جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو كان العبد وديعة فجنى بالمستغرق ، ثم قتله المودع فعليه قيمته ويتعلق بها أرش الجناية ، فإذا أخذها الولي لم تجب قيمة أخرى على المستودع ، لأنه جنى وهو غير مضمون.

ولو جني في يد سيده بالمستوعب ، ثم غصب فجنى اخرى بالمستوعب ولم يحكم به للأول بيع فيهما ، ورجع المالك على الغاصب بما أخذه الثاني منهما ، لأن الجناية وقعت في يده وكان للمجني عليه أولا أن يأخذه دون الثاني ، لأن الذي يأخذه المالك من الغاصب هو عوض ما‌

______________________________________________________

ولا يمتنع أن يكون للمجني عليه مطالبة الغاصب ، لأن الجاني قد تلف في يده وهو مضمون عليه.

قوله : ( ولو كان العبد وديعة فجني بالمستغرق ، ثم قتله المودع فعليه قيمته ويتعلق بها أرش الجناية ، فإذا أخذها الولي لم تجب قيمة أخرى على المستودع ، لأنه جنى وهو غير مضمون ).

لأنه حينئذ كان وديعة ، وجنايته محسوبة على المالك ، لأن الفرض عدم التفريط من المودع ، فالواجب على المودع إنما هو عوض قتله.

واعلم ان قوله ( فإذا أخذها الولي ) يعم ما إذا كان أخذ القيمة من يد المولى ، وما إذا كان أخذها من يد الغاصب.

قوله : ( ولو جنى في يد سيده بالمستوعب ، ثم غصب فجنى اخرى بالمستوعب ولم يحكم به للأول بيع فيهما ).

لتعلق الجنايتين معا برقبته ، بخلاف ما إذا حكم به للأول فإنه يستحقه حينئذ ، فيكون للمجني عليه الثاني مع كون الجنايتين عمدا ، وفي الخطأ إذا بيع في الاولى ثم جنى بيع في الثانية ، لانقطاع حكم الاولى.

قوله : ( ورجع المالك على الغاصب بما أخذه الثاني منهما ، لأن الجناية وقعت في يده ، وكان للمجني عليه أولا أن يأخذه دون الثاني ، لأن‌

٢٨١

أخذه المجني عليه ثانيا فلا يتعلق به حقه ، فإن مات في يد الغاصب فعليه‌

______________________________________________________

الذي يأخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا ، فلا يتعلق به حقه ).

إذا بيع العبد في الجنايتين المذكورتين قسمت قيمته بين المجني عليهما ، فيرجع المالك على الغاصب بما أخذه الثاني من المجني عليهما ، لأن الجناية الثانية مضمونة عليه لوقوعها في يده ، فمهما ذهب على المالك بسببها فضمانه على الغاصب ، بخلاف الاولى لوقوعها في يد السيد ، فللمجني عليه الأول أن يأخذه ، أي : يأخذ ما يرجع (١) به المالك على الغاصب ، وهو ما أخذه المجني عليه الثاني ، وليس للثاني أخذه.

أما الأول ، فلأن حق المجني عليه أولا يتعلق (٢) بقيمة العبد كلها ـ لأن الفرض أن الجناية مستوعبة وقد وجد باقي القيمة فيتعلق به حقه.

وأما الثاني ، فلأن الذي أخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا ، وهو نصف القيمة المستحق له فلا يتعلق به حقه مرة أخرى ، لاستحالة تعلق حقه به مرتين ، والنصف الآخر من القيمة قد فات بتعلق حق المجني عليه أولا به فكان القيمة من أول الأمر مقدار النصف.

وأما المجني عليه الأول فإن حقه متعلق بتمام القيمة ، والجناية الثانية لكونها ( مضمونة ) (٣) على الغاصب في حكم المنتفية فيبقى تعلق حقه (٤) بالقيمة جميعا ثانيا ، ولما لم تكن الجناية الأولى مضمونة على الغاصب لم يكن للمالك الرجوع بما أخذه المجني عليه أولا.

قوله : ( فإن مات في يد الغاصب فعليه قيمته تقسم بينهما ، ويرجع‌

__________________

(١) في « ق » : ما رجع.

(٢) في « م » : متعلق.

(٣) لم ترد في « م ».

(٤) في « م » : المنتفية يتعلق حقه.

٢٨٢

قيمته تقسم بينهما ويرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة ، ويكون للمجني عليه أولا أن يأخذه.

ولو جنى على سيده فالضمان على الغاصب كالأجنبي على اشكال.

______________________________________________________

المالك على الغاصب بنصف القيمة ، ويكون للمجني عليه أولا أن يأخذه ).

أما وجوب القيمة بموته ، فلأنه مضمون على الغاصب ، وأما وجوب غرمه نصف القيمة مرة أخرى ، فلأن الجناية الثانية مضمونة عليه لكونها في يده ، وهي موجبة لفوات نصف القيمة للمجني عليه ثانيا ، وأخذ المجني عليه أولا المصنف يعرف وجهه مما سبق.

ولو وهب المجني عليه ثانيا ما أوجبته الجناية للمالك فالرجوع بالنصف بحاله على الظاهر ، ولو وهبه للغاصب فليس ببعيد سقوط الرجوع به.

قوله : ( ولو جنى على سيده فالضمان على الغاصب كالأجنبي على اشكال ).

ينشأ : من أنه مضمون عليه فيضمن كل نقص دخل عليه في يده ، وجنايته على السيد موجبة لاستحقاق الاقتصاص ، فاستوى السيد والأجنبي. ومن أن استحقاق الرجوع في الأجنبي لاقتضاء الجناية عليه زوال الملك أو إفضائها اليه ، فإذا سلم العبد الى المالك ( فحينئذ ) (١) لم يكن تسليما تاما.

بخلاف ما إذا كانت الجناية على المولى ، فإنه إذا سلمه إليه فقد مكنه منه كمال التمكين ، ولا يضر اقتصاصه بعد ذلك ، لكون ذلك باختياره ومباشرته. وليس بشي‌ء ، لثبوت حق الاقتصاص الذي تركه موجب للضرر على السيد أو الوارث بسبب حدث في يد الغاصب ، وهو منقص للمالية فيستحق الرجوع به ، وهو الأصح ، وهذا إذا كانت الجناية عمدا‌

__________________

(١) لم ترد في « ق ».

٢٨٣

ولو خصى العبد فعليه كمال القيمة ورده على رأي ،

______________________________________________________

أما لو كانت خطأ فلا شي‌ء للسيد على الغاصب ، لأن الواجب في جناية الخطإ المال ، وثبوته هنا ممتنع إذ لا يثبت للسيد على عبده مال ، وثبوته على الغاصب فرع ثبوته على العبد ، وقد سبق مثله في الرهن.

نعم ، لو تضمنت جنايته استطالته على السيد وقلة الرغبة فيه ضمن ما ينقص من قيمته بهذا العيب لا أرش الجناية ، ولا يخفى أن هذا العيب في الجناية عمدا متحقق ، فيضمن الغاصب أرشه خارجا عن أرش الجناية لاختلافهما.

إذا عرفت هذا ، فلو اقتص المالك في العمد فعلى الغاصب أكثر الأمرين كما سبق غيره مرة ، وإن عفى عن مال ثبت المال على العبد ، وفداه الغاصب بأقل الأمرين ، من أرش الجناية وقيمة العبد كالأجنبي ، قال في التذكرة (١) ، ووجهه : أن المال ليس بثابت هنا أصالة من أول الأمر ليمتنع ثبوته لاستلزامه وجوب مال السيد على عبده ، وإنما هو عوض عن جناية ثانية مستحقة على العبد مضمونة على الغاصب ، فلا يمتنع ثبوت عوضها ، لأن الخيار في ذلك الى المجني عليه.

قوله : ( ولو خصى العبد فعليه كمال القيمة على رأي ، ورده ).

هذا هو الأصح ، لأن عوض الفائت هو القيمة ، ولا يتوقف الاستحقاق على دفع العبد ، بخلاف الجاني كما بيناه سابقا ، وللشيخ قول بأن له القيمة إذا سلمه لئلا يجمع بين العوض والمعوض (٢) ، وقد عرفت الفرق بين الغاصب والجاني ، واختصاص الجاني بالنص (٣) بخلاف الغاصب. وفي بعض النسخ : ( فعليه كمال القيمة ورده على رأي ) وهو صواب ، لأن الخلاف إنما هو في‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨٨.

(٢) المبسوط ٣ : ٦٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٤٢ حديث ١٢ ، الفقيه ٤ : ٦٥ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٧.

٢٨٤

فإن سقط ذلك العضو بآفة فلا شي‌ء ، لأنه يزيد به قيمته على اشكال ، وكذا لو نقص السمن المفرط ولم تنقص القيمة ، وكذا الإصبع الزائدة ولو مثل به لم ينعتق على‌ رأي.

______________________________________________________

الأمرين معا.

قوله : ( فإن سقط ذلك العضو بآفة فلا شي‌ء ، لأنه يزيد به قيمته على اشكال ).

الضمير في : ( لأنه ) للشأن ، ومنشأ الاشكال ما ذكره ، فإنه لا نقص في المالية حينئذ فلا ضمان ، ومن أن التلف في يد الغالب بالآفة كالتلف بالجناية ، لكون العبد واجزاءه وصفاته ومنافعه مضمونة عليه ، وللعضو التالف مقدر فيضمنه ، وهو الأصح.

ولا يخفى أن الاشكال هنا في أصل الضمان ، فلو قلنا به كما هو الأصح فالواجب كما القيمة مع رده على رأي.

قوله : ( وكذا لو نقص السمن المفرط ولم تنقص القيمة )

أي : لا شي‌ء به ولا يجي‌ء فيه الإشكال ، لأنه لا مقدر له شرعا فيجب بفواته ، ولم تنقص به القيمة فيجب قدر النقص ، فهو من قبيل ما لا قيمة له ، وهذا يتحقق في سمن نحو العبد والجارية ، وما لا يقصد منه اللحم فإن سمنه إذا أفرط وتجاوز الحد ربما نقص قيمته.

قوله : ( وكذا الإصبع الزائدة ).

أي : لو نقصت ولم تنقص بها القيمة لا شي‌ء فيها. وليس بجيد ، بل الأصل (١) فيها الضمان ، لأن لها مقدرا وهو ثلث دية الأصلية.

قوله : ( ولو مثل به لم ينعتق على رأي ).

__________________

(١) في « م » : الأصح.

٢٨٥

ولو ساوى بعد الغصب الضعف لزيادة السوق فقطع يده فعادت الاولى رد العبد ومساويه ، ولو نقص الزائد ونصف الأصل وأوجبنا الأكثر لزمه المجموع وإلا الزائد ،

______________________________________________________

لأن التحرير بالتمثيل على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص (١) ، وقال الشيخ (٢) وابن البراج : ينعتق بذلك (٣) ، وربما بني القولان على أن الانعتاق بتمثيل المولى لجبر حال العبد أو لعقوبة المولى ، فعلى الأول ينعتق هنا وعلى الثاني لا ، وهو بناء ضعيف ورجوع الحكم إلى جهالة ، والأصح عدم الانعتاق.

قوله : ( ولو ساوى بعد الغصب الضعف لزيادة السوق فقطع يده فعادت الاولى رد العبد ومساويه ).

أي : لو قطعت يد العبد بعد ارتفاع قيمته الى الضعف فعادت قيمته بالقطع إلى الاولى ، وهي نصف قيمته الآن رد العبد ونصف قيمته الآن ، وهي قدر القيمة الأولى ، لأن ذلك قدر النقص والمقدر شرعا إذ هو نصف القيمة.

قوله : ( ولو نقص الزائد ونصف الأصل وأوجبنا الأكثر لزمه المجموع ، وإلا الزائد ).

أي : لو نقص من قيمة العبد في الفرض المذكور مجموع الزائد ونصف الأصل بقطع يده كان كأن يساوي مائة فارتقى إلى مائتين ، فقطعت يده فصار بالقطع يساوي خمسين ، فنقص الزائد وهو مائة ونصف الأصل وهو خمسون. فإن أوجبنا على الغاصب في الجناية على المغصوب أكثر الأمرين من المقدر والأرش لزمه المجموع وهو ظاهر ، وإن أوجبنا المقدر خاصة وهو نصف القيمة لزمه الزائد فقط ، وهذا ظاهر إذا لم يكن قطع يد العبد لكونه قد جنى على يد‌

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٢٢٥ بتفاوت يسير.

(٢) الخلاف ٢ : ٩٨ كتاب الغصب مسألة ٦.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٤٥٧.

٢٨٦

وإن نقص الربع فإن أوجبنا الأرش لزمه الربع وإلاّ النصف.

______________________________________________________

غيره عمدا ، فإنه على هذا التقدير تجي‌ء عند المصنف فيه احتمالات ثلاثة قد سبقت :

أحدهما : الأرش كائنا ما كان ، وعلى هذا الاحتمال يلزم الغاصب المجموع أيضا ، فلا يستقيم قول المصنف : ( إلا الزائد ) إذ معناه : وإن لم نوجب الأكثر لزمه الزائد فقط ، وقد عرفت انا قد لا نوجب الأكثر ، ويلزمه المجموع إذا أوجبنا الأرش.

ويندفع هذا عن العبارة إذا قرئ قوله سابقا : ( فقطع يده ) مبنيا للمعلوم ، لأن الضمير حينئذ يعود الى الغاصب ، فلا تندرج في العبارة الصورة المذكورة ، إلا أن قوله فيما بعد : ( وإن نقص الربع فإن أوجبنا الأرش. ) ينافيه ، لأن إيجاب الأرش على ما ذكره. إنما يجي‌ء إذا جنى العبد في يد الغاصب فقطعت يده بالجناية ، لأنه حينئذ يقال : إن يده ذهبت بسبب غير مضمون فيجب الأرش لا أرشها وإن كان ضعيفا. وإنما قلنا إنه ينافيه ، لامتناع اندراج متعلق هذا الحكم في العبارة حينئذ.

قوله : ( وإن نقص الربع فإن أوجبنا الأرش لزمه الربع ، وإلا النصف ).

أي : لو كان النقص في الفرض المذكور هو ربع القيمة ، سواء كان ربع قيمة الأصل أو ما صار اليه فاللازم هو الربع إن أوجبنا الأرش كائنا ما كان ، وإن لم نوجب الأرش تعين النصف ، لأنه المقدر والأكثر ، وهذا لا يستقيم إلا إذا كان القطع بجناية العبد المغصوب على الطرف على الاحتمال كما علم غير مرة ، لا مطلقا كما هو ظاهر العبارة.

ولا شك في فسادها ، سواء أخذت مطلقة ـ إذا قرئ قوله : ( فقطع يده ) مبنيا للمجهول ـ أو مخصوصا بكون الغاصب هو القاطع بأن يبنى للمعلوم ، لأن الجاني إذا وجب عليه المقدر فجناية الغاصب بطريق أولى ، إنما‌

٢٨٧

ولو غصب عبدا فقطع آخر يده تخير ، فيضمن الجاني النصف خاصة ولا يرجع على أحد ، والغاصب الزائد إن نقص أكثر من النصف ولا يرجع على أحد ولو لم تحصل زيادة استقر الضمان على الجاني.

ولو غصبه شابا فصار شيخا ضمن النقص ،

______________________________________________________

الكلام في وجوب أكثر الأمرين.

ولا يستقيم هذا الحكم إلا إذا كان القطع بالجناية فقط ، فالعبارة غير جيدة والحكم غير معتبر ، وقد عرفت غير مرة إنا نوجب أكثر الأمرين في جميع هذه الصور.

قوله : ( ولو غصب عبدا فقطع آخر يده تخير ، فيضمن الجاني النصف خاصة ولا يرجع على أحد ، والغاصب الزائد إن نقص أكثر من النصف ولا يرجع على أحد ).

الضمير في : ( تخير ) يرجع الى المغصوب منه فإن له تضمين كل منهما ، لكن الجاني لا يضمن سوى بدل الجناية وهو مقدر ، بخلاف الغاصب فإنه يضمن أكثر الأمرين.

فقرار الضمان بالنسبة إلى موجب الجناية على الجاني ، فإن رجع عليه به لم يرجع به على أحد ، وإن رجع به على الغاصب رجع الغاصب به عليه ، وأما الزائد على تقدير حصوله فإنه على الغاصب خاصة.

قوله : ( ولو لم تحصل زيادة استقر الضمان على الجاني ).

لاستواء الجاني والغاصب في وجوب ذلك وقد باشر الإتلاف فالقرار عليه ، ويتخير المالك في الرجوع على كل منهما.

قوله : ( ولو غصبه شابا فصار شيخنا ضمن النقص ).

لتناقص القوى والقابلية بذلك الموجب لنقصان القيمة.

٢٨٨

وكذا لو كان أمرد فنبتت له لحية على اشكال.

ولو نقصت الأرض لترك الزرع كأرض البصرة ضمن على اشكال.

ولو نقل التراب رده بعينه ، فإن تعذر فالمثل وعليه الأرش وتسوية الحفر. والبائع إذا قلع أحجاره فعليه التسوية دون‌ الأرش ،

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو كان أمرد فنبتت له لحية على اشكال ).

ينشأ : من حصول النقص في القيمة بذلك ، لأنه المفروض ، ومن تخيل أن الفائت لا يقصد قصدا صحيحا فجرى مجرى الصناعة المحرمة. وليس بشي‌ء ، فإنه قد يقصد قصدا صحيحا وتتعلق به أغراض محللة ، فمتى حصل بسببه نقص ضمنه.

قوله : ( ولو نقصت الأرض لترك الزرع كأرض البصرة ضمن على اشكال ).

ينشأ : من أن ترك زرعها واجب عليه فلا يتعلق به ضمان بسببه ، ومن أن كل نقص يحدث في يده مضمون عليه ، وهو الأصح. ولا منافاة بين تحريم زرعها عليه وضمانه نقصها ، إذ الواجب عليه من أول الأمر عدم إثبات يده على مال الغير بغير حق.

قوله : ( ولو نقل التراب رده بعينه ، فإن تعذر فالمثل وعليه الأرش وتسوية الحفر ).

لأن التراب مثلي.

فإن قيل : الأرض قيمي ، فكيف يكون التراب مثليا؟

قلنا لا استبعاد في ذلك ، فإن التراب من حيث هو تراب مثلي وإن كانت الأرض باعتبار كونها قراحا ، وبستانا ، ونحو ذلك قيمية.

قوله : ( والبائع إذا قلع أحجاره فعليه التسوية دون الأرش ).

٢٨٩

ولو حفر بئرا فله طمها إلا أن ينهاه المالك فيزول ضمان التردي.

ولو ذهب نصف الزيت بالإغلاء ضمن مثل الذاهب وإن لم تنقص القيمة ، وكذا في إغلاء العصير على رأي.

______________________________________________________

استطرادا أتى بهذه المسألة هنا (١) ، وإنما وجبت عليه التسوية هنا ، لأنه يجب عليه تسليم المبيع كاملا ، وإنما لم يجب عليه الأرش ، لأن الفعل مأذون فيه شرعا فلا يتعقبه ضمان ، نعم يتخير المشتري لو كان جاهلا ، قيل (٢) : هذا بعينه يقتضي أن لا تجب عليه التسوية.

قوله : ( ولو حفر بئرا فله طمها إلا أن ينهاه المالك فيزول ضمان التردي ).

هذا مختار ابن إدريس (٣) ، وهو الأصح ، وقال الشيخ : له طمها وإن نهاه المالك ، لدفع ضمان التردي ، واحتمل أنه لو أبرأه المالك من الضمان لم يبرأ ، لأنه أبرأ مما لم يجب ، ثم اختار البراءة به (٤). ويضعف بأن المالك إذا رضي بحفر البئر كان كما لو حفرت بإذنه ، ونهيه عن الطم يتضمن الرضى.

قوله : ( ولو ذهب نصف الزيت بالإغلاء ضمن مثل الذاهب وإن لم تنقص القيمة ).

لأن نصف العين قد ذهبت وهي مضمونة بالمثل فلا اعتبار بالقيمة.

قوله : ( وكذا في إغلاء العصير على رأي ).

لحصول النقص في العين ، وقال الشيخ : لا يضمن ، لأن الذاهب أجزاء مائية لا قيمة لها ، فإن النار تعقد أجزاء العصير ولهذا تزيد حلاوته بخلاف‌

__________________

(١) في « ق » : استطرد الى هذه المسألة هنا.

(٢) هكذا في النسختين الخطبتين ، وفي هامش نسخة « م » : هكذا وجد.

(٣) السرائر : ٢٧٧.

(٤) المبسوط ٣ : ٧٣.

٢٩٠

ولا يجبر المتجدد من الصفات ما خالفه من التالف وإن تساويا قيمة ، بخلاف ما لو اتفقا جنسا.

ولو غصب عصيرا فصار خمرا ضمن المثل ، وفي وجوب الدفع‌ إشكال ،

______________________________________________________

الزيت (١). وكون الذاهب أجزاء مائية فقط غير معلوم ، وقد وقع نقص محسوس في العين فيجب بدله ، وهو الأصح.

قوله : ( بخلاف ما لو اتفاقا جنسا ).

كما لو كان كاتبا فنسي ثم تجدد له ذلك ، والذي يقتضيه النظر : أن المتجدد من الصفات إن كان هو الأول كالكاتب ، والعالم ، والخياط ينسى ثم يتذكر فلا يجب أرشه على الغاصب ، إذ لم يفت شي‌ء. وإن كان غيره ، كما لو كان سمينا فهزل ثم سمن لم يجبر الثاني الأول ، لأن الثاني مال متجدد للمالك ، والأول مال ذاهب ، وكلام المصنف في التذكرة (٢) لا يخلو من اضطراب ، وظاهر ما هنا معترض.

وفي الدروس : ولو عادت الناقصة جبر (٣) ، وهو مشعر بما قلناه ، لأن العود إنما يكون إذا حصل الفائت بنفسه ، ولا يتحقق ذلك إلا في التذكر بعد النسيان.

ولو مرض العبد ثم عوفي فقد صرح في التذكرة بوجوب رده من غير شي‌ء (٤) ، وفي كون هذه الصحة هي الأولى نظر.

قوله : ( وفي وجوب الدفع اشكال ).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٨٣ ، الخلاف ٢ : ١٠١ كتاب الغصب مسألة ٢١.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٨٧.

(٣) الدروس : ٣٠٩.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٨٨.

٢٩١

فإن أوجبناه فصار خلا في يد المالك ففي وجوب رد المثل إشكال ، فإن صار خلا في يد الغاصب رده مع أرش النقصان إن قصرت قيمة الخل ولو غصب خمرا فتخللت في يده حكم بها للغاصب ، ويحتمل المالك ،

______________________________________________________

أي : في وجوب دفع خمر العصير ، ومنشأ الاشكال : من خروجه عن الملك ، فإن المسلم لا يملك الخمر ، ومن بقاء الأولوية ، لإمكان إرادة التخليل ، وفي وجوب الدفع قوة ، إلا أن يعلم من حال من غصب انه يتخذه للشرب ، لأنه حينئذ يعاون على الإثم والعدوان ، ولانتفاء الأولوية حينئذ.

قوله : ( فإن أوجبناه فصار خلا في يد المالك ففي وجوب رد المثل إشكال ).

ينشأ : من أنه أخذ للحيلولة بينه وبين ملكه ، وقد زالت بعود ملكه اليه فيجب الرد ، ومن حيث أن هذا ملك متجدد ، لأن العصير لما صار خمرا صار تالفا فوجب بدله ، والظاهر الأول ، لأن الأجزاء هي عين ماله ، والمانع من ملكيتها هي الخمرية وقد زالت فيكون الملك بعينه قد عاد وإن حدث له صورة أخرى ، نعم لو نقص وجب الأرش.

فإن قلت : فعلى هذا لو تخللت الخمر الغير المحرمة في يد منتزعها وجب ردها ، لأنها عين ملك المالك وقد زال المانع من الملكية.

قلنا : الفرق انقطاع الأولوية هنا المقتضية لانقطاع السلطنة أصلا بخلاف الأول ، وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شي‌ء.

قوله : ( ولو غصب خمرا فتخللت في يده حكم بها للغاصب ، ويحتمل المالك ).

وجه الأول : خروجها عن ملك المغصوب منه وسلطنته ، وقد حدثت‌

٢٩٢

والبذر والبيض إذا زرع أو فرخ فهو للمالك.

______________________________________________________

ملكيتها (١) في يد الغاصب فتكون له ، وهذا إنما يتم إذا لم تكن محترمة.

ووجه الثاني : أن يد الغاصب يد عدوان ، وهذه هي عين ملك المالك فتكون له.

والتحقيق : أنها إن كانت محترمة كالتي للتخليل ، وخمر الذمي المستتر ( به ) (٢) يتصور فيها الغصب ويجب الرد ، وسلطنة المغصوب منه ثابتة عليها فيكون الملك فيها بعد العود خلا للمالك الأول ، وإن كانت غير محترمة لم يتصور فيها الغصب ، ولا بقاء السلطنة ، ولا وجوب الرد فالملك المتجدد فيها للآخذ.

فرع :

قال في التذكرة : لو غصب عصيرا فأغلاه حرم عندنا ، وصار نجسا لا يحل ولا يطهر إلا إذا ذهب ثلثاه بالغليان فلو رده الغاصب قبل ذهاب ثلثيه وجب عليه غرامة الثلثين. والوجه أيضا انه يضمن غرامة الخسارة على العمل فيه الى أن يذهب كمال الثلثين (٣) ، هذا كلامه. وفي الفرق بينه وبين العصير لو غصبه فصار خمرا ، أو صيره خمرا نظر.

قوله : ( والبذر والبيض إذا زرع أو فرخ فهو للمالك ).

هذا مذهب الأكثر ، لأنه عين مال المالك حدث فيها اختلاف الصورة ، وقال الشيخ : إنها للغاصب ، لأن ذلك تلف للمال فيجب به بدله ، ولأن هذا نماء بفعل الغاصب (٤). وليس بشي‌ء ، لمنع التلف ، ونماء الملك للمالك ولو كان بفعل الغاصب.

__________________

(١) في « ق » : ملكيتها للغاصب.

(٢) لم ترد في « م ».

(٣) التذكرة ٢ : ٣٨٧.

(٤) المبسوط ٣ : ١٠٥.

٢٩٣

الفصل الثاني : في الزيادة : لو غصب حنطة فطحنها ، أو ثوبا فقصره أو خاطه لم يملك العين ، بل يردها مع الزيادة وأرش النقص إن نقصت القيمة بذلك ، ولا شي‌ء له عن الزيادة.

ولو صاغ النقرة حليا ردها كذلك ، فلو كسر ضمن الصنعة وإن كانت من جهته

______________________________________________________

فرع :

لا يتصور الغصب في الوقوف العامة بمنع بعض المستحقين وإن أثم ، نعم لو سبق له يد فمنعه مانع بغير حق أمكن تصور الغصب هنا ، وفي الدروس ما قد يشعر إطلاقه بالمخالفة (١) ، وكذا في غصب الوثيقة في الدروس (٢) كلام ليس بذلك الجيد.

قوله : ( لو غصب حنطة فطحنها ، أو ثوبا فقصره أو خاطه لم يملك العين بل يردها مع الزيادة ... ).

هذا إذا كانت الخيوط للمالك ، أما إذا كانت للغاصب فهي كالصبغ.

قوله : ( ولو صاغ النقرة حليا ردها كذلك ).

لأن الصنعة صفة حدثت في ملك المالك بسبب الغاصب فتكون للمالك تبعا وليست عينا ليخيل كونها مال للغاصب ، وكذا لو علف الدابة فسمنت ، لأن السمن من الله تعالى وليس هو عين العلف.

قوله : ( فلو كسر ضمن الصنعة وإن كانت من جهته ).

لما قلناه من أن الصنعة ملك للمغصوب منه ، ولا يقدح في ذلك كونها بسبب الغاصب ومن جهته.

__________________

(١) الدروس : ٣٠٧.

(٢) المصدر السابق.

٢٩٤

وللمالك إجباره على ردها نقرة ، ولا يضمن أرش الصنعة ويضمن ما نقص من قيمه أصل النقرة بالكسر.

______________________________________________________

قوله : ( وللمالك إجباره على ردها نقرة ولا يضمن أرش الصنعة ).

أما الأول فلوجوب ردها كما أخذها ، وأما الثاني فلأن بقاء الصنعة مع الرد نقرة غير ممكن فيكون الأمر بردها كذلك إذا نافي إذهاب الصنعة.

قوله : ( ويضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة بالكسر ).

لأن ذلك بفعله وليس من لوازم الكسر النقصان ، بخلاف الصنعة إذا أريد ردها نقرة ، ولو سلم كون النقصان من لوازم الكسر لم يسقط عنه ضمان ما نقص بالأمر به ، لأن الصياغة جناية من الغاصب ، إذ هو تصرف في مال المالك بغير اذنه عدوانا ، والنقص بالكسر مسبب عنها فتكون مضمونة عليه.

وأمر المالك بإعادة العين كما كانت لا يوجب سقوط الضمان ، لبقاء الغصب الى حصول التسليم التام ، حتى لو تلفت العين في حال ردها الى البلد وقد أمره المالك بذلك بضمنها ، بخلاف الصنعة التي لم تكن العين عليها في وقت الغصب ولم يستقر للمالك في ذمة الغاصب ، فعلى هذا لو علفه الغاصب بعد نقله الى موضع بعيد فسمن ، ثم أمره المالك برده على الفور على وجه يستلزم هزاله لموالاة السير لا يضمن السمن الناقص.

ويشكل بأنه لو كان سمينا عند المالك ، فغصبه ونقله على وجه لا عنف فيه فبقي سمنه ، ثم أجبره المالك على رده على الفور فزال سمنه لم يضمنه وهو ينافي تضمين النقصان بالأمر بكسر الحلي المصوغ.

وفي الفرق نظر فينبغي تأمله ، يختلف بالخاطر فرق بتأمل بعد ذلك ، وهو أن طلب المالك رد الحلي نقرة يقتضي عدم قبول الصنعة ، بخلاف رد السمين إذا استلزم رده الهزال ، وبخلاف نقصان العين بالكسر فإنه لا يقتضي ذلك ، ولا منافاة بين ملكية السمن والرضى بها وطلب الرد على الفور وإن علم بهزاله به ،

٢٩٥

ولو صبغه بما يساوي قيمته تشاركا فالفاضل بينهما بالسوية والناقص من الصبغ ، فلو نقص المجموع عن قيمة الثوب رده مصبوغا مع أرش النقص ، وكذا تثبت الشركة لو أطارت الريح الثوب إلى إجانة صباغ ، أو غصب الصبغ من آخر.

______________________________________________________

للاعتماد على كون ما ينقص من العين مضمونا عليه.

ويمكن أن يفرق بوجه آخر ، وهو أن الأمر برد النقرة حليا يدل على عدم قبول الصنعة : والترخيص في إتلافها ، بخلاف ما ينقص بالكسر ، لأن الأمر بالكسر لا يقتضي عدم قبول الناقص من الفضة ، وإن كان لازما عنه لا محالة فهو محسوب من جملة المئونة الواجبة على الغاصب ، فإنه لو أمره المالك برد الدابة إلى بلد الغصب (١) وكان ذلك مستلزما للهزال لا يكون إلا على عدم ارادة المالك السمن والترخيص في إتلافه ، فيكون من قبيل المقدمة كالعلف والسقي.

نعم يشبه الأول ما لو سمن الغاصب المضمرة فلم يرض المالك بذلك ، فأمره بالتضمير فإنه لا يبعد أن يقال : لا يلزمه عوض السمن الفائت.

قوله : ( فالفاضل بينهما بالسوية والناقص من الصبغ ).

أي : إن زاد زيادة في الثمن على أصل القيمة فهي بينهما سواء ، لاستوائهما في الشركة ، وإن نقص فالنقصان محسوب من الصبغ ، لأنه إن كان منه فلا بحث ، وإن كان من الثوب فضمانه عليه.

قوله : ( وكذا تثبت الشركة لو أطارت الريح الثوب إلى إجانة صباغ ، أو غصب الصبغ من آخر ).

لتحقق أخلاط المالين ، ولا يحسب النقص من الصبغ في هذين الموضعين إذ لا عدوان من مالكه ، لكن في الثانية يضمن نقص كل من الثوب‌

__________________

(١) في « م » الغاصب.

٢٩٦

ولو قبل الصبغ الزوال اجبر الغاصب على فصله ، وإن استضر بعدم الصبغ أو نقص قيمته.

ولو طلب الغاصب الإزالة أجيب إليها ، سواء هلك الصبغ بالقلع على اشكال أو لا ، فإن تعيب الثوب ضمن أرشه.

______________________________________________________

والصبغ الغاصب.

قوله : ( ولو قبل الصبغ الزوال اجبر الغاصب على فصله وإن استضر بعدم الصبغ أو نقص قيمته ).

لوجوب رد العين كما أخذها ، إلا أن يرضى المالك ببقاء الصبغ فلا إجبار ولا عبرة بتضرره بتلف الصبغ أو نقص قيمته لان ذلك مستند الى عدوانه.

قوله : ( ولو طلب الغاصب الإزالة أجيب إليها ، سواء هلك الصبغ بالقلع على اشكال أو لا ، فإن تعيب الثوب ضمن أرشه ).

قال الشارح الفاضل : لا خلاف في منع الغاصب من الإزالة لو نقص الثوب بها ، ولا في إجابته مع عدم هلاك الصبغ ، وعدم نقص الثوب أصلا (١) ، والذي في عبارة الكتاب بإطلاقه ينافي ما ذكره الشارح.

والذي يلوح من عبارة التذكرة خلاف هذا ، لأنه ذكر فيها (٢) ـ إذا أراد الغاصب فصل الصبغ وكان الثوب بحيث ينقص بذلك ـ خلافا للعامة (٣) ، ولم يصرح هو بشي‌ء (٤) ، وذلك يؤذن بتردده ، ولو كان الحكم إجماعيا كما ذكره الشارح لم يكن للتردد فيه مجال.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٨٧.

(٢) في « م » : فإنه ذكر فيما.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٣١٩.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٩٤.

٢٩٧

______________________________________________________

وشيخنا في الدروس حكى عن المصنف ، وابن الجنيد عدم وجوب اجابة الغاصب لو طلب القلع ، معللا بالاستهلاك واستلزام التصرف في مال الغير (١) ، وما نقله عن المصنف اختاره في المختلف (٢) ، وفيه منافاة للإجماع الذي ادعاه الشارح في قوله : ولا في إجابته مع عدم هلاك الصبغ.

في المختلف : ومن العجب إيجاب التمكين على المالك من أخذ الصبغ وإن تعيب ثوبه ، وعدم قبول عوض الصبغ منه ، وإجبار الغارس المستعير للأرض على أخذ قيمة الغرس من المالك إذا دفعها (٣) ، وهذا صريح في بطلان دعوى الشارح الإجماع (٤).

والحق أن وجوب اجابة الغاصب الى قلع الصبغ في حال من الأحوال لا يخلو من اشكال ، لاستلزامه التصرف في مال الغير بغير حق مسببا عن التصرف عدوانا. لكن قد يقال : لو لا هذا لزم عدوان آخر ، وهو التصرف في مال الغير بغير حق ، فإنه لا سبيل الى تملكه بعوض وبغير عوض قهرا وإن كان تملكه بعوض محتملا إذا رضي المالك ، ولا إلى إلزام المالك ببيع الثوب ، وبيع الصبغ وحده مع الحكم المذكور لا فائدة فيه فربما لم يرغب فيه راغب ، وبقاء الثوب في يد المالك ممنوعا من التصرف فيه موجب لزيادة الضرر ، فلم يبق إلا الإجابة إلى القلع ، فحينئذ يرجح هذا بانحصار وصول الحق إلى مستحقه فيه إذ من ظلم لا يحل أن يظلم.

فعلى هذا لا فرق بين استهلاك القلع إياه وعدمه ، إذ : « لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه » (٥) واحتمال المنع لاستلزامه إضاعة المال‌

__________________

(١) الدروس : ٣٠٩.

(٢) المختلف : ٤٥٥.

(٣) المختلف : ٤٥٥.

(٤) إيضاح الفوائد ٢ : ١٨٧.

(٥) عوالي اللآلى ٣ : ٤٧٣ حديث ٣ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٦ حديث ٩١.

٢٩٨

ولو طلب أحدهما ما لصاحبه بالقيمة لم يجب القبول ،

______________________________________________________

المنهي عنها ضعيف ، إذ المنهي عنه الإتلاف الذي لا يتعلق به غرض للعقلاء ، أما إذا تعلق به غرض صحيح فلا. وهذا متين جدا ، ومنه يظهر قوة استحقاق الغاصب القلع وإن نقص الثوب إذ لا طريق الى التخلص سواه ، والنقص منجبر بوجوب الأرش ، فكلام الشارح يحتاج إلى تأمل ، وإطلاق عبارة الشرائع (١) يشهد لما قلناه ومثله ما لو بنى الغاصب أو غرس ثم أراد أخذ عين ماله.

قوله : ( ولو طلب أحدهما ما لصاحبه بالقيمة لم يجب القبول ).

أي : كل منهما ، إذ « لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس » (٢) ، ولعموم ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٣) وهذا هو المشهور ، وقال المصنف في المختلف ، وابن الجنيد : انه إذا لم يرض بالقلع ودفع قيمة الصبغ وجب على الغاصب القبول (٤) ، وهذا مناسب لمؤاخذة الغاصب بأشق الأحوال ، إلا أنه لا دليل على تملك ماله بغير رضى منه.

وتخيل أن فيه جمعا بين الحقين مدفوع بأن حق الغاصب في عين الصبغ لا في قيمته ، ولا أنكر رجحان هذا القول ، فإن إثبات سلطنة التصرف في مال المغصوب منه للغاصب لأجل تصرف سابق وقع عدوانا فيه كمال الضرر على المالك ، والأول أرجح ، لأنه لو لا ذلك لكان متاع الغاصب إذا وضعه في البيت المغصوب لا يستحق أخذه بغير رضى (٥) المالك.

والعجب أن الشيخ جوز في المعير تملك غرس المستعير قهرا ومنعه في‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٣ : ٢٤٤.

(٢) عوالي اللآلي ٣ : ٤٧٣ حديث ٣ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٦ حديث ٩١.

(٣) سورة النساء : الآية ٢٩.

(٤) المختلف : ٤٥٥.

(٥) في « ق » : اخبار.

٢٩٩

وكذا لو وهبه إياه ، ولصاحب الثوب الامتناع من البيع لو طلبه الغاصب دون العكس.

______________________________________________________

الغاصب (١).

قوله : ( وكذا لو وهبه إياه ).

أي : وهب أحدهما ما لصاحبه (٢) ، لأصالة البراءة ، ولما فيه من مظنة كونه نقصانا ، ولا أحسب فيه خلافا ، وليس كبذل القيمة ، لأن فيه جمعا بين الحقين.

قوله : ( دون العكس ).

أي : ليس للغاصب الامتناع من البيع لو طلبه المالك ، لأن بيع الثوب وحده مظنة قلة الراغب فيه لعيب الشركة فيفضي إلى عسر البيع وقلة القيمة ، وحيث كان الغاصب متعديا لم يكن له الإضرار بالمالك ، لكن هذا على القول ـ بعدم تملك ماله بالقيمة إذا لم يرض ـ لا يكاد يتجه لاستلزامه نقل الملك مع عدم الرضى.

فإن قيل : فيه جمع بين الحقين ، ودفع للضرر عن المالك.

قلنا : ففي الأول نقول هكذا.

فإن قيل : الضرر هنا أقل إذ تعين إخراج الملك عنه لمالك معين ضرر.

قلنا : هو مقابل بضرر المالك ، فإن منعه من التصرف في ملكه الى أن يرضى الغاصب في أمر تعدي عليه به ضرر عظيم ، وبالجملة فقول المختلف لا يخلو من وجه.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٥٤ حديث ٧٧.

(٢) في نسختي « ق » و « م » : كل أحدهما ما لصاحبه ، وما أثبتناه هو المناسب.

٣٠٠