جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

المطلب الثالث : في كيفيته : الأذان ثمانية عشر فصلا : التكبير أربع مرات وكل واحد من الشهادة بالتوحيد ، والرسالة ، ثم الدعاء إلى الصلاة ، ثم إلى الفلاح ، ثم إلى خير العمل ، ثم التكبير ، ثم التهليل ، مرتان مرتان.

والإقامة كذلك ، إلاّ التكبير في أولها فيسقط مرتان منه ، والتهليل يسقط مرة في آخرها ، ويزيد قد قامت الصّلاة مرتين بعد حي على خير العمل ،

______________________________________________________

فوات الموالاة ، كما صرّح به المصنّف في غير هذا الكتاب (١) ، وغيره (٢) لعدم تسميته أذانا مع فواتها ، وكذا الحكم لو سكت طويلا ، أو تكلّم في خلاله بمحلّل أو بمحرّم.

قوله : ( المطلب الثّالث : في كيفيّته : الأذان ثمانية عشر فصلا : التكبير اربع مرّات ، وكلّ واحدة من الشّهادة بالتوحيد والرّسالة ، ثمّ الدعاء إلى الصّلاة ، ثم الى الفلاح ، ثم إلى خير العمل ، ثم التّكبير ، ثم التّهليل مرّتان مرّتان.

والإقامة كذلك ، إلاّ التّكبير في أوّلها فيسقط مرّتان منه ، والتّهليل يسقط مرّة في آخرها ، ويزيد قد قامت الصّلاة مرّتين ، بعد حيّ على خير العمل ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، تدل عليه رواية إسماعيل الجعفي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا ، فعد ذلك بيده واحدا واحدا ، الأذان ثمانية عشر حرفا ، والإقامة سبعة عشر حرفا » (٣) ، وفي صحيح زرارة قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : « يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات ، وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين » (٤).

ونقل الشّيخ : إنّ في أصحابنا من جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان ، وزاد فيها ( قد قامت الصّلاة ) مرّتين ، فتكون فصول الإقامة عشرين (٥) وتشهد له رواية‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٥٧.

(٢) منهم : الشهيد في البيان : ٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٢ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ حديث ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ حديث ١١٣٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٢ حديث ٥ ، التهذيب ٢ : ٦١ حديث ٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ حديث ١١٣٧.

(٥) المبسوط ١ : ٩٩.

١٨١

______________________________________________________

أبي بكر الحضرمي ، وكليب الأسدي ، عن الصّادق عليه‌السلام (١).

وقال ابن الجنيد : إذا أفرد الإقامة عن الأذان ثنّى لا إله إلاّ الله في آخرها ، وإن أتى بها معه فواحدة (٢).

وروى الشّيخ تربيع التّكبير في آخر الأذان ، وتربيعه في أوّل الإقامة وآخرها أيضا ، وتثنية التّهليل في آخرها (٣) ، وروى عن الصّادق عليه‌السلام : « أن الإقامة مرّة مرّة ، إلاّ قوله : الله أكبر ، الله أكبر ، فإنّه مرّتان » (٤) ، وروى غير ذلك (٥) ، والمعتمد هو المشهور.

فروع

أ : يجوز النّقض عمّا ذكره في السّفر ، روى بريد بن معاوية ، عن الباقر عليه‌السلام قال : « الأذان يقصر في السّفر كما تقصّر الصّلاة ، الأذان واحد واحد ، والإقامة واحدة واحدة » (٦) ، وفي مرسلة عن الصّادق عليه‌السلام : « الإقامة التامة وحدها أفضل منهما منفردين » (٧).

ب : معنى حيّ : هلمّ وأقبل ، تعدّى بعلى وإلى ، نصّ عليه في القاموس (٨).

والفلاح : الفوز والبقاء ، وإطلاقه على الصّلاة لكونها سببا فيه.

ج : تستحبّ الصّلاة على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ذكره المؤذّن ، للمؤذّن والسّامع ، لصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « وأفصح بالألف والهاء ، وصلّ على النّبي وآله كلّما ذكرته ، أو ذكره ذاكر عندك في أذان وغيره » (٩).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٨ حديث ٨٩٧ ، التهذيب ٢ : ٦٠ حديث ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٦ حديث ١١٣٥.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٩٠.

(٣) قال الشيخ في النهاية : ٦٩ : ومن روى اثنين وأربعين فصلا فإنه يجعل في آخر الأذان التكبير أربع مرات.

(٤) التهذيب ٢ : ٦١ حديث ٢١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ حديث ١١٣٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٦١ حديث ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ حديث ١١٣٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٢ حديث ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ حديث ١١٤٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٦٢ حديث ٢١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ حديث ١١٤٢ وهي بالمضمون لا بالنص.

(٨) القاموس المحيط ( حي ) ٤ : ٣٢٢.

(٩) الكافي ٣ : ٣٠٣ حديث ٧ ، الفقيه ١ : ١٨٤ حديث ٨٧٥.

١٨٢

والترتيب شرط فيهما.

ويستحب الاستقبال ،

______________________________________________________

د : يستحبّ أن يضع المؤذّن إصبعيه في أذنيه حالة الأذان ، لقول الصّادق عليه‌السلام : « السنة أن تضع إصبعيك في أذنيك » (١) ، وقد روي : أنّ بلالا قد فعله في أذانه (٢).

قوله : ( والتّرتيب شرط فيهما ).

أي : شرط في صحّتهما ، والمراد : التّرتيب بينهما وبين فصولهما تأسيا بمؤذّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبما علّمه جبرئيل عليه‌السلام (٣) ، ولأنّهما عبادة شرعيّة لا مجال للعقل فيها ، فيقتصر فيها على المنقول ، ولصحيحة زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من سها في الأذان فقدّم أو أخر عاد على الأوّل الّذي أخره ، حتّى يمضي الى آخره » (٤). وعنه عليه‌السلام : « فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الّذي نسيه ، ثم يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة » (٥). ومعنى اشتراط التّرتيب فيهما عدم اعتبارهما بدونه ، فلا يعتد بهما في الجماعة ، ولا يبرأ بهما من حلف أن يؤذن أو يقيم ، ويأثم لو اعتقدهما أذانا وإقامة.

قوله : ( ويستحبّ الاستقبال ).

أي : فيهما ، والإقامة آكد ، تأسيا بمؤذّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوجبه المرتضى في الإقامة (٦). ويكره الالتفات يمينا وشمالا ، سواء كان على المنارة أم على الأرض ، خلافا لبعض العامة في المنارة (٧) ، ولا يلوي عنقه في الحيّعلتين.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٤ حديث ٨٧٣ ، التهذيب ٢ : ٢٨٤ حديث ١١٣٥.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٦ حديث ٧١١.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٠ حديث ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ حديث ١١٣٤.

(٤) الكفافي ٣ : ٣٠٥ حديث ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٨٠ حديث ١١١٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٠ حديث ١١١٤.

(٦) جمل العلم والعمل : ٥٨.

(٧) انظر : المغني ١ : ٤٧٣.

١٨٣

وترك الإعراب في الأواخر ، والتأني في الأذان ، والحدر في الإقامة ،

______________________________________________________

قوله : ( وترك الإعراب في الأواخر ، والتأنّي في الأذان ، والحدر في الإقامة ).

أي : في فصول كلّ منهما ، لقول الصّادق عليه‌السلام : « الأذان ولإقامة مجزوما » ، وفي خبر : آخر « موقوفا » (١).

ويستحبّ التأنّي في الأذان ، والحدر في الإقامة ، لقول الباقر عليه‌السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (٢) ، والمراد بالألف ألف الله الّتي قبل الهاء وهي الّتي لا تكتب ، والهاء ما بعده في آخر الشهادتين.

ويراعى مع الحدر في الإقامة ترك الإعراب والوقوف على فصولها ، فيكره الإعراب فيها ، كما يكره في الأذان.

واستحباب ترك الإعراب يقتضي استحباب ترك الرّوم (٣) والإشمام (٤) والتّضعيف ، فإنّ فيها شائبة الإعراب ، ولو أعرب لم يخل بالاعتداد بهما وإن ترك الأفضل ، بل لو لحن فيهما لم يخل بذلك وإن كره.

ولو كان اللّحن مخلا بالمعنى كما لو نصب لفظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلا ، فإنّه يخرج عن كونه خبرا ، أو مدّ لفظة ( أكبر ) بحيث صار على صيغة أكبار ، وهو : جمع كبر ، وهو الطبل ، ففي الاعتداد حينئذ تردّد.

وكذا لو أسقط الهاء من اسمه تعالى واسم الصّلاة ، والحاء من الفلاح ، لما روي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يؤذن لكم من يدغم الهاء » ، قلنا : وكيف يقول؟ قال : يقول : « أشهد أن لا إله الاّ الله (٥) ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله » (٦)

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٤ حديث ٨٧٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٨ حديث ٢٠٣.

(٣) قال الجوهري : وروم الحركة الذي ذكره سيبويه هي حركة مختلسة مختفاة لضرب من التخفيف وهي أكثر من الإشمام لأنها تسمع ، الصحاح ( روم ) ٥ : ١٩٣٨ ، وانظر : القاموس ( روم ) ٤ : ١٢٣.

(٤) قال الجوهري : واشمام الحرف أن تشمه الضمة والكسرة وهو أقل من روم الحركة لأنه لا يسمع وانما يتبين بحركة الشّفة ولا يعتد بها حركة لضعفها ، الصحاح ( شمم ) ٥ : ١٩٦٢.

(٥) تجدر الإشارة الى أن النسخ الخطية والمصدر فيه اختلاف في رسم لفظ الجلالة ، وعليه إن كان السؤال عن كيفية إدغام الهاء فما أثبتناه هو الصحيح ، وان كان عن كيفية القول الصحيح ف ( الله ) هو الصحيح.

(٦) نقله ابن قدامة في المغني ١ : ٤٧٩ عن الدار قطني في الافراد.

١٨٤

والفصل بينهما بسكتة أو جلسة ، أو سجدة أو خطوة ، أو صلاة ركعتين ، إلاّ المغرب فيفصل بسكتة أو خطوة ،

______________________________________________________

وفيه إشعار بعدم الاعتداد.

ولو كان اللثغ غير متفاحش جاز أن يؤذن ، لما روي أن بلالا كان يجعل الشّين سينا.

قوله : ( والفصل بينهما بسكتة ، أو جلسة ، أو سجدة ، أو خطوة ، أو صلاة ركعتين ، إلاّ المغرب فيفصل بسكتة ، أو خطوة ).

يستحب الفصل بين الأذان والإقامة ، لقول الصّادق عليه‌السلام : « لا بدّ من قعود بين الأذان والإقامة » (١) ، وفي مقطوع الجعفري ، قال : سمعته يقول : « افرق (٢) بين الأذان والإقامة بجلوس ، أو ركعتين » (٣).

وعن أبي عبد الله ، وأبي الحسن عليهما‌السلام : « كان يؤذن للظّهر على ستّ ركعات ، ويؤذن للعصر على ستّ ركعات بعد الظّهر » (٤).

وعن الصّادق عليه‌السلام : « افصل بين الأذان والإقامة بقعود ، أو كلام ، أو تسبيح » ، وقال : « يجزئه الحمد لله » (٥) ، وذكر الأصحاب الفصل بسجدة ، أو خطوة ، أو سكتة (٦) ، وهذا في غير المغرب ، أمّا فيها فيستحبّ الفصل بخطوة ، أو سكتة ، أو تسبيحة.

عن الصّادق عليه‌السلام : « بين كلّ أذانين قعدة إلاّ المغرب ، فان بينهما نفسا » (٧) ، وعنه عليه‌السلام : « من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٤ حديث ٢٢٦.

(٢) في كافة النسخ الخطية : ( الفرق ) ، وفي التهذيب : ( افرق ) ، وهو الصحيح.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٤ حديث ٢٢٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٦ حديث ١١٤٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ حديث ٨٧٧ ، التهذيب ٢ : ٤٩ حديث ١٦٢.

(٦) منهم : الصدوق في الفقيه ١ : ١٨٥ ، والسيد المرتضى في الجمل : ٥٨ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٩٦ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٤٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٦٤ حديث ٢٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ حديث ١١٥٠.

(٨) المحاسن : ٥٠ حديث ٧٠ ، التهذيب ٢ : ٦٤ حديث ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ حديث ١١٥١.

١٨٥

ورفع الصوت به إن كان ذكرا ،

______________________________________________________

ويستحب أن يقول في جلوسه ما روي مرفوعا إليهم عليهم‌السلام : « اللهمّ اجعل قلبي بارا ، وعيشي قارّا ، ورزقي دارّا ، واجعل لي عند قبر رسول الله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرارا ومستقرا » (٢) ، قال في الذّكرى : ويستحب قوله ساجدا (٣) ، وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الدّعاء بين الأذان والإقامة لا يردّ » (٤).

قوله : ( ورفع الصّوت به إن كان ذكرا ).

لرواية معاوية بن وهب ، عن الصّادق عليه‌السلام : « ارفع به صوتك ، وإذا أقمت فدون ذلك » (٥) ، ولأن الغرض الإبلاغ ولا يتم إلاّ بذلك ، ولما روي أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لبلال : « اعل فوق الجدار ، وارفع صوتك بالأذان » (٦) ، وعن الصّادق عليه‌السلام : « إذا أذنت فلا تخفين صوتك ، فان الله يأجرك على مدّ صوتك فيه » (٧).

وهذا إذا كان ذكرا ، فان صوت المرأة عورة فلا ترفعه لئلاّ يسمعه الأجانب ، وكذا الخنثى.

ولو كان مريضا جاز له الإسرار به ، لقوله عليه‌السلام : « لا بدّ للمريض أن يؤذن ويقيم ، إذا أراد الصّلاة ، ولو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلّم به » (٨).

وكل من أسرّ به فلا بدّ من إسماع نفسه ، لقول الباقر عليه‌السلام : « لا يجزئك من الأذان إلاّ ما أسمعت نفسك أو فهمته » (٩) ، ولو كان الأذان للحاضرين جاز له إخفاته بحيث لا يتجاوزهم ، وإن رفع كان أفضل.

__________________

(١) في « ح » : قبر نبيك ، وكذلك في الكافي.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٨ حديث ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٦٤ حديث ٢٣٠.

(٣) الذكرى : ١٧١.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٤٤ حديث ٥٢١ ، سنن الترمذي ١ : ١٣٧ حديث ٢١٢ ، سنن البيهقي ١ : ٤١٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ حديث ٨٧٦.

(٦) المحاسن : ٤٨ حديث ٦٧ ، الكافي ٣ : ٣٠٧ حديث ٣١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ حديث ٢٠٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٥٨ حديث ٢٠٥ ، ولم ترد ( على ).

(٨) التهذيب ٢ : ٢٨٢ حديث ١١٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ حديث ١١٠٩.

(٩) الفقيه ١ : ١٨٤ حديث ٨٧٥.

١٨٦

وهذه الأمور في الإقامة آكد.

______________________________________________________

ومن فوائد رفع الصّوت بالأذان في المنزل كثرة الولد ، وزوال السّقم والعلل ، فان هشام بن إبراهيم شكا إلى الرّضا عليه‌السلام سقمه ، وأنّه لا يولد له ، فأمره : بأن يرفع صوته بالأذان في منزله ، قال : ففعلت ، فاذهب الله عني سقمي ، وكثّر ولدي.

قال محمّد بن راشد : وكنت دائم العلّة ما أنفك منها في نفسي ، وجماعة خدمي ، فلما سمعت كلام هشام عملت به ، فأذهب الله عنّي وعن عيالي العلل (١).

ولا ينبغي أن يجهد نفسه في رفع صوته زيادة على الطاقة ، لئلاّ يضر بنفسه وينقطع صوته.

قوله : ( وهذه في الإقامة آكد ).

المشار إليه بـ ( هذه ) يمكن أن يكون ما ذكره من التّرتيب ، وما بعده من الاستقبال ، وترك الإعراب إلى آخره ، ويمكن أن يراد به : مجموع ما دلّ عليه الكلام السّابق في المطلب الثّاني والثّالث من الصّفات ، لأن بعض ما سبق من الصّفات كالطّهارة ، والقيام أيضا في الإقامة آكد ، وفيه بعد. وانما كانت هذه الصفات آكد في الإقامة لقربها من الصّلاة ، وشدّة ارتباطها بها.

وروي عن سليمان بن صالح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يقيم أحدكم الصّلاة وهو ماش ، ولا راكب ، ولا مضطجع ، إلاّ أن يكون مريضا ، وليتمكّن في الإقامة كما يتمكن في الصّلاة » (٢).

وقال السّيّد المرتضى : لا تجوز الإقامة إلاّ على وضوء واستقبال القبلة (٣) ، لكن يستثني من ذلك رفع الصوت فإنّ الإقامة أدون من الأذان ، كما سبق في رواية معاوية بن وهب (٤) ، ولأنّها للحاضرين ، والأذان للإعلام مطلقا.

وممّا يستحب في الإقامة مؤكدا كون من يتولاها عدلا مبصرا ، بصيرا بالأوقات ، لتكون له أهلية تقليد أصحاب الأعذار إياه ، وإنّما قلنا : إنّ ذلك آكد في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ حديث ٣٣ ، الفقيه ١ : ١٨٩ حديث ٩٠٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ حديث ٢٠٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٦ حديث ٢١ ، التهذيب ٢ : ٥٦ حديث ١٩٧.

(٣) جمل العلم والعمل : ٥٨.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٥ حديث ٨٧٦.

١٨٧

ويكره الترجيع لغير الإشعار ، والكلام في‌ خلالهما ،

______________________________________________________

الإقامة لأنّها أقرب الى الصّلاة من الأذان ، واعتبار الإسلام ، والعقل ، والذّكورية إذا سمع الأجانب ، بطريق أولى.

قوله : ( ويكره الترجيع لغير الاشعار ).

الترجيع هو : تكرار الشّهادتين مرتين ، وقال الشّيخ في المبسوط : الترجيع غير مسنون في الأذان ، وهو : تكرار التّكبير والشّهادتين في أوّل الأذان ، فإن أراد تنبيه غيره جاز تكرير الشهادتين (١) ، وكأنّه استند في الجواز إلى رواية أبي بصير ، عن الصّادق عليه‌السلام : « لو أذن مؤذنا أعاد في الشّهادتين ، وفي حي على الصّلاة ، أو حي على الفلاح المرّتين أو الثلاث ، وأكثر من ذلك إذا كان إماما يريد جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » (٢) ، ويؤيده أنّه ذكر لله تحصل منه فائدة لا تحصل بدونه.

وفي التّذكرة (٣) ، والنّهاية : إنّ التّرجيع تكرير الشّهادتين مرّتين أخريين (٤) ، وهو قريب من التّرجيع الّذي استحبّه بعض العامّة (٥) ، فإنّه استحبّ ذكر الشّهادتين مرّتين مرّتين يخفض بذلك صوته ، ثم يعيدهما رافعا بهما صوته.

وفسره في الذّكرى : بأنّه تكرير الفصل زيادة على الموظف (٦) ، فهو أعمّ ممّا سبق ، والجميع مكروه ، وإن اعتقد توظيفه كان بدعة حراما ، وإن دعت إليه حاجة إشعار المصلّين جاز ، كما دلّت عليه الرّواية (٧) وصرّح به الأصحاب (٨) ، وإطلاق عبارة بعضهم يشمل الأذان والإقامة.

قوله : ( والكلام في خلالهما ).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٨ حديث ٣٤ ، التهذيب ٢ : ٦٣ حديث ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ حديث ١١٤٩.

(٣) التذكرة ١ : ١٠٥.

(٤) نهاية الأحكام ١ : ٤١٤.

(٥) المغني ١ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير على متن المقنع ١ : ٤٣٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٥ ، السراج الوهاج : ٣٧ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٦ ، الميزان ١ : ١٣٣.

(٦) الذكرى : ١٦٩.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٨ حديث ٣٤ ، التهذيب ٢ : ٦٣ حديث ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ حديث ١١٤٩.

(٨) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٩٥ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ١٤٣.

١٨٨

ويحرم التثويب.

______________________________________________________

يكره الكلام في أثناء الأذان ، فإن تكلّم لم يعده ، عامدا كان أو ساهيا ، إلاّ أن يتطاول بحيث يخرج عن الموالاة ، ومثله السّكوت الطويل.

وكذا يكره الكلام في خلال الإقامة ، بل الكراهية هنا آكد ، روى أبو بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أيتكلم الرّجل في الأذان؟ فقال : « لا بأس » قلت : في الإقامة؟ قال : « لا » (١).

وعن سماعة قال : سألته عن المؤذّن يتكلّم وهو يؤذن؟ قال : « لا بأس حتّى يفرغ من أذانه » (٢). وعن أبي هارون المكفوف ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا أبا هارون الإقامة من الصّلاة ، فإذا أقمت فلا تتكلّم ، ولا تومئ بيدك » (٣) ، ولأنّه يستحبّ حدرها ، وأن لا يفرّق بينها.

وهذه الأخبار لا تنافي كراهيّة الكلام في الأذان ، لأن الجواز أعمّ ، والجواب بنفي البأس يشعر بشي‌ء ما ، وقطع توالي العبادة بأجنبي يفوّت إقبال القلب عليها ، وهذا إنما هو حيث لا يكون الكلام متعلّقا بمصلحة الصّلاة ، لما سيأتي من أنّه لا يقدح في الإقامة ، ففي الأذان أولى.

قوله : ( ويحرم التثويب ).

التّثويب هو قول : الصّلاة خير من النّوم بعد الحيّعلتين ، من ثاب : إذا رجع ، فإنّ المؤذن يرجع إلى الدّعاء إلى الصّلاة به بعد الدّعاء بالحيّعلتين ، وقد استحبّه جمع من العامة في الأذان الصّبح خاصّة (٤).

وفسّر بعض العامة التثويب بأن يقول بين الأذان والإقامة : حيّ على الصّلاة ، حي على الفلاح مرّتين (٥) ، وفيه معنى الرّجوع إلى الدّعاء بالحيّعلتين.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٤ حديث ١٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ حديث ١٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ حديث ١١١٠ ، والراوي في المصادر الثلاثة عمرو بن نصر.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٤ حديث ١٨٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٥ حديث ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ حديث ١٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ حديث ١١١١.

(٤) مغني المحتاج ١ : ١٣٦ ، السراج الوهاج : ٣٧ ، الميزان ١ : ١٣٣ ، مختصر المزني : ١٢.

(٥) سنن الترمذي ١ : ١٢٧.

١٨٩

______________________________________________________

وعلى كلّ حال فالتثويب حرام في الأذان والإقامة وبينهما ، في أذان الصّبح وغيره على الأصحّ ، لأن الأذان والإقامة متلقيان من الشّرع كسائر العبادات الّتي لا مدخل للعقل فيها ، فالزّيادة فيهما تشريع فتكون محرّمة.

وفي صحيحة معاوية بن وهب ، في التّثويب الّذي يكون بين الأذان والإقامة ، فقال : « ما نعرفه » (١) ، وما يوجد في بعض الأخبار من أنّ التثويب في الإقامة من السنة (٢) ، ومن نداء بعض أئمتنا عليهم الصلاة والسّلام في بيته بـ « الصّلاة خير من النّوم » (٣) ، فغير قادح لأنّهما من شواذ الأخبار ، وقد أعرض الأصحاب عنهما مع معارضتهما للأخبار الصّحيحة الصّريحة (٤) ، ويمكن حملهما على التقية.

وقول ابن الجنيد بجواز التثويب في أذان الفجر خاصة ضعيف (٥) ، وكذا قول الشّيخ في المبسوط (٦) ، وجماعة بكراهية التثويب (٧).

وفي المعتبر انّه قول أكثر علمائنا (٨) ، وفي الذّكرى أنّه الأشهر (٩) ، لأنّه حيث لم يكن موظفا في الشّرع يكون قوله على قصد التوظيف إدخالا في الشّرع ما ليس منه ، نعم لو قاله معتقدا أنّه كلام خارج من الأذان اتجه القول بالكراهيّة ، لكن لا يكون بينه وبين غيره من الكلام فرق ، على أنّ البحث فيه مع من يقول باستحبابه في الأذان وعده من فصوله ، فيكف يعقل القول بالكراهة؟ وهذا كلّه مع عدم التقية ، أمّا معها فلا حرج في قوله ، لا في اعتقاده.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٣ حديث ٦ ، التهذيب ٢ : ٦٣ حديث ٢٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ حديث ١١٤٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٢ حديث ٢٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ حديث ١١٤٥ وفيه : ( الأذان ) بدل ( الإقامة ).

(٣) التهذيب ٢ : ٦٣ حديث ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ حديث ١١٤٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٣ حديث ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٨ حديث ٨٩٥ ، التهذيب ٢ : ٦٣ حديث ٢٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ حديث ١١٤٧.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ١٦٩.

(٦) المبسوط ١ : ١٥.

(٧) منهم : الشيخ في الخلاف ١ : ٥٣ مسألة ٣٠ ، ٣١ كتاب مواقيت الصلاة ، والشهيد في الذكرى : ١٧٥.

(٨) المعتبر ٢ : ١٤٤.

(٩) الذكرى : ١٧٥.

١٩٠

المطلب الرابع : في الأحكام ، : يستحب الحكاية ،

______________________________________________________

وقال الشّيخ في النّهاية : التثويب : تكرير الشّهادتين دفعتين (١) ، وتبعه ابن إدريس (٢) ، ولم يجوّزاه ، والمعروف أنّ التّثويب ما سبق.

قوله : ( المطلب الرّابع : في الأحكام : يستحبّ الحكاية ).

أي : حكاية قول المؤذّن ، وهو وفاق بين العلماء ، لما روي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذّن » (٣).

وفي الصّحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال لمحمد بن مسلم : « يا محمّد ابن مسلم لا تدع ذكر الله على كلّ حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزّ وجلّ ، وقل كما يقول » (٤).

وروى ابن بابويه أنّ حكايته تزيد في الرّزق (٥) ، قال في المبسوط : وكلّ من كان خارج الصّلاة ، وسمع المؤذّن فينبغي ان يقطع كلامه إن كان متكلّما ، وإن كان يقرأ القرآن فالأفضل له أن يقطع القرآن ، ويقول كما يقول المؤذّن عملا بعموم الخبر (٦). ولو دخل المسجد والمؤذّن يؤذن ترك صلاة التحيّة إلى فراغ المؤذّن استحبابا ، ليجمع بين المندوبين.

والحكاية بجميع ألفاظه حتّى الحيّعلات ، وروى في المبسوط عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يقول عند قوله حي على الصّلاة : « لا حول ولا قوّة إلاّ بالله » (٧) ، ولا يستحبّ حكايته في الصّلاة ، ولو حكاه لم تبطل إذا حوقل بدل الحيعلة ، فان حيعل بطلت ، لأنّها من كلام الآدميّين.

وإنّما يستحب حكاية الأذان المشروع ـ لكل من أذاني الصّبح ـ ، لأنّ غيره لا‌

__________________

(١) النهاية : ٦٧.

(٢) السرائر : ٤٣.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢٨٨ حديث ٣٨٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٤ حديث ٥٢٢ ، سنن البيهقي ١ : ٤٠٨ ، مسند أحمد ٣ : ٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٧ حديث ٨٩٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٩ حديث ٩٠٤.

(٦) المبسوط ١ : ٩٧.

(٧) المصدر السابق.

١٩١

وقول ما يتركه المؤذن.

ويجتزئ الإمام بأذان المنفرد لو سمعه ،

______________________________________________________

يعد أذانا ، فلا يحكى أذان المجنون والكافر ، ولا أذان المرأة إذا سمعها أجنبي ، ولا أذان من أذّن في المسجد جنبا ، ولا الأذان الثّاني يوم الجمعة ، بخلاف أذان من أخذ عليه أجرا ، لأنّ المحرم أخذ الأجر لا الأذان.

وهل يحكي أذان عصر عرفة ، وعشاء المزدلفة وغيرهما مما يكره؟ فيه تردّد ، من عموم الأمر بالحكاية ، ومن أنّ الكراهة تقتضي المرجوحية فلا يناسبها استحباب الحكاية ، ورجّحه في التّذكرة في باب الجمعة (١) ، وصرّح به في النّهاية (٢) ، ويظهر من الأخبار أنّ المستحبّ حكاية الأذان (٣) ، فلا يستحبّ حكاية الإقامة لعدم الدّليل.

قوله : ( وقول ما يتركه المؤذّن ).

وهو حيّ على خير العمل ، لأنّه قد ثبت ـ من طرقنا (٤) ، وطرق العامة (٥) ـ أنّها من فصول الأذان والإقامة ، وادعاؤهم النّسخ (٦) ، لم يثبت ، وإنّما الّذي نهى عنها عمر ، كما نهى عن المتعتين (٧).

فيستحبّ لمن يسمع الأذان قولها إذا تركها المؤذن ، لما فيه من مراعاة السّنة بإكمال الأذان والإقامة ، وكذا غير ذلك من فصولهما ، وفي رواية ابن سنان ، عن أبي عبد الله صلّى عليه‌السلام : « إذا نقّص المؤذن الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه ، فأتم ما نقّص هو من أذانه » (٨).

قوله : ( ويجتزئ الإمام بأذان المنفرد لو سمعه ).

لرواية أبي مريم الأنصاري ، قال : صلّى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في قميص بلا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٥٦.

(٢) النهاية : ٨٢.

(٣) سنن النسائي ٢ : ٢٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٤ حديث ٥٢٢ ، ٥٢٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٨ حديث ٣٨٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٠ حديث ٢١٠ ، ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ و ٣٠٦ حديث ١١٣٤ ، ١١٣٥.

(٥) سنن البيهقي ١ : ٤٢٤ ، ٤٢٥.

(٦) سنن البيهقي ١ : ٤٢٥.

(٧) تفسير القرطبي ٥ : ١٣٠ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ١٤٧ ، تفسير الفخر الرازي ١٠ : ٥٢ ـ ٥٣.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٨٠ حديث ١١١٢ باختلاف في اللفظ وتطابق في المعنى.

١٩٢

والمحدث في أثناء الأذان والإقامة يبني ، والأفضل إعادة الإقامة.

ولو أحدث في الصلاة لم يعد الإقامة إلاّ أن يتكلم ،

______________________________________________________

إزار ولا رداء ، ولا أذان ولا إقامة ، فلما انصرف قلت له في ذلك ، فقال : « إنّ قميصي كثيف ، فهو يجزئ أن لا يكون عليّ إزار ولا رداء ، وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم ، فأجزأني ذلك » (١).

وفيها دلالة على أنّه لا يشترط كون المؤذّن قاصدا إلى الجماعة وأنّ سماعة معتبر ، وقد يقال : ليس في الرّواية تصريح بأن المؤذّن كان منفردا ، فلا دلالة فيها على المدّعى.

وقد روي عن عمرو بن خالد قال : كنّا مع أبي جعفر عليه‌السلام فسمع إقامة جار له في الصّلاة ، فقال : « قوموا » ، فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : « يجزئكم أذان جاركم » (٢) ، والحجّة في قوله عليه‌السلام : « يجزئكم أذان جاركم » فإنّه مطلق ، ولا عبرة بخصوص السّبب (٣) ، وكما يصلح للدلالة على الاكتفاء به في الجماعة ، يصلح للدلالة على اجتزاء المنفرد به ، بل هو أولى.

وكذا القول إذا سمع الأذان والإقامة لجماعة أخرى ، ويجوز الاكتفاء بأذان مؤذن المسجد ، والمؤذن في المصر إذا سمعه ، لفعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك (٤) ، وهل يستحبّ تكرار الأذان والإقامة في هذه المواضع للسّامع ، وإن كان منفردا؟ يحتمل ذلك خصوصا مع اتّساع الوقت ، أمّا المؤذّن والمقيم للجماعة فلا يستحبّ لهم التكرار معه.

قوله : ( والمحدث في أثناء الأذان والإقامة يبني ، والأفضل له إعادة الإقامة ، ولو أحدث في الصّلاة لم يعد الإقامة إلاّ أن يتكلّم ).

أمّا الأذان ، فلأن الحدث لا يمنع منه ابتداء فكذا استدامة ، وأمّا الإقامة فلأنّها وان كانت كالأذان في ذلك ، إلاّ أن الطهارة فيها آكد.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٠ حديث ١١١٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٥ حديث ١١٤١.

(٣) في « ح » : بحصول السببية.

(٤) سنن البيهقي ١ : ٤٠٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٢ حديث ٥١٤.

١٩٣

والمصلي خلف من لا يقتدي به يؤذن لنفسه ويقيم ، فإن خشي فوات الصلاة اجتزأ بالتكبيرتين وقد قامت الصلاة.

______________________________________________________

وقد قال بعض الأصحاب باشتراط الطّهارة فيها (١) ، وورد في بعض الأخبار (٢) ، فلذلك كان الأفضل إعادتها. ومثله ما لو أحدث في الصّلاة فإنّه يعيدها ، ولا يعيد الأذان ولا الإقامة ، وإن كانت إعادة الإقامة أفضل. ولو تكلّم أعادها لصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا تتكلم إذا أقمت الصّلاة ، فإنّك إذا تكلمت أعدت الإقامة » (٣).

ويعلم من أفضلية إعادة الإقامة بالحدث في أثنائها مطلقا أفضلية إعادتها بالحدث في أثناء الصّلاة.

قوله : ( والمصلّي خلف من لا يقتدي به يؤذن لنفسه ويقيم ، فإن خشي فوات الصّلاة اجترأ بالتّكبيرتين وقد قامت ).

روى محمّد بن عذافر ، عن الصّادق عليه‌السلام : « أذن خلف من قرأت خلفه » (٤) ، وروى معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا دخل الرّجل المسجد ، وهو لا يأتم بصاحبه ، وقد بقي على الإمام آية أو آيتان ، فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع ، فليقل : قد قامت الصّلاة ، قد قامت الصّلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، وليدخل في الصّلاة » (٥).

قال الشّيخ : وروي أنّه يقول : حيّ على خير العمل دفعتين لأنّه لم يقل ذلك (٦) ، وفي ذلك دلالة على أن أذان المخالف لا يعتد به ، لا لنقض بعض فصوله ، بل لكونه مخالفا ، كما تشعر به الرّواية المتضمّنة الأمر بالأذان خلفه ، والمتضمنة الاقتصار على آخر الإقامة عند خوف الفوات ، إذ من المعلوم أنّه يقول بعض ذلك.

__________________

(١) منهم : الشيخ في التهذيب ٢ : ٥٣ ذيل حديث ١٧٨ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ١٢٨ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٥٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٣ حديث ١٧٩ ـ ١٨١.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٥ حديث ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ حديث ١١١٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٦ حديث ١٩٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٦ حديث ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ حديث ١١١٦.

(٦) المبسوط ١ : ٩٩.

١٩٤

ويكره الالتفات يمينا وشمالا ، والكلام بعد قد قامت الصلاة بغير ما يتعلق بمصلحة الصلاة ،

______________________________________________________

وتقديم المصنّف التكبيرتين على قد قامت في العبارة وفاقا لعبارة الشيخ (١) ، اعتمادا على أن الواو لا تقتضي التّرتيب ، فإن السنة العمل على الرّواية في الإتيان بآخر الإقامة.

قوله : ( ويكره الالتفات يمينا وشمالا ).

أي : في الأذان والإقامة ، واستحبّه بعض العامة في الأذان (٢) وقد سبق.

قوله : ( والكلام بعد قد قامت بغير ما يتعلق بمصلحة الصلاة ).

أي : يكره ذلك كراهيّة مؤكدة ، وقال الشّيخان (٣) ، والسّيد (٤) بتحريمه حينئذ ، والأصحّ : الأوّل ، لصحيحة حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل أيتكلّم بعد ما يقيم الصّلاة؟ قال : « نعم » (٥). وعن الحسن بن شهاب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا بأس بأن يتكلّم الرّجل وهو يقيم الصّلاة ، وبعد ما يقيم إن شاء » (٦).

ولا تنافي ذلك رواية ابن أبي عمير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قال المؤذن : قد قامت الصّلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد ، إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى ليس لهم إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان » (٧).

وفي معناها رواية سماعة (٨) ، ورواية محمّد بن مسلم (٩) ، لان المراد بالتحريم : الكراهية المغلظة جمعا بين الأخبار ، والمراد بما يتعلّق بمصلحة الصّلاة : ما ذكر في الرّواية‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٩.

(٢) نيل الأوطار ٢ : ٣٠.

(٣) المفيد في المقنعة : ١٥ ، والطوسي في النهاية : ٦٦.

(٤) جمل العلم والعمل ( طبع جامعة مشهد ) : ٧٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٤ حديث ١٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ حديث ١١١٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٥ حديث ١٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ حديث ١١١٥.

(٧) التهذيب ٢ : ٥٥ حديث ١٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ حديث ١١١٦.

(٨) التهذيب ٢ : ٥٥ حديث ١٩٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ حديث ١١١٧ وفيه : ( إذا قام ... ).

(٩) التهذيب ٢ : ٥٥ حديث ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ حديث ١١١٢.

١٩٥

والساكت في خلاله يعيد أن خرج عن كونه مؤذنا وإلاّ فلا ، والإقامة أفضل من التأذين.

______________________________________________________

من تقديم الإمام ، وذلك على سبيل التّمثيل ، فإن الأمر بتسوية الصّف ، وطلب السّاتر ، والمسجد ، ونحو ذلك لا يضرّ ، لتعلّقه بمصلحة الصّلاة فكأنه من الصّلاة.

قوله : ( والساكت في خلاله يعيد إن خرج عن كونه مؤذنا ، وإلاّ فلا ).

المراد بذلك : الخروج عند أهل العرف لأجل طول السكوت المقتضي للإخلال بعدّ ما بقي مع ما سبق أذانا.

قوله : ( والإمامة أفضل من التأذين ).

يوجد في بعض النّسخ : والإقامة بالقاف موضع الميم الأوّل ، والنسخة الأولى موافقة لما في التّذكرة (١).

ويدلّ على أفضلية الإمامة عليه أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مواظبا على الإمامة ، ولم يثبت أنه أذن ، وإن ثبت فهو نادر ولا يجوز أن يترك الأفضل لغيره دائما ، وكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذا قد يدلّ على أن المجمع بينهما لا يعدّ مستحبّا.

وقال ابن إدريس : يستحبّ للإمام أن يلي الأذان والإقامة ليحصل له ثواب الجميع ، إلاّ أن يكون أمير جيش أو سرية ، فالمستحب أن يلي الأذان والإقامة غيره (٢) ، ونقله عن المفيد في رسالته إلى ولده.

وردّه في الذّكرى بمواظبة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، والأئمة بعدهم غالبا ، على خلاف ذلك ، قال : إلاّ أن يقول : هؤلاء أمراء جيوش أو في معناهم (٣).

قلت : هذا ليس بشي‌ء لثبوت التأسي.

وممّا يدل على أفضلية الإمامة على الأذان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الأئمة‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٠٤.

(٢) السرائر : ٤٤.

(٣) الذكرى : ١٧٥.

١٩٦

والمعتمد لترك الأذان والإقامة يمضي في صلاته ، والناسي يرجع مستحبا ما لم يركع ، وقيل العكس.

______________________________________________________

ضمناء ، والمؤذنون أمناء » (١) ، فإن الضّامن أعظم من الأمين.

وأيضا فإنّ الإمامة تستدعي معرفة أحوال الصّلاة ، والقيام بما تحتاج الإمامة إليه فيكون عمل الإمام أكثر ، وهو يستدعي زيادة الأجر.

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فارشد الله الأئمة ، وغفر للمؤذنين » (٢) ، فإن دعاءه مستجاب ، ومن أرشده الله فهو مستحق للمغفرة لا محالة ، فيستجمع الأمرين.

وذهب المصنّف في المنتهى إلى أفضلية الجمع بين الأذان والإمامة ، كما أن الجمع بينهما وبين الإقامة أفضل (٣) ، وما سبق من الدلائل ينافيه.

وأما أفضلية الإقامة على الأذان فلقربها من الصّلاة ، ولقول الصّادق عليه‌السلام : « إذا أخذ في الإقامة فهو في الصّلاة » (٤) ، ولشدّة استحباب الطّهارة ، والقيام والاستقبال ، وكراهية الكلام فيها ، والاكتفاء بها في كثير من المواضع عن الأذان دون العكس.

قوله : ( والمعتمد لترك الأذان والإقامة يمضي في صلاته ، والناسي يرجع مستحبّا ما لم يركع ، وقيل بالعكس ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال الشّيخ في النّهاية بالثّاني (٥) ، وأطلق في المبسوط القول بالاستئناف ما لم يركع (٦).

__________________

(١) سنن البيهقي ١ : ٤٣٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المنتهى ١ : ٢٦٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٦ حديث ٢١ ، التهذيب ٢ : ٥٦ حديث ١٩٧.

(٥) النهاية : ٦٥.

(٦) المبسوط ١ : ٩٥.

١٩٧

______________________________________________________

وقال السّيّد المرتضى (١) ، وجمع من المتأخّرين (٢) بالأوّل (٣) ، وهو الأصحّ ، لصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا افتتحت الصّلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ، ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف فأذن ، وأقم واستفتح الصّلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك » (٤).

وصحيحة علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في الرّجل ينسى أن يقيم الصّلاة ، قال : « إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته ، وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد » (٥) ، وإن كانت مطلقة إلاّ أنّها منزلة على عدم الدّخول في الرّكوع ، لأن المطلق يحمل على المقيّد ، وليس الأمر هنا للوجوب قطعا ، لأن الأذان والإقامة مستحبّان ، فكيف يجب الإبطال لهما؟ بل هو محمول على الاستحباب.

ويؤيّده ما رواه ( عن ) زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : رجل ينسى الأذان والإقامة حتّى يكبّر؟ قال : « يمضي في صلاته ولا يعيد » (٦). وروى نعمان الرازي ، عنه عليه‌السلام في ناسيهما حتّى كبر ودخل في الصّلاة ، قال : « إن كان دخل المسجد ومن نيته أن يؤذن ويقيم فليمض في صلاته » (٧) ، شرط في مضيّه في الصّلاة أن يكون من نيّته فعلهما ، فاقتضى أنه لو لم يكن من نيته ذلك أعادها ، وهو صادق بما إذا لم يخطرا بباله أصلا ، وبما إذا تعمّد تركهما.

وعلى المعنى الأخير ، فهو يصلح حجة لقول الشّيخ في النّهاية (٨) ، إذ لا دليل يدل عليه على ما ذكره المصنّف وغيره سوى كون المتعمد للترك حقيقا بالمؤاخذة ، ولا حجّة فيه.

__________________

(١) نقل قوله عن المصباح السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٩٨.

(٢) في « ح » : الأصحاب.

(٣) منهم : العلامة في المنتهى ١ : ٢٦١ ، والشهيد في الذكرى : ١٧٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧٨ حديث ١١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ حديث ١١٢٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٩ حديث ١١١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ حديث ١١٢٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٧٩ حديث ١١٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ حديث ١١٢١.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٧٩ حديث ١١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ حديث ١١٢٢.

(٨) النهاية : ٦٥.

١٩٨

المقصد الثاني : في أفعال الصلاة وتروكها : وفيه فصول :

الأول : القيام : وهو ركن في الصلاة الواجبة ، لو أخل به عمدا أو سهوا مع القدرة بطلت صلاته ،

______________________________________________________

ورواية نعمان محتملة ومعارضة بأقوى منها (١) ، وما يوجد في بعض الاخبار من رجوعه قبل أن يقرأ لا بعدها ، أو بعد قراءة بعض السّورة (٢) ، فهو محمول على الاستحباب المؤكد ، قبل القراءة دون ما بعدها ، وإن استحبّ الرّجوع ما لم يركع ـ كما سبق ـ ولا فرق في ذلك بين الامام والمنفرد.

وهل يرجع للإقامة خاصّة؟ قال ابن أبي عقيل (٣) ، وابن الجنيد : نعم (٤) ، وقيّده ابن الجنيد بما إذا لم يقرأ عامة السورة ، وفي بعض الأخبار دلالة عليه (٥) ، والظّاهر العدم اقتصارا في إبطال الصّلاة على موضع الوفاق.

قوله : ( المقصد الثّاني : في أفعال الصّلاة وتروكها ).

أراد بأفعال الصّلاة : ما تلتئم منه حقيقتها أركانا كانت أم لا ، وأراد بالتّروك : ما ينافي فعله صحة الصّلاة أو كمالها ، وسمّاها تروكا ، لأن المطلوب عدم فعلها في الصّلاة ، ولو مع الغفلة عنها فهي تروك محضة.

قوله : ( وفيه فصول : الأوّل : القيام : وهو ركن في الصّلاة الواجبة ، لو أخل به عمدا أو سهوا مع القدرة بطلت صلاته ).

القيام في الصّلاة الواجبة ركن لا مطلقا ، بل في مواضع مخصوصة ، والرّكن في اللّغة : هو الجزء الأقوى ، وعند الفقهاء كذلك ، إلاّ أن الرّكن في الصّلاة عند أصحابنا هو ما تبطل بزيادته أو نقصه ، عمدا وسهوا.

وإنّما يكون القيام المخصوص ركنا مع القدرة عليه ، أمّا مع العجز عنه فالركن بدله ، فلو قدّم قوله : ( مع القدرة ) على قوله ( لو أخل ) لكان أولى ، لأن القيام عند العجز‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٩ حديث ١١١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ حديث ١١٢٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٨ حديث ١١٠٢ ، ١١٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ حديث ١١٢٦ ، ١١٢٩.

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٨٨.

(٤) المصدر السابق.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٨ حديث ١١٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ حديث ١١٢٩.

١٩٩

______________________________________________________

ليس بركن قطعا ، فلا يكون الإخلال به حينئذ إخلالا بالركن. واحترز بالواجبة عن الصّلاة المندوبة ، لجواز فعلها من جلوس اختيارا. ويندرج في الواجبة غير اليومية حتّى المنذورة.

ويدل على وجوب القيام وركنيته في الصّلاة الواجبة إجماع علماء الإسلام ، نقله المصنّف في المنتهى (١) ، وقبل الإجماع قوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٢) أي : مطيعين ، وقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرافع بن خديج : « صلّ قائما ، فان لم تستطع فقاعدا » (٣).

وحسنة حمّاد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، المتضمنة قيام الصّادق عليه‌السلام مستقبل القبلة منتصبا في بيان صفة الصّلاة (٤) ، وبيان الواجب واجب. ولا يضر اشتمال فعله عليه‌السلام على المندوبات الّتي دلّ على ندبيتها دليل آخر ، لأن المطلوب به وجوب ما لم يخرجه دليل ، وغير ذلك من الرّوايات (٥).

إذا تقرر ذلك ، فاعلم أن المصنّف لما أطلق العبارة بأن القيام في الصّلاة الواجبة ركن ، وبيّن حكم الركن بأنّ الإخلال به مبطل عمدا وسهوا ، وكذا زيادته ، ورد عليه القيام في موضع القعود وعكسه سهوا ، فان ذلك غير مبطل اتفاقا ، ولا ينفعه قوله ـ في باب السّهو ـ ( إن زيادة الركن مبطلة عمدا وسهوا إلاّ زيادة القيام ) ، لأنّ فيه اعترافا بأن القيام في هذه الحالة ركن ، وأن الحكم بكون زيادة الرّكن مبطلة مطلقا ليس بمطرد ، وكلاهما غير جيد.

وقد حقق شيخنا الشّهيد في بعض فوائده : أنّ القيام بالنّسبة إلى الصّلاة على أنحاء :

القيام إلى النية ، فإنّه لما وجب وقوع النية في حال القيام اتفاقا وجب تقدمه‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٢) البقرة : ٢٣٨.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٦ حديث ١٢٢٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٠ حديث ٩٥٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣١١ حديث ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ حديث ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ حديث ٣٠١.

(٥) منها : ما رواه الكليني في الكافي ٣ : ٣٣٤ حديث ١ ، والشيخ في التهذيب ٢ : ٨٣ حديث ٣٠٨.

٢٠٠