جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولا تؤخذ الغزلان المملوكة وشبهها مما يمتنع بعدوه.

______________________________________________________

أي : حكمهما في جواز أخذها في الفلاة حكم الشاة ، أسنده في التذكرة إلى علمائنا (١) ، لكن توقف فيه ابن سعيد (٢) ، نظرا إلى مورد النص ، والأصح. والجواز ، وفي قوله عليه‌السلام في الشاة : « هي لك أو لأخيك أو للذئب » (٣) إيماء إليه ، فإنها لا تمتنع من صغار السباع.

وهل يجب التعريف؟ الظاهر نعم ، إذ لا معارض لدليل وجوب تعريف اللقطة سنة ، وهل يضمنها لو تملكها لمالكها لو وجد؟ الظاهر نعم ، لعدم المسقط ، وعموم الرواية عن الباقر عليه‌السلام (٤)

قوله : ( ولا تؤخذ الغزلان المملوكة وشبهها مما يمتنع بعدوه ).

قال في الدروس : إلاّ أن يخالف ضياعها ، فالأقرب الجواز ، لأن الغرض حفظها لمالكها لا حفظها في نفسها ، وإلا لما جاز التقاط الأثمان ، لأنها محفوظة في نفسها حيث كانت (٥). وهذا بعينه كلام المصنف في التذكرة ، إلا أنه زاد على خوف ضياعها عن مالكها ، عجز مالكها عن استرجاعها (٦). أي : خوفه ذلك ، كما هو ظاهر العبارة ، وما ذكره وجيه ، ويعرف سنة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٦٧.

وقال السيد العاملي : وقد حكى في جامع المقاصد والمسالك عن التذكرة انه نسب فيها جواز الأخذ إلى علمائنا ، وعبارة التذكرة خالية عن ذلك ، انما نسب إلى علمائنا فيها جواز أخذه الشاة ثم قال بعد سطرين : وكذا الحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع ، فلم يكن داخلا تحت معقد ما نسبه الى علمائنا. مفتاح الكرامة ٦ : ١٣٣.

(٢) الشرائع ٣ : ٢٨٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٠ حديث ١٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٨ حديث ٨٤٨ ، التهذيب ٦ : ٣٩٤ حديث ١١٨٥.

(٤) الكافي ٥ : ١٣٩ حديث ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ حديث ١١٧٥.

(٥) الدروس : ٣٠١.

(٦) التذكرة ٢ : ٢٦٨ ، وفيها : حكمه حكم الموجود.

١٤١

أما العمران فلا يحل أخذ شي‌ء من الضوال فيها وإن لم تكن ممتنعة كأطفال الإبل والبقر ، فإن أخذها تخير بين حفظها لمالكها وعليه نفقتها من غير رجوع ، وبين دفعها الى الحاكم فإن تعذر أنفق ولم يرجع.

______________________________________________________

قوله : ( أما العمران ، فلا يحل أخذ شي‌ء من الضوال فيها وإن لم تكن ممتنعة ، كأطفال الإبل والبقر ).

لا كلام في الحكم ، لكن ما الذي يراد من العمران؟ لا ريب أن ما بين البيوت عمران ، سواء كانت بيوت أهل الأمصار والقرى أو أهل البادية. وهل المزارع والبساتين المتصلة بالبلد ولا تنفك من الناس غالبا من العمران؟ ليس ببعيد ذلك.

قال في التذكرة : ما يؤخذ من الحيوان قريبا من العمران حكمه حكم المأخوذ في العمران ، للعادة القاضية بأن الناس يشمرون دوابهم قريبا من عمارة البلد. وهو متجه.

وللشيخ قول في المبسوط : بأن ما كان من الحيوان في العمران وما يتصل به على نصف فرسخ يجوز أخذه ، ممتنعا كان أو لا ، ويتخير بين الإنفاق تطوعا والرفع الى الحاكم ، وليس له أكلها (١). والمشهور خلافه ، والنص (٢) ينافيه.

قوله : ( فإن أخذها تخير بين حفظها لمالكها وعليه نفقتها من غير رجوع ، وبين دفعها إلى الحاكم ، فإن تعذر أنفق ولم يرجع ).

عدم الرجوع بالنفقة لكونه عاديا بالأخذ ـ فيكون متبرعا ـ هو المشهور بين الأصحاب. ويظهر من الدروس (٣) التوقف في ذلك ، حيث أسنده إلى الشيخ (٤).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٢٠.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٠ حديث ١٣.

(٣) الدروس : ٣٠١.

(٤) المبسوط ٣ : ٣٢٠.

١٤٢

ولو كانت شاة حبسها ثلاثة أيام ، فإن جاء المالك وإلا باعها ـ وفي اشتراط الحاكم اشكال ـ وتصدق بثمنها وضمن ، أو احتفظه ولا‌ ضمان ،

______________________________________________________

في (١) التحرير ما معناه : لا يجوز أخذ الضوال من العمران ممتنعة أو لا ، فإن أخذها أمسكها لصاحبها أمانة وعليه نفقتها من غير رجوع ، وإن شاء دفعها إلى الحاكم ، فان لم يجده أنفق ورجع بالنفقة (٢). وفي بعض هذه الأحكام بحث.

قوله : ( ولو كانت شاة حبسها ثلاثة أيام ، فإن جاء المالك والا باعها ).

الأصل في ذلك رواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام (٣) ، وهي وإن لم تكن صريحة في الشاة المأخوذة من العمران ، إلا أن الجمع بينهما وبين غيرها اقتضى حملها على ذلك.

قوله : ( وفي اشتراط الحاكم إشكال ).

أي : في جواز البيع لأخذها ، ومنشأ الاشكال : من تجويز البيع في الرواية (٤) ، على تقدير عدم مجي‌ء صاحبها ، فلا يتوقف على شي‌ء آخر.

ومن أن الحاكم ولي الغائب ، فلا يجوز التصرف في ماله بدون إذن الحاكم ، والأول أقوى ، وإن كان الاحتياط استئذانه.

قوله : ( وتصدق بثمنها وضمن ).

كذا أطلق الأصحاب ، وليس في الرواية (٥) ذكر الضمان ، ويشكل على تقدير كون العين أمانة الضمان هنا.

قوله : ( أو احتفظه ولا ضمان ).

__________________

(١) كذا في « م » : و « ق » والحجري.

(٢) التحرير ٢ : ١٢٥.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩٧ حديث ١١٩٦.

(٤) المصدر السابق.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٩٧ حديث ١١٩٦.

١٤٣

وفي الصدقة بعينها أو قبل الحول بثمنها اشكال.

ويجوز التقاط الكلاب المملوكة ، ويلزم تعريفها سنة ثم ينتفع بها إن شاء ويضمن السوقية.

ويستحب الإشهاد على أخذ الضالة.

______________________________________________________

لأن البيع جائز ، فيكون قبض الثمن مأذونا فيه شرعا ، وهل العين كالثمن أمانة؟ قال في الدروس : نعم (١). وكلاهما مشكل ، لأنه إذا كان الأخذ ممنوعا منه كان عدوانا ، والعدوان يقتضي الضمان ، وتجويز البيع لا يقتضي عدم الضمان.

قوله : ( وفي الصدقة بعينها أو قبل الحول بثمنها اشكال ).

هنا مسألتان :

أ : المأمور به في الحديث الصدقة بالثمن ، فهل تجوز الصدقة بالعين؟ فيه إشكال ، ينشأ : من عدم التفاوت بين الصدقة بالعين والثمن ، ومن الوقوف عند مورد النص ، والثاني أقوى.

ب : هل تجوز الصدقة بالثمن قبل التعريف حولا ، أم لا؟ فيه إشكال ، ينشأ : من أن ظاهر الرواية الصدقة بالثمن بعد البيع ، فلا يتوقف على أمر آخر. ومن عموم وجوب التعريف في اللقطة ، ولأنه أقرب إلى وصول المال إلى مستحقه ، ولأنه ربما كان فائدة البيع والتصدق بالثمن ذلك دون التصدق بالعين ، والأصح الأول ، عملا بإطلاق الرواية ، ولا دليل على تقييدها بدليل التعريف ، إذ لا أولوية بين تقييد هذه أو تخصيص ذلك ، ولا ريب أن التعريف أحوط.

__________________

(١) الدروس : ٣٠١.

١٤٤

ولو التقط الصبي أو المجنون الضالة انتزعه الولي وعرفه سنة ، فإن لم يأت المالك تخير مع الغبطة في إبقائها أمانة ، وتمليكه مع التضمين.

وإذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق أنفق ورجع على اشكال ، ويتقاص مع المالك لو انتفع بالظهر وشبهه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو التقط الصبي أو المجنون الضالة انتزعه الولي ... ).

يجب على الولي ذلك ـ كما يجب عليه حفظ مالهما ـ وعدم تمكينهما منه ، لما أنهما لا يؤمنان على عدم إتلافه.

قوله : ( وإذا لم يجد الآخذ سلطانا وأنفق رجع على إشكال ).

أي : أخذ اللقطة إذا لم يجد سلطانا ليسلم اللقطة إليه أو يستأذنه في الإنفاق ، فلا ريب في وجوب الإنفاق عليه لوجوب الحفظ ، ولا يتم إلا به.

وفي استحقاق الرجوع إشكال ، ينشأ : من أنه إنفاق على مال الغير بغير إذنه فيكون تبرعا ، ومن أن إيجابه شرعا يقتضي حصول الاذن من الشارع ، فإذا أنفق بنية الرجوع استحق الرجوع ، وهو الأصح ـ ولا يشترط الاشهاد ـ وبه صرح المصنف في المختلف (١) ، وهو قول الأكثر (٢) ، والأول قول ابن إدريس (٣).

نعم لو نوى التملك ثم أنفق لم يستحق الرجوع ، قاله في التذكرة (٤) ، وهو جيد إن صح تملكه ، وإلا ففي عدم استحقاق الرجوع إذا نواه علما منه بعدم صحة التملك نظر.

قوله : ( ويتقاص مع المالك لو انتفع بالظهر وشبهه ).

__________________

(١) المختلف ٢ : ٤٥٢.

(٢) منهم المفيد في المقنعة : ٩٩ ، والطوسي في النهاية : ٣٢٤ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٢٩٠.

(٣) السرائر : ١٨١.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٦٩.

١٤٥

والضالة أمانة مدة حول التعريف ، فإن قصد بعده التملك ملك وضمن ، والا فلا إلا مع التفريط.

ولو قصد التملك ثم نوى الحفظ ، أو قصد الحفظ ثم نوى التملك ضمن بقصد التملك فيهما.

الفصل الثالث : في لقطة الأموال : وفيه مطلبان :

الأول : في الأركان : وهي ثلاثة :

الأول : الالتقاط : وهو عبارة عن أخذ مال ضائع للتملك بعد التعريف حولا أو للحفظ على المالك ، وهو مكروه وإن وثق من‌ نفسه إن

______________________________________________________

قال الشيخ : إن الركوب للظهر والحمل واللبن والخدمة يكون بإزاء النفقة (١). وما اختاره المصنف من اعتبار قدر كل منهما والتقاص هو الأصح ، فإن فضل لأحدهما شي‌ء رجع به.

قوله : ( الفصل الثالث : في لقطة الأموال : وفيه مطلبان : الأول في الأركان ، وهي ثلاثة : الأول الالتقاط ، وهو عبارة عن أخذ مال ضائع للتملك ـ بعد التعريف حولا ـ أو للحفظ على المالك ).

لا ريب أن ضياع المال عن مالكه معتبر في اللقطة ، ومقتضى قوله : للتملك بعد التعريف ... ) أنه لو أخذه لا لأحد الأمرين لا يكون لقطة ، وليس بجيد ، لأنه لو أخذه للتملك مطلقا يضمنه ويأثم ، ثم إذا عرفه ملكه على الأقرب عند المصنف ، على ما سيأتي ان شاء تعالى ، ولو أخذه ذاهلا فهو ملتقط (٢).

قوله : ( وهو مكروه وإن وثق من نفسه ).

__________________

(١) النهاية : ٣٢٤.

(٢) ورد بعد لفظ ملتقط في « ق » في الهامش مع علامة ( صح ) ، وفي « م » في الهامش أيضا مع ( منه مد ظله ) : ولا يرد على عكسه أيضا ما دون الدرهم وما أخذ لا يقصد شي‌ء.

١٤٦

كان في غير الحرم ، وفيه يحرم على رأي ولا يحل تملكه وإن عرف طويلا.

ويستحب الاشهاد ، فيعرف الشهود بعض الأوصاف لتحصيل فائدة الإشهاد.

ولو علم الخيانة حرم‌ الالتقاط ،

______________________________________________________

لإطلاق الأخبار (١) بالنهي عن أخذ اللقطة ، إلا مع تحقق التلف ، والظاهر أن المراد بالتحقق : الظن الغالب المستفاد من القرائن.

قوله : ( وفيه يحرم على رأي ولا يحل تملكه وإن عرفت طويلا ).

هذا هو المشهور والأصح ، للأخبار الصريحة (٢) في ذلك ، ويحكى عن ظاهر عبارة ابن البراج جواز أخذ ما نقص عن الدرهم في الحرم (٣) ، وهو ضعيف. ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير ، نص عليه في التذكرة (٤) ، وهو المختار.

قوله : ( فيعرف الشهود بعض الأوصاف ).

لا جميعها ، حذرا من شياع خبرها ، فيطلع على صفاتها من لا يستحقها ، فيدعيها ويذكر الوصف ، أو يواطئ الشهود الذين عرفوا صفاتها فيأخذها (٥) بشهادتهم.

قوله : ( ولو علم الخيانة حرم الالتقاط )

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٨٦ حديث ٨٣٩ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ حديث ١١٦٦.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٠ ، ٣٩٥ ، حديث ١١٦٧ ، ١١٩٠.

(٣) ذهب إليه في كتابه الكامل ، كما نقله عنه في المختلف : ٤٤٨ ، راجع أيضا : إيضاح الفوائد ٢ : ١٥٠.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٥٤.

(٥) في « م » و « ق » : وحدها ، وما أثبتناه. من مفتاح الكرامة ٦ : ١٤٦ ، وهو الصحيح.

١٤٧

ولو خاف ففي الجواز نظر.

ويحصل الالتقاط بالأخذ لا بالرؤية وإن اختصت بغير الملتقط إذا أعلمه بها.

ولو قال : ناولنيها : فإن نوى الأخذ لنفسه فهي له ، وإلا فللأمر على‌ أشكال ...

______________________________________________________

لأن الأخذ الذي يكون وسيلة إلى الحرام حرام.

قوله : ( ولو خاف ، ففي الجواز نظر ).

أي : لو لم يكن قاطعا بالخيانة للقطة ، لكن خاف على نفسه حصولها بعد ذلك ، ففي تحريم الالتقاط نظر ، ينشأ : من أن الأصل جواز الالتقاط والمانع الذي هو الخيانة غير معلوم ، ومن أن الخوف من الوقوع في المحرم الموجب للنار يجب دفعه باجتناب ما يقتضيه ، ولأن الأمانة لا تليق بمن لا يثق من نفسه ، والتحريم أولى.

قوله : ( لا بالرؤية وإن اختصت بغير الملتقط إذا أعلمه بها ).

أي : لا يحصل الالتقاط بالرؤية وإن اختصت بغير الملتقط : بأن كان هو الرائي فأعلم الآخر بها فالتقطها ، فان الحكم منوط بالالتقاط وإن تسبب عن رؤية الآخر وإعلامه.

ولا يخفى ما في العبارة من التعقيد ، فان الاختصاص بالرؤية مع تجدد رؤية الآخر غير مستقيم ، وكلمة ( إذا ) غير واقعة الموقع ، وضمير ( بها ) ليس له مرجع معين في العبارة ، ولو قال : وإن سبق غير الملتقط برؤية العين فأعلمه فأخذها ، لكان أولى.

قوله : ( ولو قال : ناولنيها ، فإن نوى الأخذ لنفسه فهي له ، وإلا فللآمر [ على ] (١) إشكال )

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « م » و « ق » ، وأثبتناه من خطبة القواعد.

١٤٨

______________________________________________________

إن نوى الأخذ لنفسه فهو الملتقط حقيقة ، وإن نوى أخذها للآمر ، فهل يقع الأخذ له؟ فيه إشكال ، ينشأ : من أن المقتضي لتملك المباحات هو الحيازة ، والحائز هو الآخذ ، فيكون الاستحقاق له ، ولا يخرج بأخذها للآمر عن كونه مستحقا ، كما لا يخرج المالك عن كونه مالكا بقصد كون الملك للغير ، ولتعليق أحكام الالتقاط في النصوص (١) على الآخذ ، فيكون التملك مختصا بالآخذ.

ومن أن الملك لم يحصل بعد ، فإذا نوى الآخذ عن غيره كانت اليد لذلك الغير ، فيكون هو الآخذ ، فيكون الملك له.

وتحرير البحث يتم بتحقيق أن الالتقاط وحيازة المباحات هل تقبل النيابة أم لا؟ ويبنى ذلك على أن تملك المباحات هل يشترط فيه مع الحيازة النية ـ وهي القصد إلى التملك ـ أم يثبت بمجرد حيازتها؟ يحتمل الأول ، لأنه لولاه لملك الصائد الدرة في جوف السمكة مع الجهل بها ، وهو باطل.

وفيه نظر ، لأن المانع أن يمنع صدق الحيازة هنا ، لأن المحوز هو السمكة وما في بطنها لا يعد محوزا شرعا ولا عرفا ولا لغة (٢) ، كما لو أخذ النائم الشي‌ء ، : فعلى هذا يقال : لا بد من قصد الحيازة ، أما قصد التملك فلا يشترط.

وينبغي أن يقال : لا بد من أن لا يقصد بالأخذ عدم التملك ، فلو حول حجرا أو شجرا ـ مثلا ـ مباحا في الطريق من جانب إلى آخر ، قاصدا بذلك تخيله الطريق ونحو ذلك ، فدخوله في ملكه بمجرد هذا مستبعد جدا. ومثله ما‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٨٦ باب اللقطة والضالة ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ باب اللقطة والضالة.

(٢) قال السيد العاملي :. وما في مقامين من جامع المقاصد من منع صدق الحيازة هنا لان المحوز هو السمكة وما في بطنها لا يعد محوزا شرعا ولا عرفا ولا لغة. ففي محل اللغة فتأمل. مفتاح الكرامة ٦ : ١٤٧. وراجع أيضا : الصحاح ( حوز ) ٣ : ٨٧٥.

١٤٩

الثاني : الملتقط : وهو كل من له أهلية الكسب وإن خرج عن التكليف ، أو كان عبدا ، أو كافرا ، أو فاسقا ، نعم يشترط في لقطة الحرم العدالة.

______________________________________________________

لو نحى المال الضائع من جانب إلى آخر ، فإنه ينبغي أن لا يكون ملتقطا وإن ضمن مال الغير ، لإثبات اليد عليه على إشكال في هذا.

وكيف كان فالقول بقبول الالتقاط النيابة قوي ، والحكم بالملك مع قصد عدمه في المباحات ، بحيث يكون قهريا بعيد ، ويؤيده ظاهر قوله عليه‌السلام : « لكل امرئ ما نوى » (١).

قوله : ( وهو كل من له ألية التكسب ، وإن خرج عن التكليف أو كان عبدا أو كافرا أو فاسقا؟ نعم يشترط في لقطة الحرم العدالة ).

لما لم يصح تملك لقطة الحرم بحال ، لم يكن أخذها كسبا ، بل مجرد حفظ ، والفاسق ليس أهلا لحفظ مال الغير ، فإن أخذها لم تكن له أولوية على حفظها ، بل ينتزعها منه الحاكم ويحفظها بما يراه.

وعلى القول بتحريم أخذها ، ففي الفرق بين العدل والفاسق نظر ، لأن العدل وإن كان أهلا للأمانة ، إلا أن الأخذ محرم عليه ، وإذا كان حراما ، فكيف يكون أمينا؟ وكيف يتصور جواز إدامة اليد عليها؟

والذي ينساق إليه النظر ـ على تقدير التحريم ـ جواز انتزاعها من العدل للحاكم وإن جاز له ائتمانه عليها ، فيزول التحريم حينئذ مع بقاء وصف العدالة ، ويكون هذا القدر هو الفرق بين العدل والفاسق ، أو جواز الأخذ للعدل على قصد الحفظ دائما ، كما ذكره في التذكرة (٢).

وقد صرح في الدروس بأن أربعة لا يجوز لهم أخذ لقطة الحرم : العبد‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢ ، مسند أحمد ١ : ٢٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٥٢.

١٥٠

ثم للعدل أن يحفظ اللقطة ، بنفسه أو يدفع الى الحاكم ، وغيره يتخير الحاكم بين انتزاعه منه وبين نصيب رقيب الى أن تمضي مدة التعريف.

ثم إن اختار الفاسق أو الكافر التملك دفعه الحاكم اليه ، وإلا فالخيار للملتقط حينئذ إن شاء أبقاه في يد الحاكم أمانة أو غيره ، وليس للحاكم مطالبة الفاسق بعد الحول بكفيل.

______________________________________________________

والصبي والمجنون والفاسق ، لأنها أمانة محضة (١). وينبغي إضافة السفيه إليهم.

قوله : ( وغيره يتخير الحاكم بين انتزاعه منه ، وبين نصيب رقيب الى أن تمضي مدة التعريف ).

الغرض من الرقيب أن يشرف عليها لئلا يتصرف فيها ، ويتولى تعريفها لئلا يخل به ، لأنه لا أمانة له ، كذا ذكره في التذكرة ، وقال أيضا : إن ضم المشرف إليه على جهة الاستظهار والاستحباب دون الإيجاب (٢).

وقال في التحرير : لم أقف لعلمائنا على نص في انتزاع اللقطتين من يد الفاسق ، أو ضم حافظ إليه مدة التعريف (٣). والمراد باللقطتين : لقطة الحيوان ، ولقطة الأموال ، وما ذكره في التذكرة هو المختار ، عملا بالأصل وتمسكا بظاهر حال المسلم.

وربما كان للفاسق أمانة ، والالتقاط في معنى الاكتساب لا استئمان محض ، فلا يعرض الحاكم ، وهذا إذا لم يعلم خيانته فيها ، فان علمت وجب‌

__________________

(١) الدروس : ٣٠٤ ، علما بأن ما في الدروس لم يعد العبد من الأربعة وذكر بدله الكافر.

وقال السيد العاملي في المفتاح ٦ : ١٤٨ : وسها في جامع المقاصد ـ كما في نسختين منه ـ فيما حكاه عن الدروس من عدم جواز العبد.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٥٢.

(٣) التحرير ٢ : ١٢٧.

١٥١

أما الصبي والمجنون فللولي نزعه من يدهما وتمليكهما إياه بعد مدة التعريف ، ويتولاه الولي أو أحدهما.

ولو أتلفه الصبي ضمن ، ولو تلف في يده فالأقرب ذلك ، لأنه ليس أهلا للأمانة ، ولم يسلطه المالك عليه بخلاف الإيداع.

______________________________________________________

إما انتزاعها منه ، أو ضم مشرف إليه من باب الحسبة ، وهو مقرب التذكرة (١).

قوله : ( أما الصبي والمجنون ، فللولي نزعه من يدهما ).

يجب على الولي انتزاعها من يد الصبي والمجنون ، لأنهما ليسا من أهل الامانة ، ولا من أهل حفظ ملكهما ، واللقطة في معنى المملوك ، فكما يجب على المولى أخذ مالهما من أيديهما ويحرم تمكينهما منه خوف إتلافه ، فكذا يجب انتزاع اللقطة ، ومع التقصير والتلف يضمن ، كما سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى.

قوله : ( ويتولاه الولي أو أحدهما ).

أما الولي فظاهر ، لقيامه مقام كل منهما ، وأما أحدهما فلتمكنهما من تملك المباحات ، وهذا في معناها.

قوله : ( ولو أتلفه ضمن ).

أي : لو أتلف الصبي أو المجنون المال الملتقط المحدث عنه في قوله ( فللولي نزعه ... ) ضمن في ماله ، لأن الإتلاف يقتضي الضمان.

قوله : ( ولو تلف في يده فالأقرب ذلك ، لأنه ليس أهلا للأمانة ، ولم يسلطه المالك عليه بخلاف الإيداع ).

محصل ما بين به الشارح وجه القرب يرجع الى أن الصبي والمجنون لهما أهلية الاكتساب وليس لهما أهلية الأمانة ، فيكون التقاطهما اكتسابا محضا لا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٥٢.

١٥٢

ولو قصر الولي فلم ينتزعه حتى أتلفه الصبي أو تلف فالأقرب تضمين الولي.

______________________________________________________

استئمان فيه ، فإذا تلفت العين في يد أحدهما كانت مضمونة.

وربما يقال : لا بعد فيه ، كمن التقط بنية التملك من أول الأمر فيدهما من أول الأمر يد ضمان ، وفيه نظر من وجهين :

الأول : إنه وإن لم يكن أهلية الأمانة لا يلزم الضمان بالتلف إلا من جهتهما.

فإن قيل : إثبات يديهما على المال غير مأذون فيه من المالك فيكون يد عدوان؟

قلنا : لا شي‌ء من أيدي الملتقطين مأذون فيه من المالك ، وإنما الاذن من الشارع لكل ملتقط ، والصبي والمجنون داخلان.

فان قيل : فيكونان مستأمنين شرعا.

قلنا : لا يلزم من الاذن ذلك ، ولهذا يجب على الولي انتزاع العين من أيديهما ، فالمستأمن في الحقيقة هو الولي.

أما أصل إثبات اليد فإنه بإذن الشارع ، ولما امتنع تكليفهما امتنع إيجاب التسليم عليهما للولي ، فانحصر الوجوب في طرف الولي إذا علم بالالتقاط ، فلا فرق حينئذ بين لقطتهما وإيداعهما ، فلا يستقم قول المصنف بخلاف الإيداع ، أي : إيداعهما الذي اقتضى تسليط المالك ، وقد اعترف المصنف بخلاف في التذكرة بعدم الفرق بينهما.

الثاني : إن أيديهما لو كانت يد ضمان لوجب أن تكون يد الولي كذلك ، لأنه قائم مقامهما في إثبات اليد ، ويده مبنية على يديهما ، ولا يلزم من أمر الشارع إياه بالأخذ زوال الضمان الذي كان ، والأصح عدم الضمان.

قوله : ( ولو قصر الولي فلم ينتزعه حتى أتلفه الصبي أو تلف‌

١٥٣

وللعبد أخذ اللقطتين ، فإن عرف حولا ثم أتلفها تعلق الضمان برقبته يتبع به بعد العتق ، وكذا لو لم يعرف.

ولو علم المولى ولم ينتزعها ففي تضمينه إشكال ينشأ : من تفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا ، ومن عدم الوجوب بالأصل.

______________________________________________________

فالأقرب تضمين الولي ).

وجه القرب : إن حفظ أموال الصبي واجب على الولي ، فإذا تركها في يده فقد عرضها للتلف فيكون مفرطا ، وكلما تلف من الأمانة في حال تفريط الأمين في حفظها فهو مضمون عليه لا محالة. ويحتمل ضعيفا العدم ، لأنه لم يدخل في يده ، وهو ليس بشي‌ء.

قوله : ( وللعبد أخذ اللقطتين ).

أي لقطة الحيوان ، ولقطة الأموال.

قوله : ( فإن عرف حولا ثم أتلفها تعلق الضمان برقبته يتبع به بعد العتق ، وكذا لو لم يعرف ).

إطلاق تعلق الضمان برقبة العبد فيما يتبع به بعد العتق لا يخلو من تسامح ، فإن ذلك يتعلق بذمته.

قوله : ( ولو علم المولى فلم ينتزعها ففي تضمينه إشكال ينشأ : من تفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا ، ومن عدم الوجوب بالأصل ).

الضمان مشكل ، لأن الغرض أن السيد لم يأذن له في الالتقاط لتكون يده يد السيد ، وفي الدروس : لو كان غير مميز اتجه ضمان السيد (١). وهذا أيضا فيه نظر ، فإنه لا يجب على السيد انتزاع مال الغير من يد عبده ، اللهم إلا أن يقال : هو بمنزلة الدابة التي يجب منعها من إتلاف مال الغير وما عداه.

__________________

(١) الدروس : ٣٠٤.

١٥٤

ولو اذن له المولى في التملك بعد التعريف ، أو انتزاعها بعده للتملك ضمن السيد.

ولو انتزعها السيد قبل مدة التعريف لزمه إكماله ، فإن تملك أو تصدق ضمن وإن حفظها للمالك فلا ضمان.

ولو أعتقه المولى قال الشيخ : للسيد أخذها لأنه من كسبه ، والوجه ذلك بعد الحول.

______________________________________________________

فالأصح انه إن لم يأذن له المولى في الالتقاط ، ولا في التملك لا ضمان على المولى بالتلف في يد العبد ، وإن أذن في الالتقاط ولم يكن العبد أمينا ضمن السيد بالتلف إذا قصر في الانتزاع ، ومع عدم التقصير نظر ، لأن يد العبد يد السيد ، وغير الأمين لا يجوز تسليطه على مال الغير بدون اذن المالك ، وفي حكم الاذن رضاه بعد الالتقاط.

قوله : ( ولو أذن له المولى في التملك بعد التعريف ... ).

لو لم يأذن له في الالتقاط ، وأذن له في التملك ولم يجز التملك ففي التذكرة : الأقوى تعلق الضمان بالسيد ، لأنه أذن في سبب الضمان ، فأشبه ما لو أذن له في أن يسوم شيئا فأخذه وتلف في يده (١).

قوله : ( ولو أعتقه المولى قال الشيخ : للسيد أخذها ، لأنها من كسبه (٢) ، والوجه ذلك بعد الحول ).

أي : بعد حول التعريف ، أي : والوجه أنها للسيد بعد حول التعريف ، أي : إن كان العتق بعد حول التعريف لا قبله ، وهو المفهوم من كلام المصنف وإن لم يصرح ، به وإلا لم يكن بين كلامه وكلام الشيخ فرق ، لأنها قبل الحول أمانة وولاية ، وليس للسيد بعد العتق أخذ الأمانة (٣) التي في يد العبد بعد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٥٤.

(٢) في « م » : الأمانات.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٢٦.

١٥٥

الثالث : اللقطة : وهي كل مال ضائع أخذ ولا يد لأحد عليه ، فإن كان في الحرم وجب تعريفه حولا ، فإن لم يوجد المالك تخير بين الصدقة به وفي الضمان قولان ،

______________________________________________________

عتقه.

أما بعد الحول فإنها كسب محض ، لأنها إما مملوكة أو في حكم المملوكة ، لإمكان تملكها في كل آن إن وقفنا تملكها بعد التعريف على قصد التملك. وينبغي أن يكون هذا كله إذا لم يكن الالتقاط بإذن السيد ، أما إذا كان بإذنه فإن الالتقاط له واليد يده. ثم في كلام المصنف نظر ، لأن اللقطة بعد الحول ليست أمانة محضة وإنما هي كسب.

نعم يجب التعريف ليصح التملك ، والعبد لا يقدر على شي‌ء ، ويده يد السيد إذا أذن أو رضي ، وحيث ثبت استحقاق اللقطة للسيد من حين الالتقاط وجب استصحاب هذا الحكم ، فلا يزول بالعتق كما لا يزول غيره من الحقوق ، والأظهر قول الشيخ وعليه الفتوى.

قوله : ( الثالث : اللقطة ، وهي كل مال ضائع أخذ ، ولا يد لأحد عليه. فإن كان في الحرم وجب تعريفه حولا ، فإن لم يوجد المالك تخير بين الصدقة به. وفي الضمان قولان ).

أحدهما : العدم ، وهو قول المفيد (١) وجماعة (٢) ، لأنه مأمور بالصدقة فلا ضمان عليه بفعلها.

والثاني : الضمان ، وهو أحد قولي الشيخ (٣) وجماعة (٤) ، وهو الأصح ، لأن يده يد ضمان ، لأنه عاد بالأخذ ، ولرواية علي بن أبي حمزة ، عن الكاظم‌

__________________

(١) المقنعة : ٩٩.

(٢) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٤ ، والشيخ في النهاية : ٣٢٠ ، وسلار في المراسم : ٢٠٦.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٢١ ، الخلاف ٢ : ١٣٩ مسألة ١٢ كتاب اللقطة.

(٤) منهم : ابن الجنيد كما في المختلف : ٤٤٨ ، وابن إدريس في السرائر : ١٧٨.

١٥٦

وبين الاحتفاظ ولا ضمان.

وإن كان في غير الحرم : فإن كان دون الدرهم ملكه من غير‌ تعريف

______________________________________________________

عليه‌السلام : « فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين ، فإن جاء طالبه فهو له ضامن » (١).

ولا يضر ضعف السند ، لانجباره بعمل الأصحاب وبباقي الدلائل ، ولا منافاة بين الأمر بالصدقة والضمان. وهذا إذا أخذ المال على قصد الالتقاط ، فإن أخذه على قصد الحفظ للمالك فالذي يحضرني أن المصنف في التذكرة قال : إن جواز أخذها على هذا القصد جائز وادعى عليه الإجماع (٢) ، فعلى هذا هل يضمن بالصدقة أم لا؟ ينبغي الضمان.

قوله : ( وبين الاحتفاظ ولا ضمان ).

لأنه محسن و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٣) ، وهذا إذا كان أخذه لها على قصد الحفظ واضح ، فأما إن أخذها على قصد الالتقاط فكيف تكون يده يد امانة ، مع انه عاد بأخذها؟

ويمكن أن يقال : إن الالتقاط لا يقتضي التملك جزما ، ولهذا لا يملك لقطة غير الحرم بعد التعريف إلا بالبينة أو اللفظ على الخلاف ، ولا يدخل في ضمانه من أول الأمر ، لأن مجرد أخذ اللقطة لا ينافي الحفظ دائما ، فحينئذ تكون لقطة الحرم غير مناف للحفظ والامانة وإن حرم من حيث أن الالتقاط اكتساب.

ويشكل على هذا كون الأخذ محرما فكيف يكون أمانة؟

قوله : ( ملكه من غير تعريف ).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٥ حديث ١١٩٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٥٦.

(٣) التوبة : ٩١.

١٥٧

ولو وجد المالك فالأقرب الضمان ، وإن كان أزيد من ذلك وجب تعريفها حولا ، ثم إن شاء تملك أو تصدق وضمن فيهما ، وإن شاء احتفظها للمالك ولا ضمان.

______________________________________________________

في عبارة ابن إدريس : إنه يباح له (١).

فرع : لو كانت الشاة وغيرها من الضوال التي يجوز التقاطها وتملكها قيمتها دون الدرهم ، هل يجوز تملكها من غير تعريف ، كما في دون الدرهم من العروض والأثمان ، أو ما يجب تعريفه من الضوال لا يفرق فيه بين القليل والكثير عملا بالإطلاق ، ولانفراد كل من الأموال والضوال عن الآخر في الأحكام ، فلا يجري حكم القليل من الأموال على الضوال؟ الظاهر الثاني.

قوله : ( ولو وجد المالك فالأقرب الضمان ).

وجه القرب : إنه تصرف في ملك المالك بغير اذنه فيضمنه ، ولعموم قوله عليه‌السلام : « فإذا جاء طالبه رده اليه » (٢). وقال الشيخ (٣) ، وأبو الصلاح : لا يضمن لثبوت الملك شرعا فلا عوض (٤) ، والضمان قوي (٥).

إذا تقرر ذلك فما الذي يجب رده على المالك أهو العين مع بقائها ، أم القيمة؟ كل منهما محتمل ، وعبارة الكتاب ظاهرة في رد القيمة مطلقا.

والمفهوم من عبارة التذكرة وجوب رد القيمة إذا نوى التملك وإن بقيت العين ، وإن لم ينوه رد العين (٦). وهذا يؤذن بأن التقاط القليل ليس بمنزلة حيازة سائر المباحات تملك بمجرد الحيازة ، بل لا بد من نية التملك كالكثير‌

__________________

(١) السرائر : ١٧٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٩ حديث ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ حديث ١١٧٥.

(٣) النهاية : ٣٢٠.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٥١.

(٥) في « ق » : أقوى.

(٦) التذكرة ٢ : ٢٦٢.

١٥٨

ويكره التقاط ما تقل قيمته وتكثر منفعته كالعصا ، والشظاظ ، والوتد ، والحبل ، والعقال ، وشبهها. وأخذ اللقطة مطلقا مكروه ، ويتأكد للفاسق ، وآكد منه المعسر.

ويستحب‌ الإشهاد.

______________________________________________________

بعد التعريف ، وفيه تردد.

والفرق ظاهر (١) فإن أخذ الكثير لما لم يصلح لكونه سبب الملك ، لاشتراط التعريف ، وجب لحدوث الملك وجود سبب ، لامتناع انتقال الملك من مالك الى آخر بغير سبب ناقل ، بخلاف القليل فإنه لا مانع من كون حيازته سببا للملك.

ثم انه لا منافاة بين وجوب رد العين وحصول المالك ، لإمكان كون الملك متزلزلا ، أو حدوث التزلزل له بوجود الملك ، كالمبيع قبل القبض إذا اجتمعت أسباب لزومه ثم حدث فيه عيب.

والذي يقتضيه الدليل وجوب رد العين مع بقائها ، لعموم الحديث ، واختاره في الدروس ومع التلف فضمان القيمة متجه ، لأن تملكه وجواز تصرفه لا يقتضي انقطاع حق المالك من العين بالكلية.

قوله : ( ويكره التقاط ما تقل قيمته وتكثر منفعته كالعصا ، والشظاظ ، والوتد ، والحبل ، والعقال ).

الشظاظ بالكسر : خشبة محدودة الطرف تدخل في عروق الجواليق لتجمع بينهما عند حملها على البعير ، والجمع اشظة. والعقال بالكسر : حبل تشد به قائمة البعير ، والوتد بكسر وسطه.

قوله : ( ويستحب الاشهاد ).

__________________

(١) في « م » : واضح.

١٥٩

المطلب الثاني : في الأحكام : وهي أربعة :

الأول : التعريف : وهو واجب وإن لم ينو التملك سنة من حين الالتقاط ، وزمانه النهار دون الليل.

ولا يجب التوالي ، بل يعرف كل يوم في الابتداء ، ثم كل أسبوع ثم كل شهر بحيث لا ينسى انه تكرار لما مضى. وإيقاعه عند اجتماع‌

______________________________________________________

قد سبق ذكر هذا أول الفصل.

قوله : ( المطلب الثاني في الأحكام : وهي أربعة :

الأول : التعريف واجب وإن لم ينو التملك ).

لأن إيصال المال الى مالكه لا يكون بدون التعريف ، وأسقط الوجوب في المبسوط إذا نوى الحفظ.

قوله : ( ولا يجب التوالي ، بل يعرف كل يوم في الابتداء. ثم كل أسبوع ، ثم كل شهر ).

مقتضى قوله : ( ثم كل أسبوع ) أن يعرف كل يوم إلى سبعة أيام ، لأن الظاهر أن المراد أسابيع الشهر ، فالاكتفاء بتعريف واحد في الأسبوع إنما يكونه في الأسبوع الثاني. وكذا قوله : ( ثم كل شهر ) يقتضي أن يكون الشهر الأول مستوعبا بالأيام ثم بالأسابيع ، فيكون الاكتفاء بتعريف في مجموع الشهر إنما يكون في الشهر الثاني.

قوله : ( بحيث لا ينسى أنه تكرار لما مضى ).

لا محصل للتقييد بهذه الحيثية ، لأن التعريف الذي ذكره إن كان بحيث لا ينسى كون الثاني منه تكرارا لما مضى فلا معنى للتقييد ، وإن لم يكن كان غير‌

١٦٠