جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

والذكر كالركوع ، وقيل : يجب سبحان ربي الأعلى وبحمده ، والطمأنينة بقدره ، ورفع الرأس من الاولى ، والطمأنينة قاعدا.

______________________________________________________

وأطراف القدمين من غير تعيين الإبهامين ، والوجه تعيّن الإبهامين إلاّ مع تعذّر السّجود عليهما لعدمهما ، أو غير ذلك فتجزئ بقية الأصابع.

ولو أخل بشي‌ء من المساجد عالما أو جاهلا وتجاوز المحل بطلت صلاته لا ناسيا ، ولو تعذر وضع بعضها وضع ما بقي ، لأنّ « الميسور لا يسقط بالمعسور ».

ويجب الاعتماد على المساجد بإلقاء ثقلها عليها ، فلو تحامل عنها أو عن شي‌ء منها لم يصحّ ، لعدم حصول الطمأنينة بدونه ، والرّواية بوجوب تمكين الجبهة منبّهة على اعتباره في البواقي (١). ولو سجد على نحو قطن أو صوف وجب أن يلبده بحيث يعتمد عليه.

قوله : ( والذكر كالرّكوع ، وقيل : يجب سبحان ربّي الأعلى وبحمده ) (٢).

قد سبق تحقيق ذلك وبيان الخلاف ، وانّ الأصحّ إجزاء مطلق الذّكر.

قوله : ( والطمأنينة بقدره ).

والبحث فيها كما سبق في الرّكوع بكماله ، ولو تعذرت فهل يسقط وجوب الذكر ، أم يأتي به على حسب مقدوره؟ فيه تردّد. وذهب الشّيخ إلى ركنيتها ، وركنية الطمأنينة بين السّجدتين كالتي في الرّكوع (٣) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ورفع الرّأس من الاولى والطمأنينة قاعدا ).

ووجوبهما بإجماعنا ، وتصريح الأخبار بذلك (٤) ، ولا حدّ لهذه الطمأنينة ، بل‌

__________________

(١) قرب الاسناد : ٩٣ ، التهذيب ٢ : ٣١٢ حديث ١٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ حديث ١٢٤٠.

(٢) من القائلين به سلار في المراسم : ٧١ ، والشهيد في البيان : ٨٨.

(٣) الخلاف ١ : ٧١ مسألة ٦٣ ، ٦٤ كتاب الصلاة.

(٤) قرب الاسناد : ١٨ ، الكافي ٣ : ٣١١ ، حديث ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ حديث ٩١٦ ، صحيح البخاري ١ : ٢٠١.

٣٠١

ويكفي في وضع الجبهة الاسم ،

______________________________________________________

مسمّاها ، ولا بدّ في الرّفع من الاستواء معتدلا.

قوله : ( ويكفي في وضع الجبهة الاسم ).

لا ريب أنّ ما عدا الجبهة من المساجد يكفي وضع ما يقع عليه الاسم منه ، وفي اليدين يجب أن يلقى الأرض ببطونهما ، فلا تجزئ ظهورهما اختيارا بخلاف إبهامي الرّجلين ، وفاقا للمنتهى (١).

ولا يجب الجمع بين الكف والأصابع ، بل ما يقع عليه اسم الوضع من أحدهما إذا صدق وضع شي‌ء من اليد. نعم يستحبّ ، صرّح به في الذّكرى (٢).

وأمّا الجبهة فقد اختلف كلام الأصحاب في مقدار ما يجب وضعه منها ، فاكتفى الأكثر بما صدق عليه الاسم منها كغيرها ، لأنّ الأمر بالمطلق يقتضي ما صدق عليه الاسم ، ولرواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن حدّ السّجود؟ فقال : « ما بين قصاص الشّعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك » (٣) ، وصحيحة زرارة أيضا ، عن أحدهما عليهما‌السلام مثلها (٤) ، وغيرهما من الأخبار (٥).

وقال ابن بابويه (٦) ، وابن إدريس : يجب مقدار درهم (٧) ، وذهب اليه شيخنا الشّهيد (٨) تمسّكا برواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه الكاظم عليه‌السلام في المرأة تطول قصتها ، وإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض ، وبعض يغطيه‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٩٠.

(٢) الذكرى : ٢٠١.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٦ حديث ٨٣٧ ، التهذيب ٢ : ٨٥ حديث ٣١٣.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٦ حديث ٨٣٣ ، التهذيب ٢ : ٨٥ حديث ٣١٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٣ حديث ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٧٥ ، المقنع : ٧.

(٧) السرائر : ٤٧.

(٨) الذكرى : ٢٠١.

٣٠٢

فإن عجز عن الانحناء رفع ما يسجد عليه ، فإن تعذر أومأ.

وذو الدمل يضع السليم ، بأن يحفر حفيرة ليقع السليم على الأرض ، فإن استوعب سجد على أحد الجبينين ، فان تعذر فعلى ذقنه ، فان تعذر‌ أومأ.

______________________________________________________

الشعر هل يجوز ذلك؟ قال : « لا ، حتّى تضع جبهتها على الأرض » (١) ، والقصة : ـ بضمّ القاف وتشديد الصّاد المهملة ـ شعر النّاصية ، ورواية عبد الرّحمن بن أبي عبد الله ، عن الصّادق عليه‌السلام قريب منها (٢) ، وإن كانت أقل صراحة. ولا دلالة فيهما على مطلوبهم ، لأنّ وضع جميع الجبهة لا يقول بوجوبه أحد ، ومع ذلك فلا تبلغان معارضة غيرهما من الأخبار ، وتقييد الأمر المطلق ، فتحملان على الاستحباب.

قوله : ( فان عجز عن الانحناء رفع ما يسجد عليه ، فان تعذر أومأ ).

قد سبق تحقيق ذلك في القيام.

قوله : ( وذو الدمل يضع السّليم بأنّ يحفر حفيرة ليقع السليم على الأرض ).

وجوبا في ذلك ، لأنّ مقدّمة الواجب المطلق واجبة ، ولما رواه مصادف ، قال : خرج بي دمل فكنت أسجد على جانب ، فرأى أبو عبد الله عليه‌السلام أثره ، فقال : « ما هذا »؟ فقلت : لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل ، فإنّما أسجد منحرفا ، فقال لي « لا تفعل ذلك ، احفر حفيرة واجعل الدّمل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض » (٣). ولا يختصّ هذا الحكم بالدمل بل الجروح والورم ونحوهما ـ إذا لم يمكن وضع الجبهة معها ـ كذلك ، ولا يختصّ الحكم بالحفيرة ، فلو اتخذ آلة مجوّفة من طين أو خشب ونحوهما أجزأ.

قوله : ( فان استوعب سجد على أحد الجبينين ، فان تعذّر فعلى ذقنه ، فان تعذّر أومأ ).

__________________

(١) قرب الاسناد : ١٠٠ ، التهذيب ٢ : ٣١٣ حديث ١٢٧٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٤ حديث ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٦ حديث ٣١٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٣ حديث ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٦ حديث ٣١٧.

٣٠٣

ولو عجز عن الطمأنينة سقطت.

______________________________________________________

أمّا السّجود على أحد الجبينين فقد صرّح به الأصحاب ، لأنهما مع الجبهة كالعضو الواحد فيقوم أحدهما مقامهما للعذر ، ولأنّ السّجود على الذقن يجزئ عند الضرورة لما سيأتي ، وهما أقرب إلى الجبهة منه فيجزئان بطريق أولى.

ولا خلاف في تقديمهما على الذقن مع الإمكان ، ولا أولوية للأيمن على الأيسر هنا لعدم الدليل ، والتمسّك بالأصل ، وفي كلام ابني بابويه تقديم الأيمن على الأيسر ، هنا لعدم الدليل ، والتمسّك بالأصل ، وفي كلام ابني بابويه تقديم الأيمن على الأيسر ، وظهر الكفّ على الذقن (١) ، ولا دليل عليه ، مع أن ظهر الكفّ لا يكاد يتحصل له معنى هنا إن تعذر السّجود عليهما معا والمراد به : حصول العسر والمشقة عادة سجد على ذقنه ، لقوله تعالى ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (٢) والذقن ، ـ محرمة ـ مجمع اللحيين ، وإذا صدق عليه اسم السّجود ـ وجب إجزاؤه ، وفي رواية مرسلة عن الصّادق عليه‌السلام ، وقد سئل عمن بجبهته ـ علة لا يقدر على السّجود عليها؟ « يضع ذقنه على الأرض ، إنّ الله تعالى يقول ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) » (٣).

فان تعذّر ذلك كله أومأ ، لرواية إبراهيم الكرخي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ، ولا يمكنه الرّكوع والسّجود فقال : « ليومئ برأسه إيماء ، وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد ، فان لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء » (٤) ، وفيها دلالة على وجوب رفع المسجد مع تعذر الانحناء.

واعلم أنّ تعذر الحفيرة وما في معناها بمنزلة استيعاب العذر الجبهة.

قوله : ( ولو عجز عن الطمأنينة سقطت ).

لامتناع التكليف حينئذ ، وفي سقوط الذّكرى ما سبق.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٥ بعد حديث ٨٢٧ في رسالة أبيه إليه ، المقنع : ٢٦.

(٢) الإسراء : ١٠٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ حديث ٦ ، التهذيب ٢ : ٨٦ حديث ٣١٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٨ حديث ١٠٥٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ حديث ٩٥١.

٣٠٤

ويستحب التكبير قائما ، وعند انتصابه منه لرفعه مرة ، وللثانية أخرى ، وعند انتصابه من الثانية ، وتلقي الأرض بيديه ، والإرغام بالأنف ، والدعاء بالمنقول قبل التسبيح ،

______________________________________________________

قوله : ( ويستحبّ التكبير قائما وعند انتصابه منه لرفعه مرّة وللثانية أخرى ، وعند انتصابه من الثانية ).

التكبير للسّجود قائما رافعا يديه ، والهوي بعد إكماله ـ كما سبق ـ مروي عن فعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وفعل الصّادق عليه‌السلام في تعليم حمّاد (٢).

ولو كبّر في هويّه جاز وترك الأفضل ، كما في الرّكوع ، لكن بشرط أن لا يعتقد استحبابه على هذا الوجه ، ولا يستحبّ مده ، لأن التّكبير جزم ، واستحبّه ابن أبي عقيل (٣) ، وخيّر الشّيخ في الخلاف بينهما (٤) ، ويستحبّ أن يكون التكبير للرّفع من السجدة الأولى قاعدا معتدلا ، وكذا التّكبير للثّانية ، وبعد رفعه منها لما في خبر حماد.

قوله : ( وتلقي الأرض بيديه ، والإرغام بالأنف ، والدّعاء بالمنقول قبل التّسبيح ).

أمّا الأوّل ـ فهو مذهب أصحابنا ، وتدلّ عليه روايات ، منها : صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام لمّا علّمه الصّلاة : « وابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا » (٥) ، وروي : « سبق اليمنى منهما » ، وروي أيضا : « لا بأس بسبق الركبتين » (٦).

__________________

(١) سنن الترمذي ١ : ١٦٠ حديث ٢٥٣ ، ٢٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ حديث ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ، حديث ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ حديث ٣٠١.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ٢٠١.

(٤) الخلاف ١ : ٧٠ مسألة ٥٤ كتاب الصلاة.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ حديث ٣٠٨ وفيهما : ( فضعهما ).

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٥ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٤ حديث ٣٥٠ في المرأة ، و ٧٨ حديث ٢٩٤ في الرجل ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ حديث ١٢١٨ في الرجل.

٣٠٥

والتسبيح ثلاثا أو خمسا أو سبعا فما زاد ، والتخوية للرجل ، والدعاء بين السجدتين ، والتورك ،

______________________________________________________

ولا ينافي استحباب سبق اليدين والإرغام بالأنف إلصاقه بالرغام ، وهو التّراب ، والمراد السّجود عليه ، ولا يجب عندنا لما سبق في حديث حماد انّه سنة.

ويستحبّ الدّعاء قبل التّسبيح ، لما روي عن الصّادق عليه‌السلام : « اللهمّ لك سجدت ، وبك أمنت ، وعليك توكّلت وأنت ربّي » (١) ، الى آخره.

قوله : ( والتّسبيح ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا فما زاد ).

قد سبق مثله في الرّكوع ، وقد تقدم فيه نهاية الاستحباب ، فهنا كذلك.

قوله : ( والتخوية للرّجل ).

وهو إلقاء الخواء بين الأعضاء ، ويسمى التجافي ، وقد روي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّه فرّج يديه عن جنبيه ، وفرّج بين رجليه وجنّح بعضديه ، ونهى عن افتراش الذّراعين كما يفترش الكلب (٢) ، ولحديث حماد ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « لا تفترش ذراعيك افتراش السبع » (٣). واحترز بالرّجل عن المرأة ، فسيأتي أنّها تسجد لاطئة بالأرض ، وليس ببعيد إلحاق الخنثى بها.

قوله : ( والدّعاء بين السّجدتين ).

لما روي عن الصّادق عليه‌السلام : « اللهمّ اغفر لي وارحمني وأجرني » (٤) ، الى آخره ، أو بغير ذلك.

قوله : ( والتّورك ).

وصورته : أن يجلس على وركه الأيسر ، ويخرج رجليه جميعا من تحته ، ويجعل رجله اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمه اليمنى إلى باطن قدمه اليسرى ، ويفضي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢١ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ حديث ٢٥٩.

(٢) سنن الترمذي ١ : ١٧٢ حديث ٢٧٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ حديث ٣٠٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢١ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ حديث ٢٩٥ ، سنن الترمذي ١ : ١٧٥ حديث ٢٨٣.

٣٠٦

وجلسة الاستراحة على رأي.

وقول : بحول الله تعالى وقوته أقوم وأقعد عند القيام منه ،

______________________________________________________

بمقعدته إلى الأرض ، كذا فسره الشّيخ (١) ، وجماعة (٢) ، وهو في خبر حمّاد.

قوله : ( وجلسة الاستراحة على رأي ).

الاستحباب هو قول الأكثر ، وأوجبها المرتضى (٣) لرواية أبي بصير ، عن الصّادق عليه‌السلام : « إذا رفعت رأسك من السّجدة الثّانية حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ، ثم قم » (٤) ، فان ظاهر الأمر الوجوب. ويعارض بما روى زرارة : انّه رأى الباقر ، والصّادق عليهما‌السلام إذا رفعا رؤوسهما من الثّانية نهضا ولم يجلسا (٥).

قوله : ( وقول : بحول الله تعالى وقوته أقوم وأقعد عند القيام ).

رواه محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦) ، وفي صحيحة عبد الله ابن سنان ، عنه عليه‌السلام قال : « إذا قمت من السّجود قلت : اللهمّ بحولك وقوّتك أقوم وأقعد ، وإن شئت قلت : وأركع واسجد » (٧).

ونقل في الذّكرى عن المعتبر (٨) استحباب هذا الدّعاء في جلسة الاستراحة ، وعن ابن بابويه (٩) وعدة من الأصحاب كابن الجنيد (١٠) ، والمفيد (١١) ، وابي‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٥.

(٢) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٢١٤ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٩٠ ، والشهيد في الذكرى : ٢٠٢.

(٣) الانتصار : ٤٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٢ حديث ٣٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ حديث ١٢٢٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٣ حديث ٣٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ حديث ١٢٣١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٨ حديث ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٧ ، ٨٨ حديث ٣٢١ ، ٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ حديث ١٢٦٧.

(٧) التهذيب ٢ : ٨٦ حديث ٣٢٠ ، وفيه : اللهم ربي.

(٨) المعتبر ٢ : ٢١٦.

(٩) الفقيه ١ : ٢٠٧.

(١٠) نقله عنه في الذكرى : ٢٠٣.

(١١) المقنعة : ١٦.

٣٠٧

وأن يعتمد على يديه سابقا برفع ركبتيه ، ومساواة موضع الجبهة للموقف أو خفضه عنه ،

______________________________________________________

الصّلاح (١) ، وابن حمزة (٢) ، والشّيخ (٣) وغيرهم استحبابه عند الأخذ في القيام ، واختاره ثم احتجّ عليه برواية ابن سنان هذه (٤) (٥) ، وكأنه يريد بالأخذ في القيام : الأخذ في الرّفع من السّجود ، وإن كان خلاف المتبادر من العبارة ، وإلا لم تكن الرواية دليلا عليه. والظّاهر أنّ هذا هو مراد المصنّف هنا ، كما هو في غير هذا الكتاب (٦).

قوله : ( وأن يعتمد على يديه سابقا برفع ركبتيه ).

عند جميع علمائنا ، لرواية محمّد بن مسلم قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد ، وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه (٧) ، ورواه العامة في وصف صلاة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨) ، ولأن ذلك أشبه بالتّواضع وأعون للمصلّي ، ويستحبّ له أن يبسط كفّيه عند القيام ، ولا يضمّهما كالعاجن ، لحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٩).

قوله : ( ومساواة موضع الجبهة للموقف أو خفضه عنه ).

أي : يستحبّ ذلك ، وفي الذّكرى : الأفضل التّساوي (١٠) ، ولو كان موضع الجبهة أخفض جاز ، وقول الصّادق عليه‌السلام : « إنّي أحب أن أضع وجهي‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤٢.

(٢) الوسيلة : ٩٣.

(٣) الخلاف ١ : ٧٣ مسألة ٧٢ كتاب الصلاة.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٦ حديث ٣٢٠.

(٥) الذكرى : ٢٠٣.

(٦) المنتهى ١ : ٢٩١.

(٧) التهذيب ٢ : ٧٨ حديث ٢٩١.

(٨) سنن الترمذي ١ : ١٦٨ حديث ٢٦٧.

(٩) الكافي ٣ : ٣٣٦ حديث ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ حديث ١٢٢٣.

(١٠) الذكرى : ٢٠٢.

٣٠٨

ووضع اليدين ساجدا بحذاء أذنيه ، وجالسا على فخذيه ، ونظره ساجدا إلى طرف أنفه ، وجالسا إلى حجره ، ويكره الإقعاء.

______________________________________________________

موضع قدمي » (١) يلوح منه ذلك ، ولأنّه أمكن للسّجود ، وكذا يستحبّ المساواة بين باقي المساجد ويكره كون مسجد الجبهة أرفع ، ولعلّ استحباب خفضه على ما ذكره المصنّف ، لما يلزم منه زيادة الانحناء المقتضي للمبالغة في رفع الأسافل على الأعالي ، المتضمّن زيادة الخضوع ، ولا بدّ أن لا يزيد الانخفاض على مقدار لبنة ، لما ذكرناه سابقا.

قوله : ( ووضع اليدين ساجدا بحذاء أذنيه وجالسا على فخذيه ).

في رواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام لمّا علّمه الصّلاة : « ولا تلزق كفيك بركبتيك ، ولا تدنهما من وجهك وبين ذلك حيال منكبيك » (٢) ، وفي خبر حمّاد حيال وجهه (٣).

ويستحب أن تكونا مبسوطتين مضمومتي الأصابع ، لما في رواية زرارة ، وحماد ، ويستحب الإفضاء بهما إلى الأرض ، ويستحب وضعهما حالة الجلوس للتشهد وغيره على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع بحذاء عيني ركبتيه عند علمائنا ، ومستنده النّقل عن أهل البيت عليهم‌السلام.

قوله : ( ونظره ساجدا إلى طرف أنفه وجالسا إلى حجره ).

ذكر ذلك جمع من الأصحاب (٤) لئلا يشتغل قلبه عن عبادة الله تعالى.

قوله : ( ويكره الإقعاء ).

أي : مطلقا ، سواء كان بين السّجدتين أو في فعل آخر ، لما روي أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا رفعت رأسك من السّجود فلا تقع كما يقعي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٥ حديث ٣١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٤ حديث ١ ، وفيه : ولا تلصق ، التهذيب ٢ : ٨٣ حديث ٣٠٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣١١ حديث ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ حديث ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ حديث ٣٠١.

(٤) منهم : ابن إدريس في السرائر : ٤٧ ، والشهيد في اللمعة : ٣٥.

٣٠٩

تتمة :

يستحب سجود التلاوة على القارئ ، والمستمع ، والسامع في أحد عشر : في الأعراف ، والرعد ، والنحل ، وبني إسرائيل ، ومريم ، والحج في موضعين ، والفرقان ، والنمل ، وص ، والانشقاق.

______________________________________________________

الكلب » (١) ، ولموثقة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تقع بين السجدتين إقعاء » (٢) ، وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال له : « وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ، ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض ، فلا تصبر للتشهد والدعاء » (٣) والعلة التي ذكرها عليه‌السلام في التشهد ثابتة في غيره فيتعدى الحكم.

وقال الشّيخ في المبسوط بجوازه بين السّجدتين (٤) ، وإن كان التورك أفضل لصحيحة عبيد الله الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بالإقعاء في الصّلاة بين السّجدتين » (٥).

وجوابه القول بالموجب ، لأنّ نفي البأس لا ينافي الكراهة الثابتة بدليل آخر ، والإقعاء عندنا أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ، ويجلس على عقبيه ، وفسره بعض أهل اللغة بأن يجلس على وركيه وينصب فخذيه وركبتيه مثل إقعاء الكلب ، ونقل في الذّكرى عن بعض الأصحاب : أنّه عبارة عن أن يقعد على عقبيه ويجعل يديه على الأرض (٦) ، والأوّل هو المشهور.

قوله : ( يستحب سجود التّلاوة على القارئ والمستمع والسّامع في أحد عشر موضعا : في الأعراف ، والرّعد ، والنحل ، وبني إسرائيل ، ومريم ، والحجّ في موضعين ، والفرقان ، والنمل ، وص ، والانشقاق ).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٩ حديث ٨٩٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠١ حديث ١٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ حديث ١٢٢٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ حديث ٣٠٨.

(٤) المبسوط ١ : ١١٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٠١ حديث ١٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ حديث ١٢٢٦.

(٦) الذكرى : ٢٠٣.

٣١٠

ويجب على الأولين في العزائم ،

______________________________________________________

هذا الحكم مجمع عليه عند أصحابنا ، وهو مروي من طرق العامة (١).

قوله : ( ويجب على الأولين في العزائم ).

أراد بالأولين القارئ والمستمع ، والمراد به : المنصت للاستماع ، ومفهومه عدم الوجوب على السّامع الّذي ليس بمصغ ، فاما وجوب السّجود في العزائم الأربع ، فيدلّ عليه مع إجماع العترة المرضية صلوات الله عليهم وإجماع فقهائهم إن ثلاثا منها ـ وهي ما عدا الم ـ قد تضمنت الأمر بالسّجود ، وهو للوجوب ، كما هو مقرر في الأصول.

وأمّا فيها فمن القرائن المقالية في الآية ، مثل حصر المؤمن في السّاجد عند التذكير بالآيات ، والاخبار عن السّاجدين حينئذ بأنّهم لا يستكبرون ، فان الاستكبار المفهوم حصوله ممن لا يسجد حينئذ محرّم ، وغير ذلك كما استفيدت الفورية في الحجّ من المؤكّدات الواقعة في آية الحجّ ، والأخبار عن أهل البيت عليهم‌السلام ناطقة بذلك (٢).

وأمّا الوجوب على القارئ والمستمع فبالإجماع ، وفي السامع قولان ، أحدهما : الوجوب ، لإطلاق الأمر ، والرواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ، وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلي » (٣).

والثّاني : العدم ، لرواية عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يسمع السّجدة تقرأ؟ قال : « لا يسجد إلا أن يكون منصتا مستمعا لها ، أو يصلّي بصلاته ، وأما أن يكون يصلّي في ناحية وأنت في ناحية فلا‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٥٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٧ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ حديث ١١٧٠ ، وللمزيد راجع الوسائل ٤ : ٨٨٠ باب ٤٢.

من أبواب قراءة القرآن.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٨ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ حديث ١١٧١.

٣١١

ولا يجب فيها تكبير ولا تشهد ولا تسليم ولا طهارة ولا استقبال ،

______________________________________________________

تسجد لما سمعت » (١) ، وفي طريق هذه الرواية محمّد بن عيسى ، عن يونس ، وقد نقل ابن بابويه ، عن ابن الوليد أنّه لا يعتمد على حديث محمّد بن عيسى ، عن يونس (٢).

وقد تضمنت وجوب السّجود إذا صلّى بصلاة التالي لها ، وهو غير صحيح عندنا ، إذ لا تقرأ في الفريضة عزيمة ، ولا تشرع الجماعة في النّافلة ، ومع ذلك فلا تدلّ على المتنازع ، وهو نفي السّجود عن السّامع مطلقا ، إذ مقتضاها الوجوب على من يصلّي بصلاة التالي لها على كل حال ، والأصحّ الأوّل.

قوله : ( ولا يجب فيها تكبير ولا تشهّد ، ولا تسليم ولا طهارة ، ولا استقبال ).

لا تجب تكبيرة الإحرام في هذا السّجود ، لأنّ الأمر به إنّما يتناول وضع الجبهة إذ ليس بصلاة ، فالزّائد منفي بالأصل ، ولقول الصّادق عليه‌السلام : « إذا قرأت شيئا من العزائم الّتي تسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ، ولكن تكبّر حين ترفع رأسك » (٣).

ولا تكبير للسّجود أيضا ، نعم يستحبّ للرّفع منه وفاقا للشّيخ (٤) والمصنّف في المنتهى (٥) للرّواية السّالفة ، ولا تشهد فيها ولا تسليم باتفاق جميع أصحابنا ، وفي رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام إيماء إليه (٦) ، والظاهر عدم شرعيتهما أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٨ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ حديث ١١٦٩.

(٢) نقل هذا القول عن ابن بابويه الشيخ النجاشي في رجاله : ٢٣٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ حديث ١١٧٠.

(٤) المبسوط ١ : ١١٤.

(٥) المنتهى ١ : ٣٠٤.

(٦) قرب الاسناد : ٩٧.

٣١٢

ويقتضيها الناسي.

______________________________________________________

ولا يشترط فيه الطّهارة ـ خلافا للشّيخ في النّهاية (١) ، وابن الجنيد (٢) ـ لرواية أبي بصير السّالفة (٣) ، وكذا لا يشترط خلو الثّوب والبدن من النّجاسة لأمر الحائض بها ، وهي لا تنفك من النّجاسة مطلقا ، ولعدم الدّليل الدال على الاشتراط.

ولا يشترط الاستقبال ولا ستر العورة لمثل ما قلناه ، وهل يشترط السجود على الأعضاء السّبعة أم يكفي وضع الجبهة؟ وجهان يلتفتان إلى الأمر بوضعها في السّجود من غير تقييد ، وإن ذلك يحتمل أن يراد به السّجود في الصّلاة ، وكذا القول في اعتبار مساواة المسجد للموقف ، وكون علو أحدهما على الآخر بلبنة فما دون.

ومثله اعتبار السّجود على ما يصح السّجود عليه في الصّلاة ، ويؤيد اعتباره هنا التعليل بأنّ النّاس عبيد ما يأكلون ويلبسون ، فإن العلة قائمة هنا ، ويمكن بناء الحكم في هذه المسائل على أنّ مفهوم السّجود شرعا هل يستدعي شيئا من ذلك؟ فان ثبت أنّ السّجود لا يتحقّق شرعا بدونها وجبت وإلا فلا ، والثّاني أظهر ، والأوّل أحوط.

قوله : ( يقتضيها الناسي ).

لا ريب أنّ سجود التّلاوة واجب على الفور عند أصحابنا ، فلو أخلّ به عند وجوب السّبب لم يبرأ إلا بالإتيان به.

وهل يعد ذلك قضاء بحيث ينوي فيه القضاء؟ ظاهر هذه ذلك ، وكذا عبارة الشّيخ (٤) ، فعلى هذا يجب عند المسارعة ـ إلى فعله عند وجود السّبب ـ نيّة الأداء ، إذ يلزم من ثبوت القضاء ثبوت الأداء.

أم يكون أداء دائما مع المبادرة والتّأخير فينوي الأداء لعدم التّوقيت؟ كما‌

__________________

(١) النهاية : ٢٥.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٩٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٨ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ حديث ١١٧١.

(٤) المبسوط ١ : ١١٤.

٣١٣

______________________________________________________

صرّح به المصنّف في المنتهى (١) وفاقا للمعتبر (٢).

أم يقال : لا يداخلها الأداء والقضاء لأنّهما من توابع الوقت المضروب شرعا ، وهو منتف لما قلناه من الفورية؟ والأصحّ هذا الأخير.

والظّاهر أنّ مراد القائلين بالقضاء التّدارك : على معنى أنّها لا تسقط بالتّأخير ، والقائلين بالأداء دائما ما يراد من قولهم في النذر المطلق : هو الأداء دائما لا يخرج الوقت الصّالح لفعله ، وتدلّ على وجوب التّدارك مع الإخلال به رواية محمّد ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام في النّاسي للسجدة حتّى يركع ويسجد ، قال : « يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم » (٣).

ويتعدد بتعدد السّبب ، تخلل السّجود أم لا ، لأصالة عدم تداخل الأسباب إذا اجتمعت ، ولصحيحة محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن الرّجل يعلّم السّورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد؟ قال : « عليه أن يسجد كلما سمعها ، وعلى الّذي يعلّمه أيضا أن يسجد » (٤) ، وهذه كما تدلّ على المطلوب تدل على وجوب السّجود على السّامع فيعتضد بها ما سبق.

وموضع السّجود عند تمام الآية المتضمّنة له ، فعلى هذا يكون السّجود في فصّلت عند قوله ( إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) (٥) ، والمحكي عن الشّيخ (٦) في المعتبر (٧) والمنتهى (٨) من أن موضع السّجود عند قوله ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ ) ـ وتبعاه على ذلك معلّلين‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٠٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٧٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٢ حديث ١١٧٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٣ حديث ١١٧٩.

(٥) فصلت : ٣٧.

(٦) الخلاف ١ : ٨٩ مسألة ١٢٤ كتاب الصلاة.

(٧) المعتبر ٢ : ٢٧٣.

(٨) المنتهى ١ : ٣٠٤.

٣١٤

وسجدتا الشكر مستحبتان عند تجدد النعم ، وعقيب الصلاة ،

______________________________________________________

بالفور ـ وهم قطعا لخلو عبارة الشّيخ عنه ، وتأخير السّجود إلى آخر الآية فرارا من الفصل بين الشّرط وجزائه لا ينافي الفورية.

فرع :

يجب أن يقارن بالنية أول السّجود ، وأوّله من حين وضع الجبهة على الأرض وما في معناها ، فلو وضع الجبهة ثم نوى ففي الصّحّة تردد ، أظهره العدم ، لأن استداما السّجود لا تعد سجودا ، وإلا لصدق تعدده بتطويل الوضع ، وهو باطل.

قوله : ( وسجدتا الشكر مستحبتان عند تجدد النّعم ، ودفع النّقم ، وعقيب الصّلاة ).

لا خلاف بين أكثر العلماء إلاّ من شذ (١) في استحباب السّجود للشكر عند تجدد النّعم ، ودفع النّقم ، لما روي : أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أتاه أمر يسرّ به خر ساجدا (٢).

ويستحب أيضا عقيب الفراغ من الفرائض شكرا على التوفيق لأداء العبادة.

وأطلق المصنّف الصّلاة في العبارة ، وقيدها في المنتهى (٣) والتذكرة (٤) ، والتعليل بالشّكر يقتضي الإطلاق ، وروى مرازم في الصّحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سجدة الشكر واجبة على كل مسلم ، تتم بها صلاتك ، وترضي بها ربّك ، وتعجب الملائكة منك ، وان العبد إذا صلّى ثم سجد سجدة الشّكر فتح الرّب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد والملائكة ، فيقول : ملائكتي انظروا إلى عبدي أدّى فرضي ، وأتم عهدي ، ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ما ذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربنا رحمتك ، ثم يقول الرّبّ تعالى : ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا جنتك ، فيقول الرّب تعالى : ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة : ربّنا‌

__________________

(١) هما مالك وأبو حنيفة كما في المجموع ٤ : ٧٠.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٤٦ حديث ١٣٩٤.

(٣) المنتهى ١ : ٣٠٢.

(٤) التذكرة ١ : ١٢٤.

٣١٥

ويعفر بينهما.

______________________________________________________

كفاية مهمّه ، فيقول الرّبّ تعالى : ثم ما ذا فلا يبقى شي‌ء من الخير إلاّ قالته الملائكة ، فيقول الله تعالى : يا ملائكتي ثم ما ذا ، فتقول الملائكة : يا رب لا علم لنا ، فيقول الله تعالى : لأشكرنه كما شكرني ، وأقبل عليه بفضلي ، وأريه رحمتي » (١).

ويستحب فيه الدّعاء ، وأفضله الدعاء المأثور عن أهل البيت عليهم‌السلام (٢) ، وروى الأصحاب أدنى ما يجزئ فيه أن يقول : شكرا ثلاثا (٣) ، وعن الصّادق عليه‌السلام : « ان العبد إذا سجد فقال : يا رب يا ربّ حتّى ينقطع نفسه قال له الربّ عزّ وجل : لبّيك ما حاجتك » (٤).

قوله : ( ويعفّر بينهما ).

التعفير : تفعيل من العفر ـ بفتح العين المهملة والفاء ـ وهو التّراب ، والمراد به وضع الخدين على التّراب ، وبه : يتحقّق تعدد سجود الشكر ، لأنّ عوده إلى السّجود بعد التعفير سجود آخر ، وهو مستحبّ باتفاقنا ، لأنه موضع استكانة وتذلل ، وقد ورد به النقل عن أهل البيت عليهم‌السلام (٥) وتتأدى السنة بوضع الخدّين على أي شي‌ء كان ، وإن كان الأفضل وضعهما على التّراب.

فروع :

أ : تستحب هذه السّجدة بعد التعقيب بحيث تجعل خاتمته وذكر المصنّف لها هنا استطرادي.

ب : يستحبّ أن يسجد لاطئا بالأرض يفترش ذراعيه ويلصق صدره وبطنه بها ، وهو مروي عن أبي الحسن الثّالث عليه‌السلام بلفظ ( يجب ) (٦) ، والمراد به : شدّة الاستحباب.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٠ حديث ٩٧٨ ، التهذيب ٢ : ١١٠ حديث ٤١٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٨ حديث ٩٧٢ ، التهذيب ٢ : ١٠٩ ـ ١١١ حديث ٤١٣ ، ٤١٦ ، ٤١٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٠ حديث ٩٧٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢١٩ حديث ٩٧٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٩ حديث ٩٧٣ ، التهذيب ٢ : ١٠٩ ـ ١١١ حديث ٤١٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٢٤ حديث ١٥ ، التهذيب ٢ : ٨٥ حديث ٣١٢.

٣١٦

الفصل السابع : في التشهد :

ويجب آخر الصلاة مطلقا ، وعقيب الثانية في الثلاثية والرباعية.

______________________________________________________

ج : يستحب إذا رفع رأسه من السّجود أن يمسح يده على موضع سجوده ثم يمرّها على وجهه من جانب خده الأيسر ، وعلى جبهته الى جانب خده الأيمن داعيا بالمأثور (١) ثلاثا.

د : ليس في سجود الشّكر تكبيرة الافتتاح ، ولا تكبيرة السّجود ، ولا رفع اليدين ، ولا تشهّد ولا تسليم ، وفي المبسوط : يكبر للرّفع منه (٢) ، وهل يشترط وضع الجبهة على ما يصحّ عليه السّجود في الصّلاة؟ فيه تردّد. وأمّا وضع المساجد فقطع به في الذّكرى (٣) ، ولا ريب في جواز فعله على الراحلة اختيارا ، أمّا سجود العزائم ففيه تردّد.

هـ : هل يشرع هذا السّجود عند تذكر النعمة؟ في رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ما يدلّ عليه (٤) ، وقصر الاستحباب في الذّكرى على ما إذا لم يكن قد سجد لها (٥) ، والرّواية مطلقة.

ويستحبّ أيضا عند رؤية مبتلى فيستر عنه لئلاّ يتأذّى به ، ولرؤية فاسق ، ولا بأس بإظهاره إن رجا به توبته.

قوله : ( الفصل السّابع في التّشهد : ويجب آخر الصّلاة مطلقا وعقيب الثّانية في الثّلاثية والرّباعية ).

التّشهد : تفعل من الشّهادة ، وهي الخبر القاطع ، وشرعا : الشّهادة بالتّوحيد والرّسالة والصّلاة على النّبي وآله عليهم‌السلام ، ووجوبه في آخر الصّلاة رباعية‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١١٢ حديث ٤٢٠.

(٢) المبسوط ١ : ١١٤.

(٣) الذكرى : ٢١٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١١٢ حديث ٤٢١.

(٥) الذكرى : ٢١٣.

٣١٧

والواجب : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمدا رسول الله ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد.

______________________________________________________

وغيرها ، وبعد الرّكعة الثّانية في الثّلاثيّة والرّباعية بإجماع فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ، ومداومة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فعله ، والأئمة عليهم‌السلام ، مع قوله عليه‌السلام : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (١) دليل على الوجوب ، والأخبار دالة عليه أيضا (٢).

قوله : ( والواجب : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ).

ظاهر العبارة انحصار الواجب من التّشهد فيما ذكره ، وأنّ كل ما سواه مندوب ، وبه صرّح في المنتهى (٣) ، وهو الظّاهر من كلامه في التّذكرة (٤) ، وتردّد في النّهاية في وجوب وحده لا شريك له ، آخر الشّهادة بالتّوحيد (٥).

والّذي يظهر من كثير من عبارات الأصحاب عدم وجوب الزائد ، حيث تضمنت الاجتزاء بالشّهادتين والصّلاة على النّبي وآله عليهم‌السلام ، وفي الأخبار ما يدل عليه ، مثل خبر سورة بن كليب ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما يجزئ من التشهّد؟ قال : « الشّهادتان » (٦) ، لكن روى محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : التشهّد في الصّلاة؟ قال : « مرّتين » قال : قلت : وكيف مرّتين؟ قال : « إذا استويت جالسا فقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، ثم تنصرف » قال : قلت : قول العبد التحيات والصلوات الطّيبات؟ قال : « هذا اللطف من الدّعاء يلطف العبد به ربّه » (٧) ،

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٦٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠١ حديث ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ حديث ١٢٨٩.

(٣) المنتهى ١ : ٢٩٢.

(٤) التذكرة ١ : ١٢٥.

(٥) نهاية الأحكام ١ : ٥٠٠.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٧ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ١٠١ حديث ٣٧٥.

(٧) التهذيب ٢ : ١٠١ حديث ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ حديث ١٢٨٩.

٣١٨

ولو أسقط الواو في الثاني ، أو اكتفى به ، أو أضاف الآل أو الرسول إلى المضمر فالوجه الإجزاء.

______________________________________________________

فظاهر هذه وجوب ما ذكره أولا ، ومن ثمّ تردّد في النّهاية (١).

وطريق الجمع الحكم بوجوب كلّ من العبارتين تخييرا ، وإن كانت إحداهما أفضل من الأخرى ، ويلوح هذا من عبارة الذّكرى (٢). ولا خلاف بين أصحابنا في وجوب الشّهادتين معا في كلّ من التشهّدين ، وكذا الصّلاة على النّبي وآله عليهم‌السلام.

وما يوجد في بعض الأخبار مما ظاهره الاكتفاء بإحداهما إما في التشهّد الأول أو فيهما (٣) ، وكذا ما يدلّ على نفي وجوب الصّلاة على النّبي وآله عليهم‌السلام (٤) لا يعارض الأخبار المشهورة في المذهب ، الّتي عليها عمل الأصحاب كافة (٥) ، مع إمكان حملها على إرادة بيان الواجب بالشروع في أوله اعتمادا على العلم بالباقي ، ويكون المراد : التّنبيه على أنّ أوّله وآخره غير واجبة.

قوله : ( ولو أسقط الواو في الثّاني أو اكتفى به ، أو أضاف الآل أو الرّسول إلى المضمر فالوجه الإجزاء ).

المراد بالواو : الواو العاطفة للشهادة الثّانية ، والمراد بالاكتفاء بالواو : حذف الفعل منها ، بأن يقول : وأن محمّدا ، وإضافة الآل والرّسول إلى المضمر عبارة عن إبدال المظهر بالضمير. ووجه الإجزاء : بقاء المعنى المطلوب ، فإن الشّهادة لا تفوت بحذف الواو ، وكذا الإظهار والإضمار عبارتان عن شي‌ء واحد. وأما إسقاط الفعل والاكتفاء عنه بالواو فلأنّه مع أنّ الواو تنوب عنه قد ورد في بعض الأخبار ، روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في التشهّد الأوّل : « أشهد أن لا إله إلاّ الله ،

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٥٠٠.

(٢) الذكرى : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٠ حديث ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ حديث ١٢٨٤.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٠ حديث ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ حديث ١٢٨٤ ، ١٢٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٧ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ١٠١ حديث ٣٧٥ ، ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ حديث ١٢٨٩.

٣١٩

ويجب فيه الجلوس مطمئنا بقدره ، فلو شرع فيه وفي الرفع ، أو نهض قبل إكماله بطل.

______________________________________________________

وحده لا شريك له ، وان محمّدا عبده ورسوله » (١). والأصحّ العدم ، لأنّ مخالفة المنقول غير جائزة ، وبقاء المعنى غير كاف ، لأن التعبّد بالألفاظ المخصوصة ثابت ، وهذه الرواية لا تنهض معارضة لغيرها من الأخبار المشهورة في المذهب (٢).

ومثله ما لو أبدل شيئا من الألفاظ بمرادفه ، كما لو أبدل أشهد بأعلم ، واسمه تعالى باسم آخر ، والآل بالأهل ، ونحو ذلك لما قلناه ، أو غير التّرتيب المنقول.

فائدة : آل محمّد هم : علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم‌السلام للنّقل الثّابت في ذلك من طرقنا (٣) وطرق المخالفين (٤) ، ويطلق على باقي الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام تغليبا.

قوله : ( ويجب فيه الجلوس مطمئنا بقدره فلو شرع فيه وفي الرّفع أو نهض قبل إكماله بطل ).

وجوب الجلوس مطمئنّا بقدر التّشهد الواجب بإجماعنا ، للتّأسي بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام فلو شرع في التشهّد وفي الرّفع من السّجود معا ، أو نهض قائما قبل إكماله بطل تشهده وصلاته إن كان متعمّدا للنّهي المقتضي للفساد. مع الإخلال بالواجب ، وإن كان ناسيا تداركه إن بقي محلّه ، وإلا فالظاهر أنّه لا يقتضيه بعد الصّلاة.

وهذا إنّما هو حال الاختيار ، أما عند الضّرورة كما لو عجز عن الطّمأنينة أو صلّى ماشيا لم تجب الطّمأنينة ، لا كما يجب الجلوس لو عجز عنه ، ولو اقتضت التقية فعله من قيام ـ كما لو كان مسبوقا بركعة ـ فإنّه لا يتخلف في ثالثة الإمام‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ حديث ٣٧٣.

(٢) منها : ما رواه الشيخ في التهذيب ٢ : ٩٢ حديث ٣٤٤.

(٣) تفسير القمي ٢ : ١٩٣.

(٤) الدر المنثور ٥ : ١٩٨ ، تفسير القرآن العظيم ٣ : ٤٩٤ ، تفسير أبي السعود ٧ : ١٠٣ ، تفسير القاسمي ١٣ : ٢٥٠.

٣٢٠