جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

والأقرب أنه حق للبائع لا لله تعالى ،

______________________________________________________

وعند الشافعي (١) ، وعن البائع صحيح عندنا لا عنده (٢) ، فعلى هذا تشكل عبارة الكتاب هنا ، لأن المتبادر من قوله : ( مطلقا ) تجريد الشرط عن التقييد بواحد معين ، وحينئذ فيفهم منها أن اشتراط العتق عن البائع لا يجوز كمقالة الشافعي.

قوله : ( والأقرب أنه حق للبائع ، لا لله تعالى ).

وجه القرب : أن اشتراطه يقتضي تعلق غرضه به ، ولأن الشروط من جملة العوضين ، فما كان من طرف البائع فهو محسوب من جملة الثمن ، ولهذا يسامح في الثمن بسببه ، وما كان من طرف المشتري فهو محسوب من جملة المثمن.

ويحتمل أن يكون حقا لله تعالى ، لأن العتق قربة ، ويكون هنا كالملتزم بالنذر.

والتحقيق : أنه لا منافاة بين كونه حقا للبائع وحقا لله.

واعلم أنه قال في التذكرة : ان العتق المشروط اجتمع فيه حقوق : حق لله تعالى ، وحق للبائع ، وحق للعبد (٣) ، فهو مخالف لظاهر هذه العبارة ، فإنها تقتضي انحصار الحق فيه بالبائع ، والصحيح المطابق للقواعد هو ما في التذكرة ، لأن العتق قربة ، فلا بد أن يكون فيه حق لله تعالى.

ويمكن أن يقال : ما هنا أجود ، لأن البائع يطالب بتمام ما نقص من القيمة بسبب الشرط إذا تعذر الشرط ، ولو كان له بعض الحق لم تكن له المطالبة بالجميع.

والتحقيق في ذلك : أن العتق فيه معنى القربة والعبادة ، وذلك حق لله تعالى ، وزوال الحجر وهو حق العبد ، وفوات المالية على الوجه المخصوص للقربة وهو حق للبائع.

__________________

(١) المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٣) التذكرة ١ : ٤٩٢.

٤٢١

فله المطالبة به.

ولو امتنع المشتري تخير البائع في الفسخ والإمضاء لا إجبار المشتري ،

______________________________________________________

ولما لم يكن للأولين تعلق بالمالية ساغ قطع النظر في البحث عن المسألة عنهما ، لأن البحث هنا إنما هو لأجل تحقيق ما يترتب على ذلك من أحكام المالية ، فحسن إطلاق كون الشرط حقا للبائع ، فيكون ما هنا مع صحته أحسن مما في التذكرة وإن كان كل منهما صحيحا.

قوله : ( فله المطالبة به ).

تفريع هذا على كون العتق المشروط حقا للبائع يقتضي أنه على تقدير كونه حقا لله تعالى ليس له المطالبة به ، والذي في التذكرة مخالف له ، لأنه قال فيها : وإن قلنا : إنه حق الله تعالى فكذلك عندنا ، وهو أصح وجهي الشافعية (١) (٢) ، لكن يتفرع عليه أنه لو أسقطه سقط ، بناء على أنه حق له.

قوله : ( ولو امتنع المشتري تخير البائع في الفسخ والإمضاء ).

هل هذا الخيار على الفور ، أم على التراخي؟ كل منهما محتمل ، وإن كان الأول أحوط.

قوله : ( لا إجبار المشتري ).

الألصق بالعبارة قراءته بالجر معطوفا على ( الإمضاء ) ، لا على ( الفسخ ) ، لأن التخيير في شي‌ء واحد لا يستقيم ، ولو قرئ بالنصب عطفا على موضع الجار والمجرور لأمكن ، أي : تخير في هذين الأمرين ، ولا يتخير إجبار المشتري.

واعلم أن في إجبار المشتري على العتق وجهين :

أحدهما : العدم ، لأن للبائع طريقا آخر وهو الفسخ.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) انظر : المجموع ٩ : ٣٦٤.

٤٢٢

فان تعيب أو أحبلها المشتري أعتق وأجزأه لبقاء الرق ، وإن استغلّه أو أخذ من كسبه فهو له.

ولو مات أو تعيب بما يوجب العتق رجع البائع بما نقصه شرط العتق ،

______________________________________________________

والثاني : له ذلك ، لظاهر قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وقوله عليه‌السلام : « إلا من عصى الله » وهو الأوجه.

قوله : ( فإن تعيب ، أو أحبلها المشتري أعتق وأجزأ ، لبقاء الرق ).

مع الاحبال لا كلام في الإجزاء ، وأما مع التعيب فيحتمل أن يكون للبائع الفسخ ، فيطالب بأرش العيب ، ولو امتنع من الإعتاق فهل يكون الاستيلاد مانعا من الفسخ ، فتعد بمنزلة التالف ، فيرجع بالقيمة ، أم يثبت له الفسخ كيف كان ، لان حقه أسبق؟ مختار التذكرة الأول (٢).

فإن قلنا بالثاني فهذا من المواضع التي تباع فيها أم الولد.

قوله : ( ولو مات ، أو تعيب بما يوجب العتق رجع بما نقصه شرط العتق ).

هذا أحد الاحتمالين ، وضعفه في الدروس بان الشروط لا يوزع عليها الثمن (٣).

والاحتمال الآخر : تخيره بين الفسخ والرجوع بالقيمة ، وبين الإجازة بجميع الثمن ، وذكر الاحتمالين في التحرير (٤) وهنا اختار ثبوت كل من الأمرين.

وكلام الدروس لا يخلو من شي‌ء ، لأنّ الثمن هنا لم يوزع على الشرط ، بحيث يجعل بعضه مقابلا له ، وإنما الشرط هنا محسوب من الثمن ، وقد حصل باعتباره نقصان في القيمة ، فطريق تداركه ما ذكره.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٣) الدروس : ٣٤٣.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ١٨٠.

٤٢٣

فيقال : كم قيمته لو بيع مطلقا وبشرط العتق؟ فيرجع بالنسبة من الثمن ،

______________________________________________________

ويشكل : أن يكون الشرط مقابلا ببعض قيمة العبد ، والشروط لا يقابل بها شي‌ء من القيمة.

قوله : ( فيقال : كم قيمته لو بيع مطلقا وبشرط العتق؟ فيرجع بالنسبة من الثمن ).

هذا بيان طريق استخراج ما يقتضيه شرط العتق من القيمة ، وضابطه أن يقوّم بدون الشرط ، ويقوم معه ، وينظر التفاوت بين القيمتين ، فينسب إلى القيمة التي هي مع شرط العتق ، ويؤخذ من المشتري مضافا الى الثمن بمقدار تلك النسبة من الثمن.

فلو كانت قيمته بدون الشرط مائة ومعه ثمانين ، لكان التفاوت بعشرين نسبتها الى الثمانين أنها ربعها ، فيؤخذ من المشتري بمقدار ربع الثمن ، ويسلّم إلى البائع ، وهو الذي يتسامح به البائع في مقابل شرط العتق ، فلو كان الثمن ستين لأضيف اليه خمسة عشر اخرى.

ولا يخفى أن في عبارة الكتاب قصورا عن هذا المعنى ، لأن المتبادر من‌

قوله : ( فيرجع بالنسبة من الثمن ) أنه يأخذ من الثمن بمقدار النسبة بين القيمتين ، وليس بمستقيم ، فان ذلك يدفع الى البائع مضافا الى الثمن.

ومع ذلك لا يعرف أي شي‌ء يراد بـ ( النسبة ) ، أهو نسبة التفاوت إلى القيمة الدنيا ، أم الى العليا؟ وإنما المنسوب اليه هو القيمة الدنيا ، فإذا عرفت النسبة بالجزئية أخذ مقدار ذلك الجزء من الثمن من المشتري وأضيف إلى الثمن.

ويمكن الاعتذار بان سوق الكلام يدل على أن الذي يرجع هو البائع ، وذلك ينافي كون المرجوع به من الثمن ، بل هناك محذوف مقدّر تقديره : فيرجع البائع على المشتري بمقدار تلك النسبة من الثمن.

فإذا كانت النسبة ربعا مثلا نظر الى مقدارها من الثمن ، كم هو؟ فأخذ من المشتري بقدر ذلك ، فيكون متعلق ( من ) محذوفا على أنه حال من النسبة ، ولا‌

٤٢٤

وله الفسخ فيطالب بالقيمة ، وفي اعتبارها إشكال ، وفي التنكيل إشكال.

______________________________________________________

يخفى ما فيه من التكلف.

قوله : ( وله الفسخ فيطالب بالقيمة ).

أي : جميعها ، لأن الشرط لم يأت به المشتري ، فيتسلط البائع على الفسخ.

قوله : ( وفي اعتبارها إشكال ).

يحتمل أن يكون المراد : وفي تعيين اعتبار وقتها إشكال ، ينشأ : من احتمال ثبوت قيمة يوم القبض ، لأنه أول دخوله في ضمان المشتري ، وقيمة يوم التلف ، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة ، وقبلها كان الحكم متعلقا بالعين ، وأعلى القيم من حين القبض الى التلف ، لأنه في جميع ذلك مضمون عليه. والأصح الثاني ، لأن ضمان العين لا يقتضي ضمان القيمة مع وجودها ، فلا ينقل إلى القيمة إلا عند التلف.

ويحتمل أن يكون المراد : وفي تعيين كيفية اعتبارها إشكال ، ينشأ : من احتمال اعتبار قيمة عبد مشروط العتق ، لأنه كذلك دخل في ضمان المشتري ، ومن احتمال اعتبار قيمة عبد مجرد عن الاشتراط ، لأن الشرط حق على المشتري ، وهو محسوب من جملة الثمن ، ولم يأت به المشتري ، ومجموع العبد مضمون ، فعند الفسخ يصير العبد مجردا عن البيع والشرط ، وهذا هو الذي حقه أن يجزم به ، والأول ضعيف جدّا.

قوله : ( وفي التنكيل إشكال ).

ينشأ : من حصول العتق ، ومن أن المشترط عتق هو قربة لا معصية.ويضعف الوجه الأول ، بأنّ العتق الحاصل غير المشترط ، فلا يجزئ عن المشترط ، فحينئذ يأتي فيه ما سبق من الرجوع بما يقتضيه شرط العتق ، أو الفسخ والرجوع بالقيمة.

والفرق بين هذه وبين ما إذا تعيّب بما يوجب العتق ـ حيث لم يتردد في الحكم هناك ، وهنا أورد إشكالا ـ أن العتق في السابق لا يعد منسوبا إليه‌

٤٢٥

ولو باعه أو وقفه أو كاتبه تخير البائع بين الفسخ والإمضاء ، وإذا أعتق المشتري فالولاء له ، ولو شرطه البائع لم يصح.

د : لو شرط أن الأمة حامل أو الدابة كذلك صح ، أما لو باع‌

______________________________________________________

بخلاف ما هنا.

قوله : ( ولو باعه ، أو وقفه ، أو كاتبه تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء ).

في التذكرة : تخير البائع بين فسخ البيع والإمضاء ، فإن فسخ البيع بطلت هذه العقود لوقوعها في غير ملك تام ، ويخالف هنا العتق بشرط ، لأن العتق مبني على التغليب والسراية ، فلا سبيل الى فسخه مع القول بصحته ، وهل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما فعله المشتري؟ فيه احتمال (١).

هذا كلامه ، فاما تخييره بين فسخ البيع والإمضاء فظاهر ، لأن الشرط لم يحصل ، بل لا تنفذ هذه الأمور ، لأن تصرف المشتري بكل ما ينافي العتق المشترط تصرف غير مستحق له شرعا ، هذا هو الذي ينبغي أن يقال.

وأما باقي العبارة فليس لها معنى ظاهر ، وحقها : ويخالف هنا العتق بشرطه ، إلى آخره ، فإنه إذا وقع العتق بشرطه لا سبيل الى فسخه ، لأن العتق لابتنائه على التغليب والسراية لا يقبل الفسخ ، وتردده في أن له طلب فسخ ما فعله المشتري موضع تأمّل ، لأن الذي ينبغي أن يقال : إن المشتري ممنوع شرعا من كل تصرف ينافي العتق المشترط.

قوله : ( ولو شرطه البائع لم يصح ).

لقوله عليه‌السلام : « الولاء لمن أعتق » (٢) فيكون شرطا مخالفا للسنة.

قوله : ( لو شرط أن الأمة حامل ، أو الدابة كذلك صح ، أما لو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٧ ، ١٩٨ حديث ١ ، ٢ ، دعائم الإسلام ٢ : ٣١٧ حديث ١١٩٤ ، عوالي اللآلي ٣ : ٤٢٣ حديث ١٠ ، مسند أحمد ١ : ٢٨١ ، الجامع الصغير ٢ : ٧٢٣ حديث ٩٦٨٦ نقلا عن الطبراني.

٤٢٦

الدابة وحملها أو الجارية وحبلها بطل ، لأنه كما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزءا من المقصود ، ويصح تابعا.

ه : لو باعه متساوي الأجزاء على أنه قدر معين فزاد ، فالزيادة للبائع ولا خيار للمشتري ،

______________________________________________________

باع الدابة وحملها أو الجارية وحبلها بطل ، لأنها كما لا يصح بيعه منفردا لا يصح بيعه جزءا من المقصود ، ويصح تابعا ).

مقتضى هذه العبارة : أن كون المجهول تابعا أو مقصودا يختلف باختلاف اللفظ ، فان باع الجميع لم يصح ، وإن شرط المجهول ، واجرى البيع على المعلوم صح. وفيه نظر ، لأن تابعية الشي‌ء للشي‌ء بحسب الواقع ، أو بحسب قصد المتبايعين كأساس الجدار ، والحمل مع الام لا يخرج عن التابعية باختلاف الصيغة.

قال في الدروس : ولو جعل الحمل جزءا من المبيع فالأقوى الصحة ، لأنه بمعنى الاشتراط ، ولا تضر الجهالة ، لأنه تابع (١) ، فكلامه يقتضي أن التابعية لا تتغير باختلاف الصيغة ، وهو الأصح.

قوله : ( لو باعه متساوي الأجزاء على أنه قدر معين فزاد ، فالزيادة للبائع ، ولا خيار للمشتري ).

في كون الزيادة للبائع إشكال ، لأنّ العقد إنما جرى على المجموع ، غاية ما في الباب أنه قدره بقدر معين ، فيثبت للبائع الفسخ ، لفوات الوصف المشترط ، وحصول الضرر بالزيادة.

وهل يحتمل البطلان ، كما لو باعه ثوبا على أنه قطن فخرج كتانا؟ الظاهر العدم ، للفرق بين كون ذلك من غير الجنس ، وهذا منه ، إنما الفائت الوصف ، وعلى تقدير كون الزيادة للبائع ينبغي الجزم بثبوت الخيار للمشتري ، لما فيه من ظهور عيب الشركة الذي لم يدخل على الرضى به.

__________________

(١) الدروس : ٣٤٣.

٤٢٧

ولو نقص تخير المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من الثمن.

ولو كان مختلف الاجزاء فنقص ، تخير المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من الثمن على رأي

______________________________________________________

قوله : ( ولو نقص تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من الثمن ).

أما تخيره بين الفسخ والإمضاء فظاهر ، وأما أنه يمضي بقدر حصته من الثمن فيشكل بأن مجموع المبيع المقابل بمجموع الثمن هو ذلك الموجود ، غاية ما هناك أنه لم يعلم بالنقصان ، فثبت له الخيار ، وسيأتي في كلام المصنف خلاف هذا.

قوله : ( ولو كان مختلف الأجزاء فنقص ، تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من الثمن على رأي ).

اختاره المصنف في المختلف (١) ، وهو خيرة ابن إدريس (٢) ، واختار في المبسوط تخيّره بين الفسخ والإمضاء بمجموع الثمن (٣).

قال في المختلف : إنه مبني على قول بعض العامة ، من أن العيب لا يوجب الأرش (٤) ، وليس ما قاله بظاهر ، لأن العيب خروج عن المجرى الطبيعي بزيادة أو نقصان يقتضي اختلافا في المسمى الذي وضع الاسم بإزائه كالعبد.

ونقصان القدر ليس خروجا عن المجرى الطبيعي ، وإنما هو متضمن لفوات بعض الصفات التي لا تقابل بشي‌ء من الثمن ، ولا يستحق بسبب فواتها أرش ، على أن مختلف الأجزاء لا يعرف قدر حصة الناقص من الثمن ، لأن الفائت غير معلوم.

__________________

(١) المختلف : ٣٩٠.

(٢) السرائر : ٣٤٧.

(٣) المبسوط ٢ : ١٥٤.

(٤) انظر : المجموع ١٢ : ١٦٨.

٤٢٨

ـ ولو كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض ، لم يكن للمشتري الأخذ منها على رأي ـ ولو زاد احتمل البطلان ،

______________________________________________________

ولما كان ذلك مبنيا على الاختلاف لم يعرف وصف الفائت ، وعلى هذا القول فهل يثبت للبائع الخيار؟ صرح به في المختلف (١) ورده في شرح الإرشاد كالمعيب ، ثم احتمل ثبوته على تقدير جهله بالحال.

قوله : ( ولو كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض ، لم يكن للمشتري الأخذ منها على رأي ).

أي : لو كان المبيع أرضا فنقصت عن القدر المشترط ، وكان للبائع أرض بجنب تلك الأرض ، لم يكن للمشتري الأخذ من البائع تتمتها على قول المصنف وابن إدريس ، وهو يقتضي عدم وجوب ذلك على البائع.

وقال الشيخ في النهاية : انه يجب التوفية منها ، ولا خيار للمشتري (٢) ، تعويلا على رواية عمر بن حنظلة ، عن الصادق عليه‌السلام (٣) وطعن فيها المصنف بجهالة بعض رواتها مع مخالفتها لظاهر الكتاب العزيز (٤) ، فإن أخذ الزائد لم يتضمن التجارة ، ولا وقع عليه التراضي.

وفي الرواية : أنه إن لم يكن له أرض بجنبها أخذ المبيع بحصته من الثمن ، وثبت له الخيار. والطعن على الرواية قد علم ، فلا يصلح تمسكا بواحد من الحكمين ، والأخذ بالحصة مناف لمقتضى العقد.

قوله : ( ولو زاد احتمل البطلان ).

لجهالة المبيع حينئذ ، فإن الزيادة غير معينة ، ولأن المبيع ذلك الموصوف بالوصف المنتفي ، فيكون منتفيا ، ويظهر من تخصيص المصنف احتمال البطلان‌

__________________

(١) المختلف : ٣٩٠.

(٢) النهاية : ٤٢٠.

(٣) الفقيه ٣ : ١٥١ حديث ٦٦٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٣ حديث ٦٧٥.

(٤) النساء : ٢٩.

٤٢٩

والصحة فالزيادة للبائع وله جملة الثمن ، ويتخير المشتري حينئذ للعيب بالشركة ، فإن دفع البائع الجميع سقط خياره.

والأقرب أن للبائع الخيار في طرف الزيادة بين الفسخ والإمضاء في الجميع في متساوي الاجزاء ومختلفها ، وللمشتري الخيار في طرف النقصان فيهما بين الفسخ والإمضاء بالجميع.

______________________________________________________

بمختلف الاجزاء أن التعليل المعتبر عنده هو الأول.

قوله : ( والصحة ، فالزيادة للبائع ).

لأن المبيع بحسب الصورة هو المجموع ، وكون الزائد ليس جزءا منه تجدد العلم به بعد الحكم بصحة العقد فيكون للبائع ، وفيه قوة ، ويثبت للمشتري الخيار ، وهل يثبت للبائع ، لأن الشركة عيب؟ لا اعلم فيه شيئا.

قوله : ( والأقرب أن للبائع الخيار في [ طرف الزيادة ] بين الفسخ والإمضاء في الجميع في متساوي الأجزاء ومختلفها ).

وجه القرب : أن المبيع هو العين الشخصية ، موصوفة بكونها مقدارا مخصوصا بالثمن المعين ، وبفوات الوصف لا يخرج الجميع عن كونه مبيعا ، ولا يختلف في ذلك متساوي الأجزاء ومختلفها ، وفرق الشيخ ضعيف (١).

نعم ، يثبت للبائع الخيار ، لفوات الوصف المضر بحاله دون المشتري. ويحتمل أن تكون الزيادة للبائع فيهما ، فيتخير المشتري ، وكونها للبائع في المختلف ، فيتخير المشتري ، وللمشتري في المتفق ، ووجه ذلك قد يعلم مما سبق.

قوله : ( وللمشتري الخيار في طرف النقصان فيهما بين الفسخ والإمضاء بالجميع ).

أي : والأقرب أن للمشتري الخيار في طرف النقصان في مختلف الأجزاء ومتفقها إلى آخره ، ووجهه أن المبيع هو المعين بمجموع الثمن ، ويحتمل الفرق بين المختلف والمتفق ، وقد عرف مما سبق.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٥٥.

٤٣٠

ولو باعه عشر أذرع من هنا إلى هناك صح ، ولو قال : من هاهنا إلى حيث ينتهي الذرع لم يصح ، لعدم العلم بالمنتهى.

ولو قال : بعتك نصيبي من هذه الدار ولا يعلمانه ، أو بعتك نصف داري مما يلي دارك لم يصح ، لعدم العلم بالمنتهى.

و : كلّ شرط يقتضي تجهيل أحد العوضين ، فان البيع يبطل به ، وما لا يقتضيه لكنه فاسد ، فإن الأقوى بطلان البيع ، ولا يحصل به ملك للمشتري ، سواء اتصل به قبض أو لا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : من هنا إلى حيث ينتهي الذرع لم يصح ، لعدم العلم بالمنتهى ).

وقال الشيخ (١) وجماعة : يصح (٢) ، ونزله شيخنا في شرح الإرشاد على أن أجزاء الأرض متساوية أو متفاوتة ، وفيه نظر ، فإنه يلزمه حينئذ الصحة ، وإن لم يعين المبدأ ولا المنتهى كما في الصبرة ، والأصح البطلان.

قوله : ( كل شرط يقتضي تجهيل أحد العوضين ، فان البيع يبطل به ).

أي : وجها واحدا ، للنهي عن بيع الغرر كجهالة الأجل في الثمن أو المثمن.

قوله : ( وما لا يقتضيه لكنه فاسد ، فإن الأقوى بطلان البيع ، ولا يحصل به ملك للمشتري ).

كما لو اشترط تسليم الثمن في مدة معينة ، فان لم يفعل فلا بيع مثلا ، ووجه القوة : أن التراضي إنما وقع على الوجه الذي يمتنع وقوعه ، فلا تراضي حينئذ. ويشكل : بأنه لو شرط كون العبد كاتبا مثلا ، أو اشترى العبدين جميعا ، فتبين أنه غير كاتب ، أو أن أحد العبدين ليس ملكا له ، فان البيع لا يبطل بذلك وان‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٥٤ ، والخلاف ٢ : ٤٤ مسألة ٢٦٤ كتاب البيوع.

(٢) نقل في المختلف : ٣٩٠ هذا القول عن ابن إدريس وابن البراج ، ولم نعثر عليه في كتبهما.

٤٣١

ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع أو هبة أو غيرهما ، وعليه رده مع‌

______________________________________________________

ثبت له الفسخ ، مع أن التراضي لم يتحقق إلا على الوجه الذي ليس بواقع ، وفي الفرق بينهما عسر.

وكيف كان ، فلا سبيل الى القول بالبطلان في الأخير عندنا ، وأما الأول فلأنه محل اختلاف ، والنظر ينساق الى البطلان فيه ، فيكون البطلان أقوى.

واعلم أن الشارح ولد المصنف قال : ان كون هذه شروطا مجاز ، لأنها تابعة للعقد ، والعقد سبب فيها ، فلا يعقل كونها شرطا له ، وإلاّ دار ، بل هذه صفات للبيع تختلف الأغراض باختلافها (١). ولا محصل لهذا الكلام ، فان هذه شروط للبيع الذي هو انتقال المبيع من البائع إلى المشتري ، لا شروط العقد.

وقد عرفت فيما سبق أن البيع ليس هو نفس العقد ، حتى لو كان نفس العقد امتنع كونها شروطا له ، بل للانتقال الذي هو أثره ، وكيف يعقل أن هذه الشروط شروط للعقد الذي هو الإيجاب والقبول؟

ثم قوله : إن هذه صفات للبيع ليس بجيد ، إلا بناء على أن البيع هو العقد ، وحينئذ فكونها صفات له لا ينافي كونها شروطا لأثره ، وأما ان فقدها لا يستلزم أرشا فلا دخل له فيما نحن فيه ، بل هذا ملتفت الى أن الأمور المشترطة لما لم تكن داخلة في نفس مسمى المبيع ، لم يكن بإزائها شي‌ء من الثمن ، لأن الثمن في مقابل المبيع وأجزائه وإن كان قد يزيد بوجود بعض الصفات ، لأن زيادته على أنه في مقابل المبيع ملحوظا فيه مقارنة الصفة المعينة ، والثمن للمبيع باعتبار المقارنة ، وليس في مقابل الصفة منه شي‌ء.

قوله : ( ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع ، أو هبة ، أو غيرهما ).

لأنه مملوك للغير لم يؤذن في التصرف به ، وقول بعض العامة : بأن عقد البيع تضمن الاذن في التصرف مع انتقال الملك ، فإذا انتفى الثاني بقي الأول كما كان (٢) ، يضعف ، بأن الاذن إنما هو على وجه مخصوص ، وقد انتفى.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥١٨.

(٢) قاله الغزالي كما في المجموع ٩ : ١٤٨ ، ١٧٤.

٤٣٢

نمائه المتصل أو المنفصل ، واجرة مثله ، وأرش نقصه ، وقيمته لو تلف يوم تلفه ، ويحتمل أعلى القيم.

ولو وطأها لم يحدّ ، وعليه المهر وأرش البكارة ، والولد حر وعلى أبيه قيمته يوم سقط حيا ـ ولا شي‌ء لو سقط ميتا ـ وأرش ما نقص بالولادة.

ولو باع المشتري فاسدا لم يصح ، ولمالكه أخذه من الثاني ، ويرجع على الأول بالثمن مع جهله ، فان تلف في يد الثاني تخير البائع في الرجوع ، فان زادت القيمة على الثمن ورجع المالك على الثاني ، لم يرجع بالفضل على الأول ، لاستقرار التلف في يده ، وإن رجع على الأول رجع بالفضل على‌

______________________________________________________

قوله : ( واجرة مثله ).

لأنها حق للبائع ، ولم يأذن في الانتفاع إلا على تقدير الانتقال. ويشكل بان كون العين مضمونة لا يقتضي ضمان المنفعة ، ودفعه بان يد المشتري حينئذ يد عدوان ، لأنه تبين أنه أثبتها بغير حق ، بخلاف يد البائع بالنسبة إلى المبيع قبل القبض.

قوله : ( وقيمته لو تلف يوم تلفه ، ويحتمل أعلى القيم ).

ويحتمل قيمة يوم القبض ، والأصح قيمة يوم التلف.

قوله : ( ولو وطأها لم يحد ).

إذا لم يعلم بالفساد وقت الوطء.

قوله : ( وعلى أبيه قيمته يوم سقوطه حيا ).

لأنه أول وقت تقوّمه لو كان مالا ، ولأنه ما دام لا ينفصل بمنزلة عضو من الأم.

قوله : ( فان زادت القيمة على الثمن ، ورجع المالك على الثاني لم يرجع بالفضل على الأول ، لاستقرار التلف في يده ، وإن رجع على الأول‌

٤٣٣

الثاني.

ولو زاد في يد المشتري الأول ، ثم نقص في يده إلى ما كان ، احتمل رجوع المالك إليه بتلك الزيادة ، لأنها زيادة في عين مضمونة ، وعدمه ، لدخوله على انتفاء العوض في مقابلة الزيادة ،

______________________________________________________

رجع بالفضل على الثاني ).

لأن الفضل عن الثمن مضمون ، لأن يد كل منهما يد بغير حق ، وقد عرفت أن المنفعة مضمونة ، فالزيادة في نفس العين أولى.

ولا يقال : إنه دخل على ضمان العين بالثمن خاصة ، فإذا لم يحصل الملك يجب أن يضمنها بما دخلا عليه ، وهو الثمن ، لأنا نقول : إن الوجه الذي دخلا عليه قد تبين بطلانه ، واليد عادية (١) ، فيجب رد كل ملك على مالكه ، فإذا حصل تلف أو نقصان وجب البدل أو الأرش كائنا ما كان ، ولا وجه حينئذ لاعتبار الثمن.

ومثله ما لو استأجره فاسدا ، فإنه إذا استوفى المنفعة وجبت اجرة المثل ، وإن زادت على المسمى ، وحيث تبين وجوب الزيادة ، فمن استقر التلف في يده أقوى وأقرب ممن كان سببا.

قوله : ( ولو زاد في يد المشتري الأول ، ثم نقص في يده إلى ما كان ، احتمل رجوع المالك إليه بتلك الزيادة ، لأنها زيادة في عين مضمونة ، وعدمه ، لدخوله على انتفاء العوض في مقابلة الزيادة ).

لا وجه للتقييد بالمشتري الأول ، فإنّ المشتري الثاني كذلك ، فلو حذف الأول لكان أخصر وأشمل.

ثم إنّ ما ذكره دليلا على الاحتمال الأول لا ينتج مطلوبه ، فإنه ليس كل زيادة في عين مضمونة يجب أن تكون مضمونة.

والأولى في التعليل : أنّ يد المشتري فاسدا يد عدوان ، فهي كيد‌

__________________

(١) في نسخة « م » : عارية خ.

٤٣٤

فحينئذ ان تلف بتفريطه ضمن ، وإلاّ فلا.

ولو أتلف البائع فاسد الثمن ثم أفلس ، رجع في العين ، والمشتري أسوة الغرماء.

______________________________________________________

الغاصب ، وكلما هو حق للبائع يجب رده عليه ، فعند فواته يجب المصير الى بدله.

والاحتمال الثاني ضعيف جدا ، فإن المنفعة المتجددة قد حكم بكونها مضمونة ، ولم يتردد ، مع أنها ليست جزءا من المبيع ، ودخل على أنها ليست مجانا ، فأيّ مجال للتردد في ضمان ما يعد جزءا حقيقة؟ والأصح الأول.

فرع :

على المشتري مؤنة رد المبيع فاسدا إن كان له مؤنة كالمغصوب ، ولا يرجع بالنفقة إلا إذا كان جاهلا بالفساد ، إذ لا يعد متبرعا بنفقته ، إذ لم ينفق إلا بناء على أنه ماله ، فإذا فات ذلك رجع كل الى حقه ، وجعل في التذكرة البائع غارا (١).

قوله : ( فحينئذ ان تلف بتفريطه ضمنه ، وإلاّ فلا ).

أي : فحين لم يكن له الرجوع بتلك الزيادة ، إذ هي أمانة على هذا التقدير.

قوله : ( ولو أتلف البائع فاسد الثمن ، ثم أفلس رجع في العين ، والمشتري أسوة الغرماء ).

لأن العين باقية على ملك البائع ، وهي عين ماله ، والثمن بعد إتلافه دين من جملة الديون ، وليس له حبس العين ليقبض الثمن ، لأنه لم يقبضه وثيقة ، بل على تملّكه وقد فات ، خلافا لبعض العامة (٢).

الاسوة ، بالضم وبالكسر : القدوة ، وما يتأسّى به الحزين.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٥.

(٢) قاله الإصطخري كما في المجموع ٩ : ٣٦٩.

٤٣٥

ز : لو قال : بع عبدك من فلان على أن عليّ خمسمائة ، فباعه بهذا الشرط بطل ، لوجوب الثمن بأجمعه على المشتري ، فليس له أن يملك العين ، والثمن على غيره ، بخلاف أعتق عبدك وعليّ خمسمائة ، أو طلّق امرأتك وعليّ مائة ، لأنه عوض في مقابلة فكّ ،

______________________________________________________

قوله : ( لو قال : بع عبدك من فلان على أن عليّ خمسمائة ، فباعه بهذا الشرط بطل ، لوجوب الثمن بأجمعه على المشتري ، وليس له أن يملك العبد ، والثمن على غيره ).

أي : باع العبد من فلان على أنّ على الآمر خمسمائة ، ووجه البطلان : أنّ ظاهر هذا الاشتراط بين الإيجاب والقبول أن يكون المشترط داخلا في البيع ، فيكون القدر المشترك من جملة الثمن ، وذلك مخالف لمقتضى عقد البيع ، من كون الثمن بأجمعه على المشتري.

فان قيل : لم لا ينزل إطلاق هذا على ما يجوز من ضمان أو جعالة؟

قلنا : لوجهين :

أ : إن إطلاق ما يذكر من العوض محمول على الثمن ، عملا بمقتضى البيع ، فلا يحمل على شي‌ء أجنبي عنه ، إلا بدليل يصرفه عن المقتضى.

ب : إن الأصل عدم وجوب شي‌ء زائد عن الثمن يكون عوض الجعالة ، والأصل عدم وجوب الأمرين معا ، اعني : ثبوت الثمن في ذمة المشتري ، ثم ثبوت حق الضمان له ، أو لبعضه على الآمر.

قوله : ( بخلاف : أعتق عبدك وعليّ خمسمائة ، أو طلّق امرأتك وعليّ مائة ، لأنه عوض في مقابلة فك ).

أي : لا يصح فيما تقدم بخلاف الصورتين المذكورتين ، فإنه يصح فيهما اشتراط العوض على الآمر ، لأن العتق فك للرقبة من قيد الملك ، والطلاق فك للمرأة من قيد الزوجية ، وليس شي‌ء منهما معاوضة ، بحيث يستلزم عوضا لا يكون من غير المتعاوضين ، لكن هنا سؤال وهو : أن هذا القول إن كان على طريق‌

٤٣٦

ولو قال : على وجه الضمان صح البيع والشرط.

ح : يجوز أن يجمع بين شيئين مختلفين فما زاد في عقد ، كبيع وسلف ،

______________________________________________________

الجعالة فلا مخالفة لما هنا ، لأن الجعالة هنا أيضا جائزة.

قوله : ( ولو قال : على وجه الضمان صح البيع والشرط ).

أي : لو كان قول الآمر : ( بع عبدك ... ) على طريق الضمان ـ بمعنى : أن يضمن خمسمائة هي الثمن ، أو بعضه ـ صح البيع إذا أوقعه البائع على هذا الشرط ، وصح الشرط أيضا ، وحينئذ فلا يكون القول الأول ضمانا ، ولا موجبا للضمان.

وإنما الحكم أن الآمر إذا قال ذلك ، ووقع العقد عليه إذا أتى بالضمان على الوجه المعتبر يصح ، ويتحقق لزوم البيع ، وإلا تخيّر البائع ، لكن هل يجب على الآمر الضمان بعد العقد لأمره السابق؟ فيه بعد ، وعلى هذا فلا مجال لتوهم متوهم : أن هذا ضمان ما لم يجب ، بعد ملاحظة ما قررناه.

ولو قال ذلك على وجه الجعالة ، بأن جعل له على هذا العمل ذلك الجعل صح ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، وبه صرح في التذكرة (١) ، وعلى هذا فيلزمه الجعل بإيقاع عقد البيع ، ولا حاجة الى ذكر هذا في العقد ، لأن الجعالة عقد آخر خارج عن البيع بخلاف الضمان المشترط في نفس العقد.

قوله : ( يجوز أن يجمع بين شيئين مختلفين فما زاد في عقد ، كبيع وسلف ).

صورته : أن يقول : بعتك هذا العبد ، وعشرة أقفزة حنطة موصوفة بكذا ، مؤجلة الى كذا إلى آخره بمائة درهم ، فيكون بيعا وسلفا بإحدى صيغه ، التي إيجابها يكون بلفظ البيع من البائع ، وهذا وإن كان في الصورة عقدا واحدا ، لاتحاد إيجابه وقبوله والعوض عن الجميع ، إلا أنه في قوة عقدين ، ولا محذور في صحة ذلك عندنا.

وكون العوض معلوما بالإضافة إلى الأمرين معا كاف في انتفاء الغرر‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٤.

٤٣٧

أو إجارة وبيع ، أو نكاح وبيع وإجارة ، ويقسّط العوض على قيمة المبيع وإجارة المثل ومهر المثل ، من غير حصر على إشكال ، ولو كان أحد الأعواض مؤجلا قسّط عليه كذلك.

______________________________________________________

والجهالة ، وإن كان عوض كل منهما بخصوصه غير معلوم حال العقد.

لا يقال : كل منهما بيع ، ولا بد في البيع من العلم وانتفاء الغرر.

قلنا : كل منهما بيع في المعنى ، وفي الصورة هما بمنزلة عقد واحد ، فيكفي العلم بالنسبة الى ذلك العقد.

قوله : ( أو إجارة وبيع ).

مثاله : بعتك هذه الدار ، وأجرتك الدار الأخرى سنة بمائة.

قوله : ( ويقسط العوض على قيمة المبيع وإجارة المثل ومهر المثل ).

وذلك لأن العوض المجعول في مقابل المتعدد ، إنما بذل في مقابل كل واحد من جهة ماليته ، أو ما هو بالنسبة إليه كجهة المالية بالنسبة إلى غيره مما هو مال ، ولأن هذه (١).

قوله : ( من غير حصر على إشكال ).

الإشكال مخصوص بمهر المثل ، أي : يقسّط على مهر المثل من غير حصر له في مهر السنّة لو زاد عليه على إشكال ، ينشأ : من إطلاق الأصحاب التقسيط على مهر المثل ، ولأنه بالنسبة إلى البضع كالقيمة السوقية بالنسبة إلى السلعة ، ومن أن المرأة إنما تستحق مهر السنة لو زاد مهر مثلها عليه ، فلا يقسط (٢) على ما لا يعد عوضا لبضعها ، وهذا بناء على أن المفوضة ترد الى مهر السنة مع زيادة مهر مثلها عليه.

وسيأتي أن المعتمد خلافه ، فالأصح عدم الحصر في مهر السنة لو زاد مهر مثلها عليه.

__________________

(١) هكذا ورد في « م » ، وفي الهامش : كذا وجد.

(٢) في « م » : يسقط.

٤٣٨

ويجوز بيع السمن بظروفه ، وأن يقول : بعتك هذا الزيت بظروفه كل رطل بدرهم.

الفصل الرابع : في الاختلاف :

إطلاق العقد يقتضي نقد البلد ، فان تعدد فالغالب ، فان تساوت النقود افتقر إلى التعيين لفظا ، فإن أبهماه بطل ، وكذا الوزن.

ولو اختلفا في قدر ما عيناه أو وصفه بعد اتفاقهما على ذكره في العقد ولا بينة ، فالقول قول البائع مع يمينه إن كانت السلعة قائمة

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز بيع السمن بظروفه ).

لأنه إذا رضي أن يكون الظرف بسعر السمن جاز إذا استجمع البيع باقي الشروط.

قوله : ( وأن يقول : بعتك هذا الزيت بظروفه ، كل رطل بدرهم ).

بشرط أن تكون أرطال المجموع معلومة ـ وإن جهلا تفصيله ـ لحصول العلم بقدر المبيع وإن كان قدر كل نوع من أجزائه مجهول القدر ، إذ لا يلزم من هذه الجهالة غرر في المبيع ، وقد رضي أن يكون الظرف بسعر الزيت ، وخلاف بعض العامة في صحة ذلك (١) لا يلتفت اليه.

قوله : ( إطلاق العقد يقتضي نقد البلد ، فان تعدد فالغالب ، فان تساوت النقود افتقر إلى التعيين لفظا ، فإن أبهماه بطل ، وكذا الوزن ، ولو اختلفا في قدر ما عيّناه أو وصفه ، بعد اتفاقهما على ذكره في العقد ، ولا بينة فالقول قول البائع مع يمينه إن كانت السلعة قائمة ).

المراد : قدر ما عيّناه من الثمن دون المثمن ، لأن أحكامه ستأتي فيما بعد ، وقد يستعان في العبارة على ارادة ذلك بقوله : ( إطلاق العقد يقتضي نقد البلد )

__________________

(١) انظر المجموع ٩ : ٣١٩.

٤٣٩

______________________________________________________

فانّ الغالب كون النقد ثمنا ، فتكون هذه الأحكام كلها للثمن ، وكذا ذكره فيما سيأتي في أحكام المثمن.

وقوله : ( بعد اتفاقهما على ذكره في العقد ) احتراز من اختلافهما في ذكر المعين ثمنا في العقد ، فإنهما إذا اختلفا على هذا الوجه يكون القول قول مدعي الصحة بيمينه ، إذ القائل بعدم ذكره في العقد يدعي فساده ، فإذا حلف على ذكره في العقد ، فالظاهر أنه يحلف على ذكر هذا المعين في العقد فيثبت. ويحتمل أن يحلف على ذكر ثمن يصح به العقد ، فتندفع دعوى الآخر ، ويبقى اختلافهما في القدر والوصف على حكمه.

واعلم أن الضمير في ( ذكره ) يعود الى ( ما ) أي : ذكر ما عيّناه ، لكن قد يقال : قوله : ( بعد اتفاقهما ... ) مستدرك ، لأن اتفاقهما على ذكره في العقد ليس زائدا على تعيينهما إياه ، لأن المتبادر من ذلك كون التعيين في العقد.

واحترز بقوله : ( ولا بينة ) عما لو كان ثم بينة ، فإنه لا يميز ، لكن تحقيق حال البينة ، وممن تكون مسموعة موقوف على تحقيق المدعي والمنكر هنا ، فان قلنا بالأول والسلعة قائمة فالمدعي هو المشتري ، أو بالثاني فالمدعي هو من كانت السلعة خارجة عنه ، أو بالثالث فالمدعي هو البائع ، أو بالرابع فكل منهما مدع ومنكر.

وما افتى به هو مختار أكثر الأصحاب (١) ، واحتجوا له ، بأن المشتري مع قيام السلعة يدّعي تملكها وانتقالها اليه بما ادعاه من العوض ، والبائع ينكره ، وقد ينظر فيه ، بأن البائع لا ينكر ذلك كله ، فإنه يعترف بتملكه إياها وانتقالها إليه ، ويصدقه على استحقاق ما ذكره ، لكن يدّعي أمرا زائدا ، والمشتري ينكره ، فيكون هو المنكر.

فان قيل : لما عيّن السبب المقتضي للانتقال ، وتشخصه بوقوعه على الثمن الزائد وبالوصف المخصوص ، لم يكن اعترافه بالملك مطلقا ، بل على ذلك الوجه‌

__________________

(١) منهم : الشيخ في المبسوط ٢ : ١٤٦ ، والشهيد في الدروس : ٣٥٢.

٤٤٠