الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
الناس وظهورهم كالغدوات والعشيات وأيام المواسم ، والمجتمعات كالأعياد وأيام الجمع ودخول القوافل. ومكانه : الأسواق ، وأبواب المساجد ، والجوامع ، ومجامع الناس ويتولاه بنفسه ونائبه وأجيره ،
______________________________________________________
معتبر ، أو كان القيد غير صحيح. ولو قال : عرفه سنة على وجه لا ينسى أن الثاني تكرار لما مضى ، ونحوه لكان له وجه.
ويمكن أن يكون أشار بالحيثية إلى معنى أخر ، وهو أن المذكور بخصوصه غير واجب ، فكأنه قال : إن الواجب التعريف بهذا وما جرى مجراه ، والضابط كونه بحيث لا ينسى الى آخره.
وفي التذكرة قال : إنه يعرف في الابتداء في كل يوم مرتين في طرفي النهار ، ثم في كل يوم مرة ، ثم في كل أسبوع مرة أو مرتين ، ثم في كل شهر بحيث لا ينسى كونه تكرارا لما مضى. ثم قال : وبالجملة فلم يقدر الشرع في ذلك سوى المدة التي قلنا انه لا يجب شغلها به ، فالمرجع حينئذ في ذلك الى العادة (١).
وقال في الدروس : ينبغي أن يعرف كل يوم مرة أو مرتين من الأسبوع الأول ، ثم في الأسبوع مرة ، ثم في الشهرة مرة ، والضابط أن يتابع بينهما بحيث لا ينسب اتصال الثاني بمتلوه (٢) ، وهذا مشير الى ما قلناه.
وقال في التذكرة : ينبغي المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط ، لأن العثور على المالك في ابتداء الضياع أقرب (٣) ، والظاهر أن ذلك على طريق الوجوب كما صرح به بعد ذلك.
قوله : ( ويتولاه بنفسه ونائبه وأجيره ).
لا يجب أن يتولى التعريف بنفسه ، لأن الغرض الاشهاد والإعلان ،
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٥٨.
(٢) الدروس : ٣٠٢.
(٣) التذكرة ٢ : ٢٥٨.
والأجرة عليه وإن نوى الحفظ.
والأقرب الاكتفاء بقول العدل ،
______________________________________________________
فيجوز أن يوليه غلامه ومملوكه وأجيره ونائبه. والمراد به الذي لا اجرة له ، سواء كان عدلا أم لا ، لكن لا يركن الى مجرد قول غير العدل ، بل لا بد من اطلاعه أو اطلاع من يعتمد على خبره.
قوله : ( والأجرة عليه وإن نوى الحفظ ).
أي : أجرة التعريف على الملتقط ، سواء التقط للتملك بعد التعريف أو للحفظ أبدا ، لأنه حق واجب عليه فتكون أجرته عليه.
وقال في التذكرة : لو قصد الحفظ حين الالتقاط أبدا فالأقرب أنه لا يجب على الملتقط أجرة التعريف ، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليبذل أجرته من بيت المال ، أو يستقرض على المالك ، أو يأمر الملتقط بالاقتراض ليرجع ، أو يبيع بعضها إن رآه أصلح أو لم يمكن إلا به (١).
وما ذكره وجيه ، لأن ذلك لمحض مصلحة الملك ، ولأنه محسن و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٢) فهو كالإنفاق.
فإن قيل : ليس التعريف لمحض مصلحة المالك ، لأنه بعد حصوله يسوغ له التملك وإن لم يقصده فيكون لمصلحته أيضا.
قلنا : المقصود بالذات في ذلك مصلحة المالك ، ومصلحة الملتقط بالتبعية غير مقصودة ، فعلى هذا لو لم يجد الحاكم يمكن أن يقال : يدفع الأجرة ويرجع إذا نوى الرجوع.
قوله : ( والأقرب الاكتفاء بقول العدل ).
وجه القرب : إن العدل موثوق بخبره ، ولأن مثل ذلك مما يعسر إقامة
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٥٨.
(٢) التوبة : ٩١.
ففي وجوب الأجرة حينئذ نظر. ويذكر في التعريف الجنس كالذهب أو الفضة ،
______________________________________________________
البينة عليه ، ولأنه بالاستنابة يصير ذا ولاية على ذلك فيقبل قوله. ويحتمل العدم ، لأن خبر العدل لا يثمن اليقين ، ولم تثبت حجيته شرعا ، وفي الاكتفاء قوة وخصوصا مع شهادة القرائن بصدقه.
قوله : ( ففي وجوب الأجرة حينئذ نظر ).
أي : يتفرع على الاكتفاء في خروج الملتقط من عهدة وجوب التعريف بقول العدل الواحد وجوب الأجرة عليه ، ففي وجوبها نظر.
ولو قرئ : ( وفي وجوب الأجرة ) بالواو كما في بعض النسخ لكان حسنا ، لأن معنى ( حينئذ ) تفرع النظر في وجوب الأجرة على القول بالاكتفاء بخبر العدل ، إذ لو نفينا قبوله لم يكن في عدم وجوب الأجرة بحث.
ومنشأ النظر : من أن الاكتفاء بقوله يقتضي وقوع الفعل الذي هو متعلق الأجرة ، فتجب الأجرة لترتبها على وقوعه. ومن حيث أن خبره لا ينهض حجة على شغل ذمة الغير بمال وإن قيل في سقوط التكليف بالنسبة إلى الملتقط الذي لولاه للزم الحرج ، والأصح عدم وجوب الأجرة بذلك.
إذا تقرر هذا ، فهل يكون الاكتفاء بقول العدل الواحد على كل تقدير ، سواء كان بأجرة أم لا ، بل يقتصر في قبوله على ما إذا كان متبرعا؟ يحتمل الثاني ، لأنه متهم في خبره إذ يلزم منه إثبات حق له على الغير ، ولأنه إذا رد بالنسبة إلى الأجرة كان مردودا في نظر الشارع ، فلا يسمع حينئذ في سقوط التكليف بالتعريف ، فيقتصر في الاكتفاء على قول العدل المتبرع ، ويحتمل عدم الفرق. وعدم قبول خبره في بعض الأشياء لا يقتضي رده ، ولا عدم قبوله مطلقا.
قوله : ( ويذكر في التعريف الجنس كالذهب والفضة ).
وإن أوغل في الإبهام كان أحوط بأن يقول : من ضاع له مال أو شيء.
وينبغي أن يعرفها في موضع الالتقاط ، ولا يجوز أن يسافر بها فيعرفها في بلد آخر.
ولو التقط في بلد الغربة جاز أن يسافر بها الى بلده بعد التعريف في بلد اللقطة ، ثم يكمل الحول في بلده.
______________________________________________________
أي : ينبغي أن لا يذكر في التعريف الأوصاف ، بل ينبغي له أن يقتصر على الجنس بدليل قوله : ( وإن أوغل في الإبهام كان أحوط ) أوغل في الشيء : إذا أمعن فيه ، وإنما كان الإيغال في الإبهام أحوط ، لأنه أبعد أن يدخل عليها بالتخمين ، واحفظ لها من ادعاء الكذب.
قوله : ( وينبغي أن يعرفها في موضع الالتقاط )
الحكم على الوجوب لرواية إسحاق بن عمار ، عن الكاظم عليهالسلام : عن رجل ينزل في بعض بيوت مكة فوجد نحوا من سبعين درهما مدفونة ، فلم يزل معه ، ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : « يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها » قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال : « يتصدق بها ».
قوله : ( ولا يجوز أن يسافر بها فيعرفها في بلد آخر ).
أي : لا يجوز أن يسافر بها من بلده الذي موضع الالتقاط ، لتعلق وجوب التعريف به في ذلك البلد ، وللحديث السابق ، ولأن الذي يرجى به وصولها الى مالكها غالبا هو التعريف في موضع الالتقاط ، لأن الغالب طلب المالك لها في موضع الضياع ، ولو أراد السفر فوض التعريف الى غيره ولا يسافر بها ، ذكره في التذكرة.
قوله : ( ولو التقط في بلد الغربة جاز أن يسافر بها الى بلده بعد التعريف في بلد اللقطة ، ثم يكمل الحول في بلده ).
ولو التقط في الصحراء عرف في أي بلد شاء ، وما لا بقاء له كالطعام يقومه على نفسه وينتفع به مع الضمان ، وله بيعه وحفظ ثمنه ولا ضمان ، أو يدفع الى الحاكم.
______________________________________________________
ثم يذكر مقدار التعريف في بلد الالتقاط ، ولا وقفت على تعيين مقدار منه. ويمكن أن يقال : يجب المقدار الذي يفيد الاشهاد والإعلان في بلد الالتقاط ، ثم يكمل الباقي في بلده ، إذ من المعلوم أن المرة والمرتين في حكم ما لا أثر له.
قوله : ( ولو التقط في الصحراء عرف في أي بلد شاء ).
إذ لا أولوية لبلد على آخر ، ولا يجب أن يغير قصده ويعدل إلى أقرب البلاد الى ذلك الموضع ، أو يرجع الى مكانه الذي أنشأ السفر منه. نعم إن اجتازت به قافلة عرفها فيهم ، صرح بذلك كله المصنف في التذكرة ، وقال بعض الشافعية يعرفها في أقرب البلدان اليه.
قوله : ( وما لا بقاء له كالطعام يقومه على نفسه وينتفع به مع الضمان ، وله بيعه وحفظ ثمنه ولا ضمان ، أو لا يدفع الى الحاكم ).
لا ريب أنه إذا دفعه الى الحاكم بريء ، لكن إذا أراد تقويمه على نفسه ، أو البيع وحفظ الثمن فهل يجب استئذان الحاكم؟ إطلاق العبارة هنا يؤذن بعدم اشتراط الرجوع الى الحاكم.
وفي التذكرة منع من البيع بنفسه ، لأنه لا ولاية له في ذلك ، وأطلق جواز الأكل وحفظ الثمن (١). والفرق مشكل ، فأما أن يشترط الرجوع الى الحاكم فيهما ، أو لا فيهما.
ولا ريب أنه لا يجوز له إبقاء ذلك ، لأنه يتلف فيضمن لتقصيره ، ومراجعة
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٦٠.
ولو افتقر بقاؤها إلى العلاج كالرطب المفتقر الى التجفيف باع الحاكم الجميع أو البعض لإصلاح الباقي.
ولو أخر الحول الأول عرف في الثاني ، وله التملك بعده على أشكال.
______________________________________________________
الحاكم فيهما أوجه ، فإن لم يجده استقل بكل من الأمرين حذرا من تلف العين ، وقد صرح بهذا في التذكرة في المسألة التي تلي هذه (١).
قوله : ( ولو افتقر بقاؤها إلى العلاج ، كالرطب المفتقر الى التجفيف باع الحاكم الجميع ، أو البعض لإصلاح الباقي ).
وجوبا حذرا من تلف العين ، ويجب على الملتقط رفع الأمر إليه ليعتمد الواجب ، ومع عدم الحاكم فليس ببعيد تولي ذلك بنفسه ، لأن الإخلال بذلك مفض الى التلف ، وهو ممنوع منه.
قوله : ( ولو أخر الحول الأول عرف في الثاني ، وله التملك بعده على اشكال ).
ينشأ : من أن تملك مال الغير على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع اليقين (٢). ومن عموم النص : بأن تعريف اللقطة حولا مبيح لجواز تملكها (٣).
وربما احتج بقول أحدهما عليهماالسلام في صحيحة محمد بن مسلم : « فإن ابتليت بها فعرفها سنة ، فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك » (٤). ووجه الاستدلال : إن الفاء تدل على التعقيب ، فيكون جعلها في
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) في « م » : التعيين.
(٣) الكافي ٥ : ١٣٧ حديث ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ حديث ١١٦١ ، الاستبصار ٣ : ٦٧ حديث ٢٢٥.
(٤) التهذيب ٦ : ٣٩٠ حديث ١١٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ حديث ٢٢٥.
الثاني : الضمان : وهي أمانة في يد الملتقط أبدا ما لم ينو التملك أو يفرط ، ولو نوى التعريف والتملك بعد الحول فهي أمانة في الحول مضمونة بعده.
ولو قصد الخيانة بعد قصد الأمانة ضمن بالقصد وإن لم يخن ، بخلاف المودع لتسليط المالك هناك.
ولو نوى التملك ثم عرّف سنة فالأقرب جواز التملك ،
______________________________________________________
جملة مال الملتقط موقوفا على التعريف الفوري.
ويضعّف بأن اللفظ يدل على أن التعريف معتبر في التملك ، ولا دلالة له على اشتراط الفور فيه وإن كان الفور مستفادا من الفاء ، ولا يلزم من وجوبه اشتراطه ، والمتبادر من اللفظ : فإذا عرفتها سنة ولا يجيء طالبها فاجعلها في عرض مالك ، وتقدير شيء زائد لا دليل عليه ، والأصح أن له التملك بعد التعريف.
قوله : ( وهي أمانة في يد الملتقط أبدا ما لم ينو التملك أو يفرط ، ولو نوى التعريف والتملك بعد الحول فهي أمانة في الحول مضمونة بعده ).
لأنه يملكها بعد الحول.
قوله : ( بخلاف المودع لتسليط الحاكم هناك ).
قد سبق في الوديعة بيان الفرق.
قوله : ( ولو نوى التملك ، ثم عرف سنة فالأقرب جواز التملك ).
أي : لو أخذها بقصد التملك ، وعرفها التعريف المعتبر متصلا بالأخذ فيكون قوله : ( ثم عرف سنة ) لا يراد منه التراخي على الأخذ ، فلا تكون ( ثم ) على بابها ، فالأقرب له أن يتملكها.
ووجه القرب حصول المقتضى ، وهو الالتقاط والتعريف على الوجه
وبنية التملك يحصل الضمان وإن لم يطالب المالك على رأي.
______________________________________________________
المأمور به على الفور ، ولا مانع إلا ما يتخيل من نية التملك ، وهو لا يصلح للمانعية ، للأصل ، ولا دليل على مانعيته ، وهو الأصح.
ويحتمل العدم ، لأنه بالنية المذكورة أخذ مال الغير على وجه لا يجوز ، فكان كالغاصب. ويرده إطلاق النصوص ، والضمان لا ينافي جواز التملك مع حصول الشرط.
قوله : ( وبنية التملك يحصل الضمان وإن لم يطالب المالك على رأي ).
هذا اختيار ابن سعيد ، وقال الشيخ في المبسوط : إنه يلزم الملتقط الضمان عند مطالبة المالك ، لقوله عليهالسلام : « فإن جاء صاحبها فليردها ، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء ».
ورد بأن المطالبة تقتضي سبق الاستحقاق ، وبأن تملك مال الغير بغير إذنه يقتضي الضمان ، وفيه نظر ، لأن اقتضاء المطالبة سبق الاستحقاق صحيح ، لكن لا يلزم منه ثبوت الضمان قبل مجيء المالك ، بل غايته أنه إذا جاء المالك فطالب استحق حينئذ.
وتمنع الكلية في أن كل تملك لمال الغير يقتضي الضمان ، ثم ان تملك مال الغير بغير اذنه إن جاز شرعا ، ولم يشترط الشارع فيه قبول العوض وجب أن لا يثبت في الذمة به عوض ، لانتفاء المقتضي وعدم النص عليه ، والأصل براءة الذمة ، ولأنه يبعد ثبوت عوض في ذمة الغير على جهة القهر مع بقاء العين.
والذي يقتضيه النظر ويرشد اليه النص : إن العين متى كانت باقية وظهر المالك وطالب بها وجب ردها عليه ، ولا يبعد في ذلك بأن يكون ملك الملتقط إياها متزلزلا. وإن جاء بعد تلفها وطالب وجب البدل من المثل ، أو القيمة يوم التلف ، أو يوم المطالبة على احتمال.
الثالث : التملك : وإنما يحصل بعد التعريف حولا ، ونية التملك على رأي.
______________________________________________________
ورجح في التحرير قيمة يوم التلف ، لوجوب رد العين حينئذ ، وقد تعذر فيجب البدل (١).
لا يقال : لو لم يجب العوض قبل ذلك لم تكن له المطالبة به ، لأن العين قد تلفت على وجه غير مضمون لأنا نقول : لا يلزم من وجوب العوض قبل ذلك كون التلف غير مضمون ، لإمكان أن يقال : المراد بضمان العين من حين تملكها كون المالك إذا جاء يرد عليه ، ومع تعذرها رد البدل ، وهذا كاف في صدق معنى الضمان.
والحاصل أن الملتقط يملكها ملكا مراعى ، فيزول بمجيء صاحبها ، وهذا أعدل الأقوال ، لأن فيه جمعا بين الأدلة ، والأصل عدم أمر زائد عليه ، وقد اختار المصنف هذا في التحرير (٢) ، وهو قوي متين.
فرع :
على القول بان العوض ثبت في الذمة بالتملك كالقرض ، لو رد العين على المالك فهل يجب القبول؟ قال في التذكرة : نعم ، لأنها لا تقصر عن المثل (٣). وهو مستقيم إذا قلنا : إن القيمي يثبت في الذمة مثله.
قوله : ( وإنما يحصل بعد التعريف حولا ونية التملك على رأي ).
هذا أحد أقوال الأصحاب ، لأنه لا بد من سبب يقتضي نقل الملك ، والأصل عدم اشتراط التلفظ بشيء ، ولا دليل يدل عليه فتكفي نية التملك ،
__________________
(١) تحرير الأحكام ٢ : ١٢٧.
(٢) تحرير الأحكام ٢ : ١٢٧.
(٣) التذكرة ٢ : ٢٦١.
ولو قدم قصد التملك بعد الحول ملك بعده وإن لم يجدد قصدا ،
______________________________________________________
وهو مختار الشيخ في المبسوط (١) ، والمصنف في المختلف (٢) ، وهو الأصح.
والثاني : اشتراط أن يقول : اخترت تملكها ، ونحوه ، وهو قول الشيخ في الخلاف (٣) ، وجماعة ، لأن الملك يثبت حينئذ إجماعا ، ولا دليل على ما سواه.
ويضعف بأن حصول الملك لا شك فيه ، وتوقفه على سبب لا يستدعي سببا معينا ، والأصل عدم التعيين ، وذلك دليل على الاكتفاء بالنية ، فلا يستقيم نفي الدليل على ثبوت الملك بها ، وليس الدليل منحصرا في الإجماع.
والثالث : دخوله في الملك قهرا من غير احتياج إلى أمر زائد على التعريف ، لظاهر قول الصادق عليهالسلام : « فإن جاء لها وطالب وإلا فهي كسبيل ماله » (٤) والفاء للتعقيب ، وهو قول الشيخ في النهاية (٥) ، وابن إدريس (٦).
ويضعف بأن كونها كسبيل ماله لا يقتضي حصول الملك حقيقة كما لا يخفى ، فالمعتمد حينئذ الأول.
قوله : ( ولو قدم قصد التملك بعد الحول ملك بعده وإن لم يجدد قصدا ).
أي : لو قصد قبل الحول التملك بعده ملك في الوقت الذي تعلق القصد به ، لأن المعتبر القصد وقد حصل ، ولا دليل على اشتراط مقارنته لحصول
__________________
(١) المبسوط ٣ : ٣٢٣.
(٢) المختلف : ٤٥٢.
(٣) الخلاف ٢ : ١٣٩ مسألة ١٠ كتاب اللقطة.
(٤) الفقيه ٣ : ١٨٨ حديث ٨٤٩ ، التهذيب ٦ : ٣٩٦ حديث ١١٩٤.
(٥) النهاية : ٣٢٠.
(٦) السرائر : ١٧٩.
ولا يفتقر الى اللفظ ولا الى التصرف ، سواء كان غنيا أو فقيرا ، مسلما أو كافرا.
أما العبد فيمتلك المولى ، ولو نوى التملك دون المولى لم يملك نعم له التصرف ويتبع به بعد العتق ومن انعتق بعضه حكمه حكم الحر في قدر الحرية ، وحكم العبد في الباقي.
______________________________________________________
المالك ، ولصلاحية القصد المذكور لكونه سببا لحدوث الملك في الوقت الذي علق به.
قوله : ( ولا يفتقر الى اللفظ ولا الى التصرف ).
لانتفاء الدليل.
قوله : ( سواء كان غنيا أو فقيرا ، مسلما أو كافرا ).
لإطلاق النصوص (١) ، وصلاحية كل واحد منهم للالتقاط لكونه اكتسابا.
قوله : ( أما العبد فيتملك المولى ).
هنا حذف تقديره : أما العبد فيتملك لقطته المولى ، لأن العبد لا يملك.
قوله : ( ولو نوى التملك دون المولى لم يملك ، نعم له التصرف ويتبع به بعد العتق ).
أي : لو نوى العبد التملك ، ولم تقع من المولى نية التملك لم يملك ، لكن يشترط أن لا يكون قد أذن له في التملك ، ولا فرق في عدم حصول الملك بذلك بين أن ينوي التملك لنفسه أو للمولى ، صرح به في التذكرة (٢) ، فإنه على كل من التقديرين إنما يقع الالتقاط منه للسيد.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ١٨٦ حديث ٨٤٠ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ ، ٣٩٠ حديث ١١٦٣ ، ١١٦٥ ، ١١٦٩ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ حديث ٢٢٧ ، ٢٢٩.
(٢) التذكرة ٢ : ٢٥٣.
______________________________________________________
ولكن لا فرق في هذا الحكم بين أن نقول : العبد لا يملك مطلقا أو يملك بتمليك السيد ، لانتفاء التمليك من السيد حينئذ.
إذا تقرر هذا ، فإنه إذا نوى التملك لم يملك كما حققناه ، فإن العين في يده كالمقبوضة بالقرض الفاسد ، بناء على أن التملك إذا صح يكون كالمأخوذ بالقرض الصحيح ، فيثبت العوض من أول الأمر كما هو مختار المصنف.
فعلى هذا هل يباح (١) له التصرف؟ ظاهر قوله في الكتاب : ( نعم له التصرف يقتضي ذلك : لأن له التصرف بالمباحات إذا حازها كشرب الماء ، وأكل الخضراوات المباحات ، ولحوم الصيود ، ونحوها من غير توقف على اذن السيد ، واللقطة كأحدها. وفيه نظر ، لأن اللقطة مال الغير فلا يحل التصرف فيها إلا بعد التملك ، فينبغي توقف ذلك على إذن المولى ، فإذا أذن له في التصرف فمقتضى ما ذكرناه دخوله في ملك السيد ، لاستلزام الاذن له ، ويحتمل العدم ، لأنه أعم منه.
وعلى هذا التقدير لا يفيد الإذن إباحة التصرف ، لأن اللقطة باقية على ملك الغير ، فلا يحل التصرف فيها بحال ، ومتى تلفت العين في يد العبد بعد نية التملك كانت مضمونة عليه يتبع بها بعد العتق ، كل هذا مع عدم الاذن في الالتقاط ولا في التملك.
ويمكن تنزيل إطلاق المصنف أن له التصرف على أحد أمرين : إما كون اللقطة دون الدرهم ، فإنها كسائر المباحات حقيقة ، ولا تحتاج إلى نية التملك ، وهو خلاف الظاهر من العبارة ، إذ الظاهر (٢) منها أن هذا فيما كان درهما فصاعدا باعتبار ما قبله.
__________________
(١) في « ق » : يجوز.
(٢) في « ق » : المتبادر.
ولو نوى أحد الملتقطين اختص بملك نصيبه.
وهل يملكها مجانا ويتجدد وجوب العوض بمجيء مالكها ، أو بعوض ثبت في ذمته؟ اشكال. والفائدة : وجوب عزلها من تركته ، واستحقاق الزكاة بسبب العزم ، ووجوب الوصية بها ، ومنع وجوب الخمس بسبب الدين على التقدير الثاني.
______________________________________________________
وإما كون التصرف بنحو ركوب الظهر ، وشرب اللبن ، وتحمل الدابة ، ونحو ذلك فإنه يجوز للملتقط ، والعبد ملتقط حقيقة ، فلا يتوقف على الاذن.
أما مطلق التصرف فلا يتجه ، ومن هذا يعلم أن العبارة لا تخلو من مناقشة.
قوله : ( وهل يملكها مجانا ، ويتجدد وجوب العوض بمجيء مالكها ، أو بعوض يثبت في ذمته؟ إشكال ).
أي : هل يملك الملتقط اللقطة مجانا؟ إي : بغير عوض ، ثم عند المطالبة من المالك يتجدد وجوب العوض ، أو يملكها من أول الأمر بعوض يثبت في ذمته؟ فيه اشكال ، وهذا المسألة بعينها هي التي تقدمت في قوله : ( وبنية التملك يحصل الضمان. )
فمنشأ الإشكال هو ما سبق بيانه هناك ، مع أنه قاصر عن بيان الوجوه المحتملة ، فإن من المحتمل هو أن يملكها ملكا مراعى ، أي : متزلزلا يزول بمجيء المالك ، ويجب البدل مع تعذر رد العين ، وهو مختاره في التحرير (١).
ومنه أن يملكها ملكا مستقرا ، ويجب العوض بمطالبة المالك ، وهو قول الشيخ في المبسوط (٢).
ومنه أن يملكها بعوض كالقرض الصحيح ، وهو مختار المصنف هنا على
__________________
(١) التحرير ٢ : ١٢٧.
(٢) المبسوط ٣ : ٣٢٣.
______________________________________________________
ما يرشد اليه ظاهر كلامه السابق ، وإن كان قد تردد هنا فهو مناقشة ثالثة.
ويبعد أن يكون رجوعا الى التردد عن الجزم ، وكأن المصنف حاول في الأول بيان أن الملك للملتقط يثبت مستقرا ، ثم أظهر التردد في أن العوض متى يلزمه ، إذ لا شبهة في أن المالك له استحقاق في ماله إذا علم ، كما صنع في التذكرة (١) فلم تساعده العبارة ، وتظهر فائدة الاحتمالين اللذين ذكرها في أمور :
الأول : وجوب عزلها من تركته وإن لم يجيء المالك ، لأنها دين فيجب فيها ما يجب في الدين على الثاني دون الأول.
الثاني : استحقاق الزكاة بسبب الغرم قبل المطالبة على الثاني أيضا.
الثالث : وجوب الوصية بها على الثاني.
الرابع : منع وجوب الخمس بسبب الدين قبل المطالبة ، لأنها دين فيستثنى من الأرباح على الثاني أيضا. وربما قيل : إن المراد عدم وجوب الخمس فيها على الثاني ، لأنها في معنى القرض ، وهو صحيح ، إلا أن العبارة قد تأباه.
وينبغي أن يقال : لا يجب الخمس فيها مطلقا ، لأنها بمعرض وجوب العوض ، ولأن ملكها متزلزل فلا يعد اغتناما حقيقيا ، ولأنها منتقلة عن مالك بخلاف مباحات الأصل.
الخامس : تقسيط التركة مع القصور وأموال المفلس على عوضها وعلى باقي الديون على الثاني خاصة دون الأول.
السادس : اندراجه في النذر والوصية والوقف على المديونين قبل مجيء
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٦٥.
وتملك العروض كالأثمان ، ولا يجوز التملك إلا بعد التعريف وإن بقيت في يده أحوالا.
ويكفي تعريف العبد في تملك المولى لو أراده.
وما يوجد في المفاوز ، أو في خربة قد باد أهلها فهو لواجده من غير تعريف إن لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلا فلقطة على اشكال.
______________________________________________________
المالك على الثاني خاصة ، وبالجملة فكل حكم يتعلق بالمديون يتعلق به قبل مجيء المالك على الثاني خاصة ، والمعتمد ما قدمناه.
قوله : ( وتملك العروض كالأثمان ).
وفي إحدى الروايتين عن أحمد (١) : لا يملك العروض بالتعريف ، بل يعرفها دائما عند بعض ، أو يتخير بينه وبين دفعها الى الحاكم عند آخرين ، وهو غلط.
قوله : ( وإلا فلقطة على اشكال ).
أي : وإن كان عليه أثر الإسلام فإشكال ينشأ : من عموم صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام : ان الواجد ربما وجد في الخربة (٢) ، ومن أن أثر الإسلام يقتضي سبق يد للمسلمين ، فتكون لقطة يجب تعريفها.
ويشكل بأن أثر الإسلام قد يصدر من غير المسلمين ، إلا أن يقال : إن ضميمة الدار إليه تؤيد كونه للمسلمين ، ولأنه أشهر وأقرب الى تعين (٣) البراءة ، وعليه تنزل رواية محمد بن قيس عن الباقر عليهالسلام (٤) ، وهو الأقرب. ويتحقق أثر الإسلام بإحدى الشهادتين إذا كانت مكتوبة عليه ، وكذا
__________________
(١) المغني لابن قدامة ٦ : ٣٥٧.
(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٠ حديث ١١٦٥.
(٣) في « م » : يقين.
(٤) التهذيب ٦ : ٣٩٨ حديث ١١٩٩.
وكذا المدفون في أرض لا مالك لها ، ولو كان لها مالك فهو له ، ولو انتقلت عنه بالبيع اليه عرفه ، فإن عرفه فهو أحق به ، وإلا فهو لواجده ، وهل يجب تتبع من سبقه من الملاك! اشكال.
______________________________________________________
اسم سلطان من سلاطين الإسلام ، ونحو ذلك ، وهذا إذا كان في بلاد الإسلام كما سبق في الخمس.
قوله : ( وكذا المدفون في أرض لا مالك لها ).
أي : الحكم فيما لا أثر عليه وفيما عليه أثر كما سبق ، فيكون في الثاني إشكال.
قوله : ( ولو انتقلت عنه بالبيع عرفه ، فإن عرفه فهو أحق به ، وإلا فهو لواجده ).
لانتفاء يد الثاني عنه ، فتكون اليد فيه للأول ، فإذا عرفه بأنه له كان أحق به ووجب تسليمه إليه ، لأنه صاحب يد ، ولقول أحدهما عليهماالسلام في صحيحة محمد بن مسلم : « إن كانت الدار معمورة فهو لأهلها ، وإن لم يعرفه فهو لواجده » (١) فينبغي أن يقال : إن لم يكن عليه أثر الإسلام وإلا فبعد التعريف.
قوله : ( وهل يجب تتبع من سبقه من الملاك إشكال ).
ينشأ : من وجود المقتضي ، وهو كونه قد كان في يده ، ولم يعلم الانتقال عنه. ومن إطلاق قولهم إنه للمشتري إذا لم يعرفه البائع ، وهو ضعيف ، والأول أقوى. ولا فرق بين انتقال الملك بالبيع ، أو بغيره من وجوه الانتقالات في وجوب التعريف ، فإن لم يعرفه أحد منهم فهو للمشتري قطعا ، لكن ينبغي أن يكون مع أثر الإسلام لقطة ، وقد صرح بذلك في الدروس في باب الخمس (٢) ، وهو المعتمد.
__________________
(١) التهذيب ٦ : ٣٩٠ حديث ١١٦٥.
(٢) الدروس : ٦٨.
وكذا التفصيل لو وجده في جوف الدابة ،
______________________________________________________
قوله : ( وكذا التفصيل لو وجده في جوف الدابة ).
فإنه يجب أن يعرّفه البائع وغيره ممن كان مالكا قبل ، فإن عرفه فهو له ، وإلا فمن قبله ( كما سبق ) (١) فإن لم يعرفه أحد منهم فهو للواجد عند علمائنا ، أسنده في التذكرة إليهم واحتمل كونه لقطة (٢).
وينبغي أن يقال : مع وجود أثر الإسلام يكون لقطة ، لكن في صحيحة علي بن جعفر قال : كتبت الى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي ، فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جواهرا لمن تكون؟ قال : فوقّع عليهالسلام : « عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله إياه » (٣) وظاهرها يقتضي الاقتصار على تعريف البائع.
ويمكن أن يقال : مع وجود الأثر فوجوب التعريف مستفاد من الأدلة الدالة على التعريف مطلقا (٤) ، وفيه بحث ، وإنما وجب تعريف البائع لسبق يده وإمكان كون ذلك من ماله ، لأنه مال مملوك في الأصل.
والظاهر أن الجوهر له ، لبعد وجود الجوهر في الصحراء واعتلافه ، ولو كان الحيوان وحشيا في الأصل وقد رباه المالك عنده ، وكذا السمكة في حفيرة يختص به في بيته ، ونحو ذلك لم يبعد إلحاقه بالدابة.
__________________
(١) لم ترد في « م ».
(٢) التذكرة ٢ : ٢٦٥.
(٣) الكافي ٥ : ١٣٩ حديث ٩ ، الفقيه ٣ : ١٨٩ حديث ٨٥٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ حديث ١١٧٤ ، وفيها جميعا : عبد الله بن جعفر ، وهو الصحيح. قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ١٧٨ : وقد سها القلم في جامع المقاصد فأثبت علي بن جعفر مكان عبد الله بن جعفر الحميري ، وتبعه على ذلك الشهيد الثاني في الروضة وموضعين من المسالك.
(٤) الكافي ٥ : ١٣٧ حديث ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٩٦ حديث ١١٩٤.
أما لو وجده في جوف السمكة فهو لواجده وتحته دقيقة.
______________________________________________________
قوله : ( أما لو وجده في جوف السمكة فهو لواجده وتحته دقيقة ).
أي : لو وجد مالا ، فمرجع الضمير في هذا ، وفي قوله : ( لو وجده في جوف دابة ) ما دل عليه ، وما يوجد في المفاوز في جوف سمكة فهو لواجده ، وأطلق الأصحاب ذلك (١).
وفصل بعض العامة فقال : إن كانت السمكة قد انتقلت بالبيع من الصياد فوجدها المشتري ، ولم يعلم الصياد بها فهي للصياد ، لأنها قد دخلت في ملكه ولم يرض ببيعها إذ لم يعلم بها. وأصحابنا على أنها للمشتري ، وهو المختار ، لأنها لم تدخل في ملك الصياد ، إذ لم يعلم بها ، فإن الملك فرع القصد إلى الحيازة ، وهو منتف مع عدم العلم.
وأشار المصنف بقوله : ( وتحته دقيقة ) على ما ذكروه الى أن تملك المباحات يحتاج إلى النية ، إذ لو لا ذلك لكانت للصياد.
ويمكن أن يقال : هذا يدل على أن من لم يعلم بالمباح لم يملكه ، ولا يدل على اشتراط نية التملك ، لإمكان أن لا يعد ذلك حيازة ، لأن حيازة الشيء أخذه وحفظه والاختصاص به ، ولا يكون ذلك إلا مع العلم.
وكذا لو كان الموجود في جوفها شيئا مما يخلق في البحر كالعنبر وشبهه ، ولو كان الموجود في جوفها دراهم أو دنانير ، أو درة مثقوبة ، أو فيها ذهب أو فضة ، أو غير ذلك مما يكون أثر الآدمي فقد قال احمد : إنه لقطة ، ونفى عنه البأس في التذكرة.
وفي التحرير : إنه إن وجد ذلك الصياد فهو كالملتقط يجب عليه التعريف ولا كلام فيه ، وإن وجده المشتري فعليه التعريف ، ثم قال : وأطلق علماؤنا
__________________
(١) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : ٩٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٥ ، والعلامة في التذكرة ٢ : ـ ٢٦٥.
______________________________________________________
القول في ذلك فأوجبوا تعريف البائع فإن عرفها فهي له ، وإلا أخرج الخمس وحل له الباقي ، ولم يجعلوه كاللقطة (١).
والذي حققه في المختلف : إن الموجود إما أن يكون عليه أثر الإسلام أو لا ، فإن كان وجب تعريفه من البائع وغيره ، لسبق ملك المسلم عليه ، ويكون حكمه حكم اللقطة ، لأنه مال مسلم ضائع فوجب التعريف حولا إذ الحيوان هنا كالآلة ، وإن لم يكن عليه أثره فقال بعد كلام طويل : ليس عندي بعيدا من الصواب القول بوجوب التعريف لما يجد في بطن الدابة مطلقا ، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا ، وكذا ما يجده في بطن السمكة مما ليس أصله البحر ، أما إذا كان أصله البحر فلا (٢).
وأقول : إن الذي يقتضيه النظر ان الموجود في جوف الدابة يجب تعريفه بائعها ومن قبله ، فإن لم يعرفه أحد منهم فهو لقطة ، ولا يعد ركازا كما في الموجود في الدار ، وإن كان في جوف السمكة المأخوذة من غير المياه المحصورة ، وليس عليه أثر ملك مالك للواجد على ظاهر مذهب الأصحاب ، وما عداه لقطة.
وأما السمكة المأخوذة من الماء المحصور فليس ببعيد كون ما في بطنها كالذي في بطن الدابة ، ثم إن كان محسوبا من البحر وملحقا بالغوص يجب فيه الخمس دون ما سواه على ما ذكره المصنف في المختلف (٣).
واعلم ان عبارة الكتاب غير محررة ، لأن الموجود في جوف السمكة لا يكون لواجده وهو مشتريها من الصياد على إطلاقه ، كما هو مقتضى أول الكلام.
__________________
(١) التحرير ٢ : ١٢٨.
(٢) المختلف : ٤٥١.
(٣) المصدر السابق.
ولو وجد في صندوقه أو داره مالا ولا يعرفه فهو له إن لم يشاركه في الدخول غيره ، وإلا فلقطة.
ولو دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها رد الثمن على المالك ، فإن لم يعرف بعد الحول ردها على الملتقط ، لأن له التملك والصدقة.
______________________________________________________
ومع ذلك فقوله : ( وتحته دقيقة ) لا ينطبق على ذلك ، لأن الدقيقة هي أن تملك المباح يحتاج إلى البينة وهذا إنما يكون في المخلوق في البحر فيكون مباحا بالأصالة فلا ينتظم هذا مع أول الكلام.
فرع :
لو صاد غزالا أو طائرا عليه آثار الملك كخيطة في عنقه ، أو قلادة ونحو ذلك فلقطة.
قوله : ( إن لم يشاركه في الدخول غيره ، وإلا فلقطة ).
ينبغي أن يخص كونه لقطة بما إذا كان المشارك غير محصور ، فإن كان محصورا فيجب تعريف المشارك خاصة ، لكن يشكل حينئذ كونه ملكا له إذا لم يعرفوه مع كونه لا يعرفه ، فلذلك أطلق الأصحاب كونه لقطة مع الشريك.
قوله : ( ولو دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها رد الثمن على المالك ، فإن لم يعرف بعد الحول ردها على الملتقط ، لأن له التملك والصدقة ).
لا ريب أن دافع اللقطة إلى الحاكم يبرأ بذلك ، لأنه ولي الغائب ، فإذا رأى المصلحة في بيعها فباعها ووجد المالك رد الثمن عليه والبيع صحيح ، لأن تصرف الحاكم مع المصلحة ماض ، وإن لم يعرف بعد التعريف حولا وجب ردها على الملتقط ، لأنه استحقها بالالتقاط. ويكفي تعريف الحاكم عن تعريفه ، لأنه لا يجب أن يعرف بنفسه.