الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
فيضمن ما يجب ضمانه بالمثل إن كان مثلها وإلاّ فالقيمة يوم التلف. ويحتمل أعلى القيم من حين الضمان الى حين التلف.
ويجب رد العين مع الطلب والمكنة ، فإن أهمل معهما ضمن.
ولو تلفت بالاستعمال كثوب انمحق باللبس فإشكال ينشأ : من استناد التلف إلى مأذون فيه ، ومن انصراف الإذن غالبا الى استعمال غير متلف ،
______________________________________________________
قوله : ( فيضمن ما يجب ضمانه بالمثل إن كان مثليا ، وإلاّ فالقيمة يوم التلف ، ويحتمل أعلى القيم من حين الضمان إلى حين التلف ).
وجه الأول : أن الواجب مع بقاء العين ردّها دون القيمة ، وإنما ينتقل إليها حين التلف ، لتعذر ردّ العين حينئذ ، فتجب قيمته حين التلف ، ففي قول المصنف : ( يوم التلف ) توسع ، وهذا هو الأصح كما سبق بيانه غير مرة.
ووجه الثاني : كون كلّ واحدة من القيم المتعددة في محل كون العين مضمونة ( فتكون مضمونة ) (١) إذ معنى الضمان كونها لو تلفت تجب تلك القيمة.
وهناك ثالث وهو : وجوب قيمته حين الضمان ، لأنها ثابتة أول أوقات صيرورته مضمونا ـ على معنى وجوبها لو تلفت ـ فيبقى ، وقد سبق تنقيح مثل هذا البحث في البيع.
قوله : ( ولو تلفت بالاستعمال ، كثوب انمحق باللبس فإشكال ، ينشأ : من استناد التلف إلى مأذون فيه ، ومن انصراف الاذن غالبا إلى استعمال غير متلف ).
__________________
(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».
فإن أوجبناه ضمن بالقيمة آخر حالات التقويم ، وكذا لو اشترط الضمان فنقصت بالاستعمال ثم تلفت ، أو استعملها ثم فرط فإنه يضمن القيمة يوم التلف ، لأن النقص غير مضمون على إشكال.
______________________________________________________
لقائل أن يقول : إن وجهي الإشكال لا يتعلقان بمسألة واحدة ، لأن استعمال المتلف إما أن يكون بحيث يتناوله الاذن ـ فيكون مأذونا فيه ـ أو لا ، فعلى التقدير الأول لا يجيء الوجه الثاني ، وعلى الثاني لا يجيء الأول.
ويمكن بيانه بطريق آخر ، وهو أن يقال : منشأ الاشكال : من دلالة ظاهر الاذن في الاستعمال على تجويز كل استعمال ، ومن أن الغالب في الاستعمال ما لا يكون متلفا ، فيحمل الإطلاق عليه.
والذي يقتضيه النظر : أن الاستعمال المتلف متى كان بحيث يتناوله عقد العارية لا يستعقب ضمانا ، واختاره في التحرير (١) ، وفيه قوة.
نعم لو شك في تناول اللفظ إياه فالضمان قويّ ، ولا أستبعد أن يكون من صور الثاني ما لو أذن في لبس الثوب ولم يزد ، بخلاف ما لو أذن في كل لبس أو في لبسه دائما ، لأن إذنه في لبسه في الجملة لا يقتضي الاذن في كل لبس
قوله : ( فإن أوجبناه ضمن بالقيمة آخر حالات التقويم ).
أي : فان أوجبنا الضمان في الصورة السابقة ـ حملا للإذن في الاستعمال على استعمال غير متلف ـ ضمنه بقيمته آخر حالات تقويمه قبيل التلف ، لحمل الاذن على كل لبس غير متلف ، فالضمان منتف إلى حين التلف.
قوله : ( وكذا لو شرط الضمان ، فنقصت بالاستعمال ثم تلفت ، أو استعملها ثم فرّط ، فإنه يضمن القيمة يوم التلف ، لأن النقص غير مضمون على إشكال ).
__________________
(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٧١.
وللمستعير الانتفاع بما جرت العادة ، فلو نقص من العين شيء ، أو تلف بالاستعمال فلا ضمان ، إلا أن يشترط ذلك في العارية.
______________________________________________________
أي : وكذا لو شرط المعير ضمان العين لو تلفت ، فنقصت بالاستعمال المأذون فيه ثم تلفت ، فإنه يضمن قيمة يوم التلف خاصّة ، لأن النقص بفعل مأذون فيه ، فلا يكون مضمونا على إشكال ، ومثله ما لو استعملها بالاذن ثم فرّط في حفظها ، فصار ضامنا ثم تلفت ، فإن الإشكال آت.
ومنشأ الاشكال : من استناد النقص إلى فعل مأذون فيه فلا يكون مضمونا ، ومن أنها عين مضمونة بالاشتراط والتفريط ، فيكون ذلك النقض مضمونا. وفي رواية (١) وهب ـ وهي ضعيفة السند ـ ما يقتضي الضمان.
والتحقيق أن نقول : إن الضمان للأجزاء في العارية التي فرّط فيها بعد أن نقصت الأجزاء بالاستعمال المأذون فيه ـ مع أن النقص بالاستعمال غير مضمون إذا ردّ العين ـ لا وجه له.
أما العارية المضمونة ، فقد تعارض فيها : تضمين الأجزاء الذي هو مقتضي تضمين العين ، والاذن في الاستعمال الذي هو مقتضي لكون أنواع الاستعمال المأذون فيها لا يتعلق بها ضمان ، وهو محل التردد.
ولا أستبعد الضمان ، لأنه ليس من لوازم أصل الاستعمال النقص ، ولأنه لا منافاة بين كون الاستعمال مأذونا فيه والنقص مضمونا ، وهذا قويّ جدا.
قوله : ( وللمستعير الانتفاع بما جرت العادة ، فلو نقص من العين شيء أو تلفت بالاستعمال فلا ضمان ، إلا أن يشترط ذلك في العارية ).
لا يخفى أن هذا مناف لما سبق في كلامه من الإشكال في كل من المسألتين ، والفتوى على ما قدمناه ، ولو حملت العبارة السابقة على استعمال
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٠٢ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٥ حديث ٨١٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٥ حديث ٤٤٥.
والمستعير من المستأجر ، والموصى له بالمنفعة كالمستعير من المالك.
ولو استعار من الغاصب عالما بالغصب فللمالك الرجوع على من شاء بالأجرة وأرش النقص والقيمة لو تلفت ، ويستقر الضمان على المستعير ، ومع الجهل يضمن الغاصب الجميع ، إلا أن يكون هناك ذهب أو فضة فإن الأقرب الضمان على المستعير خاصة.
______________________________________________________
غير مأذون فيه وهذه على مأذون فيه لم يتجه الاشكال ، بل يتعيّن الضمان قطعا ، ولو حملت هذه العبارة على أن الباء التي في قوله : ( بالاستعمال ) بمعنى مع ـ ليكون التلف لا بسبب الاستعمال ـ لا ندفع التنافي ، إلاّ أنه بعيد عن الظاهر جدا ، وعلى كل حال فالعبارة لا تخلو من شيء.
قوله : ( والمستعير من المستأجر والموصى له بالمنفعة كالمستعير من المالك ).
لأن كل واحد منهما مالك للمنفعة فله نقلها إلى غيره ، وهذا إذا لم يشترط عليه استيفاؤها بنفسه ، والظاهر أنه لا يجوز له تسليم العين إلا بإذن المالك ، كما سيأتي بيانه في الإجارة إن شاء الله.
قوله : ( ومع الجهل يضمن الغاصب الجميع ، إلاّ أن يكون ذهبا أو فضة فإن الأقرب الضمان على المستعير خاصة ).
أي : ومع جهل المستعير بالغصب يستقرّ الضمان على الغاصب ، إلاّ إذا كانت العارية مضمونة لكونها ذهبا أو فضة ونحوهما ، فإن الأقرب أن قرار الضمان على المستعير خاصّة ، وهذا هو المراد من العبارة ، لأن المستعير وإن كان جاهلا فان يده يد عدوان ، فللمالك الرجوع عليه ، لعموم على اليد ما أخذت (١).
__________________
(١) مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧.
ولو جحد العارية بطل استئمانه ويضمن.
ولو تجاوز المأذون ضمن.
ولو أمر رسوله بالاستعارة إلى قرية ، فكذب الرسول وأخبر المعير بطلب المستعير إلى أخرى ، فخرج بها المستعير الى ما ذكره الرسول فتلفت لم يضمن ، لأن صاحبها أعارها اليه. ولو خرج بها الى ما قال المستعير لرسوله فتلفت ضمن ، ولا شيء على الرسول وإنما يبرأ الضامن إذا رد على المالك أو وكيله لا الى الحرز ، ولو تجاوز المسافة المشترطة لم يبرأ بالرد إليها.
______________________________________________________
وتوهم أن المراد ما يقتضيه ظاهر العبارة ـ من اختصاص الضمان بالغاصب في الاولى وبالمستعير في الثانية ـ فاسد بما قلناه.
ووجه القرب : أنه مع عدم كون العارية مضمونة دخل على أنها أمانة ، والمغرور يرجع على من غره ، ومع كونها مضمونة دخل على الضمان ، وقد استقرّ التلف في يده ، فيستقر الضمان عليه ، وهو الأصح.
ويحتمل ضعيفا العدم لغروره ، وليس بشيء ، لأن غروره في كونها غير مغصوبة ، والضمان غير ناشئ عن الغصب ، بل عن كونها مضمونة ، وهو ظاهر.
قوله : ( ولو أمر رسوله بالاستعارة إلى قرية ، فكذب الرسول وأخبر المعير بطلب المستعير إلى أخرى ، فخرج بها المستعير إلى ما ذكره الرسول فتلفت لم يضمن. لأن صاحبها أعارها إليه ، ولو خرج بها إلى ما قال المستعير لرسوله فتلفت ضمن ولا شيء على الرسول ).
أما الحكم الأول فوجهه ما ذكره المصنف : من أن العارية وقعت إلى ذلك الموضع ، ويرد عليه : أن خروجه إلى القرية الأخرى مع عدم علمه باذن
الثالث : التسلط على الانتفاع : ويتقدّر بقدر التسليط ، وينتفع بما جرت العادة به ، فلو أعاره الدابة لحمل معيّن لم تجز له الزيادة ويجوز النقصان ، ولو أطلق فله حمل المعتاد على مثلها.
______________________________________________________
المعير إليها يكون تصرفا ممنوعا منه شرعا ، فحقّه أن يضمن على مقتضى ما ذكروه في عارية الصيد للمحرم ، وثبوت الإثم عليه لإقدامه بزعمه على فعل المحرم لا ريب فيه.
وأما الحكم الثاني فإنه مستقيم إذا أخبر الرسول المرسل بالحال الواقع أو سكت ، أما إذا أخبره بالعارية إلى ما طلب المستعير ، فان قرار الضمان على الرسول على أظهر الوجهين لكونه غارا ، فإطلاق العبارة لا يخلو من شيء.
قوله : ( الثالث : التسلّط على الانتفاع ، ويتقدّر بقدر التسليط ، وينتفع بما جرت العادة به ).
أما تقدّر الانتفاع بقدر التسليط فواضح ، إذ لا يجوز التصرف في مال الغير إلاّ بمقتضى الإذن ، فإن عمم له وجوه الانتفاع ـ كأن إعارة الأرض لينتفع بها في الزرع والغرس والبناء وغير ذلك ـ كان له الانتفاع بسائر وجوه النفع المعدة تلك العين لها ، وإن خصّص لم يجز التخطي قطعا ، وإن أطلق صح على أقرب الوجهين.
إلاّ أن كلام المصنف في التذكرة اختلف ، ففي أول كلامه أجراه مجرى التعميم ، فجوز جميع وجوه الانتفاع ، وفي آخر البحث مال إلى الانتفاع بما جرت به العادة الغالبة من الانتفاع بتلك العين ، فلو أعاره الأرض كذلك كان له البناء والغرس والزرع ، دون الرهن والوقف والدفن والإجارة (١) ، وهو مختاره في التحرير (٢).
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢١١.
(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٦٩.
ولو أذن في زرع الحنطة تخطّى الى المساوي والأدون لا الأضر ، ولو نهاه حرم التخطي وعليه الأجرة لو فعله. والأقرب عدم إسقاط التفاوت مع النهي لا الإطلاق ،
______________________________________________________
إذا تقرر هذا فعبارة الكتاب لا تخلو من مناقشة ، لأن الانتفاع بمجرى العادة لا يثبت في كل موضع كما حققناه ، بل مع الإطلاق خاصة ، والمتبادر من العبارة الانتفاع بما جرت العادة مع تقدير التسليط ، فلو قال : وينتفع بما جرت العادة به لو أطلق لكان أولى.
قوله : ( ولو أذن في زرع الحنطة تخطى إلى المساوي والأدون لا إلى الأضر ).
الظاهر من كلامهم أن هذا الحكم إجماعي ، وإلا فهو مشكل من حيث الدليل ، لوجوب الاقتصار على المأذون ، فعلى هذا لو كان أحد الشيئين أقل ضررا من وجه وأشدّ من وجه آخر ، فهل يجوز التخطي من أحدهما إلى الآخر؟
فيه تردد.
قوله : ( ولو نهاه حرم التخطي وعليه الأجرة لو فعله ).
أي : فعل التخطّي حيث نهاه عن زرع غير المعيّن ، ووجوب اجرة المثل لأن ذلك تصرف غير مأذون فيه.
قوله : ( والأقرب عدم إسقاط التفاوت مع النهي لا الإطلاق ).
أي : الأقرب عدم إسقاط التفاوت بين الأجرتين للمأذون في زرعه وللمتخطى إليه ( إذا كان المتخطى إليه ) (١) أضرّ وقد نهاه عن التخطي. والمراد بـ ( التفاوت ) هو مقدار اجرة المأذون فيه.
والأقرب أنه ليس الحكم كذلك مع الإطلاق ، والمراد به : الاذن في
__________________
(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».
______________________________________________________
زرع معين مع عدم النهي عن التخطي ، فالمراد بالإطلاق ما قابل النهي.
ووجه القرب في الأول : أنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه ، فيضمن المنفعة المستوفاة بتمامها.
ويحتمل ضعيفا : ضمان ما زاد على أجرة المأذون فيه فقط ، لأنه قد أباحه المنفعة المخصوصة ، فلا يجب لها عوض ، بخلاف المنفعة الزائدة ، فإنها التي لم يؤذن فيها.
وضعف هذا ظاهر ، لأنه إنما أذن في المنفعة في مخصوص لا مطلقا ، فإذا جاوزه كان انتفاعه كلّه عدوانا ، فيضمن الجميع ، وهو الأصح.
ووجه القرب في الثاني : أنه مع عدم النهي عن التخطي ، استفاد بالإذن في الزرع المخصوص استباحة المنفعة المخصوصة في ضمن أيّ فرد كان ، فحيث تخطى إلى الأضر ، كان مقدار منفعة المأذون فيه مباحا له خاصة ، فيضمن الزائد فقط.
ويحتمل : ضمان الجميع هنا أيضا ، للمنع من إباحة المنفعة المخصوصة حينئذ في ضمن أيّ فرد كان ، بل في ضمن المساوي والأقل ضررا خاصة دون الأكثر ، فالتصرف في الأرض بزرع الأكثر ضررا غير مأذون فيه ، فتكون المنفعة المستوفاة به مضمونة.
والفرق بين الأكثر ضررا مع الإطلاق ، ومع النهي عن التخطي للنوع المخصوص غير واضح ، لأن المزروع في كلّ من الحالتين غير مأذون فيه ، غاية ما في الباب أنه في إحداهما نص على المنع ، وفي الأخرى المنع مستصحب بالأصل ، ولا تجد تفرقة بين من منع من التصرف في ملكه ، وبين من لم يأذن ولم يمنع ، في وجوب الضمان على المتصرف فيه ، وفي وجوب الجميع عندي قوة.
بخلاف حمل الأكثر. وليس للمستعير أن يعير ولا أن يؤجر.
ولو أعار للغراس لم يكن له البناء وبالعكس ـ وله الزرع.
ولا يجب في العارية التعرض لجهة الانتفاع وإن تعددت ، فلو استعار الدابة ركب أو حمل ، ولو استعار أرضا فله البناء أو الغرس أو الزرع ،
______________________________________________________
واعلم أن إطلاق التفاوت على مقدار اجرة المأذون فيه غير ظاهر ، فان التفاوت هو ما به الافتراق بين الشيئين ، كما نبه عليه في القاموس (١).
قوله : ( بخلاف حمل الأكثر ).
أي : الأقرب عدم إسقاط التفاوت مع النهي ، بخلاف حمل الأكثر ، وقوله : ( لا الإطلاق ) معترض ، وتحقيقه : أنه لو أذن له في حمل مقدار على الدابة ، فحمل أزيد منه ، ضمن أجرة الزائد قولا واحدا ، لأن المأذون فيه داخل فيما حمله ، فلا تجب له اجرة ، بخلاف النوع المخالف ، فإن المأذون في زرعه غير داخل فيه.
قوله : ( ولا يجب التعرض لجهة الانتفاع وإن تعددت ).
خلافا لبعض الشافعية في المتعددة ، فإنهم حكموا فيها بالبطلان (٢).
قوله : ( ولو استعار الدابة ركب أو حمل ، ولو استعار الأرض فله البناء أو الغرس أو الزرع ).
هذا مع الإطلاق ، فإنه يحمل على المنفعة المعتادة ، أما مع التعميم فيجوز له كل منفعة أعدت العين لها ، ومع التخصيص الحكم على ما سبق.
__________________
(١) القاموس ( قوت ) ١ : ١٥٤.
(٢) الوجيز ١ : ٢٠٤.
وكذا لو قال : انتفع كيف شئت ، ولو استعار للزرع وأطلق زرع مهما شاء.
الرابع : التنازع : فلو ادعى العارية ، والمالك الإجارة في الابتداء صدّق المستعير ، ولو انتفع جميع المدة أو بعضها احتمل تصديقه بيمينه ، لاتفاقهما على إباحة المنفعة ، والأصل براءة الذمة من الأجرة وتصديق المالك بيمينه ، لأن الأصل مملوك له فكذا المنفعة ، فيحلف على نفي العارية ويثبت له الأقل من أجرة المثل والمدعى.
______________________________________________________
ولا يخفى أنه إنما يجوز أن تحمل الدابة المعدة لذلك ، أما المعدة للركوب فقط فلا.
قوله : ( وكذا لو قال : انتفع كيف شئت ... ).
هذا من صور الإطلاق أيضا.
قوله : ( الرابع : التنازع ، فلو ادّعى العارية والمالك والإجارة في الابتداء صدّق المستعير ).
احترز يكون ذلك في الابتداء عما لو كان ذلك بعد مضي مدة لها أجرة ، فإنه لا يصدق المستعير بيمينه حينئذ كما سيأتي ، وإنما يصدّق في الابتداء بيمينه كما هو ظاهر ، ووجه تصديقه : أصالة البراءة من تعلّق الإجارة بذمته.
قوله : ( ولو انتفع جميع المدة أو بعضها ، احتمل تصديقه بيمينه ، لاتفاقهما على إباحة المنفعة ، والأصل براءة الذمة من الأجرة وتصديق المالك بيمينه ، لأن الأصل مملوك له فكذا المنفعة ، فيحلف على نفي العارية ، ويثبت له الأقل من الأجرة والمدّعى ).
لو قال : ولو انتفع مدة لها اجرة لكان أحسن ، إذا ليس هناك مدة مقررة ، ثم الأصل الذي ادّعاه في توجيه الاحتمال الأول غير ظاهر ، لأن الأصل براءة
ولو ادعى المالك الغصب صدّق مع اليمين وتثبت له اجرة
______________________________________________________
الذمة من خصوص ما ادّعاه المالك لا مطلقا ، فإنه قد علم استيفاؤه للمنفعة التي هي من توابع ملك المالك ، وقد علم كونها مملوكة له ، والأصل عدم خروجها عن ملكه مجانا.
واعلم أن سوق العبارة يقتضي الاكتفاء بيمين المالك على نفي العارية في ثبوت أقل الأمرين ، وليس بجيد ، لأن نفي العارية لا يقتضي نفي الإجارة ، وقد ادّعاها المالك ، فكيف يتعين عليه أخذ أقل الأمرين؟ فلا بد من يمين المستعير على نفي الإجارة ، فيتحالفان ويثبت أقل الأمرين من المدّعى واجرة المثل ، لانتفاء الزائد من المسمّى بيمين المستعير إن كان المسمّى أزيد.
وإن كانت اجرة المثل أزيد من المسمى ، فالزائد منتف بإقرار المالك ، وقد لحظ شيخنا الشهيد ذلك ، فقال : ان التحالف قضية كلام المصنف.
والحاصل أن القول بالتحالف هو المعتمد ، لأن كلاّ منهما مدّع ومدعى عليه ، واختاره المصنف في المختلف (١) ، وهو اللائح من كلام ابن إدريس (٢).
وقال الشيخ تارة بتقديم قول المستعير ، وتارة بالقرعة لأنه أمر مشكل (٣) ، وكل منهما ضعيف ، فإنه مع وجود الدليل الدال على التحالف لا إشكال فيه.
قوله : ( ولو ادّعى المالك الغصب صدّق مع اليمين ).
لأن الأصل عدم إباحة المنفعة ، ولا أصل في الطرف الآخر ، لاستيفاء المنفعة المملوكة للغير الناقل من الأصل ، وقال الشيخ : يقدم قول مدعي العارية لأصالة براءة ذمته (٤) ، وهو ضعيف
__________________
(١) المختلف : ٤٤٧.
(٢) السرائر : ٢٦٢.
(٣) الخلاف ٢ : ٩٦ مسألة ٣ و ٤ كتاب العارية ، المبسوط ٣ : ٥٠ ، ٢٦٦.
(٤) الخلاف ٢ : ٩٧ مسألة ٥ كتاب العارية ، المبسوط ٣ : ٥٢.
المثل. ولو ادعى استئجار الذهب وسوغناه بعد التلف ، وادعى المالك الإعارة فإن اتفقت الأجرة والقيمة أخذها المالك بغير يمين ، وإن زادت القيمة أخذها باليمين ، وقبل التلف للمالك الانتزاع باليمين
______________________________________________________
ثم إن كانت الدابة باقية ردّها ، وإن تلفت ، فإن أوجبنا على الغاصب قيمته يوم التلف فلا بحث ، وإن أوجبنا أعلى القيم تحالفا ووجب هنا قيمته يوم التلف ، نبّه عليه في المختلف (١).
قوله : ( ولو ادّعى استئجار الذهب وسوغناه بعد التلف وادعى المالك الإعارة ، فإن اتفقت الأجرة والقيمة أخذها المالك بغير يمين وإن زادت القيمة أخذها باليمين ).
الظرف في قوله : ( بعد التلف ) يتعلق بقوله : ( ادعى ) و ( سوغناه ) معترض بينهما ، وإنما ذكره لأن تسويغ استئجاره لم يسبق بيانه ، ووجه الحكم ظاهر ، لأنه مع اتفاق القيمة والأجرة لا محصل للاختلاف ، لأن ذلك القدر لازم على كل من التقديرين ، أما مع زيادة القيمة فإن المالك إذا حلف على نفي الإجارة انتفت ، فتكون العين حينئذ مضمونة على القابض ، فتجب قيمتها حيث تلفت.
قوله : ( وقبل التلف للمالك الانتزاع باليمين ).
أي : ولو ادعى ذلك قبل تلف العين انتزعها المالك إذا حلف على نفي الإجارة ، ولا عوض للمنفعة المستوفاة ـ لإقراره بالعارية ـ وإن وجب على مدعي الاستئجار اجرة مدة كون العين في يده بزعمه.
__________________
(١) المختلف : ٤٤٧.
ويصدّق المستعير في ادعاء التلف لا الرد ، وفي القيمة مع التفريط أو التضمين على رأي ، وفي عدم التفريط.
فروع :
أ : ولد العارية المضمونة غير مضمون.
ب : مؤنة الرد على المستعير.
______________________________________________________
قوله : ( ويصدق المستعير في ادّعاء التلف لا الرد ).
أما التلف فلأنه لو لا ذلك لأمكن صدقه فيخلد حبسه ، وأما الرد فلأنه إنما قبض لمصلحة نفسه والأصل عدمه ، بخلاف المستودع لأنه محسن و ( ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) ) (١) ومن هذا يعلم أن الوكيل بجعل كالمستعير وتبرعا كالمستودع.
قوله : ( وفي القيمة مع التفريط أو التضمين على رأي ) (٢).
لأنه لكونه غارما منكرا للزائد ، فقال الشيخان (٣) وجماعة (٤) بتقديم قول المالك ، لانتفاء أمانة المستعير حينئذ ، وهو ضعيف ، لأن تقديم قوله ليس لكونه أمينا ، بل لكونه منكرا.
قوله : ( ولد العارية المضمونة غير مضمون ).
للإذن في إثبات اليد عليه بفحوى عارية الأم ، وليس داخلا في العارية ، فلا فرق بين كونه منفصلا أو حملا ، ويجيء على قول الشيخ ـ أن الحمل جزء من الام ـ ضمانه أيضا ، لأنه جزء من مضمون ، وجزء المضمون مضمون.
قوله : ( مؤنة الرد على المستعير ).
__________________
(١) التوبة : ٩.
(٢) ذهب اليه ابن إدريس في السرائر : ٢٦٢ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٧٥.
(٣) المفيد في المقنعة : ٩٧ ، والطوسي في النهاية : ٤٣٨.
(٤) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢١ ، وسلار في المراسم : ١٩٤.
ج : لو رد الى من جرت العادة بالقبض كالدابة إلى سائسها لم يبرأ.
د : لو أعار المستعير للمالك الرجوع بأجرة المثل على من شاء ، ويستقر الضمان على الثاني مطلقا على اشكال ،
______________________________________________________
لأنه قبض لمصلحة نفسه ، ويجب ردّ الملك على مالكه عند الطلب أو انقضاء المدة ، لكن قد يقال : هذا ينافي ما سبق من عدم وجوب طمّ الحفر لو قلع الغرس المالك ، لأنه لم يرد الملك المستعار على المالك ، إلاّ أن يقال المراد رديه على ما هو به ، وعلى ما ذكره فقد يستفاد أن للمالك إذا بذل الأرش إلزامه بالقلع ، وليس ببعيد.
لكن يشكل عليه ما لو استعار في بلد فسافر المالك إلى بلد آخر ، فيمكن أن يقال : الواجب الرد في بلد العارية ، لأنه الذي لزمه وقت تسليمها.
قوله : ( لو ردّ إلى من جرت العادة بالقبض ، كالدابة إلى سائقها (١) لم يبرأ ).
لو قال : إلى من جرت العادة بقبضه إلى أخره ونحوه لكان أولى ، وخالف أبو حنيفة في ذلك ، فحكم بأنه يبرأ بذلك (٢) ، وليس بشيء.
قوله : ( لو أعار المستعير ، فللمالك الرجوع على من شاء ، ويستقر الضمان على الثاني مطلقا على إشكال ).
أي : لو أعار المستعير العين ، فالمنفعة مضمونة على كل واحد منهما لكونهما غاصبين ، فللمالك الرجوع على من شاء منهما ، لكن قرار الضمان على الثاني لاستقرار التلف في يده مطلقا ، أي : سواء كان الثاني عالما بالحال
__________________
(١) في « ق » : سائسها.
(٢) بداية المجتهد ٢ : ٣١٣.
وكذا العين.
هـ : لو أذن المالك في الإجارة أو الرهن لزمه الصبر الى انقضاء المدة على اشكال ،
______________________________________________________
أو جاهلا على إشكال في الجاهل ، ينشأ : من أنه المتلف ، ومن أنه إنما دخل مع معيره على استيفاء المنفعة مجانا بغير عوض ، فكان مغرورا فتضعف مباشرته ، فيرجع على من غره ، وهو الأصح.
قوله : ( وكذا العين ).
أي : وكذا ضمان العين لو تلفت على كل منهما ، فيتخير المالك في الرجوع ، وقرار الضمان على الثاني مطلقا على إشكال في الجاهل ، ينشأ من نحو ما سبق ، والأصح أن الجاهل يرجع على من غرّه وهو الأول ، فيكون قرار الضمان عليه ، إلاّ أن تكون العارية مضمونة بالأصل أو بالتضمين ، فان قرار الضمان على الثاني حينئذ ، لأنه إنما دخل على ضمانها.
والحال في نقص (١) الأبعاض يعلم من هذا ، فكل موضع تكون الأبعاض مضمونة على المستعير ، فقرار الضمان فيها على الثاني وإن كان جاهلا ، وكل موضع لا يكون نقص الأبعاض فيه مضمونا على المستعير ، فقرار الضمان فيه على الأول مع جهل الثاني.
قوله : ( لو أذن المالك في الإجارة أو الرهن ، لزمه الصبر إلى انقضاء المدة على إشكال ).
أي : لو أذن المالك للمستعير أن يؤجر العين المستعارة لنفسه ، أو يرهنها على دين على المستعير ، لزمه الصبر إلى انقضاء المدة على إشكال ، ينشأ : من أن العارية جائزة ، ومن أن المأذون فيه عقد لازم ، فيفضي العارية هنا إلى
__________________
(١) في « م » و « ق » : بعض ، وما أثبتناه من مفتاح الكرامة ٦ : ٨٧ عن جامع المقاصد ، وهو الأنسب.
فتقدر المدة في الإجارة ، ويضمن المستعير في المضمونة دون المستأجر والمرتهن.
______________________________________________________
اللزوم كالاعارة للدفن ، وهو الأصح.
قوله : ( فتقدر المدة في الإجارة ).
لأن مدة الإجارة تقبل الزيادة والنقصان ، والضرر بذلك يتفاوت تفاوتا بينا فلا تصح الإجارة حينئذ بدونه ، وقد سبق في الرهن حكم العارية.
قوله : ( ويضمن المستعير في المضمونة ).
لأنه مستعير في جميع المدة ولا يضمن في غير المضمونة لكونه حينئذ أمينا.
قوله : ( دون المستأجر والمرتهن ).
لأن يدهما يد أمانة
* * *
المقصد الثالث : في اللقطة : وفيه فصول :
الأول : في اللقيط : وفيه مطلبان :
الأول : الملقوط : إما إنسان ، أو حيوان ، أو غيرهما. ويسمى الأول : لقيطا وملقوطا ومنبوذا ، وهو كل صبي ضائع لا كافل له وإن كان مميزا ،
______________________________________________________
قوله : ( المقصد الثالث : في اللقطة ، وفيه فصول : الأول في اللقيط ، وفيه مطلبان : الأول الملقوط إما إنسان أو حيوان أو غيرهما ، ويسمّى الأول لقيطا وملقوطا ومنبوذا ).
اللقيط بمعنى الملقوط ، لأن فعيلا هنا بمعنى المفعول كجريح وطريح ، وإنما يسمّى ملقوطا لأنه يلقط ، ويسمى منبوذا لأن النبذ الرمي ، فلكونه قد رمي سمي بذلك.
قوله : ( وهو كل صبي ضائع لا كافل له وإن كان مميزا ).
ال ( كل ) هذه هي الإفرادية ، وكان عليه أن يدخل في التعريف المجنون ، لأنه بجنونه عاجز عن دفع ضروراته ، لأنه لا يهتدى إلى ذلك ، وقد ادخله شيخنا الشهيد في عبارة الدروس (١).
وقوله بعد : ( ولا يلتقط البالغ العاقل ) يفهم منه أن المجنون يلتقط ، ويحتمل قوله : ( لا كافل له ) على أن المراد به حالة الالتقاط ، لينتفي التدافع بينه وبين قوله : ( فان كان له من يجبر على نفقته اجبر على أخذه ).
ويجب أن يستثني من المميز المراهق ، لأنه كالبالغ في حفظ نفسه ، فلا يجوز التقاطه.
__________________
(١) الدروس : ٢٩٧.
فإن كان له من يجبر على نفقته اجبر على أخذه.
ولو تعاقب الالتقاط أجبر الأول ، والتقاطه واجب على الكفاية.
ولا يجب الإشهاد ، ولا يلتقط البالغ العاقل.
ولو ازدحم ملتقطان قدّم السابق ،
______________________________________________________
قوله : ( فان كان له من يجبر على نفقته اجبر على أخذه ).
أي : من أب ونحوه.
قوله : ( والتقاطه واجب على الكفاية ).
لوجوب حفظ نفسه عن التلف ، وبدون ذلك هو معرض له ، ولوجوب إطعام المضطر وإنقاذه من الغرق.
قوله : ( ولا يجب الإشهاد ).
أي : عندنا ، خلافا لبعض العامة (١) ، لأن الأصل البراءة ، نعم يستحب ، لأنه أصون وأحفظ وأقرب إلى حفظ نسبه وحريته ، فإن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا يتعرى في اللقيط
قوله : ( ولا يلتقط البالغ العاقل ).
لأنه يمتنع بنفسه كالدابة الممتنعة ، ولامتناع ثبوت الولاية عليه ، ولو خيف عليه التلف في مهلكة وجب إنقاذه ، كما يجب إنقاذ الغريق ونحوه.
قوله : ( ولو ازدحم ملتقطان قدم السابق ).
الازدحام إن كان قبل أخذه ، وقال كل واحد منهما : أنا آخذه وأحضنه ، جعله الحاكم في يد من يراه منهما أو من غيرهما ، إذ لا حق لهما قبل الأخذ.
__________________
(١) المغني لابن قدامة ٦ : ٣٦٢.
فان تساويا ففي تقديم البلدي على القروي ، والقروي على البدوي ، والموسر على المعسر ، وظاهر العدالة على المستور نظر ،
______________________________________________________
وإن كان بعد الأخذ ، فإن استويا في أخذه : بأن تناولا تناولا واحدا دفعة واحدة وكانا أهلا للالتقاط معا ، فكل منهما ملتقط ، وسيأتي حكم ذلك ان شاء الله تعالى.
وإنما اعتبرنا أهليتهما للالتقاط ، لأنه لو انتفت الأهلية عن أحدهما لكفره ـ وإن لم يكن اللقيط محكوما بإسلامه على تردد ـ أو فسقه وعدالة الآخر في وجه قوي ، أو حريته وكون الآخر عبدا لم يأذن له مولاه ، فالملتقط هو الآخر خاصة.
وإن تفاوتا في أخذه : بأن سبق أحدهما فأراد الآخر مزاحمته ـ وهو المراد من العبارة ـ فإنه يمنع ، لأن الملتقط هو السابق ، ولا يثبت السبق بالوقوف على رأسه من غير أخذ ، وبه صرح في التذكرة (١).
قوله : ( فان تساويا ، ففي تقديم البلدي على القروي ، والقروي على البدويّ ، والموسر على المعسر ، وظاهر العدالة على المستور نظر ).
المراد بـ ( ظاهر العدالة ) من عرفت عدالته و ( المستور ) مقابله ، ومنشأ النظر : من أن كل واحد لو انفرد لجاز التقاطه ، وإلا فلا بحث في التقديم ، فإذا تساويا في إثبات اليد كان لكل حق. ومن أن الالتقاط لمصلحة الصبي ، والبلدي أحفظ لنسبه وأقرب إلى وصول قريبه إليه.
ثم القروي والموسر أقوم بمصالحه من المعسر ، ومعلوم العدالة أوثق ، لإمكان فسق المستور ، وهذا إذا لم نقل باشتراط العدالة في الملتقط ، أما على الاشتراط كما يراه المصنف فلا وجه للنظر في هذا القسم حينئذ ، وسيأتي أن
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٧١.
فإن تساويا أقرع أو يشتركا في الحضانة.
______________________________________________________
الأحوط اشتراط العدالة ، فيكون الترجيح بهذا الاعتبار.
لا يقال : المستور لم يعلم فسقه والمانع هو الفسق ، ولأن المستور يدعي العدالة ولم يعلم ما ينافيها.
لأنا نقول : شرط الالتقاط العدالة ، ومع الجهل بها لم يتحقق الشرط فينتفي المشروط ، ولأن الحاكم بأرجحية أحدهما على الآخر أو تساويهما هو غيرهما لا محالة ، ومع جهل الغير بعدالة أحدهما كيف يحكم بالتساوي على القول باشتراط العدالة؟
نعم المستور إذا كان يعلم العدالة من نفسه واستقل بالالتقاط ، يجوز ذلك فيما بينه وبين الله تعالى.
وأما الباقون ، فالأصح عدم ترجيح أحدهم على مقابله ، لأن كلاّ منهم أهل الالتقاط ، وتأثير واحد من الأوصاف المذكورة في الترجيح غير معلوم ، والأصل عدمه.
قوله : ( فان تساويا أقرع ، أو شركا في الحضانة ).
أي : فان تساوى الملتقطان وانتفى المرجح ـ إما باستوائهما في الصفات ، أو على القول بأن شيئا من الصفات السابقة لا يرجح به ـ فقد ثبت الحق لهما ظاهرا ، باعتبار إثباتهما اليد على اللقيط بأخذه ، فيحتمل التشريك بينهما في الحضانة جمعا بين الحقين.
ويحتمل القرعة ، لأن في إثبات الحضانة لهما ـ بحيث يجتمعان عليها ـ مشقة عليهما وعلى الطفل ، لأن ذلك طريق إلى توزيع مصالحه ، وفي تناوبهما مع ذلك قطع الألفة ، وهو الأصح ، فيقرع بينهما ، فمن خرج اسمه كان هو المستحق ، وقد وقع في الكتاب العزيز ذكر القرعة في قوله تعالى : ( وَما كُنْتَ