جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

ولو ذهب الشفق قبل إكمال نافلة المغرب بدأ بالفرض.

ولو طلع الفجر ، وقد صلى أربعا زاحم بصلاة الليل ، وإلاّ بدأ بركعتي الفجر إلى أن تظهر الحمرة فيشتغل بالفرض.

ولو ظنّ ضيق الوقت خفّف القراءة ، واقتصر على‌ الحمد.

______________________________________________________

ولا يكفي للمزاحمة إدراك الرّكوع ، لأنّ في الرّواية اعتبار إدراك ركعة.

ولو ظن ضيق الوقت فصلّى الفرض ثمّ تبيّن بقاؤه ، فالظاهر أن وقت النّافلة باق.

قوله : ( ولو ذهب الشّفق قبل إكمال نافلة المغرب بدأ بالفرض ).

قد بيّنا وجهه فيما سبق ، وبيّنا أنّه إنّما يبدأ بالفرض إذا لم يكن في أثناء ركعتين منها ، فإنّه حينئذ يتمّهما.

قوله : ( ولو طلع الفجر وقد صلّى أربعا زاحم بصلاة اللّيل ).

لرواية محمّد بن النّعمان عن الصّادق عليه‌السلام : « إذا صلّيت أربع ركعات من صلاة اللّيل قبل طلوع الفجر فأتم الصّلاة ، طلع أم لم يطلع » (١).

ومقطوعة يعقوب البزاز بتأخير ما بقي من الرّكعات حتّى يقضي (٢) ، محمولة على الأفضل.

قوله : ( والاّ بدأ بركعتي الفجر ).

أي : وإن لم يكن قد صلّى أربعا ، سواء صلّى دونها ، أو لم يصل شيئا ، بدأ بركعتي الفجر ، وفي بعض الأخبار جواز تقديم صلاة اللّيل والوتر على الفريضة وإن طلع الفجر (٣) ، قال الشّيخ : هذه رخصة لمن أخر لاشتغاله بشي‌ء من العبادات (٤) ، والمشهور العدم. وقوله : ( إلى أن تظهر الحمرة ) تحديد لآخر وقت ركعتي الفجر ، وقد سبق تحقيقه.

قوله : ( ولو ظنّ ضيق الوقت خفف القراءة واقتصر على الحمد ).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٥ حديث ٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ حديث ١٠٢٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٢٥ حديث ٢٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ حديث ١٠٢٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٢٦ حديث ٤٧٧ ، ٤٧٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨١ حديث ١٠٢٢ ، ١٠٢٣.

(٤) النهاية : ١٢١.

٤١

ولا يجوز تقديم نافلة الزوال إلاّ يوم الجمعة ، ولا صلاة الليل إلاّ للشاب والمسافر ،

______________________________________________________

أي : لو ظنّ الضيق في وقت صلاة اللّيل ، وفي المنتهى جعل التّخفيف بعد طلوع الفجر (١) ، وفي الذّكرى عبّر بخوف ضيق الوقت ، وقال : إنّه مروي عن الصّادق عليه‌السلام (٢) ، (٣).

قوله : ( ولا يجوز تقديم نافلة الزّوال إلاّ يوم الجمعة ).

أمّا يوم الجمعة فيجوز تقديم نافلة الزّوال فيه على الوقت إجماعا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الجمعة ، وأمّا غيره فعند الشّيخ يجوز التقديم رخصة لمن علم انه إن لم يقدمها اشتغل عنها (٤) ، لرواية محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام (٥) ، وفي غيرها من الأخبار جواز التّقديم (٦) ، ومال إليه في الذّكرى (٧) ، والمشهور الأوّل.

قوله : ( ولا صلاة اللّيل إلاّ للشاب والمسافر ).

المراد بالشاب : الّذي يغلبه النّوم فيمنعه عن صلاة اللّيل ، وكذا المراد بالمسافر : الّذي يمنعه جدّه منها ، وغير ذلك من الأعذار ، كخائف البرد لرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في صلاة اللّيل والوتر أوّل اللّيل في السّفر إذا تخوفت البرد ، أو كانت علة ، فقال : « لا بأس ، أنا أفعل إذا تخوفت » (٨) ، وفي رواية يعقوب بن سالم ، عنه عليه‌السلام : « يقدمها خائف الجنابة في السّفر أو البرد » (٩) ، والظاهر أنّ مريد الجنابة كذلك لأنّها عذر ، وفعلها جائز.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢١٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٩ حديث ٢٧ ، التهذيب ٢ : ١٢٤ حديث ٢٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٠ حديث ١٠١٩.

(٣) الذكرى : ١٢٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٦٦ ـ ٢٦٨.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٠ ، حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٢٦٨ حديث ١٠٦٧. الاستبصار ١ : ٢٧٨ حديث ١٠١١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٦٧ حديث ١٠٦٢. الاستبصار ١ : ٢٧٧ حديث ١٠٠٦.

(٧) الذكرى : ١٢٣.

(٨) الكافي ٣ : ٤٤١ حديث ١٠ ، التهذيب ٢ : ١٦٨ حديث ٦٦٤ باختلاف يسير فيهما ، الاستبصار ١ : ٢٨٠ حديث ١٠١٧.

(٩) التهذيب ٢ : ١٦٨ حديث ٦٦٥.

٤٢

وقضاؤها لهما أفضل.

ج : لو عجز عن تحصيل الوقت علما وظنا صلّى بالاجتهاد ، فإن طابق فعله الوقت أو تأخر عنه صح ،

______________________________________________________

ومنع بعض الأصحاب من التقديم مطلقا (١) ، وبعضهم خصّه بالمسافر (٢) ، والأخبار (٣) مع الشّهرة حجّة الجواز ، ولو قدّمها ثم تمكن من فعلها في الوقت استحبّت الإعادة لانتفاء الضرورة.

قوله : ( وقضاؤها لهما أفضل ).

لرواية معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الّذي يغلبه النّوم : « يقضي » (٤) ، ولم يرخص له في الصّلاة أول اللّيل ، وفي معناها أخبار أخر (٥) فيحمل على الأفضليّة جمعا بينها وبين ما سبق.

قوله : ( الثّالث : لو عجز عن تحصيل الوقت علما وظنا صلّى بالاجتهاد ).

المراد بالعلم : ما حصل من سبب يفيد القطع ، والظنّ : ما حصل بأمارة كورد ، وصنعة ، من غير تجشم مشقّة الكسب ، والاجتهاد : هو استفراغ الوسع في تحصيل ظن دخول الوقت بأمارة ، فالحاصل به ظنّ مع مشقة الكسب ، ويجوز التمسّك بالظنّ في دخول الوقت وإن كان بحيث لو صبر لتيقن دخوله لعموم الأخبار.

قوله : ( فإن طابق فعله الوقت أو تأخّر عنه صحّ ).

لا إشكال في الصحّة مع المطابقة ، وكذا مع التّأخر ، لأنّ نية القضاء معتبرة مع العلم بخروج الوقت لا مطلقا ، صرّح بذلك الأصحاب.

__________________

(١) منهم : ابن إدريس في السرائر : ٦٧.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٧٦ ، والنهاية : ٦١.

(٣) الفقيه ١ : ٣٠٢ حديث ١٣٨٢ ـ ١٣٨٤ ، التهذيب ٢ : ١١٨ ، ١١٩ حديث ٤٤٦ ، ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٩ ، ٢٨٠ حديث ١٠١٤ ، ١٠١٥ ، ١٠١٧ ، ١٠١٨.

(٤) الفقيه ١ : ٣٠٢ حديث ١٣٨١ ، التهذيب ٢ : ١١٩ حديث ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٩ حديث ١٠١٥.

(٥) الفقيه ١ : ٣٠٢ حديث ١٣٨٣ و ١٣٨٤ ، التهذيب ٢ : ١١٩ حديث ٤٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٠ حديث ١٠١٦ و ١٠١٧.

٤٣

وإلاّ فلا ، إلاّ أن يدخل الوقت قبل فراغه.

د : لو ظنّ أنّه صلّى الظهر فاشتغل بالعصر عدل مع الذكر ، فإن ذكر بعد فراغه صحت العصر ، وأتى بالظهر أداء إن كان في الوقت المشترك ، وإلاّ صلاهما معا.

______________________________________________________

قوله : ( وإلا فلا ، إلاّ أن يدخل الوقت قبل فراغه ).

أي : وإن لم يطابق فعله الوقت ولم يتأخّر عنه لم يصحّ ، إلا أن يدخل عليها الوقت فيها كما سبق بيانه.

قوله : ( الرّابع : لو ظنّ أنّه صلى الظّهر فاشتغل بالعصر عدل مع الذّكر ).

قد علم ممّا مضى أنّ العدول في مثله واجب ، ولا فرق بين أن يكون اشتغاله بالعصر في الوقت المشترك أو المختص ، للحكم بصحّة ما أتى به من الصّلاة لكونه متعبّدا بظنّه ، والمقتضي لفسادها ـ إذا وقعت في المختصّ ولم يتذكر حتّى فرغ ـ عدم إجزائها عن الظّهر لفقد النيّة ، ولا عن العصر لوقوعها قبل وقتها ، بخلاف ما لو تذكر في الأثناء فعدل ، فإنّ النيّة تؤثر فيما مضى.

قوله : ( فان ذكر بعد فراغه صحت العصر ، وأتى بالظّهر أداء إن كان في الوقت المشترك ).

إنّما يأتي بالظّهر أداء لبقاء وقتها ، وفوات التّرتيب ـ على تقدير صحّة العصر ـ لا يصيرها قضاء ، وقوله : ( إن كان ... ) شرط لصحّة العصر ، وما بينهما معترض ، وضمير ( كان ) يعود إلى الاشتغال المدلول عليه : ( اشتغل ) ضمنا ، والمتبادر منه الاشتغال بجميع الصّلاة وليس ذلك شرطا ، إذ لو دخل عليه المشترك وهو في العصر صحّت ـ كما سبق التّنبيه عليه ـ فيمكن أن يحمل الاشتغال على الأعمّ من الكلّ والبعض ، لتسلم العبارة عن الإيراد.

قوله : ( وإلاّ صلاّهما معا ).

أي : وإن لم يكن اشتغاله بالعصر في الوقت المشترك صلاهما ، أي : الظّهر ، لعدم الإتيان بها ، والعصر لعدم صحّتها ، وإنّما يعيدهما إذا لم يدخل عليه المشترك وهو في‌

٤٤

هـ : لو حصل حيض أو جنون أو إغماء في جميع الوقت سقط الفرض أداء وقضاء ، وإن خلا أول الوقت عنه بمقدار الطهارة والفريضة كملا ثم تجدد وجب القضاء مع الإهمال ،

______________________________________________________

العصر.

فإن حمل الاشتغال على الأعم صحّ إطلاق إعادة الصّلاتين ، وإلاّ وجب تقييدها بذلك.

قوله : ( الخامس : لو حصل حيض ، أو جنون ، أو إغماء في جميع الوقت سقط الفرض أداء وقضاء ).

أمّا سقوط الأداء فلانتفاء شرط التّكليف ، وأمّا سقوط القضاء فلعدم المقتضي له. أمّا في الجنون فظاهر ، وأمّا في الحيض والإغماء المستوعب فللنص (١). وقيل في الإغماء بوجوب القضاء (٢) استنادا الى عدّة الروايات (٣) ، والجمع بينها وبين الرّوايات بعدم القضاء بالحمل على الاستحباب واضح السّبيل.

قوله : ( وإن خلا أوّل الوقت عنه بمقدار الطّهارة والفريضة كملا ، ثم تجدد وجب القضاء مع الإهمال ).

الضّمير في ( عنه ) يعود إلى كلّ واحد من الأمور المذكورة ، واعتبار مقدار الطّهارة خرج مخرج المثال ، فإن غيرها من الشّروط أيضا كذلك ، واعتبار مقدارها إنّما يتحقّق إذا لم يكن قد دخل الوقت عليه متطهّرا ـ كما لا يخفى ـ وكذا الباقي.

وإنّما اعتبر إدراك مقدار الفريضة في وجوب القضاء ، لأنّ التّكليف بها إنّما يتحقّق بذلك لامتناع التّكليف بعبادة لا يسعها وقتها ، ووجوب القضاء هنا تابع لوجوب الأداء ، لما علم من أنّ هذه الاعذار لا يجب قضاء زمانها ، واكتفى ابن بابويه (٤) ، والسّيّد (٥) في وجوب القضاء خلو أوّل الوقت عن العذر بمقدار أكثر‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٦ حديث ١٠٤٠ ، التهذيب ٣ : ٣٠٤ حديث ٩٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ حديث ١٧٨٠.

(٢) قاله الصدوق في المقنع : ٣٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٥ حديث ٩٣٧ ، ٩٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ حديث ١٧٨٤ و ١٧٨٥.

(٤) المقنع : ١٧.

(٥) جمل العلم والعمل : ٦٧.

٤٥

ويستحب لو قصر.

ولو زال وقد بقي مقدار الطهارة وركعة وجب الأداء.

ولو بلغ الصبي في الأثناء بغير المبطل استأنف إن بقي من الوقت ركعة ،

______________________________________________________

الصلاة ، والأصحّ الأوّل.

وقوله : ( كملا ) معناه : كاملة ، قال في القاموس : أعطاه المال كملا ـ محرّكة ـ أي : كاملا (١) ، والمراد بكمالها : استجماعها لجميع ما يجب ، أخف ما يمكن.

ولو كان في أحد مواضع التخيير اعتبر إدراك الفرض قصرا ، ولو أمكنه الائتمام عند الرّكوع لم يكن ذلك مسقطا لاعتبار إدراك القراءة ، والفرق بينها وبين ما قبلها أنّ التخيير يسقط بالضّيق بخلاف وجوب القراءة.

والجماعة لا تجب ، نعم لو ظنّ السّعة فسها عن القراءة ، ثم تبين الضّيق عنها دون باقي أفعال الرّكعة ، وتجاوز محلّها فوجوب الإتمام أقوى.

قوله : ( ويستحب لو قصر ).

أي : يستحبّ القضاء لو قصر زمان الخلو من العذر عن فعل الفريضة وشروطها.

قوله : ( ولو زال وقد بقي مقدار الطّهارة وركعة وجب الأداء ).

الفرق بين أوّل الوقت وآخره : أنّ الأداء في آخر الوقت يتحقق بإدراك ركعة ويقع الباقي خارج الوقت ، بخلاف أوله ، نعم لا بدّ من بقائه على صفة التّكليف إلى الفراغ ، فلو تجدد العذر قبله سقط الوجوب ، ولو أهمل مع تحقّق وجوب الأداء وجب القضاء.

قوله : ( لو بلغ الصّبي في أثنائها بغير المبطل استأنف إن بقي من الوقت مقدار ركعة ).

المراد بغير المبطل : بلوغه بالسّن بأن كمل له خمسة عشر سنة في أثناء الصّلاة ، أو الإنبات وإن بعد هذا الفرض ، واحترز به عمّا لو بلغ بالإنزال ، فإنّ البطلان يثبت على كلّ‌

__________________

(١) القاموس ( كمل ) ٤ : ٤٦.

٤٦

وإلاّ أتم ندبا.

الفصل الثالث : في القبلة : ومطالبه ثلاثة :

الأول : الماهية ، وهي الكعبة للمشاهد أو حكمه ، وجهتها لمن‌ بعد.

______________________________________________________

تقدير ، بخلاف غير المبطل فإنّه إنّما (١) ، يجب عليه الاستئناف حينئذ إذا تحقّق شرط التّكليف بتلك الصّلاة فيستأنفها ، سواء قلنا : إنّ أفعال الصّبي تمرينية لا توصف بالصّحّة أم شرعية ، أمّا على الأوّل : فظاهر ، وأمّا على الثّاني : فلأنّ الصّلاة لا تجب عليه قبل البلوغ ، فلا يجزئ ما فعله عمّا صار واجبا عليه.

وأمّا الطّهارة فلم يتعرّض إليها المصنّف ، وينبغي وجوب إعادتها على الأوّل لوجود الحديث ، لا على الثّاني لأنه يرتفع بالطّهارة المندوبة.

وفي المنتهى : أنّه إذا أدرك قدر الطّهارة وركعة من الوقت بعد بلوغه ، وقد صلّى قبله وجبت الإعادة (٢) ، ومقتضاه عدم الاكتفاء بالطّهارة السّابقة ، وهو الأصحّ.

قوله : ( وإلاّ أتم ندبا ).

أي : وإن لم يبق من الوقت ركعة أتمّ ندبا ، لأنّها نافلة فيكره قطعها ، ويشكل على القول بأنّ أفعال الصّبي تمرينية وليست شرعيّة ، فلا توصف بالصحّة ، فكيف يستحب الإكمال؟.

ويمكن الجواب بأنّ صورة الصّلاة كافية في صيانتها عن الإبطال ، ولأنّها افتتحت على حالة ولم يتحقّق النّاقل عنها لضيق الوقت ، فيستصحب ما كان.

فان قلت : إذا افتتحت غير مندوبة ـ بناء على التّمرين ـ فكيف يتمّها مندوبة؟

قلت : المانع من ندبيتها حينئذ عدم تكليفه ، وقد زال ببلوغه ، وصار التمرين ممتنعا ، فإتمامها لا يكون إلا مستحبّا. والصّبية كالصّبي في ذلك كلّه.

قوله : ( الفصل الثالث : في القبلة : ومطالبه ثلاثة :

الأوّل : الماهيّة ، وهي : الكعبة للمشاهد وحكمه ، وجهتها لمن بعد ).

__________________

(١) في نسخة « ع » : لا.

(٢) المنتهى ١ : ٢١٠.

٤٧

______________________________________________________

تختلف القبلة باختلاف حال المصلّي ، باعتبار قربه من الكعبة بحيث يكون مشاهدا لها ، أو متمكنا من المشاهدة على وجه لا تلزم منه مشقة كثيرة عادة ، كالمصلّي في بيوت مكة أو الأبطح ، وباعتبار بعده منها بحيث لا يكون كذلك.

فالأوّل قبلته الكعبة لتمكّنه من محاذاتها ، وأمّا الثّاني فقبلته جهتها لعدم التمكّن من المحاذاة. وهذا هو أصحّ القولين (١) ، للأخبار الدالة على أن الاستقبال كان الى بيت المقدّس ، ثم حوّل إلى الكعبة (٢) ، ولأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى قبل الكعبة وقال : « هذه القبلة » (٣).

وقال الشّيخ (٤) وجمع من الأصحاب (٥) : إن الكعبة قبلة من في المسجد ، وهو قبلة من في الحرم ، وهو قبلة أهل الدّنيا ، وبه أخبار لا تخلو من ضعف (٦).

ونزّلها في الذّكرى على أنّ ذكر المسجد والحرم إشارة إلى الجهة (٧) ، ويرد على هذا القول لزوم بطلان صلاة الصّف المستطيل في جهة من الجهات خارج الحرم بحيث يزيد طوله على سعة الحرم ، إذ من المعلوم أنّ في البلاد المتباعدة سمت القبلة يخرج عن سعة الحرم ، واللازم معلوم الانتفاء.

إذا تقرّر هذا فقد قال المصنّف في التّذكرة : جهة الكعبة هي ما يظن أنّه الكعبة حتّى لو ظنّ خروجه عنها لم يصح (٨) ، وفي هذا التفسير نظر من وجهين :

الأوّل : أنّ البعيد لا يشترط لصحّة صلاته ظنّه محاذاة الكعبة لأنّ ذلك لا يتفق غالبا ، فانّ البعد الكثير يخل بظن محاذاة الجرم اللطيف ، فيمتنع اشتراطه في الصّلاة.

الثّاني : أنّ الصّف المستطيل في البلاد البعيدة ، إذا زاد طوله على مقدار الكعبة‌

__________________

(١) ذهب اليه ابن الجنيد كما نقله عنه في المختلف : ٧٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٤٢ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٦٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٨ حديث ٨٤٣.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٩.

(٤) النهاية : ٦٢ ـ ٦٣.

(٥) منهم : المفيد في المقنعة : ١٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٨٢ ، وسلار في المراسم : ٦٠ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٤.

(٦) منها : ما رواه في الفقيه ١ : ١٧٧ حديث ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٤٤ حديث ١٣٩ وغيرها.

(٧) الذكرى : ١٦٢.

(٨) التذكرة ١ : ١٠٠.

٤٨

______________________________________________________

يقطع بخروج بعضهم عنها ، فيجب الحكم ببطلان صلاتهم ، وأظهر من هذا من يصلّي بعيدا عن محراب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأزيد من مقدار الكعبة ، فإنّ خروجه عن محاذاتها مقطوع به.

وقال في الذّكرى : المراد بالجهة : السّمت الّذي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة ، كما قال بعض العامة (١) : إن الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس ، والمشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس (٢) ، وما ذكره لا يكاد يخرج عن كلام التّذكرة ، لأنّ الظّاهر أنّ مراده بالسمت هو ما يسامته المصلّي ، ويحاذيه عند توجّهه إليه ، وقد عرفت أنّ ظن كون الكعبة فيه غير شرط.

والّذي ما زال يختلج بخاطري ، أنّ جهة الكعبة هي المقدار الّذي شأن البعيد أن يجوّز على كلّ بعض منه أن يكون هو الكعبة ، بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموعه ، وهذا يختلف سعة وضيقا باختلاف حال البعد.

فان قلت : يرد عليه المصلّي بعيدا عن محراب المعصوم بأزيد من سعة الكعبة ، فإنّه لا يجوز على ذلك السّمت أن تكون فيه الكعبة ، لأنّ المحراب يجب أن يكون إلى الكعبة ، لاستحالة الغلط على المعصوم. قلت : لما كانت قبلة البعيد هي الجهة تعيّن أن يكون محراب المعصوم إليها ، بحيث لا يحتمل الانحراف أصلا ولو قليلا ، أمّا كونه محاذيا لعين الكعبة فليس هناك قاطع يدلّ عليه ، فيبقى التّجويز المعتبر في تعريف الجهة بحاله.

واعلم أنّ المصنّف جعل المطلب الأوّل في ماهيّة القبلة ، وفسّرها بالكعبة والجهة ، وليس ذلك هو الماهية ، بل ما صدق عليه القبلة ، وعذره أنّ المطلوب هنا بيان ما يجب على المصلّي التّوجه إليه ، فلو اشتغل ببيان المفهوم فات المطلوب. وأراد بحكم المشاهد من تمكنه المشاهدة بغير مشقة كثيرة.

__________________

(١) فتح العزيز « مع المجموع » ٣ : ٢٤٢.

(٢) الذكرى : ١٦٢.

٤٩

والمشاهد لها والمصلي في وسطها يستقبلان أي جدرانها شاءا ، ولو إلى الباب المفتوح من غير عتبة.

ولو انهدمت الجدران ـ والعياذ بالله ـ استقبل الجهة ، والمصلّي على سطحها كذلك بعد إبراز بعضها ، ولا يفتقر إلى نصب شي‌ء ،

______________________________________________________

قوله : ( والمشاهد لها ، والمصلّي في وسطها يستقبلان أي جدرانها شاءا ، ولو الى الباب المفتوح من غير عتبة ).

لما كان كلّ جزء من الكعبة قبلة يكفي محاذاته ، كفى المشاهد للكعبة ومن في حكمه ، والمصلّي في وسطها استقبال أي جدارانها شاء ، والمراد : أي بعض منها شاؤوا.

ولو صلّى والمصلّي في وسطها إلى الباب المفتوح صحّ ، وإن لم يكن له عتبة ، لأنّ القبلة ليست هي البنية ، واعتبر بعض العامة نصب شي‌ء يتوجّه إليه (١). والمصلّي في سرداب يستقبل الجهة.

واعلم أنّ في العبارة تسامحا ، لأنّ الباب المفتوح ليس من الجدران ، فيعطف بـ ( لو ) الوصلية لكن لمّا كان واقعا في الجدار غلب عليه اسمه.

قوله : ( ولو انهدمت الجدران ـ والعياذ بالله ـ استقبل الجهة ).

لما علم من أنّ القبلة ليست هي نفس البنية ، ولا يجب نصب شي‌ء يصلّى إليه عندنا.

قوله : ( والمصلّي على سطحها كذلك بعد إبراز بعضها ).

أي : المصلّي على سطحها يستقبل الجهة كالمصلّي بعد انهدام جدرانها ، لكن لا بد أن يبرز بين يديه منها شيئا وإن قلّ ، ليكون توجّهه إليه. ويراعي في حال الرّكوع والسّجود بروز شي‌ء منها عن بدنه ليكون قبلة (٢) ، فلو خرج بعض بدنه في بعض الحالات ، أو حاذى رأسه نهايتها في حال السّجود بطلت صلاته.

قوله : ( ولا يفتقر إلى نصب شي‌ء ).

أي : المصلّي على سطحها ، ويمكن عوده إليه والى ما قبله.

__________________

(١) فتح العزيز « بهامش المجموع » ٣ : ٢٢٠.

(٢) في « ن » زيادة : ( له ).

٥٠

وكذا المصلي على جبل أبي قبيس.

ولو خرج بعض بدنه عن جهة الكعبة بطلت صلاته ، والصف المستطيل إذا خرج بعضه عن سمت الكعبة تبطل صلاة

ذلك البعض ، لأن الجهة معتبرة مع البعد ، ومع المشاهدة العين.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا المصلّي على جبل أبي قبيس ).

أي : يستقبل الجهة ، لما روي عن الصّادق عليه‌السلام : « أنّ الكعبة قبلة إلى السّماء » (١).

قوله : ( ولو خرج بعض بدنه عن جهة الكعبة بطلت صلاته ).

ينبغي عود هذا إلى جميع ما سبق ، من عند قوله : ( والمشاهد لها ) أي : لو خرج بعض بدن كلّ واحد من هؤلاء ـ أعني المشاهد لها ، والمصلّي في وسطها ولو بعد انهدامها ، إلى آخره ـ بطلت صلاته ، لفوات الاستقبال حينئذ ، إلاّ أنّ قوله : ( عن جهة الكعبة ) قد يشعر باختصاص الحكم بالمصلّي على جبل أبي قبيس.

قوله : ( والصّف المستطيل إذا خرج بعضه عن سمت الكعبة تبطل صلاة ذلك البعض ).

أي : دون غيره ، لخروجه عن القبلة وحده.

قوله : ( لأنّ الجهة معتبرة مع البعد ، ومع المشاهدة العين ).

يصلح أن يكون هذا جوابا عن سؤال تقديره : الصّف المستطيل بحيث يزيد على مقدار الكعبة ، لا تبطل صلاة من خرج عن سمتها من أهله مع البعد ، فلم تبطل صلاته مع القرب؟ ويجاب بأنّ المعتبر مع البعد الجهة وفيها سعة ، بخلاف العين الّتي هي قبلة القريب ، ولو فرض خروج البعيد في جهة من الجهات عن سمت جهة الكعبة بطلت صلاته وإن ندر هذا الفرض.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٨٣ حديث ١٥٩٨.

٥١

والمصلي بالمدينة ينزّل محراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلة الكعبة.

______________________________________________________

قوله : ( والمصلّي بالمدينة ينزّل محراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلة الكعبة ).

المراد تنزيله في الدلالة على جهة الكعبة منزلة الكعبة ، بمعين أنّه لا يسوغ التيامن عنه ولا التياسر وإن قل ، ولو اجتهد الحاذق بعلامات القبلة ، فأداه اجتهاده إلى التيامن أو التّياسر عنه فاجتهاده باطل لا يجوز له ولا لغيره التعويل عليه ، فانّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم لا يجوز عليه الخطأ.

وروي : أنه لما أراد نصبه زويت (١) له الأرض فجعله بإزاء الميزاب (٢) ، وهذا لا ينافي ما تقدم لأنّه خبر واحد ، ولأن الموازاة تصدق على المسامتة وإن لم يكن هناك محاذاة حقيقة.

ولا يجوز أن يريد بتنزيل محرابه عليه الصّلاة والسّلام منزلة الكعبة ما يدل عليه ظاهر اللّفظ ، إذ من المعلوم أنّ من صلّى عن يمينه أو يساره لا يصلّي إليه بحيث ينحرف إليه ، بل يصلّي على محاذاته.

وكذا كلّ موضع تواتر أنه صلّى فيه المعصوم ، وبقيت الجهة مضبوطة إلى الآن ، ومنه المسجد الأعظم بالكوفة ، لأنّ محرابه نصبه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وصلّى إليه هو والحسن والحسين عليهم‌السلام ، ومحراب مسجد البصرة ، وإن نصبه غيره عليه‌السلام ، الا أنّه صلّى فيه ، فلا يبعد جعله كمحراب مسجد الكوفة ، وبخراسان مسجد ينسب إلى الرّضا عليه‌السلام ، به محراب على وفق قبلة الإماميّة ، إن ثبتت النّسبة كان كغيره من محاريب المعصومين ، وإلاّ فكمحاريب المسلمين يجوز للحاذق إذا أداه اجتهاده إلى التيامن أو التياسر عنه التعويل عليه ، لا إن أداه إلى المخالفة في الجهة ، لبعد الغلط على المسلمين في الجهة ، أمّا التيامن والتياسر فيمكن الغلط منهم فيه ، وقبور المسلمين مثل محاريبهم.

__________________

(١) زويت : تنحت ، لسان العرب ( زوي ) ١٤ : ٣٦٣.

(٢) صحيح مسلم ٤ : ٢٢١٥ حديث ٢٨٨٩ كتاب الفتن ، سنن ابي داود ٤ : ٩٧ حديث ٤٢٥٢ ، مسند أحمد ٥ : ٢٧٨ و ٢٨٤.

٥٢

وأهل كل إقليم يتوجهون إلى ركنهم ، فالعراقي وهو الذي فيه الحجر لأهل العراق ومن والاهم.

______________________________________________________

قوله : ( وأهل كلّ إقليم يتوجهون إلى ركنهم ، فالعراقي وهو الّذي فيه الحجر لأهل العراق ومن والاهم ).

المراد بالإقليم هنا : هو الجهة والنّاحية ، والمراد بتوجّه أهل كل إقليم إلى ركنهم : توجّههم إلى جهة الرّكن الّذي يليهم ، لأنّ البعيد لما كانت قبلته الجهة ، وكونها أوسع من الكعبة بمراتب أمر معلوم ، فلا بدّ من أن يراد بتوجّههم إلى الرّكن : توجّههم إلى جهته.

أو يراد أن حقّ توجّههم الصّحيح في الواقع الّذي ليس فيه ميل أصلا ولا انحراف : أن يكون إلى الرّكن الّذي يليهم وإن اكتفى منهم بالتّوجه إلى الجهة ، لأنّ البعد يمنع من العلم بذلك.

إذا عرفت ذلك فالرّكن العراقي ـ وهو الّذي فيه الحجر ـ لأهل العراق ـ هكذا ذكر المصنّف في هذا الكتاب وغيره ، وحكى في الذّكرى عن شاذان بن جبرئيل القمّي أنّ أهل العراق ، وخراسان وما كان في حدوده مثل الكوفة ، وبغداد ، وحلوان إلى الري ، ومرو ، وخوارزم يستقبلون الباب والمقام (١) ، وقد صرّح المصنّف بذلك في التّذكرة (٢) وهذا هو الظاهر لأنّ أهل المشرق يقابلون أهل المغرب ، فيكون ركنهم في مقابل ركنهم ، فيكون الرّكن العراقي لأهل المشرق ، فينزل كلام المصنّف على التوسّع ، لأنّ موضع توجّههم إلى البيت قريب من الرّكن العراقي.

وإنّما ابتدأ بأهل العراق مع أنّهم ليسوا أهل جهة من الجهات الأربع بالاستقلال ، لأنّ المنقول عن أهل البيت عليهم‌السلام من علامات القبلة علاماتهم ، فإنّ أكثر الرّواة منهم ، والمراد بـ ( من والى أهل العراق ) : من كان في سمتهم من البلاد الّتي وراؤهم.

__________________

(١) الذكرى : ١٦٣.

(٢) التذكرة ١ : ١٠١.

٥٣

وعلامتهم جعل الفجر على المنكب الأيسر ، والمغرب على الأيمن ، والجدي بحذاء المنكب الأيمن ،

______________________________________________________

قوله : ( وعلامتهم جعل الفجر على المنكب الأيسر ، والمغرب على الأيمن ).

المراد بذلك كون مشرق الاعتدال موازيا للكتف الأيسر ، ومغربه موازيا للأيمن بحيث يتوسّط بينهما ، كما صرّح به شيخنا في البيان (١) ، وإن. أطلق العبارة هنا.

[ لكن يرد على ذلك عدم انطباقه على كون الجدي بحذاء المنكب الأيمن ، لأنّ من جعل المغرب على الأيمن ، والمشرق على الأيسر كان الجدي وقت اعتداله بين كتفيه ، ولا شبهة في أنّ ذلك منحرف عن قبلة أهل العراق ، لانحرافهم عن نقطة الجنوب إلى جانب المغرب ، كما انحرفت قبلة أهل الشّام عنها إلى جانب المشرق ، فيمكن أن يراد بكون المغرب على اليمين ، والمشرق على اليسار : كون ذلك علامة على جهة القبلة في الجملة ، لا على عينها ، كما جعل القمر ليلة سابع الشّهر عند الغروب علامة عليها ، وكذا ليلة إحدى وعشرين عند الفجر ، فان ذلك لا يراد منه إلا التقريب الّذي يعلم منه الجهة ، لشدة اختلاف منازل القمر في ذينك الوقتين ، باعتبار اختلاف سيره ] (٢).

قوله : ( والجدي بحذاء المنكب الأيمن ).

الجدي مكبرا ، وأهل الهيئة يصغّرونه ليتميز عن البروج ، وهو : نجم مضي‌ء في جملة أنجم هي بصورة بطن الحوت الجدي رأسه ، والفرقدان الذّنب ، وبينهما ثلاثة أنجم صغار من أحد الجانبين ، وثلاثة من الجانب الآخر ، يجعله العراقي بحذاء ظهر أذنه اليمنى على علوّها ، روى محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، حيث سأله عن القبلة فقال : « ضع الجدي في قفاك وصلّ » (٣).

ولما كان الجدي ينتقل عن مكانه ـ لأنّه يدور حول القطب في كلّ يوم وليلة دورة واحدة فيكون الجدي عند طلوع الشّمس مكان الفرقدين عند غروبها ، كذا قالوا ـ

__________________

(١) البيان : ٥٣.

(٢) زيادة من نسخة « ن ».

(٣) التهذيب ٢ : ٤٥ حديث ١٤٣.

٥٤

وعين الشمس عند الزوال على طرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف.

______________________________________________________

كان القطب هو العلامة القوية ، والقطب : نجم خفي في وسط الأنجم الّتي هي بصورة الحوت تقريبا لا يراه إلاّ حديد النّظر ، ولا يتغير عن مكانه إلاّ يسيرا لا يتبين للحس ، وهو قريب إلى القطب الشّمالي : الّذي هو النقطة الّتي يدور عليها الفلك.

وإنّما يكون الجدي علامة إذا كان إلى الأرض ، والفرقدان إلى السماء أو بالعكس ، امّا إذا كان أحدهما في المشرق ، أو فيما بين المشرق والمغرب فالاعتبار بموضع القطب ، ومن هذا البيان يظهر أنّ عبارة الكتاب على إطلاقها لا تتمشى ، فانّ الجدي لا يكون علامة دائما ، ولا يكفي في الاستقبال محاذاته للمنكب الأيمن بأي جزء اتفق منه.

قوله : ( وعين الشّمس عند الزّوال على طرف الحاجب الأيمن ممّا يلي الأنف ).

هذا إنّما يكون علامة لمن عرف دخول الوقت بعلامة أخرى ، إذا مضى منه مقدار ما يظهر معه ميل الشّمس إلى الحاجب الأيمن ـ كما سبق التّنبيه عليه في الوقت ـ وننبه هنا بشيئين :

الأوّل : إنّ هذه العلامات إنّما تكون لأهل العراق المتمكّنين في جهته ، أمّا من كان في أحد طرفي الجهة فإنّه يراعي التيامن أو التّياسر عن هذه العلامات بحسب ما يقتضيه الاجتهاد.

فأهل الموصل ومن والاهم يجعلون الجدي بين الكتفين ، وأهل البصرة ومن والاهم (١) يجعلونه على الخدّ الأيمن ، وكذا القول في باقي الجهات ، وقد نبّه بعض الأصحاب على ذلك (٢) ، وإطلاق الأكثر منزّل عليه (٣).

الثّاني : إنّ المشرق والمغرب الاعتداليين إذا كان محاذاتهما لليمين واليسار علامة يكون القطب الشّمالي بين الكتفين ، فيكون الجدي قريبا من ذلك حال كونه علامة ، فلا يكون على علو الأذن اليمنى.

__________________

(١) في نسخة (ع) : وراءهم.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٧٨ والنهاية : ٦٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٨٣ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٦٦ ، والشهيد في الذكرى : ١٦٣ والدروس : ٣٠.

(٣) منهم : أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٣٨ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٨٤.

٥٥

ويستحب لهم التياسر قليلا الى يسار المصلي.

______________________________________________________

والظّاهر : أنّ المراد بكون المشرق والمغرب علامة : كونهما في الجملة علامة محصلة لجهة القبلة تقريبا من غير أن يعتبر كونهما الاعتدالين ، لأنّ أهل العراق إلى جانب المشرق أقرب فهم في طرف جهة الشّمال ، فيكون في قبلتهم انحراف يسير عن نقطة الجنوب إلى جانب المغرب ، وكلّ من راعى القبلة في المسجد الأعظم بالكوفة ظهر له [ صحة ] (١) ما ذكرناه.

قوله : ( ويستحب لهم التّياسر قليلا إلى يسار المصلّى ).

اشتهر هذا الحكم بين الأصحاب ، وحكى في الذكرى ، عن الشّيخ (٢) في ظاهر كلامه وجوبه (٣) ، والمستند ما رواه مفضل بن عمر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التّحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة ، وعن السّبب فيه ، فقال : « إنّ الحجر الأسود لما أنزله الله سبحانه من الجنّة ، ووضع في موضعه ، جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر ، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال ، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة » (٤) ، وفي معناها رواية مرفوعة الى أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) ، وهما ضعيفتان ، والحكم مبني على أنّ البعيد يستقبل الحرم ، وأنّ العلامات السّابقة موضوعة للكعبة.

وأورد عليه : أنّ الانحراف بالتّياسر إن كان إلى القبلة فواجب ، أو عنها فحرام.

وأجيب : بأنّ الانحراف عنها للتوسّط فيها ، لأن أنصاب الحرم إلى يسار الكعبة أكثر.

وللمحقّق نجم الدّين بن سعيد رسالة في تحقيق السؤال والجواب ، صدر إنشاؤها عن إشارة سلطان العلماء المحقّقين نصير الدّين الطّوسي قدّس الله روحيهما.

__________________

(١) زيادة من نسختي « ح » و « ن ».

(٢) المبسوط ١ : ٨٧ ، النهاية : ٦٣.

(٣) الذكرى : ١٦٧.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٨ حديث ٨٤٢ ، التهذيب ٢ : ٤٤ حديث ١٤٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٨٧ حديث ٦ ، التهذيب ٢ : ٤٤ حديث ١٤١.

٥٦

والشامي لأهل الشام ، وعلامتهم جعل بنات نعش حال غيبوبتها خلف الأذن اليمنى ، والجدي خلف الكتف اليسرى إذا طلع ، ومغيب سهيل على العين اليمنى ، وطلوعه بين العينين ،

______________________________________________________

وحيث ظهر ابتناء الحكم على قول ضعيف ، مع أنّ البعد الكثير لا يؤمن معه الانحراف الفاحش بالميل اليسير ، كان الإعراض عن هذا التّياسر استحبابا وجوازا أقرب إلى الصّواب ، فان البعيد إنّما يستقبل الجهة ، فربّما لا تكون الكعبة مسامتة للمصلّي ، وتكون قبلته حينئذ محاذية لما يسامتها في الجهة بحيث لا يميل عنه يمينا ولا يسارا ، فلو انحرف أدنى انحراف خرج عن الاستقبال.

قوله : ( والشاميّ لأهل الشّام ، وعلامتهم جعل بنات النّعش حال غيبوبتها خلف الأذن اليمنى ).

أي : والرّكن الشّامي لأهل الشّام ومن والاهم ، يستقبلون جهته ، ومن علاماتهم جعل بنات النّعش الكبرى حال غيبوبتها ، وهو غاية انحطاطها إلى جهة المغرب ، فإنّها تدور مع الفرقدين خلف الأذن اليمنى ، والّذي يراد بجعلها خلف الأذن اليمنى إمّا الموضع الّذي تدنو فيه من الغروب ، أو وسطها تقريبا.

قوله : ( والجدي خلف الكتف اليسرى إذا طلع ).

المراد بطلوعه : استقامته مجازا لأنّه لا يغرب ، ووجه التجوّز أنّه إنّما يكون علامة عند استقامته ، فكأنه وقت وجوده.

قوله : ( ومغيب سهيل على العين اليمنى وطلوعه بين العينين ).

المراد بطلوعه : أوّل ما يبدو ، لأنّه يطلع منحرفا عن نقطة الجنوب إلى جانب المشرق يسيرا ، وكلّما أخذ في الارتفاع مال إلى المغرب غير بعيد ، ثم ينحط للغروب كذلك.

وقد يوجد في بعض حواشي الكتاب : إنّ المراد بطلوعه غاية ارتفاعه ، وهو غلط قطعا بحسب مدلول اللّفظ والواقع ، لأنّ غاية الارتفاع لا يسمّى طلوعا ، ولا يمكن التجوز به هنا لعدم القرينة ، وتحقّق الطّلوع الحقيقي المقتضي للإخلال بالفهم ، وأمّا الواقع فقد علم أنّه إذا ارتفع كان مغربا عن قبلة الشّامي.

٥٧

والصبا على الخد الأيسر والشمال على الكتف الأيمن.

والغربيّ لأهل المغرب ، وعلامتهم جعل الثّريا على اليمين ، والعيوق على اليسار ، والجدي على صفحة الخد الأيسر.

______________________________________________________

قوله : ( والصّبا على الخدّ الأيسر ، والشّمال على الخدّ الأيمن ).

كما أنّ الكواكب يستدلّ بها على القبلة فكذا الرياح ، لأنّ الجهة يستفاد بها إذا علمت ، إلاّ أنّ اضطرابها كثير ، فلذلك كانت علامة ضعيفة يقل الوثوق بها.

إذا تقرر ذلك ، فالصبا مهبها ما بين مطلع الشّمس إلى الجدي ، قال في الذّكرى : وقد يقال : إنّ هبوبها من مطلع الشّمس يجعله الشامي على الخدّ الأيسر والشّمال مهبها من الجدي إلى مغرب الشّمس الاعتدالي مارة إلى مهب الجنوب يجعلها أيضا على الخدّ الأيمن (١).

فإن قلت : إن علم مهب الرّياح علم بذلك جهة القبلة فلا يعتد بالرّياح حينئذ ، وإلاّ لم تفد شيئا إذ لا يتميز ، قلت : قد تعلم الرّياح بعلامات أخر وقرائن تنضم إليها ، مثل نعومتها وشدّة بردها ، وإثارتها للسّحاب والمطر وأضداد ذلك ، إلا أنّ اتفاق ما يميزها بحيث يوثق بها قليل ، فمن ثمّ كانت علامة ضعيفة.

قوله : ( والغربي لأهل المغرب ، وعلامتهم جعل الثريّا على اليمين والعيوق على اليسار ).

أي : والرّكن الغربي لأهل الغرب ومن والاهم ، ومن علامتهم جعل الثّريا على اليمين ، والعيّوق ـ بالتشديد ـ : وهو نجم أحمر مضي‌ء في طرف المجرّة الأيمن ، يتلو الثّريا لا يتقدّمها ، قاله في القاموس (٢) على اليسار ، وذلك عند طلوعهما ، كما نبّه عليه في الذّكرى (٣) وغيرها (٤).

قوله : ( والجديّ على صفحة الخدّ الأيسر ).

المراد به حال استقامته.

__________________

(١) الذكرى : ١٦٢.

(٢) القاموس ( عوق ) : ٣ : ٢٧٠.

(٣) الذكرى : ١٦٣.

(٤) الدروس : ٣٠ ، والبيان : ٥٣.

٥٨

واليمانيّ لأهل اليمن وعلامتهم جعل الجدي وقت طلوعه بين العينين ، وسهيل وقت غيبوبته بين الكتفين ، والجنوب على مرجع الكتف اليمنى.

المطلب الثاني : المستقبل له : يجب الاستقبال في فرائض الصلوات مع القدرة

______________________________________________________

قوله : ( واليماني لأهل اليمن ، وعلامتهم جعل الجديّ وقت طلوعه بين العينين ).

أي : والرّكن اليماني ـ بتخفيف الياء لأن الألف عوض من الياء ، فإذا حذف شدّدت ـ لأهل اليمن ، والصين ، والتهائم ومن والاهم ، ومن علاماتهم جعل الجدي حال استقامته بين العينين.

وربّما يسأل فيقال : أهل الشّام يجعلون الجدي على المنكب الأيسر وهم في مقابلة أهل اليمن ، فكيف يجعله أهل اليمن

بين العينين؟ ويجاب : بأنّ أهل الشّام يستقبلون الميزاب إلى الرّكن الشّامي ، وأهل اليمن يستقبلون المستجار والرّكن اليماني ، فبينهم انحراف يسير عن المقابلة.

قوله : ( وسهيل وقت غيبوبته بين الكتفين ).

فوقت طلوعه يكون خلف الكتف اليمنى.

قوله : ( والجنوب على مرجع الكتف اليمنى ).

مهبّ الجنوب ـ بفتح الجيم ـ : ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشّمس في الاعتدال ومرجع الكتف قرب المفصل ، ويجعل الدبور ـ بفتح الدّال ـ ومهبّها من مغرب الشّمس إلى سهيل ، على المنكب الأيسر.

قوله : ( المطلب الثّاني : المستقبل له : يجب الاستقبال في فرائض الصلوات مع القدرة ).

الاستقبال في فرائض الصّلوات مع القدرة واجب ، وشرط اتّفاقا ، فلو أخل به المصلّي عمدا أو سهوا بطلت صلاته ، أمّا مع العجز فليس بشرط ، ولا واجب ، وسيأتي تحقيق ذلك في مواضعه ان شاء الله تعالى.

٥٩

ـ وفي الندب قولان ـ وعند الذبح ، وبالميت في أحواله السابقة.

______________________________________________________

قوله : ( وفي النّدب قولان ).

أي : وفي الاستقبال في ندب الصلوات قولان :

أحدهما : الوجوب (١) ، على معنى أنّ النّافلة لا تشرع من دونه فيكون شرطا لشرعيّتها ، لأنّ المعلوم من فعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم الصّلاة والسّلام هو الصّلاة إلى القبلة ، ولم ينقل عنهم فعل النّافلة حال الاستقرار والاختيار إلى غير القبلة ، والتأسي واجب ، ولأن فعلها إلى غير القبلة لم تثبت شرعيّته فيكون بدعة حراما ، ولظاهر قوله عليه‌السلام : « صلوا كما رأيتموني أصلي » (٢) ، أوجب متابعته في صلاته وهي تقع على الفرض والنفل ، وهذا هو الأصحّ.

والثّاني : العدم (٣) ، لامتناع وجوب الكيفية مع ندب الفعل.

وجوابه : إنّ الوجوب هنا يراد به أحد أمرين ، إما كونه شرطا للشّرعية مجازا لمشاركته الواجب في كونه لا بدّ منه ، فمع المخالفة يأثم بفعل النّافلة إلى غير القبلة ، أو كون وجوبه مشروطا ، بمعنى أنّه إن فعل النّافلة وجب فعلها إلى القبلة ، فمع المخالفة يأثم بترك الاستقبال وبفعلها إلى غير القبلة معا ، وهذا المعنى يثبت على تقدير دلالة قوله عليه‌السلام : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » على وجوب الاستقبال ، وإلا فالمعنى الأوّل.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ للأصحاب القائلين بوجوب الاستقبال في النّافلة اختلافا ، فأوجب ابن ابي عقيل الاستقبال فيها مطلقا كالفريضة ، إلا في موضعين : حال الحرب ، والمسافر يصلّي أينما توجّهت به دابته ، كذا حكى عنه في المختلف (٤) وجوّز الشّيخ فعلها للراكب والماشي ، في السّفر والحضر (٥) ، ـ وهو الأصحّ ـ لرواية حماد بن عثمان ، عن الكاظم عليه‌السلام (٦) ، والحسين بن المختار ، عن الصّادق عليه‌السلام (٧) ،

__________________

(١) نسبه في المختلف : ٧٩ الى ابن ابي عقيل كما سيأتي.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٢.

(٣) ممن ذهب اليه ابن حمزة في الوسيلة : ٨٤ ، والمحقق الحلي في شرائع الإسلام ١ : ٦٦.

(٤) المختلف : ٧٩.

(٥) المبسوط ١ : ٧٩.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٢٩ حديث ٥٨٩.

(٧) المعتبر ٢ : ٧٧.

٦٠