جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو بنى فقلع بناءه فالأقرب الرجوع بأرش النقص ، ولو تعيب في يده احتمل الرجوع ، لأن العقد لا يوجب ضمان الاجراء بخلاف الجملة وعدمه ،

______________________________________________________

كالوطء ، وحكاية الخلاف لا تنافي جزمه بأحد الطرفين. وكذا القول في باقي المنافع كالسكنى ، وإتلاف الثمرة المتجددة لا التي كانت وقت البيع ، والولد واللبن والصوف كذلك.

قوله : ( ولو بنى فقلع بناءه فالأقرب الرجوع بأرش النقص ).

أي : لو بنى المشتري في المبيع المغصوب جاهلا بالغصب فقلع المالك بناءه فالأقرب أنه يرجع بأرش نقص البناء ، ونقص الآلات إن نقصت بالقلع ، لأنه دخل على انتقال المبيع اليه ، وجواز التصرفات له من بناء وغيره ، فمهما فات من ماله بذلك فهو مستند الى غرور البائع إياه ، والمغرور يرجع على من غره ، والفائت من ماله هنا هو نقص البناء والآلات لا اجرة العمال (١) لأنها عوض عنه. ويحتمل أن لا رجوع له ، لأن ذلك بفعله ، والبائع لم يأمره به ، والأصح الأول ، للغرور.

قوله : ( ولو تعيب في يده احتمل الرجوع ، لأن العقد لا يوجب ضمان الاجراء بخلاف الجملة وعدمه ).

أي : لو تعيب المبيع في يد المشتري من الغاصب جاهلا فغرمه المالك الأرش احتمل أن له الرجوع على الغاصب بما غرمه أرشا ، لأنه دخل على أن المضمون عليه هو الجملة دون الاجزاء ، لعدم مقابلتها بالثمن ، إنما المقابل به هو المجموع.

ولهذا لو تعيب المبيع في يد البائع قبل القبض لم تكن للمشتري المطالبة بالأرش عند جماعة ، بل إما أن يرضى به كذلك أو يفسخ ، ولو قسطت اجزاء‌

__________________

(١) في « ق » : الأعمال.

٣٢١

ونقصان الولادة لا ينجبر بالولد ، لأنه زيادة جديدة.

ولو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى فالولد لصاحبها وإن كانت للغاصب ، وعليه الأجرة على رأي

______________________________________________________

الثمن على اجزاء المبيع لكان له أن يرجع بقسط الفائت من الثمن ، وقد سبق في كتاب البيع أن الأصح خلاف هذا.

ويحتمل عدم الرجوع ، وهو الأقوى ، لضمان الأجزاء فإنها مقابلة باجزاء الثمن ، ولهذا نقول في المسألة المذكورة : للمشتري المطالبة بالأرش ، فعلى هذا لو كان الأرش الذي أغرمه المالك للمشتري في مسألة الكتاب بقدر قسط ذلك الجزء من الثمن فلا رجوع له به ، وإن زاد فالأصح رجوعه بالزائد كما في الجملة.

قوله : ( ونقصان الولادة لا ينجبر بالولد ، لأنه زيادة جديدة ).

وهي غير مجانسة للفائت ليتم ذلك على رأيه.

قوله : ( ولو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى فالولد لصاحبها وإن كانت للغاصب ).

لأن الولد نماؤها ، والظاهر أن هذا الحكم مجمع عليه وإن ورد عليه أن الولد مني الفحل ، فلا يكاد يوجد الفرق بينه وبين الحب إذا نبت في أرض الغير.

قوله : ( وعليه الأجرة على رأي ).

قال الشيخ : لا أجرة ، للنهي عن عسب (١) الفحل (٢). وهو ضعيف ،

__________________

(١) العسيب : الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل ، ونهي عن عسب الفحل. الصحاح ( عسب ) ١ : ١٨١.

(٢) المبسوط ٣ : ٩٦ ، وانظر : صحيح البخاري ٣ : ١٢٢ ـ ١٢٣ ، مسند أحمد ١ : ١٤٧ و ٢ : ١٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣١ حديث ٢١٦٠ ، سنن ابي داود ٣ : ٢٦٧ حديث ٣٤٢٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٧٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٧٢ باب ٤٥ حديث ١٢٩١ ـ ١٢٩٢.

٣٢٢

والأرش لو نقص بالضراب ، ولا تتداخل الأجرة والأرش ، فلو هزلت الدابة لزمه الأمران وإن كان النقص بغير الاستعمال. وفوائد المغصوب للمالك أعيانا كانت كالولد والثمرة ، أو منافع كسكنى الدار مضمونة على الغاصب.

ولا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد ، ويضمنه ما يتجدد من منافعه ، الأعيان أو غيرها مع جهل البائع أو علمه مع الاستيفاء ، وبدونه‌ إشكال.

______________________________________________________

لأنها منفعة مقصودة محللة ، والنهي إما عن بيع ماءه أو هو على الكراهية.

قوله : ( والأرش لو نقض بالضراب ، ولا تتداخل الأجرة والأرش ، فلو هزلت الدابة لزمه الأمران ).

لأن كل واحد منهما في مقابل شي‌ء غير الآخر (١) ، ويجي‌ء الاحتمال السابق في أول الباب من وجوب أكثر الأمرين لو كان النقص بسبب الاستعمال.

قوله : ( وإن كان النقص بغير الاستعمال ).

هو وصلي لما قبله وليس على ما ينبغي ، لأن حقه أن يكون الفرد الأخفى ، والأخفى هنا هو ما إذا كان النقص بالاستعمال ، لاحتمال التداخل وإن كان ضعيفا ، بخلاف ما إذا لم يكن بالاستعمال فإنه لا تداخل وجها واحدا.

قوله : ( ولا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد ).

هذه مذكورة هنا استطرادا ، وقد سبق في البيع بعض أحكام المبيع فاسدا.

قوله : ( ويضمنه وما يتجدد من منافعه ، الأعيان أو غيرها ، مع جهل البائع أو علمه ، مع الاستيفاء وبدونه على اشكال ).

__________________

(١) في « ق » : الأجرة.

٣٢٣

______________________________________________________

لا ريب في أن البيع الفاسد مضمون ، لأن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وذلك لأنه إنما دخل على تملك العين في مقابل الثمن ، فإذا كان العقد غير مملك وجب رد كل من العوضين الى مالكه ، فلو تعذر وجب بدله من المثل والقيمة ، لامتناع فوات العين وما جعلت في مقابله.

فإن قيل : قد كان الواجب أن يكون المضمون ما قابل الثمن دون الزائد ، لأنه بغير مقابل على تقدير الصحة ، والضمان بالفاسد على نحو الضمان بالصحيح.

قلنا : لما كان المجموع في مقابله : المجموع ، وفاتت المقابلة بفساد العقد كان كل منهما مضمونا بجميع اجزائه ، نظرا الى مقتضى المقابلة ، وليس هذا كالغاصب لكونه غارا ، وهو مؤاخذ بأشق الأحوال بخلاف البائع هنا.

إذا تقرر هذا ، فلا تفاوت في كون المتجدد في المبيع عينا كالولد أو منفعة كسكنى الدار ، ولا في كون البائع عالما بالفساد أو جاهلا ، ولا بين أن يستوفي المشتري فاسد المنفعة وعدمه ، على اشكال في بعض الصور ، وهو ما إذا علم البائع بفساد البيع ولم يستوف المشتري المنفعة.

ومنشأ الاشكال حينئذ : من أن الأصل مضمون فكذا الفرع ، ولعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١) ، ولأنه إنما قبضها لمصلحة نفسه لا لمصلحة البائع ، ولأن إثبات يده بغير استحقاق ، لأن الاستحقاق إنما هو على تقدير صحة البيع وهي منتفية.

ومن أن علم المالك بفساد البيع ، وعدم المطالبة دليل على رضاه بكون العين في يد المشتري ، ويضعف بأن السكوت أعم من الرضى ، وبلزوم مثله في أصل البيع لو علم بالفساد.

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ١٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤.

٣٢٤

وما يزداد من قيمته لزيادة صفة فيه فإن تلف في يده ضمن العين بأعلى القيم من حين القبض الى حين التلف إن لم يكن مثليا.

ولو اشترى من الغاصب عالما فاستعاد المالك العين لم يكن له الرجوع بالثمن ، ولو قيل : يرجع مع وجود عين الثمن كان‌ حسنا ،

______________________________________________________

وعلى ما يظهر من كلام الشارح (١) الفاضل فالإشكال في المنافع التي لم يستوفها المشتري ، سواء علم البائع بالفساد ، أم لا. ومنشأ الاشكال حينئذ مما ذكر ، ومن أنها لم تقبض بالبيع الفاسد ولا بالغصب ، وحصر الضمان فيهما ممنوع ، ثم رجع الثاني بأن مال الغير تجدد في يده بغير فعله فكان كالثوب يطير بالريح (٢).

أقول : وجه الشبه غير ظاهر ، لأن وضع المشتري يده على الأصل والمنافع باختياره على انها له فلا يتم ما ذكره ، والقول بالضمان لا يخلو من قوة.

قوله : ( وما يزداد من قيمته لزيادة صفة فيه ).

أي : مضمون ، فهو معطوف على ما قبله ، ووجه الضمان تبعية الأصل لكونه جزء أو في حكم الجزء كالسمن وتعلم الصنعة.

قوله : ( فإن تلف في يده ضمن العين بأعلى القيم من حين القبض الى حين التلف إن لم يكن مثليا ).

الأصح أنه يضمن قيمته حين التلف وقد سبق ما يصلح بيانا له.

قوله : ( ولو اشترى من الغاصب عالما فاستعاد المالك العين لم يكن له الرجوع بالثمن ، ولو قيل : يرجع مع وجود عين الثمن كان حسنا ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٩٤.

(٢) في « م » : تطيره الريح.

٣٢٥

وللمالك الرجوع على من شاء مع تلف العين.

ويستقر الضمان على المشتري ، ومع الجهل على الغاصب ، ويرجع المشتري الجاهل على الغاصب بما يغترمه مما ليس في مقابلته نفع كالنفقة ، والعمارة ، وقيمة الولد لو غرمه المالك ، وفي رجوعه بما حصل له نفع في مقابلته كسكنى الدار ، وثمرة الشجرة ، وقيمة اللبن نظر ينشأ : من ضعف المباشرة بالغرور ، ومن أولوية المباشرة.

______________________________________________________

أي : لو اشترى من الغاصب العين المغصوبة عالما بالغصب ، فهذه من تتمة الأحكام السابقة ، فإن السابق هو ذكر أحكام الجارية وبعض آخر ، والأصح أن عين الثمن مع وجودها يرجع بها ، ومع تلفها يحتمل الرجوع لو لا أن المصنف نقل فيه الإجماع في التذكرة.

قوله : ( ومع الجهل على الغاصب ).

إنما يستقر على الغاصب مع الجهل ما زاد على الثمن ، أما مقدار الثمن فإنه على المشتري ويرجع بالثمن.

قوله : ( ويرجع المشتري الجاهل على الغاصب بما يغرم مما ليس في مقابلته نفع كالنفقة ، والعمارة ، وقيمة الولد لو غرمه المالك ).

لأن فوات ذلك كله بتغريره ، وفي الحقيقة لا فرق بين هذه الأمور وما سبق من بنائه إذا قلع.

قوله : ( وفي رجوعه بما حصل له نفع في مقابلته كسكنى الدار ، وثمرة الشجرة ، وقيمة اللبن نظر ينشأ : من ضعف المباشرة بالغرور ، ومن أولوية المباشر ).

الأصح رجوعه بذلك ، لأن المباشرة ضعيفة بالغرور والسبب أقوى.

فرع : لو اشترك جماعة في وضع اليد على شي‌ء واحد ، وتصرفوا به‌

٣٢٦

ولو زرع الأرض المغصوبة أو غرسها فللمالك القلع مجانا وإن قرب الحصاد ، ولا يملكه المالك بل هو للغاصب ، وكذا النماء وعليه أجرة الأرش وطم الحفر والأرش.

ولو بذل صاحب الغرس قيمة الأرش أو بالعكس لم يجب القبول.

______________________________________________________

جميعا فالظاهر أن على كل واحد منهم ما يقتضيه التقسيط.

قوله : ( ولو زرع الأرض المغصوبة أو غرسها فللمالك القلع مجانا وإن قرب الحصاد ).

لما روي من أنه : « ليس لعرق ظالم حق » (١).

قوله : ( ولا يملكه المالك بل هو للغاصب ، وكذا النماء ).

قال ابن الجنيد : إنه يملكه (٢) تعويلا على حديث (٣) لا تعلم صحته.

قوله : ( وعليه أجرة الأرض ، وطم الحفر ، والأرش ).

إن نقصت بذلك.

قوله : ( ولو بذل صاحب الغرس قيمة الأرض أو بالعكس لم يجب القبول ).

إذ لا يجبر أحدهما على بيع ماله ، وفي حواشي شيخنا الشهيد ما صورته : وينسحب الخلاف في المسألة المتقدمة ، وهي قوله : ( ولو طلب أحدهما ... ) فإنه قال في المختلف : يجاب المالك لا الغاصب (٤).

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٣٢٧ ، سنن ابي داود ٣ : ١٧٨ حديث ٣٠٧٣ ، الموطأ ٢ : ٧٤٣ حديث ٢٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٤١٩ حديث ١٣٩٤.

(٢) المختلف : ٤٥٨.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٤٦٥ و ٤ : ١٤١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٢٤ حديث ٢٤٦٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٤١٠ حديث ١٣٧٨ ، سنن ابي داود ٣ : ٢٦١ حديث ٣٤٠٣.

(٤) المختلف : ٤٥٥ ، وفي النسختين الخطبتين : للغاصب.

٣٢٧

وقيل : لو خيف سقوط حائط أسند بجذع الغير ، ولو نقل المغصوب فعليه الرد وإن استوعبت أجرته أضعاف قيمته ،

______________________________________________________

قلت : ظاهر كلام المختلف في مسألة الصبغ ثبوت ذلك في الغرس ، حيث تعجّب من كلام الشيخ بوجوب قبول قيمة الغرس على المستعير ومنع هنا ، ومقتضى كلامه بعد ذلك في مسألة الزرع العدم (١).

ويمكن حمل كلام المختلف الثاني على ما إذا لم يطلب المالك الزرع بالقيمة ، إلا أن قوله : لنا : إنه عين مال الغاصب فلا ينتقل عنه إلا برضاه (٢) ينافي ذلك.

والحاصل انه إن ثبت قوله هاهنا بتملك المالك بالقيمة إذا أراد فهو قول لا يخلو من قوة كما سبق.

قوله : ( وقيل : لو خيف سقوط حائط أسند بجذع الغير ).

هذا قول الشيخ (٣) ، ويضعف بأن التصرف في ملك الغير بغير اذنه لا يجوز ، والحق انه إن خيف بترك إسناده ضرر على نفس محترمة ونحو ذلك جاز إسناده ، لجواز إتلاف مال الغير لحفظ النفس ويضمن العوض.

ويلوح من تعليل الشيخ إرادة هذا المعنى حيث قال : إن مراعاة المصالح الكلية أولى من الجزئية مع التعارض ، وهذا حيث لا يمكن نقضه أو يخاف المعاجلة قبله.

قوله : ( ولو نقل المغصوب فعليه الرد وإن استوعبت أجرته أضعاف قيمته ).

لأنه عاد بنقله فيجب عليه الرد بكل حال.

__________________

(١) المختلف : ٤٥٨.

(٢) المختلف : ٤٥٩.

(٣) المبسوط ٣ : ٨٦.

٣٢٨

ولو طلب المالك اجرة الرد لم يجب القبول ، ولو رضي المالك به في موضعه لم يجز النقل.

ولو بنى الأرض بتراب منها وآلات المغصوب منه لزمه أجرة الأرض مبنية ، ولو كانت الآلات للغاصب لزمه أجرة الأرض خرابا.

ولو غصب دارا فنقضها فعليه الأرش ، وأجر دار الى حين نقضها وأجر مهدومة من حين نقضها الى حين‌ ردها ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو طلب المالك اجرة الرد لم يجب القبول ).

لأن حقه هو الرد دون الأجرة.

قوله : ( ولو بنى الأرض بتراب منها وآلات المغصوب منه لزمه أجرة الأرض مبنية ).

لأن الصفة (١) الحادثة بالبناء للمالك ، إذ هي زيادة في ماله وإن كانت بسبب الغاصب كالسمن وصياغة النقرة.

قوله : ( ولو كانت الآلات للغاصب لزمه أجرة الأرض خرابا ).

لأن البناء ملك للغاصب وإن كان عدوانا ، لكن على ما تقرر من أن زيادة الصفة في ملك المالك بفعل الغاصب للمالك يجب أن تكون للمالك حصة الأرض من اجرة المجموع بعد التقسيط على الأرض والبناء ، لأن الهيئة الاجتماعية تقتضي زيادة انتفاع بالأرض فتزيد أجرتها بذلك.

وقد سبق فيما لو صبغ الثوب فزادت القيمة ان الزيادة تقسط عليهما ، وهي مبنية على ما ذكرنا هنا.

قوله : ( ولو غصب دارا فنقضها فعليه الأرش ، وأجرة دار الى حين نقضها ، واجرة مهدومة من حين نقضها الى حين ردها ).

__________________

(١) في « م » : القيمة.

٣٢٩

وكذا لو بناها بآلته.

أما لو بناها بآلتها فعليه أجر عرصة من حين النقض الى حين البناء ، وأجرها دارا قبل ذلك وبعده.

ولا يجوز لغير الغاصب رعي الكلأ النابت في الأرض المغصوبة ، ولا الدفن فيها.

______________________________________________________

لأن النقض أخرجها عن كونها مبنية ، وقد عدم ما نقض منها وضمنه بالأرش ، فلم يبق له منفعة ليضمن أجرتها ، وتردد في التذكرة في لزوم اجرة مثلها الى حين الرد أو الى حين النقض. ويشكل بأن العين إذا تلفت يضمن بدلها لا اجرة منفعتها كالعبد إذا مات.

ويمكن الفرق بأن العبد إذا مات لا أمد ينقطع عنده ضمان أجرته بخلاف هدم الدار ، لأن الأمد ردها على مالكها مهدومة.

قوله : ( وكذا لو بناها بآلته ).

أي : بعد الهدم فإنه يضمن أجرتها بعد النقض مهدومة.

قوله : ( أما لو بناها بآلتها فعليه أجرة عرصة من حين النقض الى حين البناء ، وأجرتها دارا قبل ذلك وبعده ).

أي : قبل النقض وبعد البناء ، فلم يتوارد اسم الإشارة والضمير على أمر واحد ، ووجه ذلك أن البناء بآلة الدار مملوك للمالك.

قوله : ( ولا يجوز لغير الغاصب رعي الكلأ النابت في الأرض المغصوبة ، ولا الدفن فيها ).

أي : لا يجوز بعد الغصب لغير الغاصب ـ وكذا الغاصب بطريق أولى ـ رعي الكلأ النابت في الأرض المغصوبة وإن فرض استفادة جوازه من شاهد حال الأرض باعتبار العرف المستقر ، لأن شاهد الحال ضعيف لا يعول عليه بعد‌

٣٣٠

ولو وهب الغاصب فأتلفها المتهب رجع المالك على أيهما شاء ، فإن رجع على المتهب الجاهل احتمل رجوعه على الغاصب بقيمة العين والأجرة ، وعدمه.

ولو اتجر بالمال المغصوب : فإن اشترى بالعين فالربح للمالك إن أجاز البيع ، وإن اشترى في الذمة فللغاصب

______________________________________________________

الغصب ، ولأن الظاهر من حال المالك بعد الغصب عدم الرضى ، وكذا القول في الدفن ، وغيره من التصرفات.

قوله : ( ولو وهب الغاصب فأتلفها المتهب رجع المالك على أيهما شاء ، فإن رجع على المتهب الجاهل احتمل رجوعه على الغاصب بقيمة العين والأجرة ، وعدمه ).

أي : لو رجع المالك على المتهب بقيمة العين والأجرة فالأصح أن له الرجوع على الغاصب (١) لغروره ، وقد سبقت هذه المسألة بعينها.

قوله : ( ولو اتجر بالمال المغصوب فإن اشترى بالعين فالربح للمالك إن أجاز البيع ).

وليس لكل من البائع والغاصب التصرف في العين ، لإمكان اجازة المالك خصوصا على القول بأن الإجازة كاشفة.

قوله : ( وإن اشتري في الذمة فللغاصب ).

لأن الثمن حينئذ أمر كلي لكن عليه وزر المدفوع ، ويجب رده على المالك إن اراده ، ولو ترتبت عليه تصرفات كان للمالك تتبعها (٢) واجازة ما يريد منها ورد ما يريد ، وعلى الغاصب السعي في تحصيل ما ترتب على يده من‌

__________________

(١) في « م » : على الغاصب بقيمة العين.

(٢) في « ق » : منعها ، وفي « م » : بيعها ، وفي هامشها : تتبعها ظ.

٣٣١

فإن ضارب به فالربح للمالك وعلى الغاصب اجرة العامل الجاهل.

ولو أقر بائع العبد بغصبه من آخر وكذّبه المشتري أغرم البائع الأكثر من الثمن والقيمة للمالك ، ثم إن كان قد قبض الثمن لم يكن للمشتري مطالبته به ، وإن لم يكن قبضه فليس له طلبه ، بل أقل الأمرين من القيمة والثمن ،

______________________________________________________

التصرفات ، وقد سبق في البيع ، وللمالك تتبع العقود ورعاية مصلحته (١).

قوله : ( فإن ضارب به فالربح للمالك ، وعلى الغاصب اجرة العامل الجاهل ).

أي : أجرة المثل لفساد المضاربة وكونه مغرورا‌

قوله : ( ولو أقر بائع العبد بغصبه من آخر وكذّبه المشتري أغرم البائع الأكثر من الثمن والقيمة للمالك ).

إذا كذّبه المشتري لم ينفذه إقراره في حقه ، بل في حق نفسه ، فحينئذ يغرمه المقر ما ذكره المصنف.

ويشكل بأنه لا يخلوا : إما أن يجيز البيع أو يرده ، فإن أجازه أغرمه الثمن فقط ، وإن رده أغرمه القيمة ليس إلا فلا يتم ما ذكره ، وربما ينزّل على أن يكون قد أقر باستعارته للرهن بعد إقراره بالغصبية ، فإن المستعير للرهن يلزمه أكثر الأمرين ، وهذا صحيح إلا أنه خروج عن المسألة ، والأصح أن له الثمن إن أجاز وإلا فالقيمة.

قوله : ( ثم إن كان قد قبض الثمن لم يكن للمشتري مطالبته به وإن لم يكن قبضه فليس له طلبه بل أقل الأمرين من القيمة والثمن ).

أي : هذا حال المقر بالنسبة إلى المالك المقر له ، فأما بالنسبة الى‌

__________________

(١) في « ق » : رعاية المصلحة.

٣٣٢

فإن عاد العبد اليه بفسخ أو غيره وجب رده على مالكه واسترجع ما دفعه.

______________________________________________________

المشتري فإن كان قبض الثمن فليس للمشتري مطالبته على حال ، لأنه لم يصدّقه على إقراره ، فمقتضى تكذيبه البيع صحيح والثمن مستحق للبائع المقر فتسليمه وقع بحق فليس له المطالبة به.

ثم البائع ينظر فيما بينه وبين الله تعالى فيفعل ما يعلم أنه الحق ، فلو كان إقراره بالغصب مطابقا للواقع ، ولم يجز المالك البيع وقبض الثمن رد الزيادة على القيمة على المشتري ولو بوجه لا يعلم المشتري معه بالحال.

وإن لم يكن قبضه فليس له طلبه ، بل له أقل الأمرين من القيمة والثمن ، لأنه إن كانت القيمة أقل فليس له إلا القيمة ، لأن البيع بمقتضى إقراره غير صحيح. وفيه نظر ، لأن المقر له لو أجاز البيع لكان البيع صحيحا باتفاق الكل ، فيستحق (١) الثمن كائنا ما كان وإن كان أكثر من القيمة. وإن كان الثمن أقل فليس له إلا الثمن سواء أجاز المقر له أم لا ، لأنه لا يقبل إقراره بكون الملك لآخر على المشتري فلا يلزمه إلا أقل الأمرين.

فإن كان الثمن أقل فهو المستحق ظاهرا ، وإن كانت القيمة أقل فباعتراف البائع لا يستحق سواها ، فليس له المطالبة بالزائد لكن المشتري إن علم الحال اعتمد ما يقتضيه الحال بحسب الواقع.

فعلى هذا يجب أن يقال هكذا : على تقدير عدم قبض الثمن إما أن يجيز المقر له البيع أو لا ، فإن أجاز استحق الثمن وإلا فالأقل من الثمن والقيمة ، وهذا هو الأصح ، وما ذكره المصنف لا يستقيم.

قوله : ( فإن عاد العبد اليه بفسخ أو غيره وجب رده على مالكه واسترجع ما دفعه ).

لمؤاخذته بإقراره السابق ، وما دفعه كان للحيلولة فتأتي فيه الأحكام‌

__________________

(١) في « م » : فالمستحق.

٣٣٣

ولو كان إقراره في مدّة خياره انفسخ البيع ، لأنه يملك فسخه فيقبل إقراره بما يفسخه.

ولو أقر المشتري خاصة لزمه رد العبد الى المقر له ويدفع الثمن إلى بائعه ، ولو أعتق المشتري العبد لم ينفذ إقرارهما عليه ، وكذا لو باعه ثالث.

______________________________________________________

السابقة.

قوله : ( ولو كان إقراره في مدة خياره انفسخ البيع ، لأنه يملك فسخه فيقبل إقراره بما يفسخه ).

كالخيار المشروط ونحوه ، وإنما حكم بالانفساخ لوجوب نفوذ إقراره حيث يمكن ، وهو ممكن على هذا التقدير فيكون بمنزلة الفسخ ، كما لو باع ذو الخيار أو أعتق.

قوله : ( ولو أقر المشتري خاصة لزمه رد العبد الى المقر له ، ويدفع الثمن إلى بائعه ).

لأن إقراره إنما ينفذ في حقه لا في حق البائع إذا لم يصدقه.

قوله : ( ولو أعتق المشتري العبد لم ينفذ إقرارهما عليه ).

أي : لو تصادق البائع والمشتري بعد اعتقاد المشتري العبد على كون العبد مغصوبا لم يكن إقرارهما نافذا عليه ، لأن العتق حقه ، بل يثبت الغرم على كل منهما ، وقراره على المشتري إذا كان عالما.

قوله : ( وكذا لو باعه على ثالث ).

أي : لو باع المشتري العبد على ثالث ثم تصادقا على كونه مغصوبا لا ينفذ إقرارهما عليه ، لأنه إقرار في حق الغير.

٣٣٤

ولو صدّقهما العبد فالأقرب القبول ، ويحتمل عدمه ، لأن العتق حق الله تعالى ، كما لو اتفق العبد والسيد على الرق وشهد عدلان بالعتق.

خاتمة : في النزاع :

لو اختلفا في تلف المغصوب قدّم قول الغاصب مع يمينه ، لأنه قد يصدّق ولا‌ بينة ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو صدقهما العبد فالأقرب القبول ).

وجه القرب : أن الحق له فإذا صدقهما على فساد العتق قبل ، وإلا لم يقبل إقرار الحرية ممن ظاهره الحرية ، ولا يخلو من قوة.

قوله : ( ويحتمل عدمه ، لأن العتق حق الله تعالى ، كما لو اتفق العبد والسيد على الرق وشهد عدلان بالعتق ).

فحيث كان العتق حقا لله تعالى لم ينفذ إقرار العبد بما ينافيه. ويشكل بما قلناه أولا وإمكان الفرق ، لأن العبد والسيد في المثال اتفقا على الرق ، والشاهدان لم ينفياه بل شهدا بأمر زائد وهو طروء العتق فكانت الشهادة مسموعة ، بخلاف ما نحن فيه فإنهم متفقون على وقوعه العتق وأنه وقع فاسدا.

وفي المثال لو قدّر اعترافهما بوقوع العتق ودعواهما فساده لكان كالمسألة الاولى ، ولا يبعد القول بعدم القبول ، لأنه على هذا التقدير لا يتصور قبول قول المالك في وقوع العتق على وجه فاسد وإن صدّقه العبد إلا بالبينة ، بخلاف سائر العقود ، على أن حق الله تعالى في الإعتاق تابع لوقوعه صحيحا ، ومنشئ العقد والإيقاع أعلم به ، لأنه فعله ، ويلزم عليه ايضا عدم انتفاء الزوجية بتصادق الزوجين ، لأن الله تعالى في ذلك حقا فإن الفروج أشد احتياطا من غيرها.

قوله : ( لو اختلفا في تلف المغصوب قديم قول الغاصب مع يمينه ، لأنه قد يصدق ولا بينة ).

٣٣٥

فإذا حلف طولب بالبدل وإن كانت العين باقية بزعم الطالب للعجز بالحلف.

وكذا لو تنازعا في القيمة على رأي.

______________________________________________________

توضيحه : أن الغاصب قد يكون صادقا في دعواه التلف بحسب الواقع ولا بينة له ، فلو لم يقدّم قوله بيمينه لم يكن إلا حبسه لإحضار العين ، فيلزم أن يخلد حبسه ولا يجد عنه مخرجا ، واللازم معلوم البطلان.

فإن قيل : لو اقام المالك بينة ببقاء العين فإنه يحبس ، فلو أصر على تلفها يلزم ما ذكر ، ومهما قلتم (١) هنا يجي‌ء مثله هناك.

قلنا : يمكن الفرق بثبوت البقاء هنا بخلافه هناك ، فيعتمد معه الضرب والإهانة لثبوت عناده.

قوله : ( فإذا حلف طولب بالبدل وإن كانت العين باقية بزعم الطالب للعجز بالحلف ).

وفي وجه للشافعية لا يطالب بالبدل ، لأن المالك يزعم أن العين باقية فلا يستحق البدل (٢) ، وما ذكره المصنف بجملة ان الوصيلة وما في حيزها إشارة إلى جوابه ، فإن البدل يستحق عند العجز عن العين للحيولة وإن قطع ببقاء العين ، فإذا ثبت باليمين تلفها فالعجز أظهر فيستحق البدل.

قوله : ( وكذا لو تنازعا في القيمة على رأي ).

أي : يقدم قول الغاصب بيمينه لأنه منكر للزائد ، وقال الشيخ في النهاية : يقدم قول المالك (٣) ، والأصح الأول.

__________________

(١) في « ق » : ما ذكروهما قلت.

(٢) انظر : فتح العزيز ١١ : ٢٨٦ ، المجموع ١٤ : ٢٩٤.

(٣) النهاية : ٤٠٢.

٣٣٦

ما لم يدع ما يعلم كذبه كالدرهم في قيمة العبد ، وكذا لو ادعى المالك صفة تزيد بها القيمة كتعلم صنعة ، أو تنازعا في الثوب الذي على العبد أو الخاتم الذي في إصبعه.

أما لو ادعى الغاصب عيبا تنقص به القيمة كالعور ، أو ادعى رد العبد قبل موته والمالك بعده ، أو ادعى رد الغصب أو رد قيمته أو مثله قدّم قول المالك مع اليمين.

______________________________________________________

قوله : ( ما لم يدع ما يعلم كذبه كالدرهم في قيمة العبد ).

أي : فلا يسمع قوله حينئذ بيمينه ، فهل يقدم قول المالك بيمينه حينئذ ، لانتفاء الوثوق بالغاصب حينئذ لظهور كذبه ، ولحصر دعواه فيما علم انتفاؤه أم يطالب بما يكون محتملا؟ لم أجد تصريحا بأحدهما.

قوله : ( وكذا لو ادعى المالك صفة يزيد بها القيمة كتعليم صنعة ، أو تنازعا في الثوب الذي على العبد ، أو الخاتم الذي في إصبعه ).

أي : وكذا يقدم قول الغاصب بيمينه في ذلك ، لأن الأصل عدم الصنعة والثوب والخاتم في يد الغاصب ، لأن العبد في يده ، ولهذا يضمنه ومنافعه ، ولو اختلفا في تقدم الصنعة لتكثر الأجرة فكذلك.

واعلم ان في بعض نسخ الكتاب : ( كتعلم صنعة ) وهو أصوب.

قوله : ( أما لو ادعى الغاصب عيبا تنقص به القيمة كالعور ، أو ادعى رد العبد قبل موته والمالك بعده ، أو ادعى رد الغصب أو رد قيمته أو مثله قدّم قول المالك مع اليمين ).

لما كان الأصل في العبد السلامة كانت دعوى العيب لمخالفتها الأصل متوقفة على البينة ، ومع عدمها فالقول قول من ينفيه بيمينه ، وهذا رجوع عن التردد السابق ـ في قول المصنف قبل المطلب الثاني : ( ففي تقديم أحد‌

٣٣٧

ولو اختلفا بعد زيادة قيمة المغصوب في وقتها ، فادعى المالك الزيادة قبل التلف والغاصب بعده ، أو ادعى المالك تجدد العيب المشاهد في يد الغاصب والغاصب سبقه على اشكال ،

______________________________________________________

الأصلين نظر ) ـ الى الجزم.

ولو ادعى الغاصب رد العبد قبل موته والمالك بعده فالأصل عدم التقدم ، والأصل بقاء الضمان واستحقاق المطالبة وعدم التسليم فيقدم قول المالك باليمين ، ومثله ما لو ادعى رد الأصل أو البدل.

قوله : ( ولو اختلفا بعد زيادة قيمة المغصوب في وقتها ، فادعى المالك الزيادة قبل التلف والغاصب بعده ).

سيأتي جوابه في قوله آخرا : ( قدّم قول الغاصب ) أي : لو اختلفا بعد اتفاقهما على ارتفاع قيمة المغصوب باعتبار السوق في وقت الزيادة ، أي : اختلفا في وقت حصول هذه الزيادة ، فادعى المالك الزيادة قبل التلف ، وأنكر الغاصب ذلك قدّم قول الغاصب بيمينه ، لأنه منكر.

وفي حواشي شيخنا الشهيد : ان هذا إنما يتأتى عند من قال بضمان أعلى القيم ، أما من قال بضمان قيمة يوم التلف كالمصنف في المختلف (١) ، فإنه يسقط هذا الفرع. وفيه نظر ، لأن زيادة القيمة قبل التلف صادق على ما إذا بقيت الزيادة إلى حين التلف فلا يتم ما ذكره.

قوله : ( أو ادعى المالك تجدد العيب المشاهد في يد الغاصب والغاصب سبقه على اشكال ).

هذا معطوف على ما قبله ، وسيأتي جوابه أيضا ، فلو ادعى المالك ان العيب الموجود المشاهد قد تجدد في يد الغاصب ـ فالجار في قوله : ( في يد الغاصب ) يتعلق بـ ( تجدد ) ـ وادعى الغاصب سبقه فالقول قول الغاصب على‌

__________________

(١) المختلف : ٤٥٥ ، ٤٥٨.

٣٣٨

أو غصبه خمرا وادعى المالك تخلله عند الغاصب وأنكر الغاصب قدم قول الغاصب.

______________________________________________________

إشكال ينشأ : من وجود العيب في يد الغاصب ، والأصل عدم التقدم ، فكان القول قول المالك. ومن أن الغاصب غارم مدّعى عليه بزيادة القيمة وهو ينكرها فالقول قوله ، وهذا قول الشيخ رحمه‌الله ، وفرّق بين هذه وبين ما إذا كان الاختلاف بعد الموت العبد (١) ، وهو السابق في قول المصنف : ( أما لو ادعى الغاصب عيبا تنقص به القيمة ... ) فإنه اعترف بتقديم قول المالك في هذه ، بأن الأصل في العبد السلامة حتى يعرف العيب ، بخلاف ما إذا كان حيا فإن العور موجود مشاهد فالظاهر انه لم يزل : والأصح عدم الفرق بين المسألتين فيقدّم قول المالك وهو مختار ابن إدريس (٢) ، ووجهه ما سبق.

قوله : ( أو غصبه خمرا وادعى المالك تخلله عند الغاصب وأنكر الغاصب ).

إذا غصبه خمرا ثم طرأ التلف ، فادعى المالك تخللها عند الغاصب قبل التلف ، وأنكر الغاصب ذلك قدم قول الغاصب بيمينه ، لأن الأصل براءة ذمته (٣) وشغلها يتوقف على الثبوت ، والأصل عدم التخلل قبل التلف ايضا ، وكان على المصنف أن يقول : تخللها بالتأنيث.

واعلم ان هذا إنما يكون في الخمر المحترمة ، لأنها إذا تخللت في يد الغاصب تكون للمالك كما سبق ، أما غيرها فإن الغاصب يملكها بتخللها عنده كما سبق بحدوث الملك في يده ، ولا أولوية للأول.

وقد صرح في التذكرة بذلك فقال : ولو غصبه خمرا محترمة إلى أخره ،

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٠٤.

(٢) السرائر : ٢٧٩. والظاهر ان ما فيه مناقض لما نقله في جامع المقاصد عن ابن إدريس ، ولمزيد الاطلاع انظر : المختلف : ٤٥٨ ، مفتاح الكرامة ٦ : ٢٥٦ ـ ٢٥٨.

(٣) في « ق » : الذمة.

٣٣٩

ولو باع الغاصب شيئا أو وهبه ، ثم انتقل اليه بسبب صحيح فقال للمشتري : بعتك ما لا أملك واقام بينة ، فالأقرب أنه إن اقتصر على لفظ البيع ولم يضم اليه ما يتضمن ادعاء الملكية سمعت بينته ، وإلا فلا ، كأن يقول : بعتك ملكي ، أو هذا ملكي ، أو قبضت ثمن ملكي ، أو أقبضته ملكي.

______________________________________________________

وقوله : قدم قول الغاصب (١) جواب لجميع هذه المسائل.

قوله : ( ولو باع الغاصب شيئا ، أو وهبه ، ثم انتقل اليه بسبب صحيح فقال للمشتري : بعتك ما لا أملك واقام بينة ، فالأقرب أنه إن اقتصر على لفظ البيع ولم يضم اليه ما يتضمن ادعاه الملكية سمعت بينته وإلا فلا ، كأن يقول : بعتك ملكي ، أو هذا ملكي ، أو قبضت ثمن ملكي ).

إذا باع الغاصب شيئا أو وهبه ، ثم انتقل اليه بسبب صحيح كالإرث والشراء ، ولم يكن المشتري عالما بكونه غاصبا ، فقال الغاصب للمشتري : بعتك ما لا أملك فالبيع فاسد واقام بينة بذلك ، فقال المشتري : بل البيع صحيح ، تعويلا على ظاهر الحال من أنه مالك فهل تسمع هذه الدعوى والبينة ، أم ترد لمنافاتها ما دل عليه البيع والهبة من كونه مالكا؟ الأقرب عند المصنف التفصيل بأنه : اما أن يكون قد اقتصر على لفظ البيع ولم يضم اليه ما يدل على كونه مالكا ، أو لا.

فعلى الأول تسمع دعواه وبينته ، لانتفاء التنافي ، فإن البيع بمجرده لا يقتضي الملكية إذ هو أعم من بيع الفضولي وغيره ، والعام لا يقتضي فردا بخصوصه فلا تنافيه دعوى عدم الملكية وقت البيع فله انتزاع المبيع.

وفي الثاني وهو ما إذا لم يقتصر ، بل ضم ما يدل على كونه مالكا كأن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨٧.

٣٤٠