جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وفي الحرف الواحد المفهم ، والحرف بعده مدة ، وكلام المكره عليه نظر.

______________________________________________________

يصلح فيها شي‌ء من كلام النّاس إنّما هي التّسبيح والتكبير وقراءة القرآن » (١). وفي حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام وسأله عن الرّجل يصيبه الرّعاف وهو في الصّلاة؟ فقال : « إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته » (٢) ، وغير ذلك من الاخبار (٣).

ولا فرق في البطلان بين كون صدور الكلام منه لمصلحة الصلاة أو لا ، وكذا من تكلّم جهلا بالتحريم ، لأنّ الجاهل غير معذور لوجوب التعلّم عليه ، والكلام جنس لما يتكلم به ، فيقع على الكلمة وهي صادقة على المركب من حرفين فصاعدا.

ويفهم من قوله : ( عمدا الكلام ) أنّه لو تكلم ناسيا أنه في الصّلاة لم تبطل ، وعليه علماؤنا ، وتدل عليه صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل يتكلم ناسيا في الصّلاة ، يقول : أقيموا صفوفكم؟ قال : « يتم صلاته ، ثم يسجد سجدتين » (٤). ولو أراد النطق بذكر أو قراءة فسبق لسانه إلى الكلام لم تبطل صلاته أيضا ، ولو طال زمان التكلم نسيانا التحق بالفعل الكثير ، والتّسليم كلام فإذا أتى به في غير موضعه عمدا أبطل الصّلاة ، لا نسيانا.

قوله : ( وفي الحرف الواحد المفهم ، والحرف بعده مدّة ، وكلام المكره عليه نظر ).

هنا مسائل ثلاث :

الاولى : لو تكلم بحرف واحد مفهم في الصّلاة عمدا ففي بطلان الصّلاة بذلك نظر ، والمراد بالحرف المفهم : هو ما يستفاد منه معنى بالوضع ، ويتحقق في الأمر من الثّلاثي المعتل الطرفين ، مثل ق ، وع ، ود ، من وقى ووعى وودى.

ومنشأ النظر من صورة الحرف المقتضية لأن لا يعد كلاما ، لأن الكلام هو‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ حديث ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ ـ ٤٤٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٤ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٠ حديث ٧٨٣ ، الاستبصار ١ : ٤٠٤ حديث ١٥٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٥ حديث ٥ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ حديث ١٣٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٣ حديث ١٥٣٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٦ حديث ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ حديث ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ حديث ١٤٣٣.

٣٤١

______________________________________________________

المركّب من الحرفين فصاعدا ، ومن صدق اسم الكلام عليه لغة وعرفا ، بل هو كلام عند أهل صناعة العربية لتضمنه الاسناد ، فتتناوله الأخبار الواردة بكون تعمد الكلام مبطلا ، وكونه بصورة الحرف غير قادح (١) ، لأنّ باقي الحروف محذوفة لعلة عند أهل الصناعة ، والمحذوف لعلة كالمذكور.

والحق أنّ الوجه الأوّل ضعيف جدّا ، لأنّ المقتضي للإبطال هو النطق بالكلام ، وهذا كلام قطعا ، وقول الفقهاء : الكلام بحرفين خرج مخرج الغالب ، أو ان المحذوف هنا لما كان بمنزلة المذكور كان كلاما بحرفين.

واعلم أنّ قول الشّارح (٢) ـ في بيان الوجه الثّاني : ومن حصول الإفهام به فأشبه الكلام ـ لا يخلو من مناقشة.

الثّانية : الحرف بعده مدّة ، والمراد به : إشباع الضّمّ أو الفتح أو الكسر في حرف ، وفي الإبطال به عمدا النظر ، ومنشؤه من أنّه يعد حرفا واحدا ، ومن أنّ المدّة إمّا واو ، أو ألف ، أو ياء ، وتسميتها مدّة ـ لكونها حروف المد واللين ـ لا يخل بكونها حرفا ، وهو الأصحّ.

الثّالثة : لو تكلّم في الصّلاة مكرها على الكلام ففي الإبطال به النظر أيضا ، ومنشؤه من ظاهر قوله عليه‌السلام : « رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » (٣) ، وقد سبق أنّ المراد رفع أحكامها ، ومن إطلاق الأخبار ببطلان الصّلاة بالتكلم عمدا ، وبالإكراه لا يخرج عن كونه عمدا.

وطريق الجمع الحمل على أنّ المراد هنا رفع المؤاخذة ، أو رفع ما سوى ذلك ، ومثله ما لو أكره على الصّلاة بغير طهارة ، أو على زيادة ركعة أو نقصانها ونحو ذلك ، وهو الأصحّ ، نعم لا يأثم ، ومثله من تكلّم مجيبا للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو للإمام عليه‌السلام ، أو لأحد الأبوين.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٢ حديث ١٠٢٩ ، التهذيب ٢ : ٣١٩ حديث ١٣٠٢.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ١١٦.

(٣) الفقيه ١ : ٣٦ حديث ١٣٢ ، الخصال : ١٨٤ حديث ٩.

٣٤٢

ولو قال : ادخلوها بسلام آمنين على قصد القراءة جاز ، وإن قصد التفهيم ، ولو لم يقصد سواه بطل على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : ادخلوها بسلام آمنين على قصد القراءة جاز ، وإن قصد التّفهيم ، ولو لم يقصد سواه بطل على إشكال ).

ضابط المبحث : أنّ المصلّي لو تكلم ببعض القرآن المفهم للغير أمرا يحاوله ، ونحو ذلك ، كما لو قال لمن يستأذن في الدّخول عليه ( ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ ) (١) ، ولمن يريد أن يطأ فراشا بنعليه ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) (٢) ، ونحو ذلك فإن الصّلاة لا تبطل إذا قصد بذلك التلاوة ، سواء قصد مع ذلك الإفهام أم لا ، لصدق اسم القرآن على ما نطق به ، وقصد إفهام الغير لا يخرجه عن كونه قرآنا.

ولو نطق به لا على قصد القرآن ، بل على قصد الإفهام خاصة ، ففي البطلان عند المصنّف إشكال ، ينشأ من أنّ القرآن هل يخرج بالقصد عن كونه قرآنا أم لا؟ وقد بنى الشّارح ـ ولد المصنّف ـ المسألة على أنّ المسموع هل هو عين ما أوجده الله ، أو حكاية عنه؟ فقيل بالأوّل (٣) ، وإلا لبطلت المعجزة لقدرتنا على مثله ، وقيل بالثّاني (٤) لاستحالة بقاء الكلام ، ومقتضاه عدم البطلان على الأوّل بخلاف الثّاني (٥).

والظاهر أنّ هذا البناء غير واضح ، لأنّه على القولين لا تخرج تلاوة هذا عن كونها قرآنا قطعا ، وإلاّ لامتنع الوفاء بنذر قراءة القرآن على أحد القولين ، بل امتنع فعل الصّلاة فإنّها لا تصحّ بدونه.

والّذي يقتضيه النظر أنّ المتلوّ إن كان قليلا بحيث لا يشتمل على نظم يقتضي كونه قرآنا إذا أتى به للإفهام خاصة أبطل الصّلاة لأنّه من كلام الآدميّين ،

__________________

(١) الحجر : ٤٦.

(٢) طه : ١٢.

(٣) وهم أبو علي ، وأبو الهذيل كما في إيضاح الفوائد ١ : ١١٧.

(٤) وهو أبو هاشم كما في المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

٣٤٣

والسكوت الطويل إن خرج به عن كونه مصليا مبطل ، والاّ فلا ، والتكفير وهو وضع اليمين على الشمال وبالعكس.

______________________________________________________

إذ ليس قرآنا بأسلوبه ولا بالنيّة ، وينبغي أن لا يكون هذا القسم محلاّ للإشكال.

وإن كان كثيرا بحيث يمنع نظمه وأسلوبه من أن لا يكون قرآنا ، فإذا أتى به على ذلك القصد كان موضع الإشكال ، وليس ببعيد عدم البطلان به ، إذ لا يعد ذلك من كلام الآدميّين كما قررناه.

قوله : ( والسّكوت الطّويل إن خرج به عن كونه مصليا مبطل وإلاّ فلا ).

المرجع في الخروج بطول السّكوت عن كونه مصليا إلى العرف ، ووجه البطلان به فوات الموالاة بين أجزاء الصّلاة ، فلا تعد صلاة ، قال في الذّكرى : ظاهر الأصحاب أنّه كالفعل الكثير ، فحينئذ يشترط فيه التعمّد ، ثم استبعد بقاء الصّحّة على ذلك التقدير إذا أدّى الى انمحاء صورة الصّلاة ، كمن تمضي عليه ساعتان ، وساعات ، ومعظم اليوم (١) ، هذا حاصل كلامه.

والظّاهر : أنّه إذا طال كثيرا تبطل مطلقا ، وعبارة الكتاب تحتمل الأمرين ، نظرا إلى إطلاقها واختصاص الإبطال فيما قبله وبعده بحال العمد.

قوله : ( والتكفير وهو وضع اليمين على الشّمال وبالعكس ).

قال في الصّحاح : التكفير أن يخضع الإنسان لغيره كما يكفّر العلج للدهاقين ، يضع يده على صدره ويتطأمن له (٢) ، وهو حرام في الصّلاة عند أكثر الأصحاب ومبطل ، ونقل الشّيخ فيه الإجماع (٣) ، وقال أبو الصّلاح : إنّه مكروه (٤) ، واختاره صاحب المعتبر (٥).

__________________

(١) الذكرى : ٢١٧.

(٢) الصحاح ( كفر ) ٢ : ٨٠٨.

(٣) الخلاف ١ : ٦٢ مسألة ٢١ كتاب الصلاة.

(٤) الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٥٧.

٣٤٤

______________________________________________________

والأصحّ الأوّل لرواية حريز ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لا تكفّر إنّما يصنع ذلك المجوس » (١) ، وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت : الرّجل يضع يده ـ في الصّلاة ـ اليمنى على اليسرى ، فقال : « ذلك التكفير لا تفعله » (٢) ، والنّهي يدلّ على التحريم ، ولأنّ أفعال الصّلاة متلقاة من الشّرع ولا شرع هنا ، وللاحتياط ، ولأنّه سنة المجوس ، وقد قال عليه‌السلام : « خالفوهم » (٣) ، والأمر للوجوب فيجب تركه.

وما قيل : من أنّ ظاهر الرّواية الكراهية لتضمّنها كونه تشبيها بالمجوس ، ومخالفتهم غير واجبة ، لأنّهم قد يفعلون بعض ما يجب ، فيكون الأمر بمخالفتهم لا على الوجوب (٤) ، ليس بشي‌ء لأنّ ظاهر النّهي التحريم ، والتشبه بالمجوس في المحرّم حرام لا محالة ، وكون مخالفتهم غير واجبة مطلقا لا يقدح ، لأن وجوبها حيث لا يدل دليل على الضدّ ، لأنّ العامّ المخصّص حجة في الباقي. على أنّه لو تمّ ما ذكره لم تتحقّق الكراهية أيضا ، لأنّ مخالفتهم في الواجب حرام ، والأصحّ التّحريم.

فان قلت : لا يلزم من التّحريم الإبطال به.

قلت : القائلون بالتّحريم قائلون بالإبطال به ، فلا يجوز الفصل. وربّما استدل بأنّه فعل كثير ليس من الصّلاة ، وفي بلوغه حدّ الكثرة منع ، لأنّ المراد بالكثير : ما لا يعد فاعله مصليا في العادة.

ولا يخفى أنّ الإبطال به إنّما هو حال العمد لا مطلقا ، لرفع الحكم عن النّاسي ، وعبارة الكتاب مطلقة.

وهذا إذا لم تكن تقية تقتضيه أمّا معها فلا يحرم قطعا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٦ حديث ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ حديث ٣٠٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٤ حديث ٣١٠.

(٣) الوسائل ١٨ : ٨٤ حديث ٢٩ نقلا عن رسالة سعيد بن هبة الله الراوندي ( مخطوط ).

(٤) المحقق في المعتبر ٢ : ٢٥٧.

٣٤٥

والالتفات إلى ورائه.

______________________________________________________

فروع :

أ : لا فرق في التّحريم والإبطال بين وضع اليدين فوق السّرة أو تحتها ، بحائل وبدونه ، لعموم الأدلّة. وكذا لا فرق بين وضع الكفّ على الكفّ ، ووضعه على الذّراع ، لتناول اسم التكفير له.

ب : التّحريم يتناول حال القراءة وغيرها ، لرواية محمّد بن مسلم (١).

ج : لا فرق في ذلك بين أن يفعله معتقدا للاستحباب أم لا ، ولو دعته حاجة الى الوضع كدفع أذى فوضع يده لدفعه أمكن عدم التّحريم هنا للحاجة ، ويتخيل أنّه لا يعد تكفيرا ، لكن ظاهر الرّواية يتناوله (٢).

د : لو وضع الشّمال على اليمين ، ففي الإبطال به تردّد ، من احتمال كونه تكفيرا ، ولهذا يجتزئ به العامة في أصل الاستحباب وإن لم تحصل الكيفية المستحبّة عندهم (٣) ، ومن ظاهر رواية محمّد بن مسلم المتضمّنة أنّه وضع اليمين على الشّمال (٤) ، والقياس لا نقول به. واختار الشّيخ في الخلاف المساواة (٥).

هـ : لو وجب عليه فعله للتقية فخالف ، ففي إبطال الصّلاة تردّد ، نظرا الى وجوب التقية ، والإتيان بالواجب أصالة.

ومثله ما لو وجب الغسل في الوضوء والمسح على الخفين ، ونحو ذلك.

وقد يمكن الفرق ـ بين التكفير وما ذكر ـ بأنّه فعل خارج من الصّلاة لا جزءا ولا شرطا ، فلا يتعدى النّهي بسببه إليها.

قوله : ( والالتفات إلى ورائه ).

اعلم أنّ التفات المصلّي إمّا أن يكون يسيرا جدا ، وحده أن لا يبلغ حدّ اليمين‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٤ حديث ٣١٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٤ حديث ٣١٠.

(٣) سنن الترمذي ١ : ١٥٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٤ حديث ٣١٠.

(٥) الخلاف ١ : ٦٢ مسألة ٢١ كتاب الصلاة.

٣٤٦

______________________________________________________

أو اليسار ، أو كثيرا ـ بحيث يبلغ ذلك ـ ، فأمّا أن يصير مستدبرا ، أو يقتصر على التيامن والتّياسر. وعلى التّقديرات فامّا أن يكون بوجه خاصّة أو بكلّه ، وعلى التقادير فامّا أن يكون ذلك عمدا أو لا فهذه ستّ عشرة صورة.

فإذا كان الالتفات يسيرا بكلّه بطلت الصّلاة إن تعمد للنّهي المقتضي للفساد ، فيعيد في الوقت وخارجه. وإن كان ناسيا لم تبطل ، لأنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة ، وقد رفع عن المكلّف أحكام النّسيان.

وإن كان بوجهه خاصّة فلا إبطال ، وكذا لو التفت بوجهه خاصّة يمينا أو شمالا عمدا أو سهوا ـ خلافا لولد المصنّف ـ (١) ، لمفهوم صحيح زرارة أنّه سمع أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « الالتفات يقطع الصّلاة إذا كان بكله » (٢). ولرواية عبد الملك ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصّلاة؟ قال : « لا ، وما أحب أن يفعل » (٣).

وهي محمولة على الالتفات بالوجه دفعا للتنافي.

وإن كان الالتفات بكلّه إلى اليمين أو اليسار ، فان كان عمدا بطلت الصّلاة للنّهي ، ولصحيحة زرارة السّابقة. وإن كان سهوا ، فان علم في الوقت فالظاهر وجوب الإعادة لصحيحة عبد الرّحمن بن أبي عبد الله ، عن الصّادق عليه‌السلام : « إذا استبان أنّك صلّيت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وإن فاتك الوقت فلا تعد » (٤). وقريب منها صحيحة سليمان بن خالد ، عنه عليه‌السلام (٥).

وإن التفت كثيرا حتّى استدبر عمدا فالظاهر بطلان الصّلاة ووجوب‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ١١٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٩ حديث ٧٨٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ حديث ١٥٤٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٠ حديث ٧٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ حديث ١٥٤٦.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٤ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ٤٧ حديث ١٥٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ حديث ١٠٩٠.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٥ حديث ٩ ، التهذيب ٢ : ٤٧ حديث ١٥٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ حديث ١٠٩١.

٣٤٧

______________________________________________________

الإعادة في الوقت وخارجه ، وإن كان سهوا فقولان : أقربهما أنّه كذلك لرواية معمّر بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيمن صلّى على غير القبلة ، ثمّ تبيّن له القبلة ، وقد دخل وقت صلاة أخرى قال : « يصلّيها قبل أن يصلّي هذه الّتي دخل وقتها ، إلاّ أن يخاف فوت الّتي دخل وقتها » (١). فإنّها محمولة على المستدبر ، جمعا بينها وبين ما دلّ على الإعادة في الوقت خاصّة.

وقوله فيها : « ثم تبين » يدلّ على أنّ الاستدبار لم يكن عمدا ، ولا يضر ضعف السّند لاعتضادها بكون الاستقبال شرطا مطلقا ، إلاّ ما دلّ دليل على استثنائه. وقد نزّل الشّيخ رواية الحسين بن أبي العلاء ، عن الصّادق عليه‌السلام فيمن سبقه الإمام بركعة في الفجر ، فسلّم معه ثم أقام في مصلاّه ذاكرا حتّى طلعت الشّمس : « يضيف إليها ركعة إن كان في مقامه ، وإن كان قد انصرف أعاد » (٢) ، على أنّه قد استدبر القبلة (٣). ولأنّ الظان يعيد مطلقا مع الاستدبار ، فالناسي أولى لتفريطه بالنسيان ، وكون الظّان متعبدا بظنه.

ولو استدبر بوجهه خاصّة ، فلا تصريح للأصحاب فيه ، وظاهر شيخنا في الذّكرى في باب التّروك المستحبة إلحاقه بالمستدبر (٤) ، وكذا في غير الذّكرى (٥).

وقد يوجد ذلك لبعض المتأخّرين ، ولا بأس به لفوات الشّرط معه ، ـ وإلحاقه بالملتفت يمينا وشمالا قياس ـ ، وقوله عليه‌السلام : « فلا تقلب وجهك عن القبلة ، فتفسد صلاتك » (٦) ، وقوله عليه‌السلام : « فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا » (٧) ، لصدق الفحش مع الاستدبار.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٦ حديث ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ حديث ١٠٩٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٣ حديث ١١ ، التهذيب ٢ : ١٨٣ حديث ٧٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٦٧ حديث ١٤٠٠.

(٣) النهاية : ٦٤.

(٤) الذكرى : ٢١٧.

(٥) الألفية : ٦٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٠ حديث ٦ ، الفقيه ١ : ١٩٧ حديث ٩١٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ حديث ١١٤٦.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٥ حديث ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ حديث ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ حديث ١٥٤٧.

٣٤٨

والقهقهة ، والدّعاء بالمحرم ،

______________________________________________________

ولا يعارض بمفهوم قوله عليه‌السلام : « الالتفات يقطع الصّلاة إذا كان بكلّه » (١) ، لأنّ المراد به : الالتفات يمينا وشمالا كما هو المتعارف من معنى الالتفات ، ولما فيه من التوفيق بين الأخبار.

قوله : ( والقهقهة ).

القهقهة : هي الترجيع في الضّحك ، أو شدة الضّحك كذا قال في القاموس (٢) ، والمراد بها هنا : الضّحك ، كما صرّح به في غير هذا الكتاب حيث قال في المنتهى : يجب ترك الضّحك في الصّلاة (٣).

ولا ريب في أنّ الضّحك عمدا في الصّلاة مبطل ، قال في المنتهى : وهو مذهب أهل العلم كافة قال : وكذا الاتفاق على أنّ التبسّم لا يبطل الصّلاة عمدا وسهوا (٤) ، والتبسّم ما لا صوت فيه. قال في الذّكرى : والأقرب الكراهيّة (٥).

وفي حسنة زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « القهقهة لا تنقض الوضوء ، وتنقض الصّلاة » (٦). وفي موثقة سماعة : « أنّ القهقهة تقطع الصّلاة دون التبسّم » (٧).

ولا يعتبر في الإبطال بالقهقهة الكثرة لظاهر النّصوص ، ولو قهقه على وجه لا يمكن دفعه لمقابلة لاعب ونحوه فالظاهر البطلان ، لإطلاق الأخبار ، نعم لا يأثم حينئذ. أمّا النّاسي فلا يأثم ، ولا تبطل صلاته إجماعا.

قوله : ( والدّعاء بالمحرّم ).

لما سبق من النّهي المقتضي للبطلان ، وهذا مع العمد خاصّة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٩ حديث ٧٨٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ حديث ١٥٤٣.

(٢) القاموس المحيط ( قهقه ) ٤ : ٢٩١.

(٣) المنتهى ١ : ٣١٠.

(٤) المصدر السابق.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٦.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٤ حديث ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ حديث ١٣٢٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٤ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ حديث ١٣٢٥.

٣٤٩

والفعل الكثير عادة مما ليس من الصلاة.

______________________________________________________

قوله : ( وفعل الكثير عادة ممّا ليس من الصّلاة ).

لا خلاف بين علماء الإسلام في تحريم الفعل الكثير في الصّلاة ، وإبطالها به إذا وقع عمدا ، بخلاف القليل ، كلبس العمامة ، وقتل الحية والعقرب ، لصحيحة الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل يرى الحية والعقرب وهو يصلّي المكتوبة قال : « يقتلهما » (١). ومثلها صحيحة محمّد بن مسلم عنه عليه‌السلام (٢) وروي : أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل عقربا في الصّلاة (٣) ، ودفع المار بين يديه (٤) ، وحمل امامة بنت أبي العاص ، فكان إذا سجد وضعها ، وإذا قام رفعها (٥). والمرجع في الكثرة إلى العادة ، لأنّ ما لا مقدّر لقليله وكثيره شرعا فالمرجع فيه إلى العادة.

والظّاهر أنّه لا بدّ في الإبطال من توالي الفعل الكثير ، فلو تفرّق الفعل بحيث لو اجتمع لعدّ كثيرا فالظاهر عدم الإبطال لانتفاء الوحدة ، ولأنّ وضع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امامة ورفعها في كلّ ركعة كثير لو جمع.

وهل يبطل الفعل الكثير لو وقع سهوا؟ ظاهر الأصحاب العدم (٦) ، لعموم : « رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان » (٧) ويبعد بقاء الصحّة مع الفعل الّذي يقتضي محو صورة الصّلاة وإن وقع نسيانا.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤١ حديث ١٠٦٧ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ حديث ١٣٥٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٧ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ حديث ١٣٥٨.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٥ حديث ١٢٤٧.

(٤) سنن البيهقي ٢ : ٢٦٨.

(٥) سنن البيهقي ٢ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

(٦) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١١٧ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٠ ، والشهيد في الذكرى : ٢١٥.

(٧) انظر : الخصال : ٤١٧ حديث ٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٩ حديث ٢٠٤٣ و ٢٠٤٤ ، كنز العمال ١٢ : ١٧٤ حديث ٣٤٥٣٩.

٣٥٠

والبكاء لأمور الدنيا ، والأكل والشرب ، إلاّ في الوتر لمريد الصوم من غير استدبار.

______________________________________________________

فروع :

أ : لا يكره قتل الحيّة والعقرب في الصّلاة للأمر به (١) ، ولا إرضاع المرأة ولدها وهي تتشهّد لرواية عمّار ، عن الصّادق عليه‌السلام (٢). وقد روي أنّ أبا الحسن عليه‌السلام انحط وهو في الصّلاة لأخذ عصى أراد أخذها شيخ كبير ليقوم فناوله إياها (٣).

ب : لا عبرة في الكثرة بالتعدد ، فقد يتعدد الفعل ولا يبلغ الكثرة ، كما لو تكرر منه حكّ شي‌ء من بدنه مرارا ، وقد يفحش الفعل الواحد كالطفرة الفاحشة ، فيكون كثيرا مبطلا على تردّد ، أظهرها الإبطال لانتفاء صدق الصّلاة معه. ويجوز عد الرّكعات بحصى ، أو بخاتمه ، رواه ابن بابويه (٤).

ج : لو قرأ كتابا بين يديه في نفسه من غير نطق لم تبطل صلاته ، لثبوت العفو عن حديث النّفس ما لم يطل الزّمان ، وعلى هذا فيجوز أن ينوي بقلبه الزّكاة ، والخمس ، والصوم ، ونحو ذلك.

قوله : ( والأكل والشّرب ، إلاّ في الوتر لمريد الصّوم من غير استدبار ).

أجمع الأصحاب على أنّ الأكل والشّرب عمدا مبطلان للصّلاة ، ثم اختلفوا في القدر المبطل منهما ، فظاهر كلام الشّيخ : أن مسماهما مبطل ، محتجّا بالإجماع (٥).

ورده في المنتهى وحكم بأنّ المبطل منهما هو ما بلغ حد الكثرة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٧ حديث ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٠ حديث ١٣٥٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٣ حديث ١٠٧٩ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ حديث ١٣٦٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٤ حديث ٩٨٧.

(٥) الخلاف ١ : ٨٤ مسألة ١٠٦ كتاب الصلاة.

٣٥١

______________________________________________________

لا مسماهما (١) ، واختاره شيخنا في الذكرى (٢).

وفي التّذكرة حكم بالإبطال بهما لأنّهما فعلا كثيرا لأن تناول المأكول ومضغة وابتلاعه أفعال متعددة ، وكذا المشروب (٣) وفي عد ذلك كثيرا في العادة نظر.

وأغرب بعض المتأخّرين ، فحكم بإبطال مطلق الأكل ، حتّى لو ابتلع ذوب سكرة (٤) وهو بعيد. ولو بقي بين أسنانه بقايا الغذاء فابتلعه لم يفسد صلاته قولا واحدا ، واختار شيخنا الشّهيد في بعض كتبه الإبطال بالأكل والشّرب المؤذنين بالإعراض عن الصّلاة (٥) وهو حسن ، إلاّ أنه لا يكاد يخرج عن التقييد بالكثرة.

واستثنى الشّيخ الشّرب في النّافلة (٦) ، والّذي في رواية سعيد الأعرج ، عن الصّادق عليه‌السلام : « الشّرب في دعاء الوتر لمريد الصّوم وهو عطشان ، إذا خشي طلوع الفجر ، واحتاج إلى خطوتين أو ثلاث » (٧). ونزلها في المنتهى على عدم الاحتياج إلى فعل كثير (٨) ، فلا فرق حينئذ بين الوتر وغيرها ، بل بين النّافلة والفريضة.

ولو عملنا بإطلاقها اقتصرنا على موردها ، إلاّ أنّه لا بدّ من التقييد بكون ظاهر إناء الشّرب طاهرا كباطنه لئلا يحمل نجاسة ، وفي الرّواية : « وأمامي قلة » (٩) ، وهي دالة على عدم الاحتياج إلى الاستدبار.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣١٢.

(٢) الذكرى : ٢١٥.

(٣) التذكرة ١ : ١٣٢.

(٤) نقل السيوري هذا القول في التنقيح الرائع ١ : ٢١٧ عن فخر المحققين ، ولعل هذا القول له في شرح الإرشاد كما ذكر السيد العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٣.

(٥) الدروس : ٤١.

(٦) المبسوط ١ : ١١٨.

(٧) الفقيه ١ : ٣١٣ حديث ١٤٢٤ ، التهذيب ٢ : ٣٢٩ حديث ١٣٥٤.

(٨) المنتهى ١ : ٣١٢.

(٩) الفقيه ١ : ٣١٣ حديث ١٤٢٤ ، التهذيب ٢ : ٣٢٩ حديث ١٣٥٤.

٣٥٢

ولا يجوز التطبيق ، وهو وضع إحدى الراحتين على الأخرى في الركوع بين رجليه ، ولا العقص للرجل على قول.

______________________________________________________

وقد قيد به المصنّف في العبارة ، ولم يتعرض إلى غيره. ولا فرق بين كون الصّوم واجبا أو مندوبا ، وهل يفرق بين كون الوتر واجبا بالنّذر أم لا؟ ترك الاستفصال في الرّواية يدل على عدم الفرق.

إذا عرفت ذلك ، فلو أكل أو شرب في الصّلاة ناسيا لم تبطل ، ونقل في المنتهى فيه إجماعنا (١) ولا شبهة فيه إذا لم يبلغ الكثرة ، أما مع بلوغها وانمحاء صورة الصّلاة فيأتي فيه ما سبق في الفعل الكثير.

قوله : ( ولا يجوز التطبيق ، وهو وضع احدى الرّاحتين على الأخرى في الرّكوع بين رجليه ).

هذا أحد القولين ، والثّاني القول بالكراهة إذ لا مقتضى للتّحريم ، وليس فيه أكثر من ترك اليدين على الركبتين ، وهو مستحبّ.

نعم روي : أن سعد بن أبي وقاص قال : كنا نفعل ذلك فأمرنا بضرب الأكف على الرّكب (٢) ، وهو يشعر بشرعيّته ثم نسخه ، ولعلّه خفي على ابن مسعود حتّى قال باستحبابه (٣). فعلى القول بالتحريم يمكن البطلان للنّهي في العبادة كالكتف ، ويمكن العدم لأنّ النّهي يعود إلى أمر خارج عن الصّلاة.

قوله : ( ولا العقص للرجل على قول ).

عقص الشّعر : هو جمعه في وسط الرّأس وشدّه ، قال في الصّحاح : عقص الشّعر ضفره وليّه على الرّأس كالكبّة (٤).

والقول بتحريمه في الصّلاة ، وإبطالها به هو قول الشّيخ (٥) ، لقول الصّادق‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣١٢.

(٢) سنن الترمذي ١ : ١٦٣ حديث ٢٥٨.

(٣) الذكرى : ١٩٨ ، سنن الترمذي ١ : ١٦٣ آخر حديث ٢٥٧.

(٤) الصحاح ( عقص ) ٣ : ١٠٤٦.

(٥) المبسوط ١ : ١١٩ ، النهاية : ٩٥.

٣٥٣

ويستحب التحميد إن عطس ، وتسميت العاطس ،

______________________________________________________

عليه‌السلام وقد سئل عن رجل صلّى الفريضة وهو معقوص الشّعر قال : « يعيد صلاته » (١). والأكثر على الكراهية للأصل ، ولضعف سند الرّواية.

ودعوى الشّيخ الإجماع على التّحريم (٢) غير متحققة ، فإنّ الأكثر على خلافه. وقد اتفقوا على اختصاص الحكم ـ بالتّحريم أو الكراهة ـ بالرّجل دون المرأة ، كما في الرّواية (٣) فلا كراهة في حقّ المرأة. والشارح الفاضل حكم بالتّحريم إن منع من السّجود (٤) ، وهو خروج عن المسألة ، ومع ذلك فيلزم استواء الرّجل والمرأة في الحكم.

قوله : ( ويستحبّ التّحميد إن عطس ).

ويصلّي على النّبي وآله عليهم‌السلام ، وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره ، قال في المنتهى : وهو مذهب أهل البيت عليه‌السلام (٥) روى الحلبي في الصّحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا عطس الرّجل فليقل : الحمد لله » (٦). وروى أبو بصير ، قال : قلت له : أسمع العطسة فأحمد الله وأصلي على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا في الصّلاة قال : « نعم ، وإن كان بينك وبين صاحبك اليمّ » (٧).

قوله : ( وتسميت العاطس ).

تسميت العاطس : ان يقول له : يرحمك الله بالسين والشّين جميعا قال : تغلب الاختيار بالسّين لأنّه مأخوذ من السّمت وهو القصد والمحجة قاله في الصّحاح. وقال أيضا : كلّ داع لأحد بخير فهو مسمت ، وإنّما استحبّ لأنّه دعاء (٨)

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٩ حديث ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٣٢ حديث ٩١٤.

(٢) الخلاف ١ : ١١١ مسألة ٢٠٢ كتاب الصلاة.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٩ حديث ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٣٢ حديث ٩١٤.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ١١٧.

(٥) المنتهى ١ : ٣١٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٦ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٧.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٦ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٨.

(٨) الصحاح ( سمت ) ١ : ٢٥٤.

٣٥٤

ونزع الخف الضيق.

ويجب ردّ السلام بغير عليكم السلام.

______________________________________________________

وقد سبق جوازه في الصّلاة.

والأمر بتسميت العاطس عام ، فيتناول حال الصّلاة. وتردّد فيه في المعتبر ، ثم اختار الجواز (١). ويظهر من كلام الأصحاب أنّه لا نصّ فيه بخصوصه ، وهل يجب على العاطس الرّد إذا سمّت؟ الظاهر لا ، لعدم كونه تحيّة شرعا.

قوله : ( ونزع الخف الضّيق ).

لما في لبسه من المنع عن التمكّن في السّجود ، وملازمة القيام على سمت واحد ، ولأنّه يسلب الخشوع. وإن شرع في الصّلاة كذلك ولزم من نزعه فعل كثير لم يجز النّزع.

قوله : ( ويجب ردّ السّلام بغير عليكم السّلام ).

هنا مباحث :

الأوّل : يجب ردّ السّلام إجماعا منا لعموم قوله تعالى ( فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (٢) ، ولموثقة عثمان بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرّجل يسلّم عليه في الصّلاة ، قال : « يردّ ، يقول : سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السّلام ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا ردّ لما سلّم عليه عمّار بن ياسر وهو في الصّلاة » (٣). وغير ذلك من الأخبار (٤).

الثّاني : يجب أن يرد بمثل قوله : سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السّلام لما‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٦٣.

(٢) النساء : ٨٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٦ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٨ حديث ١٣٤٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٩ حديث ١٣٤٩.

٣٥٥

______________________________________________________

في الرّواية السّالفة ، ولصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (١). ولا يرد أنّ ظاهر القرآن الجواز ، لأنّ المنع ثبت بالسنة. والظاهر أنّه لا أثر لزيادة الحرف ونقصه ، كما لو قال : سلام عليك فقال : سلام عليكم ، وعكسه مع احتمال المنع في العكس لأنّه أدون ، خصوصا إذا كان المسلّم جماعة.

الثّالث : لو سلم عليه بغير قوله : سلام عليكم ، قيل : لا يجوز إجابته إلاّ أن يقصد الدّعاء ويكون مستحقا ، إذ لا يعد تحية (٢) لأنّه خلاف ما نطق به القرآن (٣).

ويرده قول الباقر عليه‌السلام في رواية محمّد بن مسلم : « يقول مثل ما قيل له » (٤).

لا يقال : إن مقصوده عليه‌السلام قوله : سلام عليكم الوارد في الحديث ، وهو منطوق القرآن ، لأنا نقول : التّسليم الوارد في الحديث السّلام عليك ، وبه أجاب عليه‌السلام ، وليس هو منطوق القرآن.

الرّابع : يجب إسماعه تحقيقا أو تقديرا قضاء لحقه ، لأنه المفهوم من الأمر. ورواية عمّار السّاباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام باجزاء الردّ ، وإن لم يسمعه (٥) ، وكذا صحيحة منصور بن حازم ، عنه عليه‌السلام (٦) محمولتان على التقيّة. وكذا لا تكفي الإشارة عندنا لما قلناه ، واحتجاج الشّافعي ـ بواقعة ابن مسعود عند قدومه من الحبشة ، وعدم ردّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جواب سلامه ، وهو في الصّلاة (٧) ، وبرواية بلال وصهيب أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا سلم‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٩ حديث ١٣٤٩.

(٢) قاله المحقق في المعتبر ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(٣) النساء : ٨٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٩ حديث ١٣٤٩.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٠ حديث ١٠٦٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ حديث ١٣٦٥.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤١ حديث ١٠٦٥ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ حديث ١٣٦٦.

(٧) سنن البيهقي ٢ : ٢٤٨.

٣٥٦

______________________________________________________

عليه يشير بيده ـ (١) (٢) غير ثابت عندنا ، ولا ينهض معارضا لصريح القرآن.

الخامس : لا يجب أن يقصد بالرّد بالقرآن ، خلافا لظاهر كلام الشّيخ (٣) ، لأنّ في رواية محمّد بن مسلم السّالفة ما يدلّ عليه.

السّادس : لو ترك الردّ أثم قطعا ، وهل تبطل به الصّلاة؟ قيل : نعم ، للنّهي المقتضي للفساد (٤) ، وليس بشي‌ء ، إذ النّهي عن ترك الرّدّ وليس من الصلاة في شي‌ء.

وربّما قيل : إن أتى بشي‌ء من الأذكار في زمان الردّ بطلت ، لتحقق النّهي عنه ، وفيه منع ، وقد نبهنا على تحقيقه غير مرّة. ولو ردّ غيره اكتفى به ، لو كان مكلّفا.

وفي ردّ المميّز وجهان مبنيّان على الاعتداد بفعله شرعا ، والظاهر العدم ، أمّا غير المميّز ، فلا إشكال في العدم. ولو كان المسلّم مميزا ففي وجوب الرّد نظر للشّك في عد عبارته تحية ، ولعلّ الوجوب قريب. ولو ردّ بعد قيام مكلف بالواجب فالظاهر أنّه لا يضرّ ، لثبوت الشرعية في الجملة.

السّابع : لو حياه بغير السلام ، كالصباح والمساء ، ففي جواز ردّه تردّد ينشأ من التوقّف في كونه تحية شرعا ، وقد قيل : إنّه تحية الجاهلية ، وفي رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام انّه دخل عليه ، وهو في الصّلاة فقال : السّلام عليك ، فرد عليه بقوله : « السّلام عليك » ، فقال : كيف أصبحت ، فسكت (٥). وهو يؤذن بعدم جواز الرّدّ ، وأنّه لا يسمى تحيّة.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٥ حديث ١٠١٧ ، سنن الترمذي ١ : ٢٢٩ حديث ٣٦٥ ، ٣٦٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٥٩.

(٢) الأم ١ : ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٣) المبسوط ١ : ١١٩ ، النهاية : ٩٥.

(٤) قاله العلامة في المختلف : ١٥٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٩ حديث ١٣٤٩.

٣٥٧

ويحرم قطع الصلاة الواجبة اختيارا ، ويجوز لحفظ المال ، والغريم ، والطفل ، وشبهه ،

______________________________________________________

نعم لو رده بقصد الدّعاء ، أو دعا له ، جاز إذا كان مستحقّا.

الثّامن : لا يكره السّلام على المصلّي للأصل ، ولعموم ( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) (١) ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « إذا دخلت المسجد والنّاس يصلّون فسلّم عليهم » (٢).

قوله : ( ويحرم قطع الصّلاة الواجبة اختيارا ، ويجوز لحفظ المال والغريم والطفل وشبهه ).

لا ريب في تحريم قطع الصّلاة الواجبة اختيارا لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٣) ، والنهي للتّحريم ، ويجوز عند الضّرورة كردّ الآبق ، وقبض الغريم وقتل الحيّة الّتي يخافها على نفس محترمة ، ولإحراز المال المخوف ضياعه ، والدابة الّتي يخاف ذهابها أو المشقة في تحصيلها ، ولحفظ الصّبي الّذي يخاف وقوعه في النّار أو تردّيه في نحو بئر ، ولإنقاذ الغريق ونحوه.

ولو عرض له ما لا اختيار فيه كالنوم ، وسبق الحدث الأكبر أو الأصغر فلا حرج ، بخلاف ما لو تعمّده. ولو خشي من إمساكه ضررا على نفسه ، أو سريان النّجاسة إلى ثوبه أو بدنه ، وظنّ ذلك جاز القطع ، وفي رواية عبد الرّحمن بن الحجّاج ، عن أبي الحسن عليه‌السلام (٤) ما يدلّ على هذا ، وكذا في روايتي سماعة (٥) ، والسّكوني (٦) ما يدلّ على بعض ما سبق.

__________________

(١) النور : ٦١.

(٢) رواه في الذكرى : ٢١٨.

(٣) محمد (ص) : ٣٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٤ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ حديث ١٣٢٦ وفيه : عن عبد الله بن الحجاج مع اختلاف يسير.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٧ حديث ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤١ حديث ١٠٧١ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ حديث ١٣٦٠.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٣٣ حديث ١٣٧٥.

٣٥٨

وتعداد الركعات بالحصى ،

______________________________________________________

واعلم أنّ القطع تجي‌ء فيه الأحكام الخمسة ، فيجب لحفظ النّفس المحترمة عن التّلف ، وما في حكمه. وكذا المال المضر تلفه حيث يتعين عليه ذلك ، فان استمرّ حينئذ بطلت صلاته ، للنّهي المقتضي للفساد.

ويستحبّ في مواضع سبق بعضها في الأذان والقراءة ، ويأتي موضع في الجماعة.

ويباح لقتل الحيّة الّتي لا يخاف أذاها ، وإحراز المال الّذي لا يضرّ فواته ، قاله في الذّكرى ، وللنظر فيه مجال (١).

ويكره لإحراز المال اليسير الّذي لا يبالي بفواته ، قاله في الذّكرى أيضا (٢) ، واحتمل مع ذلك التّحريم.

وفي جواز هذا أيضا إشكال ، وقد سبق تحريم القطع. وإذا أراد القطع في موضع جوازه ، قال أيضا : فالأجود التحلّل بالتّسليم ، لعموم : « وتحليلها التّسليم » (٣).ثم اعترف في آخر كلامه بعدم الإثم بتركه ، محتجا بأن وجوب التحلل به إنّما هو في الصّلاة التامة (٤). ولو ضاق الوقت عن الإتيان به ، فلا بحث في عدم وجوبه.

واعلم أنّ قوله المصنّف : ( ويجوز لحفظ المال والغريم ... ) ، كما يصلح للإباحة يصلح للوجوب وقسيميه ، لأنّ الجائز بمعنى السّائغ جنس للأربعة.

قوله : ( وتعداد الرّكعات بالحصى ).

قد سبق التّنبيه على ذلك ، لكن بقي شي‌ء وهو أنّه لو شكّ في عدد الرّكعات ، هل يجوز له التعويل في عددها على ما عدّها به من الحصى وغيره؟ الظاهر لا ، لعدم الدّليل ، وفائدة العدّ به الاستعانة على التذّكر وعدم غلبة النّسيان.

__________________

(١) الذكرى : ٢١٥.

(٢) الذكرى : ٢١٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ حديث ٢٧٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٦ حديث ٦١ ، سنن الترمذي ١ : ٥ حديث ٣ ، سنن الدارمي ١ : ١٧٥ ، مسند أحمد ١ : ١٢٣.

(٤) الذكرى : ٢١٥.

٣٥٩

والتبسم ، وقتل الحية والعقرب ، والإشارة باليد ، والتصفيق ، والقرآن.

______________________________________________________

قوله : ( والتّبسم ).

أي : يجوز لكن يكره ، وقد سبق.

قوله : ( وقتل الحيّة ، والعقرب ).

لورود النصّ بالأمر به (١) ، وقد سبق في الكلام ما يدلّ على موضع وجوبه وجوازه وتحريمه.

قوله : ( والإشارة باليد ، والتصفيق ، والقرآن ).

إذا عرض للرّجل أو المرأة حاجة ، فله الإيماء بيده ، وتصفيق إحدى يديه بالأخرى ، وضرب الحائط ، والتّسبيح ، والتكبير ، وأن يتلو شيئا من القرآن مجيبا لغيره ، أو مبتدئا له بالخطاب ، سواء نبه الإمام بذلك أم غيره ، ذكره بعض العامة (٢). والتّسبيح للمرأة ، وقصرها على التصفيق في حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام انّه سئل عن الرّجل يريد الحاجة وهو في الصّلاة فقال : « يومئ برأسه ، ويشير بيده ، والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي تصلّي تصفّق بيدها » (٣). ورخص عليه‌السلام في ضرب الحائط للمصلّي ليوقظ الغلام (٤) ، وكذا في رفع الصّوت بالتّسبيح لتأتي الجارية فيريها بيده أن على الباب إنسانا يستأذن (٥).

وربّما اعتبر بعضهم في التّصفيق ضرب ظهر إحدى الرّاحتين على بطن الأخرى ، فرقا بينه وبين التّصفيق للهو واللعب (٦) ، ووجوبه بعيد لفقد الدّليل.

وهل تعد إشارة الأخرس كلاما ، نظرا إلى أنّه لو أشار بالسّلام وجب الردّ‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤١ حديث ١٠٦٧ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ حديث ١٣٥٧.

(٢) انظر : سنن الترمذي ١ : ٢٣٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٥ حديث ٧ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ حديث ١٠٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ حديث ١٣٢٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٣ حديث ١٠٨٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٢ حديث ١٠٧٧.

(٦) هو العلامة في نهاية الأحكام ١ : ٥١٧.

٣٦٠