جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

أما لو قال المستحق : وكلتني ، فقال : لا بل أحلتك صدّق منكر الحوالة باليمين ، وليس للمستحق القبض ، لأن إنكار الوكالة يتضمن العزل ، وإن كان قبض فالأقرب أنه يتملكه ، لأنه جنس حقه وصاحبه يزعم أنه ملكه ،

______________________________________________________

ويحتمل عدم استحقاق المطالبة ، لأن الحوالة تتضمن براءة ذمة المحيل ، فبدعواه إياها معترف ببراءة ذمة المحيل فكيف يطالبه؟ وبما بيناه أولا يعلم أنه لم يبرأ مطلقا ، لأنه ظالم له بتملك ما يستحقه بزعمه هذا الحكم في الظاهر ، وفيما بينه وبين الله يعتمد ما يعلم إنه الحق.

قوله : ( أما لو قال المستحق : وكلتني ، فقال : بل أحلتك ، صدّق منكر الحوالة باليمين ، وليس للمستحق القبض ، لأن إنكار الوكالة يتضمن العزل ).

أي : لو قال المستحق للدّين : وكلتني ، فقال المديون : لا بل أحلتك عكس الأول ، صدّق منكر الحوالة لمثل ما سبق ، فإن الأصل العدم ، والأصل بقاء الحقوق كما كانت.

وفي العبارة مناقشة ، لأن سوقها يشعر بمخالفة حكم هذا لما قبله ، مع اتفاقهما في تصديق منكر الحوالة.

ولو قال : فإن المصدق المديون ليكون الاختلاف بينهما وبين ما سبق في تصديق المديون وعدمه ، وحينئذ فليس للمستحق القبض ظاهرا ، لاندفاع الحوالة بإنكاره ويمينه ، فالوكالة بإنكار المديون ، لأن الإنكار يتضمن العزل لو كان وكيلا.

قوله : ( وإن كان قبض فالأقرب أنه يتملكه ، لأنه جنس حقه وصاحبه يزعم انه ملكه ).

فلا أقل من أن يكون ذلك إذنا في التملك ، ويحتمل العدم لانتفاء المقتضي ، وهذا الحكم ظاهرا وباطنا على تقدير صدقه في دعوى الوكالة ، فأما على تقدير كون الواقع الحوالة فظاهر أنه ملكه.

٣٨١

وان تلف احتمل عدم الضمان ، لأن الوكيل أمين ، وثبوته ، لأن الأصل ضمان مال الغير في يد آخر.

ولا يلزم من تصديقه في نفي الحوالة تصديقه في إثبات الوكالة ليسقط عنه الضمان.

______________________________________________________

واعلم أن شيخنا الشهيد في بعض حواشيه جوّز لقوله : ( يتملكه ) معنيين :

أحدهما : إرادة الملك القهري ، لأن المديون يزعم ذلك وهو من جنس الحق ، فهو في قوة التعيين لجهة مخصوصة من جهات القضاء ، فلا يحتاج إلى أمر آخر.

الثاني : إرادة جواز التملك ، فيتوقف حصول الملك على أحد أمرين : إما تصريح المديون بالتعيين ، كأن يقول : خذ ما في يدك ، أو مماطلته بدفع غيره فيأخذه قصاصا.

وعندي أن الثاني بعيد ، إذ المتبادر من كلام المصنف تملكه من غير توقف على شي‌ء آخر ، فإما أن يجعل زعم المديون بمنزلة التعيين ، إن لم يكن أقوى فيملكه بالقبض على طريق القهر ، أو يجعل ادعاء الحوالة ـ المتضمنة لبراءة ذمته بحيث لا يستحق عليه المطالبة ـ بعد مماطلته ، حيث أنه أقوى من المماطلة ، إذ منكر الدين مماطل وزيادة ، فيسوغ له الأخذ مقاصة. وعلى كل حال ، فما قربه المصنف هو المختار ، وكل من الأمرين الأخيرين محتمل.

قوله : ( وإن تلف احتمل عدم الضمان لأن الوكيل أمين ، وثبوته لأن الأصل ضمان مال الغير في يد آخر. ولا يلزم من تصديقه في نفي الحوالة تصديقه في إثبات الوكالة ، ليسقط عنه الضمان ).

أي : وإن تلف المال المقبوض في يد المستحق ، ففي ضمانه وجهان. ولا يخفى أن في توجيه الاحتمال الأول ضعفا ، لأن صغرى القياس المضمرة يجب أن تكون هكذا : القابض وكيل ، ومعلوم ردها ، إذ الوكالة لم تثبت فيكون الاحتمال الثاني أقوى.

٣٨٢

ج : لو شرط في الحوالة القبض بعد شهر مثلا فالأقرب الصحة وإن كان حالا.

د : لو أحال البري‌ء على مشغول الذمة فهي وكالة يثبت فيها أحكامها ، وجازت بلفظ الحوالة لاشتراكهما في المقصود وهو‌ استحقاق المطالبة.

______________________________________________________

وهذه المسألة مما تتخرج على قاعدة معروفة بين الفقهاء وهي : ان اليمين لنفي شي‌ء لا يكون لإثبات شي‌ء آخر.

( إن قيل : لا حاجة الى تخريجها على هذه القاعدة.

قلنا : بل نحتاج ، إذ يمكن أن يقال : إن الحال دائر باعترافهما بين الحوالة والوكالة ، فإذا بطل أحدهما باليمين تعين الآخر ، لأن اليمين حجة شرعية ) (١).

ومن صورها : ما لو أقرّ الوكيل بالبيع وقبض الثمن بهما ، وأنكر الموكل القبض حلف الوكيل لاستيمانه. فلو خرج المبيع مستحقا ، ورجع المشتري على الوكيل بالثمن لعدم ثبوت الوكالة لم يرجع الوكيل على الموكل ، لأن اليمين كانت لدفع الغرم لا لإثبات المال على الموكل ، فالقول الآن قول الموكل بيمينه.

قوله : ( ولو شرط في الحوالة القبض بعد شهر مثلا فالأقرب الصحة وإن كان حالا ).

أي : وإن كان الحق المشروط قبضه وإن لم يكن مذكورا لدلالة القبض عليه. ووجه القرب أنه شرط لا ينافي مقتضى العقد ، فيكون اشتراطه سائغا. ويحتمل العدم ، لأن الحوالة على حق حال. وضعفه ظاهر ، لأن حلوله لا ينافي اشتراط الأجل ، والأصح الصحة.

وتوجيه الشارح الصحة بكون الشرط سائغا في معنى المصادرة (٢).

قوله : ( وجازت بلفظ الحوالة لاشتراكهما في المقصود ، وهو‌

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٩٧.

٣٨٣

ولو انعكس الفرض ، فإن شرطنا الشغل فهو اقتراض ، فإن قبض المحتال رجع على المحيل ، وإن أبرأه لم يصح ، لأنه إبراء لمن لا دين عليه ، وإن قبض منه ثم وهبه إياه رجع المحال عليه على المحيل ، لأنه غرم عنه.

ولو أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه فهي وكالة في اقتراض.

الفصل الثالث : في الكفالة :

وهي عقد شرع للتعهد بالنفس ،

______________________________________________________

استحقاق المطالبة ).

أي : في المقصود من الوكالة ، إذ المقصود من الحوالة لا يشتركان فيه ، فيكون حينئذ العقد بالمجاز ، ولا يمتنع ذلك خصوصا في العقد الجائز ، لأنه يسامح فيه ما لا يسامح في اللازم.

قوله : ( ولو انعكس الفرض ، فإن شرطنا الشغل فهو اقتراض ).

انعكاس الفرض أن يحيل بلفظ الوكالة ، فإن شرطنا شغل ذمة المحال عليه في الحوالة ، ولم يكن المحال عليه مشغول الذمة ، كان ذلك اقتراضا بلفظ الحوالة مجازا ، فتجري عليه أحكامه. وإنما قلنا : إنه اقتراض ، لأنه ليس معنى من المعاني أقرب الى الوكالة والحوالة منه.

قوله : ( فان قبض المحتال رجع على المحيل ، وإن أبرأه لم يصح ، لأنه إبراء لمن لا دين عليه ).

أي : فان قبض المحتال من المحال عليه ، رجع المحال عليه ـ وهو المقرض ـ على المحيل وهو المقترض ، وإن أبرأه المحتال وقع لغوا ، لأنه لا دين له عليه ، إذ المطلوب منه الإقراض.

قوله : ( وهي عقد شرّع للتعهد بالنفس ).

سيأتي أنه يصح التكفل بالأعيان المضمونة ، فلا يتناولها هذا التعريف.

٣٨٤

ويعتبر فيها رضى الكفيل والمكفول له دون المكفول ، وتعين المكفول ، فلو قال : كفلت أحدهما أو زيدا فإن لم آت به فبعمرو أو بزيد أو عمرو بطلت.

______________________________________________________

قوله : ( ويعتبر فيها رضى الكفيل ، والمكفول له ، دون المكفول ).

لأن إثبات حق على شخص لا على وجه يثبت كونه قهريا يتوقف على رضاه ، وكذا المكفول له لأن إثبات حق له على شخص من دون رضاه باطل ، دون المكفول عند علمائنا ، قاله في التذكرة (١) وحكى في التحرير (٢) عن الشيخ في المبسوط (٣) اعتبار رضاه.

وكذا عن ابن إدريس قال : وفيه قوة (٤) ، وهو مذهب الشافعي (٥) ، ووجهه إمكان إحضاره ، فإنه متى لم يرض لم يلزمه الحضور معه. ويرد عليه أنه إن طلبه منه المكفول له وجب عليه الحضور ، إذ لا أقل من أن يعد توكيلا. وإن لم يطلبه ، فيمكن أن يقال بذلك ، لأن التكفيل يقتضي التسليط على الإحضار.

وسيأتي في كلام المصنف : أنه لا يجب عليه الحضور مع التبرع ، وعدم طلب المكفول له. ويشترط أيضا الإيجاب ككفلت لك بدن فلان ، ونحوه. والقبول على الفور ، وكونهما بالعربية من كاملين.

قوله : ( وتعيين المكفول ، فلو قال : كفلت أحدهما ، أو زيدا فان لم آت به فبعمرو أو بزيد أو عمرو بطلت ).

يشترط أيضا تعيين المكفول على وجه يرتفع الإبهام ، فلو قال : كفلت لك أحد هذين لم يصح ، لأنه لا يعلم المكفول بعينه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٠٠.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٢٤.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٣٧.

(٤) السرائر : ١٧٣.

(٥) المغني لابن قدامة ٥ : ٩٦.

٣٨٥

وتنجيز الكفالة ، فلو قال : إن جئت فأنا كفيل به لم يصح على اشكال ، ولو قال : أنا أحضره أو أؤدي ما عليه لم تكن كفالة.

وتصح حالة ومؤجلة على كل من يجب عليه الحضور مجلس الحكم

______________________________________________________

وكذا لو قال : كفلت لك زيدا فان لم آت به فانا كفيل بعمرو ، إذ مع عدم التزام إحضار أحدهما بعينه تعليق الكفالة في عمرو بشرط ، والكفالة لا تعلق كما سيأتي. وكذا لا يصح لو قال : كفلت لك بزيد أو عمرو بمثل ما سبق.

قوله : ( وتنجيز الكفالة ، فلو قال : إن جئت فأنا كفيل به لم يصح على اشكال ).

ينشأ : من رواية أبي العباس ، عن الصادق عليه‌السلام فيمن قال في الكفالة : إن جئت وإلا فعلي خمسمائة درهم فقال : « لزمته الدراهم » (١). ومن أن الأسباب الشرعية إنما هي بوضع الشارع ، ولا يثبت الوضع بمثل هذه الرواية ، خصوصا ما علم عدم جواز مثله.

ولأن التعليق يقتضي عدم الجزم بالكفالة ، ولأن أثر السبب يجب أن يترتب على وقوعه ، وإلا لم يكن صحيحا كما هو مقرر في الأصول ، ومع التعليق يمتنع ذلك ، ولأن المعلق عليه يمتنع كونه جزء السبب ، وإلا لوجب كونه معه ، فإن تراخي القبول ممنوع فكيف باقي الأجزاء؟

وإذا امتنع ذلك امتنع اعتباره في العقد ، ( فيجب تأثيره بدون المعلق عليه ، والتعليق ينافيه لكونه مقصودا ، فلم يبق إلا بطلان العقد ) (٢) وهو الأصح.

قوله : ( وتصح حالة ومؤجلة على كل من يجب عليه الحضور مجلس الحكم ).

لأن الحضور حق شرعي ، ولا مانع من اشتراط الأجل أو الحلول ، واشترط‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٤ حديث ٣ ، التهذيب ٦ : ٢١٠ حديث ٤٩٣.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

٣٨٦

من زوجة يدّعي الغريم زوجيتها ، أو كفيل يدّعي عليه الكفالة ، أو صبي أو مجنون ، إذ قد يجب إحضارهما للشهادة عليهما بالإتلاف ، وبدن المحبوس لإمكان تسليمه بأمر من حبسه ، ثم يعيده الى الحبس ، أو عبد أبق ، أو من عليه حق لآدمي من مال أو عقوبة قصاص.

______________________________________________________

الشيخ لصحتها تأجيلها فيها (١).

قوله : ( من زوجة يدعي الغريم زوجيتها ).

وحينئذ فيجب بالكفالة السعي في إحضارها ، وللشافعية قول بالمنع (٢) ، بناء على أن الكفيل يغرم ما على المكفول لو لم يرد لتعذره هنا.

قوله : ( أو صبي أو مجنون ، إذ قد يجب إحضارهما للشهادة عليهما بالإتلاف ).

فإنه ربما لم يكن الشاهدان ، بحيث يمكنهما تمييزهما في الشهادة بدون الإحضار.

قوله : ( وبدن المحبوس لإمكان تسليمه بأمر من حبسه ، ثم يعيده الى الحبس ).

أي : تجوز الكفالة به ، لأن تسليمه ممكن بأمر من حبسه ، ثم يعيده الى الحبس إن أراد. ومثله الكفالة بالغائب ، ومنع من كفالتهما أبو حنيفة لتعذر التسليم في الحال (٣) ، ولا فرق في ذلك بين كون الحبس ظلما أو بحق.

قوله : ( أو عبد آبق ).

أي : حين إباقه ، ويلزمه حينئذ السعي في رده ، وفي حاشية الشهيد كفالته من مولاه إذا كان معتادا للاباق ، وهو معنى صحيح أيضا.

__________________

(١) النهاية : ٣١٥.

(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ٩٦.

(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ٩٧.

٣٨٧

ولا يشترط العلم بقدر المال ، فإنّ الكفالة بالبدن لا به ، ولا تصح على حد الله تعالى.

والأقرب صحة كفالة المكاتب ، ومن في يده مال مضمون كالغصب ، والمستام ، وضمان عين المغصوب ، والمستام ليردها على

______________________________________________________

قوله : ( ولا يشترط العلم بقدر المال ، فإن الكفالة بالبدن لا به ).

ولو قلنا بلزوم الغرم لو لم يحضر المكفول به ، فوجوبه بذلك لا بالكفالة.

قوله : ( ولا تصح على حد لله تعالى ).

لأنه مبني على التخفيف ، ولأنه لا تأخير في حد ، ولقضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام إذ لا كفالة في حد.

قوله : ( والأقرب صحة كفالة المكاتب ).

وجه القرب : أنه إما عبد أو مديون ، وكلاهما موجب للإحضار ، ولأنه يصح ضمانه فكفالته أولى ، ومنع الشيخ (١) وابن البراج بناء على أن له تعجيز نفسه ، والأقرب أقرب.

قوله : ( ومن في يده مال مضمون كالغصب والمستام ).

إن قلنا بصحة ضمانه فلا بحث في صحة الكفالة ، وإن قلنا : لا يصح الضمان فالأقرب صحة الكفالة ، لأن عليه حقا فيكون هذا في حيز الأقرب. ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن ما عليه ليس هو الأعيان ، لتؤخذ منه عند عدم الإحضار لو قلنا : يغرم.

قوله : ( وضمان عين المغصوب والمستام ليردها على مالكها ).

أي : الأقرب صحة ضمان عين المغصوب والمستام ، وغيرهما من الأعيان المضمونة ليردها على مالكها ، ووجه القرب : أن ردها واجب ، فيصح ضمانها لذلك (٢).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٤٠.

(٢) في « ق » : كذلك.

٣٨٨

مالكها ، فإن رد بري‌ء من الضمان ، وإن تلفت ففي إلزامه بالقيمة وجهان ، الأقرب العدم ، كموت المكفول دون الوديعة والأمانة.

وتصح كفالة من ادعى عليه وإن لم تقم البينة عليه بالدين وإن جحد لاستحقاق الحضور عليه والكفالة ببدن الميت ، إذ قد يستحق إحضاره لأداء الشهادة على صورته ، والإطلاق يقتضي التعجيل ، فإن شرطا أجلا وجب ضبطه ، والتسليم الكامل في بلد العقد ، ولو عيّن غيره لزم. وللمكفول له مطالبة الكفيل بالمكفول في الحال مع التعجيل والإطلاق ، وعند الأجل في المؤجلة.

______________________________________________________

ويشكل بأنه إن كان ضمانا ، فشرطه كون المضمون به حقا ثابتا في الذمة. وإن كان كفالة ، فشرطها التعهد بنفس ، وكلاهما منتف.

قوله : ( فان رد بري‌ء من الضمان ، وإن تلفت ففي إلزامه بالقيمة وجهان : الأقرب العدم كموت المكفول ).

وجه الإلزام : أن معنى ضمانها ردها مع البقاء ، والقيمة مع التلف.

ووجه العدم : أن الواجب الرد ، لأن الضمان إنما كان له فإذا تعذر بالتلف لم يجب شي‌ء آخر ، كما لو مات المكفول. ولو قلنا بالصحة كفالة اتجه الثاني ، لكن القول به بعيد.

قوله : ( والكفالة ببدن الميت ، إذ قد يستحق إحضاره لأداء الشهادة على صورته ).

حيث يكون الشاهد قد تحمل الشهادة على الصورة ، ولم يعرف النسب.

قوله : ( والتسليم الكامل في بلد العقد ... ).

أي : والتسليم الكامل إنما يكون في بلد العقد ، ويمكن أن يكون معطوفا على الفاعل ، أعني ضبطه ، أي : وجب التسليم الكامل في بلد العقد الى آخره. وسيأتي ما يعلم منه التسليم الكامل ان شاء الله تعالى ، فمتى أطلق مكان التسليم‌

٣٨٩

ويخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه تاما في المكان الذي شرطه ، أو في بلدة الكفالة لو أطلق ، إرادة المستحق أو كرهه ، وبموت المكفول في غير الشهادة على عينه أو فيها بعد الدفن إن حرّمنا النبش لأخذ المال ،

______________________________________________________

انصرف الى بلد العقد ، ولو شرطه كان آكد ، ولو عين غيره لزم وفاء بالشرط.

قوله : ( ويخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه تاما في المكان الذي شرطه ، أو في بلد الكفالة لو أطلق ، إرادة المستحق أو كرهه ).

يخرج التسليم عن كونه تاما ، بأن يكون في يد ظالم ، أو دونه من يحميه ، ويحول دونه ، ونحو ذلك. فإذا سلمه كذلك فلم يتسلمه ، قال في التذكرة : الأقوى أنه يكفي الإشهاد على الامتناع وانه سلمه إليه فلم يتسلمه (١).

ولا يجب دفعه الى الحاكم ، لأن مع وجود صاحب الحق لا يلزمه دفعه الى من ينوب عنه من حاكم أو غيره ، وهو متجه.

قوله : ( وبموت المكفول في غير الشهادة على عينه ، أو فيها بعد الدفن إن حرمنا النبش لأخذ المال ).

أي : ويخرج الكفيل عن العهدة بذلك ، لأنه لم يتعهد بالمال بل بالنفس وقد فاتت بالموت ، ولأن المتبادر من الكفالة إنما هو الإحضار في حال الحياة ، وهو المتعارف بين الناس فيحمل الإطلاق عليه.

وهذا في غير الشهادة على عينه وصورته ، لدلالة ذلك على عدم الاختصاص بحال الحياة. هذا إذا لم يدفن ، فان دفن وحرّمنا النبش لأخذ المال لم ينبش هنا أيضا ، فيخرج عن العهدة بدفنه.

ويشكل : بأن نبش الميت للشهادة على عينه من الأمور المستثناة بالاستقلال ، غير متفرعة على جواز النبش لأخذ المال ، فلا يلزم من تحريم النبش ، ثم تحريمه هنا. وقد سبق في أحكام الجنائز جواز النبش لكل منهما ، فلا يبرأ بدونه.

نعم : لو علم تغير صورة الميت بحيث لا يعرف ، بري‌ء الكفيل حينئذ.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٠١.

٣٩٠

وبتسليمه نفسه ، وبإبراء المستحق لأحدهما. ولا يبرأ بالتسليم ودونه يد غالبة مانعة ، ولا بتسليمه قبل الأجل ، أو في غير المكان المشترط وإن انتفى فيها الضرر على رأي ،

______________________________________________________

قوله : ( وبتسليمه نفسه ).

أي : ويبرأ بتسليم المكفول به نفسه تسليما تاما الى المكفول له ، ( لأن القصد رده الى المكفول له ، فلا فرق بين حصوله في يده بالكفيل وبنفسه نائبا عنه ) (١). لكن لا بد أن يسلم نفسه عن جهة الكفيل ، فلا يبرأ بدونه ، لأنه لم يسلمه اليه ولا الى أحد من جهته.

ولو سلمه أجنبي بري‌ء الكفيل أيضا ، إذا كان عن جهة الكفيل ، ويجب على المكفول له التسلم لو كان التسليم باذن الكفيل ، لأنه وكيله حينئذ. وإلا لم يجب ، لعدم وجوب قبض الحق من غير من عليه ، لكن لو قبل بري‌ء الكفيل ، وهل يجب عليه القبول لو سلم المكفول (٢) نفسه ، أو يكون كالأجنبي؟ ظاهر إطلاقهم نعم ، ولعله لوجوب التسليم على كل منهما ، فاشتركا في ذلك. فمتى أداه أحدهما بري‌ء الآخر ، ولا يضر كون الوجوب على المكفول في الكفالة تبعا للوجوب على الكفيل.

قوله : ( وبإبراء المستحق لأحدهما ).

أما للكفيل فظاهر ، وأما للمكفول فلسقوط الحق المقتضي لبطلان الكفالة.

قوله : ( ولا بتسليمه قبل الأجل ، أو في غير المكان المشترط وإن انتفى الضرر فيهما على رأي ).

لأنه غير التسليم الواجب ، إذ لم يجب بعد ، فلا يعتد به ولا يجب قبوله.

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : الكفيل ، والصحيح ما أثبتناه.

٣٩١

ولا بتسليمه في حبس الظالم بخلاف حبس الحاكم.

ويلزم الكفيل اتباعه في غيبته إن عرف مكانه ، وينظر في إحضاره بمقدار ما يمكنه الذهاب اليه والعود به ، ولو كانت مؤجلة أخّر بعد الحلول بقدر ذلك.

ولو امتنع الكفيل من إحضاره حبس حتى يحضره ، أو يؤدي ما عليه.

______________________________________________________

وقال الشيخ (١) وابن البراج : يبرأ مع انتفاء الضرر فيهما ، والأصح الأول.

قوله : ( ولا بتسليمه في حبس الظالم ، بخلاف حبس الحاكم ).

لأن ذلك الحبس يمنعه من استيفاء حقه ، ولأن التسليم لا يعد تاما حينئذ فلا يجب قبوله. بخلاف حبس الحاكم ، فإنه لما كان بحق لم يمنعه من استيفاء حقه ، إذ يمكن إحضاره ومطالبته بالحقين ثم حبسه بهما.

قوله : ( ولو كانت مؤجلة أخّر بعد الحلول بقدر ذلك ).

لأن الوجوب إنما يتحقق بعد الحلول ، فحينئذ يعتبر ما لا بد منه في التسليم.

قوله : ( ولو امتنع الكفيل من إحضاره ، حبس حتى يحضره ، أو يؤدي ما عليه ).

هذا إذا كان ما عليه يمكن أخذه من الكفيل ، ولو لم يكن ـ كالقصاص وكزوجية المرأة والدعوى بعقوبة كتعزير ـ أمكن أن يقال بالحبس الى الإحضار فيما لا بدل له. أما ما له بدل ـ كالدية في القتل ـ فسيأتي أنها تؤخذ منها إذا خلي القاتل من يد غريمه.

ويمكن أن يقال : بعد ثبوت الزوجية يؤخذ منه مهر مثل الزوجة.

واعلم أن ظاهر العبارة أنه إذا أدى ما عليه وجب على المكفول له القبول ، ويبرأ الكفيل بذلك. وفي التذكرة (٢) أسنده إلى ظاهر كلام الشيخ (٣) ، واختار‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٣٨.

(٢) التذكرة ٢ : ١٠٢.

(٣) النهاية : ٣١٥.

٣٩٢

ولو قال : إن لم أحضره كان عليّ كذا لزمه الإحضار خاصة.

ولو قال : عليّ كذا الى كذا إن لم أحضره وجب عليه ما شرط من المال.

______________________________________________________

هو ان طلب المكفول له الإحضار لا غير ألزمه به ، نظرا الى أن ذلك مقتضى الكفالة ، ولأنه قد يكون له غرض لا يتعلق بالأداء ، وقد يرغب المكفول له في القبض من عين الغريم ، وما اختاره هو المعتمد.

قوله : ( ولو قال : إن لم أحضره كان علي كذا لزمه الإحضار خاصة ، ولو قال : علي كذا الى كذا إن لم أحضره وجب عليه ما شرط من المال ).

هذا مروي من طرق الأصحاب (١) ، وقد أطبقوا على العمل به ، ولا يكاد يظهر الفرق بين الصيغتين باعتبار اللفظ. ومثل هذا مما يصار اليه من غير نظر الى حال اللفظ مصيرا الى النص والإجماع.

والمصنف في المختلف قال : عندي في هذه المسألة نظر ، ثم حكى عن ابن الجنيد فيما إذا بدأ بالضمان للمال ، ثم عقبه الكفالة أنه يصح ضمانا وكفالة ، وإذا بدأ بالكفالة ثم علّق الضمان ان الكفالة تصح ويبطل الضمان ، وقال : ان كلامه انسب (٢).

ويرد على الأول أنه إذا صح الضمان بري‌ء المضمون عنه ، فأي معنى للكفالة حينئذ؟

ويمكن أن يقال : إن السر في لزوم المال إذا قدمه براءة ذمة المضمون عنه فتمتنع الكفالة ، وإذا قدم الكفالة كان الضمان المتعقب لها ـ لكونه معلقا على شرط ـ باطلا ، ولمنافاة الضمان صحة الكفالة ، وكيف كان فالمذهب ما عليه الأصحاب.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٤ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٥٤ حديث ١٨٧ ، التهذيب ٦ : ٢٠٩ ، ٢١٠ حديث ٤٨٨ ، ٤٩٣.

(٢) المختلف : ٤٣٥.

٣٩٣

ولو مات المكفول له فالأقرب انتقال الحق إلى ورثته.

ولو أطلق غريما من يد صاحب الحق قهرا ضمن إحضاره ، أو أداء ما عليه.

ولو كان قاتلا لزمه إحضاره أو الدية ، فإن دفعها ثم حضر الغريم تسلط الوارث على قتله ، فيدفع ما أخذه وجوبا وإن لم يقتل ، ولا يتسلط الكفيل لو رضي هو والوارث بالمدفوع على المكفول بدية ولا قصاص.

______________________________________________________

قوله : ( ولو مات المكفول له فالأقرب انتقال الحق إلى ورثته ).

أي : حق الكفالة ، ووجه القرب أنها حق للميت فيورث ، لعموم آية الإرث ، ولأنه في معنى الحق المالي. ويحتمل العدم ، لضعفها ، ولاقتضائها الإحضار اليه وتعذره. وليس بشي‌ء إذ لا يسقط الحق بتعذر إيصاله إلى مستحقه الأول.

قوله : ( ولو أطلق غريما من يد صاحب الحق قهرا ضمن إحضاره ، أو أداء ما عليه ).

لأنه غصب اليد المستولية المستحقة من صاحبها فكان عليه إعادتها ، أو أداء الحق الذي بسببه تثبت اليد عليه.

قوله : ( ولو كان قاتلا لزمه إحضاره أو الدية ).

وإن كان القتل عمدا ، ولا يوجب عليه غير القصاص إذ لا يجب إلا على المباشر ، فلما تعذر استيفاؤه وجبت الدية كما لو هرب القاتل عمدا أو مات.

قوله : ( فان دفعها ثم حضر الغريم تسلط الوارث على قتله فيدفع ما أخذه وجوبا وإن لم يقتله ).

لأن الدية إنما أخذها لمكان الحيلولة وقد زالت ، وعدم القتل الآن مستند الى اختياره.

قوله : ( ولا يتسلط الكفيل لو رضي هو والوارث بالمدفوع على المكفول بدية ولا قصاص ).

٣٩٤

فروع :

أ : لو قال الكفيل : لا حق لك على المكفول قدّم قول المكفول له ، لاستدعاء الكفالة ثبوت حق ، فإن أخذ منه المال لتعذر المكفول لم يكن له الرجوع لاعترافه بالظلم.

______________________________________________________

أي : لو رضي الكفيل وولي الدم بالمدفوع للحيلولة ، وترك القصاص لم يتسلط الكفيل على المكفول ـ وهو المطلق قهرا ، سماه مكفولا مجازا ـ بدية ولا قصاص ، وذلك لأنه لم يكفله بقوله ، ولم يدفع برضاه ، ولم يكن المدفوع واجبا بالأصالة ، وإنما وجب بعارض وهو الحيلولة وقد زالت.

قال في التذكرة : ولو تعذر عليه استيفاء الحق من قصاص أو مال ، وأخذنا المال أو الدية من الكفيل ، كان للكفيل الرجوع على الغريم الذي خلصه قصاصا (١).

قوله : ( لو قال الكفيل : لا حق لك على المكفول قدّم قول المكفول له ، لاستدعاء الكفالة ثبوت حق ، فإن أخذ منه المال لتعذر المكفول لم يكن له الرجوع ، لاعترافه بالظلم ).

أي : لو تنازع الكفيل والمكفول له بعد صدور الكفالة ، فقال الكفيل للمكفول له : لا حق لك على المكفول فالكفالة فاسدة ، وادعى المكفول له الحق المصحح للكفالة قدّم قول المكفول له بيمينه ، لأن الكفالة لا تصح إلا مع ثبوت حق ، والأصل في العقد الصحة.

فإن تعذر إحضار المكفول ، فهل يجب عليه أداء المال من غير بينة؟ ذكر في التذكرة إشكالا أقربه عدم الوجوب (٢) ، وذلك صحيح ، لأن الكفالة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٠٣.

(٢) المصدر السابق.

٣٩٥

ب : لو تكفل اثنان برجل فسلّمه أحدهما فالأقرب براءة الآخر ، ولو تكفل لا ثنين فسلّمه إلى أحدهما لم يبرأ من الآخر.

ج : لو ادعى إبراء المكفول فرد المكفول له اليمين حلف وبري‌ء من الكفالة دون المكفول من المال.

______________________________________________________

لا تستدعي ثبوت المال ، إنما تستدعي ثبوت حق في الجملة.

فإن أوجبناه على الاحتمال المرجوح ، أو قامت بينة به فدفعه لم يرجع به على المكفول ، لاعترافه ببراءة ذمته وأنه مظلوم.

قوله : ( لو تكفل اثنان برجل فسلمه أحدهما فالأقرب براءة الآخر ).

وجه القرب أنه تسليم ممن عليه الحق في زمانه ومكانه فيجب قبوله ، فإذا قصد أحد الكفيلين بالتسليم مع نفسه الكفيل الآخر برّا أيضا ، للإتيان بالواجب على وجهه ، ولأن المكفول لو سلم نفسه عن الكفيل بري‌ء فهنا أولى ، لأن وجوب التسليم عليه باعتبار الكفالة إنما هو باعتبار التبعية ، وفي الكفيلين الوجوب على كل منهما بالأصالة.

وقال الشيخ (١) وجماعة (٢) : لا يبرأ ، لأنه لا دليل عليه ، وهو ضعيف ، والمعتمد الأول.

قوله : ( لو ادعى إبراء المكفول ، فرد المكفول له اليمين حلف وبري‌ء من الكفالة ، دون المكفول من المال ).

أي : لو ادعى الكفيل أن المكفول له أبرأ المكفول ، وأنكر المكفول له ذلك فالقول قوله إذا لم يكن للكفيل بينة ، فإذا حلف بري‌ء من دعوى الكفيل ، فان جاء المكفول وادعى الإبراء لم يكتف باليمين التي حلفها المكفول له للكفيل ، بل لا بد من يمين أخرى ، لأن هذه دعوى أخرى مستقلة إذ دعوى الكفيل إنما‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٣٩.

(٢) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٩ ، وابن البراج في جواهر الفقه ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٤٢٤.

٣٩٦

د : لو ترامت الكفالات صح ، فإن أبرئ الأصيل برئوا أجمع.

هـ : لو قال : أنا كفيل بفلان ، أو بنفسه ، أو ببدنه ، أو بوجهه ، أو برأسه صح ، إذ قد يعبّر به عن الجملة.

أما لو قال : كفلت كبده ، أو غيره مما لا يمكن الحياة بدونه ، أو‌

______________________________________________________

كانت لبراءة نفسه.

ولو رد المكفول له اليمين على الكفيل فحلف بري‌ء من الكفالة ، ولا يبرأ المكفول من المال بهذه اليمين ، إذ لا يجوز أن يبرأ بيمين غيره ، بخلاف ما لو حلف المردودة المكفول فإنهما يبرآن.

ولو نكل المكفول له عن يمين المكفول حلف المكفول ، وبري‌ء هو والكفيل وإن كان قد حلف على عدم الإبراء له ، كذا ذكره في التذكرة (١).

قوله : ( لو ترامت الكفالات صح ، فإن أبرئ الأصيل برئوا أجمع ).

أي : لو كفل الكفيل كفيل ، ثم كفل هذا الكفيل كفيل ، وهكذا صح ، لأن صحة الكفالة بثبوت حق وهو ثابت بالكفالة ، فإن أبرأ المكفول له الأصيل برئوا أجمع ، لامتناع بقاء الكفالة مع سقوط الحق.

فإذا أحضر الكفيل الأول من عليه الحق بري‌ء ، وبري‌ء (٢) الآخران. وإن أحضر الثاني الكفيل الأول بري‌ء ، وبري‌ء الثالث دون الأول ، ودون من عليه الحق.

ومتى مات واحد بري‌ء من كان فرعا له ، فبموت من عليه الحق يبرؤون جميعا ، وكذا القول في البراءة.

قوله : ( لو قال : أنا كفيل بفلان ، أو بنفسه ، أو ببدنه ، أو بوجهه ، أو برأسه صح ، إذ قد يعبر به عن الجملة. أما لو قال : كفلت كبده ، أو غيره مما لا يمكن الحياة بدونه ، أو ثلثه وما شابهه من المشاعة ففي الصحة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٠٣.

(٢) في « م » : ويبرأ.

٣٩٧

ثلثه وما شابهه من المشاعة ففي الصحة نظر ، ينشأ : من عدم السريان كالبيع ، ومن عدم إمكان إحضار الجزء إلا بالجملة فيسري ،

______________________________________________________

نظر ، ينشأ : من عدم السريان كالبيع ، ومن عدم إمكان إحضار الجزء إلا بالجملة فيسري ).

في التحرير جعل الرأس من القسم الثاني (١) ، وهنا وفي الإرشاد والتذكرة (٢) جعله مما يعبر به عن الجملة ، وليس ببعيد ، فان التعبير بالوجه عن الجملة معروف والرأس ليس أبعد منه.

أما ما لا يعبر به عن الجملة ، ولا يمكن الحياة بدونه كالكبد ، والثلث ، والربع ونحوهما في صحة الكفالة بكفالته نظر ، ينشأ : من أن العقد الجاري على أحد هذه لا يسري الى المجموع ، كما في البيع فإنه إذا وقع على جزء معلوم بالإشاعة صح فيه ، وعلى جزء معين يكون باطلا ولا يسري.

ومن أن كفالة الجزء الذي لا يمكن الحياة بدونه يفضي الى كفالة المجموع ، لأن إحضاره لا يمكن إلا بإحضار المجموع ، واستقرب في التحرير الصحة (٣).

ولقائل أن يقول : إن إحضاره ، وإن كان غير ممكن بدون إحضار المجموع ، لا يقتضي الصحة ، لأن الإحضار فرع الكفالة ، والمطلوب إنما هو صحة الكفالة ، ( وإحضار ذلك العضو ) (٤) وحيث أن صحتها إنما تكون بكفالة المجموع لم تصح هاهنا ، إذ المتكفل به ليس هو المجموع ولا ما يستلزمه ، وإن كان حكم الكفالة ـ وهو إحضار ذلك العضو ـ غير ممكن إلا بإحضار المجموع ، والعقود أسباب متلقاة من الشرع ، فلا بد في صحتها من النص.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٢٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١٠٠.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ٢٢٤.

(٤) ما بين القوسين لم يرد في « ق ».

٣٩٨

وكذا لو كان جزءا يمكن الحياة مع انفصاله كيده ورجله.

و : لو هرب المكفول ، أو غاب غيبة منقطعة فالأقرب إلزام الكفيل بالمال ، أو إحضاره مع احتمال براءته ، ويحتمل الصبر.

______________________________________________________

فان قيل : يجوز التعبير بالجزء من الجملة مجازا.

قلنا : ما كان التعبير به عنها متعارفا لا بحث فيه ، وإنما البحث فيما ليس بمتعارف.

قوله : ( وكذا لو كان جزءا يمكن الحياة مع انفصاله كيده ورجله ).

أي : هذا كالأول فيه وجهان ناشئان : من عدم السريان وإمكان الانفصال مع بقاء الحياة ، ومن أن إحضار ذلك على صفته لا يكون إلا بإحضار البدن ، ولا شبهة في أن الصحة هنا أبعد ، والذي يقتضيه النظر المنع.

قوله : ( لو هرب المكفول ، أو غاب غيبة منقطعة فالأقرب إلزام الكفيل بالمال ، أو إحضاره مع احتمال براءته ، ويحتمل الصبر ).

وجه القرب : أن ذلك مقتضى الكفالة ، فإنها تقتضي إحضار الغريم ، أو أداء ما عليه من المال ، والأصل بقاء ذلك الى أن يحصل المبرئ وهو المسقط للحق ، أو موت المكفول وهو الأصح. ويحتمل البراءة لأن الإحضار واجب مع الإمكان.

وإذا غاب غيبة انقطع بها خبره ، كان إحضاره ممتنعا ، فكان بمنزلة ما لو مات. ولأن وجوب الإحضار إذا سقط لم يجب المال ، لأنه لم يتعهد به ، ووجوبه مع وجوب الإحضار إذا لم يأت به لا يقتضي وجوبه بدونه.

ويضعّف بمنع كون إحضاره مع الغيبة المنقطعة ممتنعا ، بل هو أمر ممكن ، فيجب على الكفيل تتبعه في البلاد ، أو أداء ما عليه.

ويحتمل وجوب الصبر توقعا للمكنة ، لأن الإحضار في هذا الحال لما امتنع وجب الصبر الى أن يعلم مكانه ، ولا تسقط الكفالة لعدم المسقط ، وضعفه يظهر مما‌

٣٩٩

ز : يجب على المكفول الحضور مع الكفيل إن طلبه المكفول له منه ، وإلا فلا إن كان متبرعا ، وإلا فكالأول.

______________________________________________________

سبق ، ولو وقع في بلاد الكفر بحيث لا يقدر عليه ، أو في حبس ظالم بحيث لا يمكن تخليصه وجب الصبر الى زمان إمكان إحضاره ، ولو رجي تخليصه بوجه وجب عليه السعي فيه ، ولو احتاج الى بذل مال فإشكال ، وغيبته حال الكفالة كغيبته بعدها.

ولو ماطل في إحضاره حتى هرب ، أو غاب غيبة منقطعة ، أو هرّبه فإن أوجبنا المال فلا بحث ، وإلا ففي الوجوب وعدمه هنا اشكال ، ونحوه قال في التذكرة (١).

واعلم أن جمع المصنف بين هرب وغاب غيبة منقطعة ، يشعر بأن الهرب كالغيبة المنقطعة في احتمال البراءة ، وإن علم موضعه وهو ممكن إذا قطع بأنه متى توجه اليه الكفيل هرب عنه الى موضع أخر ، وهكذا.

قوله : ( يجب على المكفول الحضور مع الكفيل إن طلبه المكفول له منه ، وإلا فلا إن كان متبرعا ، وإلا فكالأول ).

حيث أنه لا يشترط رضى المكفول في صحة الكفالة إذا وقعت بدون الاذن ، فلا يخلو : إما أن يطلب المكفول ( له من الكفيل إحضار المكفول ، أو لا ، فان طلبه وجب على المكفول ) (٢) متابعة الكفيل إذا طلب حضوره ، لأن طلب المكفول له المكفول منه توكيل له في إحضاره ، فلا يجوز له الامتناع.

وإن لم يطلب إحضاره ، فإن قال : اخرج من حقي ففي وجوب المتابعة وجهان : من أن ذلك ليس توكيلا في الإحضار ، إذ هو طلب الحق فلا تجب المتابعة ، ومن أن المطالبة بمقتضى الكفالة وهو الإحضار ، أو دفع من ( أصل ) (٣)

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٠٢.

(٢) ما بين القوسين ساقط من نسخة « م ».

(٣) لم ترد في « م ».

٤٠٠