جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

والجاهل يأتي منه بقدر ما يعلمه مع التضيق ، ثم يجب التعلّم مع السعة.

ويستحب التورك ، وزيادة التحميد والدعاء والتحيات ، ولا تجزئ الترجمة ، فإن جهل العربية فكالجاهل ،

______________________________________________________

عندهم لتشهّده ، وكما يجب ذلك في تشهّد الصّلاة الواجبة يشترط في تشهّد المندوبة.

قوله : ( والجاهل يأتي منه بقدر ما يعلمه مع التضيق ، ثم يجب التعليم مع السّعة ).

لأنّ « الميسور لا يسقط بالمعسور » ولو لم يعلم شيئا سقط.

قوله : ( ويستحبّ التّورك وزيادة التّحميد والدّعاء والتحيّات ).

أمّا التّورك فيستحبّ مطلقا وقد سبق تفسيره ودليله ، وأمّا زيادة التّحميد فإنه وإن استحب في التشهد الأوّل ، إلاّ أنّه في الثّاني أكثر ، والتحيّات مختصّة بالثّاني ، والتسمية مستحبّة فيهما كما ورد في رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

قوله : ( ولا تجزئ التّرجمة ، فإن جهل العربيّة فكالجاهل ).

أما عدم إجزاء التّرجمة فلوجوب التّأسي بصاحب الشّرع عليه‌السلام ، فان جهل العربيّة وجب التّعلم ، فان ضاق الوقت أتى بالممكن كالجاهل بأصل التشهّد.

فرع : يستحبّ عند القيام إلى الثّالثة أن يقول : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ، ولا يحتاج إلى التكبير خلافا للمفيد ، فإنّه استحبّ التكبير هنا وأسقطه من القنوت ، فيكون التّكبير في الخمس عنده أربعا وتسعين (٢) ، وعند الأصحاب خمس وتسعون ـ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ حديث ٣٧٣.

(٢) المقنعة : ١٦.

٣٢١

ويجوز الدعاء بغير العربية مع القدرة ، أمّا الأذكار الواجبة فلا.

______________________________________________________

وبه وردت حسنة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) وغيرها (٢) بإضافة تكبيرة الإحرام والقنوت. ودلّ على استحباب قول بحول الله وقوّته ، صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) وغيرها (٤).

قوله : ( ويجوز الدّعاء بغير العربيّة مع القدرة ، أمّا الأذكار الواجبة فلا ).

أمّا الأذكار فإنّما لم يجز لوجوب التّأسي فيها ، ولعدم تيقن البراءة منها لو كانت غير عربية ، وأمّا جواز الدّعاء فلما روي عن أبي جعفر الثّاني عليه‌السلام أنّه قال : « لا بأس أن يتكلم الرّجل في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربّه عزّ وجلّ » ، رواه ابن بابويه (٥). ولقول الصّادق عليه‌السلام « كل ما ناجيت به ربّك فليس بكلام » (٦) ، أي : بكلام مبطل ، وبهذا القول صرّح جمع من الأصحاب (٧).

ونقل الأصحاب ، عن سعد بن عبد الله ـ من فقهائنا ـ عدم جوازه مع القدرة (٨) وهو المتجه ، لأنّ كيفيّة العبادة متلقاة من الشّرع كالعبادة ، ولم يعهد مثل ذلك خصوصا إذا كان الدّعاء في المسجد ، إلاّ أنّ الشّهرة بين الأصحاب ـ حتّى أنّه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد المذكور ـ مانعة من المصير إليه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٠ حديث ٥ ، ٢ التهذيب ٢ : ٨٧ حديث ٣٢٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٠ حديث ٦ ، ٢ : ٨٧ التهذيب ٢ : ٨٧ حديث ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ حديث ١٢٦٥ ، ١٢٦٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٨ حديث ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ حديث ٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٧ حديث ١٢٦٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٨ حديث ١٠ ، التهذيب ٢ : ٨٨ ، ٨٩ حديث ٣٢٧ ، ٣٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ حديث ١٢٦٨ ، ١٢٦٩.

(٥) الفقيه ١ : ٢٠٨ حديث ٩٣٦.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠٨ حديث ٩٣٩.

(٧) منهم : ابن بابويه في الفقيه ١ : ٢٠٨ ذيل حديث ٩٣٥.

(٨) نقله عنه ابن بابويه في الفقيه ١ : ٢٠٨ ذيل حديث ٩٣٥ ، والشهيد في الذكرى : ١٨٥.

٣٢٢

خاتمة :

الأقوى عندي استحباب التسليم بعد التشهد ، وصورته : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أو السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ويجوز الجمع.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة : الأقوى عند استحباب التّسليم بعد التشهّد وصورته : السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته أو السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. ويجوز الجمع ).

اختلف الأصحاب في التّسليم ، هل هو واجب ، أو مستحبّ؟ فقال المرتضى (١) ، وأبو الصّلاح (٢) ، وجمع من الأصحاب بالوجوب (٣) ، بل صرح السيّد بأنّه ركن ، وقال الشيخان (٤) ، وابن البرّاج (٥) ، وابن إدريس بالاستحباب (٦) ، واختاره المصنّف هنا ، وفي أكثر كتبه (٧) ، واختار في المنتهى الأوّل (٨).

ثم القائلون بالوجوب منهم من عيّن السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته للخروج (٩) ، ومنهم من عين السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين (١٠) ، ومنهم من خيّر بين الصّيغتين (١١).

احتجّ القائلون بالوجوب بوجوه :

الأوّل : قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « مفتاح الصّلاة الطّهور ، وتحريمها‌

__________________

(١) نقل قوله العلامة في المختلف : ٩٧.

(٢) الكافي في الفقه : ١١٩.

(٣) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٢٣٣ ، والشهيد في الذكرى : ٢٠٥.

(٤) المفيد في المقنعة : ٢٣ ، والطوسي في التهذيب ٢ : ١٥٩ ، والاستبصار ١ : ٣٤٥.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٩٧.

(٦) السرائر : ٤٨.

(٧) التذكرة ١ : ١٢٧ ، المختلف : ٩٧ ، تحرير الأحكام ١ : ٤١.

(٨) المنتهى ١ : ٢٩٥.

(٩) منهم : أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١١٩.

(١٠) منهم : يحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع : ٨٤.

(١١) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٢٣٤.

٣٢٣

______________________________________________________

التّكبير ، وتحليلها التّسليم » (١) ، ووجه الاستدلال به : أن التّسليم وقع خبرا عن التّحليل ، لأنّ هذا من المواضع الّتي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر لكونهما معرفتين ، وحينئذ فيجب كونه مساويا للمبتدإ أو أعمّ منه ، فلو وقع التّحليل بغيره كان المبتدأ أعم ، ولأنّ الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ بمعنى تساويهما في الصّدق لا المفهوم ، كذا قرّره في المعتبر (٢).

واحتج بوجه آخر وهو : أنّ تحليلها مصدر مضاف إلى الصّلاة ، فيعم كل تحليل يضاف إليها ، ووجه الحصر في المختلف بأنّ تقديم الخبر يدلّ على حصره في الموضوع (٣) ، فكأنه يرى أن إضافة المصدر إلى معموله إضافة غير محضة كإضافة الصفة إلى معمولها ، وليس بمرضي عند المحقّقين من أهل العربيّة.

وجوابه : أوّلا بضعف هذا الحديث ، فإنّ الأصحاب لم يرووها مسندة وإن كانت من المشاهير ، فان المراسيل لا تنهض دليلا.

وثانيا : بمعارضته بما هو أقوى منه سندا ودلالة (٤) ، وسيأتي.

وثالثا : بأنّه متروك الظّاهر ، فانّ التّحليل ليس نفس التّسليم ، فلا بدّ من إضمار ، ولا دليل على تعين ما يقتضي الوجوب.

فان قلت : يراد بالمصدر هنا اسم الفاعل مجازا.

قلنا : المجاز والإضمار متساويان ، فلا يتعين أحدهما.

ودعوى وجوب انحصار المبتدأ في الخبر غير واضحة ، وما بين به غير تام ، فإنّه كما يجوز الإخبار بالمساوي والأعمّ مطلقا يجوز الإخبار بالأعم من وجه ، كما في قولك : زيد قائم ، وبالأخص مطلقا ، كقولك : حيوان يتحرّك كاتب.

ومنشأ ذلك كله : أنّ المراد بالأخبار : الإسناد في الجملة لا دائما ، وبهذا علم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٩ حديث ٢ ، باختلاف يسير ، سنن الترمذي ١ : ١٥١ حديث ٢٣٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٣٣.

(٣) المختلف : ٩٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٩ حديث ٣٧٣.

٣٢٤

______________________________________________________

أنّه لا يجب تساوي المفردين في الصدق ، ولا في المفهوم.

الثّاني : مداومة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم‌السلام على فعله ، ويمكن الاحتجاج بظاهر قول الصّادق عليه‌السلام في موثقة أبي بصير بعد أن ذكر التشهّد « ثم يسلم » (١) ، و: لأمر يقتضي الوجوب.

وجوابه : أن المداومة أعم من الوجوب ، وليس ذلك بأبلغ من المداومة على رفع اليدين بتكبيرة الإحرام ونحوه ، ثم يقال : من الّذي تتبع فعلهم عليهم‌السلام فعلم أنّهم لم يتركوا التّسليم أصلا ، وظاهر الرّواية معارض بما هو أقوى منه دلالة (٢).

الثّالث : شي‌ء من التّسليم واجب ، لقوله تعالى ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) والأمر للوجوب ، ولا شي‌ء منه في غير الصّلاة بواجب ، فيجب في الصّلاة.

وجوابه : عدم الدلالة على المدّعى ، لأنّ الأمر لا يقتضي التّكرار مع أنّ ظاهر الآية يقتضي أنّ المراد التّسليم على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو غير المدّعى.

الرّابع : لو لم يجب التّسليم لما بطلت صلاة المسافر بالإتمام والتالي باطل ، فالمقدم مثله ، والملازمة ظاهرة.

وجوابه : المنع من الملازمة ، فإنّ فعل الركعتين بقصد الإتمام يقتضي الزيادة في الصّلاة ، فالبطلان لذلك لا لعدم التّسليم.

احتج الآخرون بأن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعلّمه الأعرابي المسي‌ء في صلاته (٤) ، فلا يكون واجبا.

وبصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام وقد سأله عن الرّجل يحدث قبل التّسليم؟ قال : « تمت صلاته » (٥) ، ولو كان التّسليم واجبا لوجبت الإعادة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ حديث ٣٧٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٠ حديث ١٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ حديث ١٣٠١.

(٣) الأحزاب : ٥٦.

(٤) الذكرى : ١٩٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٠ حديث ١٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ حديث ١٣٠١.

٣٢٥

______________________________________________________

وقد احتج بصحيحته أيضا ، عنه عليه‌السلام في رجل صلّى خمسا قال : « إن كان جلس في الرّابعة قدر التشهّد تمت صلاته » (١) ، ولو كان واجبا لبطلت الصلاة بالزّيادة قبل تمامها.

ولحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا ، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد » (٢) ، ولو كان التّسليم واجبا لاعتبر فعله أيضا في عدم الإعادة ، مع أنّ الأصل عدم الوجوب. هذا خلاصة احتجاج الفريقين.

ولا يخفى أنّ بعض هذه الرّوايات الأخيرة (٣) لا يقبل التّأويل إلاّ مع ارتكاب شطط ، مع أن سندها أوضح من سند الرّوايات الأول (٤) ، وأجلاء الأصحاب عاملون بمقتضاها (٥) ، فلا جرم القول بالاستحباب أرجح ، وإن كان القول بالوجوب أحوط ، ولا محذور فيه بوجه من الوجوه ، لأنّ التّسليم يقع آخر الصّلاة ، فلا يتصوّر بذلك فساد.

فروع :

أ : يظهر من عبارة السّيد (٦) ، وأبي الصّلاح تعيّن : السلام عليكم للخروج دون : السّلام علينا (٧) ، ولا ريب أنّه أحوط بناء على القول بالوجوب ، لأنّ في موثقة أبي بصير ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حكاية التشهّد بعد ذكر السلام على الأنبياء والملائكة ـ : السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين ثم يسلم (٨) ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٤ حديث ٧٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٧ حديث ١٤٣١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٥ حديث ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ حديث ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ حديث ١٥٤٧.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٤ ، ٣٢٠ ، ٣٢٣ حديث ٧٦٦ ، ١٣٠٦ ، ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٧٧ حديث ١٤٣١.

(٤) الكافي ٣ : ٦٩ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٩ حديث ٣٧٣.

(٥) منهم : المفيد في المقنعة : ٢٣ ، والشيخ في النهاية : ٨٩ ، وابن إدريس في السرائر : ٤٨.

(٦) جمل العلم والعمل : ٦٢.

(٧) الكافي في الفقه : ١١٩.

(٨) التهذيب ٢ : ٩٩ حديث ٣٧٣.

٣٢٦

______________________________________________________

ومقتضاه أنّ التّسليم المأمور به غير هذه العبارة.

ب : نقل في الذّكرى عبارة الشّيخ يحيى بن سعيد (١) (٢) ، وظاهرها تعيّن : السّلام علينا للخروج ، وضعفه ظاهر.

ج : خيّر نجم الدّين أبو القاسم بن الصّيغتين (٣) ، وقال في الذّكرى : إنّه قويّ متين لولا أنّه قول محدث ، والأخبار لا تساعد عليه (٤) (٥).

د : ظاهر عبارة المرتضى : أنّ التّسليم ركن (٦) ، وهو ضعيف ، ولعله نظر إلى بطلان الصّلاة بالإخلال به عمدا وسهوا ، وتحقيقه : إنّ البطلان بوقوع المنافي في أثناء الصّلاة لا بالإخلال بالتّسليم ، لعدم التحلل بدونه على القول بالوجوب.

هـ : قال في الذّكرى : إنّ تأخير السّلام علينا عن السّلام عليكم لم يأت به خبر منقول ، ولم يوجد في مصنف مشهور ، سوى ما في بعض كتب المحقّق (٧) ، وهو أعلم بما ادعاه ، وحديث أبي بصير يشهد له ، فان ظاهره أن السّلام علينا محسوب مع السّلام المستحبّ ، وهو السّلام على الأنبياء والملائكة (٨).

و: على القول بوجوب التّسليم يجب فيه ما يجب في التّشهد من الجلوس بقدره مطمئنّا اختيارا ، وعربيته مع القدرة أو إمكان التعلّم ، ومراعاة المنقول ، فلو نكّر السّلام ، أو اقتصر على بعضه لم يجزئ ، خلافا للمحقّق ، ودعواه صدق التّسليم عليه متوقفة على الدّليل ، وكذا لو جمع الرّحمة أو وحد البركات ونحو ذلك.

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٨٤.

(٢) الذكرى : ٢٠٦.

(٣) المعتبر ٢ : ١٣٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٩ ، ٣١٦ ، ٣١٧ حديث ٣٧٣ ، ١٢٩٢ ، ١٢٩٧ ، وللمزيد انظر : الوسائل ٤ : ١٠٠٧ باب ٢ : من أبواب التسليم.

(٥) الذكرى : ٢٠٨.

(٦) الانتصار : ٤٧.

(٧) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

(٨) الذكرى : ٢٠٨.

٣٢٧

ويسلّم المنفرد إلى القبلة مرة ، ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه ، والإمام بصفحة وجهه ، وكذا المأموم ، ولو كان على يساره أحد سلّم ثانية يومئ بصفحة وجهه عن يساره ، ويومئ بالسلام على من على ذلك الجانب من الملائكة ، ومسلمي الإنس والجن ، والمأموم ينوي بأحدهما الإمام ،

______________________________________________________

وهل تجب نية الخروج به من الصّلاة؟ فيه تردّد ينشأ من احتمال كونه جزءا فتشتمل عليه نية الصّلاة ، وعدمه ، فعلى الأوّل لا تجب ، وعلى الثّاني يتجه الوجوب.

ولأنّه محلل ، فيحتاج إلى النية كالمحلل في الحجّ والعمرة ، ويضعف بأصالة البراءة ، وأنّ نية الصّلاة تتناوله ، وإن لم يكن جزءا ، لأنّ مقتضاها نية فعل الصّلاة بتمامها الّذي لا يمكن بدون التّسليم.

والفرق بين الصّلاة والحجّ ظاهر ، لأنّها تعد فعلا واحدا لارتباط بعضها ببعض ، ولهذا تفعل بنية واحدة ، ولا تصح إلاّ كذلك بخلاف الحجّ لانفصال كل فعل عن الآخر ، واحتياجه إلى نية بالاستقلال.

قوله : ( ويسلّم المنفرد إلى القبلة مرة ، ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه ، والإمام بصفحة وجهه ، وكذا المأموم ، ولو كان على يساره أحد سلّم ثانية يومئ بصفحة وجهه عن يساره ، ويومئ بالسّلام على من على ذلك الجانب من الملائكة ، ومسلمي الإنس والجنّ ، والمأموم ينوي بأحدهما الإمام ).

المصلّي حال التّسليم إما منفرد ، أو إمام ، أو مأموم ، فالمنفرد والإمام كلّ منهما يسلم مرة واحدة إلى القبلة ، إلاّ أنّ المنفرد يومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه.

أما تسليمه إلى القبلة مرّة فلما روي صحيحا ، عن عبد الحميد بن عواض ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة » (١).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٢ حديث ٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ حديث ١٣٠٣.

٣٢٨

______________________________________________________

وأمّا الإشارة بمؤخّر عينيه إلى يمينه فذكره الشّيخ في النّهاية (١) ، وربّما احتج له بما رواه البزنطي ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك » (٢) ، وفي الدلالة على ذلك تكلّف.

والإمام بصفحة وجهه ، لأنّ في رواية عبد الحميد السّالفة : « إن كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك » (٣).

ويدلّ على أنّه يكون مستقبل القبلة ، قول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي بصير في سياق الإمام : « ثم تؤذن القوم وأنت مستقبل القبلة السّلام عليكم » (٤) ، وفي التأليف بين الرّوايتين بعد ، لأنّ مقتضى الاولى كون التّسليم عن اليمين.

وقال ابن الجنيد : إن كان الإمام في صفّ سلم عن جانبيه (٥) ، وفي بعض الأخبار ما يدلّ عليه (٦) ، والمشهور الأوّل.

وأمّا المأموم فإنّه يسلّم عن يمينه مرّة إن لم يكن على يساره غيره ، وإلاّ سلّم مرتين عن يمينه ويساره بصيغة السّلام عليكم ، لرواية عبد الحميد السّالفة : « وإن كنت مع إمام فتسليمتين » ، وفي هذه الرّواية : « وإن لم يكن على يسارك أحد فسلم واحدة ».

وجعل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافيا في استحباب التّسليمتين للمأموم (٧) ، ومثل ذلك لا يصدر عن الرأي ، فلا بأس باتباعهما للتسامح في مدارك المندوبات.

ويستحبّ للإمام القصد بالتّسليم إلى الأنبياء ، والأئمة ، والحفظة ،

__________________

(١) النهاية : ٧٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٣٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٣ حديث ٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ حديث ١٣٠٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٣ حديث ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ حديث ١٣٠٧.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ٢٠٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٣١٧ حديث ١٢٩٧.

(٧) الفقيه ١ : ٢١٠.

٣٢٩

______________________________________________________

والمأمومين لذكر أولئك ، إذ يستحبّ السّلام عليهم وحضور هؤلاء.

ويقصد المأموم بالأولى : الرّد على الإمام استحبابا ، واحتمال الوجوب ضعيف جدا ، إذ لا يعد تسليم الصّلاة تحية ، وبالثّانية : الأنبياء والأئمة والحفظة.

والمأمومين والمنفرد كذلك ، إلاّ في قصد المأمومين ، ذكر نحوا من ذلك في الذّكرى ، قال : ولو أضاف الجميع الى ذلك قصد الملائكة أجمعين ، ومن على الجانبين من مسلمي الجن والانس كان حسنا (١).

والّذي يظهر من عبارة الكتاب اشتراك الإمام والمأموم والمنفرد في قصد السّلام على من على ذلك الجانب من غير تعيين دون من عداهم ، واختصاص المأموم بالرّدّ على الإمام بإحدى التّسليمتين ، والمناسب أن يريد بها الاولى ، ولم نظفر بنقل في ذلك سوى ما في عبارة بعض الأصحاب. (٢).

وهنا بحث وهو : أن المعقول من استحباب الإيماء إلى اليمين بالتّسليم للإمام والمأموم هو صدور ذلك في حال التّلفظ به ، وكذا إيماء المنفرد بعينه.

والّذي يظهر من عبارة الذّكرى خلاف ذلك ، فإنّه قال : لا إيماء إلى القبلة بشي‌ء من صيغتي التّسليم المخرج من الصّلاة بالرّأس ، ولا بغيره إجماعا ، وإنّما المنفرد والامام يسلمان تجاه القبلة بغير إيماء ، وامّا المأموم فالظاهر أنّه يبتدأ به مستقبل القبلة ثم يكمله إلى الجانب الأيمن أو الأيسر (٣).

هذا كلامه ، وظاهره المخالفة بين الإمام والمنفرد فعلى ما ذكره يكون الإيماء لهما بعد الفراغ من التّسليم ، لكنه خلاف المفهوم من الإيماء بالتّسليم.

ولا يقال : إنّ التّسليم من الصّلاة ـ على ما صرّح به جمع من الأصحاب ـ (٤) والالتفات فيها مكروه ، لأنّ هذا مستثنى بالنّص.

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٩.

(٢) منهم : الشيخ في النهاية : ٧٢ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٢٣٧ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٩٧.

(٣) الذكرى : ٢٠٩.

(٤) منهم : المرتضى في جمل العلم والعمل : ٦٢ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١١٩ ـ ١٢٠ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٢٣٧ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٩٧.

٣٣٠

ثم يكبر ثلاثا رافعا يديه بها.

ويستحب القنوت في كل ثانية

______________________________________________________

قوله : ( ثم يكبّر ثلاثا رافعا بها يديه ).

إلى شحمتي أذنيه ، ويضعهما في كلّ مرّة إلى أن تبلغا فخذيه أو قريبا منهما ، قاله الأصحاب ، وليكن ذلك قبل أن يثني رجليه ، ذكره في المنتهى (١) ثم يكمل تعقيبه ، وهذا محلّ ذكر التّعقيب ، إلاّ أن المصنّف أخره إلى آخر البحث.

قوله : ( ويستحبّ القنوت في كلّ ثانية ).

القنوت لغة : الخضوع لله والطاعة والدّعاء ، ويراد به هنا : دعاء مخصوص في موضع معيّن من الصّلاة ، وأكثر الأصحاب على استحبابه ، لصحيحة البزنطي ، عن الرّضا عليه‌السلام : « إن شئت فاقنت ، وإن شئت لا تقنت » (٢) ، وغيرها من الأخبار (٣).

وقال ابن بابويه بوجوبه (٤) ، لظاهر قوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٥) ، ولنحو خبر وهب ، عن الصّادق عليه‌السلام : « من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » (٦).

والدلالة غير ظاهرة ، لأنّ القنوت يرد بمعنى الطّاعة والدّعاء ، فلا يتعيّن حمله على موضع النّزاع ، والمنفي في الحديث ونحوه الكمالية جمعا بين الأخبار.

واستحبابه في ثانية جميع الصّلوات من فرض ونفل ، لصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « القنوت في كلّ صلاة في الرّكعة الثّانية قبل الرّكوع » (٧) ، وفي موثقة محمّد بن مسلم ، عنه عليه‌السلام قال : « القنوت في كلّ‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٠١.

(٢) التهذيب ٢ : ٩١ حديث ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ حديث ١٢٨١.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٠ حديث ٣٣٦ ، وللمزيد انظر : الوسائل ٤ : ٩٠١ باب ٤ من أبواب القنوت.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٧.

(٥) البقرة : ٢٣٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٩ حديث ٦.

(٧) الكافي ٣ : ٣٤٠ حديث ٧ ، التهذيب ٢ : ٨٩ حديث ٣٣٠.

٣٣١

قبل الركوع بعد القراءة ، والناسي يقضيه بعد الركوع ،

______________________________________________________

ركعتين من التطوّع والفريضة » (١).

قوله : ( قبل الرّكوع بعد القراءة ، والناسي يقضيه بعد الرّكوع ).

لا خلاف في أنّ القنوت بعد القراءة وقبل الرّكوع ، إلاّ في الجمعة فإن الأشهر أن القنوت فيها متعدد ، ففي الأولى قبل الرّكوع ، وفي الثّانية بعده لرواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « كلّ قنوت قبل الرّكوع إلاّ الجمعة ، فإن الرّكعة الأولى فيها قبل الرّكوع ، وفي الأخيرة بعد الرّكوع » (٢).

وقيل : إنّه قبل الرّكوع فيهما (٣) ، وقيل : إنّ القنوت فيها واحد ، وإنّ بعد الرّكوع وقيل : واحد قبل الرّكوع في الاولى (٤) ، والعمل على المشهور.

والقنوت في مفردة الوتر بعد القراءة قبل الرّكوع كغيرها ، لرواية معاوية بن عمّار ، عن الصّادق عليه‌السلام (٥) وإن استحب الدّعاء بعد الرّكوع ، للرواية عن الكاظم عليه‌السلام بذلك (٦) ، وقد سمّاه في المعتبر (٧) والمنتهى : قنوتا (٨) ، ولا مشاحة فيكون القنوت فيها قبل الرّكوع وبعده.

ولو نسي القنوت قبل الرّكوع؟ قال الشّيخ (٩) وكثير من الأصحاب : يقضيه بعده (١٠) ، ولو لم يذكر حتّى ركع في الثّالثة قضاه بعد الفراغ : وفي صحيحة محمّد بن مسلم ، وزرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في الرّجل ينسى القنوت حتى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٠ حديث ١٥ ، الفقيه ١ : ٢٠٧ حديث ٩٣٤ ، التهذيب ٢ : ٩٠ حديث ٣٣٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٠ حديث ٣٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ حديث ١٢٧٥.

(٣) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٩٨ : هو مذهب الحسن والتقي.

(٤) قاله العلامة في المختلف : ١٠٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٠ حديث ١٣.

(٦) علل الشرائع : ٣٦٤ حديث ٣.

(٧) المعتبر ٢ : ٢٣٨.

(٨) المنتهى ١ : ٢٩٨.

(٩) المبسوط ١ : ١١٣ التهذيب ذيل حديث ٦٢٧.

(١٠) منهم : ابن بابويه في الفقيه ١ : ٣١٢ ذيل حديث ١٤٢١ ، والشهيد في الذكرى : ١٨٤.

٣٣٢

وآكده في الغداة والمغرب ، وأدون منه الجهرية ، ثم الفريضة مطلقا ،

______________________________________________________

يركع؟ قال : « يقنت بعد الرّكوع ، فان لم يذكر فلا شي‌ء عليه » (١) ، وعن أبي بصير قال : سمعته يذكر عند أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في الرّجل إذا سها في القنوت ـ : « قنت بعد ما ينصرف وهو جالس » (٢) ، أي : بعد ما ينصرف من الصّلاة ، وهل يعد قضاء؟ ظاهر قول المصنّف : ( يقضيه ) ذلك ، وتردّد في المنتهى (٣) ، وليس في الأخبار ما يدلّ عليه.

ولعل المراد بقضائه : فعله ، كما في قوله تعالى ( فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ ) (٤) وما يوجد في بعض الأخبار من نفي قضائه للناسي (٥) محمول على أنّ المراد نفي الوجوب ، وروى زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام في ناسي القنوت وهو في الطريق؟ قال : « يستقبل القبلة ثم ليقله ، إنّي لأكره للرّجل أن يرغب عن سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يدعها » (٦) أوردها في الذّكرى (٧) ولا بأس بالمصير إليها.

قوله : ( وآكده في الغداة والمغرب ، وأدون منه الجهريّة ، ثم الفريضة مطلقا ).

أما تأكده في الغداة والمغرب فلصحيحة سعد بن سعد الأشعري ، عن الرّضا عليه‌السلام قال : « ليس القنوت إلاّ في الغداة ، والوتر ، والجمعة ، والمغرب » (٨) وهي محمولة على التأكيد.

وينبغي أن يكون المراد بقوله : ( وآكده ) من الخمس ، وإلاّ لم تنهض هذه دليلا.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٠ حديث ٦٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ حديث ١٢٩٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٠ حديث ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ حديث ١٢٩٨.

(٣) المنتهى ١ : ٣٠٠.

(٤) البقرة : ٢٠٠.

(٥) التهذيب ٢ : ١٦١ حديث ٦٣٢ ، ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ حديث ١٢٩٩ ، ١٣٠٠.

(٦) الكافي ٣ : ٣٤٠ حديث ١٠.

(٧) الذكرى : ١٨٤.

(٨) التهذيب ٢ : ٩١ حديث ٣٣٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ حديث ١٢٧٩.

٣٣٣

والدعاء فيه بالمنقول.

ويجوز الدعاء فيه ، وفي جميع أحوال الصلاة بالمباح للدين والدنيا ، ما لم يخرج به عن اسم المصلّي

______________________________________________________

وأمّا كون الاستحباب أقل تأكيدا في الجهرية ، فللرواية السّالفة مع موثقة سماعة ، قال : سألته عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال : « كلّ شي‌ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت » (١) ، ولمّا كان المستحبّ في الفريضة آكد منه في النّافلة كان استحباب القنوت في الفريضة بعد ما ذكر أشد تأكيدا ، والظاهر استثناء الوتر للحديث السّابق.

قوله : ( والدّعاء فيه بالمنقول ، ويجوز الدّعاء فيه وفي جميع أحوال الصّلاة بالمباح للدّين والدّنيا ، ما لم يخرج به عن اسم المصلّي ).

أفضل ما يقال في القنوت الدعاء المأثور عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام وقد صرّح الشّيخ (٢) وجماعة بأفضلية كلمات الفرج (٣) ، وفي صحيحة سعد بن أبي خلف ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يجزئك في القنوت : اللهمّ اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنّا في الدّنيا والآخرة ، والآخرة ، انّك على كلّ شي‌ء قدير » (٤).

ويجوز الدّعاء فيه بما سنح للدّين والدّنيا ، لما رواه إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت وما يقال فيه؟ فقال : « ما قضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئا مؤقتا » (٥).

ويشترط فيه كونه مباحا ، أي : مأذونا فيه ، فلو دعا بالمحرّم أبطل صلاته. ويجوز الدّعاء فيه للمؤمنين عموما وبأسمائهم ، فعن أبي الدّرداء قال : إنّي لأدعو في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٩ حديث ٣٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ حديث ١٢٧٤.

(٢) المبسوط ١ : ١١٣.

(٣) منهم : ابن البراج في المهذب ١ : ٩٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٤٨ ، والشهيد في الذكرى : ١٨٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٠ حديث ١٢ ، التهذيب ٢ : ٨٧ حديث ٣٢٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٠ حديث ٨ ، التهذيب ٢ : ٣١٤ حديث ١٢٨١.

٣٣٤

______________________________________________________

صلاتي لسبعين أخا من إخواني بأسمائهم وأنسابهم ، ولم ينكر عليه أحد (١). وكذا يجوز الدّعاء فيه على الكفرة والمنافقين ، ففي صحيحة عبد الله بن سنان ، عن الصّادق عليه‌السلام قال : « تدعو في الوتر على العدوّ ، وإن شئت سمّيتهم » (٢).

وروي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « اللهمّ أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعيّاش بن ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين ، واشدد وطأتك على مضر ، ورعل ، وذكوان » (٣).

وقنت أمير المؤمنين عليه‌السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى الأشعري ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية ، وأبي الأعور وأشياعهم (٤) وروي : انّه لعن الأربعة في قنوته (٥).

ويستحبّ إطالة القنوت ، فقد ورد عنهم عليهم‌السلام : « أفضل الصّلاة ما طال قنوتها » (٦) ، وعن الصّادق عليه‌السلام : « صلّ يوم الجمعة الغداة بالجمعة والإخلاص ، واقنت في الثّانية بقدر ما قمت في الرّكعة الاولى » (٧). وكذا يجوز الدّعاء بالمحلّل ، في جميع أحوال الصّلاة لنفسه ولغيره ، روى معاوية بن عمّار قال : قلت للصّادق عليه‌السلام : رجلان افتتحا الصّلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه ، ودعاء الآخر أكثر من تلاوته ، ثم انصرفا في ساعة واحدة أيّهما أفضل قال : « كلّ فيه فضل ، كلّ حسن » ، قلت : إنّي قد علمت أن كلاّ حسن ، وأن كلاّ فيه فضل فقال : « الدّعاء أفضل ، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ ( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ ) (٨) الاية ، هي والله العبادة ، هي والله أفضل ،

__________________

(١) الذكرى : ١٨٥.

(٢) الفقيه ١ : ٣٠٩ حديث ١٤١٠ ، التهذيب ٢ : ١٣١ حديث ٥٠٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٣٣ ، سنن البيهقي ٢ : ١٩٧.

(٤) كنز العمال ٨ : ٨٢ حديث ٢١٩٨٩ نقلا عن ابن أبي شيبة برمز ( ش ).

(٥) الأصول الستة عشر : ٨٨ محمد بن مثنى.

(٦) رواهما في الذكرى : ١٨٥.

(٧) رواهما في الذكرى : ١٨٥.

(٨) غافر : ٦٠.

٣٣٥

ـ وفي الجمعة قنوتان في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعده ـ ورفع اليدين تلقاء وجهه مكبرا ،

______________________________________________________

هي والله أفضل ، أليست هي العبادة؟ هي والله العبادة ، هي والله العبادة ، أليست هي أشدّهنّ؟ هي والله أشدّهنّ ، هي والله أشدّهنّ ثلاثا » (١) ، لكن يشترط أن لا يخرج به عن اسم المصلّي ، وكذا القول في القنوت.

قوله : ( وفي الجمعة قنوتان في الأولى قبل الرّكوع وفي الثّانية بعده ).

قد سبق الكلام على ذلك.

فرع : لو خالف في القنوت فأتى بما قبل الرّكوع بعده أو بالعكس عمدا ، ففي بطلان الصّلاة بذلك تردّد ، من أنّه دعاء ، ومن عدم الشرعية ، والبطلان قوي إن أتى به على قصد القنوت.

قوله : ( ورفع اليدين تلقاء وجهه مكبرا ).

أمّا التكبير للقنوت فقد تقدّم ما يدلّ على استحبابه ، وقال المفيد : لا يستحبّ التّكبير له ، إنّما يستحبّ للقيام من التشهّد (٢) ، وحكى الشّيخ عنه ، أنّه في أوّل عمره كان يقول بمقالة الأكثر ، ثم عنّ له في آخر عمره العمل على رفع اليدين بغير تكبير ، قال : ولست أعرف به حديثا أصلا (٣).

وأمّا رفع اليدين تلقاء وجهه ، فلرواية عبد الله بن سنان ، عن الصّادق عليه‌السلام : « وترفع يديك حيال وجهك ، وإن شئت تحت ثوبك » (٤) وتتلقى بباطنهما السماء.

ويستحبّ أن تكونا مبسوطتين يستقبل ببطونهما السماء ، وظهورهما الأرض ، وحكي قول : بجعل بطونهما إلى الأرض ، ويفرق الإبهام عن الأصابع ، قاله ابن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٤ حديث ٣٩٤.

(٢) المقنعة : ٢٦.

(٣) نقل قوله في المختلف : ٩٨.

(٤) الفقيه ١ : ٣٠١ حديث ١٤١٠ ، التهذيب ٢ : ١٣١ حديث ٥٠٤.

٣٣٦

والنظر إلى باطن كفيه فيه ، وهو تابع في الجهر والإخفات.

______________________________________________________

إدريس (١) ، وقيل : يستحبّ أن يمسح بهما وجهه عند الفراغ ، ولم يثبت.

قوله : ( والنظر إلى باطن كفّيه فيه ).

ذكر ذلك الأصحاب ، واحتجّ له في المنتهى : بأنّ النظر إلى السّماء مكروه حينئذ ، لحسنة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢) ، والتغميض مكروه لرواية مسمع (٣) ، فتعين شغله بالنظر إلى باطن الكفّين (٤).

قوله : ( وهو تابع في الجهر والإخفات ).

لعموم : « صلاة النّهار عجماء ، وصلاة اللّيل جهراء » (٥) ، وبه قال المرتضى (٦) ، واختار المصنّف في غير هذا الكتاب استحباب الجهر به مطلقا (٧) ، وهو الأصحّ لصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : « القنوت كلّه جهار » (٨).

ورواية علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام وقد سأله عن التشهّد ، وذكر الرّكوع والسّجود والقنوت فقال : « إن شاء جهر ، وإن شاء لم يجهر » (٩) ، لا تنافيه ، لأنّ الجهر غير متعيّن.

والظّاهر أنّ المأموم يسرّ به ، لرواية أبي بصير ، عن الصّادق عليه‌السلام : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول » (١٠).

__________________

(١) السرائر : ٤٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٠ حديث ٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ حديث ٧٨٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ حديث ١٥٤٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٤ حديث ١٢٨٠.

(٤) المنتهى ١ : ٣٠١.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٤٢١ حديث ٩٨.

(٦) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٢٤٣.

(٧) المنتهى ١ : ٣٠٠.

(٨) الفقيه ١ : ٢٠٩ حديث ٩٤٤.

(٩) التهذيب ٢ : ١٠٢ حديث ٣٨٥.

(١٠) التهذيب ٣ : ٤٩ حديث ١٧٠.

٣٣٧

والتعقيب بعد الفراغ من الصلاة بالمنقول ، وأفضله تسبيح الزهراء عليها‌السلام.

______________________________________________________

قوله : ( والتعقيب بعد الفراغ من الصّلاة بالمنقول ، وأفضله تسبيح الزّهراء عليها‌السلام ).

التّعقيب : تفعيل من العقب ، قال الجوهري : التعقيب في الصّلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة (١) ، ولا خلاف بين علماء الإسلام في استحبابه ، وفضله عظيم ، روى زرارة في الحسن ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الدّعاء بعد الفريضة أفضل من الصّلاة تنفلا » (٢) ، وعن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « التعقيب أبلغ في طلب الرّزق من الضرب في البلاد » (٣) ، يعني بالتعقيب : الدّعاء عقيب الصلوات.

وليس فيه شي‌ء موظف ، بل يتأدى بمطلق الدّعاء المحلل للدّين والدّنيا ، لكن المنقول عن أهل البيت عليهم‌السلام أفضل ، لأنّهم أبصر بمواقع الشّرع ، فإذا كبّر ثلاثا على ما سبق ، قال : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له الى آخره.

روى أبو بصير في الموثق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قل بعد التّسليم : الله أكبر ، لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت ، بيده الخير وهو على كلّ شي‌ء قدير ، الحديث » (٤).

وأفضل الأذكار في التعقيب تسبيح الزّهراء عليهم‌السلام ، فعن صالح بن عقبة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ما عبد الله بشي‌ء من التّحميد أفضل من تسبيح فاطمة الزّهراء عليها‌السلام ، ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام » (٥).

__________________

(١) الصحاح ( عقب ) ١ : ١٨٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٢ حديث ٥ ، الفقيه ١ : ٢١٦ حديث ٩٦٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٤ حديث ٣٩١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٦ حديث ٤٠٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٣ حديث ١٤ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ حديث ٣٩٨.

٣٣٨

______________________________________________________

وإنّما نسب إليها لأنّها سبب في تشريعه ، روى ابن بابويه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : لرجل من بني سعد : « إلا أحدثكم عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتّى أثر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتّى مجلت (١) يداها ، وكسحت (٢) البيت حتّى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّما أنت فيه من هذا العمل ، فأتت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدت عنده حدّثا فاستحيت فانصرفت ، فعلم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها عليها‌السلام جاءت لحاجة ، فغدا علينا ونحن في لفاعنا (٣) ، فقال : السّلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السّلام عليكم ، فسكتنا ، ثم قال : السّلام عليكم ، فخشينا ، إن لم نرد عليه أن ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك ، فدخل ، وجلس عند رؤوسنا فقال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمّد؟ فخشيت إن لم نجبه أن يقوم ، فأخرجت رأسي فقلت : أنّا والله أخبرك يا رسول الله ، إنّها استقت بالقربة حتّى أثر في صدرها ، وجرّت الرحى حتّى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتّى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّما أنت فيه من العمل ، قال : أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة ، وسبحا ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين فأخرجت فاطمة عليها‌السلام رأسها ، فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله » (٤).

__________________

(١) قال الطريحي في مجمع البحرين ( مجل ) ٥ : ٤٧٢ بعد أن ذكر نص هذا المقطع من الحديث : هو من قولهم : مجلت يده ـ كنصر وفرح ـ تمجل مجلا إذا ثخن جلدها وتعجز وظهر فيما ما يشبه البئر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة.

(٢) كسحت البيت كسحا أي : كنسته ، مجمع البحرين ( كسح ) ٢ : ٤٠٦.

(٣) اللفاع ـ بالكسر ـ : اللحاف ، مجمع البحرين ( لفع ) ٤ : ٣٨٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢١١ حديث ٩٤٧.

٣٣٩

الفصل الثامن : في التروك :

يبطل الصلاة ـ عمدا وسهوا ـ فعل كل ما ينقض الطهارة ، وعمدا الكلام بحرفين فصاعدا مما ليس بقرآن ولا دعاء ،

______________________________________________________

وليكن التّسبيح بهذا الترتيب يكبر أربعا وثلاثين ، ثم يحمد ثلاثا وثلاثين ، ثم يسبّح بهذا الترتيب يكبر أربعا وثلاثين ، ثم يحمد ثلاثا وثلاثين ، ثم يسبّح ثلاثا وثلاثين في الأشهر وهو مروي عن الصّادق عليه‌السلام كذلك بطريق أبي بصير (١).

قوله : ( الفصل الثّامن : في التّروك ).

أي : في الأمور المطلوب تركها في الصّلاة ، إمّا وجوبا أو استحبابا ، فيكون فعلها محرما أو مكروها.

قوله : ( يبطل الصّلاة ـ عمدا وسهوا ـ فعل كل ما ينقض الطهارة ).

لا خلاف عندنا في أنّه لو أحدث في الصّلاة عمدا بطلت صلاته ، وفي الحدث ناسيا خلاف ، أشهره البطلان به ، وقيل : يتطهر ويبني على صلاته ، والأخبار من الجانبين مختلفة (٢) ، ولا صراحة في الأخبار الدالة على فعل الطّهارة والبناء بأن الحدث وقع سهوا (٣) فيثبت التعارض والتساقط ، ويبقى الدّليل الدال على أنّ الحدث مانع والطّهارة شرط ، ووجود الأول وفقد الثّاني موجب للبطلان ، وكذا فعل الطّهارة محسوب فعلا كثيرا في أثناء الصّلاة فتبطل به ، وهو الأصح.

قوله : ( وعمدا الكلام بحرفين فصاعدا مما ليس بقرآن ولا دعاء ).

ولا ذكر إجماعا منّا ، ولقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن هذه الصّلاة لا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٢ حديث ٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٦ حديث ٤٠١.

(٢) قرب الاسناد : ٩٢ ، الجعفريات : ٢٠ ، دعائم الإسلام ١ : ١٩٠ حديث ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٠ حديث ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ، ٣٥٥ حديث ١٣٧٠ ، ١٤٦٨ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ حديث ١٥٣٣.

٣٤٠