جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

فيحرم عليه التلذذ بها بتركه والعقد على اشكال.

ولو اعتمر متمتعا لم يجز له الخروج من مكة قبل الحج.

ولو اعتمر مفردا في أشهر الحج استحب له الإقامة ليحج ويجعلها متعة ، فإن خرج ورجع قبل شهر جاز له أن يتمتع بها أيضا ، وإن كان بعد شهر وجب الإحرام للدخول.

ولا يجوز أن يتمتع بالأولى بل‌ بالأخيرة ، ويتحلل من المفردة بالتقصير ، والحلق أفضل.

______________________________________________________

يدخل في الصبي المميز وغيره ، إذا أحرم به الولي ثم بلغ. وينبغي أن يكون المجنون إذا أحرم عنه وليه ثم أفاق ، وعلى الولي منعهما من النساء قبله.

قوله : ( فيحرم عليه التلذذ بتركه والعقد على إشكال ).

يمكن عود الضمير في ( عليه ) إلى الخصي وحده ، فيكون الإشكال في تحريم ذلك عليه ، وليس بحسن ، إذ قد سبق منه عدم تحريم العقد على غيره ممن يقطع بتحريم النساء عليه ، فيلزم عدم تحريمه عليه بطريق أولى.

ويمكن عوده إلى كل معتمر ، ويكون الإشكال في العقد ، فيكون رجوعا عن الجزم السابق إلى الإشكال ، والأصح التحريم مطلقا.

قوله : ( ولو اعتمر متمتعا لم يجز له الخروج من مكة قبل الحج ).

أي : خروج للمفارقة ، أو إلى حيث يحتاج إلى تجديد عمرة كما سبق ، وحدّه أن لا يتخلل شهر بين عوده وإحلاله أو إحرامه على ما سبق.

قوله : ( ولو اعتمر مفردا في أشهر الحج استحب له الإقامة ليحج ويجعلها متعة ).

المراد باستحباب الإقامة : ما إذا كان في خلالها ، لا بعد التحلل منها ، لامتناع نية العدول بعد الفراغ من النسك.

قوله : ( وإن كان بعد شهر وجب الإحرام للدخول ، ولا يجوز أن يتمتع بالأولى ، بل بالأخيرة ).

٢٨١

ولو حلق في المتمتع بها لزمه دم ، ومع التقصير أو الحلق في المفردة يحل من كل شي‌ء إلاّ النساء ، ويحللن بطوافهن.

ويستحب تكرار العمرة ، واختلف في الزمان بين العمرتين فقيل سنة ، وقيل شهر ، وقيل عشرة أيام ، وقيل بالتوالي.

ولو نذر عمرة التمتع وجب حجه ، وبالعكس دون الباقين ، ولو أفسد حج الإفراد وجب إتمامه والقضاء دون العمرة ولو كان حج الإسلام كفاه عمرة واحدة.

______________________________________________________

المراد : إحرامه للدخول بالعمرة ، لامتناع إحرامه بالحج تمتعا وافرادا ، لأنّ ميقات التمتع مكة ، والافراد ممتنع ممن لزمه التمتع ، والدخول بغير إحرام غير جائز.

ويجب أن يكون إحرامه بعمرة التمتع ، لوجوب التمتع وعدم صلاحية العمرة السابقة ، حيث احتاج إلى فعل عمرة أخرى بين العمرة المتمتع بها والحج ، وهي داخلة فيه.

قوله : ( ولو حلق في المتمتع بها لزمه دم ).

ولا يجزئه للنهي.

قوله : ( وقيل بالتوالي ).

هذا القول هو الأصح ، إذ لا قاطع على خلافه ، ( والأفضل أن يكون بين العمرتين شهر ، وأقله عشرة أيام ) (١).

قوله : ( ولو نذر عمرة التمتع وجب حجه ).

هذا مخالف لما سبق من كلامه ، أنه لو اعتمر متمتعا متبرعا ، هل يجب عليه الحج أولا؟ إذ لو لم تكن العمرة مستلزمة للحج لم يلزم من وجوبها وجوبه.

قوله : ( ولو أفسد حج الإفراد وجب إتمامه ، والقضاء دون العمرة ).

لا يخفى أنّ إفساد حج الإفراد يقتضي مع الإتمام القضاء ، ولا يوجب‌

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

٢٨٢

الفصل الثاني : في الحصر والصد وفيه مطلبان :

الأول : المصدود الممنوع بالعدو ، فإذا تلبس بالإحرام لحج أو عمرة ، ثم صد عن الدخول إلى مكة إن كان معتمرا ، أو الموقفين إن كان حاجا ، فان لم يكن له طريق سوى موضع الصد ، أو كان وقصرت نفقته‌

______________________________________________________

عمرة لإفساده ، بل إن كانت العمرة واجبة عليه فوجوبها بحاله ، فيجب عليه القضاء للإفساد ، ووجوب العمرة المفردة كما كان بخلاف عمرة التمتع ، فإنّ إفساد حجه يقتضي إيجابه مع العمرة أيضا ، لأنّها داخلة في الحج.

والمراد من قوله : ( ولو كان حج الإسلام كفاه عمرة واحدة ) ما ذكرناه ، أي : ولو كان الإفساد بحج الإسلام فعمرة واحدة تجزئ ، وذلك لأنّ حج الإسلام واجب وعمرته ، فإذا فسد الحج ووجب قضاؤه فوجوب العمرة كما كان ، وليس لوجوب قضاء الحج تعلق بوجوب العمرة ، لأنهما للإفراد.

ولا يخفى أنّ في قوله : ( كفاه عمرة واحدة ) توسعا ، لأنّ العمرة لا تعلق لها بالإفساد لتكفي الواحدة ، بل الواجب من أول الأمر هو الواحدة.

قوله : ( المصدود هو الممنوع بالعدوّ ).

المعروف عندنا انّ المحصور والمصدود كل منهما غير الآخر ، والخبر الصحيح ناطق بذلك (١) ، وبينهما فرق في الأحكام أيضا (٢).

قوله : ( ثم صد عن الدخول إلى مكة إن كان معتمرا ، أو الموقفين إن كان حاجا ).

لو صد عن دخول المسجد بعد دخول مكة في العمرة فهو مصدود ، فالتقييد بالصد عن دخول مكة ليس على ما ينبغي ، والصد عن الموقفين يتحقق به الصد‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٩ حديث ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ حديث ١٥١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٣ حديث ١٤٦٧.

(٢) في « ن » ورد ما يلي : فرع : لو صد في العمرة قبل السعي اتجه أن يقال : ينتظر إمكان السعي والتقصير وطواف النساء كشروعه في التحلل من الإحرام.

٢٨٣

تحلل بذبح هديه الذي ساقه ، والتقصير ونية التحلل عند الذبح موضع الصد ، سواء كان في الحرم أو خارجه ، من النساء وغيرها وإن كان الحج‌

______________________________________________________

المقتضي للتحلل ، وإن كان غير منحصر فيه ، فان الصد عن أحدهما مع فوات الآخر يثبت به الحكم أيضا.

قوله : ( والتقصير ).

أي : يحلل بالذبح والتقصير أيضا ، فلا يحلل بدونه على أصح القولين ، لأصالة البقاء على إحرامه حتى يحصل ما علم كونه محللا ، ولم يثبت كون الذبح وحده محللا ، إذ ليس في الاخبار الاكتفاء به وحده ، بل وجوب ذبحه (١) ، ولأنّ محلل الإحرام مركب من أمور متعددة ، فكلما دل الدليل على سقوط اعتباره سقط اعتباره ، ويبقى ما عداه على أصله.

وقيل : يكفي الذبح (٢) ، وليس له وجه ظاهر أزيد من أنّ الأخبار دلت على الذبح ، ولم تدل على التقصير (٣).

ولا دلالة في هذا ، لأنّ عدم دلالتها على وجوبه لا يقتضي نفيه ، فيبقى وجوبه ثابتا كما كان بالدليل الدال على أنّ إحرام الحج محلله مجموع الأمور المذكورة سقط بعضها بالإجماع ، وهو ما عدا الذبح والتقصير ، فيبقى الباقي على وجوبه.

قوله : ( موضع الصد ).

أي : في أي موضع كان من غير تعيين موضع بخصوصه ، بخلاف تحلل المحصر.

قوله : ( من النساء وغيرها ).

أي : فلا يتوقف حل النساء على طوافهن ، للرواية (٤) بخلاف المحصر.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٣٠٢ حديث ١٥٠١ ، انظر : الوسائل ١٠ : ١٩٢ باب ١٣.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ١ : ٣٣٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٣٩٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧١ حديث ٩ ، انظر : الوسائل ٩ : ٣٠٤ حديث ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧١ حديث ٩.

٢٨٤

فرضا ، ولا يجب بعث الهدي.

وهل يكفي هدي السياق عن هدي التحلل؟ الأقوى ذلك مع ندبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يجب بعث الهدي ).

أي : حيث يتمكن من بعثه ، وذلك حيث لا يكون الصد عاما ، لأنّ هذا الحكم في المحصور ، والأصل البراءة في المصدود ، ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحلل ومن كان معه ، ولم يبعثوا الهدي ، ولا شرط النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تحلل من كان معه تعذر إرساله (١) ، ولعدم توقف التحلل على بعثه حيث لا يمكن قطعا ، فلا يجب في الباقي لأصالة البراءة ، ولا كذلك المحصر.

قوله : ( وهل يكفي هدي السياق عن هدي التحلل؟ الأقوى ذلك مع ندبه ).

أي : الأقوى أنه يكفي مطلقا ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحر ما ساقه (٢) ، مع أنّ هدي التحلل مندوب ، مع ذلك فيستحب له أن يجمع بين الهديين ، ويكون ذبح هدي التحلل على قصد الوجوب ، وهدي السياق على ما سبق بيانه ، فيكون الضمير في ندبه عائدا إلى هدي التحلل ، وهو المنقول عن المصنف ، والموافق لفتواه في غير هذا الكتاب (٣).

ويمكن عود الضمير إلى هدي السياق ، أي : مع ندب هدي السياق يكفي عن هدي التحلل ، لا مع وجوبه وهو الأصح ، لأنّ تعدد الأسباب يقتضي تعدد المسببات.

( والمراد بوجوبه : وجوب نحره وإن كان في أصله تبرعا ، وذلك بإشعاره أو تقليده على الوجه المعتبر ، أو بقوله : هذا هدي كما سبق ، فلو ساقه بنية أنه هدي ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٩ حديث ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٢١ حديث ١٤٦٥.

(٢) الكافي ٤ : ٥٤٠ حديث ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٦ حديث ١٥١٧ ، التهذيب ٥ : ٤٢٤ حديث ١٤٧٢.

(٣) المختلف : ٣١٧.

٢٨٥

ولو لم يكن ساق وجب هدي التحلل ، فلا يحل بدونه ، ولا بدل له على اشكال ، فيبقى على إحرامه مع عجزه عنه وعن ثمنه ، ولو تحلل لم يحل.

ولا يراعي زمانا ولا مكانا في إحلاله ، ولو كان له طريق غير موضع الصد وجب سلوكه إن كان مساويا ، وكذا لو كان أطول والنفقة وافية به وإن خاف الفوات.

ولا يتحلل ، لأن التحلل إنما يجوز بالصد ، أو بعلم الفوات على‌

______________________________________________________

ولم يضم إليه شيئا آخر ، فهو غير متعين للنحر (١) ، فيجزئ حينئذ ) (٢).

قوله : ( ولا بدل له على إشكال ).

الأصح أنه لا بدل له ، لأنّ البدلية تشريع ولم يثبت هنا ، وثبوتها في هدي التمتع بنص القرآن لا يقتضي التعدية إلى هنا.

ولو قلنا بالبدلية فهو إما عشرة أيام من غير تقييد بتتابع ولا عدمه ، لا في الحج ولا في غيره ، ونقل شيخنا الشهيد أنّ في رواية : ثمانية عشر يوما.

قوله : ( فيبقى على إحرامه مع عجزه عنه وعن ثمنه ).

لو قال : مع عجزه عنه ، أو عن ثمنه لكان أولى.

قوله : ( ولو تحلل لم يحل ).

أي : ولو نوى التحلل مجردا عن الذبح لم يحل ، ولو فعل شيئا من محرمات الإحرام وجبت الكفارة.

قوله : ( ولا يراعي زمانا ، ولا مكانا في إحلاله ).

بخلاف المحصر.

قوله : ( لأنّ التحلل إنما يجوز بالصد ، أو بعلم الفوات على إشكال ، لا بخوف الفوات ).

__________________

(١) في « س » و « ه‍ » : النحر.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

٢٨٦

اشكال ، لا لخوف الفوات فحينئذ يمضي في إحرامه في ذلك الطريق ، فإن أدرك الحج وإلا تحلّل بعمرة ، ثم يقضي في القابل واجبا مع وجوبه وإلاّ ندبا ، ولا يتحقق الصد بالمنع من رمي الجمار ومبيت منى بل يصح الحج.

______________________________________________________

الاشكال يحتمل أن يكون فيما دلت عليه ( إنّما ) من الحصر في الأمرين ، أعني : الصد ، وعلم الفوات بالإضافة إلى خوف الفوات ، فيكون محل الاشكال هو جواز التحلل بخوف الفوات ، فان تحقق الجواز لم يكن الحصر في الأمرين ثابتا ، وإن لم يتحقق كان صحيحا ، لكن جزمه أولا بقوله : ( وإن خاف الفوات ) وآخرا بقوله : ( لا بخوف الفوات ) ينافي هذا الاشكال.

ويحتمل أن يكون في جواز التحلل بعلم الفوات ، فان تحقق الجواز كان الحصر في الصد خاصة ، وإلاّ ثبت فيهما فقط ، وهذا هو المناسب لسياق العبارة.

وحكى شيخنا الشهيد : أنّ المنقول عن المصنف في منشأ الاشكال تعذر العلم هنا ، ويحتمل إمكان حصوله بقرائن الأحوال وليس بشي‌ء ، لأنه على تقدير حصول العلم بالفوات قطعا لا يثبت جواز التحلل بالهدي ، لأنّ فوات الحج بعد الإحرام يوجب العدول إلى العمرة المفردة. والحاقه بالصد قياس بغير جامع. والحق أنّ تجويز التحلل هنا بالهدي لا وجه له.

قوله : ( ثم يقضى في القابل واجبا مع وجوبه ، وإلاّ ندبا ).

سبق تحقيق ذلك.

قوله : ( ولا يتحقق الصدّ بالمنع من رمي الجمار ومبيت منى ).

هذا حق إذا كان الرمي هو الواجب في أيام التشريق ، لأنّ هذا وإن كان نسكا واجبا في الحج ، إلا أنّ الحج يتم بدونه. أما الرمي الواجب يوم النحر ، فإنه جزء من المحلل ، فلا يستقيم إطلاق العبارة بحيث يشمله ، لأنّ ذلك جزء المحلل الأول.

ولا يتصور الإتيان بالطوافين والسعي من دونه ، فمتى تحقق الصد عن مناسك منى ، بحيث لا يمكن الاستنابة أيضا امتنع الطواف والسعي ، فيتحقق‌

٢٨٧

ويستنيب في الرمي والذبح ، ويجوز التحلل من غير هدي مع الاشتراط على رأي.

فروع :

أ : لو حبس على مال مستحق ، وهو متمكن منه فليس بمصدود ، ولو كان غير مستحق أو عجز عن المستحق تحلل.

ب : لو صد عن مكة بعد الموقفين ، فان لحق الطواف والسعي‌

______________________________________________________

الصدّ عنهما ، فيكون مصدودا عما عدا الموقفين.

وسيأتي في كلام المصنف في ذلك ، وسنبين أنّ الأصح أنّ هذا مصدود ، ومما يؤكد شمول إطلاق العبارة لرمي يوم النحر قوله : ( ويستنيب في الرمي والذبح ).

قوله : ( ويجوز التحلل من غير هدي مع الاشتراط على رأي ).

الفرق بين هذا وبين المحصر ـ حيث لم يجوّز التحلل في المحصر إلا بالهدي ، ( وجوّزه هنا ـ دلالة صريح القرآن على التوقف على الهدي هناك بخلافه هنا (١).

والأصح عدم الجواز إلا بالهدي ) (٢) ، لثبوت كونه هو المحلل في الجملة والشرط لا يخرج الحكم الثابت عن مقتضاه ، حتى لو شرطه كان باطلا كما لو شرط التحلل بغير نية ، فإن الشرط المخالف للكتاب أو السنة باطل ، وفائدته غير منحصرة في ذلك.

قوله : ( ولو كان غير مستحق أو عجز عن المستحق تحلل ).

ينبغي لو كان غير مستحق ويقدر على بذله أن لا يتحلل إذا لم يضرّ به ، ولم يكن مجحفا ، لعدم صدق عدم الاستطاعة حينئذ.

قوله : ( لو صد عن مكة بعد الموقفين ).

ظاهر العبارة أنّ الصد كان بعد أفعال يوم النحر بمنى بدليل قوله : ( فإن‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٨.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

٢٨٨

للحج في ذي الحجة صح حجه ، والاّ وجب عليه العود من قابل لأداء باقي المناسك ، ولو لم يدرك سوى الموقفين فإشكال.

ولو صد عن الموقفين أو عن أحدهما مع فوات الآخر جاز له التحلل ، فان لم يتحلل وأقام على إحرامه حتى فاته الوقوف فقد فاته الحج ،

______________________________________________________

لحق الطواف والسعي للحج في ذي الحجة ) وقوله بعد ذلك : ( ولو لم يدرك سوى الموقفين فإشكال ).

وعبارته في المنتهى (١) والتذكرة مطلقة (٢) تتناول بظاهر إطلاقها وتعليلها هذا القسم ، وقد خيّر فيهما بين التحلل والبقاء على الإحرام ، وإن كان في قوله فيهما : ( فان لحق أيام منى ... ) ، ما يشعر بأنّ المراد من ذلك : من لم يأت بمناسك يوم النحر ، وكيف قدّرته فهو مخالف لما هنا.

والذي في الدروس : أنّ من أتى بمناسك يوم النحر يبقى على إحرامه حتى يأتي بباقي الأفعال (٣). وهو المتجه ، لأنّ المحلل من الإحرام إما الهدي للمصدود والمحصور ، أو الإتيان بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي ، فإذا شرع في الثاني وأتى بمناسك يوم النحر تعين عليه الإكمال لعدم الدليل الدال على جواز التحلل بالهدي حينئذ ، ومن ثمّ لا يتحلل من النساء بالهدي من صد عن طواف النساء ، فيبقى على إحرامه إلى أنه يأتي بباقي المناسك.

قوله : ( ولو لم يدرك سوى الموقفين فإشكال ).

ينشأ من حصول الحج بحصول الموقفين ، ومن أنّ الإحرام باق بحاله ، والوقوف بالموقفين لا يحصل به تحلل ، والأصح أنه مصدود.

قوله : ( ولو صد عن الموقفين ).

أي : عن كل منهما.

قوله : ( أو عن أحدهما مع فوات الآخر ).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٤٧.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٦.

(٣) الدروس : ١٤٢.

٢٨٩

وعليه أن يتحلل بعمرة ، ولا دم عليه لفوات الحج ، ويقضي مع الوجوب.

ج : ولو ظن انكشاف العدو قبل الفوات جاز التحلل ، والأفضل الصبر ، فان انكشف أتم وإن فات أحل بعمرة.

ولو تحلل فانكشف العدو ، والوقت متسع وجب الإتيان بحج الإسلام مع بقاء الشرائط ، ولا يشترط الاستطاعة من بلده‌ حينئذ.

______________________________________________________

سواء كان الفائت عرفة أم المشعر ، وإن كان مقتضى قوله : ( فان لم يتحلل وأقام على إحرامه ... ) أنّ المراد : كون المصدود عنه المشعر ، والفائت عرفة.

ويفهم من العبارة أنّ الصد عن أحد الموقفين خاصة من دون فوات الآخر لا يتحقق به الصد المجوز للتحلل ، وفي المنتهى (١) والتذكرة (٢) نقل كونه صدا عن الشيخ رحمه‌الله (٣) ، ولم يقبله ولم يرده.

قوله : ( ولا دم عليه لفوات الحج ).

وقيل : عليه دم ( نقله الشيخ عن بعض أصحابنا ) (٤) (٥) ، وهو ضعيف.

قوله : ( لو ظن انكشاف العدوّ قبل الفوات جاز التحلل ).

لوجود المقتضي ، ولو علم ذلك قطعا فهل يجوز؟ فيه وجهان ، وعدم الجواز أولى.

قوله : ( ولو تحلل فانكشف العدوّ ، والوقت متسع وجب الإتيان بحج الإسلام مع بقاء الشرائط ).

هذا إذا لم يكن الوجوب مستقرا قبل ذلك.

قوله : ( ولا تشترط الاستطاعة من بلده حينئذ ).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٤٧.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٦.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣٣.

(٤) الخلاف ١ : ٢٧١ مسألة ٢٢٠ كتاب الحج.

(٥) ما بين القوسين لم يرد في « س ».

٢٩٠

د : لو أفسد ، فصد ، فتحلل وجبت ، بدنة الإفساد ودم التحلل ، والحج من قابل.

فان قلنا : الأولى حجة الإسلام لم يكف الواحد ، والاّ فإشكال. فإن انكشف العدو والوقت باق وجب القضاء ، وهو حج يقضى لسنته على اشكال.

______________________________________________________

لأنه لما قطع المسافة إلى موضع الصد كان مخاطبا بالوجوب ، بخلاف الصبي إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق.

قوله : ( لو أفسد فصد فتحلل وجبت بدنة الإفساد ودم التحلل والحج من قابل ، فان قلنا : الأولى حجة الإسلام لم تكف الواحدة ).

لأنّ حج الإسلام إذا تحلل منه وجب الإتيان به بعد ذلك ، لكن هذا إذا كان وجوبه مستقرا ، فلو لم يكن وجوبه مستقرا ، ولم يفرط فالظاهر أنّ الواجب هو العقوبة.

ولو قلنا : إنّ الأولى عقوبة ، وأن العقوبة لا تقضى ، ولم يكن الوجوب مستقرا فلا قضاء أصلا.

قوله : ( وإلاّ فإشكال ).

أي : وإن لم نقل انّ الاولى حجة الإسلام ، بل العقوبة ففي الاكتفاء بالواحد إشكال ، ينشأ من أنّ العقوبة هل يجب قضاؤه بالتحلل منه ، أولا؟

ولعل الأقوى ـ تفريعا على أنّ الاولى عقوبة ـ عدم وجوب القضاء ، والأصح أنّ الأولى حجة الإسلام.

قوله : ( فان انكشف العدوّ والوقت باق وجب القضاء ، وهو حج يقضى لسنته على إشكال ).

ينشأ من أنّ الاولى حجة الإسلام ، أم العقوبة؟ فإن قلنا بالأول فهو حج يقضى لسنته ، وإن قلنا بالثاني فلا. كذا قرره الشارح ولد المصنف (١) ، فيكون‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٣٢٥.

٢٩١

______________________________________________________

معنى القضاء هنا : هو الإتيان بمثل ما خرج عنه ، ويكون الضمير راجعا إلى ما دل عليه الكلام ، وهو الحج الذي أفسده ، وتحلل منه بالصد.

ويفهم من عبارة الشرائع (١) ، أنّ المراد بكونه يقضى لسنته : عدم وجوب حج آخر غيره (٢). وهو إنما يتم على القول بأنّ الأولى عقوبة ، وأن العقوبة إذا تحلل منها بنحو الصد لا تقضى ، فإنه يجب حينئذ أن يأتي بحج الإسلام اتفاقا ، ولا قضاء عليه. ويكون منشأ هذا الاشكال هو منشأ ما قبله ، أعني : أنّ العقوبة إذا تحلل منها بالصد هل تقضى أم لا؟ وعلى الأول يكون منشأ الإشكال اختلاف القولين في أنّ الأولى حجة الإسلام أم العقوبة؟

وهذا أليق بالمقام من وجهين :

الأول : إنّ المصنف يرى أنّ الاولى عقوبة ، وقد سبق في إفساد النائب في أول كتاب الحج ما يقتضي ذلك ، فكيف يبنى الاشكال على مالا يقول به ولا يرتضيه ، أعني : الخلاف في كونها حجة الإسلام أو العقوبة؟

الثاني : إنه على تقدير أن يكون المراد بكون الحج مقضيا لسنته : الإتيان بمثل ما خرج منه لا وجه لتصوير المسألة فيمن أفسد فصد ، بل كل من صدّ إذا تحلل فانكشف العدو ، وفي الوقت سعة يجب عليه الحج ، ويأتي بمثل ما خرج منه.

والظاهر أنّ المصنف والجماعة إنما فرضوا المسألة هنا لأنّ لها بهذا المبحث ارتباطا ، بل كان التقييد في تصوير المسألة بالإفساد مستدركا ومخلا بالفهم ، لأنه يوهم أنّ للقيد دخلا في تصوير المسألة. وينبه على هذا قول شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : وليس معنى « حج يقضى لسنته » إلا هذا.

وقد صرح بالمراد في الدروس حيث قال : ولو زال الإحصار بعد التحلل قضى الحج مع سعة الزمان لسنته (٣) ، بناء على أنّ الأولى عقوبة ، وأنها تسقط‌

__________________

(١) في « ن » : الشارح.

(٢) الشرائع ١ : ٢٨١.

(٣) الدروس : ١٠٦.

٢٩٢

ولو لم يكن تحلل مضى في الفاسد ، وقضاه في القابل واجبا ، وإن كان الفاسد ندبا

______________________________________________________

بالتحلل ، وهما ممنوعان. وعلى هذا فيكون مرجع الضمير مدلولا عليه بالسياق ، تقديره : والحج الواجب عليه بذلك ـ أي : بالأصالة ـ والإفساد حج يقضى لسنته.

ويكون المراد بالقضاء معناه اللغوي : وهو مطلق الفعل ، لأنّ القضاء بالمعنى الشرعي وهو فعل العبادة خارج وقتها المعين لها غير مستقيم على واحد من التقديرين (١).

قوله : ( ولو لم يكن تحلل مضى في الفاسد ، وقضاه في القابل واجبا ).

لأنّ الإفساد يقتضي الحج من قابل.

قوله : ( وإن كان الفاسد ندبا ).

يمكن جعله وصليا لما قبله ، أي : قضاه في القابل واجبا وإن كان الفاسد ندبا لما عرفت من وجوب قضاء الواجب ، والمندوب إذا أفسده. وهو أولى من أن يجعل أول الكلام بناء على أن الاولى عقوبة ، وان العقوبة لا تقضى بالتحلل ، لأنّ الأحكام التي تأتي لا تختلف بكون الحج واجبا ولا مندوبا. وما سبق من الكلام‌

__________________

(١) في « ن » و « ه‍ » : قوله : ( فان قلنا الأولى ... ).

أي : وان لم نقل بأن الأولى حجة الإسلام بل عقوبة. ومنشأ الاشكال من ان العقوبة إذا تحلل منها هل يجب قضاؤها أم لا؟ كل محتمل ، وان كان عدم وجوب القضاء لا يخلو من قوة تمسكا بأصالة البراءة.

قوله : ( وهو حج يقضى لسنته على اشكال ).

يمكن أن يكون منشأ الاشكال الاختلاف في ان الأولى حجة الإسلام بعد الإفساد ويقضيه لسنتها ، وليس معنى حج فاسد يقضى لسنته الا هذا. ذكر نحوا من هذا الشارح ولد المصنف ، والأوجه أن يقال : أن منشأ الاشكال التردد في أن العقوبة تقضى أم لا ، كالإشكال الذي قبله ، كأن مختار المصنف أن الأولى عقوبة فلا يناسب التردد في الحكم ، مع أن أحد الطرفين عنده مردود ، وهو الذي يظهر من كلام صاحب الشرائع ، ويكون المراد بالقضاء حينئذ التدارك المسقط لجميع ما في الذمة ، ومرجع الضمير ما دل عليه الكلام.

٢٩٣

فان فاته تحلل بعمرة ويقضي واجبا من قابل ، وعليه بدنة الإفساد لا دم الفوات.

ولو كان العدو باقيا فله التحلل ، وعليه دم التحلل وبدنة الإفساد ، وعليه قضاء واحد.

ولو صد فأفسد جاز التحلل أيضا ، وعليه البدنة والدم والقضاء.

______________________________________________________

لا يأباه ، لأنه مطلق ، وإن كان قوله : ( فان قلنا الأولى حجة الإسلام ) إنما يستقيم مع الوجوب ، لأنّ الوجوب في هذا الفرد لا يقتضي وجوب ما عداه.

قوله : ( فإن فاته تحلل بعمرة ).

أي : إن فات الحج بعد انكشاف العدوّ ولم يكن تحلل ، سواء كان واجبا أم مندوبا ، فإنه يتحلل بعمرة وجوبا ، ويقضي واجبا في القابل ، ولا شي‌ء عليه سوى ذلك.

وهذا ظاهر إذا كانت الأولى مندوبة ، أو واجبة غير مستقر وجوبها ، أو مستقرا ، وقلنا : إن الأولى عقوبة ، وأنّ العقوبة لا تقضى بالفوات.

ولم يصرح المصنف باختيار ذلك ، فإنّ الإشكال السابق يلتفت أحد طرفيه إلى هذا ، فعلى هذا الأليق (١) بعبارة المصنف أن يجعل قوله : ( وإن كان الفاسد ندبا ) أول الكلام ليسلم كلامه من الاختلاف ، وعلى ما يختاره من أن الاولى فرضه لو كان الحج واجبا ، لا بدّ له من حجتين على ما سبق.

قوله : ( ولو كان العدوّ باقيا فله التحلل ... ).

هذه من توابع المسألة التي قبلها ، وعلى ما قلناه فهي مفروضة في المندوب أيضا.

قوله : ( ولو صد فأفسد جاز التحلل أيضا ).

الفرق بين هذه المسألة وما قبلها أنّ الإفساد في الأولى مفروض قبل‌

__________________

(١) هذا هو الصحيح وما في نسخة « ن » من كون اللفظة ( لا يليق ) لا يمكن المساعدة عليه لبقائه من دون علة ، ولما تقدم قبل قليل عند شرح المحقق لقول العلامة : ( وإن كان الفاسد ندبا ).

٢٩٤

هـ : لو لم يندفع العدو إلاّ بالقتال لم يجب وإن ظن السلامة ، ولو طلب مالا لم يجب بذله ولو تمكن منه على اشكال.

و : لو صد المعتمر عن مكة تحلل بالهدي ، وحكمه حكم الحاج المصدود.

المطلب الثاني : المحصر ، وهو الممنوع بالمرض عن الوصول إلى مكة أو الموقفين.

______________________________________________________

الصد ، وهنا بعده ، ولا فرق في الحكم.

والظاهر أنّ هذه شاملة للواجب والمندوب ، ويكون قوله : ( والقضاء ) لا يراد به الاكتفاء به حيث يكون واجبا. وإنما اقتصر عليه لما سبق من وجوب حجتين ، بناء على أنّ الاولى حجة الإسلام ، ومن الاشكال بناء على أنها عقوبة ، فسكت عن الحكم هنا اعتمادا على ما سبق.

ويناسب هذا أن يكون قوله : ( وإن كان الفاسد ندبا ) وصليا ، وليس ببعيد أن يكون الاكتفاء بالحج الواحد رجوعا عن الإشكال إلى الجزم.

قوله : ( ولو طلب مالا لم يجب بذله ولو تمكن منه على إشكال ).

الأصح الوجوب إذا لم يجحف ، لصدق الاستطاعة.

قوله : ( لو صد المعتمر عن مكة ... ).

قد سبق أنه لو صد بعد الشروع في أفعال العمرة ، يتجه بقاؤه على إحرامه حتى يأتي بالباقي.

قوله : ( وهو الممنوع بالمرض عن الوصول إلى مكة أو الموقفين ).

يراد بالحصر (١) عن مكة للمعتمر ، وعن الموقفين للحاج ، كما سبق في الصد ، فلا حاجة الى إعادته. لكن لو أحصر عن منى ومكة ، ولم يتمكن من الاستنابة في الرمي والذبح بقي على إحرامه.

__________________

(١) هكذا وردت في الحجري ، وفي النسخ الخطية المتوفرة لدينا : يراد بالصد.

٢٩٥

فإذا تلبس بالإحرام وأحصر بعث ما بعث ما ساقه ، ولو لم يكن ساق بعث هديا أو ثمنه ، وبقي على إحرامه الى أن يبلغ الهدي محله ، وهو منى يوم النحر إن كان حاجا ، ومكة بفناء الكعبة إن كان معتمرا ، فإذا بلغ قصّر وأحل من كل شي‌ء إلاّ النساء.

______________________________________________________

قوله : ( فإذا تلبس بالإحرام وأحصر ، بعث ما ساقه ).

المشهور بين الأصحاب الاكتفاء بالهدي الذي ساقه (١) ، وقال ابن بابويه (٢) وابن إدريس : يجب هدي آخر (٣) ، واختاره المصنف في المختلف (٤).

والتفصيل السابق ـ بكون هدي السياق واجبا فيجب آخر غيره لتعدد السبب ، ومندوبا فيجزئ ـ قوي ، ومن الواجب الهدي الذي أشعره أو قلده.

قوله : ( فإذا بلغ قصّر ، وأحلّ من كل شي‌ء إلاّ النساء ).

أكثر العبارات فيها قصّر ، والظاهر أنه لا يتعين إلا في عمرة التمتع ، بل يتخير فيما عداه بين الحلق والتقصير. وكذا أكثر العبارات فيها الإحلال من كل شي‌ء إلاّ النساء.

وفي الدروس : لو كانت عمرة التمتع أحلّ من النساء أيضا ، إذ ليس فيها طواف النساء (٥) ، وهو قوي متين. لكن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء ، إلاّ بطوافهن من غير تفصيل (٦).

( ويمكن أن يحتج لذلك بأنّ عمرة التمتع دخلت في الحج ، فالشروع فيها شروع فيه ، فيتوقف انقطاع الارتباط به على طواف النساء.

وفيه نظر ، لأنّ الارتباط لا يقتضي منع إحرامه الذي هو فيه من النساء‌

__________________

(١) منهم : أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٢١٨ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٣٣٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٠٥.

(٣) السرائر : ١٥١.

(٤) المختلف : ٣١٧.

(٥) الدروس : ١٤١.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦٩ حديث ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٢١ ، ٤٢٣ حديث ١٤٦٥ ، ١٤٦٧.

٢٩٦

ثم إن كان الحج واجبا وجب قضاؤه في القابل ، وإلاّ استحب ، لكن يحرم عليه النساء إلى أن يطوف في القابل مع وجوب الحج ، أو يطاف عنه مع ندبه أو عجزه.

______________________________________________________

بعد التقصير الى أن يطوف لهن ) (١).

قوله : ( ثم إن كان الحج واجبا وجب قضاؤه في القابل ، وإلا استحب ، لكن يحرم عليه النساء إلى أن يطوف ... ).

قد يقال : لا موقع للاستدراك بـ ( لكن ) ، لأنها لدفع ما يتوهم بالكلام الذي قبلها ، وعدم التحريم غير متوهم ، أما من قوله : ( وأحل من كل شي‌ء إلا النساء ) فظاهر ، وأما من قوله : ( ثم إن كان الحج واجبا وجب قضاؤه في القابل وإلا استحب ) فلأنه لا تعلق له بهذا المعنى لا نفيا ولا إثباتا ، مع صراحة ما قبله في التحريم.

ويمكن أن يتكلف له أنّ قوله : ( وأحل من كل شي‌ء إلا النساء ) يقتضي إطلاق التحريم ، فتوهّم بقاؤه دائما ، فاستدرك بـ ( لكن ) لبيان نهاية مدته ، وفيه ما فيه.

قوله : ( إلى أن يطوف في القابل مع وجوب الحج ، أو يطاف عنه مع ندبه أو عجزه ).

أما استمراره إلى حين طوافه في الواجب ، فلأن الاستنابة إنما تجزئ إذا لم يتعين (٢) حضوره ، ومع وجوب الحج حضوره متعيّن ، بخلاف ما إذا كان مندوبا ، فإن له الاستنابة اختيارا ، وظاهر كلامه في المنتهى أنه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب.

ولو عجز مع وجوب الحج استناب أيضا (٣) ، وفي الدروس حكاه قولا ،

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

(٢) في « ن » : يتفق.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٥٠.

٢٩٧

ولا يبطل تحلله لو بان عدم ذبح هديه ، وعليه الذبح في القابل.

ولو زال المرض لحق بأصحابه ، فإن أدرك أحد الموقفين صح حجه ، وإلاّ تحلل بعمرة وإن كانوا قد‌ ذبحوا ، وقضى في القابل مع

______________________________________________________

فقال : قيل : أو مع عجزه في الواجب (١). وهو يقتضي التردد فيه ، والاستنابة حينئذ أقوى ، لأنّ طواف النساء تجزئ الاستنابة فيه عند الضرورة ، والحكم ببقائه مع العجز على التحريم ضرر عظيم ، والتفصيل في العمرة المفردة بكونها واجبة ومندوبة كالحج.

فرع : لو صد عن مكة بعد مناسك منى فقد سبق أنه يعود في القابل للطوافين والسعي ، فلو عجز عن ذلك فهل له الاستنابة؟ لا أعلم فيه لأحد من الأصحاب قولا ، وليس ببعيد إن حصل اليأس من برئه ، وإلا فوجهان.

قوله : ( ولا يبطل تحلله لو بان عدم ذبح هديه وعليه الذبح في القابل ).

قال الشيخ : يجب عليه أن يبعث من قابل ، وأن يمسك عما يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه ، لأنّ في صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه : « يبعث من قابل ويمسك أيضا » (٢) (٣).

ورده ابن إدريس أشد رد (٤) ، ولم يصرح المصنف بقبوله ولا برده ، والعمل بما قاله الشيخ ، ودلت عليه الرواية أحوط ، وإن كان القول ببطلان الإحلال ـ الذي وقع صحيحا ـ ، وتحريم محرمات الإحرام بغير إحرام يفعل تعبدا ، ومتى يحرم ذلك؟ ليس في كلامهم تصريح بتعيين وقته ، لكن يظهر من العبارة أنه من حين البعث ، وللنظر فيه مجال.

قوله : ( وإلا تحلل بعمرة وإن كانوا قد ذبحوا ).

__________________

(١) الدروس : ١٤١.

(٢) النهاية : ٢٨٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٩ حديث ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٢١ حديث ١٤٦٥.

(٤) السرائر : ١٥١ ، عند قوله قدس‌سره : ومن لم يكن ساق الهدي ، الى آخره.

٢٩٨

الوجوب.

ولو علم الفوات بعد البعث ، وزوال العذر قبل التقصير ففي وجوب لقاء مكة للتحلل بالعمرة إشكال.

ولو زال عذر المعتمر بعد تحلله قضى العمرة حينئذ واجبا مع الوجوب ، وإلاّ ندبا ، وقيل في الشهر الداخل.

______________________________________________________

الحكم ظاهر إذا لم يكونوا قد ذبحوا ، فأما مع الذبح فيحتمل عدم الاحتياج إلى العمرة ، لتحقق ذبح الهدي المقتضي للتحلل.

والأصح الاحتياج إليها ، لأنّ الذبح إنما يحلل مع عدم التمكن من العمرة ، أما معها فلا لعدم الدليل ، ولأنّ فوات الحج موجب للعمرة كما هو معلوم.

ومتى تحقق ذبح الهدي فقد فات الحج ، لأنّ الذبح إنما يكون يوم النحر ، وحينئذ فلا يبقى لإدراك الحج وقت.

قوله : ( ولو علم الفوات ـ الى قوله : ـ ففي وجوب لقاء مكة للتحلل بالعمرة إشكال ).

الأصح وجوبه ، لأنّ التحلل بالهدي إنما يجزئ مع عدم التمكن من اللحاق ، إذ لا دليل على اجزائه معه ، ومع الفوات لا بد من التحلل بالعمرة.

وفصلّ شيخنا الشهيد في حواشيه بأنه مع ذبح الهدي لا يحتاج إلى العمرة ، وبدونه يحتاج ، والظاهر الاحتياج إليها مطلقا ، وقد سبق في العبارة خلاف هذا التفصيل.

قوله : ( وقيل : في الشهر الداخل ) (١).

سبق الجواز من غير تخلل زمان ، والخلاف هنا مبني على ما سبق.

ولا يقال : إنه لم يعتمر هنا ، لأنه تحلل من العمرة ، لأنا نقول : إنه قد تحقق الإحرام بها حقيقة ، فيشترط لصحة إحرام العمرة الأخرى ما يشترط للعمرة.

__________________

(١) قاله الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٣٥ ، وابن إدريس في السرائر : ١٥١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٢٦ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٢٧١.

٢٩٩

ولو تحلل القارن أتى في القابل بالواجب ، وقيل بالقران ، ولو كان ندبا تخيّر ، والأفضل الإتيان بمثل ما خرج منه.

وهل يسقط الهدي مع الاشتراط في المصدود والمحصور؟ قولان.

ولو كان قد أشعره أو قلده بعث به قولا واحدا.

وروي : أن من بعث هديا من أفق من الآفاق تطوعا يواعد أصحابه وقت ذبحه أو نحره ، ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم ولا يلبي ، فإذا حضر وقت الوعد أحل ، ولو فعل ما يحرم على المحرم كفر مستحبا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تحلل القارن أتى في القابل بالواجب ، وقيل بالقران ).

الأصح أنه يأتي بالواجب ، فان تعين فذلك المعين قرانا وغيره ، وإن كان مطلقا تخير. وتحمل الرواية على أنّ الذي خرج منه كان واجبا بنذر وشبهه.

قوله : ( والأفضل الإتيان بمثل ما خرج منه ).

خروجا من الخلاف.

قوله : ( وهل يسقط الهدي مع الاشتراط في المحصور والمصدود؟ قولان ).

وقال الفاضل الشيخ فخر الدين : المراد : من اجتمع له الحصر والصد ، ليخرج عن التكرار (١) ، والأصح عدم السقوط.

فروع : لو لم يجد الهدي فالأصح أنه لا بدل له ، وفي قول ضعيف : أن له بدلا.

قوله : ( وروي أنّ من بعث هديا من أفق من الآفاق تطوعا يواعد أصحابه ... ).

ينبغي أن يذكر فيه مواعدة الأصحاب لإشعاره أو تقليده يوما معلوما ، ليكون ذلك جاريا مجرى إحرامه ، كما دلت الرواية على التواعد بذلك (٢). ثم‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٣٢٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٩ حديث ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٢١ حديث ١٤٦٥.

٣٠٠