جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

ولو أراد الإمام استرقاق الرجال لم يجز ، بل يسترق الذرية ، ويغنم المال ، ويخرج منه الخمس ، والباقي غنيمة ، لأنه أخذ قهرا.

ولو جعل للزعيم أمان مائة صح ، ويعين من شاء ، فان عد مائة وأغفل نفسه جاز قتله.

الفصل الثاني : في عقد الجزية : وفيه مطالب :

الأول : المعقود له : وهو كل ذمي بالغ ، عاقل ، حر ، ذكر ، متأهب للقتال ، ملتزم بشرائط الذمة السابقة.

فالذمي يشتمل من له كتاب كاليهود ، والنصارى ، ومن له شبهة كتاب كالمجوس ، والصبي ، والمجنون ، والعبد ، والمرأة أتباع لا جزية عليهم.

______________________________________________________

الجملة بالفاء عوض الواو ، وأسقط ( بعض ) لاندفع السؤالان معا.

قوله : ( ولو أراد الإمام استرقاق الرجال لم يجز ).

أي : والحال أنه قد حكم بقتلهم ، لأن الاسترقاق لا يجوز مع الحكم بالقتل ، وقد سقط بالإسلام ، فينتفي السبيل عنهم.

قوله : ( فان عد مائة وأغفل نفسه جاز قتله ).

لأنه لا أمان له ولا شبهة أمان ، ولو أعتقده أمانا لم يبعد كونه شبهة ، فيرد إلى مأمنه ويقبل قوله فيه.

قوله : ( والصبيّ والمجنون والعبد والمرأة اتباع لا جزية عليهم ).

وقيل : تؤخذ الجزية من العبد (١) ، ومختار المصنف هنا أقوى ، لأن العبد مال ولا ملك له ، وكلما يحصل فهو مال لمولاه.

إن قيل : العبد مندرج في الآية.

قلنا : بل خارج من قوله ( حَتّى يُعْطُوا ) (٢) إذ لا يقدر على شي‌ء.

__________________

(١) قاله ابن الجنيد كما في المختلف : ٣٣٤.

(٢) التوبة : ٢٩.

٤٤١

وتسقط عن الهم على رأي ، وتؤخذ ممن عداهم وإن كانوا رهبانا ، أو مقعدين ، ولا تسقط عن الفقير ، بل ينظر بها حتى يوسر كالدين.

وللرجل أن يستتبع من شاء من نساء الأقارب وإن لم يكن محارمه مع الشرط ، فإن أطلق لم يتبعه إلاّ صغار أولاده وزوجاته.

وإذا بلغ الصبي ، أو أفاق المجنون ، أو أعتق العبد فعليهم الجزية ، ويستأنف العقد معهم ، أو يسلموا ، فان امتنعوا صاروا حربا.

ولو أفاق المجنون حولا وجبت عليه وإن جن بعد ذلك.

ولو كان يجن ويفيق قيل : يحكم للأغلب ، وقيل : يلفق أيام الإفاقة ، فإذا بلغت حولا فالجزية.

ولو بعثت امرأة من دار الحرب تطلب أن يعقد لها الذمة لتصير الى دار الإسلام عقد لها ، بشرط أن تجري عليها أحكامنا ، سواء جاءت منفردة أو معها غيرها.

______________________________________________________

قوله : ( وتسقط عن الهمّ على رأي ).

الأصح لا تسقط ، للعموم ، وفي التفصيل ـ بأنه إن كان ذا رأي أو قتال أخذت منه ، وإلاّ فلا ـ قوة ، لاستثناء من لا رأي له ولا قتال من الآية الشريفة ، لعدم جواز قتله ، إلا أن الأمر بأخذ الجزية منهم عام في باقي الأوامر ، ولا دليل على السقوط ، وبتقدير عدم الاندراج في الآية فلا دلالة فيها على العدم.

قوله : ( ولا تسقط عن الفقير ).

على الأصح ، للعموم.

قوله : ( ولو كان يجن ويفيق ... ).

السقوط قوي ، إلا أن يقال : أن الجزية تجب مقسطة على أجزاء الحول ، فحينئذ يتجه التلفيق ، والأقوى العدم ، للشك في المقتضي.

٤٤٢

ولا يشترط عليها الجزية ، فإن بذلتها عرفها الامام سقوطها ، فإن بذلتها حينئذ كانت هبة لا جزية.

ولو حاصرنا بلدا ، فسأل اهله الصلح بوضع الجزية على النساء والصبيان لم يصح ، لأنهم مال فلا يثبت عليهم شي‌ء ، فان طلبت النساء أن يبذلن الجزية ليكون الرجال في أمان لم يصح.

ولو قتلنا الرجال ، وسألت النساء أن يعقد لهن الأمان ليقمن في دار الإسلام عقد لهن بشرط أن تجري عليهن أحكامنا. ولو بذلن الجزية لم يصح أخذها جزية.

______________________________________________________

قوله : ( فان بذلتها حينئذ كانت هبة لا جزية ).

في حواشي شيخنا الشهيد ما حاصله : أنّه يعلم من هذا أن الهبة تصح بأيّ شي‌ء كان ، ولا يشترط فيها القبول قولا ، قال : إلا أن يقال : المراد بالبذل : الإتيان بصيغة الهبة ، حملا لإطلاق الهبة على المعهود ، فتراعى شرائطها. ولك أن تقول : إن المراد : كونها بالبذل المذكور مع علمها بالحال خارجة من الجزية داخلة في قسم الهبة ، فإن حصل الإيجاب والقبول المملكان ملكت ، وإلا أفاد البذل الإباحة.

وليس غرض المصنف هنا بيان أحكام الهبة ، بل غرضه بيان أن هذا البذل لما خرج بالمبذول عن كونه جزية ، لامتناعها من النساء ، لم يكن له باب إلا الهبة ، لأنه تبرع بمال ، فتجري عليه أحكام الهبة ، وليس من غرضه بيان كون البذل بمجرده كافيا في كونه هبة أولا ، وقد قال المصنف في المنتهى في هذه المسألة بعد ذكر كون المبذول هبة : ويلزم على شروط الهبة ، ثم قال : ويجوز لها الرجوع فيه فيما لها أن ترجع في الهبة (١).

قوله : ( ولو قلنا الرجال ، وسألت النساء : أن يعقد لهن الأمان ليقمن في دار الإسلام ، عقد لهن بشرط أن تجري عليهن أحكامنا ).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٦٤.

٤٤٣

ولا فرق بين قتل الرجال قبل عقد الجزية ، وبعدها في عدم إقرارها على النساء.

______________________________________________________

لا كلام في جواز ذلك لو بعثن بهذا من دار الحرب إلى دار الإسلام ، أما‌ لو كنّ في حصن ونحوه وقتل الرجال وبقي النساء وطلبن ذلك ، فقد اختلف كلام الأصحاب فيه : فقال الشيخ : يلزم عقد الذمة لهن على أن تجري عليهن أحكام الإسلام ، ولا يأخذ منهن شيئا (١) ، وقيل : يجوز أخذ الجزية منهن لو سألن ذلك (٢) ، وقال المصنف في التذكرة (٣) والمنتهى (٤) : لا يجوز إقرارهن بحال ، ويتوصل إلى فتح الحصن ويسبين ، لأنهن أموال للمسلمين ، ويظهر من المختلف (٥) موافقة كلام الشيخ ، وعبارة الكتاب تحتمل الأمرين.

والوجه : أنّ الحصن إن أمكن التوصل إلى فتحه لم يجز عقد الأمان للنساء ، لانهن مال ، وإلاّ جاز ، كما لو طلبت المرأة أو النساء ذلك من دار الحرب ، ولا يجوز أخذ الجزية منهن على حال.

قوله : ( ولا فرق بين قتل الرجال قبل عقد الجزية وبعدها في عدم إقرارها على النساء ).

وقال أبو القاسم بن سعيد في الشرائع : إنّ قتل الرجال إن كان بعد عقد الجزية استصحب الحكم بالنسبة إلى النساء (٦) ، والأصح ما هنا ، لعدم تعقل أخذ الجزية من النساء ، لأنهن لسن من أهلها ، وفي العبارة مسامحة ، لأن ضمير ( بعدها ) يعود إلى عقد الجزية ، وحقه التذكير.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٤٠.

(٢) نسبه في المختلف : ٣٣٥ إلى بعض الأصحاب.

(٣) التذكرة ١ : ٤٤٠.

(٤) المنتهى ٢ : ٩٦٤.

(٥) المختلف : ٣٣٥.

(٦) الشرائع ١ : ٣٢٨.

٤٤٤

ولو حاصرنا بلدا ، ولم نجد فيه سوى النساء ، فسألن بذل الجزية ليسلمن من الرق لم يجب.

ولو بلغ الصبي سفيها لم يقر إلاّ بجزية ، فان اتفق مع وليه على جزية عقداها صح ، وإن اختلفا قدمنا اختياره لتعلقه بحقن دمه ، وتؤخذ الجزية من أهل الذمة عربا كانوا أو عجما.

ولو ادعى أهل حرب أنهم منهم قبل بذلهم الجزية ، ولم يكلفوا‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو حاصرنا بلدا ولم نجد فيه سوى النساء ، فسألن بذل الجزية ليسلمن من الرق لم يجب ).

نفي الوجوب أعم من نفي الجواز ، بل ربما أشعر اختيار ذكره بثبوت الجواز ، وهو مخالف لما اختاره المصنف في التذكرة (١) والمنتهى (٢) ، نعم إن تعذر الفتح لم تتحقق المخالفة.

قوله : ( وإن اختلفا قدمنا اختياره لتعلقه بحقن دمه ).

سوق العبارة يدل على أن المراد باختلافهما : ارادة السفيه العقد بها ، والولي خلافه.

قوله : ( وتؤخذ الجزية من أهل الذمة عربا كانوا أو عجما ).

وقال ابن الجنيد : إنّ نصارى تغلب لا تؤخذ منهم الجزية ، لما نقل من أنهم تنصروا بعد مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ، ولم يثبت.

قوله : ( ولو ادعى أهل حرب أنهم منهم قبل بذلهم للجزية ... ).

أي : من أهل الذمة ، وإنما لم يكلفوا البينة ، لأنه ربما تعذر أو تعسر الاطلاع على أحوالهم إلا من قبلهم ، ولقبول قولهم في دينهم الذي يدينون به ، ولو رجع بعضهم عن هذه الدعوى لم يقدح في ذمة الباقين ، نعم لو أسلم منهم اثنان‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٤٠.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٦٤.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٣٦.

٤٤٥

البينة ، فإن ظهر كذبهم انتقض العهد وجاز اغتيالهم لتلبيسهم. ولو ظهر قوم زعموا أنهم أهل الزبور ففي تقريرهم اشكال ، وإنما يقر اليهود والنصارى والمجوس لو دخل اباؤهم في هذه الأديان قبل مبعث النبي عليه‌السلام ، فلو دخل جماعة من عبّاد الأوثان فيها بعد البعثة لم يقروا.

______________________________________________________

وعدلا ، ثم شهدا بخلاف دعواهم قبل ، فيصالحون حينئذ.

فإن قيل : لم لم يحكم بكون ذلك شبهة؟

قلنا : لأن الأمان إنما وقع على تقدير شي‌ء زعموه مع علمهم بعدمه ، فيكون نفي الأمان معلوما عندهم.

قوله : ( ولو ظهر قوم زعموا أنهم أهل الزبور ففي تقريرهم إشكال ).

ينشأ من تناول( أُوتُوا الْكِتابَ ) (١) لهم ، ومن أنّ المراد بالكتاب : التوراة والإنجيل لا مطلقا ، ولأن المتبادر من الكتاب : ما اشتمل على الأحكام لا نحو الزبور ، فإنه مواعظ خال من الأحكام ، وقد نقل المصنف في المنتهى الإجماع على أنّ اللام في ( الكتاب ) الواقع في قوله تعالى ( مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (٢) للعهد ، والمعهود هو التوراة والإنجيل (٣) ، ومثل الزبور صحف إبراهيم. والأصح عدم تقريرهم ، لما قلناه ، وإن سلّم أنّ اللام ليس للعهد فالشك في صدق اسم الكتاب على الزبور ، مع قيام الدليل الدال على وجوب قتل المشركين كاف في منع تقريرهم. وكذا القول في صحف إبراهيم ونحوها. وقوله : ( ولو ظهر قوم زعموا ... ) ليس على ما ينبغي ، لأنه يعطي أن الإشكال إذا زعموا ذلك ، وليس كذلك ، بل لو كان قوم أهلا للزبور وتحقق ذلك في تقريرهم الاشكال ، وكأنه أراد بذلك الإشعار بأنّ مثل هؤلاء ليسوا بموجودين ولا نعرف مثلهم.

قوله : ( وإنما يقر اليهود والنصارى والمجوس ، لو دخل آباؤهم في هذه الأديان قبل مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

__________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) المنتهى ٢ : ٩٦١.

٤٤٦

ولو دخلوا بعد التبديل قبل البعثة احتمل التقرير مطلقا ، لانحطاط درجة المجوس المقرين على دينهم عنهم.

______________________________________________________

ربما يقال : لا فائدة في التقييد بدخول الآباء ، بل هو مضرّ ، لأن دخولهم‌ قبل المبعث كاف ، ولا حاجة الى دخول الآباء ، وعنه جوابان :

أحدهما : أن الكلام في اليهود والنصارى والمجوس الذين في أزمنتنا هذه ، وهؤلاء إنما يتصور دخول آبائهم في هذه الأديان قبل المبعث دونهم ، فلو اعتبر دخولهم امتنع تقرير هؤلاء.

الثاني : أن دخول الآباء لما كان كافيا عن دخولهم بأنفسهم في تقريرهم ، دلّ على أن دخولهم كاف بطريق أولى ، ولو أنه قال : لو دخلوا هم أو آباؤهم ، لسلم عن هذا السؤال.

وإنما اعتبر ذلك ، لأن الدخول بعد البعثة ونسخ الملة السابقة تبديل للدين ، وقال عليه‌السلام : « من بدل دينه فاقتلوه » (١). ولا يرد أنّ الملل السابقة على ملة عيسى عليه‌السلام منسوخة ، فلا يقر بالدخول فيها قبل مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنا نقول : الملل السابقة بالإضافة إلى ملتنا بمنزلة ملة واحدة.

قوله : ( ولو دخلوا بعد التبديل قبل البعثة ، احتمل التقرير مطلقا ، لانحطاط درجة المجوس المقرين على دينهم عنهم ).

قوله : ( مطلقا ) في مقابل التقييد بالتمسك بغير المحرف ، والمراد بغير المحرف : ما بقي بعد التحريف ، وما كان قبل أن يحرف ، لأن مجموع ذلك هو الكتاب. والمراد بالتمسك به : هو اعتقاد أنه الحق عندهم ، ولا يضر عدم العلم به تفصيلا دون العمل به ، لأن عدم ذلك لا يخل بكونه دينا له. ويحتمل أن يراد بغير المحرف : ما يبقى بعد التحريف ، وهو بعيد ، لأن عدم التصديق بالبعض بمنزلة عدم التصديق بالكل.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٨ حديث ٢٥٣٥.

٤٤٧

والتقرير ان تمسكوا بغير المحرف.

والصابئون من النصارى والسامرة من اليهود إن كفروهم لم يقروا وإن جعلوهم مبدعة أقروا.

______________________________________________________

وما ذكره من انحطاط درجتهم عن المجوس ـ ليكون تقريرهم بطريق أولى ، توجيها للاحتمال الأول ـ منظور فيه ، لأن المقرين من المجوس لم يثبت دخولهم في دينهم بعد التبديل ، حتى لو ثبت ذلك جاء الإشكال في تقريرهم أيضا.

وينبغي ابتناء المسألة على تحقيق معنى ( أوتوا الكتاب ) (١) فان صدق حقيقة بالتمسك ببعضه ثبت التقرير ، وإلا فلا. وكلّ هذا رجوع إلى تخمين ، فانّ دلائل القتل عامة ، والتخصيص يحتاج إلى دليل ، ومثل هذا غير كاف في ثبوته ، فالأرجح هو الوجه الثاني.

قوله : ( والتقرير إن تمسكوا بغير المحرف ).

إن أريد بغير المحرف هو ما بقي من الأحكام سليما عن التحريف وما كان منها قبل التحريف فهو حق ، فانّ التمسك بذلك تمسك بمجموع الكتاب ، وإن أريد تمسكه بما بقي منها بعد التحريف خاصة فليس بواضح ، لتضمنه إنكار بعض الكتاب ، وهو جار مجرى إنكار جميعه ، والمعتمد اعتبار التمسك بالمجموع ، وإلا لم يقر.

قوله : ( والصابئون من النصارى والسامرة من اليهود إن كفروهم لم يقروا وإن جعلوهم مبتدعة أقروا ).

قد قيل : إن الصابئين من النصارى ، وقيل : إنهم يسبتون فهم من اليهود ، وقيل : إنهم من المجوس (٢) ، وقيل : إنهم يعبدون الكواكب ويقولون : إن الكواكب السبعة آلهة وإن الفلك حي ناطق وعلى هذا فلا يقرون بالجزية. والذي اختاره المصنف : أنهم من النصارى ، والسامرة من اليهود ، وأنهم إن كان كلّ من‌

__________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) قاله مجاهد والحسن كما في التفسير الكبير ٣ : ١٠٥.

٤٤٨

والأقرب تقرير المتولد بين الوثني والنصراني بالجزية ، بعد بلوغه إن كان أبوه نصرانيا ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

الفريقين عند فريقه كافرا لمخالفته له في الاعتقاد لم يقروا بالجزية ، وإن كانوا عندهم مبتدعة لا يخالفونهم في أصل الاعتقاد فهم منهم حقيقة يقرون بالجزية.

لكن قد يقال : إن المرجع في ذلك إن كان إلى اليهود والنصارى أشكل ، من حيث أنّ الاقدام على قتلهم بقول الكفار الذين لا يؤمنون مما يخالف أصول المذهب ، والاطلاع على حالهم إلا من قبلهم عزيز.

ولو قيل بأخذ الجزية منهم ، تعويلا على ما نقل من كونهم من النصارى واليهود إلى أن يعلم تكفيرهم إياهم وعدمه ، أو رجوعا إلى إخبارهم عن أنفسهم بذلك ، وبأنهم لا يكفرونهم لكان وجها ، لأنّ دعوى من ادّعى أنه من أهل الجزية مسموعة ما لم يعلم خلافها.

قوله : ( والأقرب تقرير المتولد بين الوثني والنصراني بالجزية بعد بلوغه إن كان أبوه نصرانيا وإلاّ فلا ).

أما إذا كان الأب نصرانيا فلا بحث لثبوت تبعيته له ، وأما إذا كانت الأم نصرانية خاصة فيشكل الحكم ، لتحقق لحاقه بها ، والولد يتبع أشرف الطرفين.

فان قيل : ليست الام من أهل الجزية والأب وثني ، فلا مقتضى لتقريره بها.

قلنا : ثبوت التقرير بالجزية له ليس بتبعية الأم ، بل بكونه نصرانيا من أهل الكتاب ، وتبعيته لها ثابتة ، فيكون تابعا لها في الدين.

وقد أفتى المصنف بما اختاره هنا في كتبه كالتحرير (١) والتذكرة (٢) والمنتهى (٣) ، والذي يسوق إليه النظر عدم الفرق بين الام والأب في التبعية‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٤٩.

(٢) التذكرة ١ : ٤٣٨.

(٣) المنتهى ٢ : ٩٦٤.

٤٤٩

ولو توثن نصراني وله ولد صغير ، ففي زوال حكم التنصر عنه نظر ، فان قلنا بالزوال لم يقبل منه بعد بلوغه إلا الإسلام ، وإن قلنا بالبقاء جاز إقراره بالجزية.

ولو تنصر الوثني وله ابن صغير وكبير ، فأقاما على التوثن ، ثم بلغ الصغير بعد البعثة جاز إقراره على التنصر لو طلبه بالجزية دون الكبير. ولا بد من التزام الذمي بجري أحكام المسلمين عليه.

الثاني : العاقد : وهو الإمام أو من ينصبه ، ويجب عليه القبول إذا بذلوه ، إلاّ إذا خاف غائلتهم ، ولا يقبل من الجاسوس.

ولو عقد مسلم لم يصح وإن كان لواحد ، لكن لا يغتال بل يرد إلى مأمنه ، فإن أقام سنة لم يطالب عنها.

وصورة العقد أن يقول العاقد : اقررتكم بشرط الجزية ، والتزام أحكام الإسلام ، أو ما يؤدي هذا المعنى ، فيقول الذمي : قبلت ، فهذان شرطان لا بد منهما ، والبواقي إن شرطت وجبت.

ويصح العقد مؤقتا على اشكال ينشأ : من أنه بدل عن الإسلام فلا يصح فيه التوقيت كالمبدل ، ويصح مؤبدا ، ولو قال : ما شئت صح.

______________________________________________________

بالدين ، وكون الأم لا جزية عليها غير قادح ، لأن المانع من جهة كونها امرأة لا من جهة الدين ، وقوة هذا الوجه ظاهرة.

قوله : ( ولو توثن نصراني وله ولد صغير ، ففي زوال حكم التنصر عنه نظر ).

الأصح لا يزول ، لأن استصحاب ما ثبت إلى أن يعلم المزيل لازم.

قوله : ( ويصح العقد مؤقتا على إشكال ... ).

الأصح الصحة ، نظرا إلى ظاهر قوله تعالى ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (١) فإن غاية القتال إعطاؤها.

__________________

(١) التوبة : ٢٩.

٤٥٠

ولا يصح تعليقه بمشيئة الإمام على اشكال : من حيث أنه ليس للإمام الابتداء بالنقض ، ومن حيث الشرط.

ولو قال : ما شاء الله ، أو ما اقركم الله فكالتعليق بمشيئة الكافر ، لأنه تعالى أمرنا بالتقرير ما دام باذلا للجزية.

ولا تقدير للجزية ، بل بحسب ما يراه الإمام. ويجوز وضعها على رؤوسهم ، وعلى أرضهم ، وله الجمع على رأي.

وتؤخذ عند انتهاء كل حول ، فإن أسلم قبل الأداء سقطت ، وإن كان بعد الحول على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يصح تعليقه بمشيئة الامام على إشكال ، من حيث أنه ليس للإمام الابتداء بالنقض ، ومن حيث الشرط ).

المراد : أن الامام عليه‌السلام يمتنع كون العقد مؤقتا بمشيئته ، إذ لا مشيئة له فيه نظرا إلى أنه لازم من طرف الإمام ، فإن الجزية إذا بذلها الذمي وجب قبولها ، ومتى كان لازما من طرفه لم يكن له رفعه ولا نقضه ، فانتفى كونه بمشيئته ، فامتنع تعليقه بها ، لأن اشتراطه ينافي مقتضى العقد.

ويمكن أن يقال : إن تعليقه بمشيئته استقلالا من دون رضى الكافر مخالف لمقتضى العقد ، لا تعليقه بها مع رضى الكافر بذلك ، لأن غايته تفويض المشيئة إليه ، والمشيئة فيه ثابتة للكافر ، وتفويضها أمر ممكن لأنه فعل قابل للنيابة فيجوز.

قوله : ( أو ما أقرركم الله ).

الصواب : أو ما أقرّكم بغير فك الإدغام.

قوله : ( وله الجمع على رأي ).

له ذلك ولا مانع منه ، وإطلاق الآية يتناوله (١).

قوله : ( وان كان بعد الحول على رأي ).

هذا هو الأصح ، لامتناع أخذ الجزية من المسلم ، ولأن الإسلام يجبّ ما‌

__________________

(١) التوبة : ٢٩.

٤٥١

نعم لو باعها الإمام أخذت منه. ولو مات بعد الحول قبل الأداء أخذت من صلب تركته. وإذا فسد العقد لم نقتلهم بل نلحقهم بأهلهم ، فإن أقاموا سنة عندنا أخذت الجزية.

ولو دخل الكافر دارنا بغير أمان لم نأخذ منه شيئا ، لأنه لم يقبله ، لكن نغتاله.

ولو قال : دخلت لسماع كلام الله أو لسفارة صدّقناه ، ولا نغتاله وإن لم يكن معه كتاب.

ويجوز أن يشترط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين.

ويشترط أن يكون زائدا على أقل ما يجب عليهم من الجزية لو اقتصر على الضيافة ، وأن يكون معلوم المقدار بأن يعيّن عدد الأيام ، وعدد‌

______________________________________________________

قبله.

قوله : ( فإن أقاموا سنة عندنا أخذنا الجزية ).

الفرق بين هذا وبين ما إذا عقد واحد من المسلمين : أنّ العاقد هنا له أهلية العقد فيؤثر رضاه ، بخلاف ما هناك.

قوله : ( ويشترط أن يكون زائدا على أقل ما يجب عليهم من الجزية لو اقتصر على الضيافة ).

إنما اشترطت الزيادة ليتحقق الأمران ، أعني : الجزية ، والضيافة معا ، التي هي مشروطة زائدا على الجزية ، وبهذا صرّح الشيخ في المبسوط (١) والمتأخرون (٢) ، ولأن مصرفهما مختلف كما سيأتي.

قوله : ( وأن يكون معلوم المقدار ، بأن يعين عدد الأيام ... ).

لأن الجهالة مانعة من المطالبة بمقدار معين ، ولقائل أن يقول : إذا جاز ضرب الجزية مجهولة فليجز ضرب الضيافة كذلك ، لأنها جزية ، أو شرط مع‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٨.

(٢) منهم : يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٣٥ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٣٢٩.

٤٥٢

من يضاف ، وقدر القوت والأدم ، وعلف الدواب وجنسه.

وينبغي أن يكون النزول في فاضل بيعهم ، وكنائسهم ومنازلهم.

وليس لنا إخراج أرباب المنازل وإن ضاقت عنا ، وحينئذ من سبق الى منزل فهو أولى.

فروع :

أ : وضع علي عليه‌السلام على الفقير في كل حول اثني عشر درهما ، وعلى المتوسط أربعة وعشرين ، وعلى الغني ثمانية وأربعين.

______________________________________________________

الجزية ، ولم أظفر في ذلك بشي‌ء نفيا ولا إثباتا.

ولا تتقدر الضيافة بثلاثة أيام على الأصح اتباعا للشرط ، وقوله عليه‌السلام : « الضيافة ثلاثة أيام » (١) محمول على الضيافة المعتادة ، وتلك لا شرط فيها.

قوله : ( وقدر القوت والأدم وعلف الدواب وجنسه ).

أي : جنس كل واحد من ذلك.

قوله : ( وينبغي أن يكون النزول في فاضل بيعهم وكنائسهم ومنازلهم ).

أي : فيما فضل عن حاجتهم من هذه المذكورات ، وهذا على طريق الاستحباب على الظاهر ، فيجوز النزول مطلقا. نعم لا يجوز إخراج أرباب المنازل على حال ، ويؤمرون بتوسعة أبواب الكنائس وتعليتها.

قوله : ( وحينئذ من سبق إلى منزل فهو أولى ).

أي : وحين ضيق المنازل عنا إلى آخره ، ووجه الأولوية : أنها كالربط حينئذ ، لاستواء المسلمين في جواز النزول فيها ، فمن سبق إلى منزل كان أولى. ولو قام وترك متاعه مريدا للعود فالأولوية بحالها ، وقال الشيخ : يقرع (٢) ، والأصح‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٨٣ حديث ٢.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٩.

٤٥٣

وليس ذلك لازما ، بل بحسب ما يراه الإمام في كل وقت ، فلو قدّر على الغني قدرا ثم علم أنه غير واجب لم يكن له الرجوع ، إلاّ أن ينبذ العهد ثم يرجع الى بذل الأقل فيجوز مع المصلحة.

ولو ماكس الإمام بالزيادة ، فامتنع من بذلها وجب القبول بالأقل.

______________________________________________________

الأول ، أما لو جاؤوا دفعة فالقرعة مع الضيق.

قوله : ( فلو قدّر على الغني قدرا ثم علم أنه غير واجب لم يكن له الرجوع ، إلا أن ينبذ العهد ، ثم يرجع إلى بذل الأقل ).

أي : إذا كان تقدير الجزية بحسب ما يراه الإمام على اختلاف الأوقات ، فلو قدّر على الغني قدرا ، ثم علم الغني أن ذلك القدر غير واجب في شرعنا بالأصالة فيمكن عقد الذمة على أقل منه ، لم يكن له الرجوع عنه إلى بذل الأقل ، لتحقق العقد المشتمل على اشتراط ذلك المقتضي لوجوبه ، إلا أن ينبذ العهد ويفسخ العقد ، فإنّ له فسخه ، لأنه غير لازم من طرفه ، ثم يرجع إلى بذل الأقل.

ولقائل أن يقول : إذا كان تقدير الجزية برأي الامام وبحسب ما يراه ، فليس للكافر الفسخ والرجوع إلى الأقل ، لأنه قد رأى ذلك القدر ، لأنه المفروض.

وجوابه : أنّ التقدير من طرفنا منوط برأي الامام لا من طرف الكافر ، بناء على أنه لا مقدّر لها ، ومن ثمّ لو بذل الكافر الذمي من أول الأمر جزية قليلة وجب قبولها إذا صلح المبذول لكونه جزية ، وامتنع الكافر مما سواه.

وللإمام المماكسة إذا اقتضتها المصلحة ، رعاية لمصلحة المسلمين ، فإن امتنع الكافر من بذل الزيادة أصلا وجب قبول الأقل. وفي كون الجزية مقدرة أم لا أقوال :

أ : تقديرها كثرة وقلة.

ب : تقديرها في طرف القلة.

ج : عدم التقدير مطلقا ، وكونها بحيث لا يعلم الكافر بقدرها ـ الذي هو معنى الصغار عند بعضهم ـ ينافي الأول.

٤٥٤

ب : لو اجتمع عليه جزية سنتين لم تتداخل ، ولو مات في أثناء السنة فالأقرب السقوط بالكلية.

وتقدم الجزية على الوصايا ، وتقسّط التركة بينها وبين الدين.

ج : ينبغي أن يكون عدد الضيفان على الغني أكثر ، ولا يفرق بينه وبين الفقير بجنس الطعام.

______________________________________________________

واعلم أن شيخنا الشهيد قال في حواشيه : إن هذا الحكم انما يتم على تقدير الجزية ، أما على عدم التقدير فإنه بحسب ما وضعه الإمام. وليس بجيد ، نظرا إلى أن سوق العبارة يقتضي تفريع هذا الحكم على عدم التقدير ، ثم إنه لا يستقيم في نفسه أيضا على التقدير ، لأنه على هذا لا يسوغ له الرجوع إلى الأقل وإن نبذ العهد ، إلاّ أن يحمل على أنّ لأقل الجزية مقدارا ، ويعقد الامام بأزيد منه ، ثم يعلم الكافر عدم وجوب الزائد ، وفيه مالا يخفى.

قوله : ( ولو مات في أثناء السنة فالأقرب السقوط بالكلية ).

لعدم العلم بوجوبها بحصول أجزاء الحول شيئا فشيئا المقتضي للشك في وجوب بعضها ببعض الحول ، فالأصح السقوط.

قوله : ( وتقسط التركة بينها وبين الدين ).

لأنها دين ، ولا فرق بين كونها مضروبة على الرؤوس وعلى الأرضين ، لأن ضربها على الأرض ضرب معاملة ، وليس مقتضاه أن يؤدي منها.

قوله : ( ينبغي أن يكون عدد الضيفان على الغني أكثر ).

هذا الحكم على الاستحباب ، لأن الجزية منوط تقديرها برأي الإمام ، فلو رأي خلاف ذلك جاز.

لكن قد يقال : إن كان عليه‌السلام قد رأى تقدير العدد على الغني أكثر باقتضاء المصلحة لم يجز مخالفته ، فلا يكون مستحبا بل واجبا ، ويمكن الجواب : بأنه مع اقتضاء المصلحة ـ العقد مطلقا ـ يستحب له التكثير على الغني.

قوله : ( ولا يفرق بينه وبين الفقير بجنس الطعام ).

٤٥٥

ولا تحتسب الضيافة من الدينار ، ويختص الدينار بأهل الفي‌ء ، والضيافة مشتركة بين الطارقين من المسلمين وإن لم يجاهدوا.

د : الصغار إن جعلناه عدم علمه بالمقدار لم تجب الإهانة ، وإلاّ فالأقرب الوجوب ، فلو وكلّ مسلما لأدائها لم يجز.

وتؤخذ منه قائما ، والمسلم قاعدا ، ويأمره بإخراج يده من جيبه ويطأطئ رأسه.

______________________________________________________

لأن الفرق بالقدر كاف في التفاوت ، ولا يختلف الحال على المسلمين في طعامهم.

قوله : ( ولا تحسب الضيافة من الدينار ).

لعل المراد : أن الضيافة لا تكون محسوبة من مال الجزية الذي ربما قدر بالدينار. وفي حواشي شيخنا الشهيد حمل ذلك على تقدير الجزية بالدينار ، وفيه بعد ، لأنه قد سبق في كلامه أنه لا مقدّر لها سوى ما رآه الإمام.

قوله : ( ويختص الدينار بأهل الفي‌ء ، والضيافة مشتركة ... ).

هذا أيضا كالذي قبله ، وقد يستفاد من هذه العبارة والتي قبلها : مغايرة الجزية للضيافة ، مع أنه قد سبق في كلامه جواز الاقتصار عليها.

ويجاب بأنه قد سبق أيضا وجوب زيادتها على مقدار أقل الجزية ليتحقق الأمران معا ، فإن الجزية لا تختص بنوع من الأموال كالنقد مثلا ، بل كل ما يعد مالا يؤخذ عنها.

قوله : ( الصغار إن جعلناه عدم علمه بالمقدار لم تجب الإهانة ).

قد ينظر في ذلك ، بأن يكون الموجب للإهانة شي‌ء آخر ، من شي‌ء منقول في السنة ونحوه‌

قوله : ( وإلا فالأقرب الوجوب ).

مقتضاه : إنا إذا لم نجعله عدم العلم بالمقدار تجب الإهانة ، وليس بظاهر ، لأنّا إذا لم نقل بذلك يمكن القول بأنه جريان أحكامنا عليهم كما هو مقالة‌

٤٥٦

هـ : لو طلبوا أداء الجزية باسم الصدقة ، ويزيدون في القدر جازت الإجابة مع المصلحة.

والأقرب في الجبران مراعاة مصلحة المسلمين في القيمة السوقية ،

______________________________________________________

المبسوط (١) ، فلا يظهر ما قاله ، ولو تم له ذلك بأن يكون هو مدلول الآية على هذا التقدير ، فلا معنى لقوله : ( فالأقرب ).

ويمكن أن يعتذر له : بأن المراد إذا فسرنا الصغار بعدم علم المقدار ، فلا شبهة في عدم دلالته على الإهانة ، فلا تجب الإهانة بمقتضى الآية ، وإن لم نفسره بذلك احتمل إرادته لأنه أحد الأقوال ، وهو الأقرب عند المصنف ، وحينئذ (٢) فلا خلل في العبارة.

فإن قيل : إن فسّرنا الصغار بإجراء أحكامنا عليهم فلا دليل على وجوب الإهانة ، وإن فسّرناها بإهانتهم فأي دليل على اعتبار جريان أحكامنا عليهم؟

قلت : اعتبار جريان أحكامنا عليهم أمر مجمع عليه ، والظاهر من الآية اعتبار الإهانة ، وهو ما عليه أكثر المفسرين (٣).

قوله : ( لو طلبوا أداء الجزية باسم الصدقة ويزيدون في القدر ... ).

وهل يبقى وجوب الإهانة بحاله إن قلنا به؟ ظاهرهم العدم ، لأن بذل الزيادة للتخلص من الإهانة ، وهل يعتبر ـ الشنق ـ (٤) والوقص؟ (٥) فيه نظر.

قوله : ( والأقرب في الجبران مراعاة المصلحة ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٨.

(٢) في « ن » : ( والشيخ ) بدل ( وحينئذ ).

(٣) الأسطر الأربعة السابقة كانت مقدمة على الفقرة التي قبلها في النسخة الحجرية و « ن » و « ه‍ » فأخرناها اعتمادا على ما في « س » ، وهو الصحيح.

(٤) قال الطريحي : الشنق ـ بالتحريك ـ في الصدقة ما بين الفريضتين ، وهو مما لا تتعلق به زكاة كالزائد من الإبل على الخمس الى التسع ، وما زاد منها على العشر إلى أربع عشرة ، والجمع أشناق ، وبعضهم يخص الشنق بالإبل والوقص بالبقر ، مجمع البحرين ( شنق ) ٥ : ١٩٧.

(٥) قال الطريحي : الوقص ـ بالتحريك ، وفي إسكان القاف لغة ـ واحد الأوقاص من الصدقة ، وهو ما بين الفريضتين ، والبعض يجعل الوقص في البقر خاصة ، مجمع البحرين ( وقص ) ٤ : ١٩٠.

٤٥٧

أو التقدير الشرعي.

و : لو خرقوا الذمة في دار الإسلام ردهم الى مأمنهم ، وهل له قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم؟ فيه نظر.

ولو أسلموا قبل الحكم سقط الجميع ، إلاّ القود والحد والمال.

ولو أسلموا بعد الاسترقاق والمفاداة لم يسقط ما حكم عليهم.

ز : يمضي الإمام الثاني ما قرره الأول ، إذا لم تخرج مدة تقريره ، فلو شرط الدوام في الجزية لم يغيره الثاني ، ولو أطلق الأول جاز له التغيير بحسب المصلحة.

ويستحب أن يضطر إلى أضيق الطرق ، ويمنع من جادة الطريق.

______________________________________________________

هذا هو الأصح ، إذ ليس ذلك زكاة بالأصالة ، فيعتبر أغبط الأمرين للمسلمين.

قوله : ( لو خرقوا الذمة في دار الإسلام ردّهم إلى مأمنهم ).

أي : جوازا بدليل قوله : ( وهل له قتلهم ... ).

قوله : ( وهل له قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم؟ فيه نظر ).

الأظهر وجوب ردّهم إلى مأمنهم ، عملا باستصحاب الحكم السابق ، إلاّ أن يقاتلوا المسلمين ، أو يقتلوا منهم ، أو يسبوا الله ورسوله ونحو ذلك.

قوله : ( فلو شرط الدوام في الجزية لم يغيره الثاني ).

إن قيل : قد تقتضي المصلحة التغيير فيجب أن يجوز ، قلنا : إنما شرط الإمام دوامه ، مع علمه بعدم اختلاف المصلحة لأنه معصوم ، بخلاف ما لو أطلق.

قوله : ( ويمنع من جادة الطريق ).

هذا مع استطراق المسلمين لا مطلقا ، والمراد : منعه من صدر الجادة ليضطر إلى جانبها ، فيضيق عليه.

٤٥٨

الثالث : حكم العقد : ويجب لهم بعقد الذمة وجوب الكف عنهم وأن يعصمهم بالضمان نفسا ومالا.

ولا يتعرض لكنائسهم ، ولا لخمورهم وخنازيرهم بشرط عدم التظاهر ، فمن أراق خمرهم ، أو قتل خنزيرهم مع الستر ضمنه بقيمته عندهم ، ولا شي‌ء مع التظاهر. ولو غصبهم وجب رده.

ولو ترافعوا إلينا في خصوماتهم تخيّر الحاكم : بين : الحكم بشرع الإسلام ، وردهم الى أهل نحلتهم ليحكموا بمقتضى شرعهم ، ويجب دفع‌

______________________________________________________

قوله : ( ويجب لهم بعقد الذمة وجوب الكف عنهم ).

اي : يثبت لهم وجوب ذلك.

قوله : ( وأن يعصمهم بالضمان نفسا ومالا ).

أي : وأن يعصمهم العقد أو الإمام بدليل السياق ، والمراد بقوله : ( بالضمان ) أي : بضمان كل منهما على من يتلف واحدا منهما ، فإنّ ضمانهما موجب للعصمة في كل منهما ، ونصبهما في العبارة على التمييز ، للنسبة في ( يعصمهم ).

ويمكن أن يكون معناه : وأن يعصمهم في النفس والمال بضمانهما الحاصل بالعقد ، لأنه يصيّر دماءهم وأموالهم كدماء المسلمين وأموالهم.

قوله : ( ولو ترافعوا إلينا في خصوماتهم تخير الحاكم بين الحكم بشرع الإسلام ، وردهم إلى أهل نحلتهم ليحكموا بمقتضى شرعهم ).

يتعين الحكم في مواضع :

الأول : إذا كان أحد الخصمين مسلما ، فإنه لا يجوز إجراء حكم الكافر على المسلم ، وظاهر قوله : ( ولو ترافعوا ) قد يشعر بذلك.

الثاني : لو تحاكموا إلى حكامهم فقضوا عليهم بالجور فترافعوا إلينا ، وجب الحكم بشرع الإسلام ، وفي رواية هارون بن حمزة ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام ما‌

٤٥٩

الكفار عنهم. ولو انفردوا ببلدة بعيدة عن بلاد الإسلام ، ففي وجوب دفع من يقصدهم من الكفار اشكال. ولو شرطناه وجب ، ولو شرطنا عدم الذب لم يجب ، ويحكم العقد عليهم بأشياء :

______________________________________________________

يومئ الى ذلك (١).

الثالث : لو كان المتحاكمان من أهل ملتين ، ولم يتراضيا بحاكم من إحدى الملتين حذرا من وقع الفتنة ، فإنّ الدفع عنهم واجب علينا.

الرابع : إذا كان المتحاكم فيه عدوانا ـ عندنا لا عندهم ـ ، كما لو أتلف أحدهم خمرا أو خنزيرا على آخر منهم في حال التظاهر ، فإنه لا شي‌ء على المتلف حينئذ ، عندنا ، فلا يجوز الردّ إليهم ليقضوا بالغرم في هذه الحالة ، لأن الإتلاف واجب حينئذ.

الخامس : إذا فعل أحدهم ما يوجب العقوبة عندنا خاصة من حد أو تعزير لم يجز الرد إليهم ، لئلاّ يتعطل حدّ الله تعالى ، نعم ، لو اتفقت الملتان في إيجاب شي‌ء جاز الرد. ولا عبرة بالاختلاف في الكم والكيف.

قوله : ( ولو انفردوا ببلدة بعيدة عن بلاد الإسلام ففي وجوب دفع من يقصدهم من الكفار إشكال ).

ينشأ من ظاهر قوله عليه‌السلام : « دماؤهم كدمائنا ، وأموالهم كأموالنا » ، ومن عدم صراحته في الدلالة ، وانتفاء الضرر عن المسلمين ، إذ ليسوا في حوزتهم وبلادهم ، ولما في جمع العساكر وإثارة الحرب من الضرر العظيم ، والوجوب أحوط. ومثله ما لو كانوا في بلدة بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر.

قوله : ( ولو شرطناه وجب ، ولو شرطنا عدم الذبّ لم يجب ).

أي : والحال انفرادهم ببلدة بعيدة ، كما أنّا لو شرطنا عدم الذب مع القرب بطل ، لمنافاته مقتضى العقد.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٠١ حديث ٨٤٢.

٤٦٠