جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

ولو تغيّر بالزيادة المتصلة كالسمن ، والنمو ، وتعلم الصنعة فللبائع الرجوع مجانا. وبالمنفصلة كالولد والثمرة يرجع في الأصل خاصة بجميع الثمن.

______________________________________________________

ويضعّف بأن فيه مع الفسخ في البعض المقتضي لتبعيض الصفقة لزوم ضرر الشركة ، وكلاهما محذور.

الثالث : عدم الرجوع أصلا ، لانتفاء المقتضي ، ومنع تناول الخبر لهذا الفرد ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وإن كان قد قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء » (١) والضمير يعود إلى المتاع المبيع ، فيقتضي تعلّق الحكم بجميعه ، على أنّا قد بيّنا لزوم التقسيط.

واعلم : أن الأصحاب إنما فرضوا تساوي العبدين قيمة ، ليكون ما بقي من الثمن منطبقا على الباقي ، وهذا متحقق لو بقي ثلث الثمن ، وكان الباقي قيمته ثلث قيمة المجموع ، وعلى هذا.

قوله : ( ولو تغير بالزيادة المتصلة كالسمن والنمو وتعلم الصنعة ، فللبائع الرجوع مجانا ).

أي : يأخذ العين مع الزيادة ، ولا يجب عليه لأجلها عوض ، وهذا قول الشيخ (٢) وجماعة ، لأن هذه الزيادة محض صفة ، وليست من فعل المفلس فتعد مالا له.

وقال ابن الجنيد (٣) ، واختاره المصنف في التذكرة (٤) والمختلف (٥) : إن الزيادة للمفلس ، لأنها نماء في ملكه ، وليس كونها ملكا له مشروطا بكونها من‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ حديث ٢٣٥٩ وفيه :. فهو أسوة للغرماء.

(٢) قاله في المبسوط ٢ : ٢٥٢.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٤٢٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٥.

(٥) المختلف : ٤٢٧.

٢٨١

ولو صار الحب زرعا ، والبيضة فرخا لم يرجع في العين.

ولو حبلت بعد البيع ، أو حملت النخلة بعده لم يكن له الرجوع في الثمرة وإن لم تؤبر ، ولا في الولد وإن كان جنينا ،

______________________________________________________

فعله ، ولأن الرجوع في العين على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على ما إذا لم يلزم فوات مال المفلس ، وهذا هو الأصح ، فيجب إذا رجع في العين أن يكون شريكا للمفلس بمقدار الزيادة.

فإن قيل : ما الفرق بين الزيادة هنا ، وبينها في موضع الخيار ، إذ يرجع بعد الفسخ في مجموع العين؟

قلنا : استحقاق الرجوع ثابت هناك في كل وقت بأصل العقد ، بخلافه هنا ، فان الاستحقاق طارئ بالحجر.

قوله : ( ولو صار الحب زرعا والبيضة فرخا لم يرجع في العين ).

لأن هذا مال آخر وعين اخرى حيث صارت الحقيقة غير الحقيقة.

فإن قيل : فلم يستحق الرجوع في الغصب؟

قلنا : لأن التغير هناك كان في ملك المغصوب منه ، بخلاف ما هنا ، لأن التغير في ملك المفلس.

قوله : ( ولو حبلت بعد البيع أو حملت النخلة بعده لم يكن له الرجوع في الثمرة وإن لم تؤبر ، ولا في الولد وإن كان جنينا ).

أي : لو كان المبيع جارية فحبلت بعد البيع لا قبله ، لأن الحمل حينئذ يكون جزءا من المبيع فيستحق الرجوع به ، أو كان نخلة فأثمرت بعده أيضا لا قبله بمثل ما قلناه ، لم يكن للغريم الرجوع في الثمرة وإن لم تؤبر ، بخلاف البيع حيث أنها للمشتري إذا لم تكن مؤبرة وقت العقد ، لأن ذلك ثبت بالنص على خلاف الأصل فلا يتعدّى.

وهذا هو سر تخصيص الحكم بالنخلة بالذكر ، وإلاّ فسائر الأشجار المثمرة كذلك ، لكن لما لم يكن فيها اختلاف بين البيع وغيره لم يتعرض إليها ، فإنها متى‌

٢٨٢

وعلى البائع إبقاؤها إلى الجداد ، وكذا إبقاء زرعه من غير اجرة لو فسخ بيع الأرض وقد شغلها.

أما لو آجر أرضا فزرع المستأجر وأفلس ففسخ المؤجر ترك الزرع الى الحصاد بأجرة المثل ، لأن مورد المعاوضة هناك الرقبة وقد أخذها ، وهنا المنفعة ولم يتمكن من استيفائها.

______________________________________________________

وجدت الثمرة فهي ملك لمن حدثت في ملكه.

وكذا القول في الولد لا يكون للغريم فيه حق ، لمثل ما قلناه ، ولا فرق في ذلك بين انفصاله ، وكونه جنينا وقت الرجوع ، وقول الشيخ في البيع : إن الحمل جزء من الام (١) ضعيف.

فرع : يجب في الرجوع بالأمة إذا تجدد ولدها مراعاة عدم التفريق بينها وبين الولد ، على ما سبق في البيع (٢).

قوله : ( وعلى البائع إبقاؤها إلى الجداد ، وكذا إبقاء زرعه من غير اجرة لو فسخ بيع الأرض وقد شغلها ، أما لو آجر أرضا فزرع المستأجر وأفلس ، ففسخ المؤجر ، ترك الزرع إلى الحصاد بأجرة المثل ، لأن مورد المعاوضة هناك الرقبة وقد أخذها ، وهنا المنفعة ولم يتمكن من استيفائها ).

الجداد بفتح أوله وكسره والمهملتين : الصرام ، والمراد ثمرة النخلة ، وكذا كل ثمرة يجب إبقاؤها إلى أوان أخذها بغير اجرة ، وإبقاء الحمل إلى أوان الوضع أمر معلوم.

وكذا إبقاء الزرع فيما لو كان المبيع أرضا وفسخ البائع بعد شغل المفلس إيّاها بالزرع ، فإنه في هذه المواضع كلها يجب الإبقاء إلى زمان الأخذ عرفا بغير اجرة ، وذلك لأنه دخل بالبيع على أن المنافع له ، فلما زرع كان زرعه لملكه ، وقد‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٥٦.

(٢) هذا الفرع ورد في « م » قبل قوله : ( ولو صار الحب زرعا ... ) وأثبتناه هنا كما في « ق » ، وهو الأنسب.

٢٨٣

ولو أفلس بعد الغرس أو البناء فليس للبائع الإزالة ، ولا مع الأرش على رأي ،

______________________________________________________

استحق زرعه مجانا واستوفى منفعة الأرض بذلك ، فلا اجرة عليه إلى زمان الأخذ.

بخلاف ما لو أفلس المستأجر للأرض بعد زرعه إياها ، فإن المؤجر إذا فسخ يجب عليه الإبقاء بأجرة المثل إلى زمان الحصاد.

أما وجوب الإبقاء فلأنه زرع محترم ، وأما كونه بأجرة المثل فلأن مورد المعاوضة هناك ـ أي : في مسألة شراء الأرض ـ الرقبة فإذا فسخ البائع أخذ الرقبة ، فترتب على الفسخ عود المبيع إلى ملك البائع ، ولا يلزم عود المنفعة التي استحقها المفلس بالزرع.

وهنا ـ أي في مسألة إجارة الأرض ـ مورد العقد هو المنفعة ، فإذا فسخ المؤجر ووجب عليه الإبقاء لم يمكن من استيفائها ، فليستحق عوضها ، وإلاّ لم يكن للفسخ فائدة ، ولأن المنفعة بعد العقد لم يستحقها المفلس مجانا ، فكيف يستحقها بعد الفسخ بغير عوض؟ ومما قررناه يظهر دليل وجوب إبقاء الثمرة مجانا.

قوله : ( ولو أفلس بعد الغرس أو البناء ، فليس للبائع الإزالة ولا مع الأرض على رأي ).

هذا اختيار المحقق نجم الدين بن سعيد (١) ، ووجهه أن هذا من جملة المنافع التي استحقها المشتري ، وقد استوفاها بحق ، وغرسه وبناؤه صدر بحق ، فلا تجوز إزالته بدون الأرش ولا معه.

وقال الشيخ في المبسوط : ان له الإزالة مع الأرش (٢) ، وقد يستدل عليه بظاهر الخبر ، فان المتبادر من الرجوع إلى العين واستحقاقها الرجوع إليها بمنافعها ، لأن العين التي قد استوفيت منافعها بمنزلة المعدومة.

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٩٢.

(٢) المبسوط ٢ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

٢٨٤

بل يباعان فللبائع مقابل الأرض.

ولو امتنع بيعت الغروس والأبنية منفردة.

______________________________________________________

والفرق بين الغرس والبناء وبين الزرع والثمرة ، أن لهما أمدا قريبا ينتظر ، فلا تعد العين معه كالتالفة بخلاف الغرس والبناء ، ولما في ذلك من الضرر العظيم ، وهو استحقاق منفعة الغير دائما ، ومثله ما لو أجر العين مدة طويلة جدا ثم أفلس ، وبالجملة فللتوقف في المسألة مجال.

ولا يخفى أنه ليس للبائع تملكها بالقيمة ، وعلى القول بالإزالة مع الأرش فطريق تقديره ، أن يقوم الغرس قائما ومقلوعا ، فأرشه هو التفاوت لا قائما بالأجرة ، لأنها لا تجب.

قوله : ( بل يباعان ، فللبائع مقابل الأرض ).

أي : بناء على القول بعدم استحقاق البائع بعد الفسخ الإزالة ولا مع الأرش ، الطريق في وصول الحق إلى مستحقه : أن تباع الأرض مع ما فيها من الغرس أو البناء فللبائع ما يقابل الأرض.

وطريق معرفته : أن تقوم الأرض وما فيها معا ، ثم تقوم الأرض مشغولة بالبناء أو الغرس مع استحقاق الإبقاء مجانا ، وتنسب قيمتها إلى مجموع القيمتين ، فما قابلها من الثمن بعد التقسيط هو مقابل الأرض ، وما بقي لصاحب البناء أو الغرس.

قوله : ( ولو امتنع بيعت الغروس والأبنية منفردة ).

أي : لو امتنع البائع من بيع الأرش ـ فإنّ بيع ملكه عليه غير لازم ـ بيعت الغروس والأبنية منفردة ـ أي : وحدها ـ بدون الأرض التي عادت إلى البائع بالفسخ ، حيث أنها مال المفلس ، ولا بدّ من بيع أمواله لحقوق الغرماء ، وإنما تباع على حالتها التي هي عليها من كونها في أرش الغير مستحقة للإبقاء مجانا ، على ما اختاره المصنف.

٢٨٥

ولو أفلس بثمن الغرس فلصاحبه قلعه مع عدم الزيادة ، وعليه تسوية الحفر.

ولو أفلس بثمن الغرس وثمن الأرض فلكل منهما قلع الغرس إذا لم يزد ، لكن لو قلع صاحب الأرض لم يكن عليه أرش ، لأن صاحب الغرس دفعه مقلوعا. وإن قلع صاحب الغرس ضمن طم الحفر ، لأنه لتخليص ماله.

______________________________________________________

ويشكل على هذا : أنه يلزم (١) من بيع الغروس والأبنية منفردة نقصان في القيمة ، ويرده أن استحقاقه إنما هو كذلك فلا يثبت غيره.

قوله : ( ولو أفلس بثمن الغرس ، فلصاحبه قلعه مع عدم الزيادة وعليه تسوية الحفر ).

أي : لو اشترى غرسا وأفلس بثمنه ، بأن قصر ماله عن الثمن مع ديون أخرى أو بدونها وحجر عليه ، فلصاحب الغرس الرجوع به وله قلعه ، لأن له تخليص ما له من ملك الغير ، لكن تجب عليه تسوية الحفر التي احتفرها للقلع ، لأن ذلك لمصلحته وتخليص ماله.

ويفهم من قوله : ( مع عدم الزيادة ) أنه لو زاد لم يكن له القلع ، وهو مناف لما سبق في كلامه من كون الزيادة بالنمو للبائع إذا رجع ، أما على ما قلناه من أن الزيادة للمفلس ، فمعها له الرجوع وليس له القلع ، لأنه شريك.

قوله : ( ولو أفلس بثمن الغرس وثمن الأرض ، فلكل منهما قلع الغرس إذا لم يزد ، لكن لو قلع صاحب الأرض لم يكن عليه أرش ، لأن صاحب الغرس دفعه مقلوعا ، وإن قلع صاحب الغرس ضمن طم الحفر ، لأنه لتخليص ماله ).

أي : إذا اشترى من رجل أرضا فارغة ، واشترى من آخر غرسا وغرسه في‌

__________________

(١) في « م » و « ق » : لو يلزم ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.

٢٨٦

______________________________________________________

تلك الأرض ، ثم أفلس بثمن كل من الأرض والغرس ، حيث أنهما دين عليه ، فلكل من صاحب الأرض وصاحب الغرس الفسخ والرجوع إلى ما له ، ولكل منهما تخليص ما له من مال الآخر ، لأن صاحب الغرس لم يكن يستحق منفعة الأرض ، وإنما استحقها المفلّس بالشراء ، وقد زال هذا الاستحقاق بفسخ كل منهما ، فان الغرس بعد الفسخ ليس للمفلّس ليبقي استحقاق المنفعة له في الأرض بعد فسخ بائعها.

فينظر حينئذ إن أراد القلع صاحب الأرض كان له ذلك ، فإذا قلع بنفسه لم يكن عليه أرش ، لأن صاحب الغرس إنما دفعه مقلوعا ، فبالفسخ يستحقه كما كان ، وإن أراد القلع صاحب الغرس كان له ذلك.

فإذا قلع بنفسه ضمن طم الحفر لصاحب الأرض ، لأن ذلك إحداث في ملك الغير لتخليص ما له ومصلحته بسبب فعل غير مضمون ، إذا لم يكن الغرس في الأرض عدوانا.

ويفهم من قول المصنف : ( إذا لم يزد ) أن الغرس لو زاد لم يكن له القلع ، وهو صحيح على ما قلناه من ان الزيادة للمفلس ، اما على قول المصنف فيشكل.

فرعان :

أ : هل لكل منهما مطالبة الآخر بتخليص ما له من مال الآخر؟ الظاهر لا ، لأن الغرس لم يقع من واحد منهما بغير حق ، وإنما ذلك فعل المفلس حين كان مالكا للعين والانتفاع ، نعم لكل واحد تولي ذلك وإن لم يأذن الحاكم ، ولو استأذنه كان أولى.

ب : لو كان الغرس حين بيع الأرض صالحا للاستنبات ، وحين الفسخ خرج عن تلك الصلاحية أو نقصت ، هل يستحق صاحبه على صاحب الأرض الأرش لو قلعه صاحب الأرض؟

مقتضى تعليل المصنف في المسألة السابقة ـ بكون صاحب الغرس دفعه‌

٢٨٧

ولصاحب الزيت الرجوع وإن خلطه بمثله ، أو أردأ لا بأجود.

ويحتمل الرجوع ، فيباعان ويرجع بنسبة عينه من القيمة ، فلو كان قيمة العين درهما والممزوج بها در همين بيعتا وأخذ ثلث الثمن.

______________________________________________________

مقلوعا ـ الاستحقاق ، لأنه دفعه مقلوعا على حالة مخصوصة ، وبالقلع الآن تزول تلك الحالة.

ويحتمل أن لا يكون له شي‌ء ، لأن منفعة الأرض بعد الفسخ لبائعها ، لأن الغرس حينئذ ليس للمفلس فيستحق إبقاءه ، لأن الفرض فسخ صاحب الأرض أيضا.

قوله : ( ولصاحب الزيت الرجوع وإن خلطه بمثله أو أردأ لا بالأجود ، ويحتمل الرجوع ، فيباعان ويرجع بنسبة عينه من القيمة ، فلو كانت قيمة العين درهما والممزوج بها در همين بيعتا وأخذ ثلث الثمن ).

اعلم : أن الأول الذي أفتى به المصنف هو مختار الشيخ (١) وجماعة ، لأن الخلط بمثله لا يزيد به على الشركة ، فيرجع بالعين ويميزها بالقسمة ، وكذا لو خلطت بالأردإ ، لأنه قد رضي بدون مثل حقه ، فأما إذا خلطت بالأجود فهي كالتالفة ، فلا يكون له حق في العين. وهذا ضعيف جدا ، فان الخلط بالأجود لا يصير العين تالفة.

والاحتمال هو مختار ابن الجنيد (٢) ، وإليه ذهب المصنف في المختلف (٣) ، كذا حمل المصنف عبارة ابن الجنيد ، فان ظاهرها فيه احتمال ، وهذه عبارته بعد سوق المسألة : كان للبائع ثمن متاعه مبتدأ به على الغرماء. وهو محتمل لثمن الأصل والقيمة.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

(٢) المختلف : ٤٢٧.

(٣) المصدر السابق.

٢٨٨

______________________________________________________

لكن يبطل الأول أن استحقاق الثمن كله لا وجه له ، لامتناعه مع الفسخ ، وعدم استحقاق الجميع مع عدمه ، لأنه حينئذ أسوة الغرماء.

فان قيل : هل يجاب البائع لو طلب القسمة بعد الرجوع ، والمخلوط به المثل أو الأردإ؟

قلت : يحتمل أن لا يجاب ، لأن الخلط لم يكن على طريق الاشتراك ، وإنما وقع ذلك من المفلس حين كان مالكا لكل من المخلوطين ، فلو أجبناه إلى القسمة لزم تملكه بعض مال المفلس ، لامتناع فصل ملكه ، وهو باطل.

ولأن القائلين باستحقاق القيمة بالبيع بعد الرجوع لم يفصلوا ، فظاهرهم إطلاق الحكم في الحالات كلّها ، وفي التحرير أثبت له المطالبة بالبيع في الخلط بالمثل والأردأ (١).

والحاصل أن قول الشيخ بسقوط الحق من الرجوع بالخلط بالأجود لأن العين كالتالفة ضعيف ، لأن العين موجودة قطعا ، غاية ما هناك أنه تعذر تميزها ، لكن لم يتعذر الرجوع إلى قيمتها بأن تباع ، فكيف يسقط ذلك ، وينحصر الأمر في الضرب بالثمن مع الغرماء.؟

ونقل الشيخ قولا ، أنه يدفع إليه من عين الزيت بنسبة ما يخصه من القيمة ، فإذا خلطت جرته بجرة والقيمة ضعف ، أعطي ثلثي جرة ، ثم غلّطه (٢) ، والأصح هو الثاني ، فحينئذ إذا كانت قيمة عين مال البائع درهما والممزوج بها درهمين ، بيعتا وأخذ ثلث الثمن.

وينبغي أن يقال : لو امتنع من البيع بيع حق المفلس وحده وإن لزم فيه نقصان عما لو بيعا جميعا ، لأن الخلط بفعله ، ويلوح من كلام القائلين باستحقاق الحصة من القيمة أنه لا بد من البيع ، وكل محتمل.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢١٤ ، وقد أثبت له المطالبة بالبيع في الخلط بالأردإ فقط دون المثل ، فتأمل.

(٢) المبسوط ٢ : ٢٦٣.

٢٨٩

ولو كانت الزيادة صفة محضة كطحن الحنطة ، وخبز الطحين ، وقصارة الثوب ، ورياضة الدابة ، وما يستأجر على تحصيله سلّمت إلى البائع مجانا ، لأنها كالمتصلة من السمن وغيره. ويحتمل الشركة ، لأنها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم فلا يضيع عليه ، بخلاف الغاصب فإنه عدوان محض.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كانت الزيادة صفة محضة ، كطحن الحنطة ، وخبز الطحين ، وقصارة الثوب ، ورياضة الدابة ، وما يستأجر على تحصيله سلمت إلى البائع مجانا ، لأنها كالمتصلة من السمن وغيره ، ويحتمل الشركة ، لأنها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم ، فلا يضيع عليه ، بخلاف الغاصب فإنه عدوان محض ).

من الزيادة ما يكون عينا محضة كالولد ، ومنها ما يكون صفة محضة كطحن الحنطة وخبز الدقيق ، ومنها ما يتركب منهما : فالأول : سبق حكمه.

والثاني : هو المذكور هنا ، وقد ذكر المصنف فيه احتمالين :

أحدهما : وهو ظاهر اختياره ، أنه كالزيادة المتصلة من السمن وغيره ، فللبائع الرجوع بها مجانا ، وتقريبه ما سبق.

والثاني : الشركة بينه وبين المفلس ، فيكون المفلس شريكا بها ، ووجهه ما ذكره من أنها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم ، وكل ما كان كذلك يجب أن لا يضيع على فاعله ، وهذا بخلاف الغاصب ، فان فعله عدوان محض ، فلا يستحق باعتباره شيئا.

فإن قيل : أي فرق بين هذا ، وبين نحو السمن والكبر والنمو ، فان ذلك آت؟

قلنا : قد فرق المصنف في التذكرة بينهما ، بأن القصارة ونحوها فعل القصار ، فإنه إذا قصر الثوب صار مقصورا بالضرورة ، وكذا الطحن والخبز ، واما‌

٢٩٠

فيباع المقصور ، فللمفلس من الثمن بنسبة ما زاد عن قيمته ، فلو كانت قيمة الثوب خمسة وبلغ بالقصارة ستة فله سدس الثمن.

ولو لم تزد القيمة فلا شركة ،

______________________________________________________

السمن والكبر فان العلف والسقي قد يوجدان كثيرا ولا يحصل سمن ولا كبر ، فلا يكون السمن والكبر أثرا للسقي والعلف ، فلا يكونان من فعل فاعلهما ، بل هما محض صنع الله تعالى ، ولهذا لا يجوز الاستئجار على تسمين الدابة وكبر الودي ، ويجوز الاستئجار على القصارة ونحوها (١).

هذا محصل ما فرق به ، ولعله هنا حاول الإشارة إلى هذا الفرق بقوله : ( وما يستأجر على تحصيله ).

إذا عرفت هذا فلا حاجة بنا الى هذا البحث والفرق ، لأنّا نجعل الزيادة في الموضعين للمفلس.

قوله : ( فيباع المقصور ، فللمفلس من الثمن بنسبة ما زاد من قيمته ، فلو كانت قيمة الثوب خمسة وبلغ بالقصارة ستة ، فله سدس الثمن ).

هذا تفريع على الاحتمال الثاني ، وهو الشركة ، أي : فبناء على الشركة لا طريق إلى إيصال الحق إلى مستحقه إلا بيع المقصور ، فيكون للمفلس من ثمنه الحاصل بالغا ما بلغ بنسبة ما زاد من قيمته بالقصارة ، فلو كانت قيمة الثوب خمسة وبلغ بالقصارة ستة ، فبيع بما فوق الخمسة ، فللمفلس سدس الثمن ، وعلى هذا القياس.

قوله : ( ولو لم تزد القيمة فلا شركة ).

أي : هذا الذي [ ذكر ] (٢) من احتمال الشركة إنما هو مع فرض زيادة القيمة بالصفة المذكورة ، أما على تقدير عدم الزيادة ـ سواء حصل نقصان أولا ـ فلا شركة قطعا ، لأن عين مال البائع موجودة إذا لم تتلف بانضمام الصفة إليها ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٩.

(٢) لم ترد في نسختي « ق » و « م » ، أثبتناها من الحجري لاقتضاء السياق لها.

٢٩١

فإن ألحقنا الصفة بالأعيان كان للأجير على الطحن والقصارة حبس الدقيق والثوب لاستيفاء الأجرة ، كما ان للبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن ، وإلاّ فلا ، فإن تلف الثوب في يده فإن ألحقنا الصفة بالعين لم يستحق الأجرة قبل التسليم كالبائع بتلف العين في يده قبل التسليم فإنه يسقط ثمنه ، وإلاّ استحق كأنه صار مسلما‌ بالفراغ.

______________________________________________________

ولا قيمة للصفة ، فتمتنع الشركة ، لأن أثر الشركة إنما يظهر في القيمة.

واعلم : أن الاعتبار بالقيمة مع الزيادة حين الرجوع ، إلاّ أن تتجدد زيادة أخرى حين البيع فتعتبر ، ولو زاد الثوب وحده فإنما اعتبرت الزيادة ، وكذا القصارة ، ومع النقص فان كان طارئا على القيمة الثابتة وقت البيع ، فإنه يحل بالاستحقاق للقصارة ، وإن كان زيادة حين الرجوع ثم طرأ النقصان ، نظر إلى كلّ واحد منهما منفردا واعطي حكمه.

قوله : ( فإن ألحقنا الصفة بالأعيان ، كان للأجير على الطحن والقصارة حبس الدقيق والثوب لاستيفاء الأجرة ، كما أن للبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن ، وإلاّ فلا ).

هذا تفريع على الاحتمالين السابقين من الشركة وعدمها ، فان قلنا بالشركة فقد ألحقناها بالأعيان ، فحينئذ يثبت الحكم ، بأن له حبس الدقيق والثوب ، لاستيفاء الأجرة ، ولو جعلناها أثرا محضا لم يكن له ذلك.

ووجه البناء المذكور : إنّها على تقدير إلحاقها بالأعيان يكون فعلا له ، فيستحق حبسه إلى أن يأخذ عوضه ، وعلى الآخر لا فعل أصلا ، ولا يجوز حبس مال الغير لحق آخر.

قوله : ( فان تلف الثوب في يده ، فإن ألحقنا الصفة بالعين لم يستحق الأجرة قبل التسليم ، كالبائع بتلف العين في يده قبل التسليم ، فإنه يسقط ثمنه ، وإلاّ استحق ، كأنه صار مسلّما بالفراغ ).

٢٩٢

ولو كانت الزيادة عينا من وجه وصفة من وجه كصبغ الثوب ، فإن لم تزد القيمة فلا شركة ، وإن زادت بقدر قيمة الصبغ كما لو كانت قيمة الثوب أربعة ، والصبغ در همين ، والمصبوغ ستة فللمفلس ثلث الثمن. وإن زادت أقل ، كما لو كان مصبوغا بخمسة فالنقصان على الصبغ لهلاكه وقيام‌ الثوب.

______________________________________________________

هذا تفريع آخر أيضا على الاحتمالين السابقين ، ووجهه : أنه على تقدير الإلحاق بالأعيان ، يكون فعله الذي يعدّ مالا له مضمونا في يده إلى أن يسلّمه إلى المستأجر ، إذ هو أحد عوضي المعاوضة التي اقتضت وجوب التسليم من الطرفين ، فبالضرورة يكون مضمونا عليه إلى أن يسلّمه ، فيستحق العوض الآخر في مقابله.

وعلى تقدير العدم استحق الأجرة بالفراغ من الإتيان بما استؤجر عليه ، والعين في يده أمانة ، وقد عرفت الراجح مما تقدم.

قوله : ( ولو كانت الزيادة عينا من وجه وصفة من وجه آخر كصبغ الثوب ، فان لم تزد القيمة فلا شركة ، وإن زادت بقدر قيمة الصبغ ، كما لو كانت قيمة الثوب أربعة والصبغ درهمين والمصبوغ ستة ، فللمفلس ثلث الثمن ).

هذا هو القسم الثالث من الأقسام المذكورة سابقا ، وهو ما تكون الزيادة عينا من وجه وصفة من آخر ، وذلك كصبغ الثوب ، فإن أجزاء الصبغ عين قطعا ، وتلون الثوب بها صفة ، وهنا أيضا متى لم تزد القيمة بالصبغ ونحوه انتفت الشركة قولا واحدا ، كما ذكرناه سابقا.

وإن زادت ، فاما أن تكون الزيادة بقدر قيمة الصبغ ، أو أقل ، أو أكثر ، فالأقسام ثلاثة ، ففي الأول يستحق المفلس الزائد ، وهو ثلث الثمن في المثال المذكور ـ قيمة الصبغ ـ ولا يكون في مقابل الصفة شي‌ء ، لانتفاء الزيادة باعتبارها.

قوله : ( وإن زادت أقل ، فالنقصان على الصبغ ، لهلاكه وقيام الثوب ).

٢٩٣

ولو ساوى ثمانية ، فإن ألحقنا الصفة بالأعيان فالزيادة للمفلس ، فالثمن نصفان ، وإلاّ احتمل تخصيص البائع فالثمن أرباعا ، أو البسط فالثمن أثلاثا.

______________________________________________________

هذا هو القسم الثاني من الأقسام المذكورة آنفا ، وحكمه ما ذكره ، وتوضيح ما علل به : أنه لما كانت عين الثوب قائمة بحالها لم تتغير ، وأجزاء الصبغ تفرقت في الثوب صارت كالهالكة ، إذ لا يصبغ بها شي‌ء آخر ، كانت نسبة النقصان إليها أولى من نسبته إلى الثوب.

لكن يجب أن يقيد هذا بما إذا لم يعلم استناد النقصان إلى الثوب أو إليهما ، بأن لم تبلغ قيمته خاما الان مقدار الأربعة.

قوله : ( ولو ساوى ثمانية ، فإن ألحقنا الصفة بالأعيان فالزيادة للمفلس ، فالثمن نصفان ، وإلاّ احتمل تخصيص البائع فالثمن أرباعا ، أو البسط فالثمن أثلاثا ).

هذا هو القسم الثالث ، وهو أن تكون الزيادة بالصبغ أكثر من قيمة الصبغ ، كأن يساوي الثوب في الفرض المذكور ثمانية دراهم ، فيبني على ما سبق ، فإن ألحقنا الصفة بالأعيان ، فقيمة الصبغ وقيمة الصفة كلاهما للمفلس ، وهما عبارة عما زاد على قيمة الثوب ، ووجه هذا التفريع ظاهر بعد الإحاطة بما سبق.

وإن لم نقل بالإلحاق ، ففيه احتمالان :

أحدهما : تخصيص البائع بالصفة على نهج ما سبق ، فيكون ما قابلها من القيمة له ، وللمفلس قيمة الصبغ ، إذ لا مال له ـ على ذلك التقدير ـ سواه.

الثاني : بسط الزيادة على مال المفلس وهو الصبغ ، ومال البائع وهو الثوب ، لعدم الأولوية.

ولما كانت قيمة الثوب ثلثي مجموع القيمتين ، كان للبائع ثلثي الزيادة وللمفلس ثلثها ، وهذا لا يستقيم إلاّ على تقدير العلم بأن تلوّن الثوب بالصبغ لا حظ له من الزيادة.

٢٩٤

ولا فرق بين عمل المفلس بنفسه ، أو بالأجرة في الشركة.

ولو أفلس قبل إيفاء الأجير أجره القصارة ، فإن ألحقناها بالأعيان ، فإن لم تزد قيمته مقصورا على ما كان فهو فاقد عين ماله ، وإن زادت فلكل من البائع والأجير الرجوع الى عين ماله ، فلو ساوى قبل القصارة عشرة ، والقصارة خمسة ، والأجرة درهم قدّم الأجير بدرهم ، والبائع بعشرة ، وأربعة للغرماء.

______________________________________________________

واختار المصنف في التذكرة كون الزيادة كلّها للمفلس ، لأنها عوض الصبغ والصفة جميعا ، وهما له لا شي‌ء للبائع فيهما (١) ، فيكون احتمالا رابعا ، ولا ريب أنه أقوى على كل تقدير.

واعلم أن قول المصنف : ( فالثمن نصفان ) بالرفع ، وقوله : ( فالثمن أرباعا ) ، وقوله : ( أو البسط فالثمن أثلاثا ) ليس على نهج واحد في الاعراب ، فلا بد من تقدير عامل لنصب ( أرباعا ) و ( أثلاثا ) مثل : يبسط ونحوه.

قوله : ( ولا فرق بين عمل المفلس بنفسه ، أو بالأجرة في الشركة ).

لأن ما عمله بالأجرة مملوك له بالمعاوضة.

قوله : ( ولو أفلس قبل إيفاء الأجير أجره القصارة ، فإن ألحقناها بالأعيان ، فان لم تزد قيمته مقصورا على ما كان فهو فاقد عين ماله ، وإن زادت فلكل من البائع والأجير الرجوع إلى عين ماله ، فلو ساوى قبل القصارة عشرة والقصارة خمسة والأجرة درهم ، قدم الأجير بدرهم والبائع بعشرة وأربعة للغرماء ).

أي : لو أفلس في الصور المذكورة سابقا ، أعني : فيما تكون الزيادة صفة محضة قبل إيفاء الأجير أجرته ، وكان قصارا مثلا ، فإن ألحقنا الصفة بالأعيان ، فان لم تزد القيمة باعتبار القصارة فالعين للبائع ، والأجير فاقد عين ماله فهو أسوة الغرماء.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٧٠ ، وفيها : (. لأنها عوض الصبغ والصنعة ... ).

٢٩٥

ولبائع الجارية انتزاعها وإن حبلت منه مع الإفلاس بالثمن لا الولد ،

______________________________________________________

وهذا تقييد ما سبق ، من أن له أن يحبس الثوب إلى أن يأخذ الأجرة ، تفريعا على أن الصفة كالأعيان ، إذ مع عدم الزيادة لا مال له ليحبسه.

وإن زادت ، فلكل من البائع والأجير الرجوع إلى عين ماله ، أما البائع فظاهر ، واما الأجير ، فلان التفريع على ان الصفة كالأعيان.

فإن قيل : لا مال له ، لأن المال حينئذ للمفلس ، وهو إنما يستحق الأجرة.

قلنا : إنا حيث ألحقنا الصفة بالأعيان ، لم نرد بذلك كونها عينا في الحقيقة تفرد بالأخذ والرد ، وإنما أردنا أنها مشبهة بالأعيان من بعض الوجوه ، نظرا إلى كونها متقومة مقابلة بعوض ، فكما لا تضيع الأعيان على مستحقها لا تضيع هذه.

وليست القصارة مورد الإجارة ، بل موردها الفعل المحصل للقصارة ، لكن ذلك يمتنع الرجوع إليه ، فيجعل الحاصل بفعله لاختصاصه به متعلق حقه ، فانّ له الحبس إلى أن يقبض كما سبق.

فحينئذ ينظر قيمة الثوب ، ومقابل الصفة ، وقدر الأجرة ، ويقسط الحاصل بعد البيع ، أن يدفع إلى البائع ثمن الثوب ، والى الأجير أجرته ، والباقي للمفلس ، فيصرف إلى الغرماء.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن قول المصنف : ( فلكل من البائع والأجير الرجوع إلى عين ماله ) فيه توسع بالنسبة إلى الأجير.

قوله : ( ولبائع الجارية انتزاعها ، وإن حبلت منه مع الإفلاس بالثمن ، لا الولد ).

أي : لو كان المبيع الذي حصل الإفلاس بثمنه جارية ، كان للبائع انتزاعها ، وإن حبلت من المفلس ، ولا يمنع الاستيلاد من الأخذ ، فإن أم الولد تباع في ثمن رقبتها ، فلا يكون الاستيلاد مانعا من أخذها باعتبار تعذر أخذ ثمنها ،

٢٩٦

ويتعلق حق الغرماء بعوض الجناية خطأ لا عمدا إلا إذا رضي به ولا يجب عليه.

ويجب أن يؤاجر الدابة ، والدار ، والمملوك وإن كانت أم ولد لا نفسه ،

______________________________________________________

فلا يمنع مانع من تناول الخبر الدال على الاختصاص لها (١) ، أما الولد فإنه حر يسيّب ، فلا سبيل له عليه.

قوله : ( ويتعلق حق الغرماء بعوض الجناية خطأ لا عمدا ، إلا إذا رضي به ، ولا يجب عليه ).

أي : لا يتعلق حق الغرماء بعوض الجناية عمدا على المفلس أو عبده من مثله ، إلاّ إذا رضي المفلس بالعوض ، لأن الواجب حينئذ هو القصاص لا العوض ، ولا يجب على المفلس الرضى بالعوض ، عملا بالأصل.

قوله : ( ويجب أن يؤجر الدابة والدار والمملوك وإن كانت أم ولد ).

هذا إذا كان كل واحد من هذه ممنوعا من بيعه ، لكونه موقوفا ، وكانت الدابة والدار والمملوك ـ سوى ما يستثني ـ له ، وإلاّ وجب البيع فيما عدا المستثنيات ، فلا يؤجر كما لا يباع.

ويمكن تنزيل ذلك على زمان الحجر قبل البيع ، فإن المحافظة على أمواله بضبط منافعه واجبة.

وهذا فيما عدا أم الولد ، فإنها غنية عن التقييد ، إذ لا تباع كما سبق ، لحق الاستيلاد ، نعم تؤجر ، ولو كانت خدمته تحصل بها فليس ببعيد وجوب بيع ما سواها ، فحينئذ لا تؤجر أيضا.

قوله : ( لا نفسه ).

أي : لا يجب ذلك ، كما لا يجب عليه التكسب ولا يلزم به ، لظاهر قوله‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩٣ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٨٣ حديث ٢٩٩.

٢٩٧

ويتساوى غرماء الميت مع عدم الوفاء ، ومعه لصاحب العين الاختصاص.

المطلب الخامس : في حبسه :

ولا يجوز حبسه مع ظهور فقره ، ويثبت بإقرار الغريم ،

______________________________________________________

تعالى ( فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) وظاهر ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه إذا تبين الإفلاس والحاجة أطلق المديون (٢).

قوله : ( ويتساوى غرماء الميت مع عدم الوفاء ، ومعه لصاحب العين الاختصاص بها ).

أي : ومع الوفاء ـ أي : وفاء التركة بجميع الديون ـ يختص صاحب العين بها ، وهذا في الميت مفلسا لا مطلقا.

وفي حواشي شيخنا الشهيد استشكال ، ذلك لأن الوارث مخير في جهات القضاء.

وجوابه : أنه بعد ثبوت الحجر ، وتعلق ديون الغرماء بالأموال ، واختصاص الغريم بعين ماله ـ غاية ما في الباب ، أنه في حال مخصوص ـ كيف يكون الوارث مخيرا؟ ومستند ذلك النص (٣) ، ولعل السرّ فيه أن الحي لما رجي اكتسابه وأداؤه الدين ، اختص صاحب العين بها مطلقا ، بخلاف الميت ، فإنه مع عدم الوفاء يتزايد الضرر على الغرماء باختصاصه.

قوله : ( ولا يجوز حبسه مع ظهور فقره ).

الظاهر أن الضمير في ( حبسه ) لا يتعين عوده إلى المفلس ، فان الحبس للمديون إذا لم يؤد ، ومنع الحبس مع الفقر ظاهر.

قوله : ( ويثبت بإقرار الغريم ).

في حقه خاصة ، إلاّ أن يتعدد مع العدالة ، فإنه يثبت مطلقا.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٠.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩ حديث ٤٣ ، التهذيب ٦ : ٢٩٩ حديث ٨٣٤ ، الاستبصار ٣ : ٤٧ حديث ١٥٦.

(٣) التهذيب ٦ : ١٩٣ حديث ٤٢١ ، الاستبصار ٣ : ٨ حديث ٢٠.

٢٩٨

أو البينة المطلعة على باطن أمره. ولو فقد الأمران فإن عرف له مال ظاهر الزم التسليم ، أو الحبس ، أو يبيع الحاكم عنه ويوفّي ، وإن لم يظهر له مال ولا بينة على دعوى الإعسار حبس حتى يظهر إعساره إن عرف له أصل مال ، أو كان أصل الدعوى مالا ، وإلا قبل قوله ، ولا يكلف البينة بعد اليمين.

______________________________________________________

قوله : ( أو البينة المطلعة على باطنه ).

سيأتي أن اطلاعها على باطنه شرط فيما إذا شهدت بالإعسار لا بتلف الأموال ، والمراد من الاطلاع على باطنه : العلم بباطن أحواله ، بسبب المعاشرة الطويلة ، بمسافرة ومجاورة ونحوهما.

قوله : ( ولو فقد الأمران ، فإن عرف له مال ظاهر الزم التسليم ، أو الحبس ، أو يبيع الحاكم عنه ويوفي ).

أي : لو فقد إقرار الغريم ، والبينة المطلعة على حاله ، فان عرف له مال ظاهر ـ أي : جلي غير مستور ـ فان كان من جنس الحق ألزمه الحاكم بالتسليم وقهره عليه ، ولو كان من غير الجنس قهره على البيع ، أو حبسه إلى أن يبيع ويؤدي ، أو يبيع الحاكم عنه ويوفي ، ويحلّ لصاحب الدين الاغلاظ له ، ويحل ضربه بالعناد.

قوله : ( وإن لم يظهر له مال ولا بينة على دعوى الإعسار ، حبس حتى يظهر إعساره ، إن عرف له أصل مال ، أو كان أصل الدعوى مالا ).

لأن الأصل بقاء المال وعدم تلفه.

قوله : ( وإلا قبل قوله ، ولا يكلف البينة بعد اليمين ).

أي : وإن لم يعرف له أصل مال ، ولا كان أصل الدعوى مالا ، بأن كان اجرة خدمة ، أو عوض إتلاف ، أو جناية قبل قوله بيمينه ، لأنه في الحقيقة منكر للمال ، والأصل عدمه.

٢٩٩

ولو شهد عدلان بتلف ماله قبل بغير يمين وإن لم تكن مطلعة على باطنه.

ولو شهدا بالإعسار مطلقا لم تقبل إلا مع الصحبة المؤكدة ، وللغرماء إحلافه مع البينة ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو شهد عدلان بتلف ما له قبل بغير يمين ، وإن لم تكن مطلعة على باطنه ).

المراد : شهادة عدلين بتلف جميع أمواله ، لأن الشهادة بتلف مال في الجملة ليست مستلزمة لكونه فقيرا ، فيثبت بذلك فقره ، ولا حاجة إلى اليمين ، لأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، والتفصيل قاطع للشركة.

ـ ولا يشترط لقبول شهادة الشاهدين بتلف ـ العلم بكونهما مطلعين على باطن أحواله ، لأنهما إذا شهدا بتلف جميع الأموال كان ذلك كافيا في ثبوت المراد ، لأن الفرض عدالتهما ، والعدل لا يجازف في شهادته.

وقال في التذكرة. بإلزامه باليمين هنا خاصة ، واحتج عليه بأن البينة إذا شهدت بالتلف ، كان كمن ثبت له أصل مال واعترف الغريم بتلفه وادعى مالا غيره ، فإنه يلزمه اليمين (١).

وفيه نظر ، لأن البحث ليس فيمن شهدت له البينة بتلف مال مخصوص ، بل بتلف جميع أمواله ، فإن سمعت فلا يمين ، وإلاّ كان وجودها كعدمها ، فلا يعتبر اليمين حينئذ.

قوله : ( ولو شهدا بالإعسار مطلقا ، لم يقبل إلاّ مع الصحبة المؤكدة ، وللغرماء إحلافه مع البينة ).

أي : لو شهد الشاهدان بالإعسار مطلقا ـ أي : غير مقيد بتلف جميع الأموال ـ فلا بد في قبول هذه الشهادة من علمنا بكون الشاهدين لهما صحبة مؤكدة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٩.

٣٠٠