جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

وفي الخطأ مع الاستيعاب ، والمقابل مع عدمه فالباقي رهن.

ويتعلق الرهن بالقيمة لو أتلفه المرتهن أو أجنبي ، ولا تتعلق بها الوكالة.

______________________________________________________

طالب بزيادة.

ولو اتفقا على البيع فلا بحث ، ولو تساوى الدينان في الأوصاف ، وحكم بعدم النقل ، فقال المرتهن : إني لا آمنه وقد جنى فبيعوه وضعوا ثمنه مكانه فالأقرب إجابته دفعا لاحتمال الضرر عنه.

ولا يخفى بعد هذا البيان ما في عبارة الكتاب من القصور عن تأدية أحكام المسألة. ثم إطلاق البيع في العبارة بمجرد العبارة لا يستقيم ، كما هو معلوم بأدنى تأمل.

قوله : ( وفي الخطأ مع الاستيعاب ).

أي : الحكم فيه كالحكم في العمد إذا عفا المولى على الدية ، وتأتي جميع الأحكام السالفة. ويمكن أن يكون ( مع الاستيعاب ) قيدا في العمد والخطأ ، لا في الخطأ وحده ، وهو الأوجه ، لأن جناية العمد قد لا تستوعب ، كما هو ظاهر.

وفي بعض النسخ هذه الزيادة متروكة ، على ما ذكره شيخنا الشهيد في بعض حواشيه.

قوله : ( والمقابل مع عدمه ، فالباقي رهن ).

أي : وللمرتهن بيع مقابل الجناية مع عدم الاستيعاب.

قوله : ( ويتعلق الرهن بالقيمة لو أتلفه المرتهن أو أجنبي ).

وكذا لو أتلفه الراهن ، وإنما تعلق بالقيمة ـ وإن كان العقد إنما جرى على العين ـ لأن الرهن معناه : الاستيثاق بالعين لمستوفي الدين من قيمته.

قوله : ( ولا تتعلق بها الوكالة ).

لأن الوكالة إنما تعلقت بالعين ، ولم يدل دليل على تعلقها بالقيمة.

١٤١

ولو صارت البيضة فرخا ، أو الحب زرعا فالرهن بحاله ، وإذا لزم الرهن استحق المرتهن ادامة اليد ، وعلى الراهن مؤنة المرهون ، واجرة الإصطبل ، وعلف الدابة ، وسقي الأشجار ، ومؤنة الجداد من خالص ماله.

______________________________________________________

قوله : ( ولو صارت البيضة فرخا ، أو الحب زرعا فالرهن بحاله ).

لأن العين لا تذهب بتغير الأوصاف ، والحق متعلق بها.

قوله : ( وإذا لزم الرهن ، استحق المرتهن إدامة اليد ).

ظاهر هذه العبارة مشكل ، لأنه قد سبق تردد المصنف في أن للمرتهن مطالبة الراهن بالقبض ، فكيف يستحق إدامة اليد؟

ويمكن أن يقال : يراد باستحقاقه إدامة اليد : أصل الاستحقاق وإن كان غير تام ، فان الحق في ذلك لكل من الراهن والمرتهن ، ولهذا لا يجوز لأحدهما الاستقلال بإثبات اليد عليه.

وفي التذكرة : ما لا منفعة فيه مع بقاء عينه كالنقود ، والحبوب فلا تزال يد المرتهن عنه بعد استحقاقه لليد ، لأن اليد هي الركن الأعظم في التوثيق فيه. وما له منفعة ، إن أمكن تحصيل الغرض منه ، مع بقائه في يد المرتهن وجب المصير اليه ، جمعا بين الحقين ، وإن لم يمكن ، واشتدت الحاجة الى إزالة يده ، جاز.فالعبد المحترف إذا تيسر استكسابه في يد المرتهن لم يخرج من يده (١).

قوله : ( وعلى الراهن مؤنة المرهون ، واجرة الإصطبل ، وعلف الدابة ، وسقي الأشجار ، ومؤنة الجداد ومن خاص ماله ).

الجداد ، بفتح الجيم وكسرها والدالين المهملتين : صرام النخل ، وما ذكره كله داخل في المئونة ، ولكنه أراد ذكره صريحا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٩.

١٤٢

ولا يمنع من الفصد والحجامة والختان ، ويمنع من قطع السلع.

ولو رهن الغاصب فللمالك تضمين من شاء ، ويستقر على الغاصب. وكذا المودع ، والمستأجر ، والمستعير من الغاصب ، هذا إن جهلوا. ولو علموا لم يرجعوا عليه.

وأحكام الوثيقة كما تثبت في الرهن تثبت في بدله الواجب بالجناية على‌ المرهون ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا يمنع من الفصد والحجامة والختان ).

وكذا المداواة بالأدوية التي لا خطر فيها.

قوله : ( ويمنع من قطع السلع ).

لما فيه من الخطر المضر بالمرتهن.

فرع : قال في التحرير : لا يجوز للراهن ضرب الجارية للتأديب ، وغيره ، إلا بإذن المرتهن (١). ويجب أن يقيد هذا بالتأديب المختص جوازه بالمولى لا مطلقا ، لأن الأمر بالمعروف واجب عموما.

قوله : ( ولو رهن الغاصب فللمالك تضمين من شاء ، ويستقر على الغاصب ).

هذا إذا لم يكن المرتهن عالما بالغصب ، وإلا استقر الضمان عليه إن استقر التلف في يده.

قوله : ( وكذا المودع والمستأجر والمستعير من الغاصب ).

المودع بفتح الدال.

قوله : ( هذا إن جهلوا ، ولو علموا لم يرجعوا عليه ).

هذا إن حصل التلف في أيديهم.

قوله : ( وأحكام الوثيقة كما تثبت في الرهن تثبت في بدله الواجب بالجناية على المرهون ).

__________________

(١) التحرير : ٢٠٧.

١٤٣

والخصم في بدل الرهن الراهن ، فإن امتنع فالأقرب أن للمرتهن أن يخاصم.

ولو نكل الغريم حلف الراهن ، فإن نكل ففي إحلاف المرتهن نظر ، فان عفا الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال لحق المرتهن ، فإن انفك ظهر صحة العفو‌ وإلاّ فلا.

______________________________________________________

قد سبق مثل هذا ، وإن كان كاهنا أشمل ، فيخرج به عن التكرار ، والتقريب واحد.

قوله : ( والخصم في بدل الرهن الراهن ، فان امتنع فالأقرب أن للمرتهن أن يخاصم ).

وجهه : أن الرهن ملك للراهن ، وكذا بدله ، فالخصم في إثباته وانتزاعه هو ، لكن لو امتنع من المخاصمة فهل للمرتهن أن يخاصم؟ الأقرب عند المصنف ذلك ، لما فيه من تعلق حقه به ، فلا بد له من طريق الى تحصيله ، ولما في منعه من ذلك مع ترتب حصول حقه عليه من الضرر.

ويحتمل العدم ، لانتفاء كونه ملكا ، فلا يستحق المطالبة. ويضعّف : بأن استحقاق المطالبة دائر مع ثبوت الحق ، وهو أعم من الملك.

قوله : ( ولو نكل الغريم حلف الراهن ، فان نكل ، ففي إحلاف المرتهن نظر ).

لا ريب أنه مع نكول الغريم يرد اليمين على المالك ، وهو الراهن ، لكن مع نكوله هل يجعل للمرتهن طريق الى تحصيل حقه ، بأن يحلف هو؟ فيه نظر ، ينشأ : من أن حقه متوقف على اليمين ، وبدونه يلزم الضرر بضياعه ، فيجوز له إثباته باليمين.

ويضعّف : بأن التوصل الى حقه إنما يسوغ حيث تكون الوسيلة جائزة شرعا ، أما العدم فلا. والفرق بين هذه وما قبلها : أن استحقاق المطالبة غير متوقف ، بخلاف اليمين ، ومن أن يمين شخص لإثبات مال غيره ، مما أجمع على عدم شرعيتها ، والأصح العدم.

قوله : ( فإن عفا الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال لحق المرتهن ،

١٤٤

______________________________________________________

فإن انفك ظهر صحة العفو ، وإلا فلا ).

المراد بـ ( المال ) : ما أوجبته الجناية ، أو الإتلاف. ووجه القرب في الأول : أن حق المرتهن متعلق بالعين وأرشها وبدلها ، وتصرفات الراهن ، مما ينافي ذلك ، ممنوع منها ، فلا يكون العفو مسقطا لحق المرتهن ، وهو الأصح.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن العفو لا يقع باطلا عند المصنف ـ كما سنذكره ـ بل يقع مراعى ، ثم يظهر نفوذه عند انفكاك الرهن ، فإذا وقع العفو بما نفذ ولم يظهر لنا ، لتوقف الانكشاف على الانفكاك وعدمه ، فكيف يؤخذ حق ربما لم يكن ثابتا؟ وليس بشي‌ء ، لأن ثبوت حق الراهن مقطوع به ، فكيف يترك لأمر محتمل.

ووجه القرب في الثاني : أن فيه جمعا بين الحقين ، ولأنه لا مانع إلا حق المرتهن ، فإذا انفك زال المانع. ويضعّف بأنه لم يتحقق ثبوت حق للجاني إلى الآن ، ليجمع بينه وبين حق المرتهن. ومانعية حق المرتهن على صحة العفو يقتضي بطلانه وقت إنشائه ، فكيف ينكشف بعد صحته في حال وجود المانع؟

قال الشارح : والتحقيق أن الأمور العدمية لا توصف بأنها موقوفة ، بل تكون مراعاة ، وما يدل على صحتها كاشف ، والكاشف هو دليل على سبق العلة المؤثرة التامة. وأما الموقوف عليه فهو من تمام العلة ، أعني علة الصحة أو اللزوم ، ولهذا قال المصنف : ( ظهر صحة العفو ) (١).

هذا كلامه ، وأراد به بيان الفرق بين ما يمكن وقوعه موقوفا ، وما يمتنع فيه ذلك ، فنبه على أن ما كان عدميا ـ أي : المراد منه العدم ـ لا يوصف بكونه موقوفا ، والعفو عدمي ، لأن المقصود منه الإسقاط ، وهو إعدام ما في الذمة ، فيكون مراعى ، بمعنى أن انكشاف حاله يظهر بعد بزوال المانع من بقائه ، بخلاف الموقوف الذي بقي من علته التامة جزء لم يتحقق بعد.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٩.

١٤٥

ولو أبرأ المرتهن لم يصح ، والأقرب بقاء حقه ، فإن الإبراء الفاسد يفسد ما يتضمنه ، كما لو وهب الرهن من غيره.

ولو اعتاض عن الدين ارتفع الرهن.

______________________________________________________

وهذا الذي ذكره تفسير لمعنى المراعى والموقوف ، وليس فيه ما يدل على أنه كذلك. لكن يشكل الحكم الذي ذكره ، بان العفو إما أن يكون سببا تاما ، أو لا ، فان كان الأول لزم : إما تأثيره مع وجود المانع ، أو بطلانه. وإن كان الثاني لزم كونه موقوفا.

ومثل هذا يأتي فيما لو أعتق الراهن ، إلا أن يفرّق بأن عناية الشارع بالفك من الرق ـ فكان مبنيا على التغليب ـ أخرجته عن ذلك ، فيبقى الحكم هنا ـ الذي يدل عليه الدليل ـ هو البطلان ، لوجود حق المرتهن المنافي لوقوع العفو.

ونقل الشارح عن المصنف وجها ثالثا غريبا ، وهو صحة العفو ونفوذه ، ومع عدم الفك يضمن الراهن ، لأن مال الجاني ذهب في قضاء دينه (١) ، ولا يخفى ما فيه.

قوله : ( ولو أبرأ المرتهن لم يصح ... ).

أي : لو أبرأ الجاني ، ووجهه ظاهر ، فإنه غير مالك لأرش الجناية.

قوله : ( والأقرب بقاء حقه ، فإن الإبراء الفاسد يفسد ما يتضمنه ).

هذا بيان وجه القرب ، وتوضيحه : أن الإبراء يضمن سقوط حقه ، لامتناع بقاء حقه مع صحة الإبراء ، فحيث وقع المتضمن فاسدا ، فما في ضمنه أيضا كذلك ، إذ لا يثبت التابع من حيث هو تابع مع انتفاء متبوعه.

وإطلاق التضمن هنا بالمجاز والتوسع ، لأن سقوط حقه لازم لصحة الإبراء ، إلا أن يحمل الإبراء على إبرائه مما في ذمته. ويحتمل ضعيفا السقوط ، لأن الإبراء إذا اقتضى أمرين ، وامتنع صحة أحدهما لمانع يصح الآخر اقتصارا بالبطلان على موضعه ، ومثله ما إذا وهب الراهن الرهن من غيره.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٠.

١٤٦

ولو أدى بعض الدين بقي كل المرهون رهنا بالباقي على اشكال ، أقربه ذلك إن شرط كون الرهن رهنا على الدين ، وعلى كل جزء منه.

ولو رهن عبدين فكل منهما رهن بالجميع ، إلا أن يتعدد العقد والصفقة ، أو مستحق الدين ، أو المستحق عليه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أدى بعض الدين بقي كل المرهون رهنا بالباقي على اشكال ، أقربه ذلك إن شرط كون الرهن رهنا على الدين ، وعلى كل جزء منه ).

منشأ الإشكال : من أن رهن المجموع بالمجموع يقتضي مقابلة الأجزاء بالأجزاء ، إذ لا يظهر من مقابلة الجملة بالجملة مقابلة الجملة بالأبعاض ، ومن أن التقسيط يقتضي أنه إذا تلف جزء من المرهون لا يبقى الباقي رهنا ، إلا على جزء يقتضيه الحساب ، وهو باطل قطعا.

ووجه القرب : أنه مع عدم الشرط لا مقتضي لرهن المجموع بالأبعاض ، فينتفي بدون الشرط.

واعلم أنه قد يتوهم عدم إفتاء المصنف ، نظرا الى أن المذكور في كلامه هو الحكم مع الاشتراط. ولا نزاع فيه ، لأن النزاع مع عدم الشرط ، وليس كذلك ، لأن الأقرب يقتضي الفتوى ، إذ لا يتطرق الاحتمال مع الشرط ، إنما يتطرق بدونه.

قوله : ( ولو رهن عبدين فكل منهما رهن بالجميع ).

هذا أما بناء على أنه مع الإطلاق يثبت رهن الجميع بالأبعاض ، أو على اشتراط ذلك.

قوله : ( إلا أن يتعدد العقد والصفقة ، أو مستحق الدين ، أو المستحق عليه ).

الظاهر أن المراد بالصفقة هنا : الدين المرهون به ، وكذلك في البيع في‌

١٤٧

ولا اعتبار بتعدد الوكيل ، ولا المالك في المرهون المستعار من شخصين.

ولو دفع أحد الوارثين نصف الدين لم ينفك نصيبه على اشكال ، أما لو تعلق الدين بالتركة ، فأدى أحدهما نصيبه فالأقرب انفكاك حصته ، إذ لا رهن حقيقي هنا.

______________________________________________________

قولهم : تبعضت الصفقة. وإنما عطف الصفقة بالواو ، لأن تعدد العقد مع اتحاد العوض المرهون به لا يقتضي أن لا يكون كل من الرهنين رهنا بذلك الدين ، بخلاف مستحق الدين ، والمستحق عليه ، لأن تعددهما مخل بذلك. لكن فيه مناقشة ، لأن تعدد العقد واتحاده لا أثر له مع تعدد الصفقة ، وظاهر العطف بـ ( الواو ) يشعر باعتبارهما ، إلا أن يقال : إنما يراد من ذلك رفع العناد.

قوله : ( ولا اعتبار بتعدد الوكيل ولا المالك في المرهون المستعار من شخصين ).

لأن الوكيل وإن تعدد يده يد الموكل ، وكذا لو تعدد المعير مع اتحاد الراهن ، لأن الانتفاع بالعين المستعارة في جعلها رهنا حق للراهن.

قوله : ( ولو دفع أحد الوارثين نصف الدين لم ينفك نصيبه على إشكال ).

أي : لو دفع أحد وارثي الراهن نصيبه من الدين ، وهذا الاشكال بعد الفتوى المتقدمة ـ بأنه مع الاشتراط يكون الرهن رهنا بكل جزء ، وبدونه على ما يقتضيه التقسيط ـ لا وجه له ، إذ مع الاشتراط لا ينفك قطعا ، وبدونه بمقتضى التقسيط يلزم الانفكاك.

قوله : ( أما لو تعلق الدين بالتركة فأدى أحدهما نصيبه فالأقرب انفكاك حصته ، إذ لا رهن حقيقي هنا ).

وتعلق الدين بالتركة أضعف من تعلق الدين بالرهن ، ولهذا يمنع الراهن من التصرف ، بخلاف الوارث. ويحتمل ضعيفا العدم ، إذ لا إرث إلا بعد وفاء الدين.

١٤٨

وإذا انفك نصيب أحد مالكي المرهون ، فأراد القسمة قاسم المرتهن بعد إذن الشريك ، سواء كان مما يقسّم بالأجزاء كالمكيل والموزون ، أو لا كالعبيد.

وإذا قال المالك : بع الرهن لي واستوف الثمن لي ، ثم اقبضه لنفسك فالأقرب صحة الجميع ، لكن لا يكفي في الاستيفاء لنفسه مجرد الإمساك ، بل لا بد من وزن جديد أو كيل ، لأن قوله : ثم استوف لنفسك يقتضي الأمر بتجديد فعل.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا انفك نصيب أحد مالكي المرهون ، فأراد القسمة قاسم المرتهن بعد إذن الشريك ، سواء كان مما يقاسم بالأجزاء كالمكيل والموزون ، أو لا كالعبد ).

لأن حق المرتهن تعلق بملك الراهن فقط ، وتمييز ملكه عن ملك شريكه إنما يكون برضاهما ، ولا دخل للمرتهن في ذلك ، لأن استيثاقه بملك الراهن كما قلناه. لكن لو لزم من القسمة نقصان ، ورضي به الشريكان توقف على رضى المرتهن.

قوله : ( ولو قال المالك : بع الرهن لي ، واستوف الثمن لي ، ثم اقبضه لنفسك ، فالأقرب صحة الجميع ).

وجه القرب : جواز كل منهما مع الانفراد ، فكذا مع الاجتماع ، إذ لا مانع. ويحتمل المنع ، نظرا الى أن تولي طرفي القبض لا يصح من شخص واحد ، وهو ضعيف.

قوله : ( لكن لا يكفي في الاستيفاء لنفسه مجرد الإمساك ، بل لا بد من وزن جديد ، أو كيل ، لأن قوله : ثم استوف لنفسك يقتضي الأمر بتجديد فعل ).

كذا علل في التذكرة أيضا (١) ، وفيه نظر ، للمنع من كون الإذن في‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٢.

١٤٩

ولو قال : بعه لي واقبضه لنفسك صح البيع دون القبض ، لأنه لم يصح قبض الراهن ، لكن ما قبضه يكون مضمونا عليه ، فإن القبض الفاسد يشابه الصحيح في الضمان.

ولو قال : بعه لنفسك بطل الإذن ، لأنه لا يتصور أن يبيع ملك غيره لنفسه.

ولو قال : بع مطلقا صح.

______________________________________________________

الاستيفاء أمرا بتجديد فعل. ولو سلم ، فإثبات اليد في كل زمان متجدد فعل جديد. ولو سلم أنه ليس كذلك فلا يتعين للفعل الجديد الكيل في المكيل ، والوزن في الموزون.

قوله : ( ولو قال : بعه لي واقبضه لنفسك صح البيع دون القبض ، لأنه لم يصح قبض الراهن ).

وقبض المرتهن فرعه ، ولقائل أن يقول : إن قبض الراهن ليس شرطا لصحة البيع ، ولا لملك الثمن ، فبمجرد البيع يملك الراهن الثمن ، وأداء الدين بما يملكه الراهن صحيح.

قوله : ( لكن ما قبضه يكون مضمونا عليه ، فان القبض الفاسد يشابه الصحيح في الضمان ).

لأنه إذا قبضه على أنه لنفسه [ اقتضى ملكه إياه ، فإذا تلف يكون من ماله. وهذا القدر هو المراد من الضمان بالقبض الصحيح ، فإذا قبضه لنفسه ] (١) وكان القبض فاسدا اقتضى الضمان ، لكونه قصد دخوله في ملكه المستلزم أنه إذا تلف يكون منه.

قوله : ( ولو قال : بع مطلقا صح ).

تنزيلا للمطلق على وجه يصح.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « م ».

١٥٠

الفصل السابع : في التنازع :

لو اختلفا في عقد الرهن قدّم قول الراهن مع يمينه.

ولو ادعى دخول النخل في رهن الأرض قدّم قول الراهن في إنكار الدخول والوجود عند الرهن ، فإن كذّبه الحس وأصر جعل ناكلا ، وردت اليمين على المرتهن ،

______________________________________________________

قوله : ( لو اختلفا في عقد الرهن قدم قول الراهن مع يمينه ).

أي : لو اختلفا في وقوع العقد وعدمه ، لأن الاختلاف في أحواله سيأتي ، ولا يطرد فيها تقديم قول الراهن بيمينه.

قوله : ( فلو ادعى دخول النخل في رهن الأرض قدم قول الراهن في إنكار الدخول والوجود عند الرهن ).

أي : لو ادعى المرتهن دخول النخل في عقد الرهن الجاري على الأرض ، فإن أنكر الراهن الدخول فالقول قوله بيمينه. وكذا لو أنكر وجود النخل في وقت رهن الأرض ، فإن ذلك كاف في الجواب ، لاستلزامه نفي رهنه ، وتقديم قوله بيمينه.

قوله : ( فإن كذّبه الحس وأصر جعل ناكلا ، وردت اليمين على المرتهن ).

أي : فان كذّب الحس الراهن في إنكاره وجود النخل عند رهن الأرض ، بأن كان النخل مقطوعا بوجوده حينئذ لم يكن جوابه عن الدعوى بإنكار وجوده حينئذ كافيا في الجواب ، لكونه كذبا ، فلا بد من أن يجيب ـ عن الدعوى بدخول النخل في الرهن ـ بجواب صحيح من إقرار وإنكار.

فإن أصر على الجواب بعدم الوجود ، بعد مطالبة الحاكم له بالجواب الصحيح جعله ناكلا ، ورد اليمين على المرتهن ، فيحلف على الدخول. وفي حواشي الشهيد احتمال عدم اليمين ، لظهور كذب الراهن. وليس بشي‌ء ، لأن اليمين‌

١٥١

وإن عدل الى نفي الرهن حلف.

ولو ادعى عليهما رهن عبدهما فلأحدهما إذا صدقه أن يشهد على الآخر ، ما لم يجر نفعا بأن يشهد بالرهن على الدين ، وعلى كل جزء منه.

______________________________________________________

لثبوت رهن النخل ، ولا يلزم من الكذب في عدم الوجود الكذب في عدم الدخول.

ولا يخفى ، أنه لو كذّب الحس دعوى المرتهن الدخول ، بان قطع بعدم وجوده وقت الرهن انتفت دعواه ، ولا حاجة الى اليمين.

قوله : ( وإن عدل إلى نفي الرهن حلف ).

أي : وإن عدل الراهن عن الجواب ـ بإنكار الوجود عند ظهور تكذيب الحس إياه ـ إلى نفي رهن النخل كان جوابا صحيحا ، فيحلف عليه ، وهذا عديل قوله : ( فإن أصر ).

وإنما يصح جوابه هذا ويمينه إذا لم يسبق منه ما ينافيه ، فان سبق ما ينافيه كأن أقر بأنه رهنه الأرض وما دار عليه حائطها مثلا فإنه لا يحلف حينئذ ، لدخول النخل حينئذ بمقتضى القطع بوجوده وقت العقد.

قوله : ( ولو ادعى عليهما رهن عبدهما فلأحدهما إذا صدقه أن يشهد على الآخر ما لم يجز نفعا ، بان يشهد بالرهن على الدين ، وعلى كل جزء منه ).

وجه جر النفع بذلك ، أنه مع كون الرهن كذلك يصير ما لكل منهما رهنا لكل جزء من أجزاء الدين ، فيكون سهم الآخر من العبد رهنا بما عليه من الدين ، إن كان رهنا بدين في ذمته ، ووثيقة بما على حصته من العبد رهن بها من الدين ، وذلك نفع ورفق.

ولا ينحصر جر النفع فيما ذكره ، فالأولى أن يعبر بعبارة لا تقتضي الحصر ، فيقول : كأن ، ونحوه ، ومع عدم جر النفع تقبل الشهادة مع العدالة وباقي الشروط ، إذ لا مانع ، كأن تكون دعواه : أن كل حصته مرهونة بدين ،

١٥٢

ولو كذّبه كل منهما عن نصيبه ، وشهد على شريكه لم تقبل شهادتهما ، لزعمه أنهما كاذبان ، إلا أن نقول : الصغيرة لا تطعن في العدالة والكذب منها.

ولو ادعيا على واحد رهن عبده عندهما ، فصدّق أحدهما خاصة فنصفه مرهون عند المصدق ، فلو شهد للآخر فإشكال ينشأ : من تشارك‌

______________________________________________________

ولا يقترن بها جر النفع.

قوله : ( ولو كذّبه كل منهما عن نصيبه ، وشهد على شريكه لم تقبل شهادتهما ، لزعمه أنهما كاذبان ، إلاّ أن نقول : الصغيرة لا تطعن في العدالة ، والكذب منها (١) ).

لا ريب أن الصغيرة لا تقدح في العدالة ، والمصنف يقول بذلك ، وإن كانت عبارته هنا قد توهم خلاف ذلك ، فان ما توهمه غير مراد. وأما الكذب ، فإن كان على الله ، أو على رسوله ، أو على الأئمة عليه وعليهم السلام فهو من الكبائر ، وما عداه فهو من الصغائر ينبغي أن لا يقدح في العدالة منه إلا ما أخرج عن المروءة ، واذن بالخسة.

إذا عرفت هذا فنقول : لو سلم أن الكذب قادح في العدالة لم يكن هنا مانعا من قبول الشهادة ، لأن المانع من ذلك على هذا التقدير هو تعمد الكذب ، ولم لا يجوز أن يكون هذا الإنكار ـ الذي يزعمه أنه كذب ـ نشأ عن نسيان ، أو غلط ، ونحو ذلك ، وحينئذ فلا يلزم ما ذكره ، ومن هذا يعلم أن من أقر بفسق شاهده لا تقبل شهادته له.

قوله : ( ولو ادعيا على واحد رهن عبده عندهما ، فصدّق أحدهما خاصة ، فنصفه مرهون عند المصدّق ).

المصدّق مفتوح الدال بصيغة اسم المفعول.

قوله : ( فلو شهد للآخر ، فإشكال ينشأ : من تشارك الشريكين‌

__________________

(١) في نسخة جامع المقاصد : والكذب ليس منها ، وما أثبتناه من نسخة القواعد ، وهو الصحيح.

١٥٣

الشريكين المدعيين حقا فيما يصدق الغريم أحدهما عليه ، أو لا ، فإن قلنا بالتشريك لم يقبل ، وإلاّ قبلت.

ولو اختلفا في متاع فادعى أحدهما انه رهن ، وقال المالك : وديعة قدّم قول المالك مع اليمين على رأي.

______________________________________________________

المدعيين حقا ، فيما يصدق الغريم أحدهما عليه ، أو لا ، فإن قلنا بالتشريك لم تقبل ، وإلا قبلت ).

محصل الكلام : أن منشأ الاشكال : التردد في أن تصديق الغريم لأحد الشريكين في شي‌ء ادعياه عليه هل يقتضي أصل الشركة ـ اشتراكهما في المصدق عليه ـ أم لا؟ يدل على ذلك قوله : ( فإن قلنا ... ).

وإنما لم يقبل على تقدير القول بالتشارك ، لأن الشاهد يدفع عن نفسه حينئذ مشاركته فيما أقر به المدعى عليه.

والتحقيق أن نقول : إن كان سبب الاستحقاق موجبا للتشريك ، ككون الدين المرهون به مستحقا لهما بالإرث بتصادقهما ، أو الرهن منتقل إليهما بالإرث ، أو الدين من مال اشتركا فيه ، ونحو ذلك فلا إشكال في مشاركة الآخر للمصدق ، وعدم قبول الشهادة. وإن لم يكن ثم ما يقتضي التشريك في الدين ، ولا في الرهن فلا إشكال في عدم المشاركة ، وانتفاء المانع من قبول شهادته ، وسيأتي في الصلح ما يوافق ذلك.

قوله : ( ولو اختلفا في متاع ، فادعى أحدهما أنه رهن ، وقال المالك : وديعة قدّم قول المالك على رأي ).

هذا الرأي هو الأصح ، لأن اليمين على من أنكر. وجماعة على أن المصدّق المدعي إذا ادعى رهنه بمقدار قيمة المتاع ، تعويلا على رواية (١) فيها ضعف ، وعملا بقول ذي اليد ، وضعفه ظاهر.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٨ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ١٩٥ حديث ٨٨٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٦ حديث ٧٧٦ ، الاستبصار ٣ : ١٢٢ حديث ٤٣٦.

١٥٤

ولو قال : الرهن هو العبد ، فقال : بل الجارية بطل رهن ما ينكره المرتهن ، وحلف الراهن على الآخر وخلصا عن الرهن.

أما لو ادعى البائع اشتراط رهن العبد على الثمن ، فقال المشتري : بل الجارية احتمل تقديم قول الراهن وهو الأقوى ، والتحالف ، وفسخ البيع.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : الرهن العبد ، فقال : بل الجارية بطل رهن ما ينكره المرتهن ... ).

إنما كان كذلك ، لأن الرهن المحض حق المرتهن ، وهو جائز من طرفه ، فإذا نفى رهن العبد انتفى عنه ، ولم يحتج الى اليمين ، فيبقى اليمين على الراهن ، لنفي ما يدعي به من رهن الجارية.

قوله : ( أما لو ادعى البائع اشتراط رهن العبد على الثمن ، فقال المشتري : بل الجارية احتمل تقديم قول الراهن ـ وهو الأقوى ـ والتحالف ، وفسخ البيع ).

وجه الأول : أن إنكار اشتراط الجارية ، وإنكار استحقاقه من المرتهن كاف في نفي استحقاقه ، فيبقى النزاع في اشتراط رهن العبد ، والقول قول الراهن فيه ، لأنه منكر.

ويضعف : بأن إنكار اشتراط رهن الجارية يقتضي انتفاء هذا الفرد من أفراد البيع الذي يدعيه الراهن ، وهو ـ للزومه من الجانبين ـ لازم للمرتهن على تقدير وقوعه ، فكيف ينتفي بمجرد الإنكار ، ويسقط حق الآخر من هذا العقد المدعى به؟

ووجه التحالف : أن اختلاف الشرط على الثمن من جملة مكملات الثمن ، فكل واحد يدعي ثمنا ، كما لو قال : بعتك بهذا العبد ، فقال : بل بهذه الجارية. وليس هذا كما لو قال : بعتك بمائة وخمسين ، فقال : بل بمائة ، لاتفاقهما على قدر متفق الأوصاف ، واختلافهما في ثبوت الزائد ونفيه ، فان منكر الزائد قد يقال هو‌

١٥٥

ولو قال : رهنت العبد ، فقال : بل هو والجارية قدّم قول الراهن.

ولو قال : دفعت ما على الرهن من الدينين صدّق مع اليمين دون صاحبه ، أما لو أنكر الغريم القبض قدّم قوله.

ولا فرق بين الاختلاف في مجرد النية ، أو في اللفظ.

______________________________________________________

المنكر ، بخلاف ما هنا ، وهذا قوي متين. وعلى ما قوّاه المصنف يحتمل بقاء عقد البيع بعد انتفاء شرط كل من العبد والجارية ، أحدهما بنفي المرتهن ، والآخر باليمين. وفيه بعد ، لاتفاقهما على وقوع عقد مع شرط.

ويحتمل الفسخ ، لفوات الشرط. ويبعد ، لأن ثبوت الفسخ في عقد لازم بمجرد نفي المرتهن اشتراط رهن الجارية ، مما ينافي وجوب الوفاء بالعقد ، الذي لم يدل الدليل على ثبوت التسلط على الفسخ.

قوله : ( ولو قال : رهنت العبد ، فقال : بل هو والجارية قدم قول الراهن ).

لإنكاره رهن الجارية ، ولا بد من اليمين.

قوله : ( ولو قال : دفعت ما على الرهن من الدينين صدق مع اليمين دون صاحبه ).

لأن ذلك مستند الى نيته ، وهو أعرف بها ، ولا طريق الى العلم بها إلا من قبله. ولو قال المرتهن : انه كان قد أقر لي ، بأنه إنما دفع عن الدين الآخر فالقول قوله باليمين أيضا.

قوله : ( أما لو أنكر الغريم القبض قدّم قوله ).

من هذا يعلم : أن المسألة الأولى حيث يتصادقان على القبض ، ويختلفان في تعيين المقبوض عنه ، فاما مع الاختلاف فيه فان القول قول منكره.

قوله : ( ولا فرق بين الاختلاف في مجرد النية أو في اللفظ ).

فلو قال الدافع : نويت الدين الفلاني ، وقال الآخر : بل نويت الفلاني فله إحلافه ، وإن كانت النية أمرا قلبيا لا يطلع عليه إلا من قبله ، لأن الأمر‌

١٥٦

ولو قال : لم أنو عند التسليم أحد الدينين احتمل التوزيع ، وأن يقال له : اصرف الأداء الآن الى ما شئت.

وكذا نظائره ، كما لو تبايع مشركان درهما بدرهمين ، وسلّم مشتري الدرهم درهما ثم أسلما ، فإن قصد تسليمه عن الفضل فعليه الأصل ، وإن قصد عن الأصل فلا شي‌ء عليه ، وإن قصدهما وزع وسقط ما بقي من الفضل ، وإن لم يقصد فالوجهان.

______________________________________________________

الخفي تسمع الدعوى فيه بمجرد التهمة على الأصح ، ويترتب عليها اليمين ولا ترد. وستأتي هذه الأحكام كلها ان شاء الله في كتاب القضاء ، وكلام المصنف هنا منزل على ذلك.

وأما الاختلاف في اللفظ فظاهر ، كما لو قال : دفعته قائلا إنه عن الفلاني ، أو أقررت بذلك فأنكر ، وقال : إني قلت إنه عن الفلاني ، ويقدم قوله بيمينه ، لأنه منكر.

قوله : ( ولو قال : لم أنو عند التسليم أحد الدينين احتمل التوزيع ، وأن يقال له : اصرف الأداء الآن الى ما شئت ).

وجه الأول : أن القابض يملكه بالأخذ قطعا ، لوجود المقتضي وهو الاستحقاق ، وانتفاء المانع ، فلا بد أن يسقط من الذمة من الدينين ما يقابله ، ولا ترجيح لأحد الجانبين ، فتعين التوزيع ، وهو الأقوى.

ووجه الثاني : انتفاء النية حال الدفع فليتداركها الآن ، لأن المرجع في ذلك الى اختياره ، وحيث لم يسبق له اختيار شي‌ء ، فليتخير متى شاء ، ويدفعه اقتضاء ملك القابض للمقبوض وقوعه عن شي‌ء.

قوله : ( وكذا نظائره ، كما لو تبايع مشركان درهما بدرهمين ، وسلم مشتري الدرهم درهما ثم أسلما ـ إلى قوله : ـ وإن لم يقصد فالوجهان ).

إنما فرض المسألة في المشركين ، لأنهما لو كانا مسلمين لكان الحال دائرا بين المنع من الربا في حقهما ، أو الجواز الذي لا يتطرق اليه المنع. وتقريبه معلوم‌

١٥٧

ولو كان لزيد عليه مائة ، ولعمر ومثلها ، ووكلا من يقبض لهما فدفع المديون لزيد أو لعمرو فذاك ، وإلاّ فالوجهان.

ولو أخذ من المماطل قهرا فالاعتبار بنية الدافع ، ويحتمل القابض ، ولو فقدت فالوجهان.

______________________________________________________

مما سبق ، والأصح التوزيع هنا أيضا.

قوله : ( ولو كان لزيد عليه مائة ، ولعمرو مثلها ووكلا من يقبض لهما ، ودفع المديون لزيد أو لعمر وفذاك ، وإلا فالوجهان ).

أي : وإن لم يكن كذلك ، بأن لم يدفع لواحد منهما بعينه بدليل ( أو ) فالوجهان السابقان يأتيان هنا ، والأصح التوزيع. وفي العبارة مناقشة لطيفة ، وهو أن موضع الوجهين ما إذا دفع ولم ينو شيئا ، لا ما إذا لم ينو واحدا بعينه ، إذ لو نواهما لم يطرد مجي‌ء الوجهين فيه.

قوله : ( ولو أخذ من المماطل قهرا فالاعتبار بنية الدافع ، ويحتمل القابض ، ولو فقدت فالوجهان ).

الأخذ من المماطل يقتضي أن يكون الدافع هو المماطل ، فلا يرد عليه ما لو أخذ الحاكم ودفع ، حيث أن الوجهين لا يأتيان ، لأن نية الحاكم قائمة مقام نية المديون.

فإذا نوى الدافع ـ وهو المماطل ـ أحد الدينين ، ونوى القابض الآخر ففيه احتمالان : ترجيح نية الدافع ، لأن الاعتبار إنما هو بنيته. وترجيح نية القابض ، لأن الأخذ قهرا صيرها غير معتبرة ، كما في الزكاة إذا أخذت قهرا. وليس بشي‌ء ، إذ القهر إن استمر الى حصول الدفع فلا نية للدافع أصلا ، ليعتبر ترجيحها وعدمه.

وإن حصلت النية عنده لم يكن الدفع قهرا ، لأن المقهور المجبر لا يكون مريدا ولا ناويا ، بل صدور النية منه ، مع كون الأخذ منه قهرا مما لا يجتمعان.

وقوله : ( ولو فقدت ) يريد به ما لو فقدت نية كل منهما ، إذ لو وجدت النية من القابض فقط ، فرجحان اعتبارها عنده ظاهر ، ومع فقدها فأصح الوجهين‌

١٥٨

ولو كان التداعي في الإبراء قدّم قول المرتهن ، ويقدّم قول الراهن في عدم الرد مع اليمين ، وفي قدر الدين على رأي ، وفي أن الرهن على نصف الدين لا كله ، وعلى المؤجل منه لا‌ الحال ،

______________________________________________________

التوزيع ، كما في باقي النظائر.

واعلم أن الشارح ولد المصنف زعم أن مجي‌ء الوجهين احتمال ثالث في مسألة الأخذ من المماطل قهرا ، التي هي موضع الوجهين الأولين (١). وهو قريب ، لأن موضع الوجهين مسألة أخرى ، وهو ما إذا فقدت النية من كل منهما ، وهنا لا يجي‌ء (٢) الاحتمالان الأولان.

قوله : ( ولو كان التداعي في الإبراء قدّم قول المرتهن ).

لأنه منكر ، والأصل بقاء الدين.

قوله : ( ويقدم قول الراهن في عدم الرد مع اليمين ).

أي : في عدم رد الرهن إليه ، لأن الأصل عدمه ، واليمين على من أنكر ، وفرق بينه وبين المستودع والوكيل ، لأن كلا منهما قبض لمصلحة مالك العين ، والمرتهن قبض لمصلحته.

قوله : ( وفي قدر الدين على رأي ).

لأنه منكر للزائد ، والأصل عدمه. وقال ابن الجنيد : يقدم قول المرتهن ما لم ترد دعواه عن قيمة الرهن (٣) ، تعويلا على رواية (٤) فيها ضعف ، مع مخالفتها لظاهر المتواتر.

قوله : ( وفي أن الرهن على نصف الدين لا كلّه ).

لأن الراهن ينكر وقوع الرهن على الزائد على النصف.

قوله : ( وعلى المؤجل منه ، لا الحال ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٥.

(٢) في « م » : يجي‌ء.

(٣) نقله عنه في إيضاح الفوائد ٢ : ٤٥.

(٤) التهذيب ٧ : ١٧٥ حديث ٧٧٤.

١٥٩

وقول المرتهن في عدم التفريط والقيمة ، وفي ان رجوعه عن اذنه للراهن في البيع قبله ترجيحا للوثيقة ، ولأن الأصل عدم بيع الراهن في الوقت الذي يدعيه ، وعدم رجوع المرتهن في الوقت الذي يدعيه ، فيتعارضان ويبقى الأصل استمرار الرهن. ويحتمل تقديم قول الراهن عملا بصحة العقد.

______________________________________________________

أي : ويقدم قول الراهن في أن الرهن على الدين المؤجل ، لا الحال. وكذا العكس ، لأن ما أنكر المرتهن الرهن به يندفع بإنكاره ، وعليه في دفع الآخر اليمين ، لكونه منكرا. وظاهر العبارة يقتضي ثبوت الرهن بالدين المخالف ، لما يحلف الراهن على نفي كون الرهن به ، وليس كذلك. وفي حواشي الشهيد : احتمال التحالف هنا ، وليس بشي‌ء كما لا يخفى ، لاندفاع ما ينكره المرتهن بمجرد إنكاره.

نعم ، لو اختلفا في المشترط منهما في عقد البيع جاء احتمال التحالف هنا ، ويتجه كونه الأقوى.

قوله : ( وقول المرتهن في عدم التفريط والقيمة ).

لكونه منكرا في كل من المسألتين ، إذ الأصل عدم تفريطه ، والأصل عدم ما يدعيه الراهن عليه من زيادة القيمة ، حيث لزمته بتعد وتفريط.

قوله : ( وفي أن رجوعه عن إذنه للراهن في البيع قبله ترجيحا للوثيقة ، ولأن الأصل عدم بيع الراهن في الوقت الذي يدعيه ، وعدم رجوع المرتهن في الوقت الذي يدعيه فيتعارضان ، ويبقى الأصل استمرار الرهن. ويحتمل تقديم قول الراهن ، عملا بصحة العقد ).

ما افتى به هنا هو مختاره في التحرير (١) والإرشاد ، وهو مذهب الشيخ (٢) ، وأكثر المتأخرين (٣). وفي التذكرة حكاه عن الشيخ ، ولم يفت‌

__________________

(١) التحرير : ٢٠٨.

(٢) المبسوط ٢ : ٢١٠.

(٣) منهم : الشهيد في الدروس : ٤٠٥.

١٦٠