جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

ويتحول حقه الى ذمة المحال عليه ، ويبرأ المحال عليه عن دين المحيل.

وتصح على من ليس عليه حق ، أو عليه مخالف على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ويتحول حقه الى ذمة المحال عليه ، ويبرأ المحال عليه عن دين المحيل ).

هذا مما يتفرع على قوله : ( وهي ناقلة ) فهو من تتمة التفريع ، ووجهه أنه متى انتقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، صار ما في ذمته حقا للمحتال ، فامتنع بقاؤه على ملك المحيل.

قوله : ( وتصح على من ليس عليه حق ، أو عليه مخالف على رأي ).

قد سبق صحتها على من ليس عليه حق ، والكلام هنا إنما هو في من عليه مخالف ، والمخالف فيه الشيخ رحمه‌الله ، قال في المبسوط : لا تصح الحوالة إلا بشرطين : اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة ، وكون الحق مما يصح فيه أخذ البدل قبل قبضه ، لأنه لا تجوز الحوالة بالمسلم فيه ، لأنه لا تجوز المعاوضة عليه قبل قبضه (١).

وتبعه ابن البراج (٢) ، وابن حمزة (٣) ، والمعتمد عدم اشتراط ما ذكره تمسكا بالأصل ، وبعموم ( ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ) (٤) وبأن الحوالة إن كانت استيفاء فظاهر ، فان إيفاء الدين بغير جنسه جائز مع التراضي ، وإن كانت بيعا فأظهر.

وما ذكره في مال السلم ونحوه مبني على عدم جواز الاستبدال عنه قبل القبض ، وهو ضعيف ، مع أن الحوالة استيفاء لا معاوضة كما سيأتي.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣١٣.

(٢) لم نجده في مظانه ، وقال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٤١٠ : حكي عنه ذلك.

(٣) الوسيلة : ٣٢٩.

(٤) المائدة : ١.

٣٦١

ويصح ترامي الحوالات ، ودورها ، والحوالة بما لا مثل له ، وبالثمن في مدة الخيار ، وبمال الكتابة بعد حلول النجم ، وقبله على اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ويصح ترامي الحوالات ودورها ).

تمسكا بالأصل ، وعموم ( ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ). والمراد بترامي الحوالات : وقوع الحوالة من المحال عليه على آخر من غير تقييد بغاية مخصوصة ، فلو أحال المديون زيدا على عمرو ، ثم أحال عمرو زيدا على بكر ، ثم أحال بكر زيدا على خالد جاز ، وهكذا لثبوت الدين في كل مرتبة وتحقق الشروط.

ومتى أحال المحال عليه بري‌ء كالأول ، وقد علم أن المحتال واحد والمحيل والمحال عليه متعدد. والمراد بـ ( دورها ) : عودها الى المحيل الأول ، ففي المثال يحيل خالد على المديون الأول ، فإن كانت ذمته مشغولة بمثل ذلك الدين لخالد فلا بحث في الصحة ، وإلا فعلى ما اخترناه من جواز الحوالة على البري‌ء ، وعلى من عليه مخالف يجوز هنا لو كان أحدهما.

قوله : ( والحوالة بما لا مثل له ).

المراد به الحوالة بالقيمي ، فإنه الذي لا مثل له ، وهذا بناء على أن الواجب في القيمي مثله ، ثم ينتقل إلى القيمة المتعذر حيث أنه لا مثل له ، وإن كان المذهب أن الواجب فيه من أول الأمر القيمة ، لكن المصنف أراد ثبوت صحة الحوالة فيه ، وإن قلنا : أن الواجب فيه هو المثل ثم ينتقل إلى القيمة ، لأن الوصول إلى الحق ممكن بالمثل ، وبالقيمة فيما لا مثل له ، ومتى أمكن الوصول إلى الحق فلا مانع من صحة الحوالة.

قوله : ( وبالثمن في مدة الخيار ).

لأنه حق ثابت آئل إلى اللزوم ، وتزلزله لا ينافي نقله إلى ذمة أخرى ولا استيفاؤه.

قوله : ( وبمال الكتابة بعد حلول النجم ، وقبله على إشكال ).

أما بعد حلول النجم فلأنه مال ثابت في ذمة المكاتب ، فصحت الحوالة به‌

٣٦٢

ولو أحال المكاتب سيده بثمن ما باعه جاز ، ولو كان له على أجنبي دين فأحال عليه بمال الكتابة صح ، لأنه يجب تسليمه.

ولو قضى المحيل الدين بمسألة المحال عليه رجع عليه ، وإن تبرع لم يرجع ويبرأ المحال عليه.

______________________________________________________

على العبد. وأما قبله فإشكال عند المصنف ، وقوّى في التذكرة الجواز (١) ، ومنع الشيخ من الحوالة به على العبد ، وأطلق لجواز تعجيز نفسه فلا يمكن إلزامه بالأداء (٢).

ومنشأ الاشكال الذي ذكره المصنف : من جواز تعجيز نفسه ، وإمكان موته قبل حلول النجم ، فيظهر عدم الاستحقاق. ومن أنه مال ثبت بعقد لازم ، ويمنع جواز تعجيز نفسه ، ولو سلم فلا ينقص حاله عن الثمن في مدة الخيار ، والأصح الجواز مطلقا.

ولو أحال المكاتب السيد على انسان بمال الكتابة صحت الحوالة عندنا ، وعند كثير من العامة (٣) ، ذكره المصنف في التذكرة (٤) ، وهو المراد من قوله : ( ولو أحال المكاتب سيده بثمن ما باعه جاز ).

وكذا قوله : ( ولو كان له على أجنبي دين فأحال عليه بمال الكتابة صح ) لأنه يجب تسليمه ، وقد كان هذا الأخير مغنيا عما قبله ، لأن الدين شامل للثمن وغيره.

قوله : ( ولو قضى المحيل الدين بمسألة المحال عليه رجع عليه ، وإن تبرع لم يرجع ويبرأ المحال عليه ).

أي : بعد صحة الحوالة ، وتحول الدين من ذمة المحيل ـ الذي هو المديون ـ

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٠٧.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٢٠.

(٣) انظر : المجموع ١٣ : ٤٢٧.

(٤) التذكرة ٢ : ١٠٧.

٣٦٣

ولو طالب المحال عليه المحيل بما قبضه المحتال ، فادعى شغل ذمته قدّم قول المنكر مع اليمين.

ولو احتال البائع ثم ردت السلعة بعيب سابق ، فإن قلنا : الحوالة استيفاء بطلت ، لأنها نوع إرفاق ، فإذا بطل الأصل بطلت هيئة الإرفاق ،

______________________________________________________

إلى ذمة المحال عليه ، والحكم ببراءة ذمة المحيل لو أن المحيل قضى الدين الذي أحاله به ، فان كان ذلك بمسألة المحال عليه على وجه يقتضي الرجوع رجع عليه ، لأنه أوفى دينه بمسألته المقتضية للرجوع.

وإن تبرع أي : لم يكن بمسألته ، فإن ذلك يعد تبرعا ، وإن لم يقصد التبرع لم يرجع عليه أصلا ، ويبرأ المحال عليه من الدين.

قوله : ( ولو طالب المحال عليه المحيل بما قبضه المحتال ، فادعى شغل ذمته ، قدم قول المنكر مع اليمين ).

أي : لو أحال المديون على غيره ، وقبل وأدى الدين ، فطالب المحال عليه ( المحيل بما قبضه المحتال ، فادعى المحيل شغل ذمة المحال عليه ) (١) بمثل ما ادى فأنكر قدّم قوله باليمين ، لأنه منكر للدين ، والحوالة لا تقتضي شغل الذمة على الأصح ، ولو قلنا باقتضائها ذلك ، فالأصل براءة ذمة المنكر فيحلف.

فان قيل : الأصل صحة الحوالة فيتعارضان.

قلنا : سيأتي ان شاء الله تعالى بيان عدم الاعتداد بهذا الأصل عن قريب.

فرع : لا يرجع المحال عليه مع براءة ذمته إلا بعد الأداء لأن الحوالة حينئذ في معنى الضمان.

قوله : ( ولو احتال البائع ثم ردت السلعة بعيب سابق ، فان قلنا : الحوالة استيفاء بطلت ، لأنها نوع إرفاق ، فإذا بطل الأصل بطلت هيئة‌

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

٣٦٤

كما لو اشترى بدراهم مكسّرة فأعطاه صحاحا ، ثم فسخ فإنه يرجع بالصحاح.

______________________________________________________

الإرفاق ، كما لو اشترى بدراهم مكسرة فأعطاها صحاحا ثم فسخ ، فإنه يرجع بالصحاح ).

أي : لو احتال البائع بالثمن من المشتري على ثالث ، ثم رد المشتري السلعة بوجود عيب سابق على العقد ، بني الحكم على أن الحوالة استيفاء أو بيع أو اعتياض. فان قلنا بالأول بطلت ، لأن الحوالة على هذا التقدير نوع إرفاق ، ومسامحة للمديون بجعل ما في ذمة غيره وفاء لما في ذمته.

فإذا بطل الأصل ـ وهو الدين الذي وقع الإرفاق بإيفاء ما في ذمة الغير عنه ـ بطلت هيئة الإرفاق التابعة له ، لامتناع بقاء التابع بعد زوال المتبوع.

وإنما قلنا : إن تلك الهيئة تابعة للدين ، لأنها هيئة للايفاء التابع للدين قطعا على القول المفروض ، وهذا كما لو اشترى بدراهم مكسرة شيئا ، ثم دفع عنها صحاحا تطوعا ، ثم رد بالعيب فإنه يسترد الصحاح.

ولا يقال : يطالب بمثل المكسرة ، ليبقي التبرع بصفة الصحة ، وإن كان لو لا الفسخ لكان هذا الدفع لازما. قال في شرح الإرشاد في بيان وجهي بطلان الحوالة بفسخ البيع وعدمه ما محصله : إن الحوالة تابعة للبيع ، فإذا بطل بطلت ، لامتناع بقاء التابع بعد زوال (١) متبوعه ، ووجه العدم أنها ناقلة للمال على وجه لازم ، فلا يزيل ذلك الفسخ الطارئ.

والتحقيق : أن الحوالة اقتضت مقابلة المال المحال به لما في ذمة المديون ، فاما مقابلة معاوضة على أن أحدهما عوض عن الأخر ، أو تعيين الحق الذي في ذمة المحيل ، وليس هنا قسم ثالث بل القسمة حاصرة.

بل المحال به : إما تعيين للدين ، كما يعين في أي جهة كانت من جهات‌

__________________

(١) في « م » : بزوال.

٣٦٥

وإن قلنا : انها اعتياض لم تبطل ، كما لو استبدل عن الثمن ثوبا ثم رد بالعيب فإنه يرجع بالثمن لا الثوب ، فللمشتري الرجوع على البائع خاصة إن قبض ولا يتعين المقبوض ،

______________________________________________________

القضاء ، أو تملك له في مقابل الآخر على جهة الاعتياض ، ولا يخفى ضعف كونه معاوضة فتعين الأخر.

قوله : ( وإن قلنا : أنها اعتياض لم تبطل ، كما لو استبدل عن الثمن ثوبا ، ثم رد بالعيب فإنه يرجع بالثمن لا الثوب ).

أي : وإن قلنا : ان الحوالة عقد مقصود به مقابلة أحد العوضين بالآخر ، على جهة الاعتياض فيكون بيعا ، لم تبطل ، كما لو استبدل عن الثمن المقبوض ثوبا ، بان باع أحدهما بالاخر ، ثم رد المشتري المبيع بالعيب فإنه يرجع بمثل الثمن ـ لأن الثمن قد صار ملكا للآخر ـ لا بالثوب ، لأنه مملوك بمعاوضة مستقلة.

ومما يدل على أن الحوالة استيفاء : أنها لو كانت اعتياضا وبيعا لكانت بيع دين بدين ، ولما جازت في النقود إلا مع التقابض قبل التفرق ، ولوجب على المحيل تسليم ما أحال به ، كما يجب على البائع تسليم المبيع ، فلا يبرأ بمجرد الحوالة ، وكل اللوازم باطلة ، فظهر أن القول بأنها استيفاء أقوى.

قوله : ( فللمشتري الرجوع على البائع خاصة إن قبض ).

هذا تفريع على القول بأنها اعتياض ، أي : ـ فعلى هذا ـ للمشتري الرجوع على البائع بالدين المحال به ، لأنه قد صار ملكا له بالحوالة التي هي بيع خاصة ، أي : لا على المحال عليه. كما لو باع ما في ذمته بعوض ، ثم طرأ البطلان على المعاوضة الجارية على ذلك العوض ، وقد قبض الدين المبيع فإنه يرجع على البائع لا على المديون. هذا إن كان قد قبض ذلك الدين ، فان لم يكن قد قبض فسيأتي.

قوله : ( ولا يتعين المقبوض ).

أي : على تقدير قبض البائع ما أحيل به ، ثم فسخت المعاوضة بالعيب‌

٣٦٦

وإن لم يقبضه فله قبضه.

وهل للمشتري الرجوع قبل قبضه؟ فيه إشكال ينشأ : من أن الحوالة كالقبض ولهذا لا يحبس البائع بعدها السلعة ، ومن أن التغريم للمقبوض ولم تحصل حقيقته ،

______________________________________________________

لا يتعين ذلك المقبوض للمشتري ، لأنه مملوك للبائع بعقد معاوضة بالاستقلال ، بل الواجب مثله.

قوله : ( وإن لم يقبضه ).

هذا فرع آخر على كون الحوالة بيعا ، أي : وإن لم يكن البائع قد قبض ما أحيل به ، ثم طرأ الفسخ بالعيب فله قبضه ، لأنه ملكه بمعاوضة مستقلة.

قوله : ( وهل للمشتري الرجوع قبل قبضه؟ فيه إشكال ينشأ : من أن الحوالة كالقبض ، ولهذا لا يحبس البائع بعدها السلعة ، ومن ان التغريم للمقبوض ولم تحصل حقيقته ).

إذا فسخ المشتري بالعيب ، ولم يكن البائع قد قبض ما أحيل به عن الثمن ، فبناء على أن الحوالة بيع هل للمشتري الرجوع على البائع بمثل المال المحال به؟ فيه إشكال عند المصنف ينشأ : من أن الحوالة كالقبض بدليل ان البائع إذا أحيل بالثمن وقبل لم يكن له حبس السلعة ، ولو لا أنه كالقبض لم يكن له ذلك ، فإنه يجوز له الحبس الى أن يقبض بغير خلاف. ومن أن أخذ العوض من البائع إنما هو عن المقبوض ، والى الان لم يحصل القبض حقيقة وإن حصل ما يقوم مقامه.

وليس هذا بشي‌ء ، لأن البائع حيث ملك المحال به بالحوالة ـ التي هي بيع ـ خرج ذلك عن كونه ملكا للمشتري ، فلا بد أن يثبت عوضه في ذمة البائع ، حيث حصل الفسخ وثبت التراد في العوضين ، ولا أثر للقبض وعدمه في ذلك.

( ولا يخفى أن التغريم ) (١) ليس للمقبوض ، بل لما ثبت في ذمة البائع بدلا‌

__________________

(١) في « م » : ولأن التغريم.

٣٦٧

فإن منعنا الرجوع فهل للمشتري مطالبته بتحصيل الحوالة ليرجع؟ اشكال.

وعلى تقدير البطلان لا يرد البائع إلى المحال عليه ، بل إلى المشتري ، ويتعين حقه فيما قبضه ،

______________________________________________________

عن الدين الذي كان ملكا للمشتري. ومن هذا يعلم أن توجيه الشق الأول من شقي الإشكال ، بكون الحوالة كالقبض ـ في كلام المصنف ـ ضعيف ، والصحيح ما قلناه ، والأصح أن له الرجوع في هذه الحالة لو قلنا بأن الحوالة اعتياض.

قوله : ( فان منعنا الرجوع ، فهل للمشتري مطالبته بتحصيل الحوالة ليرجع؟ إشكال )

أي : فان منعنا رجوع المشتري على البائع حيث حصل الفسخ ، ولم يكن قبض الى أن يقبض ، فهل للمشتري مطالبة البائع بتحصيل الحوالة ، أي : يقبض المال المحال به ليرجع عليه؟ إشكال عند المصنف ينشأ : من أنه ليس للإنسان قهر غيره على قبضه حقه ، والحوالة حق للبائع.

ولأن وجوب التغريم متوقف على القبض ، واستحقاق المطالبة متوقف على وجوب التغريم ، فلو توقف وجوب القبض على استحقاق المطالبة لزم الدور. ومن أنه لو لا ذلك لأمكن معاندة البائع إياه بتأخير قبض حقه ، فيؤدي إلى ضياع ما له ، وهو ضرر منفي بقوله عليه‌السلام : « لا ضرر ولا ضرار » (١).

ولا يخفى ضعف هذا الإشكال ، فإن للمشتري الرجوع وإن لم يقبض البائع كما قدمناه ، لكن تفريعا على الوجه الآخر ـ الثاني من شقي الإشكال ـ ضعيف ، لأن إيجاب قبض مال الإنسان عليه ، ليترتب عليه حق لغيره لم يكن قبل ذلك ضرر ، والضرر لا يزال بالضرر.

قوله : ( وعلى تقدير البطلان لا يرد البائع على المحال عليه ، بل يرد على المشتري ، ويتعين حقه فيما قبضه ).

هذا تفريع على أن الحوالة استيفاء ، رجع اليه بعد الفراغ من التفريع على‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٢ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٧ حديث ٦٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ حديث ٦٥١.

٣٦٨

فإن تلف فعليه بدله ، وإن لم يقبضه فلا يقبضه ، فإن قبضه فهل يقع عن المشتري؟ يحتمل ذلك ، لأنه كان مأذونا في القبض بجهة ، فإذا بطلت بقي أصل الاذن. والأصح العدم ، لأن الإذن الذي كان ضمنا لا يقوم بنفسه.

والوكالة عقد مخالف للحوالة ،

______________________________________________________

أنها اعتياض. وصورته : أن البائع إذا قبض من المحال عليه ثم طرأ الفسخ ، فبناء على بطلان الحوالة ـ لكونها استيفاء لما امتنع الاستيفاء عنه ـ لا يجوز للبائع أن يرد ذلك المقبوض الى المحال عليه ، لأنه مال للمشتري قد تعين بالقبض عن الدين الذي كان عليه كونه له ، وإلا لا متنع وقوعه عن دينه ، فلا يزول ذلك بزوال الدين ، فيرده على المشتري ، ويتعين حق المشتري في ذلك الذي قبضه البائع لما قلناه.

قوله : ( فان تلف فعليه بدله ).

لأنه قبضه بدلا عن ماله ـ الذي هو الثمن ـ فيكون مضمونا.

قوله : ( وإن لم يقبضه فلا يقبضه ).

أي : وإن لم يكن البائع قد قبض مال الحوالة ، حتى طرأ الفسخ فلا يقبضه الآن لخروجه عن الاستحقاق ، لامتناع الاستيفاء بعد سقوط الدين.

قوله : ( فإن قبضه فهل يقع عن المشتري؟ يحتمل ذلك ، لأنه كان مأذونها في القبض بجهة ، فإذا بطلت بقي أصل الاذن. والأصح العدم ، لأن الإذن الذي كان ضمنا لا يقوم بنفسه ، والوكالة عقد مخالف للحوالة ).

أي : فان قبض البائع مال الحوالة في هذه الحالة ـ وهي طروء الفسخ قبل قبضه إياه ، وقد منعناه منه ـ فلا يقع له قطعا ، إذ لا استحقاق له. لكن هل يقع عن المشتري بحيث يتعين له بهذا القبض؟ فيه احتمالان :

أحدهما : نعم ، لأنه كان مأذونا في القبض ، بجهة مخصوصة وهي الحوالة ، فإذا بطلت بقي أصل الإذن ، نظرا الى أن الخاص إذا ارتفع يبقى العام. وأصحهما عند المصنف العدم ، وهو الأصح ، لأن الإذن العام إنما كان في ضمن الإذن‌

٣٦٩

بخلاف ما لو فسدت الشركة والوكالة فإن الإذن الضمني يبقى ويصح التصرف ، ولأن المحتال يقبض لنفسه بالاستحقاق لا للمحيل بالاذن وهما مختلفان ، فبطلان أحدهما لا يفيد حصول الآخر ، وفي الشركة يتصرف بالإذن فإذا بطل خصوص الإذن بقي عمومه.

______________________________________________________

الخاص ، والإذن الضمني لا يقوم بنفسه ، فيرتفع بارتفاع ما يضمنه.

ومعنى قوله : ( والوكالة عقد مخالف للحوالة ) أنه لو ثبت الإذن في القبض هنا لكان وكالة ، لأنه استنابة في القبض من المالك. فإن الذي يحاوله ـ من يجوز القبض هنا ـ إنما هو القبض عن المشتري ، وليس لهذه الوكالة ما يقتضيها إلا الحوالة ، ومعلوم انهما عقدان مختلفان لا يقتضي أحدهما الآخر.

قوله : ( بخلاف ما لو فسدت الشركة والوكالة ، فإن الإذن الضمني يبقى ويصح التصرف ، لأن المحتال يقبض لنفسه بالاستحقاق لا للمحيل بالاذن وهما مختلفان ، فبطلان أحدهما لا يفيد حصول الآخر ، وفي الشركة يتصرف بالإذن ، فإذا بطل خصوص الإذن بقي عمومه ).

أشار بقوله : ( بخلاف ) الى جواب سؤال مقدر صورته : أنه كيف انتفى الاذن في قبض المال المحال به بطروء بطلان الحوالة ، مع أن الاذن في التصرف يبقى في الوكالة والشركة الفاسدتين ، كما لو وكله في التصرف إذا جاء رأس الشهر ، وشاركه على الاستواء في الربح واختصاص أحدهما بالخسران ، فيعتبر الإذن الضمني فيهما ويحكم ببقائه؟

والجواب : الاختلاف بينهما وبين الحوالة ، لأن المحتال يقبض لنفسه بالاستحقاق ( لا للمحيل بالاذن ، وهما أي : قبضه لنفسه بالاستحقاق ) (١) وقبضه للمحيل بالاذن مختلفان ، لأن أحدهما حوالة والآخر وكالة ، فبطلان أحدهما لا يفيد حصول الآخر قطعا ، إذ من المعلوم البيّن أن الحوالة لم تتضمن التوكيل ، كما أن‌

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « ق ».

٣٧٠

ولو أحال البائع رجلا على المشتري فالأقرب عدم بطلان الحوالة بتجدد الفسخ ، لتعلق الحوالة بغير المتعاقدين ، سواء قبض أو لا.

______________________________________________________

البيع لم يتضمنه. فإذا بطلت الحوالة توقف ثبوت الوكالة على مقتض له كما في الشركة والوكالة.

واقتصر المصنف على الشركة إيثارا للاقتصار ، واعتمادا على حصول المراد بذكرها ، فإنه يتصرف بالاذن حيث استنابه في التصرف ، فإذا بطل خصوص الاذن لفساد العقد بقي عمومه ، هذا محصل كلامه.

والحق أن الذي يتحصل مما ذكره ، هو أن بقاء الاذن في التصرف في الوكالة والشركة إذا فسدت ، أقرب من ثبوت الوكالة بفساد الحوالة ( لشدة البعد بينهما ) (١).

أما صحة بقاء الإذن الضمني فيهما ، بحيث يحكم بجواز التصرف بمجرد ادعاء بقاء عموم الاذن فليس بظاهر ، لامتناع بقاء الضمني بعد ارتفاع المطابقي ، إلا بدليل يدل عليه غير كونه ضمنيا.

واعلم أن اللام في قوله : ( لأن المحتال ) تتعلق بالنسبة بين قوله : ( بخلاف ) وبين المحذوف ، والذي تقديره : وهذا بخلاف ما لو فسدت الشركة الى آخره ، ونحوه.

قوله : ( ولو أحال البائع رجلا على المشتري فالأقرب عدم بطلان الحوالة بتجدد الفسخ ، لتعلق الحوالة بغير المتعاقدين ، سواء قبض أو لا ).

أي : لو انعكس الفرض ، بأن أحال البائع رجلا آخر بدين له على المشتري بثمن المبيع ، وبعد استكمال الحوالة فسخ المشتري بالعيب ، فالأقرب عند المصنف عدم بطلان الحوالة هنا بتجدد الفسخ ، لتعلق الحوالة بغير المتعاقدين ، حيث أن الثمن صار مملوكا للمحتال الأجنبي عوض دينه الذي على البائع ، فلا يبطل‌

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

٣٧١

ولو فسد البيع من أصله بطلت الحوالة في الصورتين ، ويرجع المشتري على من شاء من المحتال والبائع.

______________________________________________________

حقه بطروء الفسخ ، كما لو باع الثمن البائع لشخص آخر.

بخلاف ما سبق ، فإن الحوالة ثم إنما كانت طريقا لاستيفاء البائع الثمن ، فلم يتعلق به حق ثالث ، وهذا هو الأصح ، ونقل الشيخ فيه الإجماع (١) حكاه الشارح (٢). ولا فرق في ذلك بين أن يقبض وعدمه كما هو ظاهر ، لانتقال الملك بدون القبض.

ويحتمل ضعيفا البطلان ، لأن استحقاق المحتال فرع استحقاق المحيل ، وقد بطل استحقاق المحيل ، فيبطل استحقاق المحتال ، وضعفه ظاهر ، لأن فرعه وقت الحوالة لا مطلقا.

قوله : ( ولو فسد البيع من أصله بطلت الحوالة في الصورتين ).

أي : في صورة حوالة المشتري البائع على ثالث ، وفي صورة حوالة البائع ( ثالثا ) (٣) على المشتري.

ووجهه : أن الحوالة فرع ثبوت الثمن ، ومع فساد البيع لا ثمن. وقد كان الأحسن أن يقول : ولو فسد البيع فالحوالة باطلة ، إذ لم يطرأ بطلانها.

وربما يتخيل أن قوله : ( في الصورتين ) يراد بهما كون الحوالة استيفاء ، وكونها اعتياضا ، وليس كذلك ، إذ لا يقال : لهما صورتان بل قولان ، فلو أرادهما لقال على القولين. وأيضا فإن ما ذكرناه أشمل ، فإن البطلان في الصورتين يعم القولين.

قوله : ( ويرجع المشتري على من شاء من المحتال والبائع ).

لأن كل واحد منهما متصرف في ماله بغير حق ، أما المحتال فظاهر ، حيث‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٧٧ مسألة ٤ كتاب الحوالة.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٩٦.

(٣) لم ترد في « ق ».

٣٧٢

فروع :

أ : لو أحال بثمن العبد على المشتري ، وصدّق الجميع العبد على الحرية بطلت الحوالة ، ويرد المحتال ما أخذه على المشتري ، ويبقى حقه على البائع. وإن كذبهما المحتال وأقام العبد بينة ، أو قامت بينة الحسبة فكذلك.

وليس للمتبايعين إقامتها لتكذيبهما بالمبايعة إلا مع إمكان الجمع كادعاء البائع عتق وكيله ، وادعاء المشتري عتق البائع مع جهله.

______________________________________________________

وضع يده على المال. وأما البائع فلأنه أوفاه للمحتال عما في ذمته ، فقبضه منسوب اليه بل أقوى ، ولهذا يمنع من حبس المبيع بعد الحوالة بالثمن.

قوله : ( وإن كذبهما المحتال ، وأقام العبد بينة ، أو قامت بينة الحسبة فكذلك ).

أي : إن كذب المحتال البائع والمشتري في كون العبد المبيع حرا ، فإما أن تكون هناك بينة بالحرية أو لا. وفي الأول إما أن يقيمها العبد أو تقوم بنفسها حسبة لله ، أي : قيامه بالواجب من دفع المنكر وإقامة المعروف ، فتشهد عند الحاكم من دون دعوى مدع ، فان ذلك جائز محافظة على دفع المنكر.

أو يقيمها المتبايعان ، فإن أقامها العبد أو قامت بنفسها فكذلك ، أي : كان الحكم كذلك الذي سبق في بطلان الحوالة ، ووجوب رد ما أخذه المحتال على المشتري لأنه لا يستحقه.

قوله : ( وليس للمتبايعين إقامتها ، لتكذيبهما بالمبايعة ، إلا مع إمكان الجمع ، كادعاء البائع عتق وكيله وادعاء المشتري عتق البائع مع جهله ).

هذا هو القسم الثالث من أقسام الشق الأول ، وهو أن يقيم البينة المتبايعان ، وحكمه أنه ليس لهما ذلك ولا يصح منهما ، لأنهما قد كذباها بالتبايع ،

٣٧٣

ولو فقدت البينة فلهما إحلافه على نفي العلم ، فيأخذ المال من المشتري.

______________________________________________________

إذا التبايع يقتضي كون المبيع مملوكا للبائع ، فبيع أحدهما وشراء الآخر مقتض للاعتراف بالرقية.

وكل من كذب بينته بقول أو فعل لا تسمع منه إقامتها اتفاقا ، وحين إقامتها منهما أو من أحدهما فهي بينة وإن انتفع بها العبد ، لأنها حينئذ لإثبات دعواه ، وهذا ما لم يظهرا ما يمكن معه الجمع بين فعلهما ـ أعني التبايع ـ وبين الحرية بحيث لا يكون اعتقادهما كون البيع حقيقيا ، جاريا على مملوك منافيا للحرية بحسب الواقع.

أما لو أظهراه كما لو ادعى البائع عتق وكيله ، وعدم علمه بوقوع العتق وقت البيع ، فان هذا مصحح لدعواه. وكما لو ادعى المشتري عتق البائع مع جهله ، ثم تجدد له العلم بعد البيع فإنه مصحح لدعواه.

وكما لو ادعى البائع والمشتري عتق وكيل البائع ( والمشتري ) (١) وهما لا يعلمان ، فإنه مصحح لدعواهما ، فإن البينة تسمع حينئذ لاندفاع المناقضة.

قوله : ( ولو فقدت البينة فلهما إحلافه على نفي العلم ، فيأخذ المال من المشتري ).

أي : ولو لم يكن لهما بينة ، فلهما (٢) إحلاف المحتال على نفي العلم بالعتق لو ادعيا عليه العلم ، فإذا حلف أخذ المال من المشتري ، لأنه المحال عليه.

لكن هل يشترط في صحة الدعوى وطلب حلفه على نفي العلم ، إظهار ما به يندفع التنافي ويمكن الجمع أم لا؟ عبارة المصنف هنا محتملة وإن كانت أظهر في اشتراط ذلك ، حيث أنه بناه على فقد البينة ، ووجود البينة إنما يعتد به بالنسبة إليهما بعد إظهار ما يدفع التنافي.

__________________

(١) لم ترد في « ق ».

(٢) في « ق » : فان لهما.

٣٧٤

وفي رجوع المشتري على البائع إشكال ، ينشأ : من أن المظلوم يرجع على من ظلمه ، ومن أنه قضى دينه بإذنه.

______________________________________________________

وفي التذكرة صرح : بأنه لو نكل المحتال حلف المشتري ، قال : ثم إن جعلنا اليمين المردودة كالإقرار بطلت الحوالة ، وإن جعلناها كالبينة فالحكم كما لو لم يحلف ، لأنه ليس للمشتري إقامة البينة (١) ، هذه عبارته وفيها كلامان : هذا أحدهما ، أعني تحليف المحتال ، ومع نكوله فالمشتري ، وإن لم يظهر العذر الرافع للتنافي.

الثاني : أنه حكم بحلفه على كل حال ، ويكون وجود اليمين كعدمها على تقدير أن المردودة كالبينة ، فلا يكون لهذه اليمين فائدة أصلا على هذا التقدير.

والمعروف أن من كذب إقراره دعواه لا تسمع دعواه أصلا ، فينبغي تحقيق ذلك.

قوله : ( وفي رجوع المشتري على البائع إشكال ينشأ : من أن المظلوم يرجع على من ظلمه ، ومن أنه قضى دينه بإذنه ).

إذا حلف المحتال على نفي العلم بالعتق ، أخذ المال المحال به من المشتري ، وهل يرجع به المشتري على البائع؟ فيه إشكال ينشأ : من أن الظالم للمشتري بزعمه إنما هو المحتال ، حيث يقول : إن المبيع حر ، والمظلوم إنما يرجع على من ظلمه لا على غيره. ومن أنه قضى دينه بإذنه ، فإن الحوالة تقتضي الاذن في القضاء ، فإذا بطلت لم يرتفع عموم الإذن ، وفيه نظر يعلم مما سبق.

والأصح أن له الرجوع من حيث أنه قضى دينه بإذن شرعي ، فلا يكون تبرعا ، وكيف يكون كذلك وهو واجب عليه شرعا ، وربما أجبره الحاكم عليه ، وليس ذلك بأبلغ من إطعام المضطر والرجوع عليه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٠.

٣٧٥

ولو صدقهما المحتال وادعى ان الحوالة بغير الثمن صدّق مع اليمين ، لأن الأصل صحة الحوالة ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو صدقهما المحتال ، وادعى أن الحوالة بغير الثمن صدق مع اليمين ، لأن الأصل صحة الحوالة ).

أي : لو صدق المحتال البائع والمشتري على أن العبد حر ، وادعى أن الحوالة بغير الثمن فقد اختلفا في صحة الحوالة وفسادها ، والأصل في العقود الصحة ، فيقدم قوله بيمينه لأن دعواه موافقة للأصل ، هذا محصل كلامه.

وينبغي تنقيح المبحث بأن يقال : إذا ادعى الحوالة بغير الثمن ، فاما أن يدعيها بدين آخر في ذمة المحال عليه ، أو مع خلو الذمة. فإن ادعاها بدين آخر ، فاما أن يكون المحال عليه مع إنكاره الحوالة به منكرا لأصل الدين ، أو مقرا به.

فإن أقر بالدين فتقديم قول مدعي الصحة متجه ، إذ ليس في طرف المدعى عليه أصل ولا ظاهر.

فان قيل : الأصل براءة ذمته من ثبوت دين المحتال.

قلنا : قد اعترف بالسبب المقتضي لذلك وهو الحوالة ، فإن الأصل فيه الصحة ، فنقل عن الأصل الأول ، وبقي الاختلاف في الفساد موجبا لليمين على من أنكر. كما لو اختلفا في صحة البيع وفساده ، فان القول قول مدعي الصحة بيمينه ، وإن كان الأصل بقاء الملك على مالكه لنحو ما قلناه.

ومثله ما لو ادعى المحتال وقوعها مع خلو الذمة سواء ، وأما إذا ادعاها بدين آخر وأنكره المحال عليه ، فقد تعارض أصل الصحة وأصل البراءة ، كذا قيل.

ويمكن أن يقال : يمنع تعارض الأصلين ، إذ لا يلزم من كون الحوالة ( بغير دين في الذمة فسادها ، بل هو أعم من الفساد ، لما عرفت من أن صحة الحوالة ) (١)

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

٣٧٦

فإن أقاما بينة ان الحوالة بالثمن قبلت ، لأنهما لم يكذباها.

ب : لو جرى لفظ الحوالة واختلفا بعد القبض ، فادعاها المحتال ، وادعى المحيل قصد الوكالة فالأقرب تقديم قول المحيل ، لأنه أعرف بلفظه وقصده ، واعتضاده بالأصل من بقاء حق المحيل على المحال عليه ، وحق المحتال على المحيل ، ويحتمل تصديق المستحق لشهادة اللفظ له.

______________________________________________________

لا تستلزم شغل الذمة ، فيبقى أصل البراءة بغير معارض ، فيقدم قول المحال عليه بيمينه ، وهذا متجه واختاره في التذكرة (١).

قوله : ( فإن أقاما بينة أن الحوالة بالثمن قبلت ، لأنهما لم يكذباها ).

أي : على تقدير تصديق المحتال البائع والمشتري على حرية العبد المبيع ، واختلافهم في أن الحوالة بالثمن ، وادعاء المحتال على أنها بغيره ، لو أقام البائع أو المشتري أو كلاهما بينة بكون الحوالة إنما هي بالثمن الذي يضمنه البيّع ، فإنها تقبل كما تسمع دعواهما بذلك ، لأنهما لم يكذباها.

فإن كون المبيع حرا ، لا يقتضي عدم وقوع الحوالة بما سمي ثمنا في مقابله ، غاية ما هناك إنهما يدعيان فساد الحوالة فيثبت بالبينة.

قوله : ( لو جرى لفظ الحوالة واختلفا بعد القبض ، فادعاها المحتال ، وادعى المحيل قصد الوكالة فالأقرب تقديم قول المحيل ، لأنه أعرف بلفظه وقصده ، واعتضاده بالأصل من بقاء حق المحيل على المحال عليه ، وحق المحتال على المحيل ، ويحتمل تصديق المستحق بشهادة اللفظ له ).

أي : لو جرى بين اثنين لفظ الحوالة مع العقد ، واختلفا بعد قبض ما جرى العقد عليه ، فادعى المحتال أن الذي صدر بينهما من لفظ الحوالة أريد به الحوالة ، وهو مدلوله الحقيقي ، وادعى المحيل قصد الوكالة بلفظ الحوالة مجازا ، فالأقرب عند المصنف تقديم قول المحيل ، في أنه إنما قصد الوكالة لأنه أعرف بلفظه ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١١.

٣٧٧

______________________________________________________

باعتبار استعماله في معناه الحقيقي وغيره.

وكذا هو أعرف بما قصد ، إذ لا يعلم قصده إلا من قبله ، فيكون قوله بيمينه مقدما ، ولاعتضاد قوله بالأصل من بقاء حق المحيل على المحال عليه ، وحق المحتال على المحيل ، وفيهما نظر.

أما الأول : فلان اللفظ الواقع مجردا عن القرائن ، يجب حمله على حقيقته ، لأن الواجب على المتكلم نصب القرينة إذا أراد المجاز ، فالتجرد عنها دليل إرادة الحقيقة ، حذرا من كون كلامه مشتملا على الإغراء بجهل المقصود ، والأصل خلافه.

فإذا كان الواجب حمله على ذلك ، كان دعواه بعد ذلك مخالفة للأصل ، على أن هذا لو قدح هنا ، لقدح في جميع الأبواب من بيع وصلح وإقرار ونكاح وغيرها.

وأما الثاني : فلأن الأصل الذي ادعاه زال بالحوالة الصادرة بينهما ، التي الأصل فيها الحقيقة والصحة ، فلا يعتد به. ولو قدح هنا لقدح في البيع وغيره ، إذا وقع الاختلاف بعد صدوره كاملا.

ويحتمل تصديق المستحق ، وهو المحتال ، لأن اللفظ الصادر بينهما شاهد له ، إذ الأصل فيه الحقيقة ، وهذا هو الأصح ، وما قربه المصنف ضعيف. ولو اختلفا في وجود القرينة فالقول قول من ينفيها بيمينه ، لأن الأصل العدم.

واعلم أن اختلافهما قبل القبض وبعده لا نجد فيه فرقا ، لأن عقد الحوالة من العقود اللازمة ، فإذا صح وحمل على الحقيقة تعيّن فيه الأداء الى المحتال ، لأنه صار ملكه ، وكأن المصنف لحظ كون الحوالة استيفاء.

والاستيفاء إنما يثمر الملك بالقبض ، فقبله لا يتحقق الملك ، فيكون الاختلاف قبل القبض في استحقاق ما هو مملوك للمحيل حين الاختلاف ، وليس كذلك ، لأن نفس الحوالة استيفاء ومثمرة للملك وإن لم يحصل القبض ، حتى لو أراد المحيل بعد كمال الحوالة دفع البدل توقف على رضى المحتال. وليس هو‌

٣٧٨

ولو لم يقبض قدّم قول المحيل قطعا ، ولو انعكس الفرض قدّم قول المحتال ،

______________________________________________________

كالإيفاء بغير الحوالة ، فإن الملك فيه متوقف على القبض ، ومن ثم يجوز الأبدال قبله.

فعلى هذا يكون قوله : ( ولو لم يقبض قدم قول المحيل قطعا ) في غاية البعد ، وما قطع به غير ظاهر.

قوله : ( ولو انعكس الفرض قدم قول المحتال ).

أي : لو قال المديون ـ بعد اتفاقهما على جريان لفظ الحوالة ـ : أحلتك ، فقال : بل وكلتني قدم قول مدعي الوكالة ، وهو المحتال بيمينه ، عملا بأصالة بقاء الحقين ، والمديون يدعي خلافهما وانتقالهما فكان عليه البينة.

وتظهر فائدة هذا الاختلاف عند إفلاس المحال عليه ، ونحوه. وفي توجيهه نظر ، لأن الأصل في اللفظ الحقيقة ، والحمل على المجاز خلاف الأصل ، والمحيل أعرف بلفظه وقصده.

والأصل الذي ادعاه بالنسبة إلى الحقين زال بالسبب الواقع بينهما ، ومن هذا علم أن ما اختاره هنا أيضا في غاية البعد ، مع مخالفته لما سبق من مجي‌ء الوجهين في المسألة الاولى ، فلا أقل من مجيئها هنا وإن كان عنده أحدهما أرجح.

وفي التذكرة جعل هذا الحكم فيما إذا لم يتفقا على لفظ مخصوص (١) ، أما إذا اتفقا على الحوالة واختلفا هذا الاختلاف ، فالوجهان في المسألة الأولى على العكس هنا.

وهذا كله إذا لم يأت باللفظ على وجه لا يحتمل المجاز ، فان اتى به كذلك ، كما لو قال : أحلتك بالمائة التي لك علي على المائة التي لي على زيد ، ثم اختلفا الاختلاف السابق ، فان القول قول مدعي الحوالة لامتناع ارادة المجاز ، وقطع به في التذكرة (٢).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١١.

(٢) المصدر السابق.

٣٧٩

ولو لم يتفقا على جريان اللفظ بل قال المستحق : أحلتني ، وقال المديون : وكلتك في استيفاء ديني صدّق المديون ، فإن لم يكن قبض فليس له ذلك لانعزاله بإنكاره الوكالة ، وله مطالبة المديون بالمال لئلا يضيع حقه ، ويحتمل العدم لاعترافه ببراءته بدعوى الحوالة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يتفقا على جريان اللفظ ، بل قال المستحق : أحلتني ، وقال المديون : وكلتك في استيفاء ديني صدّق المديون ).

أي : لو لم يتفق الشخصان ـ اللذان جرى بينهما العقد ـ على جريان اللفظ ، أي : على جريان ما سبق ذكره من لفظ الحوالة ـ فاللام للعهد الذكري ـ بل قال المستحق للمديون : أحلتني بمالك على فلان ، وقال المديون : وكلتك في استيفاء ديني ، فإن المديون مصدق بيمينه إذ الأصل عدم الحوالة.

وتظهر فائدة هذا فيما إذا كان الثمن باقيا وأراد الإبدال ، أو أراد التأخير للدفع الى بلد الدين إذا كانا في غيره ولم يشترط الأداء في غيره. وفي ذلك دفع ضرره ، ( ولم يرض المدين بما يندفع به ضرره ) (١) ، سواء كان بالغا أم لا.

قوله : ( فإن لم يكن قبض فليس له ذلك ، لانعزاله بإنكار الوكالة ، وله مطالبة المديون بالمال لئلا يضيع حقه ، ويحتمل العدم لاعترافه ببراءته بدعوى الحوالة ).

إذا حلف المديون على نفي الحوالة انتفت ظاهرا ، فان لم يكن المستحق قد قبض الدين الذي وقع الاختلاف في الحوالة به والوكالة لم يكن له قبضه ظاهرا ، لأن الوكالة تندفع بإنكاره إياها ، فينعزل على تقدير كونه وكيلا والحوالة منتفية. لكن له مطالبة المديون بما له لئلا يضيع حقه ، ولأنه إن كانت الحوالة هي الواقع ، فقد دفعه عن المال المحال به ، وصيره له ظاهرا بيمينه ، فظلمه بذلك. وإن كان الواقع الوكالة ، فظاهر لبقاء حقه عليه.

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

٣٨٠