جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

ولو ضمن ما سيلزمه ببيع أو قرض بعده لم يصح ، ولا ضمان الأمانة كالوديعة والمضاربة.

ويصح ضمان أرش الجناية وإن كان حيوانا ، ومال السلم والأعيان المضمونة كالغصب ، والعارية المضمونة والامانة مع التعدي على اشكال ،

______________________________________________________

نفقة القريب على جهة المساواة لا في مقابل شي‌ء ، فتسقط بالفوات.

قوله : ( ولا ضمان الأمانة كالوديعة والمضاربة ).

سواء ضمن الأعيان مطلقا ، أو ضمنها على تقدير التلف مضمونة ، لانتفاء ثبوت شي‌ء في الذمة الآن ، إذ ليست مضمونة.

قوله : ( ويصح ضمان أرش الجناية وإن كان حيوانا ).

أي : وإن كان الأرش حيوانا ، كأرش الجزء من الإبل ، لأنه مال ثابت في الذمة ، ومنع بعض الشافعية (١) من ضمان إبل الدية لجهالتها.

قوله : ( ومال السلم ).

لأنه مال ثابت.

قوله : ( والأعيان المضمونة ، كالغصب ، والعارية المضمونة ، والأمانة مع التعدي على إشكال ).

أي : يصح ضمان كلّ من هذه على إشكال ، ينشأ من أن ضمانها ثابت في الذمة ، ولوجود سبب ضمان القيمة ، ومن عدم ثبوت المضمون في الذمة ، لأنها إنما تثبت مع التلف ، ومع بقائها فالواجب هو رد العين.

وفي التذكرة (٢) صور المصنف لضمانها صورتين :

أ : ان يضمن رد أعيانها ، وجوزه ، لأنه ضمان مال مضمون على المضمون عنه.

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٨ ، فتح العزيز ١٠ : ٣٧١ ، وفيهما : ان في ضمان إبل الدية قولان أو وجهان.

(٢) التذكرة ٢ : ٩٠.

٣٢١

وضمان العهدة للبائع عن المشتري بأن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه ، وضمان عهدته إن ظهر عيب أو استحق ،

______________________________________________________

ويشكل بأنه ليس ثابتا في الذمة ، وانما الثابت في الذمة هو وجوب ردّها ، وليس بمال.

ب : أن يضمن قيمتها على تقدير التلف ، وقوّى صحته ، لأن ذلك ثابت في ذمة الغاصب ، فصح الضمان.

ويضعّف بأن الثابت في الذمة هو كونها بحيث لو تلفت ثبت في ذمة الغاصب قيمتها ، والقيمة إنما تثبت بعد التلف ، فضمانها قبله ضمان ما لم يجب.

وأيضا فإن كونه بحيث لو تلفت ضمنها ، حكم شرعي تابع لوصف الغصب والاستعارة والتعدي في الأمانة ، وهذا لا يمكن نقله بالضمان ، لأن الذي ينقل بالضمان هو الحق لا الحكم الشرعي ، فعدم صحة الضمان قوي.

قوله : ( وضمان العهدة للبائع عن المشتري ، بأن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه ).

أي : ويصح ضمان العهدة ، وفي حواشي الشهيد : أن العهدة اسم للوثيقة ، ثم نقل إلى الثمن وغلب ، ولا شبهة في صحة ضمان الثمن عن المشتري للبائع إذا كان دينا ، أما إذا كان عينا ، فهو من جملة الأعيان المضمونة ، ولعل تجويز ضمانه لعموم البلوى ، ودعاء الحاجة اليه ، وإطباق الناس على ضمان العهدة.

قوله : ( وضمان عهدته إن ظهر عيب أو استحق ).

أي : ويصح ضمان عهدة الثمن ، أي : دركه على تقدير ظهور عيب فيه أو ظهور استحقاقه ، والمراد : ضمان عهدته عن المشتري للبائع ، لأن الأرش على تقدير ظهور عيب فيه حقّ ثابت حين الضمان وإن كان متزلزلا ، لجواز الفسخ قبل التصرف.

والبدل واجب على تقدير الاستحقاق إذا لم يجر العقد على عينه ، ولا يضر كونه غير معلوم الثبوت حين الضمان ، للضرورة وانكشاف ثبوته بعد.

٣٢٢

وللمشتري ـ عن البائع بأن يضمن عن البائع الثمن بعد قبضه متى خرج مستحقا ، أو رد بعيب على اشكال ،

______________________________________________________

قوله : ( وللمشتري عن البائع ، بأن يضمن عن البائع الثمن متى خرج مستحقا ، أو ردّ بعيب على إشكال ).

أي : ويصح ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع ـ إذا كان قد قبضه البائع ، كما صرح به في التذكرة (١) ـ على تقدير خروج المبيع مستحقا ، لأنه حينئذ مقبوض بيد البائع بغير استحقاق ، ورده على المشتري حق ثابت ، فيصح ضمانه.

وأما إذا ردّ المبيع بعيب ففيه إشكال ، ينشأ من أن الثمن إنما وجب حينئذ بالفسخ ، فيكون ضمانه ضمان ما لم يجب ، ومن تقدم سبب الفسخ ودعاء الحاجة إليه ، هذا هو المتبادر من العبارة.

ويرد عليه أنه سيأتي في العبارة بعد سطر أن الأقرب أنه لا يصح ضمان عهدة الثمن لو خرج معيبا ورد بالعيب.

وحاول بعضهم الفرق ، بأن المراد هنا أنه إذا ضمن عهدة الثمن للمشتري عن البائع طولب به إذا خرج المبيع مستحقا قطعا ، نظرا إلى أن ضمان عهدة الثمن معناه ضمان دركه ، وأما المطالبة به على تقدير الرد بالعيب ، نظرا إلى تناول ضمان عهدة الثمن لهذا القسم ، ففيه إشكال ، فيكون هذا الإشكال في تناول اللفظ لهذا القسم.

وقد قال الشيخ : انه إذا ضمن عهدة الثمن ، فخرج بعض المبيع مستحقا ، ففسخ المشتري لتبعض الصفقة طالب الضامن بالثمن كله (٢) ، لكن عبارة المصنف تأبى هذا الحمل.

ومع ذلك فالإشكال في وجوب الثمن على الضامن هنا إنما يتأتى على تقدير اللزوم لو صرح بضمانه ، إذا خرج عيب وردّ به ، والمصنف لا يقول به كما‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٩١.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٢٨.

٣٢٣

أو أرش العيب.

ويصح ضمان نقصان الصنجة في الثمن للبائع ، وفي السلعة للمشتري ، ورداءة الجنس في الثمن والمثمن.

والأقرب أنه لا يصح ضمان عهدة الثمن لو خرج المبيع معيبا ورده ،

______________________________________________________

سيأتي ، وأيضا فسيأتي في كلام المصنف بعد صفحة رد كلام الشيخ هذا.

قوله : ( أو أرش العيب ).

أي : ويصح ضمان العهدة للمشتري بالنسبة إلى أرش عيب المبيع ، فإنه جزء من الثمن ثابت حين الضمان ، وإن لم يكن معلوما حينئذ ، فيكون ضمانه مندرجا في ضمان عهدة الثمن.

قوله : ( ويصح ضمان نقصان الصنجة في الثمن للبائع وفي السلعة للمشتري ، ورداءة الجنس في الثمن والمثمن ).

الصنجة بفتح الصاد ، وبالسين أفصح ، قال في القاموس : سنجة الميزان (١). وإنما صح ضمان ذلك ، لأنه على تقدير ظهور النقصان أو العيب ، يتبين ثبوت الحق للمضمون له في ذمة المضمون عنه حين الضمان ، وإن لم يكن معلوما حينئذ فصح ، لدعاء الضرورة إليه.

قوله : ( والأقرب أنه لا يصح ضمان عهدة الثمن لو خرج المبيع معيبا ورده ).

أي : رده البائع بالعيب ، لأن الثمن إنما يجب ردّه في هذه الحالة إذا ردّ المبيع ، وإلاّ فالواجب الأرش ، ووجه القرب أنه ضمان ما لم يجب ، لأن الثمن قبل الفسخ حق للبائع ، فلا يصح ضمانه للمشتري ، ويحتمل الصحة ، للضرورة ، ووجود سبب وجوبه ، وهو العيب المجوز للفسخ ، والأقرب قريب.

__________________

(١) القاموس المحيط ( سنج ) ١ : ١٩٥.

٣٢٤

والصحة لو بان فساده بغير الاستحقاق ، كفوات شرط معتبر في البيع ، أو اقتران شرط فاسد به ، والأقوى صحة ضمان المجهول كما في ذمته ،

______________________________________________________

قوله : ( والصحة لو بان فساده بغير الاستحقاق ، كفوات شرط معتبر في البيع أو اقتران شرط فاسد به ).

أي : والأقرب الصحة في هذه الحالة ، ووجه القرب أن الحق ثابت في وقت الضمان وإن لم يكن معلوما ، لانكشافه بعد ذلك ، فلا يكون ضمان ما لم يجب ، ويحتمل عدم الصحة ، لأن المضمون لي ثابتا في الذمة ، لأنه عين موجودة.

غاية ما في الباب أنها مضمونة على تقدير التلف ، فيكون كضمان الأعيان المضمونة ، وقد سبق ما فيه ، بل أبعد ، لأنه في وقت الضمان غير معلوم الثبوت ، لأنه إنما يضمن على تقدير انكشاف الثبوت.

وقد جوز الأصحاب ضمان العهدة على تقدير الاستحقاق ، لمسيس الحاجة ، فلا يتعدى ، وليس ببعيد الجواز ، لدعاء الضرورة إلى ذلك ، ولمشاركته الاستحقاق في المعنى ، ولأن الاطلاع على صحة العقد وفساده مما قد يتعذر في الوقت ، فيكون في ذلك مندوحة عن الضرر.

قوله : ( والأقوى صحة ضمان المجهول كما في ذمته ).

هذا قول الشيخ (١) ، وأكثر الأصحاب (٢) ، للأصل ، ولقوله عليه‌السلام : « الزعيم غارم » (٣) وهو مطلق ، ولأن الضمان عقد لا ينافيه الغرر ، وللشيخ (٤) قول آخر بعدم الجواز ، لاختلاف الأحوال بقلة الحق المضمون وكثرته ، والأول أقوى.

وإنما يصح في صورة يمكن العلم فيها بعد ذلك ، كقوله : أنا ضامن للدين‌

__________________

(١) النهاية : ٣١٥.

(٢) منهم : المفيد في المقنعة : ١٣٠ ، وابن زهرة في الغنية : ٥٣٣ ، وسلار في المراسم : ٢٠٠ ، والمحقق في شرائع الإسلام ٢ : ١٠٩.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٤ حديث ٢٤٠٥ ، مسند أحمد ٥ : ٢٦٧.

(٤) الخلاف ٢ : ٨٠ مسألة ١٣ كتاب الضمان ، والمبسوط ٢ : ٣٣٥.

٣٢٥

فيلزمه ما تقوم البينة على ثبوته وقت الضمان ، لا ما يتجدد ، ولا ما يوجد في دفتر وكتاب ، أو يقر به المضمون عنه ، أو يحلف عليه المالك برد اليمين من المديون.

______________________________________________________

الذي لك عليه ، أما ما لا يمكن فيه العلم ، كضمنت لك شيئا مما في ذمته ، فلا يصح قولا واحدا ، لعدم إمكان العلم به ، لصدق الشي‌ء على القليل والكثير ، وإلى هذا أشار المصنف بقوله : ( كما في ذمته ) أي : كضمان ما في ذمته.

فان قيل : لم لا يصح ويلزمه أقل ما يقع عليه اسم الشي‌ء مما في ذمته؟

قلنا : ليس هذا الفرد هو المضمون ، لانتفاء مانعيته ، والواجب هو المضمون ، ووجوب شي‌ء فرع صحة الضمان.

قوله : ( فيلزمه ما تقوم البينة على ثبوته وقت الضمان ).

أي : حيث كان ضمان المجهول على الوجه المذكور صحيحا ، فاللازم ما يثبت بالبينة وجوبه وقت الضمان ، لأنه الذي في الذمة حينئذ.

قوله : ( لا ما يتجدد ، ولا ما يوجد في دفتر وكتاب ، أو يقر به المضمون عنه ).

لان المتجدد غير ثابت حين الضمان ، والموجود في دفتر وكتاب غير ثابت شرعا ، وإقرار المضمون عنه لا ينفذ على الضامن.

قوله : ( أو يحلف عليه المالك برد اليمين من المديون ).

هذا أحد القولين للأصحاب ، فإن الشيخ (١) وابن البراج (٢) قيدا اللزوم باليمين المردودة ، بما إذا كان الرد برضى الضامن ، وقال المفيد بلزوم ما يحلف عليه المضمون له (٣) ، وفي المختلف : إن جعلنا اليمين المردودة كالبينة ، لزم الضامن ما يحلف عليه المضمون له ، وإن جعلناها كإقرار المنكر لم يلزمه ، إلاّ أن يكون‌

__________________

(١) النهاية : ٣١٦.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٣٠.

(٣) المقنعة : ١٣٠.

٣٢٦

ولو ضمن ما تقوم به البينة لم يصح ، لعدم العلم بثبوته حينئذ ، ولا ضمنت شيئا ممالك عليه ويصح الإبراء من المجهول.

______________________________________________________

الحلف برضى الضامن (١).

والتحقيق : أن الرضى لا أثر له ، إنما المؤثر وقوع الرد منه ، ولعلهم أرادوا بالرضى ذلك ، وتقييد المصنف عدم اللزوم بحلف المضمون له بكون (٢) الرد من المديون يعطي هذا ، فإنه متى كان الرد من الضامن ، أو منه ومن المضمون عنه ، لزم ما يحلف عليه ، لأن كونها كالبينة إنما هو في حق راد اليمين ، لأنها إذا كانت كالإقرار ـ وهو أضعف الاحتمالين في إثبات الحق هنا ـ يكون كإقرار الضامن.

وسيأتي ان شاء الله تعالى تحقيق كونها كالبينة أو كالإقرار في كتاب القضاء.

قوله : ( ولو ضمن ما تقوم به البينة لم يصح ، لعدم العلم بثبوته حينئذ ).

لو قال : لعدم دلالة عقد الضمان على ضمان ما في الذمة حينئذ لكان أولى ، وتخرج العبارة على أن المراد لعدم العلم بثبوته من صيغة الضمان ، إلى آخره.

قوله : ( ويصح الإبراء من المجهول ).

لأنه مبني على الغبن ، إذ هو إسقاط للحق ، نعم لا بد من قصده إلى الإبراء من المجموع ، قليلا كان أو كثيرا ، فلو ظن قلته فبان كثيرا لم يقع ، وعلى هذا لو عرف من عليه الحق قدره عرفه صاحبه ، فان لم يفعل وأبرأه منه كائنا ما كان ، فإنه يبرأ ، وإلا ففيه تردد.

وفي التذكرة (٣) : لو طلب منه الإبراء لأنه اغتابه ، ولم يذكر ما اغتابه به ،

__________________

(١) المختلف : ٤٣٠.

(٢) في « م » و « ق » : يكون ، والمثبت من مفتاح الكرامة ٥ : ٣٧٨ ، وهو الصحيح.

(٣) التذكرة ٢ : ٩١.

٣٢٧

ولو قال : ضمنت من واحد إلى عشرة احتمل لزوم العشرة ، وثمانية ، وتسعة باعتبار الطرفين.

المطلب الثاني : في الأحكام :

الضمان ناقل وإن لم يرض المديون ، فلو أبرأه المستحق بعده لم يبرأ الضامن ، ولو أبرأ الضامن برئا معا ، ولو ضمن الحال مؤجلا تأجل.

وليس للضامن مطالبة المديون قبل الأداء ،

______________________________________________________

ذكر وجهين للشافعية في الصحة وعدمها ، ولم يرجح شيئا.

قوله : ( ولو قال : ضمنت من واحد إلى عشرة ، احتمل لزوم العشرة وثمانية وتسعة ، باعتبار الطرفين ).

هذه مخرّجة على الخلاف الأصولي في أن الغاية داخلة في المغيا أم لا ، فان فيه أقوالا : دخول الابتداء والانتهاء ، وعدم دخولهما ، والفرق فيدخل الابتداء ، والتفصيل بكونها مميزة بمفصل محسوس فلا يدخل ، أولا ـ كمن طرف الخشبة إلى طرفها ـ فيدخل.

ودخول الابتداء لا يخلو من قرب ، لأن ابتداء الشي‌ء من جملته ، ولأن الاستعمال الكثير جار على ذلك ، فإن أخذت من واحد إلى عشرة وأعطيت من واحد إلى عشرة ونحوهما ، جاز على أن الواحد داخل في المأخوذ والمعطي ، ويجي‌ء مثله في الإقرار ان شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو أبرأ الضامن برئا معا ).

لأن الضامن إنما يرجع على المضمون عنه بما أداه ، ومع الإبراء لم يؤد شيئا.

قوله : ( ولو ضمن الحال مؤجلا تأجل ).

بالنسبة إلى الضامن وفاء بالعقد الصحيح ، وقد سبق بيان صحته.

قوله : ( وليس للضامن مطالبة المضمون عنه قبل الأداء ).

لأنه وإن كان الحق حالا على المديون ـ لعدم ما يقتضي تأجيله ، لأن‌

٣٢٨

فإن مات الضامن حل ، ولورثته مطالبة المضمون عنه قبل الأجل ، ولو كان الأصل مؤجلا لم يكن له ذلك.

ولو مات الأصيل حينئذ خاصة حجر الحاكم من التركة بقدر الدين ، فإن تلف فمن الوارث كما أن النماء له ،

______________________________________________________

المؤجل هو الدين الذي ثبت بالضمان ، لا الذي في ذمة الأصيل ـ إلاّ أن الضامن لا يستحق الرجوع حيث ثبت له ، إلا بعد الأداء.

قوله : ( فان مات الضامن حل ، ولورثته مطالبة المضمون عنه قبل الأجل ).

إذا مات الضامن في هذه الحالة حل دينه ، فلا مانع من المطالبة للمضمون عنه حينئذ ، لأن الدين الذي عليه حال كما قررناه ، لكن لا بد في جواز المطالبة من الورثة للأصيل من الأداء ، أو مطالبة المضمون له إياهم على احتمال سيأتي ، ومثله ما لو تراضى الضامن والمضمون عنه على إسقاط الأجل.

قوله : ( ولو كان الأصل مؤجلا ، لم يكن له ذلك ).

لأن الحلول على الضامن لا يستدعي الحلول على الأصيل ، وقبل الحلول لا تحل المطالبة ، ومثله لو ضمن المؤجل حالا على القول بصحته.

قوله : ( ولو مات الأصيل حينئذ خاصة ، حجر الحاكم من التركة بقدر الدين ).

أي : منع الوارث من التصرف فيه ، حذرا من ضياع ما يؤديه الضامن بعد الحلول عليه ، وانما جاز ذلك لأن هذا القدر من التركة يستحق بالدين الذي في ذمة الأصيل ، غاية ما في الباب أنه ليس للضامن أخذه إلاّ بعد الأداء المتوقف على الحلول.

قوله : ( فان تلف فمن الوارث ، كما أن النماء له ).

لأنه باق على ملك الوارث ، فان الدين لا يملك إلا بعد القبض ، والتركة مع الدين على ملك الوارث كما سبق ، فعلى هذا يجب الأداء من باقي التركة وإن‌

٣٢٩

ثم الضامن إن تبرع لم يرجع على المديون ، وإن أذن له في الأداء ، والاّ رجع بالأقل من الحق وما اداه وإن أبرئ.

ولو أبرأ من الجميع فلا رجوع ، وإن لم يأذن له في الأداء.

______________________________________________________

تصرف فيها الوارث.

قوله : ( ثم الضامن إن تبرع لم يرجع على المديون وإن أذن له في الأداء ).

أشار بقوله : ( ثم ) إلى انفصال هذا عما قبله ، فان هذا الحكم شامل لمسائل الباب ، ولا يخفى أن الأقسام بالنسبة إلى كون الضمان والأداء معا باذن المديون ، أو أحدهما خاصة ، أو انتفاء الاذن عنهما معا أربعة ، فذكر هنا حكم قسمين : تبرع الضامن بالضمان والأداء معا ، وتبرعه بالضمان مع إذن المديون في الأداء ، والحكم عدم الرجوع فيهما عند علمائنا ، ذكره في التذكرة (١) ، وإنما قلنا أنه ذكر قسمين ، لأن جملة الوصلية تقتضي عدم الاذن في الأداء مع التبرع في الضمان المذكور في العبارة.

قوله : ( وإلاّ رجع بالأقل من الحق وما أداه وإن أبرئ ، ولو أبرأ من الجميع فلا رجوع وإن لم يأذن له في الأداء ).

أي : وإن لم يتبرع بالضمان رجع على الأصيل بأقل الأمرين من الحق المضمون وما أداه ، أما إذا كان الحق أقل ، فلأن الواجب أداؤه من غير زيادة ، فالزيادة تبرع.

وأما إذا كان ما أداه أقل من الحق ، فلأن الضامن إنما يرجع بعد الأداء ، فلا يرجع بما لم يؤده ، ولا فرق في عدم رجوعه بزيادة الحق عما ادى بين أن يكون قد أبرئ من الزيادة بصيغة المجهول ـ أي : أبرأه المضمون له ، لئلا يختلف مرجع الضمير ـ وعدمه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٩٥.

٣٣٠

ويصح ترامي الضمان ، ودوره ، واشتراط الأداء من مال بعينه ، فإن تلف بغير تفريط الضامن ففي بطلان الضمان اشكال ،

______________________________________________________

وللشافعية (١) وجه أنه يرجع بما أبرئ منه ونحوه ، لأنه هبة ومسامحة له من رب الدين ، ولو أبرئ من الجميع ، فلا رجوع لمثل ما قلناه ، ولا فرق في جواز الرجوع مع الاذن في الضمان ، بين أن يأذن له في الأداء وعدمه.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن قول المصنف : ( وإن لم يأذن له في الأداء ) وصلى لقوله : ( والا رجع بالأقل ... ) ، وما بينهما من قوله : ( ولو ابرأ من الجميع ... ) معترض ، وبهذه الوصلية يندرج القسمان الباقيان من الأقسام الأربعة السابقة.

قوله : ( ويصح ترامي الضمان ).

لا إلى غاية ، بأن يضمن الضامن ضامن آخر ، والضامن الثاني ثالث ، وهكذا.

قوله : ( ودوره ).

أي : دور الضمان ، بأن يضمن الضامن الأخير المضمون عنه الأول ، ووجه صحتهما إطلاق النص وعدم المانع.

قوله : ( واشتراط الأداء من مال بعينه ).

عملا بعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٢) والظاهر أنه لا بدّ أن يكون المال المشترط الأداء منه ملكا للضامن.

قوله : ( فان تلف بغير تفريط الضامن ، ففي بطلان الضمان إشكال ).

احترز بتلفه بغير تفريط عما إذا فرط ، فإنه حينئذ يلزمه الدين المتعلق به‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٤ : ٣٢ ، الوجيز ١ : ١٨٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

٣٣١

ومع عدمه يتعلق به تعلق الدين بالرهن لا الأرش بالجاني ،

______________________________________________________

بتفريطه ، لكن ينبغي أن يكون ذلك المال المشترط بقدر الدين فصاعدا ، فلو نقص تطرق احتمال عدم لزوم ما زاد عنه من الدين.

ومنشأ الاشكال : من أن الأداء إنما يجب من ذلك المال ، عملا بالشرط وقد تعذر ، ولا سبيل إلى سقوط الدين ، فتعين بطلان الضمان ، لانحصار الأقسام في ثلاثة ، وقد بطل الأولان ، ومن أن الضمان ناقل.

ولا منافاة بين ثبوته في الذمة واشتراط الأداء من مال بعينه ، ولا نسلم بطلان القسم الأول ، ولم لا يجوز أن يكون المال في ذمة الضامن ، ويجب أداؤه من المال المعين بمقتضى الشرط؟ فإذا تلف يبقى في موضعه ويجب الأداء من مال آخر ، وهذا أقوى.

قوله : ( ومع عدمه يتعلق تعلق الدين بالرهن ، لا الأرش بالجاني ).

المتبادر عود الضمير في ( عدمه ) إلى البطلان لقربه ، لكن الحكم بكون تعلق الدين به كتعلقه بالرهن بعد فرض تلفه غير منتظم ، مع أن فيه فسادا آخر ، وهو أنه على تقدير عدم البطلان ، كيف يتصور الرجوع على المضمون عنه ، على تقدير كون التعلق كتعلق الأرش برقبة الجاني؟

وتوهم أن المراد بالثاني الشق الثاني من الاشكال باطل ، لأن الشق الثاني منه هو عدم بطلان الضمان كما لا يخفى ، وعلى هذا التقدير كيف يمكن الرجوع على المضمون عنه؟

ولو قدّر عود الضمير إلى التلف ، لسلم من هذا المحذور ، لكن يقع في محذور آخر ، وهو أن الرجوع على المضمون عنه على تقدير كون التعلق كتعلق الأرش برقبة الجاني ، لا يستقيم على تقدير عدم التلف.

والحاصل ان العبارة لا تخلو من شي‌ء ، وإن كان سوق الكلام إنما يدل على إرادة المعنى الأول.

إذا تقرر هذا ، فأصح الاحتمالين أن تعلق الدين بالمال المشروط بالأداء‌

٣٣٢

فيرجع على الضامن ، وعلى الثاني يرجع على المضمون عنه ، وكذا لو ضمن مطلقا ومات معسرا على اشكال.

______________________________________________________

منه كتعلق الدين بالرهن ، لا الأرش برقبة الجاني ، نظرا إلى أن الضمان ناقل للمال إلى ذمة الضامن ، ولان الدين موضعه الذمة ، والأرش بالنسبة إلى الجاني ليس دينا ، وإنما هو حق ثبت من أول الأمر كذلك.

لكن على هذا لا يكون للإشكال في البطلان وعدمه عند المصنف وجه ، بل يجب الجزم بالعدم ، لأن الدين إذا كان موضعه الذمة ، لا يزول بزوال تعلقه بعين مخصوصة.

قوله : ( فيرجع على الضامن ).

أي : يرجع المضمون له على الضامن ، على المختار من كون التعلق كتعلق الدين بالرهن.

قوله : ( وعلى الثاني يرجع على المضمون عنه ).

أي : على تقدير كون التعلق كتعلق الأرش برقبة الجاني ، يرجع على المضمون عنه ، لأنه إنما انتقل من ذمته على هذا الوجه المخصوص ، وقد تعذر أخذه على ذلك الوجه ، ولا سبيل إلى سقوطه أصلا.

والتحقيق : أن هذا ليس بشي‌ء أصلا ، لأن حقيقة الضمان تقتضي إما نقل المال ، أو ضم ذمة إلى ذمة ، وعلى كل تقدير فكيف يكون التعلق بذلك المال المعين كتعلق الأرش برقبة الجاني ، مع أن الأرش لا تعلق له بذمة أحد؟

ثم إنه على هذا التقدير يجب أن لا يبقى في ذمة المضمون عنه شي‌ء ، فكيف يعود إلى الذمة بالتلف بعد زواله بغير سبب يقتضي شغل الذمة؟

قوله : ( وكذا لو ضمن مطلقا ومات معسرا على إشكال ).

أي : وكذا يرجع الضامن على المضمون عنه لو ضمن الضامن الدين مطلقا ـ أي : لم يشترط الأداء من مال بعينه ـ ثم مات معسرا ، ومنشأ الاشكال : من أنه لو لا ذلك لضاع الدين ، ومن انتقال المال بالضمان إلى ذمة الضامن‌

٣٣٣

ولو بيع متعلق الضمان بأقل من قيمته لعدم الراغب رجع الضامن بتمام القيمة ، لأنه يرجع بما أدى.

ويحتمل بالثمن خاصّة ، لأنه الذي قضاه ،

______________________________________________________

وبراءة المضمون عنه ، فلا يعود.

ونمنع من أن المال ضائع بذلك ، بل هو باق وإن تعذر الأخذ في الدنيا ، ولو سلم فلا نسلم امتناع ضياع المال ، إذ لو مات المديون معسرا لضاع الدين أيضا ، والحق أنه لا وجه لهذا الاشكال عندنا.

نعم على القول بأن الضمان ليس ناقلا ، فلا يرجع على المضمون عنه ، لكن لا يجي‌ء الإشكال على هذا التقدير أيضا.

قوله : ( ولو بيع متعلق الضمان بأقل من قيمته لعدم الراغب رجع الضامن بتمام القيمة ، لأنه يرجع بما أدّى ).

أي : لو كانت قيمة المال المشروط في عقد الضمان ـ الأداء منه باعتبار الزمان والمكان ـ أزيد مما بيع به ، وبيع بالأنقص لفقد الراغب حينئذ على خلاف الغالب ، فأدى ما بيع به في الدين ، رجع الضامن على المضمون عنه بتمام القيمة ، لأنه يرجع بما أدى ، وقد أدّى ذلك.

وضعف هذا من وجهين :

أ : إنه إنما يرجع بما أدى إذا كان بقدر الدين أو أقل ، وليس كذلك هنا.

ب : انا نمنع أنه أدى المال أو قيمته ، وإنما أدّى ما بيع به. والحق بطلان هذا الاحتمال أصلا ، ولو فرض ذلك فيما إذا كان الدين بقدر القيمة ، فصالح بالقدر الذي بيع به المال عن ذلك الدين ، لأمكن تخيّل هذا الاحتمال تخيلا ضعيفا.

قوله : ( ويحتمل بالثمن خاصة ، لأنه الذي قضاه ).

قد علم وجهه مما سبق ، وهو الأصح.

٣٣٤

وللضامن مطالبة الأصيل إن طولب ـ كما انه يغرمه إذا غرم ـ على اشكال ، وليس له المطالبة بالتخليص قبل المطالبة.

ومن أدى دين غيره من غير ضمان ولا إذن لم يرجع ، وإن أداه بإذنه بشرط الرجوع رجع.

______________________________________________________

قوله : ( وللضامن مطالبة الأصيل إن طولب ـ كما أنه يغرمه إذا غرم ـ على إشكال ).

( على ) يتعلق بـ ( مطالبة ) ، فإن الإشكال في استحقاق المطالبة إذا طولب ، وقوله : ( كما أنه يغرمه إذا غرم ) معترض بينهما ، وهو دليل أحد طرفي الاشكال.

وتوضيحه : أن نسبة المطالبة إلى المطالبة كنسبة التغريم إلى الغرم ، فكما ثبت استحقاق التغريم بالغرم ، يجب أن يثبت استحقاق مطالبة الضامن للأصيل ، بمطالبة المضمون له الضامن.

ووجه العدم : أن المطالبة فرع استحقاق المال ، وهو إنما يستحق بعد الأداء ، لأن المال في ذمة الضامن ، لانتقاله إليه بالضمان ، ولا شي‌ء في ذمة المضمون عنه ، لكن بالأداء يحدث الاستحقاق ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( وليس له المطالبة بالتخليص قبل المطالبة ).

أي : ليس للضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه من الدين اللازم بالضمان ، بأن يدفعه إليه ليدفعه إلى المضمون له ، أو يدفعه الأصيل إلى المضمون له قطعا ، فتكون المسائل الثلاث على نظام حسن : مطالبته ورجوعه بعد الأداء حق ثابت قطعا ، مطالبته قبل الأداء وبعد المطالبة وفيه إشكال ، مطالبته قبل المطالبة لا تجوز قطعا.

قوله : ( ومن أدّى دين غيره من غير ضمان ولا إذن لم يرجع ).

أي : ولا إذن في الأداء ، ووجهه : أنه متبرع ، خلافا لمالك ، فإنه جوز‌

٣٣٥

ولو لم يشرط الرجوع احتمل عدمه ، إذ ليس من ضرورة الأداء الرجوع وثبوته للعادة.

ولو صالح المأذون في الأداء بشرط الرجوع على غير جنس الدين احتمل الرجوع إن قال : أدّ ديني أو ما عليّ ، بخلاف أدّ ما عليّ من الدراهم إن علق بالأداء وعدمه ، لأنه أذن في الأداء لا الصلح.

______________________________________________________

الرجوع ، إلاّ إذا أدّى العدو دين عدوه ، حذرا من التسلط عليه بالمطالبة ، وليس هذا كما لو وجر طعامه المضطر ، فإنه يرجع هنا وإن لم يأذن المضطر ، لأنه ليس متبرعا ، بل ذلك واجب عليه.

قوله : ( ولو لم يشترط الرجوع احتمل عدمه ، إذ ليس من ضرورات الأداء الرجوع وثبوته للعادة ).

يؤيد الأول ان الاذن في الأداء أعم من اشتراط الرجوع ، والعام لا يدل على الفرد المعين ، وأيضا فإن الإذن في الأداء لا يدل على الرجوع بإحدى الدلالات الثلاث ، والدلالة لا تنحصر فيها.

والحق أن العادة إن كانت مضبوطة ، في أن من أذن في الأداء يريد به الرجوع ويكتفي بالإذن مطلقا ، استحق الرجوع ، وإلاّ فلا.

قوله : ( ولو صالح المأذون في الأداء بشرط الرجوع على غير جنس الدين احتمل الرجوع ، إن قال : أدّ ديني أو ما عليّ ، بخلاف أدّ ما عليّ من الدراهم ، إن علق بالأداء وعدمه ، لأنه أذن في الأداء لا الصلح ).

أي : لو صالح من أذن له في أداء دين الاذن ، والحال أنه قد شرط له الرجوع على غير جنس الدين ، كالدنانير عن الدراهم ، احتمل ثبوت الرجوع ، إن كان الآذن قد قال في الاذن : أدّ ديني ، أو أدّ ما عليّ ، لأن الأداء يراد به تخليص الذمة من الدين.

ولهذا لو حلف أن يؤدي دين شخص آخر ، بري‌ء بتخليص ذمته بالصلح‌

٣٣٦

ولو صولح الضامن عن مائة بما يساوي تسعين رجع بالتسعين ، وكذا لو صولح بحط قدر أو نقص صفة.

ولو صالح بالأزيد رجع بالدين ، ويرجع على ضامن عهدة الثمن في كل موضع يبطل فيه البيع من رأس ،

______________________________________________________

عنه ، فان ذلك قضية العرف ، وهذا بخلاف ما إذا قال : أدّ ما عليّ من الدراهم ، وعلق الجار بالأداء ، لأن المراد حينئذ : كون الأداء من الدراهم ، وحيث نص على ذلك ، امتنع الحمل على المعنى الأعم.

وإنما قيد بقوله : ( إن علّق بالأداء ) لأنه إن علق بمحذوف ، على أنه مع مجرور حال أو وصف لـ ( ما ) ، فان الحكم فيه كالحكم فيما لو قال : أدّ ما عليّ ، لأن الأداء المأمور به مطلق حينئذ.

ويحتمل عدم استحقاق الرجوع ، لأن معنى أداء ما عليه : رد مثله جنسا وقدرا ، لامتناع الحقيقة ، إذ ما عليه أمر كلي ، فيصار إلى أقرب المجازات.

ولمانع أن يمنع أن هذا أقرب المجازات ، لأن إرادة إبراء الذمة بهذا اللفظ أشيع في الاستعمال ، بل يمكن ادعاء كونه حقيقة عرفية ، فالأوجه الأول.

إذا تقرر هذا فقوله : ( إن علق ) يمكن قراءته معلوما ، والضمير للإذن في الأداء ، ومجهولا والضمير للجار.

قوله : ( ولو صولح الضامن عن مائة بما يساوي تسعين رجع بالتسعين ، وكذا لو صولح بحط قدر أو أنقص صفة ).

لأنه إنما يستحق شيئا بالأداء ، فيرجع بما أدّى.

قوله : ( ولو صالح بالأزيد رجع بالدين ).

لأن الزائد تبرع منه فلا يستحقه ، إذ المأذون فيه إنما هو ضمان الدين.

قوله : ( ويرجع على ضامن عهدة الثمن ، في كل موضع يبطل فيه البيع من رأس ).

أي : يكون البيع باطلا حين إيقاعه ، بفوات شرط معتبر فيه واقتران شرط‌

٣٣٧

لا ما يتجدد له الفسخ بالتقايل ، أو العيب السابق ، أو تلفه قبل قبضه بل يرجع على البائع.

ولو طالب بالأرش فالأقرب مطالبة الضامن.

ولو فسخ لاستحقاق بعضه رجع على الضامن بما قابل المستحق ، وعلى البائع بالآخر.

______________________________________________________

فاسد ونحوهما ، لأنه حينئذ يكون الثمن مستحقا للمشتري لم يخرج عن ملكه.

قوله : ( لا ما يتجدد له الفسخ بالتقايل ، أو العيب السابق ، أو تلفه قبل قبضه ، بل يرجع على البائع ).

لأن الملك حينئذ يتجدد بعد الفسخ ، فلا يكون مملوكا للمشتري حين الضمان ، فيكون ضمان ما لم يجب.

قوله : ( ولو طالب بالأرش فالأقرب مطالبة الضامن ).

أي : لو لم يفسخ فيما إذا ظهر المبيع معيبا ورضي بالأرش ، فالأقرب أن له مطالبة ضامن العهدة ، ووجه القرب : أنه مال ثابت حين الضمان ، لأنه عوض جزء فائت من المبيع ، حيث أنّ ذلك المقدار من الثمن لم يقع في مقابلة عوض ، وسقوطه إنما يكون بالرضى بالعيب.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن الأرش عوض ما لا يفرد بالبيع ، فلا يتقسط الثمن عليه ، والأصح الأول ، وقد سبق في كلام المصنف استحقاق المطالبة بالأرش على طريق الجزم.

واعلم أن قوله : ( ولو طالب بالأرش ) يريد به إرادة المطالبة به والرضي بالمطالبة مجازا ، لأنه حينئذ في قوة المطالبة به.

قوله : ( ولو فسخ لاستحقاق بعضه ، رجع على الضامن بما قابل المستحق وعلى البائع بالآخر ).

أي : لو ظهر استحقاق بعض المبيع ، فتبين بطلان البيع فيه ، تبعضت‌

٣٣٨

ولو أخذ بالشفعة رجع على الشفيع ، دون الضامن والبائع.

ولو باع أو أقرض بشرط رهن عين أو مطلقا فضمن تسليم الرهن لم يصح ، لأن الأصيل لا يلزمه ذلك.

______________________________________________________

الصفقة ، فللمشتري الفسخ بهذا العيب ، فإذا فسخ لذلك رجع من الثمن على الضامن بما قابل المستحق به ، لأن الضمان صحيح بالنسبة إليه لكونه مملوكا للمشتري حين الضمان ، وما بقي منه فإنما يرجع به على البائع ، لأنه حين الضمان لم يكن مملوكا للمشتري فلم يصح ضمانه ، إذ هو ضمان ما لم يجب ، وهذا هو أصح القولين.

وعن الشيخ في المبسوط (١) : صحة الضمان بالنسبة إليه أيضا وجواز مطالبة الضامن به ، فيطالبه بالجميع.

قوله : ( ولو أخذ بالشفعة رجع على الشفيع دون الضامن والبائع ).

أي : لو كان المبيع الذي ضمن الضامن فيه عهدة الثمن للمشتري شقصا مشفوعا ، فأخذ الشفيع بالشفعة ، رجع المشتري على الشفيع بالثمن ، لأن الشفيع إنما يأخذ منه ، ولا يرجع على الضامن ـ لأن الذي ضمن البائع عهدته هو الثمن المدفوع إلى البائع ـ ولا على البائع ، لأن الثمن الذي تسلّمه أخذه بحق ولم يبطل البيع فيه.

قوله : ( ولو باع أو أقرض بشرط رهن عين أو مطلقا ، فضمن تسليم الرهن لم يصح ، لأن الأصيل لا يلزمه ذلك ).

أي : لو باع بائع أو أقرض مقرض بشرط رهن عين مخصوصة ، أو بشرط رهن من غير تخصيص بعين معينة ، فضمن الضامن تسليم الرهن لم يصح الضمان ، لأن الأصيل لا يلزمه ذلك ـ أي : التسليم للرهن ـ بناء على أن الشرط في العقد اللازم لا يجب الوفاء به ، لأنه يقلب اللازم جائزا ، وقد سبق في البيع والقرض تحقيق ذلك ، وأن هذا منظور فيه.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٢٨.

٣٣٩

ولو ضمن درك ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس لم يصح ، لأنه ضمان ما لم يجب ، وفي ضمان البائع ذلك اشكال.

______________________________________________________

والتعليل الصحيح : أنه لا يستحق العين ، وإنما يستحق الاستيثاق بها ، وذلك ليس بمال فيصح ضمانه.

قوله : ( ولو ضمن درك ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس لم يصح ، لأنه ضمان ما لم يجب ).

أي : لو ضمن ضامن للمشتري درك ما يحدثه المشتري في المبيع ـ لو كان أرضا مثلا من بناء وغرس ، بحيث لو ظهر استحقاق المبيع ووجب القلع ، فإنه يثبت للمشتري حينئذ على البائع أرش النقصان ، وهو تفاوت ما بين قيمته قائما ومقلوعا ، على أن يرجع بذلك على الضامن ـ لم يصح الضمان ، ولم يستحق الرجوع به عليه لو ظهر الاستحقاق فقلع ، لأنه ضمان ما لم يجب ، لأنه حين الضمان لم يكن مستحقا للأرش ، إنما يستحقه بعد القلع.

قوله : ( وفي ضمان البائع ذلك إشكال ).

أي : وفي ضمان البائع عهدة ما ذكر للمشتري إشكال ، ينشأ من أنه ضمان ما لم يجب فلا يصح ، ومن وجود سببه وهو العقد واقتضاؤ ذلك ، فان بيع المغصوب مع جهل المشتري يقتضي رجوعه عليه بما يغرمه.

والتحقيق : أن هذا الضمان لا أثر له ، لأن ذلك واجب بدونه ، فإنه من مقتضيات العقد ، فلا معنى لضمانه ، حتى لو ضمن ما لا يقتضي العقد الرجوع به ، مما لو غرمه المشتري بعد ظهور الاستحقاق ـ كعوض المنافع المستوفاة على قول ـ لم يصح الضمان ، لأنه ضمان ما لم يجب.

بل لا معنى لهذا الإشكال ، لأن الاشكال إن كان في ثبوت ذلك على البائع فلا وجه له ، لأن ذلك واجب ، وإن كان في اقتضاء هذا الضمان ثبوته أيضا ليكون مؤكدا فلا وجه له أيضا ، لأنه ضمان ما لم يجب بعد.

٣٤٠