جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

وإن لم يفارق المجلس.

ولا تجب مخالفة العادة في المشي ولا قطع العبادة ولو كانت مندوبة ، ولا تقديمه على صلاة حضر وقتها.

______________________________________________________

بطلان الشفعة بعدم إحضار الثمن في الثلاثة على ذلك إذ لو كانت على التراخي (١) لم تبطل بعد الثلاثة بلا فصل.

وقال السيد (٢) ، وجماعة (٣) : بأنها على التراخي (٤) تمسكا بما لا ينهض حجة ومعارضا ، والأصح الأول الذي دل عليه كلامه في المختلف وغيره : أن الواجب على الفور هو الأخذ صرح به في مسألة ما إذا كان الثمن مؤجلا (٥) وإن كان مقتضى كلامهم هناك أن الطلب واجب فوري ، فلعله يراد به الأخذ لتضمنه الطلب.

قوله : ( وإن لم يفارق المجلس ).

رد بذلك على أبي حنيفة فإنه يقول : إن التأخير بغير عذر لا يبطل الشفعة ما داما في المجلس (٦).

قوله : ( ولا تجب مخالفة العادة في المشي ، ولا قطع العبادة وإن كانت مندوبة ، ولا تقديمه على صلاة حضر وقتها ).

لا ريب أن المراد بالفور تحكّم فيه العادة ، لأن العرف هو المرجع فيما ليس للشارع فيه حقيقة ، فحينئذ الأعذار المانعة من السعي إلى الأخذ بالشفعة عادة تنقسم الى قسمين : ما ينتظر زواله عن قرب مثل الاشتغال بصلاة واجبة ،

__________________

(١) في « ق » : التراضي.

(٢) الانتصار : ٢١٩.

(٣) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦١ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٥٠.

(٤) في « ق » : التراضي.

(٥) المختلف : ٤٠٥‌

(٦) انظر : بدائع الصنائع ٥ : ١٩ ، اللباب ٢ : ١٠٧ ، فتح العزيز المطبوع مع المجموع ١١ : ٤٩١.

٤٠١

ولو أهمل المسافر بعد علمه السعي ، أو التوكيل مع إمكان أحدهما بطلت ، ولو عجز لم تسقط وإن لم يشهد على‌ المطالبة ،

______________________________________________________

أو مندوبة ، ونحوهما من أكل ، أو قضاء حاجة ، أو كونه في حمام فله الإتمام ولا يكلّف القطع على خلاف العادة ، وكذا لو حضر وقت الأكل أو الصلاة أو قضاء الحاجة جاز له تقديمها رجوعا في ذلك كله الى العرف ، وبه صرح في التذكرة (١).

والظاهر أن من هذا شهود تشييع المؤمن والجنازة ، وقضاء حاجة طالب الحاجة ، وعيادة مريض ، وما جرى هذا المجرى مما لم تجر العادة بالإعراض عنه ، وربما كان الاعراض عنه موجبا للطعن ، والظاهر أن العجز عن التوكيل عند حصول أحد هذه الأمور غير شرط ، لعدم السقوط بقصر الزمان ، وعدم ذلك في العادة منافيا للفور.

قوله : ( ولو أهمل المسافر ـ بعد علمه ـ السعي أو التوكيل مع إمكان أحدهما بطلت ).

هذا بعض صور القسم الثاني من الأعذار ، وهو ما لا ينتظر زواله عن قرب كالمرض ، والحبس ، والغيبة ، والاعتكاف ، وتمريض المريض ، فلو كان الشفيع مسافرا وعلم بالبيع ، فإن أهمل السعي والتوكيل معا مع تمكنه من أحدهما بطلت شفعته ، ولا يكون سفره عذرا مع تمكنه من التوكيل ، لطول المدة فيه وعدم المسامحة في مثله بحيث لا ينافي الفور عادة.

ولا يخفى أن قول المصنف : ( لو أهمل السعي أو التوكيل ) ليس بجيد ، لأن البطلان إنما يتحقق مع إهمالهما لا مع إهمال أحدهما ، وكذا القول في البواقي.

قوله : ( ولو عجز لم يسقط وإن لم يشهد على المطالبة ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٩٦.

٤٠٢

ثم تعجب المبادرة إلى أحدهما في أول وقت الإمكان.

وانتظار الصبح ، ودفع الجوع والعطش بالأكل والشرب ، وإغلاق الباب ، والخروج من الحمام ، والأذان والإقامة ، وسنن الصلاة ، وانتظار الجماعة أعذار ، إلا مع حضور المشتري وعدم اشتغاله بالطلب عن هذه الأشياء ،

______________________________________________________

أي : لو عجز عن الأمرين معا لم تسقط شفعته لعدم التقصير ، ولا يشترط الاشهاد على المطالبة لو تمكن منه خلافا لبعض العامة (١) ، للأصل وعدم الدليل.

قوله : ( ثم تجب المبادرة إلى أحدهما في أول وقت الإمكان ).

أي : بعد زوال عذر المسافر وتمكنه من السعي أو التوكيل يجب عليه أحدهما ، فإن أمكنه السعي تخيّر بينه وبين التوكيل ، ولو تمكن من التوكيل فقط تعيّن ويجب ذلك في أول أوقات الإمكان عادة فيراعي ما سبق ، ولو قصّر الوكيل في الأخذ لم يكن تقصيرا من الموكل.

قوله : ( وانتظار الصبح ، ودفع الجوع والعطش بالأكل والشرب ، وإغلاق الباب ، والخروج من الحمام ، والأذان والإقامة ، وسنن الصلاة ، وانتظار الجماعة أعذار ).

هذا كله من قبيل القسم الأول من قسمي الأعذار ، وهو ما ينتظر زواله عن قرب ، وقد سبق توجيهه.

قوله : ( إلا مع حضور المشتري وعدم اشتغاله بالطلب عن هذه الأشياء ).

أي : إلا مع حضور المشتري عنده ، وعدم اشتغاله بالطلب فإن هذه‌

__________________

(١) انظر : كفاية الأخيار ١ : ١٨٥‌.

٤٠٣

ويبدأ بالسلام والدعاء.

وإنما يأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فإن كان مثليا فعلى الشفيع مثله ، وإن كان من ذوات القيم فعليه قيمته يوم العقد على رأي ،

______________________________________________________

الأمور لا تعد أعذارا فتسقط شفعته ، واعلم انه على ما سبق في كلامه لا أثر لطلبه الشفعة ، إذ المعتبر هو الأخذ مع دفع الثمن ، إلا أن يحمل الطلب في عبارته على ذلك.

قوله : ( ويبدأ بالسلام والدعاء ).

لعموم الأمر بالسلام (١) ، وجريان العادة به ، وكذلك الدعاء المتعارف مثله ، ولو ابتدأ بالطلب لكان نقصا في حقه.

فرعان :

أ : لو جهل الشفيع استحقاق الشفعة فالظاهر بقاء حقه ، لعموم الدلائل (٢) ، ولعدم تقصيره في الأخذ.

ب : لو علم ثبوتها وجهل كونه على الفور فالظاهر السقوط ، لتحقق التقصير المنافي للفورية ولا أثر لجهله بذلك.

قوله : ( وإنما يأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فإن كان مثليا فعلى الشفيع مثله ، وإن كان من ذوات القيم فعليه قيمته يوم العقد على رأي ).

لا ريب أنه يأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد قليلا كان أو كثيرا ، أي : لمثله لعدم إمكان الأخذ به غالبا ، فإن كان من ذوات الأمثال لزمه مثله ، وإن كان من ذوات القيم فهل تثبت الشفعة معه أم لا؟ قولان للأصحاب :

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٧١ حديث ١ ـ ٥ باب التسليم ، وانظر وسائل الشيعة ٨ : ٤٣٥ باب الابتداء بالسلام.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٠ باب الشفعة ، التهذيب ٧ : ١٦٣ باب الشفعة.

٤٠٤

______________________________________________________

أحدهما ـ وهو قول الشيخين (١) ، وجمع من الأصحاب (٢) : ـ الثبوت ، لعموم الأدلة الدالة على ثبوت الشفعة (٣) ، ولأن القيمة بمنزلة العوض المدفوع.

والثاني ـ وهو القول الآخر للشيخ (٤) وقول جماعة منهم المصنف في المختلف (٥) ـ : العدم اقتصارا فيما ثبت على خلاف الأصل على محل الوفاق ، ولرواية ابن رئاب عن الصادق عليه‌السلام : في رجل اشترى دارا برقيق ومتاع وبر وجوهر قال : « ليس لأحد فيها شفعة » (٦) ، وهي نص ولا يضر ضعف إسنادها لانجبارها بغيرها من الدلائل ، ولحسنة هارون بن حمزة الغنوي الى أن قال : « فهو أحق بها من غيره بالثمن » (٧).

وإنما يتحقق ذلك في المثلي ، أو يقال المثل أقرب المجازات الممكنة ها هنا ، والأصح عدم الثبوت ، فإن قلنا به فبأي قيمة يلزم ، قيمة يوم العقد أم وقت الأخذ أم الأعلى من وقت العقد الى وقت الأخذ؟ صرح بالأول المصنف ، وبالثالث ولده (٨) ، والأصح الأول ، لأن وقت الاستحقاق حين العقد ، ولا ريب أن الاستحقاق بالثمن والعين متعذرة فوجب الانتقال إلى القيمة ، فالاستحقاق بالقيمة حينئذ ـ وهو مختار الدروس (٩) ومختار ولد المصنف ـ ضعيف ، لأن إلحاق هذا بالغاصب لا وجه له ، وكذا الأمر الثالث ، لسبق الاستحقاق في الثمن على وقت الأخذ.

__________________

(١) المقنعة : ٩٦ ، المبسوط ٣ : ١٣١.

(٢) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦١ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٥٠ ، والمحقق الحلي في الشرائع ٣ : ٢٥٨.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٣٠ الاستبصار ٣ : ١١٦ حديث ٤١٣.

(٤) الخلاف ٢ : ١٠٧ مسألة ٧ كتاب الشفعة.

(٥) المختلف : ٤٠٤.

(٦) الفقيه ٣ : ٤٧ حديث ١٦٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٧ حديث ٧٤٠.

(٧) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٨.

(٨) إيضاح الفوائد ٢ : ٢١٠.

(٩) الدروس : ٣٩٠.

٤٠٥

سواء كان مثل قيمة المشفوع أو لا ، ولا تلزمه الدلالة والوكالة وغيرها من المؤن.

ولو زاد المشتري في الثمن بعد العقد لم تلحق الزيادة وإن كان في مدّة الخيار على رأي.

ولا يسقط عنه ما يحطه البائع وإن كان في مدة الخيار ويسقط أرش العيب إن أخذه المشتري.

______________________________________________________

قوله : ( سواء كان مثل قيمة المشفوع أم لا ).

أي : سواء كان الثمن الذي جرى عليه العقد هو ثمن المثل للمشفوع ، أي : مثل قيمته أم ناقصا لعموم النص.

قوله : ( ولا تلزمه الدلالة والوكالة وغيرها من المؤن ).

مثل اجرة النقاد والوزان ونحوهما ، إذ ليست من جملة الثمن وإن كانت من التوابع.

قوله : ( ولو زاد المشتري في الثمن بعد العقد لم تلحق الزيادة وإن كان في مدة الخيار على رأي ، ولا يسقط عنه ما يحطه البائع وإن كان في مدة الخيار ).

على رأي ـ المخالف في الموضعين ـ الشيخ ، فقال بلحوق الزيادة وسقوط الحطيطة إذا كان ذلك في مدة الخيار ، لأنه الثمن الذي استقر عليه العقد (١). وليس بجيد ، لأن الثمن هو ما وقع عليه العقد ، والزيادة والحطيطة أمر جديد.

قوله : ( ويسقط أرش العيب إن أخذه المشتري ).

أي : يسقط من الثمن ، لأنه جزء منه ، فإذا أخذه المشتري كان الثمن هو‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٠٨.

٤٠٦

ولو كان الثمن مؤجلا فللشفيع الأخذ كذلك بعد اقامة كفيل إذا لم يكن مليا ، وليس له الأخذ عند الأجل على رأي.

______________________________________________________

ما يبقى بعده ، فإن كان قد دفع الثمن استرد الأرش ، ولو لم يأخذه المشتري لم يكن له أرش ، لأن الثمن هو ما جرى عليه العقد.

قوله : ( ولو كان الثمن مؤجلا فللشفيع الأخذ كذلك بعد اقامة كفيل إذا لم يكن مليا ، وليس له الأخذ عند الأجل على رأي ).

لما كان الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي جرى عليه العقد لم يكن له فيما إذا كان الثمن مؤجلا إلا الأخذ به مؤجلا ، وهذا قول الأكثر (١) والأصح ، لأن تأخير الأخذ ينافي الفور فيبطل لو أخر وللأجل حظ من الثمن ، فلو أخذ بغير أجل لم يكن الأخذ بالثمن.

وللشيخ قول في الخلاف (٢) والمبسوط (٣) انه يتخير بين أن يأخذ بجميع الثمن حالا ، أو يصبر الى انقضاء الأجل ثم يأخذ ، واحتج عليه بأن الذمم غير متساوية.

وأجاب في المختلف بأن عدم تساوي الذمم لا يلزم منه ما ذكره ، لإمكان التخلص بالضمين (٤) ومقتضى هذا الجواب أنه متى طلب المشتري من الشفيع ضمينا أجيب اليه ، ومثله قال في التذكرة (٥) ، والذي صرحوا به إنما هو إلزامه بكفيل لو لم يكن مليا ، ولو صرح أحد بما تشعر به عبارة المختلف لكان القول به وجها ، لكن قال في التذكرة : وعلى ما اخترناه فإنما يأخذه بثمن مؤجل إذا كان مليا موثوقا به أو إذا أعطى كفيلا مليا وإلا لم يأخذه ، لأنه إضرار بالمشتري ،

__________________

(١) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : ٩٦ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٤٢٥ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٢١١.

(٢) الخلاف ٢ : ١٠٧ مسألة ٩ كتاب الشفعة.

(٣) المبسوط ٣ : ١١٢.

(٤) المختلف : ٤٠٦.

(٥) التذكرة ١ : ٥٩٦.

٤٠٧

ولو مات المشتري حل الثمن عليه دون الشفيع ، ولو باع شقصين مع شريكين لواحد صفقة فلكل شريك أخذ شفعته خاصة ، ولو اتحد الشريك فله أخذ الجميع وأحدهما.

ولو ترك لتوهم كثرة الثمن فبان قليلا ، أو لتوهمه جنسا فبان غيره ، أو كان محبوسا بحق هو عاجز عنه ، أو بباطل مطلقا وعجز عن الوكالة ، أو أظهر له أن المبيع سهام قليلة فبانت كثيرة ، أو بالعكس ، أو أنه‌

______________________________________________________

وما ذكره صحيح في موضعه خصوصا من لا ديانة له.

قوله : ( ولو مات المشتري حل الثمن عليه دون الشفيع ).

لأن الذي يحل ديونه هو الميت دون غيره ، فيبقى دين الشفيع للمشتري مؤجلا ، ويحتمل حلوله على الشفيع ، لأن تأجيله مسبب عن تأجيل ما على المشتري ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ولو باع شقصين مع شريكين لواحد دفعة فلكل شريك أخذ شفعته خاصة ).

لأن الشقص الآخر بالنسبة إليه غير مشفوع ، فكان كما لو ضم المشفوع الى غير المشفوع.

قوله : ( ولو اتحد الشريك فله أخذ الجميع وأحدهما ).

لأن الشركة في كل واحد من الشقصين بسبب مغاير للشركة في الآخر ، فلا تكون الشركة فيهما واحدة ، ولا أثر لاتحاد الصفقة في ذلك ، فإن حقه من أحدهما غير شائع في حق الآخر من الآخر.

قوله : ( ولو ترك لتوهم كثرة الثمن فبان قليلا ، أو لتوهمه جنسا فبان غيره ، أو كان محبوسا بحق هو عاجز عنه أو بباطل مطلقا وعجز عن الوكالة ، أو أظهر له أن المبيع سهام قليلة فبانت كثيرة ، أو بالعكس ، أو انه‌

٤٠٨

اشتراه لنفسه فبان لغيره ، أو بالعكس ، أو انه اشتراه لشخص فبان لآخر ، أو انه اشترى الكل بثمن فبان انه اشترى نصفه بنصفه ، أو بالعكس ، أو انه اشترى الشقص وحده فبان انه اشتراه مع غيره ، أو بالعكس لم تبطل شفعته.

______________________________________________________

اشتراه لنفسه فبان لغيره ، أو بالعكس ، أو انه اشتراه لشخص فبان لآخر ، أو انه اشترى الكل بثمن فبان انه اشترى نصفه بنصفه ، أو بالعكس ، أو انه اشترى الشقص وحده فبان انه اشتراه مع غيره ، أو بالعكس لم تبطل شفعته ).

المرجع في هذه المسائل كلها الى كون التأخير في طلب الشفعة لعذر أو للجهالة ، بخصوص البيع الذي هو متعلق الشفعة ، حيث يكون تعلق الغرض به امرا مقصودا ، فلو ترك الشفعة لتوهمه كثرة الثمن ، لوجود امارة توهم ذلك فبان قليلا فالشفعة باقية ، لأن قلة الثمن مقصودة في المعاوضة ، فربما كان الترك مستندا الى اعتقاد الكثرة.

وكذا لو أعتقده دنانير فظهر دراهم فترك أو بالعكس فالشفعة بحالها ، لأن الغرض قد يتعلق بجنس دون آخر ، لسهولة حصوله بالنسبة اليه ونحو ذلك.

وكذا لو كان محبوسا بحق هو عاجز عنه ، لأنه معذور في ترك السعي ، بخلاف ما لو كان قادرا على أداء الحق الذي حبس لأجله ، لأن التأخير من قبله ، إذ يجب عليه دفع الحق ليخلص من الحبس ، أو كان الحبس بسبب باطل كطلب ما ليس عليه في نفس الأمر وإن كان في ظاهر الحال ثابتا ، سواء كان قادرا عليه أم لا ، وسواء كان قليلا أم كثيرا فإنه معذور ، إذ لا يجب عليه دفع ما ليس عليه ، لكن بشرط عجزه عن الوكالة ليكون الحبس في الموضعين المذكورين عذرا ، فإن قصّر في الوكالة فلا شفعة له ، ولو وكّل مع حبسه بحق هو قادر عليه فالشفعة بحالها إذ لا تقصير.

٤٠٩

ولو أظهر له أنه اشتراه بثمن فبان أنه اشتراه بأكثر ، أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى به بعضه بطلت شفعته.

______________________________________________________

فرع :

لو شهدت البينة عليه بحق هو يدعي البراءة منه ، فحبس لامتناعه من أدائه فهل تبطل شفعته لوجوب الدفع عليه ليخلص ، أم لا لدعواه انه محبوس بغير حق؟ في نفس الأمر يجب التأمل لذلك.

وكذا لو أظهر له مظهر أن المبيع قليل فظهر خلافه ، لأن الغرض قد يتعلق بالكثير وكذا عكسه.

وكذا لو أظهر شخص انه اشترى الشقص لنفسه فبان انه اشتراه لغيره فكذلك ، لأن الغرض قد يتعلق بالأخذ من شخص دون آخر ، ومثله العكس.

ولو أظهر له انه اشترى الشقص وحده بالثمن فبان انه اشتراه مع غيره فكذلك ، لأن الثمن حينئذ يكون أقل ، والغرض قد يتعلق بذلك. وبالجملة فكل أمر لو ظهر له وقوع (١) البيع عليه ، والغرض الصحيح قد يتعلق بغيره فتبيّن خلافه فالشفعة بحالها لا تبطل للعذر.

قوله : ( ولو أظهر له انه اشتراه بثمن فبان انه اشتراه بأكثر ، أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشتراه ببعضه بطلت شفعته ).

لأن عدم رغبته في المبيع بالثمن الأقل فبالأكثر أولى ، لأن مقتضى البيع المكايسة ، وكذا لو لم يرغب في الكل بثمن فلأن لا يرغب في البعض بذلك الثمن أولى فلا شفعة له.

__________________

(١) في « ق » : أمر ظهر وقوع ..

٤١٠

وتصرّف المشتري قبل الأخذ صحيح ، فإن أخذه الشفيع بطل ، فلو تصرّف بما تجب به الشفعة تخيّر الشفيع في الأخذ بالأول أو الثاني ، فلو باعه المشتري بعشرة بعشرين فباعه الآخر بثلاثين : فإن أخذ من الأول دفع عشرة ورجع الثالث على الثاني بثلاثين والثاني على الأول بعشرين لأن الشقص يؤخذ من الثالث وقد انفسخ عقده ، وكذا الثاني.

______________________________________________________

قوله : ( وتصرف المشتري قبل الأخذ صحيح فإن أخذه الشفيع بطل ، فلو تصرف بما تجب به الشفعة تخيّر الشفيع في الأخذ بالأول أو الثاني ).

إنما كان تصرف المشتري صحيحا ، لأنه مالك مستقل ، فإذا أخذ الشفيع بطل تصرف المشتري ، لسبق حقه. ولا يخفى أن تصرفه ينقسم الى ما تجب به الشفعة ـ وهو البيع ـ وغيره ، فالأول إذا وقع تخيّر الشفيع في الأخذ بالبيع الأول والثاني ، لأن كلا منهما سبب تام في ثبوت الشفعة فالتعيين الى اختياره.

قوله : ( فلو باعه المشتري بعشرة بعشرين فباعه الآخر بثلاثين ، فإن أخذ من الأول دفع عشرة فيرجع الثالث على الثاني بثلاثين ، والثاني على الأول بعشرين ، لأن الشقص يؤخذ من الثالث وقد انفسخ عقده ، وكذا الثاني ).

أي : إذا ثبت تخيّر الشفيع في الأخذ إذا كان تصرف المشتري موجبا للشفعة ، فلو باعه المشتري بعشرين وقد كان اشتراه بعشرة ـ فالجار الأول في قوله : ( بعشرة ) متعلق بالمشتري ، والثاني في قوله : ( بعشرين ) ـ فباعه المشتري الثاني بثلاثين فإن أخذه الشفيع من الأول انفسخ العقدان الآخران ، فيدفع الشفيع عشرة وهي الثمن الذي اشترى به المشتري الأول ، ثم يرجع كل من الثاني والثالث بما دفع ثمنا ، فيرجع الثالث بالثلاثين والثاني بالعشرين ، لأن الشقص ينتزع من الثالث وقد انفسخ عقده فيرجع الى ماله (١) ، وكذا الثاني‌

__________________

(١) في « م » : مالكه.

٤١١

ولو أخذ من الثاني صح الأول ودفع عشرين ، وبطل الثالث فيرجع بثلاثين.

ولو أخذ من الثالث صحت العقود ودفع ثلاثين.

ولو وقفه المشتري ، أو جعله مسجدا ، أو وهبه فللشفيع إبطال ذلك كله ، والثمن للواهب أن يأخذه إن لم تكن لازمة ،

______________________________________________________

انفسخ عقده.

قوله : ( ولو أخذ من الثاني صح الأول ودفع عشرين وبطل الثالث فيرجع بثلاثين ، ولو أخذ من الثالث صحت العقود ودفع ثلاثين ).

لا ريب أنه إذا أخذ بالشفعة بالعقد الثاني كان ذلك إمضاء للبيع الصادر من الأول وهو التصرف الأول فيصح ، ويبطل البيع الصادر من الثاني وهو العقد الثالث ، فيرجع الثالث بما دفعه وهو ثلاثون ، ويدفع الشفيع إلى المشتري الثاني عشرين ، ولو أخذ بالبيع الثالث كان ذلك إمضاء للعقود كلها فيدفع ثلاثين وهو ظاهر.

قوله : ( ولو وقفه المشتري ، أو جعله مسجدا ، أو وهبه فللشفيع إبطال ذلك كله والثمن للواهب أن يأخذه إن لم تكن لازمة ).

هذا هو القسم الآخر من قسمي تصرف المشتري ، وهو ما تجب به الشفعة كوقف الشقص ، وجعله مسجدا ، وهبته ، ونحو ذلك فللشفيع الأخذ بالشفعة وإبطال ذلك كله لسبق حقه ، لكن لا يقع هذا التصرف من أول الأمر باطلا خلافا لبعض الشافعية (١) ، لأنه صدر من مالك تام الملك. وإن كان ملكه متزلزلا كالمتهب حيث يكون للواهب الرجوع ، فإذا أخذ بالشفعة بطل الوقف والمسجدية ، لمضادتهما الأخذ بالشفعة.

إما الهبة فإما أن تكون لازمة أو جائزة ، فإن كانت جائزة فللواهب أن يأخذ‌

__________________

(١) منهم ابن سريج ، انظر : فتح العزيز المطبوع مع المجموع ١١ : ٤٦٧.

٤١٢

وإلاّ فإشكال.

______________________________________________________

الثمن على ما ذكره المصنف ، ووجهه ان للواهب أن يرجع في أصل الهبة فله أن يرجع في ثمن الموهوب ، ومقتضى كلامه هذا انه لو لم يرجع لكان الثمن للمتهب ، ويشكل بأن هذا إنما يتم على تقدير أن يكون الأخذ بالشفعة غير مبطل للهبة ، لأن الأخذ إنما يكون بالبيع السابق ، ومتى كان الأخذ به امتنع الحكم بصحة التصرف الطارئ عليه ، ولهذا لو كان تصرف المشتري بالبيع حكمنا بأنه إن أخذ بالبيع الأول بطل الثاني واسترد المشتري الثاني الثمن.

ثم انه كيف يتصور كون الأخذ من المشتري والدرك عليه مع بقاء الهبة وثبوت ملك المتهب ، وهذا كما يكون منافيا لما ذكره في الهبة الجائزة فهو مناف لما ذكره من الإشكال في الهبة اللازمة كما لا يخفى.

لو قيل : ينفسخ من أحد الجانبين وهو جانب الشفيع خاصة دون الآخر.

دفعناه بما قلناه من اقتضائه زوال الدرك عن المشتري ، وهو باطل ، ولأن الفسخ نسبة فلا يعقل من أحد الجانبين.

وعليه مناقشة أخرى ، وهو انه على ما ذكر في الهبة الجائزة من أن له الرجوع بالثمن ، نظرا الى أن له أن يرجع في الأصل يجب أن لا يكون له الرجوع في الثمن في الهبة اللازمة ، لانقطاع حقه منها ، والحاصل أن الأخذ بالشفعة إما أن يقتضي إبطال الهبة فالثمن للواهب وجها واحدا ، وإلا فالثمن للمتهب مع اللزوم وجها وبدونه يتخير ، وهذا واضح ، وكلام التحرير (١) يلوح منه ذلك.

قوله : ( وإلا فإشكال ).

أي : وإن كانت الهبة لازمة كالهبة لذي الرحم ، والمعوضة ففي كون الثمن للواهب أو للمتهب إشكال ينشأ : من بطلان الهبة بالأخذ بالشفعة لسبق‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٤٨.

٤١٣

فإن قلنا به رجع المتهب بما دفعه عوضا ، وإلاّ تخير بينه وبين الثمن ، فإن تقايل المتبايعان أو ردّه بعيب فللشفيع فسخ الإقالة والرد والدرك باق على المشتري ،

______________________________________________________

حق الشفيع ، ومن إمكان الجمع بين الحقين ، وحق الشفيع إنما هو في العين ، ولا شغل له بإبطال الهبة من رأس فيأخذها وتبقى الهبة بحالها ، ويكون المراد من الابطال : إبطال اختصاص المتهب بالعين لا إبطال أصل الهبة ، وليس بشي‌ء ، لأن الشفيع إنما يأخذ بالبيع الأول من المشتري والدرك عليه والثمن حق له ، وهذه حقوق للشفيع ثابتة تنافي بقاء الهبة ، وهذا الاشكال ضعيف جدا ، والأصح ان الهبة تبطل في الموضعين ويرجع الأمر كما كان.

قوله : ( فإن قلنا به رجع المتهب بما دفعه عوضا ، وإلا تخير بينه وبين الثمن ).

أي : فإن قلنا بكون الثمن للواهب فإن كان المتهب قد دفع عوضا للهبة فقد فات المعوض فيرجع به ، وإن لم نقل بكونه للواهب بل قلنا انه للمتهب ـ إذ لا واسطة ـ تخيّر المتهب بينه ـ أي بين العوض ـ وبين الثمن بأن يفسخ الهبة ويرجع بالعوض ، لفوات الموهوب الذي بذل العوض في مقابله ، أو يبعها فيأخذ الثمن ، لأنه حقه للزوم الهبة من طرف الواهب ، وقد عرفت ضعف ذلك كله.

قوله : ( فإن تقايل المتبايعان أو رده بعيب فللشفيع فسخ الإقالة والرد ، والدرك باق على المشتري ).

إذا تقايل المتبايعان ، بعد ثبوت الشفعة كان للشفيع فسخ الإقالة ، لأن حقه أسبق ، ومن جملة حقوقه أن يأخذ من المشتري وأن يكون الدرك عليه. وكذا لو رده المشتري لعيب كان للشفيع فسخ الرد بعين ما قلناه ، أما الأرش فيأتي حكمه.

وقول المصنف : ( والدرك باق على المشتري ) يريد به في هذين‌

٤١٤

ولو رضي بالشراء لم تكن له الشفعة بالإقالة.

ولو قلنا بالتحالف عند التخالف في قدر الثمن ، وفسخنا البيع به فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع لأخذه منه هنا ،

______________________________________________________

الموضعين ، لأنه حق ثبت عليه للشفيع فلا يملك إبطاله.

واعلم ان شيخنا الشهيد قال في حواشيه : إن فسخ الإقالة والرد يفهم منه أمران : الأول : الفسخ مطلقا ، أي : بالنسبة إلى الجميع ، فتكون الإقالة والرد نسيا منسيا. والثاني : انه بالنسبة إلى الشفيع خاصة ، لأنهما مالكان حال التصرف فيترتب أثر تصرفهما عليه ، قال : وتظهر الفائدة في النماء ، فعلى الأول نماء الثمن بعد الإقالة والرد للبائع ونماء المبيع للمشتري ، وعلى الثاني بالعكس.

أقول : إن الإقالة والرد يقتضيان الفسخ والفسخ لا يتجزأ ، فإما الصحة مطلقا ، أو البطلان مطلقا ، فحيث كان حق الشفيع أسبق كان الوجه البطلان مطلقا.

قوله : ( ولو رضي بالشراء لم تكن له الشفعة بالإقالة ).

لأن الإقالة فسخ عندنا لا بيع ، خلافا لأبي حنيفة (١) ومثله ما لو رضي الشفيع ايضا بالشراء ثم رده المشتري بعيب لا شفعة ، خلافا له ايضا (٢).

قوله : ( ولو قلنا بالتحالف عند التخالف في قدر الثمن ، وفسخنا البيع به فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع لأخذه منه هنا ).

أي : إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن ، وقلنا بأنهما يتحالفان وينفسخ البيع فحق الشفيع باق ، لسبقه وتحقق ثبوته ، فيأخذه بما حلف عليه البائع لا بما حلف عليه المشتري ، لأن الأخذ هنا من البائع وذلك فرع فسخ البيع ، ولو‌

__________________

(١) اللباب في شرح الكتاب ٢ : ٣٢.

(٢) اللباب في شرح الكتاب ٢ : ١٢١.

٤١٥

والشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه.

ولو كان في يد البائع كلّف الأخذ منه أو الترك ، ولا يكلّف المشتري القبض والتسليم ، ويقوم قبض الشفيع مقام قبض المشتري والدرك مع ذلك على‌ المشتري.

______________________________________________________

حكما بأخذه بما حلف عليه المشتري لوجوب المنع من الفسخ لانتفاء فائدته حينئذ.

ويشكل بثبوت ما حلف عليه البائع في حق الشفيع مع تكذيبه ، والفسخ الواقع فرع التحالف ، وهو في حق المتبايعين خاصة دون الشفيع ، ولأن البائع إنما يحلف لنفي ما يدعيه المشتري لا لإثبات ما يدعيه هو فكيف يأخذ بما حلف عليه البائع ، إلا ان يقال : لما كان ذلك مقتضى الحلف ، لأنه إذا نفى ما يدعيه المشتري لزم ثبوت ما يدعيه هو ، لاتفاقهما على نفي ما عدا ما اختلفا فيه ، نعم إذا قلنا : إن كلا منهما يحلف يمينا جامعة للنفي والإثبات اندفع الاشكال.

والمتجه على القول بالتحالف بقاء الدعوى بين الشفيع والبائع فتكون كالدعوى بين الشفيع والمشتري ، وحيث كان المعتمد تقديم قول البائع وقول المشتري مع تلفها ، فإذا حلف البائع لبقائها أخذ الشفيع بما ادعاه المشتري ، لأن أخذه منه فلا يستحق عليه الزيادة التي يدّعي كونها ظلما ، نعم لو صدّق الشفيع البائع وجب عليه دفع ما حلف عليه وإن لم تكن للمشتري المطالبة بالزيادة ، لاعترافه بعدم استحقاقها.

قوله : ( والشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه ).

إنما يأخذ الشفيع من المشتري ، لأن استحقاقه عليه لانقطاع ملكية البائع بالبيع ، ودرك المبيع على المشتري لو ظهر استحقاقه لأخذه منه ، فيرجع عليه بالثمن وبما اغترمه على ما سبق تفصيله.

قوله : ( ولو كان في يد البائع كلّف الأخذ منه أو الترك ، ولا يكلف المشتري القبض والتسليم ويقوم قبض الشفيع مقام قبض المشتري ،

٤١٦

وليس للشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع ، ولا تصح الإقالة بين الشفيع والبائع.

ولو انهدم ، أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة ، أو بغير فعله مطلقا تخيّر الشفيع بين الأخذ بالجميع أو الترك ،

______________________________________________________

والدرك مع ذلك على المشتري ).

أي : لو كان المبيع وهو المشفوع في يد البائع فليس للشفيع تكليف المشتري قبضه وتسليمه اليه ، بل للشفيع أحد الأمرين : إنما الأخذ منه ، أو الترك للأصل ، ولأن الشقص حق الشفيع فحيث ما وجده أخذ ، ولأن أخذ الشفيع بمنزلة أخذ المشتري ، لأنه استحق قبض ذلك من جهته فلا حاجة الى تكليفه امرا لا يفوت بعدمه حق على الشفيع. وللشافعية قول بأن

له أن يكلّفه ذلك ، لأن الشفيع بمنزلة المشتري من المشتري ، وفيه ضعف ، فإذا قبضه الشفيع من البائع كان ذلك كقبض المشترى ، والدرك على المشتري على كل حال.

قوله : ( وليس للشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع ، ولا تصح الإقالة بين الشفيع والبائع ).

لأن حق الشفيع منحصر في الأخذ من المشتري ، ولا حق له في فسخ بيع المشترى ، والإقالة إنما تصح ممن صدر العقد له.

قوله : ( ولو انهدم ، أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة ، أو بغير فعله مطلقا تخيّر الشفيع بين الأخذ بالجميع أو الترك ).

إذا اشترى شقصا من دار فاستهدم ، أو تعيّب ـ من غير أن يتلف ـ بعضها بفعل المشتري أو بغير فعله ، قبل المطالبة بالشفعة أو بعدها فها هنا أربع صور :

الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن‌

٤١٧

______________________________________________________

ينقض البناء ، أو يشق الجدار ، أو يكسر الجذع مع سلامة الأعيان ، فإن الشفيع بالخيار بين الأخذ بكل الثمن وبين الترك ، لأن المشتري إنما تصرّف في ملكه تصرفا يسوغ له شرعا ، فلا يكون مضمونا عليه ، والفائت من المبيع لا يقابل بشي‌ء من الثمن فلا يستحق الشفيع في مقابله شيئا ، كما لو تعيّب المبيع في يد البائع فإن المشتري يتخير بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن عند بعض علمائنا. وفيه نظر ، فإن المشتري وإن تصرّف في ملكه إلا أن حق الشفيع قد تعلّق به ، فيكون ما فات منه محسوبا عليه ، كما يحسب عليه عين المبيع ، ولا استبعاد في تضمين المالك ما يجني على ملكه إذا تعلّق به حق الغير كالرهن إذا جنى عليه الراهن. وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرض على البائع إذا تعيّب المبيع في يده ، فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبه كلام المصنف في التذكرة على ذلك (١).

الثانية والثالثة : أن يكون ذلك بغير فعل المشتري مطلقا ، أي : سواء طالب الشفيع بالشفعة أم لا ، فإنه لا شي‌ء على المشتري بل يتخير الشفيع بين الأخذ بمجموع الثمن والترك. وتقريبه مع ما سبق : أن ذلك ليس بفعل المشتري وملكه غير مضمون عليه.

وجوابه مع النقض بما إذا تلف بعض المبيع ، والذي يقتضيه النظر ثبوت الأرش في الصورتين أيضا ، وكلام المصنف في التذكرة مطابق لذلك ، فإنه فرض المسألة فيما إذا تعيّب الشقص من غير تلف شي‌ء من العين ، من غير تقييد بكون ذلك بفعل المشتري وكونه بعد المطالبة وعدمه ، ثم حكى قول بعض الأصحاب بوجوب الأرش بمثل هذا التعيّب في المبيع ولو كان في يد البائع ، ثم قال : فينبغي أن يكون هنا كذلك (٢) وهذا متجه.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٥ و ٥٩٧.

(٢) التذكرة ١ : ٥٩٧.

٤١٨

والأنقاض للشفيع وإن كانت منقولة.

ولو كان بفعل المشتري بعد المطالبة ضمن المشتري على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( والأنقاض للشفيع وإن كانت منقولة ).

الأنقاض بفتح الهمزة ثم النون والقاف بعدها والضاد المعجمة آخرا جمع نقض بكسر النون : وهي الآلات التي يبقى من البناء بعد نقضه ، وإنما كانت للشفيع لأنها جزء المبيع ولا يضر كونها منقولة الان إلا إذا كانت مثبتة وقت البيع لسبق استحقاق الشفيع لها تبعا كما سبق بيانه.

قوله : ( ولو كان بفعل المشتري بعد المطالبة ضمن المشتري على رأي ).

هذه هي الصورة الرابعة ، وما افتى به هو المشهور ، لأن الشفيع استحق بالمطالبة أخذ المبيع كاملا وتعلّق حقه به ، فإذا نقص بفعل المشتري ضمنه له ، وهذا كما يدل على الضمان في هذه الصورة يدل على الضمان في باقي الصور ، لأن استحقاق الشفيع لم يثبت بالمطالبة بل بالبيع ، وإذا كان هذا مضمونا عليه للشفيع فلا فرق بين أن يكون ذلك بفعل المشتري أو بفعل غيره وقال الشيخ في ظاهر كلامه لا ضمان ، لأن الشفيع لا يملك بالمطالبة بل بالأخذ ، فيكون المشتري قد تصرف في ملكه تصرف صحيحا فلا يضمنه لغيره (١) ، وضعفه ظاهر ، لأنه وإن كان مملوكا للمشتري لكن في وقت التصرف هو مستحق للشفيع.

ثم انه ينبغي أن لا يكون المراد من الضمان : غرم البدل ، بل سقوط حصته من الثمن ، ولا سبيل الى أن يأخذ منه الثمن كله في مقابلة ما بذل فيه بعض الثمن ، لأن ذلك ظلم محض ، وخروج عن مقتضى الشفعة ، وهو أخذ المبيع الذي جرى عليه العقد ، ودفع ثمنه الذي جرى عليه العقد ايضا ، اللهم‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١١٦.

٤١٩

أما لو تلف بعض المبيع فالأقرب أنه يأخذه بحصته من الثمن وإن لم يكن بفعل المشتري.

______________________________________________________

إلا إذا قلنا : إن التالف لا قسط له من الثمن فيتجه ما قاله الشيخ (١) ، أو ضمان قيمة التالف كما يشعر به ظاهر قولهم : ضمن المشتري ، لكن لا نقول به.

قوله : ( أما لو تلف بعض المبيع فالأقرب أنه يأخذه بحصته من الثمن وإن لم يكن بفعل المشتري ).

المراد : انه إذا تلف بعض عين المبيع ، وهو ما يقابل بشي‌ء من الثمن قطعا كما لو تلف بعض العرصة بسيل ونحوه ، أو احترق سقف البيت على القول بأن الأبنية كأحد العبدين المبيعين وهو الأصح ، وقيل إنها كأطراف العبد وصفاته فلا يتقسط عليها الثمن فيكون من قبيل الاستهدام وقد سبق حكمه ، وقد حكى القولين المصنف في التذكرة (٢) ، فعلى الأصح ، في هذا الحكم فيه وفيما قبله أخذ الشفيع له بحصة من الثمن على الأقرب لأن إيجاب دفع الثمن كاملا في مقابل بعض المبيع يستدعي دفع أحد العوضين لا في مقابل العوض ، وذلك أكل مال بالباطل لا محالة.

وقال الشيخ في المبسوط : إن نقص بفعل المشتري أخذ الباقي بالقيمة ، ولعله يريد الأخذ بحصة من الثمن ، ولا يكون ذلك إلا باعتبار القيمة أو حيث يتطابق الثمن والقيمة (٣).

وقال في الخلاف : إن كان ذلك بأمر سماوي أخذ بجميع الثمن أو ترك وإن كان بفعل آدمي أخذ الباقي بالحصة (٤). وهو ضعيف ، لأن الثمن في مقابل المجموع فالأبعاض في مقابل الأبعاض ، ولا أثر للآفة في زوال هذه المقابلة.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١١٦.

(٢) التذكرة ١ : ٥٩٧.

(٣) المبسوط ٣ : ١١٦.

(٤) الخلاف ٢ : ١٠٨ مسألة ١٣ كتاب الشفعة.

٤٢٠