جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

نهارا وليلا ، والإفطار نهارا.

ولا يحرم المخيط ، ولا التزويج ، ولا النظر في المعاش والخوض في المباح.

ويفسده كل ما يفسد الصوم ، فإن أفسده مع وجوبه كفّر وقضى إن كان بالجماع ولو ليلا في رمضان وغيره ، أو كان معينا ، وإلا فالقضاء خاصة.

______________________________________________________

قوله : ( نهارا وليلا ).

أي : يحرم ذلك كله نهارا وليلا.

قوله : ( ولا التزويج ).

أي : له ولغيره ، لأن النكاح طاعة وحضوره مندوب ، فلا يعدّ منافيا للاعتكاف.

قوله : ( [ كفّر ] (١) وقضى إن كان بالجماع ولو ليلا في رمضان وغيره ، أو كان معينا ).

ظاهره : أن التعيين أعمّ من أن يكون بالنذر أو بمضي يومين ، فيستوي كل من النوعين في إيجاب الكفارة ، أعني : مطلق الواجب بالجماع والمعين بغيره من مفسدات الصوم.

قوله : ( وإلاّ فالقضاء ).

أي وإن لم يكن بالجماع ، ولا كان الاعتكاف معينا ، بل كان المفسد غير الجماع ، والصوم غير متعين ، فلا شي‌ء سوى القضاء.

وينبغي التقييد بما إذا لم يمض ثلاثة أيام ، فيقضي جميع ما مضى ، أي يأتي ببدله ، لان الفرض عدم التعيين ، ولو مضى ثلاثة فصاعدا تدارك ما أفسده خاصّة.

__________________

(١) لم ترد في نسخ جامع المقاصد ، وأثبتناها من النسخة المعتمدة للقواعد لان الشرح يتناولها.

١٠١

ولو جامع في نهار رمضان فكفارتان ، فإن أكره المعتكفة فأربع على رأي.

ولو ارتد بطل اعتكافه وأخرج ، فإن عاد استأنف مع الوجوب وتخرج المطلقة رجعيا الى منزلها مع عدم التعيين ، وتقضيه بعد العدة مع الوجوب. ولو باع واشترى أثم ، والأقرب الانعقاد. ولو مات قبل انقضاء الواجب وجب على الولي قضاؤه عنه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو جامع في نهار رمضان فكفّارتان ).

قيّده في المختلف بما إذا تعيّن اعتكافه (١) ، وهو متجه ، لجواز الخروج من الاعتكاف المندوب ، إلا أن الاخبار مطلّقة (٢).

قوله : ( فإن أكره المعتكفة فأربع على رأي ).

هذا هو المشهور ، وقال في الدّروس (٣) : انّه لا مخالف فيه إلاّ صاحب المعتبر (٤). فالمصير إليه أحرى ، وإن كان القول بوجوب ثلاث هو مقتضى الدّليل.

قوله : ( وتخرج المطلقة رجعيّة إلى منزلها ).

لتعيّن الاعتداد فيه ، بخلاف ما إذا تعيّن ، فإنّه يقدّم حينئذ.

قوله : ( وتقضيه بعد العدّة مع الوجوب ).

إذا لم تكن قد اشترطت.

قوله : ( ولو باع واشترى اثم ، والأقرب الانعقاد ).

هذا هو الأصحّ ، لأن النهي لا يدلّ على الفساد في غير العبادات.

قوله : ( ولو مات قبل انقضاء الواجب وجب على الولي قضاؤه ).

هذا إذا تمكن من قضائه ولم يفعل ، أو كان قد استقر في الذمة قبل‌

__________________

(١) المختلف : ٢٥٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٩ حديث ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ حديث ٥٣٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ حديث ٨٨٦.

(٣) الدروس : ٨١.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٤٢.

١٠٢

المطلب الرابع : في النذر ، لا يجب التتالي في المنذور إلا أن يشترطه لفظا أو معنى.

ولو نذر اعتكاف ستة جاز أن يعتكف ثلاثة ثم يترك ، ثم يأتي بالباقي.

والأقرب صحة إتيانه بيوم من النذر ، وآخرين من غيره ، وهكذا ست مرات. نعم لا يجوز تفريق الساعات على الأيام.

ولو نذر المكان تعيّن ، وكذا الزمان والهيئة ، فلو نذر أن يعتكف مصليا‌

______________________________________________________

ذلك ، وقد أطلق الشّيخ هذا الحكم (١) ، وهو ظاهر إذا تعذّر قضاء الصوم من دون الاعتكاف ، كأن نذر الصوم معتكفا مثلا.

أما بدونه فيشكل ، ولا نصّ يدلّ على وجوب قضاء كلّ واجب ، ومتى قلنا بالوجوب فهل له الاستنابة؟ يأتي فيه ما يأتي في الصّلاة والصوم ، ولو تبرّع به متبرّع فالظاهر الصحّة.

قوله : ( لا يجب التتالي في المنذور إلا أن يشترطه لفظا أو معنى ).

المراد بالاشتراط لفظا ، أن ينصّ عليه بلفظ يدل مطابقة ، وبالاشتراط معنى : أن ينذر ما لا يكون إلاّ متتابعا ، كشهر رجب مثلا ، وكشهر أيضا.

قوله : ( والأقرب صحّة إتيانه بيوم من النذر وآخرين من غيره ).

الأقرب قريب ، إذ لا مانع إلاّ اختلاف سبب وجوبه ، ومانعيته غير معلومة ، فينتفي بالأصل.

قوله : ( هكذا ستّ مرات ).

يتصوّر ذلك في قضاء اثني عشر يوما مع نذر ستة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

١٠٣

أو يصوم معتكفا وجب الجمع.

ولو لم يشترط التتابع في المعين ، فخرج في أثنائه صح ما فعل إن كان ثلاثة فما زاد ، وأتم ما بقي ، وقضى ما أهمل ، وكذا لو شرطه ، وقيل يستأنف وكفّر فيهما.

ولو عين شهرا وأخل به كفّر وقضى ، ولا يجب التتابع في قضائه ، إلاّ أن يشترط التتابع لفظا على‌ اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( [ أو ] (١) يصوم معتكفا ).

الصوم وإن كان شرطا لصحّة الاعتكاف إلاّ أنه يجوز التصريح به في نذره ، وإذا نذر أن يصوم معتكفا فالظاهر أنّه لا يكفيه الإتيان بصوم آخر واجب.

قوله : ( ولو لم يشترط التتابع ... ).

أي : لم يشترطه لفظا ، أعمّ من ان يشترطه معنى أو لا.

قوله : ( وقضى ما أهمل ).

أي : مطلقا ، أعمّ من أن يكون متتابعا ، أو لا.

قوله : ( وكذا لو شرطه ).

أي : التتابع ، لا يجب عليه إلاّ قضاء ما أهمل.

قوله : ( وقيل : يستأنف (٢) ).

أي : إذا شرط التتابع مع تعيين الزمان ، وهو ضعيف ، لأن شرط التتابع من عوارض الأداء لا القضاء.

قوله : ( ولو عيّن شهرا وأهل به ).

ظاهره أن المراد : لم يأت بشي‌ء أصلا ، وإن كان مدلول اللفظ أعمّ ، إذ الإخلال أعمّ من عدم فعل شي‌ء أصلا وفعل البعض.

قوله : ( ولا يجب التتابع في قضائه إلا أن يشترط التتابع لفظا على‌

__________________

(١) في نسخ جامع المقاصد : ( أن ) ، وما أثبتناه من نسخة القواعد المعتمدة ، وهو الصحيح.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ١ : ٢٩١.

١٠٤

ولو نذر شهرا متتابعا من غير تعيين ، وأفطر في أثنائه استأنف ، ولا كفارة إلا بالوقاع.

ولو نذر اعتكاف شهر كفاه عدة بين هلالين. وكذا لو نذر العشر الأخير فنقص اكتفى بالتسعة.

______________________________________________________

إشكال ).

ما تقدّم قبيل المطلب الثاني ظاهره منافاة ما هنا ، وكذا إطلاق قوله : ( وكذا لو شرطه ) مناف لما هنا وهناك ، لأن معناه يقضي ما أهمله مطلقا ، وهنا تردّد ، وهناك صرّح بوجوب التتابع.

قوله : ( ولو نذر شهرا متتابعا من غير تعيين وأفطر في أثنائه استأنف ، ولا كفارة إلا بالوقاع ).

وعلى ما سبق من أن المتعيّن يجب الكفارة بإفطاره مطلقا ، يجب في كل ثالث هنا وإن لم يكن بالوقاع لتعيّنه ، ويجب الاستئناف ، لأن الإتيان بالمنذور ممكن ، والمأتي به امتنع وقوعه عنه لفساد بعضه.

قوله : ( ولو نذر اعتكاف شهر كفاه عدّة بين هلالين ).

أي : وإن نقص الشهر عن ثلاثين ، وكذا يكفيه ثلاثون يوما ، لأن كلاّ منهما يسمّى شهرا.

قوله : ( وكذا لو نذر العشر الأخير فنقص اكتفى بالتسعة ).

لأن ذلك هو الممكن المتصوّر من معنى العشر الأخير.

واعلم أنّ للاعتكاف ـ باعتبار تعيين الزّمان ، وعدمه ، واشتراط التتابع لفظا كعشرة متتابعة ، أو معنى كشهر ، أو هما معا كشهر رجب هذا متتابعا ، وعدم ذلك ، والاشتراط على ربه ، وعدمه ـ اثنتا عشرة صورة :

أ : عيّن الزّمان ، وشرط التتابع بمعنييه وشرط.

ب : لم يشترط.

ج : لم يعيّن الزمان ، ولم يشترطه بواحد من المعنيين كعشرة مثلا وشرط.

١٠٥

ولو خرج لقضاء حاجة لم يجب قضاؤه ، ولا إعادة النية بعد العود. والحائض والمريض يخرجان ثم يقضيانه مع الوجوب لا بدونه ، وإلا ندبا.

ولو عيّن زمانا لم يعلم به حتى خرج كالناسي والمحبوس قضاه ، وحكمه في التوفي كرمضان.

______________________________________________________

د : لم يشترط.

هـ : عيّنه ولم يشترطه لفظا ، بل معنى كشهر رجب هذا وشرط.

و : لم يشترط.

ز : لم يعينه وشرط التتابع معنى كشهر وشرط.

ح : لم يشترط.

ط : لم يعيّنه وشرطه لفظا وشرط.

ي : لم يشترط.

يا : لم يعيّن الزمان ، وشرطه بمعنييه وشرط.

يب : لم يشترط.

وكلّ موضع تعين وجبت الكفارة إن تعمّد الإخلال ، وربّما تكرّرت إذا تعيّن الزّمان وأفطر نهارا بالجماع كرمضان ، ولو كان مضطرا فلا شي‌ء ، ويقضي إلاّ أن يشترط ، ولا يجب الاستئناف في القضاء وإن شرط التتابع ، ولا التتابع ، في القضاء أيضا ، ولو كان قد حلف على الاعتكاف فان تركه فكفارة يمين ، وإن شرع فيه فافطره فكفّارة رمضان ، كما فصّله الشّهيد (١) ، وليس ببعيد.

قوله : ( وإذا خرج لقضاء حاجة لم يجب قضاؤه ولا إعادة النية ).

ولو طال الزمان بحيث بطل جدّدها.

قوله : ( ثم يقضيانه مع الوجوب لا بدونه وإلاّ ندبا ).

في قوله : ( وإلاّ ندبا ) بعد قوله : ( لا بدونه ) مناقشة ، إذ هو معنى لا بدونه.

__________________

(١) الدروس : ٨١.

١٠٦

ولو نذر اعتكاف أربعة فاعتكف ثلاثة قضى الرابع ، وضم اليه آخرين وجوبا ، فإن أفطر الأول كفّر ، وكذا في أحد الآخرين إن أخرهما وإلا فلا.

ولو نذر اعتكاف يوم لا أزيد بطل ، ولو نذر اعتكاف يوم صح واعتكاف ثلاثة ، فلو ظهر يوم الثلاثين العيد فالأقرب البطلان.

______________________________________________________

قوله : ( فإن أفطر الأوّل كفر ).

إن كان بالجماع.

قوله : ( وكذا في أحد الآخرين إن أخرهما وإلا فلا ).

لوجوبهما حينئذ ، لكن على ما اختاره سابقا من أن المتعين يجب في الثالث مطلقا بالجماع وغيره.

وينبغي على قوله في المطلب الثاني أنه ( ينوي فيهما الوجوب ) الكفارة بالجماع فيهما مطلقا قدّمهما أو أخرهما.

والحقّ أنه إن فعلهما بنية تدارك الواجب ، فنوى فيهما الوجوب تجب الكفّارة بالجماع فيهما مطلقا ، للرّواية الدّالة على الكفارة بالجماع في الاعتكاف مطلقا (١) ، خرج عنه المندوب لجواز الخروج منه قطعا ، فيبقى الباقي على أصله ، لتعين الواجب بالشّروع ، وإن فعل اعتكافا مندوبا فأفسده فلا شي‌ء وإن قصد في خلال اليوم التوصل به إلى الواجب.

قوله : ( فلو ظهر يوم الثلاثين العيد فالأقرب البطلان ).

المراد بيوم الثّلاثين : ثالث النّذر ، والأصحّ البطلان ، لظهور امتناع تعلق النذر به.

* * *

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٩ حديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ حديث ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩٢ حديث ٨٨٨ ـ ٨٨٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ حديث ٤٢٥.

١٠٧

كتاب الحج

وفيه مقاصد :

الأول : في المقدمات وفيه مطالب.

الأول : في حقيقته ، الحج لغة : القصد ، وشرعا : القصد الى بيت الله تعالى بمكة مع أداء مناسك مخصوصة عنده ، وهو من أعظم أركان الإسلام ، وهو واجب وندب.

فالواجب : إما بأصل الشرع ، وهو حجة الإسلام مرة واحدة في العمر على الفور ، وإما بسبب كالنذر وشبهه ، أو بالإفساد ، أو الاستئجار. ويتكرر بتكرر السبب.

______________________________________________________

قوله : ( الحج لغة القصد ).

الشائع أنه القصد المتكرّر ، وإن كان إطلاقه على القصد موجودا في كلامهم.

قوله : ( وشرعا : القصد إلى بيت الله تعالى ... ).

فعلى هذا يكون الحج اسما للقصد ، وليست باقي المناسك داخلة في مسمّاه ، وليس بواضح ، فيكون جعله اسما لمجموع المناسك أولى.

ويمكن الاعتذار بأن قوله : ( مع أداء مناسك ... ). قد يقتضي أن يكون جزء المسمّى ، فلا يرد السّؤال. والتحقيق : إنّ معنى ( مع ) لا يقتضي الصّراحة في ذلك.

قيل : إنّ جعله اسما للقصد أولى من جعله اسما للمناسك ، لأنّ الأوّل تخصيص ، ويلزم من الثاني النقل ، والتخصيص خير.

قلنا : هذا فاسد ، لأنّ كلاهما نقل للّفظ عن مسمّاه اللغوي ، إلاّ أنّ الأوّل لمناسبة ، بخلاف الثّاني.

١٠٨

والمندوب ما عداه كفاقد الشرائط ، والمتبرع به.

وإنما يجب بشروط وهي خمسة في حجة الإسلام : التكليف ، والحرية ، والاستطاعة ، ومؤنة عياله ، وإمكان المسير.

وشرائط النذر وشبهه أربعة : التكليف ، والحرية ، والإسلام ، وإذن الزوج.

وشرائط النيابة ثلاثة : الإسلام ، والتكليف ، وأن لا يكون عليه حج واجب بالأصالة ، أو بالنذر المضيق ، أو الإفساد ، أو الاستئجار المضيق.

ولو عجز ـ من استقر عليه وجوب الحج ـ عنه ولو مشيا صحت نيابته.

وشرط المندوب أن لا يكون عليه حج واجب ، وإذن الوالي على‌

______________________________________________________

قوله : ( وشرائط النّذر ).

وإذن الزوج ينبغي ، وإذن من له الولاية.

قوله : ( أو بالنّذر المضيّق ).

يفهم منه أنّ الموسّع يجوز معه الاستئجار ، واعترضه الشهيد في حاشيته بالمنع من صحته ، وفيه نظر.

قوله : ( أو الاستئجار المضيق ).

يفهم منه أنّ الموسع يجوز معه. نعم ، يشترط في جواز الاستئجار الموسّع أن لا يكون واجبا على الفور ، أو يتعذّر من يأتي به غيره ، واعترضه الشّهيد أيضا ، كالأوّل ، ولا وجه له إلاّ أن يريد ما قلناه ، وبه صرّح في الدروس (١).

قوله : ( وشرط المندوب ... ).

ويشترط أيضا الإسلام ، ولم يذكره.

__________________

(١) الدروس : ٨٧.

١٠٩

من له عليه ولاية ، كالزوج والمولى والأب.

المطلب الثاني : في أنواع الحج ، وهي ثلاثة : تمتع ، وقران ، وإفراد.

أما التمتع : فهو فرض من نأى عن مكة باثني عشر ميلا من كل جانب.

وصورته : أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتع بها في وقته ، ثم يطوف لها ، ثم يصلي ركعتيه ، ثم يسعى ، ثم يقصر ، ثم يحرم من مكة للحج ، ثم يمضي الى عرفة فيقف بها الى الغروب يوم عرفة ، ثم يفيض الى المشعر فيقف به بعد الفجر ، ثم يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة يوم النحر ، ثم يذبح هديه ، ثم يحلق ، ثم يمضي فيه أو في غده إلى مكة فيطوف للحج ، ويصلي ركعتيه ، ويسعى ، ويطوف للنساء ويصلي ركعتيه ، ثم يمضي إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق ، وهي : ليلة الحادي عشر ، والثاني عشر ،

______________________________________________________

قوله : ( فهو فرض من نأى عن مكة باثني عشر ميلا من كلّ جانب ).

بل بثمانية وأربعين ميلا على الأصحّ ، للرّواية الصّحيحة (١). ولا وجه بيّن لما اختاره هنا ، إلاّ تخيل توزيع ما وردت به الرّواية ، أعني : ثمانية وأربعين على الجوانب الأربعة.

وقوله : ( من كل جانب ) يحترز به عما لو بعد بذلك من جانب دون جانب ، فإنه لا يعدّ بعيدا وإن سلك الأبعد إلى مكة لا أعلم الآن فيه خلافا ، بخلاف البلد الّذي له طريقان في القصر.

قوله : ( وصورته أن يحرم من الميقات بالعمرة ... ).

الأركان في حجّ التمتع ثلاثة عشر ، النية أحدها ، والترتيب بين الأفعال.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٩٢ حديث ١٧٦٦.

١١٠

والثالث عشر ، ويرمي في هذه الأيام الجمار الثلاث.

ولمن اتقى النساء والصيد أن ينفر في الثاني عشر فيسقط رمي الثالث.

وأما القران والإفراد فهما فرض أهل مكة وحاضريها ، وهو من كان بينه وبين مكة دون اثني عشر ميلا من كل جانب ، وصورتهما واحدة ، وإنما يفترقان بسياق الهدي وعدمه.

وصورة الإفراد : أن يحرم من الميقات أو من حيث يجوز له ، ثم يمضي الى عرفة ، ثم المشعر ، ثم يقتضي مناسكه يوم النحر بمنى ، ثم يأتي مكة فيطوف للحج ويصلي ركعتيه ، ثم يسعى ثم يطوف للنساء ويصلي ركعتيه ، ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الإحلال من أدنى الحل وإن لم يكن في أشهر الحج.

ولو أحرم بها من دون ذلك ، ثم خرج الى أدنى الحل لم يجزئه الإحرام الأول واستأنفه.

ولو عدل هؤلاء إلى التمتع اختيارا لم يجز ، ويجوز اضطرارا. وكذا‌

______________________________________________________

قوله : ( وأمّا القران والإفراد فهما فرض أهل مكة وحاضريها ، وهو من كان بينه وبينها ... ).

بل دون ثمانية وأربعين ميلا على الأصحّ.

قوله : ( ولو عدل هؤلاء إلى التمتع اختيارا لم يجز ).

إذا كان الفرض المتعين عليهم القران أو الإفراد بالأصالة أو بالإفساد ونحو ذلك ، وإلاّ جاز كما سيأتي.

قوله : ( ويجوز اضطرارا ).

كما لو خافت الحيض المتأخر المانع من العمرة المفردة قبل فوات الرفقة ، أو خاف إعجال الرّفقة.

١١١

من فرضه التمتع يعدل الى الإفراد اضطرارا لضيق الوقت وحصول الحيض والنفاس.

ولو طافت أربعا فحاضت سعت وقصّرت وصحت متعتها ، وقضت باقي المناسك ، وأتمت بعد الطهر.

ولو كان أقل فحكمها حكم من لم يطف ، تنتظر الطهر ، فان حضر وقت الوقوف ولم تطهر خرجت الى عرفة وصارت حجتها مفردة ، وإن طهرت وتمكنت من طواف العمرة وأفعالها صحت متعتها ، وإلا صارت مفردة.

المطلب الثالث : في شرائط أنواع الحج.

شروط التمتع أربعة : النية ، ووقوعه في أشهر الحج ـ وهي : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة على رأي ـ وإتيان الحج والعمرة في سنة واحدة ،

______________________________________________________

قوله : ( كضيق الوقت ).

أي : عن الإتيان بأفعال العمرة ، ثم الإحرام بالحج.

قوله : ( والاّ صارت مفردة ).

الظاهر في أوّل الرؤية أنّ هذه مستدركه.

قوله : ( المطلب الثّالث : في شرائط أنواع الحج : شروط التمتع أربعة ).

فإن قيل : الإحرام بالعمرة من الميقات شرط آخر ، فكان يجب أن يعدّه.

قلت : هو لازم بعد قوله : يجب كونهما في سنة واحدة والإحرام بالحجّ من مكة ، فيبقى الإحرام بالعمرة لازما من موضع آخر ، ولا موضع سوى الميقات كما سيأتي ، فتعيّن.

قوله : ( وهي : شوال وذو القعدة وذو الحجّة على رأي ).

هذا هو الأصح ، قال الجماعة : النزاع لفظي ، وليس بظاهر ، لأنّ الخلاف‌

١١٢

والإحرام بالحج من بطن مكة ، وأفضلها المسجد ، وأفضله المقام.

ولا يجوز الإحرام لعمرة التمتع قبل أشهر الحج ، ولا لحجة من غير مكة ، فلو أحرم بها قبل الأشهر لم يصح له التمتع بها وإن وقع بعض أفعالها في الأشهر ، ولو أحرم لحجة من غير مكة لم يجزيه وإن دخل به مكة ، ويجب عليه استئنافه منها ، فان تعذر استأنف حيث أمكن ، ولو بعرفة إن لم يتعمد ، ولا يسقط الدم.

______________________________________________________

في مسمّى أشهر الحج ، لا في الأحكام المتعلّقة بذلك ، وعدم الاختلاف في الأحكام لا يقتضي عدمه في مسمّى اللّفظ.

قوله : ( من بطن مكة ).

أي : فلا يجزئ من خارجها وإن كان من الحرم.

قوله : ( وأفضله المقام ).

أو تحت الميزاب.

قوله : ( ولو بعرفة إن لم يتعمد ، ولا يسقط الدّم ).

هذا هو الأصحّ خلافا للشيخ فإنه قال بسقوطه ، وهذه عبارة المبسوط ، إذا أحرم المتمتع من مكة ، ومضى إلى الميقات ، ومنه الى عرفات صحّ ، واعتدّ بالإحرام من الميقات ، ولا يلزمه دم (١).

قال في الدّروس : وعنى به دم التمتع ، وهو يشعر أنّه لو أنشأ الإحرام من الميقات لا دم عليه بطريق الأولى.

وهذا بناء على أنّ دم التمتع جبران لأنسك ، وقد قطع في المبسوط بأنّه نسك (٢) ، ولإجماعنا على جواز الأكل منه (٣) ، يعني ولو كان جبرانا لم يجز الأكل منه.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٠٧.

(٢) المبسوط ١ : ٣١٠.

(٣) الدروس : ٩٤.

١١٣

وإذا أحرم بعمرة التمتع ارتبط بالحج ، فلا يجوز له الخروج من مكة الى حيث يفتقر الى تجديد عمرة قبله ، ولو جدد تمتّع بالأخيرة.

وعمرة التمتع تكفي عن المفردة.

ويحصل التمتع بإدراك مناسك العمرة ، وتجديد إحرام الحج وإن كان بعد زوال الشمس يوم عرفة إذا علم إدراكها.

وشروط الإفراد ثلاثة : النية ، ووقوع الحج في أشهره ، وعقد الإحرام من ميقاته ، أو دويرة أهله إن كانت أقرب ، وكذا القارن.

ويستحب له بعد التلبية الإشعار ، بشق الأيمن من سنام البدنة ، وتلطيخ صفحته بالدم ، ولو تكثرت دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا ، والتقليد بأن يعلّق في رقبته نعلا صلى فيه ،

______________________________________________________

قوله : ( فلا يجوز له الخروج من مكة إلى حيث يفتقر إلى تجديد عمرة ).

المراد به : الخروج إلى موضع يمضي به شهر من إحلاله.

قوله : ( وإن كان بعد زوال الشّمس يوم عرفة إذا علم إدراكها ).

أي : إدراك عرفة ، ومفهومه أنه إذا لم يعلم إدراكها لا يجوز.

وينبغي أن يقيّد بإدراكها ، لا بالعلم بإدراكها ، ويرد عليه شي‌ء أنه لو علم إدراك المشعر خاصة. لو أنشأ حينئذ لا يجوز إنشاؤه.

قوله : ( وأشعرها يمينا وشمالا ).

أي : واحد يمينا ، والآخر شمالا.

قوله : ( بأن يعلّق في رقبته نعلا قد صلّى فيه ).

لا بدّ من الصّلاة فيه ولو كانت نفلا ، في صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « تقلدها نعلا خلقا ، قد صلّيت فيها » (١) ، و ( قد ) للتحقيق‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٩ حديث ٩٥٦.

١١٤

وهو مشترك بين البدن وغيرها.

وللقارن والمفرد الطواف إذا دخلا مكة ، لكنهما يحددان التلبية استحبابا عقيب صلاة الطواف ، ولا يحلاّن لو تركاها على رأي.

______________________________________________________

إذا دخلت على الماضي.

قوله : ( وهو مشترك بين البدن وغيره ).

فيه تسامح ، فإن حقّه : « وغيرها ».

قوله : ( وللقارن والمفرد الطواف إذا دخلا مكة ، لكنهما يجددان التلبية استحبابا عقيب صلاة الطّواف ، ولا يحلاّن لو تركاها على رأي ).

أما أن لهما الطواف فلا كلام فيه ، وكذا صحّة حجّهما مع فعل التلبية عقيب صلاة الطواف ، كما في الرّواية الصّحيحة (١).

وهل هو على الفور أم على التراخي؟ لا تصريح بأحدهما ، والأصل يقتضي عدم الفورية ، والاحتياط يقتضيها ، انّما الخلاف في أنهما هل يحلاّن بتركها أم لا؟

والأصحّ أنّهما يحلاّن بتركها ، للرّوايات المعتبرة الدالة على ذلك (٢) ، فيجب التجديد ، ولا وجه لقول القائل بعدم الإحلال (٣) ، إذ قوله عليه‌السلام : « إنما لكل امرئ ما نوى » (٤) لا يصلح لمعارضة الأخبار الصّريحة فيما دلّت على أنه محلّل ، كالحدث المخرج من الصّلاة ، على أنّ اعتبار النية لا يكاد يتحقق ، لأنّ الطواف منهي عنه إذا قصد به التحلل ، فيكون فاسدا ، فلا يعتدّ به في كونه محلّلا ، لعدم صدق حصول الطواف حينئذ.

والرّواية (٥) بالفرق بين القارن والمفرد ضعيفة فالأصحّ عدم الفرق ، لكن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٨ حديث ١ ، التهذيب ٥ : ٤٤ حديث ١٣١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٨ ، ٢٩٩ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٤ حديث ١٣١ ، ١٣٢.

(٣) هو ابن إدريس في السرائر : ١٢٣.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

(٥) الكافي ٤ : ٢٩٩ حديث ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٤ حديث ١٣٣.

١١٥

وقيل المفرد خاصة ، والحق بشرط النية.

وللمفرد بعد دخول مكة العدول الى التمتع

______________________________________________________

على هذا القول لو تركا التلبية ، فالذي يلزمهما في الرّواية ، وعبارة الشّيخ انّ حجّهما يصير عمرة ، فينقلب تمتعا (١) ، وفي رواية أبي بصير : إنّ المفرد إذا نقل حجه إلى التمتع فطاف ثم لبى بطلت متعته (٢) وهو منبّه على أنّ بين الطواف والتلبية منافاة ، كما أنّ بين الطواف والإحرام منافاة ، فكما لا يبقى هذا مع الآخر كذا العكس ، وكما يصير الحج هناك إفرادا كذا يصير في مسألتنا هذه تمتعا.

فعلى هذا هل يحتاج الى طواف آخر للعمرة أم لا؟ كلّ منهما مشكل :

أمّا الأول فلأنه لو احتيج إليه لم يكن لهذا الطواف أثر في الإحلال ، وهو باطل.

وأمّا الثّاني فإنّ إجزاءه عن إحرام العمرة بغير نية أيضا معلوم البطلان ، وعلى أيّ تقدير كان فينبغي أن لا يجزئه هذا الحجّ عن فرضه ، لأنّه خلاف المأمور به ، ولا أعلم في كلام الأصحاب تصريحا بشي‌ء من ذلك.

قوله : ( وقيل : المفرد خاصّة ) (٣).

أي : دون القارن ، وقد أشرنا إلى ضعف الرّواية بذلك.

قوله : ( والحق بشرط النية ).

أي : نية الإحلال بالطواف وهو ضعيف ، لبطلان الفعل حينئذ فكيف يكون محلّلا؟

قوله : ( وللمفرد بعد دخول مكّة العدول الى التمتع ).

الحق : أنّه إنّما يجوز له ذلك إذا لم يتعيّن عليه بأصل الشرع أو بنذر وشبهه ، فإن تعيّن لم يجز ، فلا تجري العبارة على إطلاقها.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣١١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٤ حديث ٩٣١ ، التهذيب ٥ : ٩٠ حديث ٢٩٥.

(٣) قاله الشيخ في التهذيب ٥ : ٤٤.

١١٦

لا القارن. ولا يخرج المجاور عن فرضه ، بل يخرج الى الميقات ، ويحرم لتمتع حجة الإسلام ، فإن تعذر خرج الى خارج الحرم ، فان تعذر أحرم من موضعه ، إلا إذا أقام ثلاث سنين فيصير في الثالثة كالمقيم في نوع الحج ، ويحتمل العموم

______________________________________________________

وعبارة الشّيخ (١) والجماعة مطلقة (٢) اعتمادا على إطلاق الأخبار (٣) ، وهي معارضة بإطلاق الأخبار الدالة على أنّ أهل مكّة وحاضريها لا يجزئهم التمتع عن فرضهم للإسلام (٤).

قوله : ( لا القارن ).

لأنّ سياق الهدي مناف للتمتع.

قوله : ( ولا يخرج المجاور عن فرضه ، بل يخرج إلى الميقات ... ).

المراد : ميقات بلده وغيره من غير تفاوت.

قوله : ( إلاّ إذا أقام ثلاث سنين ، فيصير في الثالثة كالمقيم ).

أي : لا يخرج المجاور في حال من الأحوال ، إلاّ إذا أقام الى آخره.

لكن الأصحّ أنّ إقامة سنتين كافية في انتقال فرضه خلافا للشّيخ (٥) ، وعبارة المصنّف تقتضي اعتبار إقامة ثلاث ، وإن كان قوله : ( فيصير في الثالثة كالمقيم ) قد يقتضي الاكتفاء بالسّنتين ، فأوّل العبارة يدافع آخرها.

قوله : ( في نوع الحجّ ، ويحتمل العموم )

ظاهر الخبر أنه يصير كالمقيم في نوع الحجّ ، لأنه الظاهر من قوله عليه‌السلام في الرّواية : « فهو من أهل مكة ، لا متعة له » (٦) وأيضا فإنّ كونه من أهل مكة‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣١٦ ، والنهاية : ٢١٥.

(٢) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ١١٧ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٢١٧ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٢٤٧.

(٣) الكافي ٤ : ٢٤٥ ، ٢٩٨ حديث ٤ ، ١ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٠٤ حديث ٩٣١ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ حديث ٥١٩ و ٥ : ٩٠ حديث ٢٩٥ ، أمالي الطوسي ٢ : ٢٣١ ، وغيرها.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٢ ـ ٣٣ حديث ٩٦ ـ ١٠٠ ، الاستبصار ٢ : ١٥٧ حديث ٥١٤ ـ ٥١٨ ، وغيرها.

(٥) المبسوط ١ : ٣٠٨.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤ حديث ١٠١ ، الاستبصار ٢ : ١٥٩ حديث ٥١٩.

١١٧

فلا تشترط الاستطاعة.

______________________________________________________

ظاهره أنه يلحق بهم ، والإلحاق أعمّ من أن يكون في حكم واحد ، أو في الجميع.

والتحقيق : انا لا نجد [ دليلا ] (١) قاطعا يدلّ على إلحاقه بهم في جميع الأحكام ، مثل تناول النّذر لهم والوصيّة والوقف عليهم ونحو ذلك.

قوله : ( فلا تشترط الاستطاعة ).

أي : من بلده ، ظاهر هذه العبارة أنّ هذا متفرّع على عموم إلحاق المجاور بالمقيم حينئذ ، كما فهمه الشارح (٢) وغيره (٣) ، وهو مشكل ، لأنّ انتفاء هذا الشرط يجب أن يكون مقطوعا به وإن لم يعمّهم الإلحاق ، لأنّ ثبوت شرط حجّ التمتع في حج القران والافراد لا يكاد يعقل ، لامتناع انتفاء اعتبار المشروط ، وبقاء اعتبار الشرط مع مساعدة الأصل على ذلك.

وربّما حملت العبارة على أنّ قوله : ( فلا تشترط الاستطاعة ) متفرّع على‌ قوله : ( كالمقيم في نوع الحجّ ) وما بينهما اعتراض. ويشكل بعدم فهمه من العبارة ، فلو أريد منها لم يخل من تعسّف ما.

وربّما حملت على أنّ المراد بالعموم في قوله : ( ويحتمل العموم ) كونه في الأمرين معا فقط ، أعني : نوع الحجّ ، وانتفاء اشتراط الاستطاعة من بلده ، وهو خلاف الظاهر أيضا ، والّذي ينبغي الجزم بعدم اشتراط الاستطاعة من بلده حينئذ.

ولو انعكس الفرض بأن أقام المكي بعيدا عن مكة ، فمتى يخرج عن حكمه؟ لم أظفر إلى الآن بشي‌ء. وينبغي حوالة ذلك على العرف ، لأنّه من الأمور العرفية ، ومثل هذا الإطلاق لا مرجع له إلاّ العرف.

__________________

(١) أضيفت لاستقامة المعنى.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٢٦٣.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٧٩٩.

١١٨

وذو المنزلين ـ بمكة وناء ـ يلحق بأغلبهما إقامة ، فإن تساويا تخيّر.

والمكي المسافر إذا جاء على ميقات أحرم منه للإسلام وجوبا ، ولا هدي على القارن والمفرد وجوبا ، وتستحب الأضحيّة.

ويحرم قران النسكين بنية واحدة ، وإدخال أحدهما على الآخر ، ونية حجتين أو عمرتين.

المطلب الرابع : في تفصيل شرائط الحج وفيه مباحث :

الأول : البلوغ والعقل ، فلا يجب على الصبي والمجنون الحج ، فلو حج عنهما أو بهما الولي صح ولم يجزئ عن حجة الإسلام ، بل يجب عليهما مع الكمال الاستئناف ، ولو أدركا المشعر كاملين أجزأهما.

ويصح من المميز مباشرة الحج وإن لم يجزئه.

وللولي أن يحرم عن الذي لا يميز ، ويحضره المواقف.

______________________________________________________

قوله : ( فان تساويا تخير ).

الظاهر أنه لو اشتبه عليه الحال ، فلم يعلم هل كان هناك أغلب أم لا؟

يتخير أيضا ، ولا يجب عليه حجّان ، للأخبار الدّالة على وجوب الحجّ مرة واحدة من غير فرق بين النّاس (١) ، وللأصل.

قوله : ( ولا هدي على القارن والمفرد ).

أي : بأصل الشرع ، وإن وجب على القارن الهدي بالسّياق فانّ ذلك مستند إلى فعله.

وربّما حملت على أنّ المراد : نفي هدي المتعة ، وهو تكلّف لا حاجة إليه.

قوله : ( ويصحّ من المميّز مباشرة الحجّ ، وإن لم يجزئه ).

المراد : صحّته تمرينا لا أنه شرعيّ ، ويحتمل أنه يريد به : الصحّة حقيقة ، وقد سبق له في الصوم نحو ذلك ، والتحقيق أنّه تمرين.

__________________

(١) المحاسن : ٢٩٦ حديث ٤٦٥ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٩٠ ، ١٢٠.

١١٩

وكل ما يتمكن الصبي من فعله فعله ، وغيره على وليه أن ينوبه فيه.

ويستحب له ترك الحصى في كف غير المميز ثم يرمي الولي.

ولوازم المحظورات والهدي على الولي ،

______________________________________________________

قوله : ( ولوازم المحظورات ، والهدي على الولي ).

أمّا الهدي فلأنّه نسك ، فهو أحد أفعال الحج الواجبات ، وقد وجب بسبب الولي ، فيتعلّق الوجوب به.

وأما لوازم المحظورات مما يجب عمدا وسهوا ـ وهو كفارة الاصطياد ـ فتتعلق بالولي أيضا.

وما يجب عمدا لا سهوا ككفارة التطيب واللبس ، لو فعل الصّبي الموجب سهوا أو جهلا لا كفارة قطعا ، لأنّ البالغ لا كفارة عليه في مثل هذه الحالة ، فالصّبي أولى.

وإن فعله عمدا ، ففي وجوب الكفارة وجهان ، يلتفتان إلى أنّ عمد الصبي عمد أو خطأ ، وقد أجروه في الدّيات هكذا ، وقواه الشّيخ بعد أن اختار وجوب كفارته على وليّه محتجّا بما روي عنهم عليهم‌السلام من أنّ « عمد الصّبي وخطأه واحد » (١) (٢)

ويمكن اختصاص ذلك بالدّيات ، لما أنّ القصاص فيه خطر عظيم ، ويتدارك فائته بالدّية ، ولا عموم لمثل هذا الحديث ، ليكون عمومه متمسكا في إسقاط الحكم بالكفارة ، ولأنّ الصّبي إذا علم ذلك لم يبق له زاجر عن ارتكاب ما يحرم على المكلفين من محرّمات الإحرام.

ومما يدلّ على ما قلناه دلالة ظاهرة انّه يجب على الولي منعه من هذه المحرّمات ، ولو كان فعله خطأ لما وجب عليه المنع ، لأنّ المخطئ لا يتعلّق به حكم‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٢٣٣ حديث ٩٢٠.

(٢) المبسوط ١ : ٣٢٩.

١٢٠