بكل ما يصح أن يكون عوضا في الإجارة ، وإن كان طعاما إذا لم يشترط أنه مما يخرج من الأرض ).

حيث أسلف أنه لا تجوز المعاملة المذكورة بلفظ الإجارة ، سواء قصد الإجارة أو المزارعة ، ربما أوهم ذلك عدم جواز الإجارة بالطعام فاستدرك بقوله : ( نعم ... ) لدفع هذا الوهم.

والمعنى : إن العوض في الإجارة كما يصح أن يكون غير طعام ، كذا يصح أن يكون طعاما ، لصلاحيته لأن يقابل به المال ، لكن يشترط لصحة الإجارة أن لا يكون ذلك الطعام الذي هو الأجرة مشروطا كونه مما يخرج من الأرض لما قدمناه ، ولقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن إجارة الأرض بالطعام قال : « إن كان من طعامها فلا خير فيه » (١) وإذا كان كله شرا وجب اجتنابه.

وقوّى المصنف في التذكرة ما جزم به هنا (٢). ومنع ابن البراج من إجارة الأرض بالطعام (٣) ، استنادا إلى صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، وهي منزّلة على كون الطعام المشروط كونه اجرة من نمائها جمعا بين الأخبار.

قوله : ( ويكره أن يشترط مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٥ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ١٩٥ حديث ٨٦٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٨ حديث ٤٦٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٤١.

(٣) المهذب ٢ : ١٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٦٥ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٥٩ حديث ٦٩٥ ، التهذيب ٧ : ١٩٥ حديث ٨٦٣.

٣١٥

الثاني : تعيين المدة.

ولا بد من ضبطها بالشهور والأعوام ، ولا يكفي تعيين المزروع عنها ، ويجوز على أكثر من عام واحد من غير حصر إذا ضبط القدر. ولو شرط مدة يدرك الزرع فيها قطعا أو ظنا صح.

ولو علم القصور فإشكال ،

______________________________________________________

حكى في المختلف‌ قولا بالمنع من اشتراط شي‌ء آخر مع الحصة غير مقيّد بكونه من ذهب أو فضة (١) ، وحكى القول بالكراهية عن الشيخ (٢) ، وهو الأصح ، لعموم « المؤمنون عند شروطهم » (٣).

قوله : ( ويجوز على أكثر من عام واحد ).

إذا ضبط القدر لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤).

قوله : ( ولو شرط مدة يدرك الزرع فيها علما أو ظنا صح ).

لوجود المقتضي للصحة ، وانتفاء المانع ، والظن مناط الشرعيات.

قوله : ( ولو علم القصور فإشكال ).

ينشأ : من عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ولإمكان التراضي على الإبقاء بعد ذلك ، ومن أن العوض في المزارعة هو الحصة من النماء ولا يتحقق في المدة ، فيبقى العقد بغير عوض حاصل عند انتهاء المدة ، ولأن ذلك خلاف‌

__________________

(١) المختلف : ٣٤١.

(٢) النهاية : ٤٤٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ حيث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ١٨٣٥ ، عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٧.

(٤) المائدة : ١.

٣١٦

فلو ذكر مدة يظن الإدراك فيها فلم يحصل فالأقرب أن للمالك الإزالة مع الأرش ، أو التبقية بالأجرة ، سواء كان بسبب الزارع كالتفريط بالتأخير ، أو من قبل الله تعالى كتغير الأهوية وتأخر المياه.

______________________________________________________

وضع المزارعة ، والأصح عدم الصحة.

قوله : ( ولو ذكر مدة يظن الإدراك فيها فلم يحصل فالأقرب أن للمالك الإزالة مع الأرش ، أو التبقية بالأجرة ، سواء كانت بسبب الزارع كالتفريط بالتأخير ، أو من قبل الله تعالى كتغيير الأهوية وتأخير المياه ).

لا كلام في صحة العقد في نفسه ، لاستجماع الأمور المعتبرة فيه ، لكن هل للمالك الإزالة أم لا؟

الأقرب عند المصنف هنا أن له الإزالة مع الأرش ، وهو تفاوت ما بين كونه قائما بالأجرة ومقلوعا ، أو التبقية بالأجرة. ويجب في الثاني رضاء الزارع ، لأن إيجاب عوض في ذمته لم يقتضه العقد لا يعقل بدون رضاه ، وحينئذ فيكون مستدركا ، لأنه سيأتي بعد ذلك ولا يكون ذكره في حيز الأقرب صحيحا ، لأن ذلك مقطوع به. ووجه القرب : أن المعاملة إنما تناولت الزمان المعين ، فلا حق للزارع بعد انقضائه ، فيثبت جواز الإزالة لكن بالأرش ، لأن الزرع كان بحق فلا يجوز تنقيص مال الزارع بغير عوض. وإن تراضيا على الإبقاء بعوض أو مجانا فلا بحث.

ويحتمل وجوب الإبقاء ، لأن الزرع كان بحق ، وللإدراك أمد ينتظر ، فلا يجوز القلع بدون بلوغه ، لكن تجب الأجرة جمعا بين الحقين. ويضعّف بأن الاستحقاق إنما هو في المدة ، أما بعدها فلا.

ولا فرق عند المصنف بين كون عدم حصول الإدراك بسبب الزارع كالتفريط بتأخير الزرع ، أو من قبل الله تعالى كتغيير الأهوية وتأخير المياه ، وهذا مخالف لما تقدم في الإجارة من أن التأخير إذا كان بتفريط الزارع يكون‌

٣١٧

______________________________________________________

عند انتهاء المدة كالغاصب ، وإذا كان بغير تقصير منه يجب الإبقاء إلى الإدراك بالأجرة.

وتنقيح هذا المبحث بأمور :

الأول : أنه على كلام المصنف يحتمل عدم وجوب الأرش بالقلع ، لأن تعيين المدة يقتضي جواز التفريغ بعدها.

فإن نوقش بأن لإدراك الزرع غاية تنتظر ، وهي مطلوبة في أول المعاملة ، ولهذا اشترطنا لصحتها كون المدة بحيث تكفي لبلوغها علما أو ظنا فإذا تخلف الظن فالمناسب عدم تضييع مال الزارع بقلعه قبل الإدراك الملحوظ بلوغه في المعاملة ، فتجب التبقية بالأجرة جمعا بين الحقين. لم يتم ذلك إذا كان الزارع قد فرّط بالأخير ، فيكون قد شغل أرض الغير عمدا عدوانا ، فيناسب أن لا يكون معذورا ، فلا يتم إطلاق المصنف جواز القلع هنا ، وفي التحرير (١) وإن لم يصرح فيه بوجوب الأرش ، ولإطلاق عدم جواز القلع في التذكرة (٢).

لا يقال : ما سبق كان حكم الإجارة ، وهذا حكم آخر للمزارعة.

لأنا نقول : المزارعة أحرى بما قلناه ، لأنه لا يجوز استئجار الأرض مدة لزرع لا يدرك فيها على أصح الوجهين ، وهنا لا يجوز على الأصح ، لأن البلوغ هنا مقصود في نفس المعاملة.

فيتلخص من هذا الفرق بين التفريط وعدمه ، فلا يجب الأرش في الأول ، ويجب في الثاني مع احتمال وجوب الإبقاء بالأجرة أيضا في الثاني.

الثاني : متى حكمنا بجواز القلع فقلع المالك ، أو قلع مع عدم الجواز‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٥٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٣٩.

٣١٨

______________________________________________________

فكيف حكم المقلوع : هل هو بجميعه ملك للعامل على تقدير كون البذر منه وليس للمالك منه شي‌ء؟ أم يكون حق المالك فيه من حين نمائه؟

فإن قلنا بثبوت الحق للمالك فيه فالواجب إنما هو أرش حق العامل ، ومقتضى إيجاب الشيخ (١) ـ وابن إدريس (٢) ، والمصنف في المختلف (٣) الزكاة على كل واحد منهما ، وإن لم يكن البذر منهما إذا بلغ نصيب كل واحد منهما نصابا ـ كون النماء على ملكهما.

ويبعد أن يقال : إن ذلك حين انعقاد الحب ، وملك عامل القراض الربح بالظهور يؤيد ذلك ، وقد أنكر ذلك ابن زهرة (٤).

الثالث : هل تثبت للمالك أجرة الأرض مع القلع؟ ليس ببعيد الاستحقاق إذا كان التأخر بتفريط الزارع ، لأنه ضيّع على المالك منفعة الأرض باختياره ، فإنه إنما بذلها في مقابلة الحصة وقد فوتها الزارع بتفريطه.

ولو افضى تفريطه إلى قلة الحاصل خلاف العادة ، بحيث إنه لو لا التفريط لم يحصل ذلك النقصان الفاحش ، فليس ببعيد وجوب أكثر الأمرين من ذلك : الحاصل ، وأجرة المثل.

الرابع : إذا كان البذر كلّه من المالك ، وقلع المالك فلا معنى للأرش هاهنا ، إلاّ إذا قلنا إن الزرع ينمو على ملكهما. وعلى كل تقدير فهل للعامل أجرة؟ لا ريب أنّه لا أجرة له إذا كان التأخر بتفريطه ، لأنّ العدوان من طرفه ، فأما إذا كان من قبل الله تعالى فينبغي ذلك أيضا ، لأن المالك لم يفوت عليه شيئا.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٨٣.

(٢) السرائر : ٢٦٥.

(٣) المختلف : ٤٦٩.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٠.

٣١٩

ولو اتفقا على التبقية بعوض جاز إن كان معلوما.

ولو شرط في العقد تأخيره عن المدة إن بقي بعدها فالأقرب البطلان ، ولو ترك الزرع حتى انقضت المدة لزمه اجرة المثل.

______________________________________________________

واعلم أن هذه المسألة من المهمات ، ولم أظفر فيها بكلام للأصحاب ولا لغيرهم سوى ما حكيته ، والباقي محل النظر والتأمل.

الخامس : حيث يجب الأرش يقوم الزرع قائما بالأجرة ، لأنه لا يستحق شغل الأرض في المدة ولا بعدها مجانا ، بل في المدة بالحصة وبعدها بأجرة المثل.

ولا يلحظ في كونه قائما بالأجرة استحقاقه للقلع ، لأن ذلك يخل بتدارك فائته ، إذ هو بمنزلة العلف حينئذ ، وإنما المراد بالأرش : تدارك نقصانه عن الحالة التي هو عليها.

ويحتمل أن يلحظ فيه استحقاقه للقلع بالأرش ، لأن حالته التي عليها هي هذه ، فلا يعتبر لماليته وصف مخالف لما هو عليه. وهذا أيضا لم أظفر فيه بشي‌ء ، والثاني ليس بذلك البعيد.

قوله : ( ولو اتفقا على التبقية بعوض جاز إن كان معلوما ).

اشتراط كونه معلوما ليتحقق لزومه ، لكن لا بد من تعيين المدة أيضا ، ولو أطلق العوض أو لم يعين فأجرة المثل. ولو اتفقا على إبقائه كل شهر بكذا ففي لزومه تردد. فإن قصداه جعالة صح ، وإلا فالمتجه لزوم أجرة المثل ، لعدم صحة مثل ذلك اجارة.

قوله : ( ولو شرط في العقد تأخيره عن المدة إن بقي بعدها فالأقرب البطلان ).

وجه القرب أن الشرط من جملة العوض ، فإن تضمن جهالة بطل به‌

٣٢٠