جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو ترك أحدهما للآخر صح ، سواء كانا موسرين أو أحدهما ، حاضرين أو أحدهما ، أو كان أحدهما كافرا مع كفر اللقيط ،

______________________________________________________

لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) (١).

إذا تقرر هذا ، فاعلم أن الظاهر أن المذكور في العبارة من القرعة أو التشريك احتمالان ، وإليه يرشد كلام التذكرة (٢) والشرائع (٣) والدروس (٤) ، وكأن الشارحين (٥) فهما أنه على طريق التخيير فلم يتعرضا إلى شرحه.

قوله : ( ولو ترك أحدهما للآخر صح ، سواء كانا موسرين أو أحدهما ، حاضرين أو أحدهما ، أو كان أحدهما كافرا مع كفر اللقيط ).

أي : لو ترك أحد الملتقطين دفعه للآخر اللقيط صح مطلقا وإن تفاوتا في اليسار والإعسار وغيرهما مما ذكر ، وفي هذه العبارة مناقشة ، لأنه قد تردد في ترجيح الموسر على المعسر ، والحاضرة على غيره.

فعلى احتمال الترجيح كيف يسوغ ترك الموسر للمعسر ، والحاضر لغيره؟ نعم على احتمال التساوي قد يستقيم ذلك. هذا باعتبار نظم العبارة.

وكذا في إطلاق الحكم الذي ذكره نظر ، فان ترك أحدهما للآخر يجوز قبل القرعة أو على القول بالتشريك ، أما على الأول فلأن الحق حينئذ لم يتعين لواحد ، وأما على الثاني فلأن ترك أحدهما أقرب إلى صلاح أحوال الطفل ، أما بعد القرعة فلا يجوز ، لتعيّن الحضانة على من خرج اسمه ، وقد صرح بذلك المصنف في التذكرة (٦).

__________________

(١) آل عمران : ٤٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٧١.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٨٧.

(٤) الدروس : ٢٩٧.

(٥) إيضاح الفوائد ٢ : ١٣٦.

(٦) التذكرة ٢ : ٢٧١.

١٠١

ولا يحكم لأحدهما بوصف العلائم.

ولو تداعيا بنوته ولا بينة أقرع ، ولا ترجيح بالالتقاط إذ اليد لا تؤثر في النسب ، وكذا لو أقاما بينة ، ويحكم للمختص بها.

______________________________________________________

واعلم أن قوله : ( أو كان أحدهما كافرا مع كفر اللقيط ) يقتضي أن المسلم لا يرجّح على الكافر إذا استويا في الالتقاط وكان اللقيط محكوما بكفره ، وفيه ، نظر ، لأن كل مولود يولد على الفطرة ، ولتربية المسلم أثر بيّن في صيرورته مسلما ، فلا يبعد ترجيحه.

قوله : ( ولا يحكم لأحدهما بوصف العلائم ).

أي : لا يحكم لأحد المتنازعين في الالتقاط بوصف علائم الصبي ، مثل الخال في رأسه ونحو ذلك ، لأنه لا أثر لذلك في إثبات الولاية ونفيها ، كما لا أثر له في إثبات النسب ونفيه لو تنازع اثنان بنوته ووصف أحدهما العلائم ، خلافا لأبي حنيفة في النسب (١).

قوله : ( ولو تداعيا بنوته ولا بينة أقرع ).

لو قال : ولو تداعيا اثنان بنوته لكان أولى ، لأنه حينئذ لا يكون الحكم مقصورا على الملتقطين.

قوله : ( ولا ترجيح بالالتقاط ، إذ اليد لا تؤثر في النسب ).

على أصح الوجهين ، واستشكل الحكم في كتاب القضاء.

قوله : ( وكذا لو أقاما بينة ).

أي : وكذا يقرع لو أقاما بينة ، أي : لو أقام كل منهما بينة ببنوته وتعارضتا ، فإنه لا بد من القرعة عندنا.

__________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٩٩.

١٠٢

وفي ترجيح دعوى المسلم أو الحر على دعوى الكافر أو العبد نظر. ولو انفردت دعوى البنوة حكم بها من غير بينة ، حرا كان المدعي للبنوة أو عبدا ، مسلما أو كافرا ، ولا يحكم برقه ولا كفره إذا وجد في دارنا إلا مع بينة البنوة.

______________________________________________________

قوله : ( وفي ترجيح دعوى المسلم أو الحر على الكافر أو العبد نظر ).

ينشأ : من عموم الأدلة الدالة على جواز ادعاء النسب لكل منهم ، ومن قوة جانب المسلم والحر ، إذ الأصل في اللقيط الإسلام والحرية ، والظاهر عدم الترجيح ، سواء كان الالتقاط في دار الإسلام أو في دار الكفر.

قوله : ( ولا يحكم برقه ولا كفره إذا وجد في دارنا ، إلا مع بينة البنوة ).

إذا شهدت البينة ببنوته لكافر فوجهان ، أحدهم : الثبوت ، لأن تبعية الدار ضعيفة. والثاني : العدم ، لأن بنوته للكافر لا تنافي إسلامه ، لإمكان إسلام أمه أو جدّه على القول بتبعيته.

وفي هذا الحكم عندي تفصيل : فإن القائل بذلك (١) إن أراد أنه إذا علمت أمومة الكافر له بالبينة أيضا ، وكذا علم كفر أجداده كذلك يكون كافرا ـ لضعف الإسلام بتبعية الدار ـ فهو صحيح لا مرية فيه ، وإن كان مراده ثبوت كفره وإن لم يثبت ذلك فليس بجيد ، لأن إسلامه الثابت بتبعية الدار لا ينافيه كفر أبيه ، فلا ينتفي ما ثبت بمجرد الاحتمال.

وكذا القول في الرقية إذا ادّعاه رقيق وأقام بذلك بينة ، أما لو لم يقم بواحد من الأمرين بينة فهو على إسلامه وحريته وإن أثبتنا النسب على الأصح‌

__________________

(١) أي : ثبوت كفره مع البينة.

١٠٣

والأقرب افتقار الأم إلى البينة أو التصديق بعد بلوغه.

ولو كان اللقيط مملوكا وجب إيصاله إلى مالكه ، فإن أبق أو ضاع من غير تفريط فلا ضمان ، ويصدّق في عدم التفريط مع اليمين ، ويبيعه في النفقة بالإذن مع تعذر استيفائها ،

______________________________________________________

القولين ، لأن الإلحاق بمجرد قول الأب لا يجب قبوله في حق الولد فيما يكون ضررا له.

قوله : ( والأقرب افتقار الأم إلى البينة أو التصديق بعد بلوغه ).

وجه القرب : عموم البينة على المدعي (١) ، خرج من ذلك الأب بالإجماع ، فيبقى ما عداه على الأصل ، وقال الشيخ : تقبل دعواها كالأب (٢) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ويبيعه في النفقة بالإذن مع تعذر استيفائها ).

إذا أنفق الملتقط على اللقيط بالاذن المعتبر شرعا ، وهو ما به يخرج عن التبرع ، وتعذر استيفائها ـ إما لعدم الوصول إلى المالك وعدم الظفر بماله ، أو لكون المالك لا مال له سوى العبد ـ فان للملتقط أن يبيعه في النفقة ، لكن بالاذن من المالك مع إمكانه ، فإن تعذر أو لم يأذن فبإذن الحاكم ، ولو تعذر فهو كالدين الذي امتنع من هو عليه من أدائه.

فقول المصنف : ( بالاذن ) قد ينازعه كل من قوله : ( يبيعه ) وقوله : ( في النفقة ) ولو حملت العبارة على أن المراد : أن الملتقط يبيع العبد للإنفاق عليه إذا تعذر تحصيل ما ينفق عليه منه ، لوجب أن ينزل على بيعه شيئا فشيئا إلى أن يستوعبه.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣ ، ٥٥٤ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢.

(٢) المبسوط ٣ : ٣٥٠.

١٠٤

فإن اعترف المولى بعتقه فالوجه القبول ، فيرجع الملتقط عليه بما أنفق إن كان العتق بعده قبل البيع.

______________________________________________________

لكن على هذا التقدير لا يمكن بيعه كله للإنفاق عليه ، إذ الجزء الأخير يمتنع بيعه للإنفاق عليه من ثمنه ، لأنه حينئذ مال شخص آخر ، فكيف ينفق عليه من مال الأول؟ فإن نزل على أداء النفقة الواقعة بالإذن ، رجع إلى ما قلناه.

قوله : ( فإن اعترف المولى بعتقه فالوجه القبول ).

أي : فان اعترف المولى بعتق العبد اللقيط ، وقد حصل الإنفاق عليه واستحق الملتقط بيعه في النفقة بشرائطه ، فالوجه القبول ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

ويحتمل عدمه لتعلق حق الغير به ، وفيه ضعف ، لأن حق الغير لم يتعلق به بل بذمة مولاه ، واستحقاق بيعه إنما هو على تقدير رقيته ، كما تباع سائر أموال المديون لاستيفاء ما عليه ، ولا حجر عليه في الإقرار كما هو ظاهر وعليه الفتوى ، ولا يخفى أن هذا دليل على أن المراد بيعه بعد الإنفاق ، فينتفي الاحتمال السابق المذكور ثانيا.

قوله : ( فيرجع الملتقط عليه بما أنفق إن كان العتق بعده قبل البيع ).

أي : إذا كان الوجه قبول إقرار المولى بعتقه ، فيرجع الملتقط المنفق بالاذن على المولى بما أنفق ، إن كان العتق بعد الإنفاق وقبل البيع ، لأنه إن كان العتق قبل الإنفاق كان الإنفاق على حر ، فالرجوع عليه ، وإن كان العتق بعد البيع فلا أثر له ، لصيرورته ملكا لثالث.

ولا يخفى أن هذا القيد الأخير مستدرك ، لأن العتق بعد البيع لا يتصور ولا يعد عتقا ، ولو قال بدل العتق : إن كان الاعتبار بعد الإنفاق قبل البيع ، لكان أولى وأوجه ، لأنه على التقدير الأول لا يعلم من العبارة وقت قبول‌

١٠٥

ولو كان بالغا أو مراهقا فالأقرب المنع من أخذه : لأنه كالضالة الممتنعة ، وإن كان صغيرا كان له التملك بعد التعريف.

وولاية الالتقاط لكل حر بالغ عاقل مسلم عدل ، فلا يصح التقاط العبد ، فإن أذن المولى صح وانتقل الحكم اليه ، ولا المكاتب ،

______________________________________________________

الاعتراف وعدم قبوله.

وتوضيحه حينئذ : إن احتمال عدم القبول إنما يجي‌ء على تقدير كون الاعتراف بعد الإنفاق ، أما قبله فيقبل قطعا ، وكذا يشترط كونه قبل البيع ، إذ هو بعده إقرار في حق الغير ، فلا يقبل بدون البينة وإن أسنده إلى ما قبل البيع.

ولو أقر بعد الإنفاق : إني كنت قد أعتقه قبل الإنفاق ، فالظاهر عدم القبول ، لاستلزامه إسقاط النفقة التي قد ثبت تعلقها بذمته وإثباتها في ذمة اللقيط ، فلا بد من تصديق كل من الملتقط واللقيط ، أو البينة.

قوله : ( ولو كان بالغا أو مراهقا ، فالأقرب المنع من أخذه ، لأنه كالضالة الممتنعة ).

ويحتمل الجواز ، لأنه مال ضائع ، والحق أنه إن كان مخوف التلف أخذ ، والفرق بينه وبين الحر ظاهر ، فان المملوك لكونه مالا مظنة الطمع.

قوله : ( وإن كان صغيرا ، كان له التملك بعد التعريف ).

سواء كان ذكرا أو أنثى ، لأنه مال ضائع قد التقطه شرعا ، وكل ما كان كذلك جاز تملكه بعد تعريفه ، والتعريف الواجب هو ما سيأتي في الأموال ان شاء الله تعالى.

قوله : ( وولاية الالتقاط لكل حر بالغ عاقل مسلم عدل ، فلا يصح التقاط العبد ـ فان أذن المولى صح وانتقل الحكم اليه ـ ولا المكاتب ).

لا ريب أن العبد لكونه لا يقدر على شي‌ء لا عبرة بالتقاطه ، فان منافعه‌

١٠٦

ولا حكم لالتقاط الصبي ولا المجنون بل ينتزع من يديهما.

______________________________________________________

لسيده ، فان أذن له في الالتقاط أو علم به فأقره في يده ، جاز وكان السيد في الحقيقة هو الملتقط والعبد نائبه ، وإذا أذن له السيد فالتقط لم يكن له الرجوع في ذلك.

ولو لم يوجد سوى العبد وخيف على الطفل التلف بالإبقاء ، وجب على العبد التقاطه وإن لم يأذن المولى ، كذا قال في الدروس (١) والتحرير (٢).

وعندي في كون هذا لقطة حقيقة نظر ، لانتفاء الأهلية ، وإنما هو إنقاذ للغير من الهلاك ، فإن رضي المولى بفعل العبد فهو لقطة من الآن ، وإلا فهو منبوذ يجب التقاطه على الكفاية.

والمكاتب وإن تحرر بعضه ، والمدبّر وأم الولد ، وسائر من تحرر بعضه في ذلك كالقن ، لأنه ليس لواحد منهم التبرع بماله ولا بمنافعه إلا بإذن السيد ، كذا قال في التذكرة (٣).

ولا يخفى أن من تحرر بعضه له التبرع بمقدار ما فيه من الحرية ، نعم ليس له الحضانة ، لأنه يلزم منه التصرف بحق المولى ، ولو هاياه مولاه بقدر زمان الحضانة فكذلك ، لإمكان رجوعه عن المهاياة ، فيضيع حال الطفل.

قوله : ( ولا حكم لالتقاط الصبي ولا المجنون ، بل ينتزع من يديهما )

يفهم من عبارة التذكرة أن الذي ينتزع اللقيط الحاكم ، فإنه قال : ولو كان الجنون يعتوره أدوارا أخذه الحاكم من عنده ، كما يأخذه لو التقطه المجنون المطبق أو الصبي (٤).

__________________

(١) الدروس : ٢٩٨.

(٢) التحرير ٢ : ١٢٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٥٥.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٧٠.

١٠٧

ولا يصح التقاط الكافر للمسلم ويصح لمثله ، ولا الفاسق ، لأن الحضانة استئمان فلا تليق به.

______________________________________________________

وهل يكون لالتقاط أحدهما اعتبار أولوية بحيث يستحق التملك بعد التعريف سنة كسائر الأموال (١).

قوله : ( ولا يصح التقاط الكافر للمسلم ويصح لمثله ).

أما الأول فلأنه يمتنع ثبوت سبيل الكافر على المسلم ، ولأنه لا يؤمن من أن يفتنه عن دينه ، فان التقطه لم يقرّ في يده.

وأما الثاني فلقوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٢) فيكون هذا مستثنى من اشتراط العدالة عند المصنف.

قوله : ( ولا الفاسق ، لأن الحضانة استئمان فلا تليق به ).

ولأنه لا يؤمن من أن يسترقه ويأخذه ماله ، وجوّز صاحب الشرائع التقاطه ومنع من انتزاعه منه (٣) للأصل ، والمسلم محل الأمانة ، على أن هذا ليس استئمانا حقيقيا ، ولانتفاضه بالكافر في التقاطه الكافر ، ولا ريب أن اشتراط العدالة أحوط. نعم لو كان له مال فالاشتراط قوي ، لأن الخيانة في المال لشدة لصوق المطامع به أمر راجح الوقوع.

أما من ظاهر حاله الأمانة ولم يختبر حاله فإنه لا ينتزع من يده ، لأن ظاهر المسلم العدالة ولم يوجد ما ينافي هذا الظاهر.

قال في التذكرة : لكن يوكّل الامام من يراقبه من حيث لا يدري لئلاّ‌

__________________

(١) كذا في « م » و « ق » والحجري.

(٢) الأنفال : ٨٣.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٨٤.

١٠٨

والأقرب ثبوت الولاية للمبذّر ، والبدوي ، ومنشئ السفر.

______________________________________________________

يتأذى ، فإذا حصلت للحاكم الثقة به صار كمعلوم العدالة (١) ، فإن أراد وجوب ذلك أشكل تمكينه منه.

قال : وقيل ذلك لو أراد السفر به منع وانتزع منه ، لأنه لا يؤمن أن يسترقه (٢). وهذا يمكن أن يكون بناء على اشتراط العدالة ، ويحتمل أنا لو لم نقل بالاشتراط لوجب القول بها هنا ، لشدة الحاجة حينئذ.

قوله : ( والأقرب ثبوت الولاية للمبذر والبدويّ ومنشئ السفر ).

وجه القرب : أنه لا مانع إلا التبذير وعدم الاستيطان والسفر ، وليس واحد من هذه صالحا للمانعية.

أما التبذير فإنه مانع من التصرف في المال ، والحضانة قد لا تستلزم التصرف فيه ، وكونه موليا عليه إنما هو باعتبار ذلك لا مطلقا ، وكذا عدم الاستيطان لا ينافي الحضانة ، كما لا ينافيها السفر.

ويحتمل المنع ، أما في المبذر : فلأن الشرع أسقط ولايته وأثبت عليه الولاية لغيره ، وجوابه : أنه أسقط ولايته بالنسبة إلى المال خاصة لا بالنسبة إلى الحضانة ، والالتقاط يقتضي الحضانة فقط.

ويشكل : بأن الحضانة تستدعي الإنفاق ، وهو ممتنع من المبذر ، وجعل الولاية فيه لآخر يستدعي الضرر على الطفل بتوزيع أموره ، وأيضا فإن الولاية عليه أمر واحد فلا تتجزأ ، فتثبت مطلقا أو تنتفي مطلقا ، ولا يخلو هذا من قوة ، وهو مختار المصنف في التذكرة (٣) وشيخنا في الدروس (٤).

وأما البدويّ : فلأن التقاطه يؤدي إلى ضياع نسبه ، وهو قول الشيخ في‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٧١.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٧١.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٧١.

(٤) الدروس : ٢٩٨.

١٠٩

ويجب على الملتقط الحضانة ، فإن عجز سلّمه الى القاضي. وهل له ذلك مع التبرّم والقدرة؟ نظر ينشأ : من شروعه في فرض كفاية‌

______________________________________________________

المبسوط (١) ، ويضعف : بعدم علم مانعيته وعدم انضباط الأحوال ، فربما كان ذلك سبب ظهور نسبه ، والأصح الجواز.

ومنه يظهر وجه احتمال المنع في منشئ السفر ، والمعتمد الجواز فيه أيضا ، والمراد بمنشى‌ء السفر : من ابتدأ به أو قرب منه جدا ، بحيث صار بمنزلة المسافر.

قوله : ( ويجب على الملتقط الحضانة ).

المراد بوجوب ذلك عليه : وجوب صدوره عنه ، ولو بالاستعانة بالغير بحيث يقوم عليه ، ولا يجب عليه التبرع بما يستدعي من ذلك أجرة عادة ، كالارضاع وغسل ثيابه وبذلك ما يحتاج إليه الإنفاق عليه من المال ، وبهذا ينحل كلامه هنا وفي التذكرة ، فإنه قال فيها : الواجب على الملتقط حفظه وتربيته دون نفقته وحضانته (٢). قال في الدروس : يجب حضانته بالمعروف ، وهو القيام بتعهده على وجه المصلحة ، بنفسه أو زوجته أو غيرهما (٣).

قوله : ( فان عجز سلمه إلى القاضي ).

لأنه ولي من لا ولي له و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) (٤).

قوله : ( وهل له ذلك مع التبرم والقدرة؟ إشكال ، ينشأ : من شروعه في فرض كفاية فلزمه ).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٤١.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٧١.

(٣) الدروس : ٢٩٨.

(٤) البقرة ٢ : ٢٨٦.

١١٠

فلزمه والأقرب أن له السفر به والاستيطان به في غير بلد الالتقاط ، فلا يجب انتزاعه منه حينئذ. ونفقته في ماله وهو ما وقف على اللقطاء ، أو وهب منهم ، أو اوصي لهم ويقبله‌ القاضي ،

______________________________________________________

لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (١) ولأنه استحق الولاية بالأخذ ، ولهذا يقدم به على غيره ، فيجب عليه القيام بمقتضاها. ويحتمل جواز دفعه إلى القاضي ، لأنه ولي الضائع ويضعّف : بأنه ولي عام ، فولايته على من لا ولي له ، والملتقط وليّ خاص.

وفي التذكرة بنى الحكم في ذلك على أن الشروع في فروض الكفايات هل يوجب إتمامها وتعينها على الشارع أم لا؟ واختار جواز التسليم إليه (٢) ، والأصح العدم.

قوله : ( والأقرب أن له السفر به والاستيطان به في غير بلد الالتقاط ... ).

وجه القرب : أنه وليّ ، فيجوز له ما يجوز لغيره من الأولياء ، ولأن الأصل عدم الحجر عليه في ذلك ، ولأن المنع ربما يؤدي إلى ضرر الطفل. ويحتمل المنع ، لأن ذلك يقضي إلى ضياع نسبه ، فإنه إنما يطلب في موضع الالتقاط.

ويضعف : بأنه ربما كان السفر به محصلا لنسبه ، والأصح أنه إذا كان الملتقط عدلا ظاهرا وباطنا جاز له السفر به ، ولو كان عدلا ظاهرا خاصة لم يجز ، لأنه لا يؤمن أن يسترقه ، وهو خيرة المبسوط (٣).

قوله : ( ونفقته في ماله ، وهو ما وقف على اللقطاء ، أو وهب منهم ، أو اوصي لهم ، ويقبله القاضي ... ).

__________________

(١) محمد ( ص ) : ٤٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٧١.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٤٥.

١١١

أو ما يده عليه عند الالتقاط كالملفوف عليه ، والمشدود في ثوبه ، والموضوع تحته ، والدابة‌

______________________________________________________

لا ريب أنه لا يجب على الملتقط النفقة على اللقيط من مال نفسه ، بل ينفق عليه من مال اللقيط ، وماله أنواع : منها ما وقف على اللقطاء ، أي : على هذا الصنف ، كالموقوف على الفقراء ونحو ذلك ، وهو ظاهر. ومنها الموهوب منهم ، أي : من اللقطاء. ويقبل الهبة لهم الحاكم كما يقبل الوقف ، إن قلنا باشتراط القبول في مثل ذلك ، فعلى هذا تصح الهبة للصنف كما يصح الوقف عليهم ، ونقله المصنف في التذكرة عن بعض الشافعية ، وذكر أنه قد اعترض عليه : بأن الهبة لا تصح على غير معين ـ ثم قال في جوابه ـ وقال آخرون : يجوز أن ينزل الجهة العامة منزلة المسجد ، حتى يجوز تمليكها ، كما يجوز الوقف عليها ، وحينئذ يقبله القاضي ، وليس بشي‌ء (١). هذا كلامه ، وما ذكره حق.

فكلامه هنا إن أراد به جواز الهبة للجهة فليس بجيد ، ومختار التذكرة هو المعتمد وإن أراد به الهبة لمعينين من اللقطاء ومن جملتهم لقيط مخصوص ، فلا شبهة في الحكم ، لكن المتبادر من العبارة غير هذا.

ولا يخفى أن الوصية كالوقف وقول المصنف : ( ويقبله القاضي ) يعود إلى كل من الهبة والوصية ، وكذا الوقف على القول باشتراط القبول في هذا النوع منه.

واعلم : أنه لا ينفق عليه من ماله إلاّ بعد استئذان الحاكم ، لأنه لا ولاية له على ماله ، وإنما له الحضانة ، فإن استقل بالإنفاق منه ضمن ، وسيأتي التصريح بذلك في كلام المصنف.

قوله : ( أو ما يده عليه عند الالتقاط ، كالملفوف عليه ، والمشدود على ثوبه ، والموضوع تحته ، والدابة تحته ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٧٢.

١١٢

والخيمة والفسطاط الموجود فيهما ، والدار التي لا مالك لها ، وما في هذه الثلاثة من الأقمشة.

ولا يحكم له بما يوجد قريبا منه ، أو بين يديه ، أو على دكة هو عليها ، ولا بالكنز‌ تحته

______________________________________________________

فان اليد في كل واحد من هذه حقيقة ، وهي دالة على الملك ، ومثله ما لو غطي به كاللحاف ، والظاهر أن قوله : ( عنه الالتقاط ) مستدرك ، بل مضرّ ، فان ما كانت يده عليه قبل الالتقاط ثم زالت بعارض ـ كطائر أفلت من يده ومتاع سقط ـ محكوم بكونه له.

قوله : ( والخيمة والفسطاط الموجود فيهما ).

بجر الصفة ، أعني : ( الموجود ) لأنها صفة لـ ( الخيمة ) و ( الفسطاط ) بالسببية ، و ( الفسطاط ) : بيت من شعر ، ولا ريب أن اليد في كل شي‌ء بحسب حال ذلك الشي‌ء ، والخيمة والفسطاط بيتان ، فالكون تحتهما وضع لليد عليهما.

قوله : ( التي لا مالك لها ).

هي صفة لكل من ( الدار ) و ( الخيمة ) و ( الفسطاط ) ويحتمل عوده إلى جميع ما ذكر ، من قوله : ( كالملفوف ... ) لأن ما علم أن له مالكا غيره لا عبرة بيده عليه.

قوله : ( وما في هذه الثلاثة من الأقمشة ).

تخصيص الثلاثة بالذكر ، يشعر بأن التي لا مالك لها صفة للجميع لا للثلاثة ، وإلاّ لكان ذكر الثلاثة مستدركا ، ووجهه : أنه إذا كانت يده على البيت فيده على ما فيه ، فيكون له.

قوله : ( ولا بالكنز تحته ).

١١٣

وإن كان معه رقعة أنه له على اشكال ، فإن لم يكن له مال استعان الملتقط بالسلطان ، فإن تعذر استعان بالمسلمين ،

______________________________________________________

إذ لا يد لمن جلس على أرض مباحة مدفون فيها كنز بالنسبة إلى الكنز قطعا ، أما لو كان الكنز في بيت مملوك له باعتبار كون يده عليه ، فان يده عليه ، فيكون مملوكا له.

قوله : ( وإن كان معه رقعة أنه له على إشكال ).

أي : لا يحكم له بشي‌ء من المذكورات وإن كان معه رقعة مكتوب فيها : أن ذلك الشي‌ء له ، على إشكال ، ينشأ : من انتفاء اليد وأسباب الملك وإمكان تزوير الخط وانتفاء حجته ، ومن أنه أمارة.

والأصح أنه إن أثمرت الكتابة ظنا قويا ـ كالصك الذي تشهد القرائن بصحته ، خصوصا إن عرف فيه خط من يوثق به ـ عمل بها ، فانا نجوّز العمل في الأمور الدينية بخط الفقيه إذا أمن تزويره ، وإنما يثمر الظنّ القوي.

هذا إذا لم يكن معارض من يد اخرى ، ولا دعوى مدعو ، ولا قرينة أخرى تشهد بخلاف ذلك ، وإلاّ فلا.

ولا يخفى أنه إذا تحقق ما شرطناه ، لا يشترط في الحكم كون الرقعة معه ، بل لو كانت في المتاع أو كان مكتوبا عليه لا تفاوت ، وإن كانت عبارة الكتاب قاصرة.

قوله : ( فإن لم يكن له مال استعان الملتقط بالسلطان ).

وجوبا إن لم يتبرع هو ولم يجد من يتبرع ، وإلا جاز له الاقتصار على الإنفاق من ذلك المتبرع به.

قوله : ( فان تعذر استعان بالمسلمين ).

أي : فان تعذر ذلك ـ وهو الاستعانة بالسلطان ، إما لعدم إمكان الوصول‌

١١٤

ويجب عليهم بذل النفقة على الكفاية ، فإن تعذّر أنفق الملتقط ، فإن نوى الرجوع رجع والاّ فلا.

______________________________________________________

إليه ، أو لكونه لا مال عنده ، أو لأن ما عنده يجب صرفه فيما هو أضر من ذلك ـ وجب عليه الاستعانة بالمسلمين ، إن كان لا يتبرع ولا يجد متبرعا كما سبق.

قوله : ( ويجب عليهم بذل النفقة على الكفاية ).

إما تبرعا أو قرضا ، كما صرح به في التذكرة (١) ، وهو ظاهر ، فان الواجب على الكفاية رفع حاجة المحتاج لا التبرع.

فان قيل : لما كان الملتقط من جملة من يتعلق به هذا الواجب الكفائي ، لم يحتج إلى ترتب الوجوب على المسلمين أولا ، ومع التعذر فيجب عليه ، بل لا يصح ذلك ، لتعلق الوجوب به بعد تعذر الاستعانة بالسلطان.

قلنا : لا كلام في تعلق الوجوب به في الجملة مع المسلمين ، لكن لما لم يجب عليه التبرع كما لا يجب على المسلمين ، وقد يرجى وجود متبرع أو متصدق ، لم يجز له الإنفاق على قصد الرجوع قبل اليأس من المتبرع.

قوله : ( فان تعذر أنفق الملتقط ).

ينبغي أن يراد : أنه إذا تعذرت إعانة المسلمين تبرعا ، لأنهم إذا بذلوا النفقة قرضا ، لم يكن بينهم وبين الملتقط فرق بالنسبة إلى مصلحة اللقيط ، فلا وجه لتوقف إنفاقه قرضا.

قوله : ( فان نوى الرجوع رجع ، وإلاّ فلا ).

خلافا لابن إدريس ، فإنه قال : لا يرجع مع نية الرجوع لتبرعه (٢) ، وهو ضعيف ، فإنه مأذون في ذلك شرعا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٧٣.

(٢) السرائر : ١٨٠‌

١١٥

ولو ترك الاستعانة مع إمكانها فلا رجوع.

ولو ظهر رقه رجع مع عدم التبرع على سيده ، وعليه مع الحرية إن كان موسرا أو كسوبا ، وإلا فمن سهم الفقراء أو الغارمين.

______________________________________________________

نعم لا بد من نية الرجوع ، وظاهر كلامه في التذكرة (١) اعتبار الاشهاد مع ذلك ، فلا يرجع بدونه ، وهو مخالف لما سبق مثله في الوديعة ، والظاهر العدم. هذا إذا تعذر عليه استئذان الحاكم ، وإلاّ تعين.

قوله : ( ولو ترك الاستعانة مع إمكانها فلا رجوع ).

إذا كانت الإعانة تبرعا فلو قطع بانتفاء التبرع ، فلا مانع من الرجوع.

قوله : ( ولو ظهر رقه رجع مع عدم التبرع على سيده ).

ظاهر العبارة أن التفصيل السابق آت هنا ، وهو مقتضي إطلاق كلامهم ، ويحتمل إلحاق المملوك الملتقط بالوديعة ، فمتى لم يجد مالا للمالك وتعذر استئذان المالك والحاكم ، أنفق ونوى الرجوع ولا حاجة إلى الاستعانة بالمسلمين.

قوله : ( وعليه مع الحرية إن كان موسرا أو كسوبا ).

هذا إذا اكتسب وفضل من كسبه عن مؤنته المستثناة في الدين شي‌ء ، فان الاكتساب للدين غير واجب كما سبق.

قوله : ( وإلاّ فمن سهم الفقراء أو الغارمين ).

أي : ويرجع عليه إن لم يكن موسرا ولا كسوبا من سهم الفقراء والغارمين من الزكاة ، مخيرا في الأمرين ، لتحقق كل من الوصفين فيه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٧٣.

١١٦

وليس للملتقط الإنفاق من مال اللقيط بدون اذن الحاكم ، فإن بادر بدونه ضمن إلاّ مع التعذر ، ولا يفتقر في احتفاظه الى الإذن.

ولو اختلفا في قدر الإنفاق قدّم قول الملتقط مع اليمين في قدر المعروف ،

______________________________________________________

ويشكل : بأن الرجوع عليه يفهم منه ثبوت ذلك جزما ، ولا يستقيم ذلك في سهم الفقراء ، لأن قبض الفقير الزكاة مما يتوقف عليه الملك ، وهو نوع اكتساب ، فلا يجب لما قلناه ، ويبعد جواز أخذ المنفق ذلك بدون قبض اللقيط ، لتوقف ملكه له على قبضه. نعم يتصور ذلك في سهم الغارمين ، لأن صيرورته ملكا للمديون غير شرط ، فيجوز الدفع إلى صاحب الدين وإن لم يقبضه المديون.

ولو حملت العبارة على أن المراد كون الرجوع منوطا باختيار اللقيط ـ مع أنه خلاف المتبادر ـ لم يستقم ذلك بالنسبة إلى سهم الغارمين كما حققناه.

ولا يخفى أن هذا الحكم إنما هو بعد بلوغه ، أما قبله فلا يمكن الرجوع عليه ، نعم يمكن الأخذ من ماله باذن الحاكم ومن سهم الغارمين.

قوله : ( ولا يفتقر في احتفاظه الى الإذن ).

قد ينافي هذا ظاهر قوله في التذكرة : لا ولاية له على ماله ، وإنما له حق الحضانة إلى أخره (١).

ويمكن أن يقال : إن المنفي ولاية التصرف لا ولاية الحفظ.

قوله : ( ولو اختلفا في قدر الإنفاق ، قدّم قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف ).

لأن الظاهر يساعد الملتقط ولم يلتفتوا إلى أن الأصل العدم فيما زاد على‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٧٣.

١١٧

وكذا في أصل الإنفاق وإن كان للملقوط مال.

المطلب الثاني : في الأحكام : وهي أربعة :

الأول : النسب : فإن استلحقه الملتقط أو غيره الحق به ، ولا يلتفت الى إنكاره بعد بلوغه ، وإن استلحق بالغا فأنكر لم‌ يثبت.

______________________________________________________

قدر الضرورة ، فيقدم قول اللقيط في نفي الزائد ، أما ما زاد على قدر المعروف فلا يلتفت إليه في دعواه ، لأنه إن صح كان مفرطا ، ولا يحلف إلاّ أن يدعي الحاجة وينكرها اللقيط.

نعم لو وقع النزاع في عين مال أنه أنفقها صدّق باليمين ، لتنقطع المطالبة بالعين ، ثم يضمن كالغاصب إذا ادّعى التلف.

قوله : ( وكذا في أصل الإنفاق وإن كان للملقوط مال ).

أي : وكذا يقدّم قول الملتقط في قدر الإنفاق بالمعروف ، لو اختلفا في أصل الإنفاق ، لما قلناه من الظاهر ، ولا يقدح في ذلك وجود مال الملقوط ، لأنه لا يسوغ له التصرف في ماله إلاّ بإذن الحاكم ، ولأن الموجود لا يتصور كونه المنفق ، والأصل عدم غيره.

قوله : ( المطلب الثاني في الأحكام ، وهي أربعة : الأول النسب ، فإن استلحقه الملتقط أو غيره الحق به ).

للإجماع على أن استلحاق الرجل الصغير يقتضي لحاقه به ، ولا فرق بين كونه ذكرا أو أنثى ، إلاّ أن يستلحق مملوك الغير ، فلا يثبت بمجرده ، للإضرار بالمالك ، فلا بد من البينة.

قوله : ( ولا يلتفت إلى إنكاره بعد بلوغه ).

لثبوت النسب شرعا ، فلا يزول بالإنكار اللاحق.

قوله : ( وإن استلحق بالغا فأنكر لم يثبت ).

١١٨

الثاني : الإسلام : وإنما يحصل بالاستقلال بمباشرة البالغ العاقل دون الصبي وإن كان مميزا ، لكن يفرّق بينه وبين أبويه خوف الاستنزال وغير المميز والمجنون لا يتصور إسلامهما إلاّ بالتبعية ، يثبت.

وهي تحصل بأمور ثلاثة :

أ : إسلام أحد الأبوين ، فكل من انفصل من مسلم أو مسلمة فهو‌ مسلم ،.

______________________________________________________

هذه مذكورة بالاستطراد ، ويكون المراد : استلحاق اللقيط بعد بلوغه.

قوله : ( الثاني : الإسلام ، وإنما يحصل بالاستقلال بمباشرة البالغ العاقل ، دون الصبي وإن كان مميزا ).

لأنه غير مكلّف ، فلا يكون إقراره بالشهادتين معتدا به ، وكذا المجنون.

قوله : ( لكن يفرق بينه وبين أبويه خوف الاستنزال ).

أي : وجوبا ، والاستنزال مصدر استنزله عن كذا أي : طلب نزوله عنه ، والمراد : إنزال والديه الكافرين له عما أظهره من كلمتي الشهادة ، وفي بعض النسخ خوف الاستنزال ، وهو مصدر استزلّه عن كذا أي : أزله ، وللشيخ قول بأنه يحكم بإسلامه إذا بلغ عشرا (١) ، وهو ضعيف.

قوله : ( وغير المميز والمجنون لا يتصور إسلامهما إلاّ بالتبعية ).

لا يخفى أن المميز أيضا كذلك ، لكن إظهار الشهادتين منه يؤثر وجوب التفريق بينه وبين أبويه ، بخلاف من لا تميّز له ، لأنه بمنزلة سائر الحيوانات.

قوله : ( وهي تحصل بأمور ثلاثة : الأول إسلام أحد الأبوين ، وكل من انفصل من مسلم أو مسلمة فهو مسلم ).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٤١ مسألة ٢٠ كتاب اللقطة.

١١٩

______________________________________________________

انفصال النطفة من مسلم موجوب للإسلام قطعا ، حتى أنه لو بلغ الولد فأظهر الكفر كان مرتدا ، لأنه جزء من مسلم حقيقة.

إما انفصال الولد من مسلمة ، فإنه إن كان تجدد إسلامها بعد العلوق مع كفر الأب ، تكون تبعية الولد لها في الإسلام مسبوقة بتبعيته في الكفر ، فلذلك قيل بعدم الحكم لو بلغ فأظهر الكفر ، لسبق كفره على الحكم بإسلامه (١) ، فهو مرتد عن ملة تقبل توبته.

ومثله : ما لو تجدد إسلام الأب بعد العلوق والام كافرة ، وهو مختار المصنف في التذكرة (٢) ، وعدم الفرق لا يخلو من قوة ، والذي حكاه شيخنا في الدروس (٣) أن الخلاف في كونه مرتدا ، فحينئذ يكون القول الآخر أنه كافر أصلي ، فتكون في المسألة ثلاثة أقوال (٤) ، وقد صرح المصنف في التذكرة بذلك (٥) ، وعدم الفرق هو الذي يرشد إليه إطلاق عبارة الكتاب.

ووجهه : أن الإسلام يعلو (٦) ، ولأن كل مولود يولد على الفطرة (٧) ، ولرواية الصدوق عن علي عليه‌السلام : « إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام ، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام ، فان أبى قتل » (٨) قال في الدروس : وهو نص في الباب.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٧٤.

(٢) الدروس : ٢٩٩.

(٣) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ١١١ : قد عرفت ان القول الثالث لم يذهب إليه أحد منا ، وانما هو احتمال للشافعية فلا يناسب عده قولا.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٧٤.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٤٣ حديث ٧٧٨.

(٦) عوالي اللآلي ١ : ٣٥ حديث ١٨.

(٧) الفقيه ٣ : ٩٢ حديث ٣٤٣.

(٨) الدروس : ٢٩٩.

١٢٠