جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

وشرطه عدم الزيادة في القدر أو الصفة ، فلو شرطها فسد ، ولم يفد جواز التصرف وإن لم يكن ربويا.

ولو تبرع المقترض بالزيادة جاز.

ولو شرط رد المكسّرة عوض الصحيحة ، أو الأنقص ، أو تأخير القضاء لغا الشرط وصح القرض ، لأنه عليه لا له.

______________________________________________________

القول ، ويمكن عوده الى قوله : ( وعليك رد عوضه ) بتأويل هذا ، والمعنى وشبه هذا ، والأول أدل ، لأنه أشمل.

قوله : ( فلو شرطها فسد ، ولم يفد جواز التصرف وإن لم يكن ربويا ).

أي : فلو شرط الزيادة في قدر المقرض ، أو في صفته كاثني عشر في عشرة ، والصحيحة في المكسرة فسد القرض ، للنصوص الدالة على صحته مع الزيادة إذا لم يشترطها (١) ، ولا تفيد المقترض جواز التصرف ، لأنّ العقد المتضمن للإذن في التصرف بجهة القرض قد فسد ، فانتفت جهة الإذن ، فانتفى الاذن.

وقوله : ( وإن لم يكن ربويا ) حاول به التنبيه على أن القرض ممنوع فيه من الزيادة مطلقا ، لا كالبيع الذي إنما يمنع فيه من الزيادة في الربويات ، ولعل السر فيه : أن البيع مبني على المغالبة والمكايسة ، والقرض إنما جعل للارتفاق ومحض الإحسان.

قوله : ( ولو شرط رد المكسرة عوض الصحيحة ـ إلى قوله : ـ لغا الشرط وصح القرض ، لأنه عليه لا له ).

قيل عليه : الدليل لا يرتبط بالدعوى ، فأنّ كون الشرط عليه لا له إذا كان فاسدا لاغيا كيف يصح القرض؟ مع أنه لم يقع التراضي إلاّ على الوجه المتضمن للشرط.

وجوابه : أن في ذلك تنبيها على أن هذا الشرط كما دل على الرضى‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٤ حديث ٣ ، ٤ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ حديث ٤٤٩ ـ ٤٥١.

٢١

ولو شرط رهنا أو كفيلا به جاز ، لأنه أحكام ماله. أما لو شرط رهنا بدين آخر فالأقرب الجواز ،

______________________________________________________

بالقرض معه دل على الرضى به بدونه ، لأنه إذا رضي بما عليه رضي بما له بطريق أولى ، فيكون الرضى بالقرض واقعا على وجهين :

أحدهما : مدلول عليه بمنطوق اللفظ ، والآخر : مدلول عليه بمفهوم الموافقة ، فإذا امتنع أحدهما لغا وصح القرض باعتبار الوجه الآخر.

واعلم أن المصنف قال في التذكرة في هذه المسألة : والأقوى عندي صحته لا لزومه ، كما لو شرط التأجيل (١).

وتنقيح هذا : أن الشرط المنهي عنه هو المتضمن للزيادة في العين أو الصفة بالنسبة إلى المقرض. أما ما يقتضي الزيادة للمقترض فليس بمنهي عنه ، بل هو من كمال المعروف ، وإنما لم يلزم ، لأن القرض مبني على المماثلة بين المقرض والعوض حالا ، فإذا شرط له ترك البعض أو التأخير فقد وعده بالإحسان ، ولا يجب الوفاء به ، إنما الواجب أداء ما اقتضاه القرض.

قوله : ( ولو شرط رهنا أو كفيلا به جاز ، لأنه أحكام ماله ).

يجب أن تكسر همزة ( إحكام ) ، أي : لو شرط رهنا بالقرض أو كفيلا به جاز ذلك ، ولم يعد زيادة ، إذ هو تأكيد لمقتضى القرض ، اعني برد العوض ، فهو إحكام لماله ، وجعله على وجه الحكمة.

قوله : ( أما لو شرط رهنا بدين آخر فالأقرب الجواز ).

أي : بخلاف ما لو شرط في القرض رهنا بدين آخر ، فإنه موضع خلاف ، والأقرب جوازه ، ووجه القرب : أن ذلك ليس زيادة في مال القرض ، وإنما هو شرط خارج عنه ، وإن كان زيادة بحسب الواقع ، فإن المنهي عنه هو الزيادة في مال القرض.

نعم ، ظاهر ما رواه العامة من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كل‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦.

٢٢

وكذا يجوز لو أقرضه بشرط أن يقترض منه ، أو يقرضه آخر ، أو يبيعه بثمن المثل ، أو بدونه ، أو يسلفه ، أو يستلف منه. ولو قال : أقرضتك بشرط أن أقرضك غيره صح ولم يجب الوعد ،

______________________________________________________

قرض يجر منفعة فهو حرام » (١) مناف له. ويحتمل ضعيفا التحريم ، لتحقق زيادة المنفعة.

قوله : ( وكذا يجوز لو أقرضه بشرط أن يقترض منه ، أو يقرضه آخر ).

أي : يجوز أن يقرضه شيئا بشرط أن يقرضه شيئا آخر ، وربما قيّد بأن يكون ذلك لمحض الإحسان لا لخوف ونحوه يحصل بالقرض مصلحة ونفع للمقرض ، وقد عرفت أن الزيادة الممنوع من اشتراطها هي ما كانت في مال القرض.

قوله : ( أو يبيعه بثمن المثل ، أو بدونه ).

قيل بالمنع فيما إذا اشترط أن يبيعه بدونه لجر المنفعة ، وهو مردود بما ذكرناه.

قوله : ( ولو قال أقرضتك بشرط أن أقرضك غيره صح ، ولا يجب الوعد ).

قد سبقت هذه المسألة في قوله : ( أو يقرضه آخر ) ولعله إنما أعادها لبيان عدم وجوب الشرط ، لأنه وعد. وتنقيحه : أن هذه زيادة مشروطة من قبل المقرض ، فهي عليه ، فلا يلزم ، ولكنها تجوز كما في اشتراط الأجل ، ولا يلزم فساد العقد ، بخلاف ما لو كانت الزيادة مشروطة للمقرض ، فان العقد يفسد ، للنهي عن الشرط المقتضي لفساده ، وانتفاء رضى المقرض بدونه ، وفي الشرط الذي عليه رضاه ثابت معه وبدونه بطريق أولى ، فلا يفسد ، ولا يلزم.

__________________

(١) الجامع الصغير ٢ : ٢٨٤ حديث ٦٣٣٦. وفيه : « كل قرض جرّ منفعة فهو ربا ».

٢٣

بخلاف البيع.

ويصح قرض كل ما يضبط وصفه وقدره ، فإن كان مثليا ثبت في الذمة مثله كالذهب والفضة وزنا ، والحنطة والشعير كيلا ووزنا ، والخبز وزنا وعددا ، للعرف. وغير المثلي تثبت قيمته وقت القرض لا يوم المطالبة ،

______________________________________________________

قوله : ( بخلاف البيع ).

لأنه عقد لازم من الطرفين ، فما تضمنه من الشروط الصحيحة معتبرة في العوضين ، فيلزم.

قوله : ( والخبز وزنا وعددا للعرف ).

( للعرف ) متعلق بقوله : ( عددا ) أي : يجوز اقتراضه عددا وإن كان فيه أكبر وأصغر ، لابتناء العرف على المسامحة في ذلك ، ومثله الجوز ، وبه رواية عن الصادق عليه‌السلام (١).

قوله : ( وغير المثلي تثبت قيمته وقت القرض ، لا يوم المطالبة ).

وذلك ، لأنّ ما كان من ذوات القيم إنما تعتبر فيه القيمة ، نظرا إلى أنه الذي يقابل به ويعد عوضا عنه ، ولأنه أضبط لبعده عن الزيادة والنقصان.

وفي التذكرة : أن ما يضبط بالوصف ـ وهو ما يصلح للسلم ـ الأقرب أنه يضمنه بمثله من حيث الصورة (٢) ، استدلالا بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استقرض بكرا ورد بازلا (٣). ولا دلالة فيه ، لأنه أعم من الوجوب ، فإنهما إذا تراضيا لا بحث.

وأيضا فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصد إعطاءه خيرا مما اقترض منه ، فيتحقق أنه غير الواجب ، إذا ثبت هذا فالواجب قيمة وقت القرض ، لأنه وقت الثبوت في الذمة لا قيمة يوم المطالبة.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١١٦ حديث ٤٩٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٥.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٣٥٣.

٢٤

ولو تعذر المثل في المثلي وجبت القيمة يوم المطالبة.

ويجوز اقتراض الجواري واللآلئ ، لما قلناه من ضمان القيمة.

ويملك المقترض القرض بالقبض ، فليس للمقرض ارتجاعه ، بل للمقترض دفع المثل مع وجود الأصل ، فلو اقترض من ينعتق عليه انعتق بالقبض.

ولو شرط الأجل في القرض لم يلزم ، لكن يصح أن يجعل أجله شرطا في عقد لازم فيلزم.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تعذر المثل في المثلي وجبت القيمة يوم المطالبة ).

لأنه وقت الانتقال إلى القيمة ، وسيأتي في آخر الفروع في الدراهم ثبوت القيمة وقت التعذر.

قوله : ( ويجوز اقتراض الجواري واللآلئ ، لما قلناه من ضمان القيمة ... ).

وإن لم يجز السلف فيها ، لأن ضبطها بالوصف غير محتاج اليه للاستغناء بوجوب القيمة.

قوله : ( لكن يصح أن يجعل اجله شرطا في عقد لازم ، فيلزم ).

أورد شيخنا الشهيد في بعض حواشيه على ذلك اشكالا ، حاصله : أنه إن أريد بلزومه توقف العقد المشروط فيه عليه فمسلّم ، لكنه خلاف المتبادر من كونه لازما ، ولا يقتضيه كما هو ظاهر ، إذ العقود المشروط فيها شروط لا تقتضي لزومها ، بل فائدتها تسلط من تعلق غرضه بها على الفسخ بالإخلال بها.

وإن أريد لزوم ذلك الشرط في نفسه ـ بمعنى أنه لا سبيل إلى الإخلال به ـ لم يطرد ، إلا أن يفرق بين اشتراط ما سيقع وما هو واقع ، ويجعل التأجيل من قبيل الواقع ، فيتم هذا.

ويمكن الجواب بأنّ المراد بكون الشرط لازما : وجوب الوفاء به ، كما وجب الوفاء بالعقد اللازم ، لأنه من جملة مقتضياته.

٢٥

وكذا لا يلزم لو أجّل الحال بزيادة فيه ، ولا تثبت الزيادة ،

______________________________________________________

وتسلط من تعلق غرضه [ به على الفسخ بدونه لا ينافي هذا المقدار من اللزوم من طرف العاقد الآخر ، فيكون الشرط ] (١) والعقد لازما من طرف المشترط له ، ومن طرف من تعلق به غرضه يكون العقد لازما مع الإتيان بالشرط لا بدونه ، وهذا معنى واضح صحيح.

نعم ، ما سبق من أن اشتراط العتق في العبد المبيع إذا أخل به المشتري يسلط البائع على الفسخ ، وليس له إجبار المشتري مناف لهذا ، وإن كان المختار أن له الإجبار فلا منافاة.

وما ذكره من الفرق بين الشرط الذي سيفعل وغيره أيضا متجه ، فلا يبعد أن يقال : إذا شرط تأجيل الحال في عقد لازم كان كما لو شرطه في العوض الواقع في ذلك العقد ، فيلزم بهذا الاشتراط.

وهذا هو المفهوم من إطلاق الأصحاب تأجيل الحال في عقد لازم ، وليس هو كاشتراط أن يفعل الفعل الفلاني ، ومثله ما لو باعه بكذا واشترط له سكنى الدار سنة ، فإنّ ذلك يصير حقا له كاستحقاق العوض.

قوله : ( وكذا لا يلزم لو أجل الحال بزيادة فيه ، ولا تثبت الزيادة ).

ولا يحل أخذها لو بذلت بمجرد جعلها في مقابل التأجيل ، نعم لو شرط التأجيل مع الزيادة في عقد لازم صح. وقيّد في التذكرة (٢) بما إذا كانت الزيادة في ثمن ذلك المبيع الذي تضمن عقده الشرط لا في الدين ، لأن ذلك ربا ، كما علل به في موضع آخر ، وهو متجه.

وهنا فائدة ، وهي : أن الشروط الواقعة في عقد القرض أقسام :

الأول : ما يفسده ، وهو اشتراط الزيادة للمقرض في نفس مال القرض.

الثاني : ما يكون لغوا أو وعدا ، وهو الزيادة للمقترض من غير أن يكون‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من الحجري لاقتضاء السياق له.

(٢) التذكرة ٢ : ٧.

٢٦

وله تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه مع التراضي.

______________________________________________________

للمقرض زيادة.

الثالث : ما يكون مؤكدا كاشتراط رهن ، وهو صحيح قطعا.

الرابع : ما يكون زيادة للمقرض ، لكن لا في مال القرض ، وفي صحته تردد ، والأصح الصحة.

الخامس : ما يكون وعدا محضا ، كما لو أقرضه شيئا ، وشرط له أن يقرضه شيئا آخر لمحض الإحسان.

إذا عرفت ذلك فلا بد من الفرق بين هذه الشروط في الأحكام.

ففي الأول : معلوم بقاء مال القرض على ملك المقرض.

وفي الثاني : إن كان الشرط لغوا فلا بحث ، وإن كان وعدا فمعناه : إن وفي به كان حسنا ، وإلاّ لم يأثم. ووجهه : أن المقرض أحسن إلى المقترض ، وشرط له في ذلك الإحسان إحسانا آخر لنفعه فقط ، فلا يجب عليه ، لانتفاء المقابلة المقتضية للوجوب.

وفي الثالث ، والرابع : يجب عليه الوفاء ، لأن المقرض لم يرض بالقرض إلاّ على ذلك التقدير المشترط ، وقد رضي المقترض به على ذلك الوجه ، فيجب الوفاء به. وإن لم يفعل أثم ، ولم يكن له إجباره قطعا ، لأن القرض عقد جائز من الطرفين لكل منهما فسخه ، فله أن يفسخه حالا.

وهل يتوقف وجوب الدفع على المطالبة بمال القرض ، أم يجب دفعه بمجرد المطالبة بالشرط مع عدم الوفاء به؟ وجهان ، وفي الأول قوة.

قوله : ( وله تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه مع التراضي ).

لأنّ ذلك حق لهما ، فلا بد من تراضيهما بالإسقاط ، ولا فرق في اعتبار التراضي بين تعجيل بغير شي‌ء أو بإسقاط البعض ، لأنّ الأجل حق لهما لترتب حق كل منهما عليه ، فإنه كما قد تضر المطالبة بمن له الأجل قبله ، كذا قد يضر التسليم حالا بالآخر.

٢٧

فروع :

أ : لو قال : ملّكتك وعليك رد عوضه فهو قرض.

ولو قال : ملّكتك وأطلق ، ولم توجد قرينة دالة على القرض كسبق الوعد به فهو هبة ، فإن اختلفا احتمل تقديم قول الواهب ، لأنه أبصر بنيته ، وتقديم [ قول ] المتهب قضية ، للظاهر من أن التمليك من غير عوض هبة.

______________________________________________________

قوله : ( لو قال : ملكتك وعليك رد عوضه ... ).

قد سبقت هذه المسألة ، وإنما أعادها ليبني عليها ما بعدها.

قوله : ( ولو قال : ملكتك وأطلق ، ولم توجد قرينة دالة على القرض كسبق الوعد به فهو هبة ).

المراد بقوله : ( أطلق ) : تجريده عن ذكر رد العوض ، وقيد بعدم وجود القرينة ، لأنه مع وجودها يجب حمل اللفظ على مقتضاها ، لأن القرائن تقيد الأشياء المطلقة وتصرف اللفظ عن ظاهره الى غيره ، فيكون معها قرضا ، وبدونها هبة.

قوله : ( فان اختلفا احتمل تقديم قول الواهب (١) لأنه أبصر بنيته ، وتقديم قول المتهب قضية للظاهر من أن التمليك من غير (٢) عوض هبة ).

اختلافهما يكون على وجهين :

أحدهما : أن يختلفا في التعرض الى اشتراط رد العوض ، فالقول قول منكره ، وهذا غير المذكور في العبارة ، لأن الظاهر منها أن اختلافهما فيما لو قال : ملكتك وأطلق.

__________________

(١) ( عبر بالواهب والمتهب باعتبار تعلق الدعوى بذلك ) ، وردت هذه العبارة في « م » ، والظاهر انها حاشية دخلت في المتن لعدم وجودها في النسخة الخطية للقواعد.

(٢) في « م » : غيره ، وفي الحاشية ورد ما لفظه : وفي نسخة اخرى : ( من غير عوض ) بإسقاط الهاء من ( غير ).

٢٨

ب : لو رد المقترض العين في المثلي وجب القبول وإن رخصت ،

______________________________________________________

الثاني : ـ وهو مسألة الكتاب ـ أن يختلفا في القصد ، وينبه على إرادته مع ما قلناه قوله : ( لأنه أبصر بنيته ).

ووجه الاحتمال الأول : أنّ الدافع أبصر بنيته ، فيكون القول قوله مع اليمين. ويشكل بأنه لا يلزم من كونه أبصر بنيته تقديم قوله بيمينه ، وارتكاب خلاف ظاهر اللفظ ، فان الواجب إنما هو استعمال الألفاظ في معانيها إذا جردت عن القرائن في الإيقاعات والعقود ، ولا يلتفت الى قول أحد المتعاقدين أنه لم يقصد مدلولها ، وإن كان القصد بحسب الواقع معتبرا ، إلا أن الظاهر أنه لم ينطق بها إلا وهو مريد لمعناها ، فلا يلتفت الى خلافه.

نعم لو شهدت قرينة كالإكراه وغلبة المرض سمع قوله بيمينه ، وسبق الوعد بالقرض في مسألتنا من هذا القبيل ، فلو اختلفا في القصد حينئذ قدم قول الدافع بيمينه ، عملا بالقرينة.

ولا يخفى أن لفظ التمليك المجرد عن رد العوض حقيقة في الهبة ومجاز في القرض ، لأنه جزء مفهومه ، لأن جزءه الآخر رد العوض ، وربما استدل بقوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١) ، وبأنّ الأصل بقاء الملك على مالكه ونحو ذلك. ولا دلالة فيه ، لأن ذلك كله مع عدم وجود ما يعد سببا ناقلا شرعا لا معه ، فيكون الاحتمال الأول أقوى.

قوله : ( لو رد المقترض العين في المثلي وجب القبول وإن رخصت ).

رخصت ـ بضم عين الفعل ـ معناه : نقصت قيمتها السوقية عما كانت ، مع بقاء العين بحالها ، وإنما يجب القبول ، لأن الواجب أمر كلي في الذمة ، والعين أحد افراده ، والتعيين الى من عليه الحق.

__________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤.

٢٩

وكذا غير المثلي على اشكال ، منشؤه : إيجاب قرضه القيمة.

ج : للمقرض مطالبة المقترض حالا بالجميع وإن أقرضه تفاريق ، ولو أقرضه جملة فدفع اليه تفاريق وجب القبول.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا غير المثلي على اشكال ، منشؤه : إيجاب قرضه القيمة ).

والوجه الآخر : مساواة المدفوع للمأخوذ ، وأن القيمة إنما اعتبرت لتعذر المثل ، والحق أن هذا الإشكال لا وجه له بعد تحقيق أن الواجب في فرض القيمي هو القيمة وقت القرض ، فإذا دفع العين فقد دفع غير الواجب ، فيكون القبول مشروطا بالتراضي ، وهذا أظهر ، وكون القيمة إنما اعتبرت لتعذر المثل : أولا غير معلوم ، وثانيا لا يضرنا ، لأن الكلام إنما هو في الثابت في الذمة الآن ، لا فيما كان حقه الثبوت ، وقد عدل عن ثبوته لدليل ، نعم لو كان الواجب المثل ومع التعذر القيمة تمّ هذا.

قوله : ( للمقرض مطالبة المقترض حالا بالجميع ، وإن أقرضه تفاريق ).

( حالا ) في عبارة الكتاب مخففة ، أي : في الوقت الحالي ، والمراد بقوله : ( وإن أقرضه تفاريق ) : إقراضه الجملة في دفعات ، ووجه استحقاق ذلك أن الجميع حال ، فله المطالبة به كما هو واضح.

قوله : ( ولو أقرضه جملة ، فدفع اليه تفاريق وجب القبول ).

المراد : أنه لو أقرضه شيئا جملة ، فدفع اليه بعضه وجب قبول ذلك البعض المدفوع ، لأنه حق له استحق أخذه ، وليس له الامتناع من أخذه الى أن يسلم الجميع ، إذ لا صفقة هنا. بخلاف البيع فان كلا من المبيع والثمن إنما يجب تسليم جميعه ، نظرا الى اتحاد الصفقة ، على أنه مع وجوب قبول البعض المدفوع في مسألة الكتاب له المطالبة بالباقي حالا ، ولا يجب على المقترض التأخير وإن قل الزمان ، إلا مع الإعسار.

٣٠

د : لو اقترض جارية كان له وطؤها وردها ، إذا لم تنقص على المالك مجانا.

ولو حملت صارت أم ولد يجب دفع قيمتها ، فإن دفعها جاهلا لحملها ثم ظهر استردها ، وفي الرجوع بمنافعها اشكال ، ويدفع قيمتها يوم القرض لا يوم الاسترداد.

______________________________________________________

قوله : ( لو اقترض جارية كان له وطؤها ، وردها إذا لم تنقص على المالك مجانا ).

أما أن له وطأها ، فلأنها بالقرض تملك ، وقول بعض العامة : إن الملك بالقرض سبب ضعيف ، فلا يحل به الوطء ، حتى أنه متى كانت الجارية بحيث يحل للمقترض وطؤها بالملك أو بالعقد لا يصح قرضه إياها ، نظرا الى ما ذكر : من ضعف السبب ، وإمكان ردها ، فيشبه عارية الجواري للوطء ، وهو منهي عنه (١) من قبيل الهذيانات.

لكن قول المصنف : إن له ردها إذا لم تنقص مشكل ، لأنه إن أراد ردها وإن لم يرض المقرض فهو مشكل ، لما عرفت من أن الواجب هو القيمة ، لا المثل.

وقد سبق آنفا تردد المصنف في وجوب قبول العين ، ويبعد رجوعه عن ذلك في هذه المسافة القصيرة. وإن أراد جواز الرد إذا رضي فهو حق ، لكن لا حاجة الى التقييد بعدم النقص كما هو معلوم ، فإنه إذا رضي به صح قطعا.

قوله : ( وفي الرجوع بمنافعها إشكال ).

ينشأ : من أن دفعها على أن منافعها للمقرض مجانا ، فلا يستحق الرجوع بها ، ومن أنه إنما دفعها عوضا عما له في ذمته ، وكون المنافع مجانا إنما هو على ذلك التقدير ، وقد انتفى ، فينتفي ما ترتب عليه ، ولعموم قوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢) ، ولأنه قد تبين أن يد المقرض على الجارية بغير حق ، فتكون يد عدوان ، إذ لا واسطة بينهما ، غاية ما في الباب أن ذلك لم يكن‌

__________________

(١) أنظر المجموع ١٣ : ١٦٩.

(٢) سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤.

٣١

ه : لو أقرضه دراهم أو دنانير غير معروفة الوزن ، أو قبة من طعام غير معلوم الكيل ، أو قدّرها بمكيال معيّن ، أو صنجة معينة غير معروفين عند الناس لم يصح ، لتعذر رد المثل.

و : ينصرف إطلاق القرض إلى أداء المثل في مكانه ، فلو شرطا القضاء في بلد آخر جاز ،

______________________________________________________

معلوما بحسب الظاهر ، فإذا علم ترتب عليه أثره. وما أشبه هذه المسألة بمسألة منافع المبيع بيعا فاسدا ، وقد سبق استحقاق الرجوع بها ، فيكون استحقاق الرجوع هنا لا يخلو من قوة.

قوله : ( أو قدّرها بمكيال معين ، أو صنجة معينة غير معروفتين عند الناس لم يصح ).

وإن فرض حفظهما ، لأن شرط صحة القرض العلم بالقدر ، وإنما يتحقق بكون المكيال عاما ، وكذا الوزن ، والمكيال والصنجة في مسألة الكتاب لا يخرج المقدّر بهما عن الجهالة مع أنهما بمعرض التلف ، فلا يبقى الى العلم بالمقدار طريق.

قوله : ( لتعذر رد المثل ).

قيل عليه : هذا غير واضح ، لأن المكيال والصنجة مع حفظهما لا يتعذر رد المثل ، فكان عليه أن يعلل بغير ذلك.

وجوابه : إمكان إرادة كونه بمعرض التلف ، فيكون شأنهما تعذر رد المثل باعتبار تلفهما.

قوله : ( ينصرف إطلاق القرض الى رد المثل في مكانه ).

وذلك لأنه موضع الوجوب إذ القرض على طريق الحلول ، ولو أجل بسبب لازم فموضع الرد مكان الحلول على الظاهر.

قوله : ( فلو شرط القضاء في بلد آخر جاز )

لعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣.

٣٢

سواء كان في حمله مؤنة أو لا.

ولو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد ، أو فيه مع شرط غيره وجب الدفع مع مصلحة المقترض.

______________________________________________________

قوله : ( سواء كان في حمله مؤنة ، أو لا ).

وسواء كانت المصلحة في ذلك في جانب المقرض أم المقترض ، لكن لو كانت مصلحة الأداء في بلد آخر بالنسبة إلى المقرض ، كالخلاص من مؤنة الحمل ، أو السلامة من خوف النهب ونحوه ، جاء احتمال فساد القرض لجر النفع ، وقد صرح به شيخنا الشهيد في بعض فوائده.

وقد عرفت أن الممنوع منه الزيادة في مال القرض عينا أو صفة ، وليس هذا واحدا منهما.

قوله : ( ولو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد ، أو فيه مع شرط غيره وجب الدفع مع مصلحة المقترض ).

هنا مسألتان :

الاولى : أن يطالب المقرض المقترض بمال القرض في غير بلد القرض ، والحال أنه لم يشترط أداءه في غير بلد القرض ، فمختار المصنف أنه إنما يجب عليه الدفع مع مصلحة المقترض لا بدونها.

أما إذا لم تكن له مصلحة ، فلأنه ضرر لم يقتضه عقد القرض ولم يلتزمه ، فلا يجب عليه الالتزام به ، لظاهر : « لا ضرر ولا ضرار » (١).

وأما إذا كان له مصلحة ، فلأن القرض حال ، إذ هو المفروض ، فيجب أداؤه عند المطالبة ، حيث لا مانع يمنع شرعا ، وليس إلا الضرر ، والفرض عدمه ، وظاهر اختيار المصنف في المختلف وجوب الدفع وقت المطالبة مطلقا كالغصب (٢) ، وقد سبق تحقيق المسألة ، وأن المختار وجوب الدفع ما لم يتختلف قيمة المثلي ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٢ حديث ٢ ، و ٥ : ٢٨٠ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٥ ، ١٤٧ حديث ١٥٤ ، ٦٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ ، ١٦٤ حديث ٦٥١ ، ٧٢٧.

(٢) المختلف : ٤١٤.

٣٣

ولو دفع في غير بلد الإطلاق ، أو الشرط وجب القبول مع مصلحة المقرض.

ز : لو اقترض نصف دينار ، فدفع دينارا صحيحا وقال : نصفه قضاء ونصفه أمانة جاز ، ولم يجب القبول.

______________________________________________________

فتكون قيمة مكان المطالبة أكثر ، فإنه لا يجب الدفع حينئذ للضرر ، إلا أنه يرضى المقرض بقيمة موضع القرض جمعا بين الحقين ، وهذا هو المعتمد ، والظاهر أنّه مراد المصنف هنا ، وإن كان قول المصنف : ( مع مصلحة المقترض ) قد تظهر منه مخالفة ذلك.

ولو قال بدله : مع عدم ضرر على المقترض لكان أدل على المراد وأولى ، فإن مصلحة المقترض قد تكون في عدم الدفع وإن لم يكن ثم ضرر.

الثانية : أن يطالب في بلد القرض ، وقد شرط الأداء في غيره ، وحكمها حكم الأولى ، لأن الشرط لا يصيّر المال مؤجلا ، ولا سبيل إلى اطراح الشرط بالكلية ، لعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١) فيجمع بين الحقين ، وكل ما ذكر هناك فهو آت أيضا هنا.

قوله : ( ولو دفع في غير بلد الإطلاق أو الشرط وجب القبول مع مصلحة المقرض ).

هنا أيضا مسألتان كما سبق ، والمحصل : أنه لما كان الحق حالا ، وكان لبلد الإطلاق وبلد الشرط علامة بوجوب الدفع فيه جمعنا بين الأمرين ، بأنه إن كان على المقرض ضرورة كالاحتياج الى حمله ، حيث كان ذا مؤنة ، أو الخوف من النهب ونحوه لم يجب القبول ، وإلا وجب. وتنقيح البحث هنا كما سبق.

وكذا ابدال اشتراط المصلحة بعدم الضرر. وذهب شيخنا الشهيد في حواشيه الى اعتبار موضع الشرط والإطلاق في وجوب الدفع والقبول ، سواء كان للممتنع مصلحة أم لا.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣.

٣٤

أما لو كان له نصف آخر فدفعه عنهما وجب القبول

ح : لو دفع ما اقترضه ثمنا عن سلعة اشتراها من المقرض فخرج الثمن زيوفا ، فإن كان المقرض عالما ، وكان الشراء بالعين صح البيع ، وعلى المقترض رد مثل الزيوف ، وإن كان في الذمة طالبه بالثمن سليما ، وللمشتري احتساب ما دفعه ثمنا عن القرض.

______________________________________________________

قوله : ( أما لو كان له نصف آخر ، فدفعه عنهما وجب القبول ).

لأن المجموع مستحق له عنده ، وليس ببعيد أنه لو كان نصف الدينار مضروبا على حدة ، واستحق عنده نصفين كذلك لا يجب القبول ، لأنه غير الحق. وفي التذكرة صوّر المسألة بما إذا اقترض نصف دينار مكسورا (١) ، وهو يومئ الى ما ذكرناه.

قوله : ( فان كان المقرض عالما ، وكان الشراء بالعين صح البيع ، وعلى المقترض رد مثل الزيوف ).

أي : إن كان المقرض عالما بكون المدفوع ثمنا ، وإن كان خلاف ما يظن بحسب الظاهر ، لأن ضرر ذلك مع الجهل عليه ، وقد اندفع بعلمه ، وحينئذ فيجب على المقترض رد مثل الزيوف.

فان قلت : كيف صح القرض مع أنه إنما أخذها على أنها خالصة؟

قلت : الفرض أنه لم يقع هذا الشرط في عقد القرض ليكون منافيا ، وإنما اقترض الموجود ، غاية ما في الباب أنه ظنها خالصة ، وذلك لا ينافي صحة القرض.

قوله : ( وإن كان في الذمة طالبه بالثمن سليما ، وللمشتري احتساب ما دفعه ثمنا عن القرض ).

أما الأول ، فلأن البيع إنما جرى على نقد مخصوص غير معين بالمدفوع ، فينصرف إطلاقه إلى الخالص ، فلا يصلح دفعه ثمنا ، لعدم المطابقة. وأما الثاني ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦.

٣٥

ولو لم يكن عالما ، وكان الشراء بالعين كان له فسخ البيع.

ط : لو قال المقرض : إذا متّ فأنت في حل كان وصية ، ولو قال : إن متّ كان إبراء باطلا ، لتعلقه على الشرط.

ي : لو اقترض ذمي من مثله خمرا ، ثم أسلم أحدهما سقط القرض ، ولو كان خنزيرا‌ فالقيمة.

______________________________________________________

فلأنه حق له في يد البائع ، وعليه مثله بالقرض ، فيسوغ له احتسابه عنه.

قوله : ( ولو لم يكن عالما ، وكان الشراء بالعين ، كان له فسخ البيع ).

أي : لو لم يكن البائع عالما بكون المدفوع زيوفا ، وكان الشراء بعين الزيوف ، لم يجب على البائع الرضى بكون الزيوف ثمنا للبيع. ويشكل ، بأن الثمن المعيّن إذا خرج من غير الجنس بطل البيع ، ولو خرج بعضه بطل في ذلك البعض ، فحقه بطلان البيع فيما كان من غير الجنس ، لا التسلط على الفسخ.

قوله : ( لو قال المقرض : إذا متّ فأنت في حل كان وصيّة ، ولو قال : إن متّ كان إبراء باطلا ، لتعلقه على الشرط ).

أي : ولو قال بدل ( إذا متّ ) : ( إن متّ ... ) ، والفرق بينهما : أن ( إذا ) ظرف في الأصل وإن عرض لها معنى الشرط ، فكأنّه قال : وقت موتي أنت في حل ، وذلك مجزوم ، غير مشكوك فيه ، فلا تعليق فيه فيصح. و ( إن ) حرف وضع للشرط.

فإذا قال : ( إن متّ ) كان مقتضيا للشك في كونه إبراء ، لأن مقتضى تعليق الموت بكلمة ( إن ) الشك في حصوله ، ومتى كان المعلق عليه مشكوكا فيه ، فالمعلق بطريق أولى.

ولا يضر كون الموت بحسب الواقع مقطوعا به ، لأن الاعتبار في الجزم وعدمه بالصيغة الواقعة إبراء ، فمتى لم تكن واقعة على وجه الجزم لم تكن صحيحة.

قوله : ( لو اقترض ذمي من مثله خمرا ، ثم أسلم أحدهما سقط القرض ، ولو كان خنزيرا فالقيمة ).

٣٦

يا : لو دفع المديون أعواضا على التفاريق من غير جنس الدين قضاء ، ثم تغيّرت الأسعار كان له سعر يوم الدفع ، لا وقت المحاسبة وإن كان مثليا.

ولو كان الدفع قرضا لا قضاء كان له المثل إن كان مثليا ، وإلا فالقيمة وقت الدفع ، لا وقت المحاسبة في البابين معا.

______________________________________________________

الفرق ، أن الخنزير لو كان مالا لكان قيميا ، كما لا يخفى ، كغيره من الحيوان ، بخلاف الخمر فإنه مثلي ، فبناء على أن اقتراض القيمي يوجب ثبوت قيمته في الذمة وقت القرض تبقى قيمة الخنزير ، لأن الإسلام ينافي استحقاق الخنزير ، لا استحقاق قيمته بخلاف الخمر.

قوله : ( لو دفع المديون أعواضا على التفاريق من غير جنس الدين قضاء ، ثم تغيرت الأسعار كان له سعر يوم الدفع ، لا وقت المحاسبة وإن كان مثليا ).

لأن المدفوع إنما يعد قضاء إذا كان من جنس الدين ، فلا بد من احتسابه على وجه يعد من الجنس في وقت كونه قضاء وذلك حين الدفع ، ولا أثر لكونه مثليا أو قيميا بخصوصه ، لما قلناه.

قوله : ( ولو كان الدفع قرضا لا قضاء كان له المثل إن كان مثليا ، وإلا فالقيمة وقت الدفع ، لا وقت المحاسبة في البابين معا ).

لأن الواجب في قرض القيمي هو القيمة كما علم غير مرة.

أعلم أن قوله : ( في البابين ) ينزل على أن المراد به : الجنس وغيره ، على معنى أن المراد سواء كان المدفوع قرضا من جنس القرض الأول ، أم من غيره.

وينزل أيضا على أن المراد : المثلي والقيمي ، ولا يستقيم ، لأن القيمة وقت الدفع إنما تجب في القيمي خاصة ، أما المثلي فالواجب فيه المثل.

وينزل أيضا على أن المراد : القرض والقضاء ، وفيه مع التكرار أنه في المدفوع قضاء لا يختص هذا الحكم بما إذا كان قيميا ، فحينئذ الأول أوجه.

٣٧

يب : يجوز بيع الدين بعد حلوله على الغريم وغيره ، بحاضر أو مضمون حال ، لا بمؤجل.

______________________________________________________

قوله : ( يجوز بيع الدين بعد حلوله على الغريم وغيره ، بحاضر أو مضمون حال ، لا بمؤجل ).

احترز بالحلول عما قبله ، فلا يصح ، لعدم استحقاق شي‌ء في الذمة حينئذ. ويشكل بأنه حق فيجوز بيعه على حالته التي هو عليها وإن لم تجز المطالبة به قبل الأجل. ورد بقوله : ( وغيره ) على ابن إدريس المانع من بيعه على غير الغريم (١). وقد عرفت ضعف قوله سابقا.

وأراد بقوله : ( أو مضمون ) : ما قابل الحاضر ، فان ما في الذمة يعبر عنه بكونه مضمونا.

واحترز بقوله : ( لا بمؤجل ) عن البيع بالمؤجل ، فإنه لا يجوز بيع دين بدين ، لأن المؤجل يقع عليه اسم الدين ، واختاره معنى في التذكرة (٢) ، وهو الظاهر.

فان قلت : المضمون في الذمة أيضا دين ، فيجب أن لا يصح بيع الدين به.

قلنا : إنما يعد دينا إذا ثبت في الذمة ، فقبل ثبوته لا يعد دينا ، ولا يثبت إلا بعقد البيع ، فحين جعله عوضا لم يعد دينا ، فلم يصدق بيع الدين بالدين.

فان قلت : فالمؤجل كذلك بعين ما ذكر ، فيكون البيع به جائزا ، كما اختاره الشيخ في النهاية (٣).

قلنا : اسم الدين واقع على المؤجل وإن لم يكن قد ثبت في الذمة بعد ، لأن المحققين من أهل اللغة فسّروا الكالئ بالمؤخر ، وقد أطبق جميع الفقهاء على أن بيع المؤجل الموصوف بمثله باطل ، أما الحال فالأمر فيه أسهل.

__________________

(١) السرائر : ١٦٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٣.

(٣) النهاية : ٣١٠.

٣٨

يج : لا يجب دفع المؤجل ، سواء كان دينا ، أو ثمنا ، أو قرضا ، أو غيرها قبل الأجل ، فإن تبرع لم يجب أخذه وإن انتفى الضرر بأخذه ، ومع الحلول يجب قبضه ، فإن امتنع دفعه الى الحاكم ويكون من ضمان صاحبه.

وكذا البائع سلما يدفع الى الحاكم مع الحلول ، ويبرأ من ضمان المشتري.

______________________________________________________

إذا عرفت هذا ، فلا بد أن تعلم أن المراد بالمضمون : ما ليس دينا للمشتري في ذمة آخر ، فان ذلك بيع دين بدين ، ومثله ما لو كان لكل منهما على الآخر دين ، فتبايعا بالدينين على الأظهر. وقد سبق التنبيه على هذه في الصرف.

قوله : ( لا يجب دفع المؤجل ، سواء كان دينا ، أو ثمنا ، أو قرضا ، أو غيرها قبل الأجل ).

مقتضاه أن الدين مباين للقرض والثمن ، وكلامه في أول الكتاب يقتضي أن الدين واقع على كل ثابت في الذمة ، سواء كان قرضا أم لا ، ولهذا جعل في الدين مطلبين ، ثانيهما في القرض.

وفي كون الثمن لا يعد دينا ما لا يخفى ، فان اسم الدين واقع على جميع ما ثبت في الذمة ببيع ، أو قرض ، أو غيره من عقود المعاوضات ، أو إتلاف ، أو تسبيب فيه أو نذر ونحو ذلك.

وفي قوله : ( أو غيرها ) ما يقتضي مغايرة الدين للحقوق الثابتة في الذمة بما سوى هذه الأمور.

قوله : ( فان تبرع لم يجب أخذه وإن انتفى الضرر بأخذه ).

خلافا لبعض العامة (١).

قوله : ( وكذا البائع سلما يدفع الى الحاكم مع الحلول ).

مقتضى العبارة : أن حكم البائع سلما لم يندرج في عموم ما سبق ،

__________________

(١) قاله مالك في المدونة الكبرى ٥ : ٢١٧.

٣٩

وكذا كل من عليه حق حال ، أو مؤجل فحل فامتنع صاحبه من أخذه ، ولو تعذر الحاكم وامتنع صاحبه من أخذه فالأقرب أن هلاكه منه لا من المديون.

______________________________________________________

وليس كذلك ، لاندراجه في عموم المؤجل ، فيكون تكرارا.

ويمكن الجواب بأن ذكره بخصوصه لا يقتضي عدم اندراجه في عموم السابق ، لأنه ربما كان ذكره اعتناء بحاله.

قوله : ( ولو تعذر الحاكم ، فامتنع صاحبه من أخذه فالأقرب أن هلاكه منه ، لا من المديون ).

وجه القرب : أن هلاكه من المديون ضرر عظيم ، فيكون منفيا ، للنص الدال على نفيه ، وهذا هو الأصح.

فإن قيل : الدين إنما يتعين بقبض المالك ، أو من يقوم مقامه ، ومن ثم كان للمديون تغييره ما لم يقبض ، فكيف يتعين التالف للمدين؟ وهو وجه الاحتمال الآخر الضعيف.

قلنا : التعيين كما يتوقف على قبض المالك يتوقف على تعيين المديون ، فإذا امتنع أحدهما في محل الوجوب وجب أن يسقط اعتباره ، حذرا من لزوم الضرر ، ومن ثم يجوز أخذ الدين إذا ظفر المالك بمال للمديون الممتنع من الأداء ، وتعذر الأخذ بالحاكم ، ويكون تعيين المالك كافيا.

ولا يخفى أنه إنما يجب القبض في الحال إذا ساوى المدفوع الدين جنسا ووصفا وقدرا ، فلو فقد أحد الأمور الثلاثة لم يجب القبض قطعا.

وهل يعتبر الاشهاد في ذلك؟ الذي يقتضيه النظر اعتباره ، لثبوت الدعوى بالتعيين عند الامتناع لو أنكره المدين ، لا لتحقق ذلك في نفس الأمر.

واعلم أن في انسحاب هذا الحكم فيمن أجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب في مال على حكم الإشاعة ، بحيث يتعين المدفوع للشريك ، فلا يتلف منهما معا ترددا.

٤٠