جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

ولا بين المسلم وأهل الحرب ، فللمسلم أخذ الفضل في دار الحرب أو الإسلام دون العكس ، ويثبت بين المسلم والذمي على رأي.

والقسمة تمييز وليست بيعا ، فيجوز فيما يثبت فيه الربا وإن تفاضلا وزنا وخرصا ، ولو أخذ أحدهما الرطب والآخر التمر جاز.

ويجب على من أخذ الربا ردّه إلى مالكه إن عرفه ، أو إلى ورثته إن فقد ، ويتصدق به عنه إن جهله ، سواء استعمله مع علم التحريم أو جهله على رأي.

______________________________________________________

إنما يثبت في حق العقد الدائم ، فإن للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم. وليس بشي‌ء ، لأن مثل هذا لا يقيد به إطلاق النص الوارد بنفي الربا بين الزوج والزوجة.

قوله : ( ولا بين المسلم وأهل الحرب ، فللمسلم أخذ الفضل في دار الحرب أو الإسلام ، دون العكس ).

هذا هو التحقيق ، وأطلق الشيخ نفي الربا بين المسلم والحربي (١) ، فاقتضى جواز دفع الفضل اليه ، ورده ابن إدريس (٢) ، وهو الصواب. ولا فرق بين كونه معاهدا أم لا ، لأنّ الحربي في‌ء لنا ، وأمانه وإن منع من أخذ ماله بغير حق ، إلا انه إذا رضي بدفع الفضل انتقض أمانه فيه ، نبه عليه في التذكرة (٣).

أما الذمي فإن ماله حرام كمال المسلم ، كما سبق بيانه في الجهاد.

قوله : ( ويثبت بين المسلم والذمي على رأي ).

هذا هو الأصح ، تمسكا بعموم المحرم.

قوله : ( سواء استعمله مع علم التحريم ، أو جهله على رأي ).

أي : يجب رده على مالكه كما ذكر ، سواء استعمل الربا ـ أي : فعله ـ مع‌

__________________

(١) النهاية : ٣٧٦.

(٢) السرائر : ٢١٥.

(٣) التذكرة ١ : ٤٨٤.

٢٨١

المقصد الخامس : في لزوم البيع :

الأصل في البيع اللزوم ، وإنما يخرج عن أصله بأمرين : ثبوت خيار وظهور عيب ، فهنا فصلان :

______________________________________________________

علم التحريم ، أو مع جهل التحريم ، وهذا هو أصح القولين ، وليس في الآية دلالة على المسامحة في الزيادة مع الجهالة ، لأنّ المراد : فله ما سلف من الفعل المحرم.

فان قيل : ( ما ) للعموم فيشمل الزيادة؟ قلنا : العموم غير مراد ، وإلا لاقتضى ملك الزيادة مع العلم ، إذ لا تقييد في الآية (١) بالجهل ، وهو باطل إجماعا.

فإن قيل : الفرد المتفق عليه خارج من العموم الباقي على أصله.

قلت : السياق دال على أن المراد : فله ما سلف من الفعل ، إذ المنهي عنه إنما هو أكل الربا والبيع المشتمل عليه ، وليس لتلك الزيادة وردها ذكر في الآية ، ولظاهر قوله سبحانه ( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) (٢).

قوله : ( الأصل في البيع اللزوم ).

أي : بناؤه على اللزوم لا على الجواز ، وإن كان قد يعرض لبعض افراده الجواز ، أو أن الأرجح فيه ذلك ، نظرا الى أن أكثر أفراده على اللزوم.

قوله : ( ثبوت خيار ، وظهور عيب ).

ظهور العيب أيضا مقتض للخيار ، فكان حقه الاستغناء به ، إلا أن يقال : أن ثبوت الخيار لا بسبب نقصان في نفس العين وصفاتها قسم برأسه ، وبسببه قسم آخر ، أو أن مباحث العيوب لسعتها حقيقة بأفراد فصل لها ، فلأجل ذلك جعل العيب قسما. برأسه.

وهذا هو الملحوظ له والمطابق لفعله ، فإنه في أقسام الخيار ، قال : ( السابع :خيار العيب ) وسيأتي.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) البقرة : ٢٧٩.

٢٨٢

الأول : الخيار ، وفيه مطلبان :

الأول : في أقسامه ، وهي سبعة :

الأول : خيار المجلس : ويختص بالبيع ويثبت بعد العقد في كل مبيع لم يشرط فيه سقوطه ، فان شرط سقط ، ولو اشترط أحدهما سقوطه عنه سقط بالنسبة إليه خاصة.

وهو ثابت للبائع والمشتري ما داما في المجلس وإن ضرب بينهما حائل ، أو فرّقا كرها ـ إما بالضرب أو الحمل ـ ولم يتمكنا من الاختيار ، أو فارقاه مصطحبين.

______________________________________________________

قوله : ( ويثبت بعد العقد في كل مبيع لم يشترط فيه سقوطه ... ).

حصر في التذكرة مسقطات خيار المجلس في أربعة :

أ : اشتراط سقوطه في متن العقد.

ب : الافتراق.

ج : التخاير.

د : التصرف. فان كان من المشتري سقط خياره في الرد ، لأنه بتصرفه التزم بالملك واختار إبقاء العقد ، وإن كان من البائع كان فسخا للعقد (١).

قوله : ( أو فرقا كرها : ـ إما بالضرب ، أو بالحمل ـ ، ولم يتمكنا من الاختيار ).

التهديد بمن يخاف منه إيقاع ما هدد به مثل الضرب ، ويفهم من قوله :( ولم يتمكنا من الاختيار ) ـ بان سد فمهما ، أو هددا على التكلم ـ ، انه مع التمكن منه يسقط ، لتحقق الافتراق مع التمكن من الاختيار.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٧.

٢٨٣

ولو فارق أحدهما الآخر ولو بخطوة اختيارا عالمين أو جاهلين ، أو بالتفريق ، أو هرب أحدهما كذلك ، أو التزما به ، أو أوجبه أحدهما ورضي الآخر سقط.

ولو التزم به أحدهما سقط خياره خاصة ، ولو قال له : اختر فسكت ، فخيارهما باق على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ولو فارق أحدهما الآخر ولو بخطوة اختيارا عالمين ، أو جاهلين ، أو بالتفريق ... ).

المراد بافتراقهما : طروء الافتراق بعد العقد ، بحيث يزيد على ما بينهما من البعد ، ويتحقق ذلك بالبعد بخطوة ونحوها ، وذلك لأن الافتراق الحقيقي حاصل بينهما وقت العقد.

فلا يراد من الحديث إلا الافتراق الطارئ بعده ، وليس له هناك معنى سوى المعنى اللغوي ، وهو متحقق بما قلناه ، وقد نبه عليه في التذكرة (١).

وفرق بعض العامة بين الدار الصغيرة والكبيرة ، فشرط في الصغيرة الخروج منها أو صعود سطحها ، واكتفى في الكبيرة بالانتقال من الصفة إلى الصحن (٢) ، وليس بشي‌ء. ولا فرق فيما قلناه بين قرب المكانين وبعدهما ، حتى لو تناديا بالبيع من بعد اعتبر التفرق من مكانيهما ، لسقوط الخيار.

قوله : ( أو هرب أحدهما كذلك ).

أي : ولو بخطوة اختيارا عالمين ، أو جاهلين ، أو بالتفريق ، وإن فعل ذلك حيلة في لزوم العقد.

قوله : ( ولو قال له : اختر فسكت ، فخيارهما باق على رأي ).

أما بقاء خيار الساكت فلا بحث ، وأما الآخر ففيه قولان : أصحهما البقاء ، لعدم حصول واحد من الأمور المسقطة الأربعة ، ولظاهر : « ما لم يفترقا » (٣).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٧.

(٢) منهم : الشافعي في كفاية الأخبار ١ : ١٥٥.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٧٣.

٢٨٤

وخيار العاقد عن اثنين باق بالنسبة إليهما ، ما لم يشرط سقوطه ، أو يلتزم به عنهما بعد العقد ، أو يفارق المجلس على قول.

ويحتمل سقوط الخيار وثبوته دائما ، ما لم يسقطه بتصرف أو إسقاط.

______________________________________________________

وقال الشيخ : يسقط ، لما روي عنه عليه‌السلام : « ما لم يفترقا ، أو يقل أحدهما لصاحبه : اختر » (١) ، وفي السند جهالة.

قوله : ( وخيار العاقد عن اثنين باق بالنسبة إليهما ، ما لم يشترط سقوطه ، أو يلتزم به عنهما بعد العقد ، أو يفارق المجلس على قول ، ويحتمل سقوط الخيار وثبوته دائما ، ما لم يسقطه بتصرف أو إسقاط ).

العاقد عن اثنين ليس الخيار له ، بل لهما ، ثم إن كونه له لا ينتظم مع الحكم ببقائه بالنسبة إليهما ، وإنما يسوغ له اشتراط ذلك وإسقاطه ، والالتزام عنهما إذا كان وليا أو وكيلا مفوضا في ذلك ، أما لو كان وكيلا في العقد عنهما خاصة فليس له التزام ، ولا فسخ.

ولا ريب أن اشتراط السقوط في متن العقد حيث يجوز ذلك والالتزام به مسقط حيث يثبت الخيار ، وإنما ذكره في الاحتمال الأول والثالث ليتحرز عن المواضع التي يقطع فيها بالسقوط ، ويفترق عن الاحتمال الأول والثالث بكون مفارقة العاقد المجلس موجب للسقوط وعدمه.

وتحقيق الكلام فيها : أن ثبوت الخيار هنا وعدمه ، وتعيين أمد بقائه على تقدير الثبوت ، فيه احتمالات ثلاثة :

الأول : ثبوته إن لم يشترط عدمه ، وبقاؤه الى أن يحصل الالتزام قطعا ، أو مفارقة المجلس على قول نقله الشيخ في المبسوط (٢) ، فكأنه أراد : أن مجي‌ء الاحتمال مبني على قول نقله الشيخ ، يظهر من كلامه ضعفه ، فيكون مجي‌ء هذا الاحتمال مبنيا على ذلك القول الضعيف.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٧٨.

(٢) المبسوط ٢ : ٧٨.

٢٨٥

______________________________________________________

ووجه هذا القول : أن الافتراق بين المتعاقدين يتحقق بمفارقة مجلس العقد ، وتباعدهما بعده عن الحالة التي كانا عليها ، فالعاقد عنهما يعتبر فيه الممكن من ذلك ، وهو مفارقة مجلس العقد ، إذ مفارقة نفسه غير معقولة.

ويضعف ، بأنّ الواقع في الحديث هو الافتراق ، لا مفارقة مجلس العقد ، حتى أن مفارقته من دون الافتراق لا أثر لها.

الثاني : الثبوت ، وإنما يسقط بالالتزام بعد العقد أو اشتراط السقوط فيه ، ووجه الثبوت في الموضعين : ظاهر قوله عليه‌السلام : « البيعان بالخيار » (١) فإنه يعم البائعين بوكيلهما ، أو وليهما ، وقوله : « ما لم يفترقا » إنما يصلح لاخراجهما ، إذا أريد به عدم الملكة ، أعني : عدم الافتراق عما من شأنه الافتراق ، فان ذلك غير صادق في الشخص الواحد ، وهو غير متعين ، لاحتمال ارادة السلب ، لا عدم الملكة عنه.

الثالث : عدم الثبوت أصلا ، حملا للحديث على عدم الملكة ، وقد عرفت ما فيه.

والذي يجب أن يحقق في الحديث : أنّ البيعين إن أريد بهما : العاقدان لأنفسهما لم يعم الوكيلين ولا الموكلين ، وإن أريد بهما : مالك المبيع ومالك الثمن لم يطابق أول الحديث آخره ، إلا إذا كان المالكان هما العاقدان ، لأن قوله :« ما لم يفترقا » لا يصدق في المالكين ، إذا كان العاقدان غيرهما ، لانه يصير معناه حينئذ : البيّعان بالخيار ما لم يفترق العاقدان ، وهو غير ظاهر ، إلا أن يدعى وجود القرينة الدالة على مرجع هذا الضمير ، وهي ذكر طروء الافتراق المقتضي لسبق عدم الاجتماع للعقد ، أو يقال : الحديث دال على حكم المالكين المتعاقدين ، لأنه الغالب ، وحكم ما إذا كان العاقد وكيلا لهما مستفاد من خارج.

أما العاقد الواحد فلا دليل يدل على ثبوت الخيار معه ، وبناء ذلك على أن الواقع في الحديث عدم ملكه غير ظاهر ، لأنه لا ينتظر ذلك في عبارة الحديث‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٠ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٤ حديث ١٠٠.

٢٨٦

ولو كان الشراء لمن ينعتق عليه فلا خيار ، وكذا في شراء العبد نفسه إن جوزناه.

ولو مات أحدهما احتمل سقوط الخيار ـ لأن مفارقة الدنيا أولى من مفارقة المجلس في الإسقاط ـ وثبوته ،

______________________________________________________

على أي تقدير نزّلت ، فانّ البيّعان لا يقع على الواحد ، إلا أن يدعى المجاز ، نظرا إلى أنه باعتبار كونه موجبا قابلا بمنزلة المتعاقدين ، وفيه ما لا يخفى ، وأنا في هذه المسألة من المتوقفين.

واعلم أن في قوله : ( العاقد عن اثنين ) مناقشة ، لأنّ العاقد عن واحد مع نفسه يخرج من العبارة ، ولا وجه لإخراجه ، بل ينبغي إدراجه ليكون الحكم واردا عليهما.

قوله : ( ولو كان الشراء لمن ينعتق فلا خيار ، وكذا في شراء العبد نفسه إن جوزناه ).

على الأصح فيهما ، ونحن لا نجوز شراء العبد نفسه. ومثله ما لو كان المبيع جمدا في زمان الحر ، لأنه يذوب شيئا فشيئا ، إلا أن يقال : التلف لا يسقط الخيار.

قوله : ( ولو مات أحدهما احتمل سقوط الخيار ، لأنّ مفارقة الدنيا أولى من مفارقة المجلس ).

أي : فيسقط بطريق أولى ، وفيه نظر لمنع الأولوية ، فإن المراد من الافتراق : التباعد في المكان ، وهو إنما يكون للجسم ، فلا يعقل ارادة الروح.

قوله : ( وثبوته ).

هذا الاحتمال أظهر تمسكا بالاستصحاب ، لأن ثبوته معلوم بالعقد والمسقط غير متيقن ، وفي العبارة مسامحة ، حيث أراد بالثبوت البقاء ، وإلا لم يستقم ، لأن أصل الثبوت لا بحث فيه.

٢٨٧

فينتقل إلى الوارث ، فان كان حاضرا امتدّ الخيار بينه وبين الآخر ما دام الميت والآخر في المجلس ، وإن كان غائبا امتد إلى أن يصل إليه الخبر إن أسقطنا اعتبار الميت.

وهل يمتد بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر؟ نظر ، هذا كلّه إذا لم يفارق الآخر.

ولو حمل أحدهما ومنع من الاختيار لم يسقط خياره على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( فينتقل إلى الوارث ، فان كان حاضرا امتد الخيار بينه وبين الآخر ما دام الميت والآخر في المجلس ).

لأنّ بقاء الخيار إنما كان لانتفاء تفرق المتعاقدين ، وذلك إنما هو لاعتبار بقاء الميت مع العاقد الآخر في المجلس.

قوله : ( وإن كان غائبا امتد الى أن يصل اليه الخبر ، إن أسقطنا اعتبار الميت ).

هذا ليس بشي‌ء ، لأنا إذا أسقطنا اعتبار الميت امتنع الحكم ببقاء الخيار ، لانتفاء متعلقة ، وهو عدم تفرق المتبايعين ، ثم إنا إذا أسقطنا اعتبار الميت فالحكم ببقاء الخيار الى وصول الخبر دعوى لا مستند لها ، وأبعد منه امتداده بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر ، لأن المراد من المجلس : مجلس البيع ، لا مطلق المجلس ، فتحديده بهذا المجلس تحكم ، فإما أن يجعل على الفور ، أو يجعل على التراخي غير محدود بالمجلس ، والحق أنّ هذه احتمالات واهية.

قوله : ( هذا كله إذا لم يفارق الآخر ).

فإنه لو فارق صدق الافتراق ، فيسقط الخيار قطعا.

قوله : ( ولو حمل أحدهما ، ومنع من الاختيار لم يسقط خياره على اشكال ).

لا وجه لهذا الاشكال بعد قوله فيما سبق : ( أو فرقا كرها ) الى قوله ( ولم‌

٢٨٨

أما الثابت ، فان منع من التخاير أو المصاحبة لم يسقط ، وإلاّ فالأقرب سقوطه ، فيسقط خيار الأول.

ولو جنّ أحدهما أو أغمي عليه لم يسقط الاختيار ، وقام الولي بما فيه الحظ.

ولو جاء مصطحبين ، فقال أحدهما : تفرقنا ولزم البيع ، وأنكر الآخر ، فعلى المدعي البينة إن لم يطل الوقت ، أما لو طال ، فيحتمل ذلك

______________________________________________________

يتمكنا من الاختيار ) إلا أن يقال : هذا رجوع عن الجزم الى التردد ، وهو بعيد ، والحق أن الخيار لا يسقط ، لأن الافتراق المستند إليهما لم يتحقق.

ولو تناديا بالبيع في سفينتين مثلا ففرقهما الريح التي لا يتمكنان من الاصطحاب معها ، فالظاهر أن الحكم كذلك إن لم يتمكنا من الاختيار ، ولو دهشا فلم يختارا حينئذ ففي السقوط نظر.

قوله : ( أما الثابت فان منع من التخاير أو المصاحبة لم يسقط ).

قد يقال : إن الاشكال آت هنا أيضا ، لأنّ الافتراق إن صدق سقط الخياران ، وإن انتفى بقيا ، وإن شك فيه فالشك في خيار كل منهما ، وفي العبارة فساد آخر ، لأن عطف المصاحبة على التخاير يقتضي بقاء الخيار بالمنع من أحدهما ، وليس كذا.

قوله : ( وإلا فالأقرب سقوطه ، فيسقط خيار الأول ).

أي : وإن لم يمنع فالأقرب سقوط خياره ، ووجه القرب : صدق الافتراق.

والتحقيق أن يقال : بقاء خيارهما معا وسقوطه دائر مع صدق الافتراق وعدمه ، فلا وجه للتفريق بينهما في الحكم.

قوله : ( ولو جاءا مصطحبين ، فقال أحدهما : تفرقنا ولزم البيع ، وأنكر الآخر ، فعلى المدعي البينة إن لم يطل الوقت ).

لأن الأصل عدم التفرق ، ولا ظاهر هاهنا.

قوله : ( أما لو طال فيحتمل ذلك ).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢.

٢٨٩

ترجيحا للأصل على الظاهر مع التعارض ، وتقديم قوله ترجيحا للظاهر.

أما لو اتفقا على التفرق واختلفا في الفسخ ، فالقول قول منكره مع احتمال الآخر ، لأنه أعرف بنيته.

______________________________________________________

أي : ان على المدعي البينة ، لعموم « البينة على المدعي » (١).

قوله : ( ترجيحا للأصل على الظاهر عند التعارض ).

أي : على المدعي البينة ، لترجيح ما دل عليه الأصل على ما دل عليه الظاهر إذا تعارضا ، وهو أحد الأوجه ، والمراد بالظاهر هاهنا : هو شهادة العادات بعدم بقاء المتبايعين مصطحبين مدة طويلة.

قوله : ( وتقديم قوله ، ترجيحا للظاهر ).

أي : واحتمل تقديم قول مدعي التفرق ، ترجيحا للظاهر ، وهو عدم بقاء الاصطحاب في المدة الطويلة.

وفي تقديم الظاهر هاهنا قوة ، نظرا إلى شدة استبعاد بقاء الشخصين مجتمعين مدة طويلة مع كون الاصطحاب منسوبا إليهما معا ، حتى لو أراد أحدهما المفارقة احتيج في منعه الى الالتزام والقبض ، وذلك من الأمور النادرة ، لكن هذا الظاهر يتفاوت قوة وضعفا بإفراط طول المدة وعدمه.

قوله : ( أما لو اتفقا على التفرق ، واختلفا في الفسخ فالقول قول منكره مع احتمال الآخر ، لأنه أعرف بنيته ).

هذا الاحتمال في غاية الضعف ، بل كاد يضمحل ، لأن هذا ليس من الأمور المستندة إلى نيتهما ، أو نية أحدهما.

نعم لو قيل : اختلافهما في فعل مدعي الفسخ فالقول قوله بيمينه ، لأنه أعرف بفعل نفسه لكان أقرب الى الارتباط بالمدعى ، والأصح أن القول قول المنكر بيمينه.

٢٩٠

الثاني : خيار الحيوان ، ويمتد إلى ثلاثة أيام من حين العقد على رأي ، ويثبت للمشتري خاصة على رأي وإن كان الثمن حيوانا.

ويسقط باشتراط سقوطه في العقد ، وبالتزامه بعده ، وبتصرفه فيه وإن لم يكن لازما ، كالهبة قبل القبض والوصية.

الثالث : خيار الشرط ، ولا يتقدر بحدّ ، بل بحسب ما يشترطانه ، بشرط الضبط وذكره في صلب العقد ، فلو شرطا غيره كقدوم الحاج بطل العقد ، ولو شرط مدة قبل العقد أو بعده لم يلزم.

______________________________________________________

قوله : ( ويمتد إلى ثلاثة أيام من حين العقد على رأي ).

وقيل : من حين التفرق.

قوله : ( ويثبت للمشتري خاصة على رأي ، وإن كان الثمن حيوانا ).

للأصحاب ثلاثة أقوال ، يفرق في الثالث بين أن يكون الثمن حيوانا وعدمه ، وليس هذا الثالث ببعيد ، فان فيه جمعا بين الأخبار ، إلا أن المشهور بين الأصحاب اختصاصه بالمشتري مطلقا ، والعمل بالمشهور أوجه.

قوله : ( وبتصرف فيه وإن لم يكن لازما كالهبة قبل القبض والوصية ).

لقول الصادق عليه‌السلام : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة الأيام فذلك رضى منه فلا شرط له » ، قيل : وما الحدث؟ قال : « إن لامس ، أو قبّل ، أو نظر منها الى ما يحرم عليه قبل الشراء » (١).

فعلى هذا ركوب الدابة وتحميلها ، والحلب والطحن تصرف ، ولو قصد به الاختبار فقد استثناه بعضهم من التصرف المسقط ، وليس ببعيد.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٩ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٤ حديث ١٠٢.

٢٩١

ويجوز جعل الخيار لهما ، أو لأحدهما ، ولثالث ولهما ، أو لأحدهما مع الثالث ، واختلاف المدة لو تعدد صاحبه وعدم اتصالها ، واشتراط المؤامرة إن عين المدة ، وردّ المبيع في مدة معينة برد البائع فيها الثمن.

______________________________________________________

قوله : ( واشتراط المؤامرة إن عين المدة ).

باتفاقنا ، لعموم دلائل جواز الاشتراط ، وعلى هذا فليس للشارط أن يفسخ حتى يستأمر فلانا ، ويأمره بالرد وفاء بالشرط ، لأنه جعل الخيار له دون العاقد ، وبه صرح في التذكرة (١).

والمؤامرة مفاعلة من الأمر ، والمراد به : أن يستأمر البائع ، أو المشتري ، أو هما من سمياه في البيع أو الشراء ، كالولد لوالده ، والأخ لأخيه ، والأجنبي لأجنبي.

وينبغي أن يقال : يجب على المشروط استئماره اعتماد المصلحة ، لأنه مؤتمن ، فلو امره بخلاف ما فيه مصلحة لم يجب عليه امتثاله ، لكن لو امره بعدم الفسخ ، وكان الأصلح الفسخ ، فهل له الفسخ؟ فالظاهر العدم ، لانتفاء المقتضي ، إذ لم يشترط لنفسه خيارا.

ولو امره بالفسخ فالظاهر عدم وجوب القبول ، لانتفاء المقتضي نعم لو أراد الفسخ لم يكن له إلاّ بأمره.

قوله : ( ورد المبيع في مدة معينة برد البائع فيها الثمن ).

أي : ويجوز اشتراط البائع رد المبيع من المشتري ، حيث يرد عليه الثمن ، ولا بد لذلك من مدة معينة ، وذلك بان يبيعه بكذا على أنه متى جاء بالثمن في عشرة أيام يسترد المبيع ، بأن يفسخ البيع فيكون حينئذ اشتراطا للخيار مع رد الثمن ، فلا بد من الفسخ ، فلا يكون رد الثمن بمجرده قاطعا للبيع.

قال في الدروس : فليس للبائع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله ، ولا يحمل الإطلاق على المعيّن ، ولو شرطا رد المعيّن احتمل الجواز ، وما دام لا يرد الثمن أو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٩.

٢٩٢

وأول وقته عند الإطلاق من حين العقد ، لا التفرق ولا خروج الثلاثة في الحيوان ، ولا يتوقف الفسخ به على حضور الخصم ولا قضاء القاضي.

ولو أبهم الخيار في إحدى العينين أو أحد المتبايعين بطل العقد فيهما.

ولا يصح اشتراطه فيما يستعقب العتق ، وفي ثبوته في الصرف‌ إشكال.

______________________________________________________

مثله مع الإطلاق كملا فليس له الفسخ ، والأصل في ذلك ـ قبل الإجماع منا ـ الأخبار عن أهل البيت عليهم‌السلام (١).

ولو شرطا ارتجاع بعضه ببعض الثمن ، أو الخيار في البعض فقد تردد في الصحة في الدروس (٢) ، ولو شرط المشتري ارتجاع الثمن إذا رد المبيع صح ، قال في الدروس : فيكون الفسخ مشروطا برد المبيع ، فلو فسخ صاحب الخيار قبله لغا (٣).

قوله : ( ولا يتوقف الفسخ على حضور الخصم ، ولا قضاء القاضي ).

أي : الفسخ بالخيار المشروط ، واشترط الأمرين أبو حنيفة (٤).

قوله : ( ولا يصح اشتراطه فيما يستعقب العتق ).

لمنافاته مقتضى العقد ، إذ مقتضاه ترتب العتق على العقد إذا كان صحيحا ، إلا أن يقال : هذا ليس من مقتضيات البيع ، بل هو اثر الملك ، فإذا تحقق اشتراط الخيار كان الملك متزلزلا ، فلا يلزم حصول العتق ، إذ هو تابع للملك الثابت ، ولا يزيد الكلام هنا على الكلام في ثبوت خيار المجلس في شراء القريب.

قوله : ( وفي ثبوته في الصرف إشكال ).

__________________

(١) الدروس : ٣٦٠.

(٢) الدروس : ٣٦٠.

(٣) الدروس : ٣٦٠.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨١ ، المغني لابن قدامة ٤ : ١٢٧.

٢٩٣

الرابع : المغبون يثبت له الخيار بشرطين : عدم العلم بالقيمة وقت العقد ، والزيادة أو النقيصة الفاحشة التي لا يتغابن بمثلها وقت العقد ، فيتخير المغبون خاصة في الفسخ والإمضاء بما وقع عليه العقد ، ولو دفع الغابن التفاوت فلا خيار على إشكال.

______________________________________________________

لا مانع من ثبوته فيه ، إلاّ نقل الشيخ الإجماع على عدم ثبوته فيه (١) ، وفي الثبوت قوة ، نظرا إلى عموم الأخبار (٢) ، وعدم تحقّق الإجماع.

قوله : ( بشرطين : عدم العلم بالقيمة وقت العقد ، والزيادة أو النقيصة الفاحشة التي لا يتغابن بمثلها وقت العقد ).

( وقت العقد ) ظرف لقوله : ( لا يتغابن ) فلو اختلفت الأحوال فيها ، بأن كانت في بعضها يتغابن بها ، وفي بعضها لا يتغابن ، فالمعتبر وقت العقد ، فان كانت مما يتغابن بها حينئذ فلا غبن ، وإلاّ ثبت ، ومتى اختلفا في أنّ القيمة وقت العقد لا يتغابن بها ، فعلى مدعي الغبن البينة.

ولو اختلفا في جهالة مدعي الغبن الحال ، ففي الحكم تردد ، ولم أقف في كلام الأصحاب على تصريح في ذلك ، وليس ببعيد ثبوت جهالة القيمة بيمينه ، لأن العلم والجهل من الأمور التي تخفى ، فلا يطّلع عليها إلا من قبل من هي له ، نعم لو علم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان والمكان ، بحيث لا تخفى عليه قيمته ، لم يلتفت إلى قوله.

قوله : ( ولو دفع الغابن التفاوت فلا خيار على إشكال ).

ينشأ : من زوال الضرر بزوال مقتضيه ، ومن أنّ الخيار قد ثبت فلا يزول إلا بدليل ، ولم يثبت أنّ زوال الضرر يقتضي زواله. ويؤيد الأول أن دفع التفاوت لا يخرج المعاوضة المشتملة على الغبن عن اشتمالها عليه ، لأنه هبة مستقلة ، حتى لو دفعه بمقتضى الاستحقاق فلا يحلّ أخذه ، إذ لا يستحقه ، ولا‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٧٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٠ حديث ٤ ، ٥ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٨.

٢٩٤

ولا يسقط بالتصرف ، إلاّ أن يخرج عن الملك بالبيع وشبهه ، أو يمنع مانع من ردّه كاستيلاد الأمة أو عتقها ، ولا يثبت به أرش.

______________________________________________________

ريب أنّ من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره. ولو دفع التفاوت في مقابل ترك الفسخ ، كان ذلك منوطا بالتراضي ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( ولا يسقط بالتصرف ، إلاّ أن يخرج عن الملك بالبيع وشبهه ).

تحقيق الحكم في المسألة : ان التصرف إما أن يكون في المبيع خاصة ، أو في الثمن خاصة ، أو فيهما ، وعلى كل تقدير إما أن يكون المغبون البائع ، أو المشتري ، وعلى تقدير التصرف فاما أن يكون تصرفا مخرجا عن الملك ، أو لا ، فهذه اثنتا عشرة صورة :

أ : المغبون البائع ، وتصرّفا في العوضين تصرّفا مخرجا عن الملك.

ب : بحالها ، والتصرّف غير مخرج.

ج : كذلك ، لكن البائع تصرّف تصرّفا مخرجا ، ولم يتصرف المشتري أصلا.

د : بحالها ، وتصرّف البائع غير مخرج.

هـ : تصرّف البائع مخرج ، وتصرف المشتري غير مخرج.

و : عكسه.

ومثل هذه الصور إذا كان المغبون المشتري ، ولو كانا معا مغبونين فستّ اخرى ، فالمجموع ثماني عشرة.

وتحقيق أحكامها إجمالا : أن المغبون إذا كان هو البائع لا يسقط خياره بتصرّف المشتري ، سواء أخرج المبيع عن ملكه أم لا ، لعدم الدليل الدال على سقوطه حينئذ ، فإنّ ضرر البائع لا يسقط اعتباره بتصرّف من لا ضرر عليه. فعلى تقدير الإخراج لو فسخ البائع يلزم المشتري المثل أو القيمة ، ولو تصرف البائع في الثمن فهل يسقط خياره أم لا؟ وهل يفرّق بين التصرف المخرج عن الملك وغيره؟

٢٩٥

______________________________________________________

لا أعلم في ذلك تصريحا.

لكن في عبارة التذكرة ما يقتضي عموم سقوط الخيار هنا بالتصرف إذا كان مخرجا عن الملك ، فإنه قال : ولا يسقط هذا الخيار بتصرّف المغبون ، لأصالة الاستصحاب ، إلاّ أن يخرج عن الملك ببيع وعتق وشبهه ، لعدم التمكن من استدراكه (١). هذا لفظه ، وهو شامل لما قلناه ، مع احتمال أن يريد به : تصرف المشتري خاصّة إذا كان هو المغبون ، لكن ما استدلّ به (٢) بعينه قائم فيما ذكرناه.

وأما المشتري ، فانّ خياره لا يسقط بتصرف البائع قطعا ولا بتصرفه ، إلاّ أن يخرجه عن ملكه ، ولا بدّ من تقييد الإخراج عن الملك بكونه لازما ، كما يرشد إليه تعليل التذكرة (٣) ، إذ لو كان غير لازم لكان الاستدراك ممكنا بالفسخ ، وتمثيل الكتاب يرشد إلى ذلك ، وأظهر منه تمثيل التذكرة (٤).

إذا عرفت ذلك فعبارة الكتاب حقّها أن تكون هكذا : ولا يسقط بالتصرف من المغبون إلا أن يخرج عن الملك بوجه لازم.

فان قلت : قد سبق في فروع المرابحة تردد في أن تلف المبيع هل يسقط خيار المشتري إذا علم كذب البائع في إخباره برأس المال أم لا؟ فما الفرق بينه وبين ما هاهنا؟ وهل المراد بالتلف هناك : ما يعمّ إتلاف المشتري وغيره؟ وهل يفرّق هاهنا بين تلف المبيع بنفسه وبفعل المشتري؟

قلت : قد يمكن الفرق بأن السبب هناك أقوى ، لأن المخبر كذبا عاد مدلّس ، والمغرور يرجع إلى من غرّه ، بخلاف ما هاهنا ، فانّ الغابن لم يقع منه تغرير ، وإنما التقصير من جهل المغبون ، وفي تأثير هذا الفرق إشكال.

وأمّا التلف هناك ، فظاهر العبارة يقتضي عدم الفرق بين إتلاف‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٢) لم ترد في « م » ، وأثبتناها للسياق.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٤) التذكرة ١ : ٥٢٣.

٢٩٦

الخامس : من باع ولم يسلم ولا قبض الثمن ولا اشترط تأخير الثمن يلزمه البيع ثلاثة أيام ، فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحق ، وإلاّ تخير البائع في الفسخ والصبر والمطالبة بالثمن ، ولا خيار لو أحضر الثمن قبل الفسخ مطلقا.

______________________________________________________

المشتري المبيع وتلفه بنفسه. وليس ببعيد ، لأن خيار التدليس كخيار العيب ، فهو أقوى من خيار الغبن.

وأمّا هاهنا فينبغي الفرق بين ما إذا تلف المبيع بنفسه ، أو أتلفه المشتري ، لأن الإتلاف أقوى من التصرّف المخرج عن الملك. ولو [ تلف ] (١) بنفسه ففي سقوط الخيار تردد ، ينشأ من عدم التمكن من استدراكه ، ومن عدم التقصير من المشتري ، فلا يسقط حقه.

إذا عرفت هذا ، فهل هذا النوع من الخيار على الفور أم على التراخي؟ فيه قولان ، قد سبق مثلهما في تلقي الرّكبان ، وهذا إذا لم يجهل المشتري بأصل الخيار أو فوريته ، فان جهل أحدهما تخير إذا علم.

قوله : ( خيار التأخير : من باع ولم يسلم المبيع ).

مقتضاه : أنه لو تسلّمه المشتري بغير إذن البائع لم يعتدّ به ويثبت الخيار ، وهو كذلك ، لظاهر الرواية (٢) وكلام الأصحاب ، وبه صرّح في الدروس (٣).

قوله : ( ولا خيار لو أحضر الثمن قبل الفسخ مطلقا ).

احتمل في الدروس جوازه حينئذ لوجود مقتضيه ، فيستصحب الحكم (٤).

__________________

(١) لم ترد في « م » وأثبتناها من الحجري لاقتضاء السياق لها.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٢ حديث ٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٧٨ حديث ٢٥٩.

(٣) الدروس : ٣٦١.

(٤) الدروس : ٣٦٢.

٢٩٧

ولا يسقط بطلب الثمن بعدها ، فان تلف في الثلاثة فمن البائع على رأي ، وكذا بعدها إجماعا.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يسقط بطلب الثمن ).

هذا ظاهر الأكثر على ما حكاه في الدروس (١) ، وظاهر كلام الشيخ في المبسوط (٢) ـ وحكاه في الدروس عن ابن الجنيد (٣) ـ بطلانه ، وظاهر الأخبار تشهد لكلّ منهما (٤).

ولعل المراد به : أنه آئل إلى ذلك باعتبار ثبوت الخيار ، وإيراد ذلك في باب الخيار دليل على أنّ هذا هو المراد ، ويبعد قولهما ، بأن العقد الصحيح المحكوم بلزومه يبطل بعدم قبض الثمن والمبيع مع بقاء العين ، وكيف كان فهذا القدر من التأخير مناف لفورية هذا الخيار إن قلنا بها. ولا فرق في ذلك بين كون الثمن معيّنا أو في الذمة.

فرع :

حكى في الدروس عن بعض كلام الشيخ : أن للبائع الفسخ متى تعذر الثمن ، قال : وفيه قوة (٥). والحقّ أنّ التمسك بلزوم العقد إلى أن يثبت المقتضي للفسخ شرعا هو الأوجه.

قوله : ( فإن تلف في الثلاثة فمن البائع على رأي ).

هذا هو المشهور وعليه العمل ، وقال المرتضى : أنه فيها من المشتري (٦) ، وفرّق ابن حمزة بين أن يعرضه البائع على المشتري فيكون الضمان فيه كالدين عند‌

__________________

(١) الدروس : ٣٦٢.

(٢) المبسوط ٢ : ٨٧.

(٣) الدروس : ٣٦٢.

(٤) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١١ ، التهذيب ٧ : ٢١ ، ٢٢ حديث ٨٨ ، ٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٧٧ ، ٧٨ حديث ٢٥٨ ، ٢٥٩.

(٥) الدروس : ٣٦٢ ، وانظر : النهاية : ٣٨٨.

(٦) الانتصار : ٢١٠.

٢٩٨

ولو اشترى ما يفسد ليومه فالخيار فيه إلى الليل ، فان تلف فيه‌

______________________________________________________

الحلول ، وعدمه فيكون الضمان من البائع (١).

ويشكل بأن العرض على المشتري لا يقوم مقام القبض ، إلاّ أن يمتنع المشتري من القبض ، ولا يرضى البائع ببقائه في يده بعد تعيينه ، وحينئذ فلا فرق بين التلف في الثلاثة وبعدها في كون الضمان من المشتري ، بل لا تبقى صورة هذه المسألة.

قوله : ( ولو اشترى ما يفسد ليومه فالخيار فيه إلى الليل ).

في هذه العبارة كلامان :

الأول : أن مؤدّاها غير المراد منها ، إذ المراد : أنّ ما يفسد بالمبيت كالفاكهة والطعام واللّبن ونحوها يلزم البيع فيه يوما ، وعند انقضائه يثبت الخيار للبائع.

والظاهر أن المستفاد من العبارة : ثبوت الخيار في اليوم وبقاؤه إلى الليل ، لأن ( إلى ) لمّا كانت هنا لانتهاء الغاية وجب أن يكون ابتداء ، ولمّا لم يذكر في العبارة شيئا بخصوصه ، وجب الحمل على زمان وقوع العقد ، لانتفاء ما يتبادر اليه الذهن سواه ، والظاهر فساد هذا المعنى.

الثاني : أن ظاهر قوله : ( ما يفسد ليومه ) يقتضي أن يكون الفساد في اليوم ، والمنصوص عليه إنما هو ما يفسد بمضي اليوم ، أما ما يفسد في اليوم بأن يبقى نصف يوم ثم يفسد أو أقل أو أكثر ، ففيه وجهان :

أحدهما : أن يتقدّر لزوم البيع بمقدار بقائه ، ثم يثبت الخيار.

والثاني : أن يتقدّر باليوم حملا له بالمنصوص ، واختار في الدروس (٢) الثاني ، وهو قوي ، دفعا للضّرر. ولو كان مما يصبر يومين ، فقد احتمل في التذكرة التربص به إلى الليل (٣) ، والصّبر به إلى حين خوف الفوات أقوى.

__________________

(١) الوسيلة : ٢٧٤.

(٢) الدروس : ٣٦٢.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٣.

٢٩٩

احتمل الخلاف ، ولو قبض بعض الثمن أو سلّم بعض المبيع فكالأول في الجميع.

ولو شرط نقد بعض الثمن وتأجيل الباقي ، ففي ثبوت الخيار مع تأخير النقد إشكال ، أقربه عدم الثبوت.

______________________________________________________

إذا عرفت هذا ، فالذي ينبغي أن يعرف : أن لزوم البيع هاهنا إلى حين خوف الفساد بحسب العادة المستمرة ، وقرائن الأحوال الموجودة ، بحيث إن تربص به زيادة فسد ، لا أنه يبقى لزوم البيع مدة بقائه ، ثم حين الشروع في الفساد يثبت الخيار ، كما توهمه كثير من العبارات ، لأن الخيار حينئذ ممّا لا فائدة فيه ، لتحقق الضرر ، وليس في النّص ما ينافي شيئا من ذلك.

واعلم أنّه ليس المراد من الفساد : التلف ، ولا بلوغه مرتبة لا ينتفع به ، بل المراد به : نقصان الوصف ، وتغيّر الطعم في المطعوم المفضي إلى قلة الرغبة ، كما صرح به في الدروس (١) ، وقال في شرح الإرشاد : تسمية هذا خيارا من باب تسمية الشي‌ء باسم ما يؤول إليه.

قوله : ( ولو قبض بعض الثمن أو سلّم بعض المبيع فكالأول في الجميع ).

أي : فكالمذكور في أول كلامه في جميع الأحكام المذكورة ، وذلك لأنّ من تسلّم البعض خاصة لم يتسلّم المبيع ولا الثمن ، فيندرج في صورة القبض ، ولأنّ ما لم يتسلّمه من المبيع مضمون ، فالضرر قائم بالنسبة إليه ، فلا بدّ من ثبوت الخيار لدفعه ، وتبعض الصفقة ضرر ، فيثبت في الجميع.

قوله : ( ولو شرط نقد بعض الثمن وتأجيل الباقي ، ففي ثبوت الخيار مع تأخير النقد إشكال ، أقربه [ عدم ] (٢) الثبوت ).

ينشأ من أنّ الحال من الثمن إذا لم يقبض كالثمن في حكمه ، ومن أن‌

__________________

(١) الدروس : ٣٦٢.

(٢) لم ترد في « م » وأثبتناها من نسخة القواعد الخطية ، وهو الصحيح لاقتضاء الشرح لها.

٣٠٠