جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

وعلى كل حال فللوارث إمساك عين التركة ، وأداء الدين من خالص ماله.

وهل تتعلق حقوق الغرماء بزوائد التركة كالكسب ، والنتاج ، والثمرة؟ الأقرب المنع.

______________________________________________________

نعم لا يمكن أن يقال : إنّ الوارث ممنوع من التصرف هنا بمجرد وجود العهدة ، إذ لا دين ، ومقتضى العهدة ثبوت تعلق الواجب الحادث بالتركة.

واعلم ان قوله : ( فإن أدّى الوارث ... ) ، تفريع على الاحتمال الثاني ، الذي أشار إليه بقوله : ( وعدمه ).

قوله : ( وعلى كلّ حال فللوارث إمساك عين التركة ، وأداء الدّين من خالص ماله ).

أي : على كل من احتمال كون تعلق الدين بالتركة كتعلق الأرش بالجاني ، واحتمال كون تعلقه كتعلق الدين بالرهن ، لأن التركة تنتقل إلى ملكه بالموت ، فيتخير في جهات القضاء.

ولو قلنا ببقائها على حكم مال الميت ، فتخيره في جهات القضاء ثابت ، إذ لا ينتقل إلى ملك المدين.

قوله : ( وهل تتعلق حقوق الغرماء بزوائد التركة ، كالكسب والنتاج والثمرة؟ الأقرب المنع ).

في بعض النسخ : إشكال أقربه المنع ، ومنشأ الاشكال : من التردد في انتقال التركة إلى الوارث بالموت ، وبقائها على ملك الميت.

ومنشأ التردد ، أن الملك ممتنع بقاؤه بغير مالك ، والميت يمتنع تملكه ، لانتفاء لوازم الملك عنه ، من عدم ثبوت الزكاة عليه ونحوه ، ولا ينتقل الى ملك الدّيان قطعا ، فتعين انتقالها الى ملك الوارث ، ولأن المقتضي لتملك الوارث ـ وهو الموت ـ موجود ، والمانع ليس إلاّ تعلق الدين بالتركة ، وهو لا يصلح للمانعية ، لعدم المنافاة ، وإن كان‌

٢٢١

وتحتسب من التركة الدية في الخطأ والعمد إن قبلها الوارث ، ولا يلزمه ذلك وإن لم يضمن الدين على رأي.

الفصل الخامس : المفلّس ، وفيه مطالب :

الأول : المفلّس لغة : من ذهب جيد ما له وبقي رديه ، وصار ماله فلوسا وزيوفا.

______________________________________________________

مفهوم الآية الشريفة (١) يدل على عدم الانتقال إلاّ بعد أداء الدين والوصية ، لكن المفهوم ضعيف ، لأنه مفهوم المخالفة ، ويجي‌ء على القول بأن تعلق الدين بالتركة كتعلقه بالرهن ، وأنّ الدين يتعلق بزوائد المرهون تعلقه بزوائد التركة ، وكيف كان فالأصح ما قرّبه المصنف.

قوله : ( وتحسب من التركة الدّية في الخطأ والعمد إن قبلها الوارث ).

هذا شرط للعمد ، إذ لا تثبت الدية في العمد إلا بقبول الوارث.

قوله : ( ولا يلزمه ذلك وإن لم يضمن الدين على رأي ).

قال الشيخ : لا يستوفي الوارث القود إلا بعد ضمان الدين (٢) ، وهو ضعيف ، والفتوى على ما هنا.

قوله : ( المفلس من ذهب جيّد ما له وبقي رديئه ، وصار ماله فلوسا وزيوفا ).

هذا تعريفه لغة ، بدليل قوله بعد : ( وشرعا ) ، يقال : مفلّس ومفلس من أفلس : إذا لم يبق له مال ، كأنما صارت دراهمه فلوسا ، أو صار بحيث يقال له : ليس معه فلس. وفلّسه القاضي تفليسا : حكم بإفلاسه. والدراهم الزيوف هي الدراهم المغشوشة.

__________________

(١) النساء : ١١‌

(٢) النهاية : ٣٠٩.

٢٢٢

وشرعا : من عليه ديون ولا مال له يفي بها ، وهو شامل لمن قصر ماله ، ومن لا مال له ، فيحجر عليه في المتجدد باحتطاب وشبهه.

والفلس سبب في الحجر بشروط خمسة : المديونية ، وثبوت الدين عند الحاكم ، وحلولها ، وقصور ما في يده عنها ،

______________________________________________________

قوله : ( وشرعا : من عليه ديون ولا مال له يفي بها ).

هذا (١) التعريف صادق على الصبي إذا استدان له الولي إلى هذه المرتبة ، وكذا السفيه ، وكذا المديون كذلك قبل الحجر ، مع أن واحدا من هؤلاء لا يعدّ مفلسا شرعا ، إذ التفليس إنما يكون بحكم الحاكم ، والحجر بالفلس لا يثبت إلاّ بحكم الحاكم إجماعا.

قوله : ( وهو شامل لمن قصر ماله ومن لا مال له ، فيحجر عليه في المتجدد باحتطاب وشبهه ).

أي : يندرج في التعريف المذكور من لا مال له أصلا ، إذ يصدق عليه لا مال له يفي بديونه ، لأن السالبة لا تستدعي وجود الموضوع.

وقوله : ( فيحجر عليه في المتجدد ) كأنه جواب عن سؤال تقديره : إذا لم يكن له مال ، ففي ما ذا يكون الحجر؟

وجوابه : أن الحجر في المتجدد من أمواله الحاصلة بمعاملة وغيرها ، وهذا يدلّ عل أن معنى الفلس شرعا لا يتحقق إلاّ بالحجر من الحاكم.

قوله : ( والفلس سبب في الحجر بشروط خمسة ).

أي : ثبوت الفلس بالمعنى السابق ـ وهو حصول الدين وعدم ما يفي به ـ سبب في ثبوت استحقاق الحجر ، لكن مع رعاية شروط خمسة.

قوله : ( وقصور ما في يده عنها ).

فلو لم يقصر لم يحجر عليه إجماعا منّا ، سواء ظهرت عليه أمارات الفلس ،

__________________

(١) في « م » : لو قال : من عليه لكان أشمل ، وهذا.

٢٢٣

والتماس الغرماء الحجر أو بعضهم ، وتحتسب من جملة ماله معوضات الديون.

ولو حجر الحاكم تبرعا لظهور امارة الفلس ، أو لسؤال المديون لم ينفذ ،

______________________________________________________

مثل أن تكون نفقته من رأس ماله لا من حرفة ونحوها أولا ، خلافا للشافعي (١) في الأول ، وإنما يؤمر بأداء الدين مع طلب الغرماء ، فان ماطل تخير الحاكم بين حبسه والبيع عليه.

قوله : ( والتماس الغرماء الحجر أو بعضهم ).

إنما يحجر مع التماس البعض إذا كان ديون ذلك البعض لا يفي ما له بها كما سيأتي ، لانتفاء بعض الشروط لو وفى بها ، لأن دين غير الملتمسين ليس للحاكم الحجر لأجله ، فهو بالنسبة إلى الحجر بمنزلة المعدوم. وقرّب في التذكرة جواز الحجر ، وإن انتفى ، ولا ينتظر التماس الباقين ، لئلا يضيع على الملتمس ماله (٢) ، وهو محتمل ، وعموم الحجر للجميع ـ على ما سيأتي في كلامه ـ لا يكاد يتخرّج إلا على هذا الوجه ، وفي هذا الوجه قرب.

قوله : ( وتحتسب من جملة ماله معوضات الديون ).

المراد بمعوضات الديون : الأشياء التي تملّكها بعوض وكان عوضها دينا في ذمته ، ووجهه : أنها مملوكة له وإن كان أربابها بالخيار بين الرجوع فيها وعدمه ، ولا يخرج عن الملك إلاّ بالرجوع ، وكما تحتسب هذه من جملة ماله ، فكذا الدين الذي هو عوضها محسوب من جملة ديونه. وعند بعض العامة (٣) لا يحتسب من أمواله ، فيعتبر في الحجر قصور ما عداها من أمواله عما سوى الدين الذي عليها.

واعلم : أنّ الضمير في قوله : ( من جملة ماله ) يرجع إلى ( المديون ) الذي يريد تعلق الحجر به ، وإن كانت العبارة لم تشتمل عليه صريحا ، بل سياقها يقتضي خلافه.

__________________

(١) كفاية الأخيار ١ : ١٦٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٢.

(٣) كفاية الأخبار ١ : ١٦٦.

٢٢٤

نعم يحجر الحاكم لديون المجانين والأيتام دون الغيّاب.

ولو كان بعض الديون مؤجلا ، فإن كانت الحالة يجوز الحجر بها حجر مع سؤال أربابها ، وإلا فلا. ثم يقسم في أرباب الحالة خاصة ، ولا يدخر للمؤجلة شي‌ء ، ولا يدام الحجر عليه لأربابها كما لا يحجر بها ابتداء.

أما لو سأل بعض أرباب الديون ، الحالة حجر عليه إن كان ذلك البعض يجوز الحجر به ، ثم يعم الحجر الجميع.

ولو ساوى المال الديون ، والمديون كسوب ينفق من كسبه فلا حجر ، بل يكلّف القضاء ، فإن امتنع حبسه الحاكم أو باع عليه ،

______________________________________________________

قوله : ( نعم يحجر الحاكم لديون المجانين والأيتام ).

وكذا السفهاء ، لكن بشرط ثبوت الولاية عليهم للحاكم ، فإنه يتولاّه لمصلحتهم ، ولو كانت الولاية للأب أو الجد أو الوصي لم يكن له الحجر حينئذ ، إذ ليس له المطالبة.

قوله : ( دون الغياب ).

لأن الحاكم لا يستوفي ما للغيّات في الذمم ، بل يحفظ أعيان أموالهم.

قوله : ( ولو كان بعض الديون مؤجلا ) إلى قوله : ( ولا يدخر للمؤجلة شي‌ء ، ولا يدام الحجر عليه لأربابها كما لا يحجر بها ابتداء ).

لعدم استحقاق المطالبة حينئذ.

قوله : ( ثم يعم الحجر الجميع ).

لثبوت الديون كلّها ، واستحقاق المطالبة للجميع ، فلا يختص بأمواله من اختص بالالتماس ، ومن ثمّ لو ظهر غريم سابق على الحجر شارك.

قوله : ( ولو ساوى المال الديون ـ إلى قوله : ـ حبسه الحاكم أو باع عليه ).

مخيرا في الأمرين ، خلافا لأبي حنيفة (١) في البيع.

__________________

(١) اللباب ٢ : ٧٢.

٢٢٥

وكذا غير الكسوب الى أن يقصر المال وإن قل التفاوت.

ويستحب إظهار الحجر لئلا يستضر معاملوه.

ثم للحجر أحكام أربعة : منعه من التصرف ، وبيع ماله للقسمة ، والاختصاص ، والحبس.

المطلب الثاني : في المنع من التصرف : ويمنع من كل تصرف مبتدأ في المال الموجود عند الحجر ، بعوض أو غيره ، ساوى العوض أو زاد أو قصر. ولا يمنع مما لا يصادف المال كالنكاح ، والطلاق ، واستيفاء‌

______________________________________________________

قوله : ( وكذا غير الكسوب إلى أن يقصر المال وإن قلّ التفاوت ).

أي : وكذا غير الكسوب لا يحجر عليه إلى أن يقصر المال ، فيحجر عليه عند القصور وإن قل التفاوت لا قبله ، خلافا للشافعية (١).

قوله : ( ويمنع من كلّ تصرف مبتدأ في المال الموجود عند الحجر بعوض أو غيره ساوى العوض أو زاد أو قصر ).

احترز بالتصرف المبتدأ عن الفسخ بالعيب والخيار الثابتين ونحو ذلك ، فإنّه لا يمنع من هذا النوع من التصرف ، لكن سيأتي أن الحجر لا يختصّ المال الموجود عند الحجر ، بل يعمّ المتجدد.

ويمكن أن يجعل الظرف ، وهو : ( عند ) متعلقا بكلّ من ( تصرف ) و ( الموجود ) ليحسن كونه احترازا عن التدبير والوصية. والجار في قوله : ( بعوض أو غيره ) يتعلق بـ ( تصرف ) ولا يتفاوت الحال بزيادة العوض وعدمها ، لتحقق الحجر مع الجميع.

قوله : ( ولا يمنع مما لا يصادف المال ، كالنكاح والطلاق ).

أما الطلاق فواضح ، فانّ الحجر لم يتناول كلّ تصرف ، بل التصرف في المال الموجود والمتجدد ، وأما النكاح ، فلأن الصداق إذا كان في الذمة لم يصادف‌

__________________

(١) كفاية الأخيار ١ : ١٦٦.

٢٢٦

القصاص ، والعفو ، واستلحاق النسب ونفيه باللعان ، والخلع ، وكذا ما يصادف المال بالتحصيل كالاحتطاب ، والاتهاب ، وقبول الوصية ، ولا ما يصادف المال بالإتلاف بعد الموت كالتدبير ، والوصية إذ لا ضرر فيه على الغرماء.

أما لو صادف المال في الحال ، فإن كان مورده عين مال كالبيع ، والهبة ، والرهن ، والعتق احتمل البطلان من رأس ، والإيقاف. فإن‌

______________________________________________________

التصرف المال الموجود عند الحجر [ وأما مؤنة النكاح ] (١) سيأتي إن شاء الله تعالى بيان موضعها.

قوله : ( والخلع ).

أي : لا يمنع منه لكن هذا المحجور عليه بالفلس رجلا ، فلو كان امرأة منع.

قوله : ( وكذا ما يصادف المال بالتحصيل ، كالاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية ).

أي : وكذا لا يمنع من هذا النوع من التصرف ، لأن في ذلك جلب مال للغرماء ، فكيف يمنع منه؟

قوله : ( ولا ما يصادف المال بالإتلاف بعد الموت ، كالتدبير والوصية ).

لا ريب أن التدبير إما وصية أو في معنى الوصية ، وهي إنما تكون بعد أداء الدين ، فلا يكون منافاة أصلا ، وعبارة المفلس معتبرة فيما لا يكون مصادفا للمال وقت الحجر من التصرفات.

قوله : ( إذ لا ضرر فيه على الغرماء ).

هذا تعليل للمذكورات في حين قوله : ( ولا يمنع مما لا يصادف المال ... ).

قوله : ( أما لو صادف المال في الحال ، فإن كان مورده عين مال ، كالبيع والهبة والرهن والعتق ، احتمل البطلان من رأس والإيقاف ، فإن‌

__________________

(١) في « م » و « ق » : ومؤنة ، وما أثبتناه من مفتاح الكرامة ٥ : ٣١٦ عن جامع المقاصد.

٢٢٧

فضل تلك العين من الدين لارتفاع القيمة ، أو لإبراء ، أو غير هما نفذ ،

______________________________________________________

فضلت تلك العين من الدين لارتفاع القيمة أو الإبراء أو غيرهما نفذ ).

هذا تفصيل لحال التصرفات المصادفة للمال حالا ، باعتبار كونها ممنوعا منها.

وحاصله : أنه لو تصرف في المال ، فاما أن يكون مورده عين مال من أمواله أو ذمته ، فان كان الأول كالبيع لشي‌ء من أعيان أمواله والهبة والعتق ، ففيه احتمالان :

أحدهما : بطلان التصرف من رأس ، لأنه ممنوع منه على وجه سلبت أهليته ، وكانت عبارته كعبارة الصبي ، فيقع تصرفه باطلا. وفيه نظر ، لأن منعه على هذا الوجه غير ظاهر ، إذ مطلق المنع والحجر لا يستلزم ذلك ، وليس هناك شي‌ء بخصوصه يقتضيه.

فان قيل : قول الحاكم : حجرت عليك ، معناه : منعتك من التصرفات ، ولا معنى للمنع منها إلاّ تعذر وقوعها منه.

قلنا : الممنوع منه إنما هو التصرف المنافي لحق الغرماء ، وذلك هو النافذ ، أما غيره فلا دليل عليه ، فالمتعذر وقوعه هو النافذ دون ما سواه ، على أنّ الحجر لو اقتضى المنع المذكور لسقط به اعتبار عبارة السفيه ، مع أنه لو باع فأجاز الولي نفذ ، فيجب أن يكون الحكم هنا كذلك بطريق أولى ، فإذا أجاز الغرماء ذلك التصرف حكم بنفوذه.

والثاني : جعله موقوفا إلى انفصال أمر الديون ، فان صرف الجميع في الدين فلا بحث في البطلان ، وإن فضل شي‌ء فليجعل تلك العين التي تعلق بها التصرف.

وتصور كون الشي‌ء فاضلا : بارتفاع القيمة السوقية ، وبإبراء بعض الغرماء من حقه ، وبغيرهما : كتجدد مال ، وموت بعض الغرماء فورثه المدين.

ووجهه : أنه لا يقصر عن التصرف في مال غيره ، فيكون كالفضولي ، مع‌

٢٢٨

فحينئذ يجب تأخير ما تصرف فيه ، فإن قصر الباقي أبطل الأضعف كالرهن ، والهبة ، ثم البيع والكتابة ، ثم العتق ،

______________________________________________________

بقاء ملكه إلى حين الأداء إلى الغرماء ، ويعضده ظاهر قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٢) ، ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) وأمثال ذلك من عمومات الكتاب والسنة ، وفي هذا قوة.

واعلم : أن تقسيم ما صادف المال في الحال من التصرف إلى : ما مورده العين ، وما مورده الذمة غير مستقيم ، إذ مورد القسمة غير مشترك بين القسمين ، فان ما مورده الذمة ليس مصادفا للمال في الحال قطعا ، فإن البيع بثمن في الذمة كالصداق في النكاح إذا كان في الذمة ، وأمثال هذين لا تعلق لهما بالمال الموجود عند الحجر ، ولا يعد تصرفا فيه كما لا يخفى ، فلا تكون العبارة مستقيمة.

قوله : ( فحينئذ يجب تأخير ما تصرف فيه ، فإن قصر الباقي بطل الأضعف كالرهن والهبة ، ثم البيع والكتابة ، ثم العتق ).

أي : فحين حكمنا بكون التصرف موقوفا إلى أن ينظر ـ هل تفضل العين التي تعلق التصرف بها أم لا ـ يجب تأجير ما تصرف فيه ، فلا يباع ولا يسلم إلى الغرماء إلى أن لا يبقى غيره من أموال المفلس ، فان قصر ما سواه عن الوفاء وكان التصرف متعددا بطل الأضعف ، ثم ما يليه في الضعف.

وعلى هذا فلو اجتمعت من التصرفات الأنواع المذكورة ، بطل الرهن والهبة ، لأنهما أضعف من الباقي ، باعتبار جواز الرهن من جانب المرتهن ، وكون الهبة موضوعة على الجواز ، ثم البيع والكتابة ، لأنهما وإن كانا لازمين من الطرفين ، إلاّ أن العتق لكونه في نظر الشارع على التغليب ، ولهذا كان من خواصّه السراية ، ولا يبعد على هذا أن يكون الوقف بمنزلة العتق ، لأنّ كلا منهما لا يقبل الفسخ ،

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

٢٢٩

وإن كان المورد في الذمة فيصح كما لو اشترى في الذمة ، أو باع سلما ، أو اقترض.

وليس للبائع الفسخ وإن كان‌ جاهلا ، ويتعلق بالمتجدد ـ

______________________________________________________

بخلاف باقي العقود.

ويحتمل إبطال أخير التصرفات ، ثم ما يليه إلى آخرها ، كما في تبرعات المريض ، ووجهه : أن المزاحمة إنما وقعت بين ديون الغرماء والتصرف الأخير ، فيكون السابق ماضيا لعدم ما ينافيه.

ويمكن الفرق بين تصرفات المريض وهذه ، لأن الحجر على المريض إنما هو فيما زاد على الثلث خاصّة ، فالتصرف بالزائد على الثلث هو الأخير ، فيكون باطلا دون ما سواه ، بخلاف المفلّس ، فإنه محجور عليه في الجميع ، فلا يظهر فرق بين الأخير وغيره ، لأن الجميع كالفضولي.

وإذا احتيج إلى بيع بعض الأعيان التي تعلق بها التصرف ، أمكن أن يقال : إن جميع التصرفات موقوفة ، ولا بدّ من إبطال بعضها ، ولا أولوية لبعض على غيره بشي‌ء من الاعتبارين المذكورين ، فان المتقدم والمتأخر سواء في كونهما موقوفين ، والضعيف والقوي سواء في كونهما غير نافذين.

نعم لما لم يتصور في العتق أن يكون موقوفا ، حكمنا بكونه مراعى ، فحقّه أن يكون نافذا.

والتحقيق : أنا أن قلنا : أنّ الإجازة في الفضولي كاشفة لا ناقلة ، كانت جميع التصرفات مراعاة ، فيظهر للتقدم أثر حينئذ ، وحيث أنا رجّحنا هذا القول فيما سبق ، كان هذا الاحتمال الأخير أقوى ، وإليه مال في التذكرة (١) فعلى هذا لو وقعت التصرفات دفعة واحدة ، احتمل القرعة والإبطال في الجميع.

قوله : ( وإن كان المورد في الذمة فيصح ، كما لو اشترى في الذمة أو باع سلما أو اقترض ، وليس للبائع الفسخ وإن كان جاهلا ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٢.

٢٣٠

كالقرض ، والمبيع ، والمتهب ، وغيرها ـ الحجر.

ولو باعه عبدا بثمن في ذمته بشرط الإعتاق ، فإن أبطلنا التصرفات فالأقوى بطلان البيع ، وإلاّ جاز العتق ويكون موقوفا ، فإن قصر المال احتمل صرفه في الدين ، لا رجوعه إلى البائع ، والأقوى صحة عتقه في الحال.

______________________________________________________

لو قال : وإن كان المورد الذمة كان أفصح ، وقوله : ( وليس للبائع الفسخ ) يريد به : ولا للمشتري سلما ولا للمقرض ، ونبّه به على حكم غيره ، وإنما لم يكن له الفسخ مع جهله ، لأنه فرّط بإقدامه على معاملة من لم يعلم حاله ، فكان كالراضي بعسره ويسره.

والأصل في العقد المملك ، عدم التسلط على الفسخ والإخراج من الملك ، إلاّ بدليل شرعي ، ولتعلق حقوق الغرماء بما دخل في ملكه ، فلا يصح إبطاله.

ويعلم هذا من قوله ( ويتعلق بالمتجدد ـ كالقرض والمبيع والمتهب وغيرها ـ الحجر ) لأنها أموال للمفلس ، وقد حكم الحاكم بتعلق الديون بأمواله ، والحجر عليه منها ، وهذا هو أصح الوجهين ، والآخر عدم التعلق به ، لأن الحجر معناه منع المفلس عن التصرف فيما بيده ، فلا يتعدى إلى غيره. ويضعّف : بأن فائدة الحجر إيصال حقوق المستحقين إليهم ، فيثبت في جميع أمواله إلى زمان فكّه.

قوله : ( ولو باعه عبدا بثمن في ذمته بشرط الإعتاق ، فإن أبطلنا التصرفات فالأقوى بطلان البيع ، وإلاّ جاز العتق ويكون موقوفا ، فان قصر المال احتمل صرفه في الدين لا رجوعه إلى البائع ، والأقوى صحة عتقه في الحال ).

إذا باع بائع المفلس عبدا بثمن في ذمته ، وشرط في البيع أن يعتقه ، بنى صحة البيع المذكور على أن تصرفاته المصادفة للمال الموجود عند الحجر هل هي باطلة أو موقوفة؟

٢٣١

______________________________________________________

فإن قلنا بالبطلان ، كان الأقوى هنا القول ببطلان البيع ، لأن الشرط الواقع فيه مخالف لحكم السنة ، حيث أنه اقتضى التصرف في المال الموجود حين الحجر ، فان العبد على تقدير صحة البيع مال للمفلس ، لانتقاله إلى ملكه ، والحجر يتعلق بالمتجدد كغيره على ما سبق ، فيكون باطلا ، فيبطل البيع ببطلانه ، لأن الشرط إذا بطل أبطل ، خصوصا هنا ، لأن إعتاق العبد غرض مطلوب للبائع مقابل بعوض ، لأن الثمن حينئذ يكون أقل ، فإذا فات فقد فات بعض الثمن ، فتمتنع الصحة. ويتخرج على أن الشرط إذا بطل لا يلزم بطلان العقد بقاؤه ، فيمكن تسلط البائع على الفسخ حينئذ.

وفي هذا التفريع نظر ، إذ لا يلزم من بطلان التصرفات في الأموال التي تعلق بها حق الغرماء ، بطلان ما ليس كذلك ، فهو بمنزلة ما إذا كان المورد الذمة ، وهنا لم تتعلق حقوق الغرماء بالعبد على تقدير صحة البيع ، لأن تعلق حقهم بالمتجدد إنما هو في المتجدد الذي لم يشترط في سبب انتقاله ما يمنع تعلق حق الغرماء به ، وهنا كذلك ، لأن انتقال العبد مشروط في سببه العتق ، وهو مناف ، لتعلق حق الغرماء به ، وإلاّ لم ينفذ ، فينتفي المانع من صحة الشرط ، فيصح البيع ، واختيار المصنف آخرا تنبيه على هذا.

وإن قلنا بكون التصرفات موقوفة صح البيع ، لانتفاء المانع حينئذ ، وجاز العتق ، على معنى أنه يكون موقوفا ، أي : مراعى ، فان فضل نفذ العتق ، وإن قصر المال احتمل صرفه في الدين ، لأنه مال للمفلس.

ويحتمل رجوعه إلى البائع لفقد الشرط ، فيتسلط على الفسخ ، وإن كان المتبادر من عبارة الكتاب عدم مجي‌ء هذا الاحتمال ، ولا يخفى ضعف هذا التفريع ، كما حققناه.

فلذلك قال المصنف في آخر البحث : ( والأقوى صحة عتقه في الحال ) أي : الأقوى صحة البيع والعتق في الحال ، ولا يبنى ذلك على كون التصرفات‌

٢٣٢

ولو وهب بشرط الثواب ، ثم أفلس لم يكن له إسقاط الثواب.

ولو أقر بدين سابق لزمه ،

______________________________________________________

باطلة أو موقوفة ، إذ ليس للغرماء في ذلك تعلق أصلا ، وهذا هو الأصح.

واعلم : أن نظم العبارة غير حسن ، لما يظهر من المدافعة بين كون الأقوى بطلان البيع تفريعا على كونها موقوفة ، وبين ما صرح به آخرا من أن الأقوى صحة البيع والعتق في الحال ، فلو قال : احتمل بناء البطلان هنا ، ووقوعه موقوفا على القولين السابقين ، والأقوى الصحة وجواز العتق في الحال ، لكان أحسن وأبعد من الخلل في الفهم.

قوله : ( ولو وهب بشرط الثواب لم يكن له إسقاط الثواب ).

لأنه مال ثبت عليه فلا يكون له إسقاطه ، لأنه تصرف في المال بالإسقاط ، فيكون ممنوعا منه ، وهذا إنما يكون إذا كانت الهبة قبل الحجر ، ولو شرط عليه في عقد لازم رهن عين من أمواله ، فهل هو كاشتراط الثواب؟ يحتمل ذلك.

قوله : ( ولو أقر بدين سابق لزمه ).

أي : قولا واحدا ، لقوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) وليس الإقرار كالإنشاء ، حيث أن فيه قولا بوقوعه باطلا ، فلا ينفذ أصلا ولا بعد الحجر ، والإقرار لا شك في نفوذه بعد الحجر ، وفي نفوذه حالا إشكال ، سيأتي عن قريب ان شاء الله تعالى.

والفرق : أن مقصود الحجر المنع من التصرف ، فيناسبه إلغاء الإنشاء لكونه تصرفا جديدا ، وأما الإقرار فإنه إخبار عن تصرفات سابقة لم يتعلق بها الحجر ، ولم يقتض الحجر سلب أهلية العبارة عن المحجور.

__________________

(١) اختلف العلماء في ان هذا القول حديث أم قاعدة؟ فبالاضافة الى جامع المقاصد ورد في المختلف وإيضاح الفوائد بأنه حديث عنهم عليهم‌السلام وفي هامش الوسائل ورد تعليق بأنه ليس بحديث ، انظر : الوسائل ١٦ : ١٣٣ باب ٣ حديث ٢ ، وعوالي اللآلي ٣ : ٤٤٢ حديث ٥ ، والمختلف : ٤٤٣ ، وإيضاح الفوائد ٢ : ٤٢٨.

٢٣٣

وهل ينفذ على الغرماء؟. إشكال ، ينشأ : من تعلق حقهم بماله كالمرتهن ، ومن مساواة الإقرار للبينة ولا تهمة فيه.

ولو أسنده الى ما بعد الحجر ، فإن قال : عن معاملة لزمه خاصة لا في حق الغرماء ،

______________________________________________________

قوله : ( وهل ينفذ على الغرماء؟ إشكال ، ينشأ : من تعلق حقهم بما له كالمرتهن ، ومن مساواة الإقرار للبينة ولا تهمة فيه ).

لا ريب أن تعلق حق الغرماء بمال المفلس أقوى من تعلق حق المرتهن بمال الراهن ، لثبوت الحجر هنا بصريح حكم الحاكم ، بخلافه هناك ، فكما أن الراهن لو أقر بسبق رهن العين لآخر أو بيعه إياها لا يسمع في حق المرتهن ، فهنا كذلك بطريق أولى ، ويمنع مساواة الإقرار للبينة في جميع الأحكام ، والتهمة على الغرماء موجودة ، لأنه يريد إسقاط حقهم.

وتخيّل أن ضرر الإقرار في حقه أكثر منه في حق الغرماء ـ لأنه أثبت في ذمته مالا للغير ، ولا يثبت أحد في ذمته مالا لشخص كذبا فرارا من أداء مال ثابت ، فتنتفي التهمة ـ ضعيف ، لإمكان المواطاة بينهما لقصد إضرار الغرماء بتأخير حقوقهم ، ووقوع ذلك كثير ، والأصح عدم النفوذ عليهم.

قوله : ( ولو أسنده إلى ما بعد الحجر ، فان قال : عن معاملة لزمه خاصة ، لا في حق الغرماء ).

أي : لو أسند الدين المقرّبة إلى ما بعد الحجر ، أي : إلى السبب الحاصل بعد الحجر ، فلا يخلو إما أن يقول : عن معاملة ، أو يقول : عن إتلاف أو جناية ، فإن قال : عن معاملة لزمه حكم الإقرار خاصة.

وفسر المراد من قوله : ( خاصة ) بقوله : ( لا في حق الغرماء ) وإنما لم ينفذ في حق الغرماء هنا جزما ، لأن المعاملة الواقعة بعد الحجر متى تعلقت بأعيان أمواله كانت باطلة أو موقوفة ، فلا يكون الإقرار بها زائدا عليها.

٢٣٤

وإن قال : عن إتلاف مال أو جناية فكالسابق. وكذا الاشكال لو أقر بعين ، لكن هنا مع القبول يسلّم الى المقر له وإن قصر الباقي.

______________________________________________________

قوله : ( وإن قال : عن إتلاف مال أو جناية فكالسابق ).

هذا هو القسم الثاني ، وهو : ما إذا أقر بدين وأسنده إلى ما بعد الحجر وقال : انه لزمه بإتلاف مال أو بجناية ، ولا شبهة في لزوم الإقرار له ، لكن هل ينفذ على الغرماء؟ فيه الاشكال ( السابق ، وهو المذكور فيما لو أقر بدين سابق على الحجر ، فان في نفوذه على الغرماء إشكال ) (١).

ومنشأ الاشكال في الموضعين واحد ، وإنما فرق بين المعاملة ( وبين الإتلاف والجناية ، مع أنّ سبب الجميع بعد الحجر بمقتضى الإقرار ، لأن المعاملة ) (٢) لما كانت صادرة عن الاختيار والرضى من الجانبين ، لزم الصبر بها إلى الفك ، وأما الجناية والإتلاف فإنهما ثبتا عن جهة القهر بغير رضى من المالك والمجني عليه ، ولهذا إذا ثبت الجناية والإتلاف ، ثبت الضرب بموجبهما مع الغرماء ، وسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وكذا الاشكال لو أقر بعين ، لكن هنا مع القبول يسلم إلى المقر له وإن قصر الباقي ).

أي : وكذا يجي‌ء الإشكال السابق فيما لو أقر المفلس بعين من أعيان الأموال التي بيده لشخص ، والراجح هناك راجح هنا ، إلاّ أنه هنا مع قبول الإقرار يسلم العين إلى المقر له ، ولا ينظر إلى كون باقي أموال المفلس قاصرا عن ديون الغرماء ، لأن الضرب إنما هو بالدين ، وصاحب العين مختص بها.

إذا عرفت ذلك ، ففي العبارة مناقشة ، فإن قوله : ( وإن قصر الباقي ) يقتضي ثبوت الحكم بتسليم العين إن لم يقصر الباقي وإن قصر على ما هو مقتضى‌

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « ق ».

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

٢٣٥

ولو كذّبه المقر له قسّمت ، ومع عدم القبول إن فضلت دفعت إلى المقر له قطعا ، بخلاف المبيع فإن فيه اشكالا.

______________________________________________________

العطف بـ ( أن ) الوصلية ، وليس بمستقيم ، إذ مع عدم القصور كيف يتصور صحة الحجر؟ ويمكن أن تجعل الواو حالية ، أي : تسلم العين إلى المقر له ، والحال قصر باقي الأموال عن حقوق الغرماء لما قلناه ، ولا يخفى ما فيه.

قوله : ( ولو كذبه المقرّ له قسمت ).

أي : لو كذب المقرّ له المحجور عليه في إقراره بكون العين له قسمت بين الغرماء ، لتعلق حقوقهم بها سابقا ، وإخراجها عنهم إنما كان مع صحة الإقرار ، ومع رد المقر له لا يكون الإقرار صحيحا.

ولا يشكل بأن الإقرار على تقدير نفوذه على الغرماء لا يبطل بردّ المقر له وتكذيبه ، بل تخرج العين عن المقرّ بالإقرار وإن لم يتعين مالكها ، فيكون مالا مجهول المالك ، فكيف تعود إلى المقر وتقسم بين الغرماء؟ وسيأتي في الإقرار إن شاء الله تعالى تحقيق حال الإقرار إذا ردّه المقرّ له.

قوله : ( ومع عدم القبول إذا فضلت دفعت إلى المقرّ له قطعا ، بخلاف المبيع فان فيه إشكالا ).

هذا معادل قوله : ( لكن هنا مع القبول ) أي : ومع عدم قبول الإقرار بالعين ـ بمعنى عدم نفوذه على الغرماء ـ إذا فضلت العين عن الديون بارتفاع القيمة ونحو ذلك ، دفعت إلى المقرّ له قطعا بغير إشكال ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز وإن لم ينفذ على الغرماء ، بخلاف المبيع ، فان في دفعه إلى المشتري لو فضل عن ديون الغرماء إشكالا ، ينشأ من تكافؤ احتمالي بطلان التصرفات الواقعة ، بعد الحجر المصادف للمال ، وكونها موقوفة.

وقد بينا فيما مضى الفرق بين الأقارير والإنشاءات الصادرة من المفلس ، حيث كانت الاولى لازمة له ونافذة عليه قطعا ، والثانية محل تردد بين البطلان والنفوذ عليه لو فضلت العين التي تعلق التصرف الإنشائي بها ، ولو قسمت بطل‌

٢٣٦

وكذا الاشكال لو ادعى أجنبي شراء عين في يده منه قبل الحجر فصدقه.

ولو قال : هذا مضاربة لغائب ، قيل : يقر في يده.

______________________________________________________

جزما ، فلا حاجة إلى إعادته.

إذا تقرر هذا ، فلو قسمت العين المقرّ بها ، حيث لم ينفذ الإقرار على الغرماء ولم تف أمواله بديونه ، وجب عليه للمقرّ له قيمتها إن كانت قيمية وإلاّ فمثلها ، لأداء دينه بمال الغير على قوله بأمر الشرع ، فيلزمه الضمان.

قوله : ( وكذا الإشكال لو ادّعى أجنبي شراء عين في يده منه قبل الحجر فصدقه ).

أي : وكذا الإشكال في النفوذ على الغرماء وعدمه لو ادّعى أجنبي شراء عين في يد المفلس. ويحتمل أن يراد كونها في يد الأجنبي منه ، أي : من المفلس ، وفاعل المصدر ، أعني : ( شراء ) محذوف ، هو الأجنبي ، فتتحصل صورتان لا يختلف حكمهما :

أ : أن يدعي أجنبي شراءه من المفلس عينا في يد المفلس فيصدقه.

ب : أن يدعي الأجنبي شراءه من المفلس عينا في يد الأجنبي فيصدقه ، فان في نفوذ ذلك على الغرماء الإشكال ، أما نفوذه في حقه فلا إشكال فيه ، وقد علم حكم ذلك مما مضى‌

قوله : ( ولو قال : هذا مضاربة لغائب ، قيل : يقرّ في يده ).

القائل بذلك هو الشيخ في المبسوط ، فإنه قال : يقبل إقراره مع اليمين ، فإذا حلف يقرّ في يده للغائب ولا تعلق به للغرماء (١). ويضعف بأن إقراره على الغرماء لا يسمع على الأصح ، واليمين لا وجه له مع الإقرار ولا يشرع لا ثبات مال الغير ، والأصح أنه لا يسمع ، ولو قلنا بالسماع لم ينفذ إقراره في يده ، إذ الأصل عدم كونها يد عدوان.

__________________

(١) المبسوط : ٢ : ٢٧٩.

٢٣٧

ولو قال : لحاضر وصدقه دفع اليه ، وإلا قسّم ، ويصبر من باعه بعد الحجر بالثمن إن كان عالما.

ويحتمل في الجاهل بالحجر الضرب ، والاختصاص بعين ماله ، والصبر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : لحاضر وصدّقه دفع إليه ، وإلاّ قسم ).

أي : ولو قال هذا مضاربة لحاضر وصدّقه نفذ على الغرماء ودفع إليه ـ وفيه الاشكال السابق في قبول إقراره على الغرماء ، والأصح عدم القبول ـ وإن لم يصدّقه قسّم بين الغرماء ، لأن الإقرار يبطل بتكذيب المقر له ، وفيه الاشكال المتقدم.

قوله : ( ويصبر من باعه بعد الحجر بالثمن إن كان عالما ).

أي : وجوبا ، لرضاه بذمته حيث علم إعساره ، وتعلق حقّ الغرماء بأمواله.

قوله : ( ويحتمل في الجاهل بالحجر الضرب ، والاختصاص بعين ماله ، والصبر ).

قد سبق في كلامه أنه ليس للبائع الفسخ وإن كان جاهلا ، وهنا رجع إلى التردد عن الجزم ، حيث احتمل ثلاثة أمور :

أحدها : الفسخ والاختصاص بالعين ، تمسكا بعموم قوله عليه‌السلام : « من وجد عين ماله فهو أحق بها » (١).

الثاني : أنه غريم ، لأنه صاحب دين ، ولأنه أدخل في مقابل الثمن مالا ، فليضرب بالثمن ، إذ ليس فيه إضاعة على الغرماء ، بل زيادة لهم.

الثالث : الصبر إلى الفكّ ، لأن الفسخ على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩٣ حديث ٤٢٠ ، عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٦ حديث ٢ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٦ حديث ٣٥١٩ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٨ حديث ١٠٣ ، ١٠٤ ، وفي الجميع اختلاف في الألفاظ والمعنى واحد.

٢٣٨

وكذا المقرض ، ويضرب المجني عليه بعد الحجر بالأرش ، وقيمة المتلف ، واجرة الكيّال والوزان والحمال ، وما يتعلق بمصلحة الحجر يقدم على سائر الديون ،

______________________________________________________

على موضع الدليل ، والعموم ممنوع ، فان المورد من سبقت معاملته على الحجر ، والضرب مع الغرماء يقتضي إبطال حقهم من عين المال التي سبق تعلق حقهم بها ، ولأن البائع أضر بنفسه وغرر بماله ، حيث باع قبل أن يستعلم حال المشتري ، فكان ذلك رضى منه بحاله ، وأقرب الوجوه الأخير.

قوله : ( وكذا المقرض ).

أي : تحتمل فيه الوجوه الثلاثة ، وتقريبها ما سبق ، وأرجحها الأخير أيضا.

قوله : ( ويضرب المجني عليه بعد الحجر بالأرش وقيمة المتلف ).

أي : إن كانت الجناية على نفس آدمي أو طرف فالواجب الأرش ، وإن كانت على مال فالواجب عوض التالف مثلا أو قيمة ، وإنما يضرب المجني عليه بأرش الجناية وقيمة المتلف ـ مع كون الجناية بعد الحجر ـ لانتفاء رضي المجني عليه ، فحقه ثبت عند المفلس على وجه قهري ، فيثبت له استحقاق الضرب كسائر الغرماء.

قوله : ( وأجرة الكيّال والوزّان والحمّال وما يتعلق بمصلحة الحجر تقدّم على سائر الديون ).

لأنها لمصلحة الغرماء ، فإنها وسيلة إلى أرباب (١) الديون إلى أربابها ، ولو لم تقدّم لم يرغب أحد في تلك الأعمال ، فيحصل الضرر على المفلس والغرماء.

قال المصنف في التذكرة ، وهذا كلّه إذا لم يوجد متطوع بذلك ولا في بيت المال سعة له ، فان وجد متطوع أو كان في بيت المال سعة ، لم يصرف مال‌

__________________

(١) تأريب الشي‌ء : توفيره. انظر : الصحاح ١ : ٨٧ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦.

٢٣٩

وله الرد بالعيب مع الغبطة لا بدونها ، وله الفسخ بالخيار ، والإمضاء من غير تقييد بشرط الغبطة.

______________________________________________________

المفلس إليها (١).

أقول : إذا وجد المتطوع فلا شبهة في عدم جواز صرف الأجرة من مال المفلس ، أما مع وجود بيت المال فيشكل المنع من صرف الأجرة من مال المفلس ـ فان ذلك لضرورة وفاء دينه ، فكيف لا يجوز صرفه من ماله ـ نعم يجوز ذلك.

ومن مصالح الحجر : اجرة المنادي ، والبيت الذي تحفظ فيه الأمتعة ، والدّكان ونحوها.

قوله : ( وله الرد بالعيب مع الغبطة لا بدونها ، وله الفسخ بالخيار والإمضاء من غير تقييد بشرط الغبطة ).

قد عرفت فيما مضى أن المفلس إنما يمنع من التصرف المبتدأ ، فما ثبت قبل الحجر لا يدفعه الحجر إذ ليس بمبتدأ ، فلو كان قد اشترى شيئا ثم ظهر كونه معيبا ، أو كان قد اشترى بخيار فله الفسخ في الموضعين والإمضاء ، لكن يقيد الأول بوجود الغبطة في الفسخ ، لو كان المعيب يساوي أزيد من الثمن ولا ضرر في بقائه منع من الفسخ ، بخلاف الخيار ، فان له الفسخ مطلقا ، والفرق أن الخيار ثبت بأصل العقد لا على طريق المصلحة ، فلا يتقيد بها ، بخلاف الرد بالعيب ، فإنه ثبت على طريق المصلحة فيقيد بها ، كذا قيل.

وفيه نظر ، لأن كلاّ من خيار العيب والشرط ثابت بأصل العقد ، غاية ما في الباب أن أحدهما ثبت بالاشتراط والآخر بمقتضى العقد ، ولم يكن ثبوت أحدهما مقيدا بغبطة ولا بعدمها ، فوجب أن لا يقيد جواز الفسخ بواحد منهما بوجود الغبطة ، وهو الأصح ، وإليه مال المصنف في التذكرة في آخر كلامه (٢).

__________________

(١) التذكرة : ٢ : ٥٤.

(٢) التذكرة : ٢ : ٥٤.

٢٤٠