جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

أما لو كان بعض طلع النخلة مؤبرا وبعضه غير مؤبر ، احتمل دخول غير المؤبر خاصة ، وعدم الدخول مطلقا لعسر التمييز.

______________________________________________________

حاول بذلك الرد على بعض الشافعية الفارقين بين ما إذا اتحد النوع فيستوي كله في الحكم ، وما إذا تعدد ، وكذا رد على من فرق بين البستان الواحد والمتعدد (١).

قوله : ( أما لو كان بعض طلع النخلة مؤبرا وبعضه غير مؤبر ، احتمل دخول غير المؤبر خاصة ، وعدم الدخول مطلقا لعسر التمييز ).

وجه الاحتمال الأول : أن النص دل على أن البائع يستحق الثمرة بعد تأبيرها (٢) ، وتعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلّية ، فيكون التأبير هو العلة ، فمتى وجد ترتب عليه حكمه.

وأما توجيه الاحتمال الثاني بعسر التمييز ، فقد قيل عليه : إن ذلك لو ثبت موجب لفساد العقد ، إذا كان مقصودا بالبيع لما يلزم من الجهالة ، إذ التقدير حصوله حين العقد ، وهذا غير وارد ، لإمكان أن يراد عسر التمييز بعد تأبير الباقي.

ويظهر من عبارة التذكرة مجي‌ء احتمال ثالث ، وهو الدخول مطلقا ، فإنه قال : لو أبر بعض النخلة كان جميع طلعها للبائع ، ولا يشترط لبقاء الثمرة على ملكه تأبير جميع طلعها ، لما فيه من العسر وعدم الضبط. وساق الكلام الى أن قال : وهو أولى من العكس ، فان المفهوم من العكس كون جميعها إلحاقا لما أبر بما لم يؤبر ، لصدق عدم التأبير في المجموع (٣). والاحتمال الأول لا يخلو من قوة ، وهو ظاهر اختيار الدروس (٤) وإن كان الثاني غير بعيد ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.

__________________

(١) الوجيز في فقه الشافعي ١ : ١٤٩ ، فتح العزيز المطبوع مع المجموع ٩ : ٥٠ ، ٥١.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٧ ، ١٧٨ حديث ١٢ ، ١٧ ، التهذيب ٧ : ٨٧ حديث ٣٦٩ ـ ٣٧١.

(٣) التذكرة ١ : ٥٧٣.

(٤) الدروس : ٣٤٠.

٣٨١

هـ : لا يدخل الغصن اليابس ولا السعف اليابس على إشكال ، وفي ورق التوت نظر.

و : لو خيف على الأصول مع تبقية الثمرة ضررا يسيرا لم يجب القطع ، ولو خيف الضرر الكثير فالأقرب جواز القطع ،

______________________________________________________

قوله : ( لا يدخل الغصن اليابس ، ولا السعف اليابس على إشكال ).

الغصن يقال في الشجر ، والسعف في النخل ، والاشكال فيهما ، ومنشؤه :من أنه كان جزءا ، ومن أنه باستحقاقه القطع عادة قد يتخيل خروجه عن الجزئية ، والأول أقوى ، تمسكا بالاستصحاب ، ووقوفا مع المعلوم ، ولأن من حلف لا يمس جزءا من شجرة يحنث بمس غصنها اليابس كما ذكره في التذكرة (١).

قوله : ( ولو خيف الضرر الكثير فالأقرب جواز القطع ).

وجه القرب قوله عليه‌السلام : « لا ضرر ولا إضرار في الإسلام » (٢) فإن قيل : قد التزمه بالعقد ، قلنا : لا نسلم ، لأن العقد إذا عري عن الشرط نزل على الغالب ، والغالب عدم الضرر الكثير.

فان قيل : قد سبق في باب بيع الثمار أنه إذا تعارض نفع أحدهما وضرر الآخر قدمنا مصلحة المشتري.

قلت : هذا ايضا مقيد بعدم كون الضرر كثيرا ، والمرجع في الكثرة والقلة إلى العادة.

وقد استدل الشارح على الأقرب بما تقرر في الكلام من أنه لا يجوز تكليف شخص ، لاشتمال التكليف على لطف للغير خاصة ، لا للمكلف به (٣). وهو غير مستقيم ، لأن هذا ليس من هذا القبيل ، وإنما هو من حيث التزام البائع‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٧٣.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٣ حديث ٧٧٧.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٥٠٤.

٣٨٢

وفي دفع الأرش نظر.

ز : لو كانت الثمرة مؤبرة فهي للبائع ، فلو تجددت أخرى فهي للمشتري ، فان لم يتميزا فهما شريكان ، فان لم يعلما قدر ما لكلّ منهما اصطلحا ولا فسخ لإمكان التسليم ، وكذا لو اشترى طعاما فامتزج بطعام البائع قبل القبض ، وله الفسخ.

______________________________________________________

تحمل الضرر بإيقاع البيع ، فان تحقق ذلك ثبت ، وإلاّ فلا.

وسوق العبارة يقتضي كون فرض المسألة فيما إذا باع الأصول وبقيت الثمرة له ، فلو باع الثمرة وبقيت الأصول له فحكمها مستفاد مما سبق في بيع الثمار ، والفتوى على الأقرب.

قوله : ( وفي دفع الأرش نظر ).

ينشأ : من جواز القطع ، فلا يجب ، لعدم الدليل ، ومن أن فيه جمعا بين الحقين. والحق ضعف هذا النظر جدا ، والاحتمال الأول هو الأقوى ، للمنع من جواز القطع بغير أرش ، فيمنع الحكم من أصله ، ولأن فيه ضررا على المشتري ، والضرر لا يزول بالضرر.

قوله : ( فان لم يتميزا فهما شريكان ).

لأن الشركة عبارة عن امتزاج المالين بحيث لا يتميزان.

قوله : ( فان لم يعلما قدر ما لكل منهما اصطلحا ).

أي : على تقدير عدم التمييز إن لم يعلما قدر المالين ، لا طريق الى الخلاص إلا الصلح ، والمعادل محذوف تقديره : وإن علماه اقتسماه.

فان قيل : كيف يعلمان قدر ما لكل منهما مع عدم التمييز؟

قلت : قد يتصور ذلك فيما إذا كان المبيع اربع نخلات مثلا ، قد أبّر منهما اثنتان ، وثمرتها جميعا متساوية ، فإن قدر ما لكل واحدة منهما النصف ، وإن لم يتميز المالان.

قوله : ( ولا فسخ ، لإمكان التسليم ).

٣٨٣

ح : لو باع أرضا وفيها زرع فهو للبائع ، سواء ظهر أو لا ، إلاّ أن يشترطه المشتري فيصح ظهر أو لا ، ولا تضر الجهالة لأنه تابع.

______________________________________________________

مقتضى العبارة : أن اختلاط المالين وقع قبل التسليم ، فيشكل حينئذ عدم‌ ثبوت الفسخ ، لأن الشركة عيب ، فإذا حدث قبل القبض ثبت به الفسخ.

فان قلت : لعل مراد المصنف بقوله : ( لإمكان التسليم ) إمكان تسليم البائع إلى المشتري جميع الثمرة ، فإنه يجبر على القبول حينئذ عند الشيخ (١) ، لأنه زاده فضلا ، فيكون المصنف قائلا بمقالة الشيخ ، وقد سبق نظيره في بيع الثمار ، إذا اختلطت اللقطة المبيعة بأخرى.

قلت : هذا ممكن ، لكن قوله في مسألة اختلاط طعام المشتري بطعام البائع قبل القبض : ( وله الفسخ ) ينافي ذلك ، فان الشيخ قائل بالحكم في المسألتين معا ، فسوى بينهما في عدم الفسخ إذا سلم الجميع ، وثبوته مع عدمه.

والذي اختاره المصنف في المختلف انه إذا كان الامتزاج قبل التسليم ثبت الخيار للمشتري ، ولا يجب عليه قبول هبة البائع حصته (٢) ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( إلا أن يشترطه المشتري ، فيصح ظهر أو لا ، ولا تضر الجهالة ، لأنه تابع ).

أجاب عن سؤال السائل : إن ضم المجهول الى المعلوم فيما إذا لم يكن الزرع قد ظهر يصير المعلوم مجهولا ، بان جهالة التابع لا تقدح ، وهذا تابع ، فمقتضى كلامه صحة ذلك مطلقا ، لأن الزرع بالنسبة إلى الأرض من توابعها ، لكن في المختلف : أن البذر إذا كان أصلا في البيع بطل ، بخلاف ما إذا كان الأصل هو الأرض ، والبذر تابع فإنه يصح (٣) ، ومقتضاه أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والقصود ، والذي في المختلف هو الذي يقتضيه النظر.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٠٤.

(٢) المختلف : ٣٩١.

(٣) المختلف : ٣٩٢.

٣٨٤

وللبائع التبقية إلى حين الحصاد مجانا ، فلو قلعه قبله ليزرع غيره ، لم يكن له ذلك وإن قصرت مدة الثاني عن إدراك الأول.

وعلى البائع قلع العرق إذا كان مضرا ـ كعرق القطن والذرة ـ وتسوية الحفر ، ولو كان للزرع أصل ثابت يجز مرة بعد اخرى ، فعليه تفريغ الأرض منه بعد الجزة الأولى على إشكال ، أقربه الصبر حتى يستقلع.

والأقرب عدم دخول المعادن في البيع ، ولو لم يعلم به البائع تخير إن قلنا به.

______________________________________________________

وما قد يوجد في بعض الكلام من أن المجهول إن جعل جزءا من المبيع لا يصح ، وإن اشترط صح ، ونحو ذلك ليس بشي‌ء ، لأن العبارة لا أثر لها ، والمشروط محسوب من جملة المبيع ، ولأنه لو باع الحمل والام معا صح البيع ، ولا يتوقف على بيعها واشتراطه.

قوله : ( ولو كان للزرع أصل ثابت يجز مرة بعد اخرى ، فعليه تفريغ الأرض منه بعد الجزة الأولى على إشكال ، أقربه الصبر حتى يستقلع ).

منشأ الاشكال : من أن لنفع هذا النوع من الزرع غايتين : ابتداء وانتهاء ، فيمكن الحمل على الاولى وعلى الثانية ، والأقرب ما قربه المصنف ، لأن الغايتين وما بينهما هو نفعه المتعارف ، فهو بمنزلة نفع غيره من الأنواع المخالفة له ، ويستقلع بفتح الياء وكسر اللام معناه : يبلغ حدا يستحق القلع.

قوله : ( والأقرب عدم دخول المعادن في البيع ).

وجه القرب : أنها لا تعد جزءا من الأرض ، ويحتمل دخولها كالحجارة الثابتة ، ويضعف بالفرق ، لأن الحجارة من أجزاء الأرض بخلاف المعادن ، والأصح الأول. وموضع المسألة ما إذا لم يأت بما يقتضي دخولها ، نحو قوله : ( وما أغلق عليه بابها ).

قوله : ( ولو لم يعلم به البائع تخيّر إن قلنا به ).

أي : لو لم يعلم بالمعدن تخير إن قلنا بدخوله في بيع الأرض مع الإطلاق ،

٣٨٥

ط : يدخل في الأرض البئر والعين وماؤهما.

ي : لو استثنى نخلة كان له الممر إليها والمخرج ومدى جرائدها من الأرض ، فلو انقلعت لم يكن له غرس أخرى ، إلاّ أن يستثني الأرض ، وكذا لو باع أرضا وفيها نخل أو شجر.

السادس : العبد : ولا يتناول ماله الذي ملكه مولاه ، إلاّ أن يستثنيه المشتري إن قلنا أن العبد يملك ،

______________________________________________________

وبماذا تثبت جهالته؟ لا اعلم به تصريحا ، ولا يبعد ثبوتها بيمينه.

ولو قلنا بعدم الدخول بالإطلاق ، فباعها بما أغلق عليه بابها ففي ثبوت الخيار هنا مع عدم العلم نظر.

واعلم أن ضمير ( به ) يعود الى المذكور ضمنا في المعادن ، وضمير ( به ) الثانية يعود الى المضاف إليه في عدم دخول المعادن ، وفي بعض النسخ : ( والأقرب دخول المعادن ) والذي شرحه الشارح هو العبارة الأولى (١).

قوله : ( يدخل في الأرض البئر والعين وماؤهما ).

البئر والعين : مجمع ماء على وجه مخصوص ، والمراد بالماء ما في وسطها ، ورد به على الشيخ ، حيث قال بفساد البيع للجهالة (٢) ، وجوابه : أن هذا تابع.

قوله : ( ولا يتناول ماله الذي ملّكه مولاه ، إلا أن يستثنيه المشتري ).

أي : إلا أن يستثنيه مما لا يندرج في إطلاق البيع ، والمراد : اشتراط دخوله.

قوله : ( إن قلنا أن العبد يملك ).

ربما يوهم الاشتراط بخلاف الحكم على تقدير انتفاء الشرط ، فكان الأولى أن يقول : وإن قلنا أن العبد يملك ، ويمكن الجواب بان الحكم على تقدير عدم‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥٠٥.

(٢) المبسوط ٢ : ١٠٦.

٣٨٦

وينتقل إلى المشتري مع العبد ، وكأن جعله للمشتري إبقاء له على العبد ، فيجوز أن يكون مجهولا وغائبا.

______________________________________________________

ملك العبد بطريق أولى ، وإنما اختار الإتيان في العبارة بالشرط ، لأنه صوّر المسألة في المال الذي ملّكه مولاه ، ولا يتصور ذلك إلا على تقدير ملكه ، إذ بدونه يقع اللفظ لاغيا ، ولا يتحقق تمليك ولا ملك.

قوله : ( وينتقل إلى المشتري مع العبد ).

أي : بالشرط ، وهذا لا يتفاوت فيه ما ملّكه إياه مولاه ، وغيره.

قوله : ( وكأنّ جعله للمشتري إبقاء له على العبد ، فيجوز أن يكون مجهولا وغائبا ).

يجوز في ( كأن ) التخفيف والتشديد ، أي : وكأن جعل المال المذكور على تقدير اشتراط المشتري إياه إبقاء له على ملك العبد ، أو كأنّ الجعل على ذلك التقدير إبقاء له على العبد ، فإنه بحسب الواقع ليس إبقاء له كذلك ، بل هو ملك للمشتري ، لدخوله في البيع ، ومن ثم كان التشديد أولى.

ويتفرع على هذا جواز كونه مجهولا وإن أمكن استعلامه ، وغائبا لم يوصف وإن أمكن وصفه ، وذلك لأنه كالمندرج في البيع تبعا ، فتغتفر فيه الجهالة ، كما تغتفر في سائر الأشياء التابعة.

وبملاحظة هذا المعنى تظهر جودة التخفيف ، لأنه إذا كان للعبد شائبة الملك فيه ، وما يستحق العبد البائع فيه ينتقل إلى المشتري يكون تحقق التبعية أظهر ، لكن قوله : ( وينتقل إلى المشتري ) ينافيه.

ولو أنه قال : وينتقل حق البائع فيه الى المشتري لكان التخفيف أجود ، وعلى هذا يمكن أن يقال : لا يشترط هنا التحرز من الربا ، كما لو باع دارا منقوشة بالذهب ، فإنه لكونه تابعا لا ينظر إليه لو كان الثمن ذهبا كما سبق بيانه.

وإطلاق الدروس اشتراط العلم ، والتحرز من الربا بعد تعميم الحكم‌

٣٨٧

أما إذا أحلنا تملكه وباعه وما معه ، صار جزءا من المبيع ، فيعتبر فيه شرائط البيع.

وهل تدخل الثياب التي عليه؟ أقربه دخول ما يقتضي العرف دخوله معه.

______________________________________________________

بعدم الدخول ، إلا مع الشرط في القول بملك العبد وعدمه (١) يقتضي اشتراطهما على تقدير الملك أيضا ، وهو الذي يستفاد من كلام التذكرة فإنه قال ـ بعد حكاية قول الشافعي بكونه تابعا ـ : ولبعض اتباعه بكونه غير مبيع لا أصلا ولا تبعا (٢) ، وفرق بين القولين بعدم اعتبار أحكام الربا على الثاني دون الأول (٣).

والتحقيق أن نقول : إن باعه العبد وماله ، بحيث كان المال جزءا من المبيع شرط فيه ما شرط في المبيع ، وإن باعه العبد وشرط له المال كان المال للمشتري ، واشترط فيه شرائط البيع ، وهذا التحقيق جيد ، وما ذكره في هذا الكتاب ضعيف ، لأن ملك العبد ضعيف لا يخرج المال به عن كونه ملكا للبائع يقبل التصرفات.

قوله : ( أما إذا أحلنا تملكه ، وباعه وما معه ، صار جزءا من المبيع ، فيعتبر فيه شرائط البيع ).

يظهر من قوله : ( صار جزءا من المبيع ) أنه في الأول لا يعد جزءا ، وهو كذلك ، لأنه مملوك للعبد ، وإن كان ملكا متزلزلا فلا يكون جزءا حقيقة ، بل كالجزء ، وقد ذكرنا تحقيق التذكرة وأنه جزء ، وإن قلنا : العبد يملك فلا يتم ما ذكره هنا.

قوله : ( وهل تدخل الثياب التي عليه؟ أقربه دخول ما يقتضي العرف دخوله ).

( أقربه ) مع قوله : ( هل ) قرينة على أن هناك محذوفا : على اشكال ،

__________________

(١) الدروس : ٣٤١.

(٢) انظر : فتح العزيز المطبوع مع المجموع ٩ : ٣٥ ـ ٣٦.

(٣) التذكرة ١ : ٥٧٢.

٣٨٨

الفصل الثاني : في التسليم :

وفيه مطلبان :

الأول : في حقيقته :

وهو : التخلية مطلقا على رأي ، وفيما لا ينقل ولا يحول كالأراضي والأبنية والأشجار ، والنقل في المنقول ،

______________________________________________________

ونظر ، ونحوه ، ومنشؤه من تعارض العرف واللغة ، ولا شبهة في ضعفه ، لأن اللغة لا يصار إليها مع وجود العرف ، فحينئذ الأقرب دخول الثياب.

وفي تعيين ما يدخل وجهان أيضا ، أقربهما عند المصنف دخول ما يقتضي العرف دخوله ، فلا يقتصر على دخول ساتر العورة دون غيره ، إذ لا دليل عليه إذا كان العرف المستقر بخلافه ، وما اختاره هو الأقوى.

فعلى هذا لو اقتضت العادة دخول ثوب واحد اقتصر عليه ، وإن اقتضت أكثر صير اليه ، ولو اختلف العرف لاختلاف الزمان بالحر والبرد وشبههما فالمتبع هو العرف ، ومع الشك فالأصل العدم ، لانتفاء المقتضي ، ولو دلت القرينة على شي‌ء بخصوصه فلا كلام في اتباعها.

قوله : ( الأول : في حقيقته : وهو التخلية مطلقا على رأي ).

أي : في كل شي‌ء ، سواء ما ينقل ويكال وغيرهما ، ولا يخفى أن التخلية لا تتحقق إلا برفع البائع يده ، ويتحقق رفعها وإن كان المبيع مشغولا بما له كما سيأتي.

قوله : ( والنقل في المنقول ).

لا يراد بهذا النقل نقل البائع ، إذ لا يعتبر نقله قطعا ، إنما المعتبر نقل المشتري كما دل عليه الخبر (١) ، ونقل المشتري قبض لا تسليم ، وأيضا فإن نقل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٩.

٣٨٩

والكيل والوزن فيما يكال أو يوزن على رأي ،

______________________________________________________

البائع وان لم يعتبر فإنه لا يعد تسليما ، إذ التسليم محاولة إدخال المبيع في يد المشتري.

نعم ، قد يستدعي النقل في بعض الحالات ، لكن لا يكون نفسه ، فالعبارة غير جيدة ، لأن البحث في التسليم ، وما ذكره لا يعد تسليما على واحد من التقديرين ، ومع ذلك فان مراده التنبيه على أن التسليم المقتضي لزوال الضمان إنما يتحقق مع نقل المشتري المبيع كما دل عليه الخبر ، والعبارة لا تساعد على ذلك.

قوله : ( والكيل والوزن فيما يكال أو يوزن ).

المراد به : الكيل الذي به يتحقق اعتبار البيع ، فلا بد من رفع البائع يده عنه ، فلو وقع الكيل ولم يرفع البائع يده فلا تسليم ولا قبض ، ولو أخبره البائع بالكيل فصدقه وأخذه على ذلك حصل القبض ، كما نص عليه في التذكرة (١) ، فلو قال : إنه ظهر ناقصا عما أخبر به ، فالقول قوله مع يمينه وإن لم يمكن استعلام حاله.

ولو أخذ المبيع جزافا ، وأخذ ما يكال وزنا ، أو بالعكس ، فان تيقن حصول الحق فيه صح ، والا فلا ، ذكره في التذكرة (٢).

والذي ينبغي أن يقال : ان هذا الأخذ بإعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع إلى المشتري ، وانتفاء سلطنة البائع لو أراد حبسه ليقبض الثمن لا التسلط على بيعه ، لأن بيع ما يكال أو يوزن قبل كيله أو وزنه على التحريم أو الكراهية ، ولو كيل قبل ذلك ، فحضر كيله أو وزنه ، ثم اشتراه وأخذه بذلك الكيل ، فهو كما لو أخبره بالكيل أو الوزن ، بل هو أولى ، وهنا مباحث ثلاثة :

الأول : إطلاق عبارة المصنف الكيل أو الوزن يقتضي الاكتفاء بأيهما‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٦٠ ـ ٥٦١.

(٢) التذكرة ١ : ٥٥٦.

٣٩٠

______________________________________________________

كان ، وقد عرفت أن المعتبر هو ما لا بد من اعتبار المبيع به ، فلو كال ما يوزن فقط فهو كما لو أخذه جزافا ، كما حكيناه عن التذكرة (١) ، ولا يخفى أنه لا بد مع الكيل أو الوزن من رفع البائع يده كما قلناه.

الثاني : قال في الدروس : القبض في غير المنقول التخلية بعد رفع اليد ، وفي الحيوان نقله ، وفي المعتبر كيله أو وزنه أو عده أو نقله ، وفي الثوب وضعه في اليد (٢) ، وأراد بالمعتبر : ما يكون له اعتبار مخصوص ، لتندفع به جهالته. وهذا الذي ذكره هو مقتضى العرف ، إلا أن الذي دلت عليه النصوص (٣) هو اعتبار النقل أو الكيل أو الوزن ، ولا دليل على الاكتفاء بالعدد في المعدود ، وعلى وضع الثوب في اليد.

نعم في قوله : أو نقله ، دلالة على حصول القبض بنقل المكيل بدون الكيل ، وهو حسن ، لكن كونه قبضا بالنسبة إلى زوال التحريم أو الكراهة عن بيعه حينئذ مشكل ، إلا أن يحضر كيله السابق المشتري ، أو يخبره البائع فيصدقه.

والذي اختاره في المختلف : أن المبيع إن كان منقولا فالقبض فيه هو النقل ، أو الأخذ باليد ، وإن كان مكيلا أو موزونا فقبضه هو ذلك أو الكيل أو الوزن ، وان لم يكن منقولا فالقبض فيه هو التخلية (٤).

وفي المبسوط : القبض فيما لا ينقل ولا يحوّل هو التخلية ، وإن كان مما ينقل ويحوّل فان كان مثل الدراهم والدنانير والجواهر وما يتناول باليد فالقبض فيه التناول ، وإن كان مثل الحيوان كالعبد والبهيمة ، فإن القبض في البهيمة أن يمشي بها الى مكان آخر ، وفي العبد أن يقيمه الى مكان آخر ، وإن كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله من مكانه ، وإن اشترى مكايلة فالقبض فيه أن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٥٦.

(٢) الدروس : ٣٤٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٩.

(٤) المختلف : ٣٩٣.

٣٩١

فحينئذ لو اشترى مكايلة وباع مكايلة ، لا بدّ لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض.

______________________________________________________

يكيله ، هذا كلامهم (١).

وفيه : أن الرواية دلت على اعتبار النقل في المنقول (٢) ، فالاكتفاء بأخذه باليد خلاف ما دلت عليه ، وأيضا فإن اعتبار الكيل أو الوزن في جواز بيع المكيل أو الموزون في صحيحة معاوية بن وهب (٣) دليل على أن القبض الذي تترتب عليه أحكامه كلها لا يكون إلا بالكيل أو الوزن ، فلا يكفي النقل فيه من دون كيل ، أو ما يقوم مقامه.

نعم ، زوال الضمان وامتناع الحبس إذا أخذه المشتري ظاهر بشرط اذن البائع في الثاني ، ومتى دلت الروايات على اعتبار النقل في المنقول ، والكيل في الموزون ثبت القول الثاني ، إذ لا قائل بالفصل.

وأما العبد ، فلا يبعد أن يقال : إنّ أخذه ونقله يتحقق بانتقاله بأمره ، إذا لم تجر العادة بأخذه باليد ، ومما يقوم مقام الكيل أن يبيع من الصبرة عدة أصوع يقطع باشتمالها عليها ثم يهبه الباقي ، فإن هذا بمنزلة الكيل ، لأن بيعه كذلك بمنزلة اعتباره ، ولهذا يصح البيع.

الثالث : اختار في الدروس : أن القبض هو التخلية بعد رفع اليد بالنسبة إلى زوال الضمان عن البائع ، لا بالنسبة إلى زوال التحريم والكراهية عن البيع قبل القبض (٤) ، والخبر دال على خلاف ما ذهب اليه.

قوله : ( فحينئذ لو اشترى مكايلة وباع مكايلة ، لا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض ).

أي : حين كان القبض في المكيل هو الكيل بناء على القول الثاني : لو‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٢٠.

(٢) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٥ حديث ١٤٦.

(٤) الدروس : ٣٤٢.

٣٩٢

ويتم القبض بتسليم البائع له وغيره ، وله أن يتولى القبض لنفسه كما يتولى الوالد الطرفين ، فيقبض لولده من نفسه ولنفسه من ولده.

______________________________________________________

اشترى شيئا مكايلة ، أي : لو اشترى شيئا لا يباع إلا مكايلة ، وباع كذلك لا بد لكل بيع من هذين كيل جديد لأنه لا بد من قبض ، ولو أنه حصّل الكيل المتعلق بالبيع الأول فاكتفى به ، أو أخبره البائع فصدقه لكفى نقله ، وكان ذلك قائما مقام الكيل.

ولو أخذه جزافا فان قطع باشتمال المأخوذ على المبيع فكذلك ، ولو لم يقطع فمقدار المأخوذ محسوب من المبيع ، وقد صرح في التذكرة بما عدا الأولى والأخيرة (١) ، وظاهر كلامه فيها عدم الاحتياج الى الكيل في جواز البيع ، بحيث لا يعد بيعا للمبيع قبل قبضه ، وفيه نظر.

والمراد بقوله : ( ليتم القبض ) حصوله ، وقد يطلق على حصول الشي‌ء ذلك ، إذ بالحصول يتحقق التمام.

قوله : ( ويتم القبض بتسليم البائع له وغيره ).

أي : ويتحقق بتسليم البائع المبيع للمشتري ، وغير البائع ممن يقوم مقامه بولاية أو وكالة ، أو للمشتري وغير المشتري ممن يقوم مقامه ، إلا أن فيه عطفا على الضمير المجرور.

قوله : ( وله أن يتولى القبض لنفسه ، كما يتولى الوالد الطرفين ، فيقبض لولده من نفسه ، ولنفسه من ولده ).

ليس لضمير ( له ) مرجع مذكور في العبارة ، لكنه مدلول عليه بما سبق ، إذ الكلام في قبض المبيع ، أي : وللمشتري أو لمن يعتبر قبضه المبيع أن يتولى طرفي القبض في دفعتين ، كما يقبض الوالد من نفسه لولده إذا اشترى له من نفسه مال نفسه ، وكما يقبض لنفسه من نفسه عن ولده.

واعلم أن في العبارة مناقشات :

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٢.

٣٩٣

ويجب التسليم مفرغا ، فلو كان في الدار كمتاع وجب نقله ، ولو كان في الأرض زرع قد بلغ وجب نقله ، وكذا يجب نقل العرق المضر ، كالذرة والحجارة المدفونة المضرة.

وعلى البائع تسوية الأرض ، ولو احتاجت إلى هدم شي‌ء هدم وعلى البائع‌ الأرش.

______________________________________________________

الأولى : إن كل مشتر انما يقبض المبيع لنفسه ، فلا يختص ذلك ببعض الصور ، كما يظهر من تمثيله بالوالد.

الثانية : إن المثال غير مطابق ، لما ذكره أولا ، لأن قبضه لنفسه ليس هو عبارة عن تولي الطرفين.

الثالثة : إنه إذا اشترى مال ولده إنما يقبض لنفسه من نفسه ، لا عن ولده كما هو صريح العبارة. نعم يقبضه عن ولده ، والخطب فيه يسير ، لأنه إذا قبض لنفسه من نفسه لا عن ولده ، فكأنه قبض من ولده.

إذا عرفت هذا ، فهل يشترط هنا في القبض النقل في المنقول؟ الأقرب انه لا يشترط ، لأنه مقبوض في يده ، فقبضه له يتحقق باستدامة القبض مع القصد.

قوله : ( ويجب تسليم المبيع مفرغا ).

أي : يجب كل من التسليم والتفريغ ، فلو كان المبيع مشغولا بمال البائع فسلمه البائع إلى المشتري فتسلمه حصل القبض عندنا ، كما صرح به في التذكرة (١) خلافا لبعض العامة (٢) ، ويجب التفريغ مع ذلك.

قوله : ( ولو كان في الأرض زرع قد بلغ وجب نقله ).

وإن لم يكن قد بلغ صبر إلى أوان بلوغه ، ومع الجهل بشي‌ء من ذلك ، والاحتياج الى زمان يفوت به شي‌ء من النفع يتخير المشتري.

قوله : ( ولو احتاجت الى هدم شي‌ء هدم ، وعلى البائع الأرش ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٢.

(٢) هم من الشافعية ، انظر : المجموع ٩ : ٢٧٦.

٣٩٤

ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده ، باختيار البائع وبغير اختياره.

واجرة الكيال ، ووزان المتاع وعادّه ، وبائع الأمتعة على البائع ، واجرة ناقد الثمن ووزانه.

ومشتري الأمتعة وناقلها على المشتري ، ولا اجرة للمتبرع وإن أجاز المالك ،

______________________________________________________

أي : لو احتاجت هذه المذكورات في تفريغ المبيع منها الى الهدم فلا بد منه ، وعلى البائع الأرش ، لأنه إتلاف لبعض المبيع لحق وجب عليه ، ومع جهل المشتري بالحال فله الفسخ.

قوله : ( ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده ، باختيار البائع وبغير اختياره ).

الصور أربع : منها ، ما لو كان القبض قبل نقد الثمن بغير اختيار البائع ، وهذا قبض بالنسبة الى ما عدا حق البائع من جنس المبيع الى أن يقبض الثمن ، فان حق البائع هذا يبقى كما كان ، إذ لا يملك المشتري إسقاط حق البائع ، وكذا لا يزول لهذا القبض حكم خيار التأخير.

قوله : ( واجرة الكيّال ووزان المتاع ... ).

الحاصل أن كل فعل هو لأحد من المتعاقدين على الآخر ، اجرة عمله على المخاطب ، ولا ريب أن المبيع يجب تسليمه الى المشتري على الوجه المعتبر مكيلا أو موزونا أو معدودا على اختلاف أحواله ، وكذا القول في الثمن.

قوله : ( ومشتري الأمتعة وناقلها على المشتري ).

لأن الشراء فعل لأجله ، ونقل الأمتعة إلى المكان الذي يريد أمر خارج عن اقباض المبيع ومتأخر عنه ، فلا يتعلق بالبائع.

قوله : ( ولا اجرة للمتبرع وإن أجاز المالك ).

أي : لا أجرة للمتبرع بشي‌ء من هذه الأفعال الواجبة للبائع على المشتري ، أو بالعكس وإن أجاز المالك لذلك ـ أي : الذي حقه أن يصدر منه ـ فلو تبرع‌

٣٩٥

ولا يتولاهما الواحد ، بل له اجرة ما يبيعه على الآمر بالبيع ، وما يشتريه على الآمر بالشراء.

______________________________________________________

متبرع بكيل المبيع فأجاز البائع الكيل ورضي لم تلزمه أجرة ، لأنه في وقت صدوره لا يستحق بسببه اجرة ، فلا يجب بسببه شي‌ء بعد ذلك.

قوله : ( ولا يتولاهما الواحد ، بل له اجرة ما يبيعه على الآمر بالبيع ، وما يشتريه على الآمر بالشراء ).

أي : ولا يتولى العملين من بيع الأمتعة عن شخص وشرائها عن الآخر ، بحيث يأخذ أجرة العملين منهما ، هذا هو المراد من العبارة وإن كانت غير دالة عليه ، لكن بمعونة ما قبله وما بعده يستفاد ذلك ، لأن تولي العملين بغير اجرة لا محذور فيه قطعا ، وكذا بأجرة من أحدهما إذا أتى بما أمره به ، وكذا لو أتى بغير ذلك من الأعمال مثل كيل المبيع أو وزنه ، ونقد الثمن أو وزنه ، وإن أخذ أجرتين للعملين فلم يبق إلا ما ذكرناه.

أما بيع المشاع وشراؤه فلما لم يتصور وقوع الفعلين من شخص واحد في سلعة واحدة ، لأن البيع مبني على المكايسة والمغالبة ، ولا يكون الشخص الواحد غالبا ومغلوبا ، وارتكابه الحالة الوسطى موقوف على رضاهما بذلك.

أما الولي لطفلين فلما كان فعله منوطا بالمصلحة ، ولم يمتنع أن يكون الشراء بالثمن الأعلى مال الطفل مصلحة للآخر ، لعدم حصول غيره ، وضرورته اليه لم يمتنع توليه الطرفين ، وأيضا فإنه إذا أمرهما معا كما يأتي به السعي محسوب للأمر بالبيع ، فلا يبقى فعل للأمر بالشراء ليتولاه عنه.

نعم لو أمر بالشراء فقط فسعى فيه ، وماكس عن المشتري الى أن بلغ به المرتبة المأمور بتحصيلها ، كان ذلك محسوبا له. ولا يراد بالبيع والشراء هنا الإيجاب والقبول ، لأن توليهما من الواحد عن البائع والمشتري جائز عند المصنف ، فلا يمتنع إيقاعهما بالأمر وأخذ الأجرة عليهما ، لأن كلا منهما عمل برأسه مستقل بنفسه بخلاف ما سبق.

٣٩٦

ولو هلك المتاع في يد الدلال من غير تفريط فلا ضمان ، ويضمن لو فرط ، ويقدم قوله مع اليمين وعدم البينة في عدم التفريط ، وفي القيمة لو ثبت بالإقرار أو البينة.

المطلب الثاني : في حكمه ووجوبه :

حكم القبض انتقال الضمان إلى المشتري والتسلط على التصرف مطلقا على رأي ، للنهي عن بيع ما لم يقبض خصوصا الطعام ، والأقوى الكراهية.

______________________________________________________

قوله : ( حكم القبض انتقال الضمان إلى المشتري ).

أي : الضمان الذي كان متعلقا بالبائع ، وهو كون المبيع لو تلف محسوبا من ماله ، فإنه بعد القبض لو تلف يكون من مال المشتري. وهنا سؤال ، وهو أنه قد سبق أن القبض في المنقول نقله ، فيشكل عليه أنه لو أخذه المشتري بيده ولم ينقله ، بل تسلمه في موضعه الذي كان فيه ، ثم تلف لا يكون من ضمانه مع أنه في يده ، وذلك غير ظاهر. والرواية (١) وإن دلت على ذلك إلا أن ما دل على ثبوت الضمان بإثبات اليد (٢) ينافيها. والجواب يحتاج الى فضل تأمّل ، وتحقيق هذا موقوف على تحقيق معنى إثبات اليد.

قوله : ( والتسلط على التصرف مطلقا على رأي ، للنهي عن بيع ما لم يقبض خصوصا الطعام ، والأقوى الكراهية ).

أي : من أحكام القبض التي ترتب عليه التسلط على التصرف مطلقا على رأي لبعض الأصحاب ، فلا يصح كل تصرف قبله ، للنهي عن بيع ما لم يقبض (٣) ، وثبوت هذا النهي يقتضي المنع من بعض التصرفات ، فيكون حينئذ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٩.

(٢) الفروع ٥ : ١٧٣ حديث ١٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.

(٣) الفقيه ٣ : ١٢٩ حديث ٥٦٠ ، التهذيب ٧ : ٣٥ حديث ١٤٧.

٣٩٧

وله بيع ما انتقل إليه بغير بيع قبل قبضه ، كالميراث والصداق وعوض الخلع.

______________________________________________________

جواز مجموع التصرفات موقوفا على القبض.

ومتعلق الجار في قوله : ( للنهي عن بيع ما لم يقبض ) هو التسلط ، وليس أخص من الدعوى كما قيل ، لأن توقف التسلط على مجموع التصرفات من حيث المجموعية على القبض يتحقق بالمنع من بعضها قبله ، وإنما ينبغي توقفه عليه لجواز المجموع قبله ، لا لجواز البعض فقط ، لأنه إذا جاز البعض قبله وامتنع البعض لم يكن المجموع ـ الذي هو عبارة عن جميع التصرفات مع اعتبار الهيئة الاجتماعية ـ جائزا ، ولا يجوز إلا بعد القبض ، وفرق بين توقف المجموع وتوقف الجميع ، لاعتبار الهيئة الاجتماعية في الأول ، ولا يلزم من توقفها توقف كل فرد من تلك الأفراد ، بخلاف توقف الجميع ، فإن الهيئة الاجتماعية غير منظور إليها فيه ، فإثبات الحكم لكل الأفراد مع قطع النظر عن هيئة الاجتماع ، إنما يتحقق إذا كان كل فرد متوقفا.

فعلى هذا يراد بقول المصنف : ( التسلط على التصرف ) جملته من حيث الجملة ويكون قوله : ( مطلقا ) هو الكاشف عن هذا المراد ، وهو أولى من حمل الشهيد في بعض فوائده إياه على التعميم في الطعام وغيره ، والمكيل والموزون وغيرهما.

ولو حملت العبارة على ارادة كل تصرف تصرف بحيث لإيراد الجميع ، لكان فيه ـ مع كون الدليل أخص من المدعى ـ الفساد من حيث المعنى أيضا ، إذ من المعلوم عدم توقف كل فرد من افراد التصرفات على القبض ، وإنما خص الطعام ، لأن أكثر المانعين من الأصحاب خصوا المنع به.

وفي بعض الفوائد المنسوبة إلى ولد المصنف : أن الطعام الحنطة والشعير ، وكيف كان فالأصح الكراهية ، جمعا بين الأخبار ، وتوفيقا بين الأدلة.

٣٩٨

ولو أحال من له عليه طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم ، فالأقوى الكراهية ، وعلى التحريم يبطل ، لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أحال من له عليه طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم ، فالأقوى الكراهية ).

المنع من ذلك يتوقف على كون الحوالة بيعا ، وانّ بيع ما لم يقبض ممنوع منه ، وكل من الأمرين منتف ، فإنّ الحوالة استيفاء ، لما فيها من معنى التحويل ، وبتقدير أن تكون معاوضة لا يتعين كونها بيعا ، ولو ثبت ذلك ، فبيع الطعام قبل قبضه مكروه لإحرام ، والأصح الكراهية.

فإن قلت : ما وجه الكراهية؟

قلت : التحرز مما هو مظنة التحريم ، والمحافظة على الخروج من الخلاف.

فان قلت : على هذا يكفي كون أحد المالين سلما ، إما المحال به ، أو المحال عليه فلم اعتبر فيهما معا كونهما سلما؟

قلت : لأن المنع إنما هو من بيع ما لم يقبض ، وإذا كان أحد المالين سلما دون الآخر لم يتعين ، لكونه مبيعا ، لإمكان اعتباره ثمنا ، إذ لا معين لأحدهما.

واعلم أن الباء في قوله : ( بقبضه ) متعلقة بقوله : ( أحال ) ، وكذا ( على ) في قوله : ( على من له عليه مثله ).

قوله : ( وعلى التحريم يبطل ، لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه ).

أي : وعلى القول بتحريم هذه الحوالة يبطل ، لأن المحتال قبض المحال به عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه ، وهذا يقتضي أن يكون بيع ما لم يقبض بناء على تحريمه باطلا ، وقد صرح في المختلف بخلافه (١) ، وكأنه بناه على أن النهي‌

__________________

(١) لم نجده في المختلف ، وقال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧١٤ : وحكى في جامع المقاصد عن المختلف أنه صرح بعدم البطلان ، وكأنه بناه على أن النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ولكني لم أجد ذلك في المقام.

٣٩٩

وكذا لو دفع إليه مالا وأمره بشراء طعام له لم يصح الشراء ولا يتعين له بالقبض.

أما لو قال : اشتر به طعاما واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح الشراء ، وفي القبض قولان.

ولو كان المالان أو المحال به قرضا‌ صح ، وكذا يصح بيعه على من

______________________________________________________

في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ويشكل بأن النهي هنا راجع الى نفس المبيع ، فكان كبيع المجهول.

إذا عرفت هذا فلا يخفى ما في هذا التعليل من عدم الارتباط بالمدعى ، فإن الحوالة إن لم تكن بيعا لم يكن القبض عوضا عن مال المحتال مؤثرا للفساد ، إلا أن ينزل على أن القبض عوض عن المال يقتضي كونها بيعا ، وهو غير واضح.

قوله : ( وكذا لو دفع إليه مالا ، وأمره بشراء طعام له لم يصح الشراء ).

لأن مال الغير يمتنع به شراء شي‌ء لنفسه ما دام على ملك الغير ، ومال في المختلف الى جواز ذلك (١) ، والأصح ما هنا ، إلا أن يعلم بقرينة أنه يريد قضاء طعامه بالدراهم وإن كانت من غير الجنس ، أو يريد قرضه إياها ، أو شراءه لمن عليه الطعام ، واستيفاؤه بعد الشراء ، ويكون التعبير بكون الشراء له ائلا الى ذلك.

واعلم أن في قوله : ( وكذا ) مناقشة ، فإن التشبيه لهذه بما قبلها غير واضح.

قوله : ( وفي القبض قولان ).

يلتفتان الى أن الواحد هل يتولى طرفي القبض في غير الأب؟ وقد منعه الشيخ في المبسوط (٢) ، والأصح الجواز.

قوله : ( ولو كان المالان أو المحال به قرضا صح ).

__________________

(١) المختلف : ٣٩٤.

(٢) المبسوط ٢ : ١٢١.

٤٠٠