جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

المنسحق كالأشنان والدقيق ، ولا بالوحل ، ولا النجس ، ولا الممتزج بما منع منه مزجا يسلبه إطلاق الاسم ، ولا المغصوب.

ويجوز بأرض النورة ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا بالوحل ).

وهو بتسكين الحاء وفتحها : الطين الرقيق ، نصّ عليه في القاموس (١) ، والظّاهر أنّ مطلق الطّين لا يجوز التيمم به لمفهوم قول الصّادق عليه‌السلام : « إذا كنت في حال لا تقدر إلاّ على الطين فتيمّم به » (٢) ، وفي معناه صحيحة رفاعة عنه عليه‌السلام (٣) ، وموثقة زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٤) ، نعم لو كانت الأرض مبتلّة على وجه لا يبلغ البلل صيرورة التّراب طينا جاز التيمّم به.

قوله : ( ولا الممتزج بما منع منه مزجا يسلبه إطلاق الاسم ).

كالممتزج بنحو الدّقيق والأشنان لسلب اسم الأرض عنه ، ومقتضى عبارة الذّكرى انّه إن كان الخليط بحيث يرى أو يسلب به اسم التّراب لا يجوز التيمم (٥) ، فعلى هذا لا يجوز التيمّم بالتّراب ، والمدر المخلوط بالتبن كثيرا بحيث يرى متميزا ، أما القليل فلا بأس لعسر الانفكاك عنه.

وفي المنتهى : ولو اختلط التّراب بما لا يعلق باليد كالشّعير جاز التيمّم منه ، لأن التّراب موجود فيه ، والحائل لا يمنع من التصاق التّراب باليد فكان سائغا (٦) ، هذا كلامه ، وكأنه يرى أنه إذا أمرّ يده على وجه يصل التّراب إلى جميع بطنها حال الضّرب أجزأ ، وفيه تردّد ينشأ من عدم تسمية الخليط ترابا.

قوله : ( ويجوز بأرض النّورة والجص ).

المراد قبل إحراقهما لوقوع اسم الأرض عليهما ، وعدم تناول المعدن لهما ،

__________________

(١) القاموس ٤ : ٦٤ مادة ( وحل ).

(٢) الكافي ٣ : ٦٧ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١٨٩ حديث ٥٤٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ حديث ٥٣٩.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٩ حديث ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ حديث ٥٣٩.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٩ حديث ٥٤٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ حديث ٥٣٨.

(٥) الذكرى : ٢١.

(٦) المنتهى ١ : ١٤٢.

٤٨١

والجص ، وتراب القبر ، والمستعمل ، والأعفر ، والأسود ، والأبيض ، والأحمر ، والبطحاء ، وسحاقة الخزف ، والمشوي ، والآجر ، والحجر.

______________________________________________________

وبالجواز رواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ، ومنع ابن إدريس من التيمّم بهما لكونهما معدنا (٢) ، وشرط الشّيخ في النّهاية في جواز التيمّم بهما فقد التّراب (٣) وهما ضعيفان ، أمّا بعد الإحراق فلا يجوز خلافا للمرتضى (٤) للاستحالة ، فإنّهما حينئذ بمنزلة الرماد.

قوله : ( وتراب القبر ).

لأنّه أرض ، سواء تكرر النّبش أم لا ، لأنّ الأصل الطّهارة ، نعم لو علم حصول نجاسة فيه لم يجزئ ، ولا يضر اختلاطه باللحم والعظم من دون مخالطة شي‌ء من النّجاسات ، إلاّ أن يعلم أن الميّت نجس ، وبعض العامة منع مما علم نبشه لمخالطته صديد الموتى ولحومهم ، وتوقف فيما جهل حاله (٥).

قوله : ( والمستعمل ).

إجماعا منّا لبقاء الاسم وعدم رفع الحدث ، وفسّر بالممسوح به ، والمتساقط عن محلّ الضّرب بنفسه أو بالنّفض ، أمّا المضروب عليه فليس بمستعمل إجماعا ، فإنه كالماء المغترف منه.

قوله : ( والأعفر ، والأسود ، والأحمر ، والأبيض ، والبطحاء ، وسحاقة الخزف ، والآجر ، والحجر ).

يجوز التيمّم بجميع أنواع التّراب لصدق اسم الصّعيد عليها ، والأعفر : هو الّذي لا يخلص بياضه بل تشوبه حمرة ، والأحمر ومنه ـ الأرمني ـ الذي يتداوى به ، والأبيض هو الّذي يؤكل سفها ، والبطحاء مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، أو التّراب اللّين في مسيل الماء ، ويجوز التيمم بذلك كلّه لصدق اسم الأرض عليه.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٨٧ حديث ٥٣٩.

(٢) السرائر : ٢٦.

(٣) النهاية : ٤٩.

(٤) قاله في المصباح ، كما نقله عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٣٧٥.

(٥) المجموع ٢ : ٢١٦ ، والمغني لابن قدامة ١ : ٢٩٣.

٤٨٢

ويكره السبخ والرمل ، ويستحب من العوالي.

ولو فقد التراب تيمم بغبار ثوبه ، أو عرف دابته ، أو لبد السرج ،

______________________________________________________

وامّا سحاقة الخزف والآجر فيبني الجواز فيهما على عدم الخروج بالطبخ عن الأرض ، وقد توقف فيه المصنّف في المنتهى (١) وظاهر كلام ابن الجنيد خروجهما عن الأرض (٢) ، فلا يجوز التيمم بهما عنده ، والأصحّ الجواز ومنع ما ادّعاه من الخروج ، وسحاقة الحجر كالحجر.

قوله : ( ويكره السبخ والرّمل ).

السبخة ، بالتّحريك والتسكين الأرض المملحة النشاشة (٣) ، وفي جواز التيمّم بها قولان : أشهر هما الجواز (٤) لأنّها أرض ، ولو علاها الملح لم تجزئ حتى يزيله ، أمّا الرمل فيجوز عندنا على كراهية.

قوله : ( ويستحب من العوالي ).

لبعدها عن النّجاسة ، ويكره من المهابط عند علمائنا أجمع ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا وضوء من موطإ » (٥) قال النّوفلي : يعني ما تطأ عليه برجلك ، ذكره في المنتهى (٦).

قوله : ( ولو فقد التّراب تيمّم بغبار ثوبه ، أو عرف دابته ، أو لبد السّرج ).

إذا فقد التّراب وما في معناه تيمّم بغبار أحد الثلاثة بأن ينفضه حتّى يعلوه الغبار ، إلاّ أن يتلاشى بالنفض فيضرب عليه ، فما لا غبار عليه لا يجزئ التيمّم عليه ، وليتخير (٧) أكثرها غبارا إن لم يمكن جمع ما فيها ، وذكر الثلاثة لكونها مظنته لا للحصر ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٤١.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٤٨.

(٣) القاموس المحيط ( سبخ ) ١ : ٢٦١.

(٤) نسب المحقق في المعتبر ١ : ٣٧٤ كراهية التيمم بالسبخة إلى علمائنا ما عدا ابن الجنيد حيث قال بعدم الجواز. وكذلك فعل العلامة في المختلف : ٤٨.

(٥) الكافي ٣ : ٦٢ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ١٨٦ حديث ٥٣٧.

(٦) المنتهى ١ : ١٤١.

(٧) في نسخة « ن » : وليتخذ.

٤٨٣

ولو لم يجد إلاّ الوحل تيمم به.

ولو لم يجد إلاّ الثلج فان تمكن من وضع يده عليه باعتماد حتى ينتقل من الماء ما يسمى به غاسلا وجب وقدمه على التراب ، وإلاّ تيمم به بعد فقد التراب.

______________________________________________________

فلو كان معه بساط عليه غبار تيمّم به ، لقول الصّادق عليه‌السلام : « فان كان في ثلج فلينفض لبد سرجه فليتيمّم من غباره ، أو شي‌ء مغبّر » (١).

والشيخ قدم غبار عرف الدابة والسّرج على الثّوب (٢) ، وابن إدريس عكس (٣) ، وهما ضعيفان ، إذ التيمّم إنّما هو بالغبار ، ولا عبرة بمحله.

ويجب تحصيل التّراب كالماء ولو بشراء ، أو استئجار ، أو اتهاب ونحو ذلك.

قوله : ( ولو لم يجد إلاّ الوحل تيمّم به ).

إن أمكن تجفيف الوحل بوجه تعيّن ، ولو بأن يضرب عليه ثم يدع يديه حتّى يجف ما عليهما ، وحينئذ فيقدمه على الغبار لأنه تراب ، فيفركه على شي‌ء ثم يضرب عليه ، وإن تعذر ذلك لم يجز التيمّم به إلاّ بعد فقد الغبار ، لقول الباقر والصّادق عليهما‌السلام بعد ذكر التيمّم بالغبار إذا لم يجد إلا الطين : انّه يتيمّم منه (٤).

قوله : ( ولو لم يجد إلاّ الثّلج فان تمكن من وضع يده عليه باعتماد حتى ينتقل من الماء ما يسمّى به غاسلا وجب ، وقدمه على التّراب ).

لا إشكال في هذا الحكم ، لأنّ المتمكّن من الطّهارة المائية لا يجزئه التيمّم ، ولقول الصّادق عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم وقد سأله عن الرّجل يجنب في السّفر ولا يجد إلاّ الثّلج ، قال : « يغتسل بالثّلج ، أو بماء النّهر » (٥) ولو تمكن من إذابته بالإسخان أو بتكسيره فكذلك.

قوله : ( وإلا تيمّم به بعد فقد التّراب ).

المراد فقد التّراب وما في معناه من حجر ورمل ، وكذا الغبار والوحل ، ومعنى‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٨٩ حديث ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ حديث ٥٣٩.

(٢) النهاية : ٤٩.

(٣) السرائر : ٢٦.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٩ حديث ٥٤٥ ، ٥٤٦ ، ٥٥١.

(٥) التهذيب ١ : ١٩١ حديث ٥٥٠.

٤٨٤

______________________________________________________

العبارة انّه إذا لم يتمكّن من وضع يديه على الثّلج حتّى ينتقل من الماء ما يسمّى به غاسلا تيمّم به ، والتيمّم في عبارته يحتمل أمرين :

أحدهما : أن يمسح وجهه وجميع أعضاء الوضوء ، أو الغسل به ويكون إطلاق التيمّم عليه مجازا ، وهو مختار الشّيخين (١) ، وإليه ذهب في المختلف (٢) وغيره (٣).

والثّاني : أن يمسح وجهه ويديه بنداوته بعد الضّرب ، كما يظهر من المرتضى (٤) ، وسلاّر (٥) ، ومستند ذلك ما رواه محمّد بن مسلم في الصّحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل يجنب في السّفر فلا يجد إلاّ الثّلج ، أو ماء جامدا ، قال : « هو بمنزلة الضّرورة ، يتيمّم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض الّتي توبق دينه » (٦) ، والحديث يحتمل أمرين :

أحدهما : أن يراد بقوله عليه‌السلام : « هو بمنزلة الضّرورة يتيمم » تيممه بالثّلج ، ويؤيد هذا قول السّائل : فلا يجد إلا الثّلج ، أو ماء جامدا ، وحينئذ فيكون التيمّم به محتملا لمسح أعضاء الطّهارة به ، مجازا عن التيمّم الحقيقي ، للاشتراك في المسح ، كما يحتمل مسح أعضاء التيمّم به بعد الضّرب عليه.

الثّاني : أن يراد بقوله عليه‌السلام : « يتيمّم » : التيمّم بالتّراب ، على معنى أنّ السّائل أراد أنّ الجنب لم يجد ما يغتسل به إلاّ الثّلج ، أو ماء جامدا ، ولم يرد أنّ التّراب ليس بموجود ، ويؤيد هذا المعنى قوله عليه‌السلام : « هو بمنزلة الضّرورة » ، بل المتبادر إلى الفهم هو هذا المعنى ، وعلى تقدير احتمال الحديث فلا دلالة فيه على التيمّم بالثّلج بحال سوى ما أراده المصنّف تبعا للشّيخين وما يظهر من كلام المرتضى.

واحتج المصنّف أيضا بأنّ المتطهر يجب عليه مماسة أعضاء الطّهارة بالماء وإجراؤه عليها ، فإذا تعذّر الثّاني وجب الأوّل ، إذ لا يلزم من سقوط أحد الواجبين لعذر‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٨ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٣١.

(٢) المختلف : ٤٩.

(٣) المنتهى ١ : ١٤٣ ، والتحرير ١ : ٢٢.

(٤) قاله في المصباح ، كما نقله عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٣٦.

(٥) المراسم : ٥٣.

(٦) التهذيب ١ : ١٩١ حديث ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٨ حديث ٥٤٤.

٤٨٥

ولو لم يجد ماء ولا ترابا طاهرا ، فالأقوى سقوط الصلاة أداء وقضاء.

______________________________________________________

سقوط الآخر ، وفيه نظر ، لأنه إن أراد وجوب المماسة من حيث هي كذلك فممنوع ، أو لكونها جزءا من مفهوم الغسل الّذي هو عبارة عن المماسة مع الجريان ، فمسلم ، لكن إنّما يجب مع إمكان الجزء الآخر ، لأن وجوبه إنّما هو حال كونه جزءا لا مطلقا.

والأصحّ أنّه إن لم يمكن استعمال الثّلج في الوضوء والغسل بحيث يتحقّق به الغسل المشتمل على الجريان ، ولم يجد شيئا آخر يتيمّم به فهو فاقد الطهورين ، وهو مختار ابن إدريس (١).

قوله : ( ولو لم يجد ماء ولا ترابا طاهرا فالأقوى سقوط الصّلاة أداء وقضاء ).

أي : لو لم يجد ماء طاهرا ، ولا ترابا طاهرا ، حذف من الأوّل لدلالة الثّاني عليه ، فانّ وجود النّجس كعدمه ، وكذا المشتبه به ، لأنّ المطهّر لا بد أن يكون طاهرا ، وليس المراد ظاهر اللّفظ ، لأن سقوط الصّلاة إنّما يتحقق إذا فقد المطهر بأنواعه من ماء وتراب ، وغبار ووحل ، وكأنّه اعتمد على ما أسلفه آنفا.

إذا عرفت ذلك ، فسقوط الأداء هو ظاهر مذهب أصحابنا ، لأن الطّهارة شرط للصّلاة مطلقا لقوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلا بطهور » (٢) وقد تعذّرت ، فيسقط التّكليف بها لامتناع التّكليف بما ليس بمقدور ، ويلزم من سقوط التّكليف بالشرط سقوط المشروط ، وإلاّ فإن بقي الاشتراط لزم تكليف ما لا يطاق ، وإن انتفى خرج المشروط مطلقا عن كونه مشروطا مطلقا ، وهو باطل.

أما سقوط القضاء فللأصحاب فيه قولان :

أحدهما ـ وهو الأصحّ ، واختاره المصنّف (٣) وجماعة ـ (٤) : السّقوط لانتفاء المقتضي ، فإنّ القضاء إنّما يجب بأمر جديد ولم يثبت ، ولأنّ الأداء لم يتحقق وجوبه ، فلا يجب القضاء بطريق أولى.

__________________

(١) السرائر : ٢٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢ حديث ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ حديث ٥٤٥.

(٣) التذكرة ١ : ٦٣ ، المختلف : ١٤٩.

(٤) منهم : المحقق في الشّرائع ١ : ٤٩ ، وفخر المحققين في الإيضاح ١ : ٦٨.

٤٨٦

______________________________________________________

والثّاني ـ واختاره شيخنا الشّهيد ـ (١) : وجوب القضاء ، وهو الظّاهر من عبارة الشّيخ في المبسوط (٢) لقوله عليه‌السلام : « من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته » (٣) وهو شامل لصورة النّزاع لأن ( من ) من أدوات العموم.

وأجاب عنه في المختلف بأنّ المراد : من فاتته صلاة يجب عليه أداؤها فليقضها ، إذ من لا يجب عليه الأداء لا يجب عليه القضاء كالصّبي والمجنون (٤). وفيه نظر ، لأنّ القضاء قد يجب على من لا يجب عليه الأداء ، كما في النّائم وشارب المرقد على وجه ، والمسافر في الصّوم.

ويمكن استفادة اعتبار الوجوب عليه من قوله : ( فريضة ) لأن فعيلا بمعنى المفعول ، أي : مفروضة وهي الواجبة ، ويبعد أن يراد وجوبها على غيره ، بأن يكون التّقدير من فاتته صلاة مفروضة على غيره ، لأن ذلك خلاف الظّاهر من حيث أنّ المتبادر غيره ، وأنّه يحتاج إلى زيادة التّقدير.

فان قيل : يمكن أن يراد بفريضة ما من شأنها أن تكون فريضة ، فيتناول صورة النزاع.

قلنا : وإن أمكن ، إلا أنّ السّابق إلى الفهم هو ما قلناه مع استغنائه عن زيادة التّقدير ، وإمكان إرادته غير كاف في وجوب القضاء لإمكان العدم ، والأصل براءة الذّمة ، وبما حققناه يظهر ضعف ما ذكره المصنّف آخرا في المختلف معترضا به على الجواب الّذي حكيناه عنه سابقا ، من أن وجوب القضاء معلّق على الفوات مطلقا ، والتخصيص بوجوب الأداء لم يدل اللّفظ عليه ، وإخراج الصّبي والمجنون بدليل خاصّ (٥).

__________________

(١) الذكرى : ٢٣.

(٢) المبسوط ١ : ٣١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٥ حديث ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ حديث ٣٥٠.

(٤) المختلف : ٥٣.

(٥) المختلف : ٥٣.

٤٨٧

الفصل الثالث : في كيفيته :

وتجب فيه النيّة المشتملة على الاستباحة ـ دون رفع الحدث فيبطل معه ـ والتقرب ، وإيقاعه لوجوبه أو ندبه

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثّالث : في كيفيته وتجب فيه النيّة المشتملة على الاستباحة دون رفع الحدث فيبطل معه ، والتقرب وإيقاعه لوجوبه أو ندبه ).

وجوب النيّة في التيمّم بإجماع علماء الإسلام إلا من شذّ (١) ، ويدلّ عليه مع ذلك ظاهر الآية (٢) والحديث (٣) ، ولا ريب في اعتبار قصد الاستباحة لامتناع حصولها بدون النيّة دون الرّفع ، فلو اقتصر عليه لم يصحّ لامتناع حصوله بالتيمّم ، وإلاّ لما بطل إلاّ به ، والإجماع على أنّ المتيمّم إذا تمكن من استعمال الماء تطهر عن الحدث السّابق. ويحتمل الصّحة لاستلزامه الاستباحة ، فيدخل تحت النيّة ، وهو ضعيف. ولو ضمّه إلى الاستباحة لغا وصحت النيّة ، وظاهر قوله في الكتاب : ( فيبطل معه ) عدم الصّحة هنا أيضا.

وفي الذّكرى : لو نوى رفع المانع من الصّلاة صحّ وكان في معنى الاستباحة (٤) ، وهو عجيب ، فانّ المانع هو الحدث ، أعني النّجاسة الحكمية الّتي إنّما ترتفع بالوضوء أو الغسل ، نعم يرتفع به المنع من الصّلاة لحصول الإباحة به ، وكأنه أراد بالمانع المنع. وأعجب منه قوله في البيان : لا رفع الحدث فيبطل ، إلا أن يقصد به رفع ما مضى (٥) ، فان الفرض أنّه غير دائم الحدث ليكون له حدث ماض وغيره ، ولو فرضناه دائم الحدث لم يكن التيمّم رافعا لدثه الماضي ولا غيره ، وفي قواعده حاول كون التيمّم رافعا للحدث مطلقا (٦) ، وهو غير واضح ، وما بيّن به ضعيف لا يحصل مطلوبه.

__________________

(١) مثل الأوزاعي والحسن بن صالح ، انظر : المغني لابن قدامة ١ : ٢٨٦.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٦ حديث ٥١٩ ، أمالي الشيخ الطوسي ٢ : ٢٣١.

(٤) الذكرى : ١٠٧.

(٥) البيان : ٣٦.

(٦) القواعد والفوائد ١ : ٩٢.

٤٨٨

مستدامة الحكم حتى يفرغ ، ووضع اليدين على الأرض ،

______________________________________________________

واعتبار نية التقرب والوجوب أو النّدب ظاهر كما في الوضوء والغسل ، ويعتبر مع ذلك نيّة البدليّة عن الوضوء أو الغسل على الأصح ، لأنّ وقوعه بدلا من الوضوء أو الغسل إنّما يكون بالنية ، لقوله عليه‌السلام : « وإنّما لكل امرئ ما نوى » (١) ، ويسقط اعتبار البدليّة في مواضع نادرة :

الأوّل : التيمّم للجنازة.

الثّاني : التيمّم للنّوم لمشروعيّتهما مع وجود الماء ، فلا يعقل فيهما معنى البدليّة.

الثّالث : التيمّم لخروج الجنب والحائض من المسجدين لعدم شرعيّة المائية لو تمكن منها كما سبق. وهنا شي‌ء ، وهو أنّه حيث لم يعتبر البدليّة في التيمّم في هذه المواضع فلا دليل يدل على وجوب ضربة واحدة أو ضربتين ، لأنّ مناط ذلك البدلية ، إلا أن يقال : يناط الحكم هنا بالحدث ، فإذا كان أكبر فضربتان ، وإلا فواحدة.

قوله : ( مستدامة الحكم حتّى يفرغ ).

قد تقدم تفسير الاستدامة حكما ، ودليل اعتبارها ، وذلك آت هنا.

قوله : ( ووضع اليدين على الأرض ).

أجمع الأصحاب على اعتبار الضّرب في التيمّم ، والرّوايات مصرحة به ، مثل قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمّار لما تمعّك بالتّراب ، وقد أجنب : « أفلا صنعت كذا » ، ثم أهوى بيديه على الأرض ، فوضعهما على الصّعيد (٢) ، وفي رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « فضرب بيديه الأرض » (٣) وفي رواية ليث المرادي عن الصّادق عليه‌السلام : « تضرب بكفّيك على الأرض » (٤) وغير ذلك من الاخبار (٥).

واختلاف الأخبار وعبارات الأصحاب في التعبير بالضّرب والوضع يدل على أنّ المراد بهما واحد ، فلا يشترط في حصول مسمّى الضّرب كونه بدفع واعتماد كما هو‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

(٢) الفقيه ١ : ٥٧ حديث ٢١٢ ، السرائر : ٤٧٣.

(٣) الكافي ٣ : ٦١ حديث ١ وفيه : ( بيده ) ، التهذيب ١ : ٢٠٧ حديث ٦٠١ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ حديث ٥٩٠.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٩ حديث ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٧١ حديث ٥٩٦.

(٥) راجع الكافي ٣ : ٦١ باب صفة التيمم ، التهذيب ١ : ٢٠٧ باب صفة التيمم ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ـ ١٧١.

٤٨٩

ثم مسح الجبهة بهما من القصاص الى طرف الأنف مستوعبا لها.

______________________________________________________

المتعارف ، لكن يشترط مقارنة النيّة له ، لأنّه أوّل أفعال التيمّم.

والمصنّف أهمل ذكر المقارنة هنا ، وخيّر في غير هذا الكتاب بين مقارنتها للضّرب وابتداء المسح (١). ويشكل بأنّ الضّرب أول الأفعال الواجبة ، فتأخير النيّة تأخير لها عن أول العبادة. ولو وضع اليدين ثم نوى ، فالظاهر عدم الإجزاء لعدم المقارنة للوضع حينئذ.

ويجب في الوضع كونه ببطن اليدين ـ لأنه المعهود ـ بغير حائل ، ومع الضّرورة يجزئ الضّرب بالظهور ، ويجب وضع اليدين معا ، فلو وضع واحدة ثم وضع الأخرى لم يجزئ لأن المفهوم من « أهوى بيديه على الأرض » ، و « اضرب بكفيك » كونهما دفعة.

قوله : ( ثم مسح الجبهة بهما من القصاص الى طرف الأنف مستوعبا لها ).

قد يشعر عطف مسح الجبهة على ما قبله بـ ( ثم ) الدالة على التّرتيب والتّراخي ، بأن فعل النية واستدامة حكمها سابق على المسح ، وليس ثم شي‌ء من أفعال التيمّم يتصور مقارنتها له إلا الضّرب ، فيكون دالاّ على ما قلناه ، إلاّ أنّ فيه خفاء وغموضا ، ومسح الجبهة من قصاص الشّعر في مقدّم الرّأس إلى طرف الأنف الأعلى ، وهو الّذي يلي آخر الجبهة متفق على وجوبه بين الأصحاب ، والأخبار الكثيرة دالة عليه ، مثل قول الصّادق عليه‌السلام في موثق زرارة : « ثم مسح بهما جبهته وكفّيه مرّة واحدة » (٢).

ولا يجب استيعاب الوجه على المشهور ، لدلالة الاخبار على مسح الجبهة ، ونقل المرتضى في النّاصرية إجماع الأصحاب عليه (٣) ، وقال علي بن بابويه : يجب مسح الوجه جميعه (٤) ، وبه روايات أكثرها ضعيفة الإسناد (٥) ، وقد أعرض عنها الأصحاب ، نعم مسح الجبينين ـ وهما المحيطان بالجبهة يتصلان بالصّدغين ـ واجب ، لوجوده في بعض‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦٣.

(٢) الكافي ٣ : ٦١ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ حديث ٦٠١ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ حديث ٥٩٠.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٤.

(٤) المقنع : ٩.

(٥) التهذيب ١ : ٢٠٧ حديث ٥٩٨ و ٥٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ حديث ٥٩١ و ٥٩٢.

٤٩٠

ثم ظاهر الكف الأيمن من الزند الى طرف الأصابع مستوعبا لها ، ثم الأيسر كذلك ،

______________________________________________________

الأخبار المتضمّنة تتميم البيان (١) والزّيادة غير المنافية مقبولة ، ولعدم مفصل محسوس بينهما وبين الجبهة.

وكذا الحاجبين وفاقا للصّدوق ، وقد حكى به رواية (٢) ، ولأنه لا بدّ من إدخال جزء من غير محلّ الفرض من باب المقدّمة فبملاحظته يقرب من ذلك ، وإن لم يكن عينه ، ولا يبعد إطلاق الجبهة في الأخبار على ذلك تجوزا.

ويجب كون المسح ببطن الكفين إلا لضرورة ، قال في الذّكرى : من نجاسة أو غيرها (٣) ، فحينئذ يمسح بظهر ما تعذر المسح ببطنه ، ويعتبر كونهما معا لظاهر الأخبار ، ويجب أن يبدأ في المسح بالأعلى ، فلو نكس فالأقرب عدم الإجزاء ، صرّح به جمع من المتأخّرين (٤) ، إمّا للحمل على الوضوء ، وهو بعيد ، وإمّا تبعا لتتميم البيان ، وفي الدّلالة ضعف ، إلا أنّ الاحتياط طريق البراءة.

ويجب استيعاب محل الفرض ، ويدلّ عليه قوله : ( مستوعبا لها ) أي : للجبهة بناء على أنّ الواجب مسحها ، ونصبه على الحال ، فلو أخل بجزء لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيجب تداركه وما بعده ما لم يطل الفصل فتفوت الموالاة.

قوله : ( ثم ظاهر الكفّ الأيمن من الزّند إلى أطراف الأصابع مستوعبا ، ثم الأيسر كذلك ).

يجب في مسح اليمنى أن يكون ببطن اليسرى ، وكذا في اليسرى يجب مسحها ببطن اليمنى إلاّ لضرورة ، ولا يجب استيعاب اليدين من المرفقين ، لدلالة النّص‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١١ حديث ٦١٣ و ٦١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧١ حديث ٥٩٣.

(٢) الفقيه ١ : ٥٧ حديث ٢١٢.

(٣) الذكرى : ١٠٩.

(٤) منهم : الشهيد في الذكرى : ١٠٩.

٤٩١

ولو نكس استأنف على ما يحصل معه الترتيب.

______________________________________________________

عليه (١) ، وفتوى أكثر الأصحاب به (٢) ، خلافا لعليّ بن بابويه (٣) ، والاستدلال كما سبق في الوجه ، بل يجب المسح من الزند باتّفاق الأصحاب.

ويجب البدأة بالزند في المسح إلى رؤوس الأصابع في مسح اليدين جميعا ، وإدخال جزء من غير محلّ الفرض من باب المقدّمة.

ويجب تقديم اليمنى على اليسرى بإجماعنا ، ولتتميم البيان ، كما يجب تقديم الجبهة على اليمنى ، وهو مستفاد من العطف بثم في الموضعين. ولا يخفى أنّ استيعاب محلّ الفرض بالمسح واجب كما سبق في الجبهة ، والمشار إليه في قوله : ( كذلك ) هو قوله : ( من الزند إلى أطراف الأصابع مستوعبا ) : أي ثم ظاهر الكف الأيسر من الزند إلى أطراف الأصابع مستوعبا.

ولا يجب في مسح الأعضاء المسح بجميع بطن الكفّ ، للأصل ، ولقول الباقر عليه‌السلام في قصة عمّار : « ثم مسح جبينه بأصابعه » (٤) ولما دلّ عطف الأفعال من الضّرب ومسح الجبهة واليمنى واليسرى بـ ( ثم ) على وجوب التّرتيب واعتباره في التيمّم عطف.

قوله : ( ولو نكس استأنف ما يحصل معه التّرتيب ).

أي : وجوبا وإن لم يتعمّد ، لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه وهو إجماع علمائنا.

وينبغي تقييد الاكتفاء باستئناف ما يحصل معه التّرتيب بعدم طول الزّمان كثيرا بحيث يفوت الموالاة ، فإنّه حينئذ يجب الاستئناف من رأس.

وتجب الموالاة أيضا ، وأسنده في الذّكرى إلى الأصحاب (٥) ، وصرّح به في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦١ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ باب صفة التيمم ، الاستبصار ١ : ١٧٠.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٣٣ والنهاية : ٤٩ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٣٦ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٤٧ ، وسلار في المراسم : ٥٤.

(٣) المقنع : ٩.

(٤) الفقيه ١ : ٥٧ حديث ٢١٢.

(٥) الذكرى : ١٠٥.

٤٩٢

ولو أخلّ ببعض الفرض أعاد عليه وعلى ما بعده.

ويستحب نفض اليدين بعد الضرب قبل المسح.

______________________________________________________

التّذكرة (١) ، وإن أهمله هنا ، وممّا يدلّ عليه العطف بالفاء في قوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ) (٢) لدلالتها على التعقيب في مسح الوجه ، ويلزم فيما عداه ذلك لعدم القائل بالفصل ، ولفعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام لوجوب التّأسي ، وفي الدلالة شي‌ء ، والمرجع في ذلك هو الإجماع. والمراد بالموالاة هنا هي المتابعة عرفا لعدم تصوّر معنى آخر ، نعم لا يضر الفصل اليسير الّذي لا يخلّ بصدق التوالي عرفا.

قوله : ( ولو أخلّ ببعض الفرض أعاد عليه وعلى ما بعده ).

إذ لم يأت بالمأمور به ، ولا فرق بين كون الإخلال عمدا أو سهوا ، إلا أنّه يشترط عدم الإخلال بالموالاة. ولو شك في الإخلال ببعض الأفعال فإن كان قبل الفراغ أتى بالمشكوك فيه وبما بعده لعدم تحقق الامتثال ، وإن كان بعد الفراغ لم يلتفت لعموم قول الصادق عليه‌السلام : « إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشككت فشكك ليس بشي‌ء » (٣).

قوله : ( ويستحب نفض اليدين بعد الضّرب قبل المسح ).

للأخبار الدّالة على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفض يديه بعد الضّرب (٤) ، وكذا الأئمة عليهم‌السلام ، ولأن فيه تحرزا من تشويه الخلقة ، وقال الشّيخ : ينفضهما ويمسح إحداهما بالأخرى (٥) ، واعتبر ابن الجنيد علوق التّراب باليدين ليمسح به (٦) ، وأخبار النفض حجة عليه ، وكذا تجويز التيمّم بالحجر ، ولا دلالة في الآية ، لأن الصّعيد وجه الأرض وهو شامل للحجر ، فيمتنع أن يكون ( من ) في الآية للتبعيض.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦٤.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٢ حديث ١٤٥٩.

(٤) الكافي ٣ : ٦١ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٢١١ ، ٢١٢ حديث ٦١٣ ، ٦١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧١ حديث ٥٩٣ وللمزيد راجع الوسائل ٢ : ٩٧٥ باب ١١ من أبواب التيمم.

(٥) المبسوط ١ : ٣٣.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٥١.

٤٩٣

ويجزئه في الوضوء ضربة واحدة ، وفي الغسل ضربتان.

______________________________________________________

قوله : ( ويجزئه في الوضوء ضربة واحدة ، وفي الغسل ضربتان ).

أي : إذا كان التيمّم بدلا من الوضوء أجزأ ضربة واحدة ، وإذا كان بدلا من الغسل لم يجزئ إلاّ ضربتان ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخّرين ، واجتزأ المرتضى (١) وجماعة (٢) بضربة واحدة في الجميع ، وأوجب علي بن بابويه ضربتين فيهما (٣) ، والأخبار مختلفة ، ففي بعضها ضربة (٤) ، وفي البعض الآخر ضربتان (٥) ، فجمع الأصحاب بينها بتخصيص الضّربة ببدل الوضوء ، والضربتين ببدل الغسل ، لأن العكس بعيد ومرجوح ، فإنّ الأكثر يناسب الطّهارة الكبرى ، وربّما أيدوه بما رواه زرارة في الصحيح ، عن الباقر عليه‌السلام ، قلت : كيف التيمّم؟ قال : « هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين ثم تنفضهما ، نفضة للوجه ، ومرّة لليدين » (٦) ، بأن نزل على تمام الكلام عند قوله عليه‌السلام : « هو ضرب واحد للوضوء » فيكون معناه وحدة الضّرب للوضوء.

والابتداء بقوله : « والغسل من الجنابة. » لبيان الضّربتين في الغسل وفيه بعد وتكلف ، وليس المراد بقوله : « تضرب بيديك مرّتين » توالي الضّرب ، كما يشعر به قوله : « ثم تنفضهما. » ، وكيف كان فالمذهب هو المشهور ، لأنّ فيه جمعا بين الأخبار ، وباقي الأقوال تستلزم اطراح بعضها.

إذا تقرّر هذا فعلى المشهور لا تكفي ضربة واحدة في بدل الغسل جزما ، أمّا في بدل الوضوء فهل يجزئ ضربتان؟ ظاهر كلامهم في الجمع بين الاخبار أن الواجب ضربة فلا تشرع الثّانية ، نعم بطلان التّيمم بها غير ظاهر لكن يأثم ، ولعلّ تعبير المصنّف بقوله : « ويجزئه في الوضوء ضربة » دون أن يقول : « وتجب ضربة » إلى غير ذلك من‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٤.

(٢) حكاه العلامة في المختلف : ٥٠ عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٥٠.

(٤) الكافي ٣ : ٦١ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ حديث ٦٠١ الاستبصار ١ : ١٧٠ حديث ٥٩٠.

(٥) التهذيب ١ : ٢٠٩ ، ٢١٠ حديث ٦٠٨ و ٦٠٩ و ٦١٠.

(٦) التهذيب ١ : ٢١٠ حديث ٦١١ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ حديث ٥٩٩.

٤٩٤

ويتكرر التيمم لو اجتمعا ،

______________________________________________________

العبارات للإشعار بهذا المعنى.

قوله : ( ويتكرر التيمّم لو اجتمعا ).

أي : الوضوء والغسل وذلك في غير الجنابة ، لأن المبدل منه القوي إذا كان متعدّدا ، فالبدل الضعيف أولى بالتعدّد ، وما رواه عمّار عن الصّادق عليه‌السلام (١) ، وأبو بصير ، من أنّ تيمّم الجنب والحائض سواء (٢) لا ينافي هذا الحكم ، لأن المراد سواء في الكيفيّة بالنّظر إلى كون كلّ منهما بدلا من الغسل ، على أنّ التسوية لا تفيد العموم ، فعلى هذا يجب على الحائض تيمم للغسل وآخر للوضوء ، وكذا أمثالها. ولو وجدت ماء لإحدى الطهارتين استعملته وتيمّمت عن الآخرى ، ولو كفى للغسل لم يجز صرفه إلى الوضوء.

ولو اجتمع حدث الجنابة مع غيره من الأحداث الكبرى ، فنوى بالتيمّم استباحة الصّلاة من حدث الجنابة ، أو البدليّة من غسلها ، فالظاهر أنّه يجزئ عن تيمّم آخر ويباح له الدخول في الصّلاة كما في الغسل ، ويظهر من عبارته اعتبار التعرض الى تعيين الحدث الآخر احتياطا ، حتّى أنّ التيمّم للجنابة إذا انفردت ، ظاهر عبارته أن تيمّمها لا يجزئ عن الحدث الأصغر إلا مع التعيين ، بل الأحداث الصغرى إذا اجتمع بعضها مع بعض ظاهر عبارته انّها كذلك ، وهو مشكل لأن الاستباحة من حدث يقتضي الاستباحة من غيره لأن المانع والمنع واحد ، وإلا لتعددت الطّهارة ، أو لجاز تعدّدها كما سبق تحقيقه في باب الوضوء.

ولو نوى الاستباحة من غير حدث الجنابة إذا اجتمع مع غيره من الأحداث الكبرى ، فهل يجزئ ـ على القول باجزاء الغسل عن غير الجنابة ـ عنه؟ يحتمل ذلك لأنّ التيمّم كالغسل ، ولان المانع وهو الحدث الّذي يطلب رفعه لما كان أمرا واحدا فالمنع أمر واحد ، فحيث نوى الاستباحة من واحد من الأحداث وجب أن يحصل له ، فيزول المنع المترتّب عليه وعلى غيره لأنه واحد. ويحتمل العدم ، لأن التيمّم طهارة ضعيفة ، مع انتفاء‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٨ حديث ٢١٥ ، التهذيب ١ : ٢١٢ حديث ٦١٧.

(٢) الكافي ٣ : ٦٥ حديث ١٠ ، التهذيب ١ : ٢١٢ حديث ٦١٦.

٤٩٥

ويسقط مسح المقطوع دون الباقي ، ولا بد من نقل التراب ، فلو تعرض لمهب الريح لم يكف ،

______________________________________________________

النص على ذلك ، وعدم تصريح الأصحاب به ، فيتعيّن الوقوف مع اليقين.

قوله : ( ويسقط مسح المقطوع دون الباقي ).

لأن وجوب المسح لو تعلق بمحلّ معدوم لزم تكليف ما لا يطاق ، فلو قطعت اليد من تحت الزند سقط مسح ما قطع ، ووجب مسح ما بقي ، إذ « لا يسقط الميسور بالمعسور » (١) ، ولو قطعت من فوقه سقط مسح الجميع.

ولو قطعت من مفصل الزند ، فهل يجب مسح ما بقي من المفصل أم لا. كما لو قطعت اليد من المرفق في الوضوء؟ تردد المصنّف في المنتهى (٢) نظرا الى أن الغاية هل تدخل ، أم لا؟ ثم اختار السّقوط لزوال محل الفرض وهو الكف. ويرد عليه أن الزند إن كان غاية ، وقلنا : إن الغاية تدخل لم يزل محل الفرض كلّه بالقطع المذكور ، بل يبقى منه شي‌ء ، ولا ريب أنّ مسحه أحوط.

ولو كان له إصبع زائدة أو كف أو يد فكالوضوء ، وحيث قلنا بوجوب مسحها فلا يجزئ الضرب والمسح بها ، ومتى حصل القطع فالظاهر أنّه يمسح وجهه بالتراب. ويحتمل أن يضرب بما بقي من الذّراع ويمسح به لأنه أقرب الى الضرب باليدين ، ولو بقي من محل الضرب شي‌ء فلا إشكال.

قوله : ( ولا بدّ من نقل التّراب ، فلو تعرض لمهب الريح لم يكف ).

المراد بنقله : كونه بحيث إذا أريد نقله أمكن ليمكن الضّرب عليه ، فلا يجزئ التعرّض لمهبّ الرّيح وإن كان فيه تراب لعدم إمكان الضّرب عليه ، والمتبادر من نقل التّراب هنا أخذه لمحلّ الضّرب ليمسح به ، كما هو مذهب بعض العامة (٣) ، وابن الجنيد (٤) منّا ، والإجماع على خلافه ، فلا يستقيم حمل العبارة إلاّ على ما ذكرناه ، وفيه من‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ حديث ٢٠٥.

(٢) المنتهى ١ : ١٤٨.

(٣) المجموع ٢ : ٢٣٥ ، الوجيز ١ : ٢١ ، فتح العزيز ( بهامش المجموع ) ٢ : ٣١٩.

(٤) نقله في المختلف : ٥٠.

٤٩٦

ولو يممه غيره مع القدرة لم يجز ، ويجوز مع العجز.

ولو كان على وجهه تراب فردده بالمسح لم يجز ، ولو نقله من سائر أعضائه جاز.

______________________________________________________

التّكلف ما لا يخفى.

قوله : ( ولو يممه غيره مع القدرة لم يجز ، ويجوز مع العجز ).

أما الحكم الأوّل : فظاهر قوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا ) وفعل الغير لا يعد فعلا حقيقة ، وقد سبق مثله في الوضوء والغسل.

وأمّا الحكم الثّاني : فلوجوب التوصّل إلى فعل الطّهارة بحسب الممكن كما في الطّهارتين ، فيجب حينئذ أن يضرب الصّحيح بيدي العليل ، ثم يمسح بهما إن أمكن ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « فاتوا منه بما استطعتم » (١) ولو تعذّر ذلك ضرب بيديه ومسح بهما ، ويتولى العليل النية لقدرته عليها ، ولو نويا كان أولى.

وحكى في الذّكرى عن ابن الجنيد أنّه قال : يضرب الصّحيح بيديه ، ثم يضرب بهما يدي العليل ، ثم قال : ولم نقف على مأخذه (٢).

قوله : ( ولو كان على وجهه تراب ، فردّده بالمسح لم يجز ولو نقله من سائر الأعضاء جاز ).

إنّما لم يجز ترديد التّراب على وجهه لأن الضّرب واجب ولم يأت به ، وأمّا جواز نقله من سائر أعضائه فلا يستقيم على ظاهره ، لما عرفت من وجوب الضّرب في التيمّم عندنا ، وإنّما يتأتى ذلك على مذهب الشّافعي (٣) الّذي يشترط لصحة التيمّم نقل التّراب ، فلا بدّ من حمل العبارة على نقل التّراب من سائر أعضائه وجمعه في موضع ليضرب عليه ، وقد كان ينبغي حذف هذه العبارة لما فيها من الاحتياج الى التكلف البعيد ، وإيهام ظاهرها.

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ١١٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ حديث ٤١٢ و ٤ : ١٨٣٠ حديث ١٣٣٧ ، سنن النسائي ٥ : ١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣ حديث ٢.

(٢) الذكرى : ١٠٩.

(٣) الوجيز ١ : ٢١ ، فتح العزيز ( بهامش المجموع ) ٢ : ٣١٨.

٤٩٧

ولو معّك وجهه في التراب لم يجز إلاّ مع العذر ، وينزع‌ خاتمه

______________________________________________________

قوله : ( ولو معّك وجهه في التّراب لم يجز إلاّ مع العذر ).

لأن الضّرب باليدين والمسح بهما واجب باتّفاقنا ، والنّصوص بذلك من طرقنا كثيرة ، أمّا مع العذر فيجوز ، إذ « لا يسقط الميسور بالمعسور » (١) فيقارن بالنيّة مسح جبهته بمحلّ الضّرب ، ومن العذر أن يكون باليد جراحة ونحوها ، ومنه القطع كما سبق.

وليست نجاسة اليدين ـ وإن تعذرت إزالتها ـ عذرا في الضّرب بالجبهة ، بل ولا في الضّرب والمسح بظهر الكفّين ، بل يتعيّن الضّرب والمسح بهما تمسّكا بالإطلاق ، لكن لو كانت نجاستهما متعدّية أمكن كونها عذرا حينئذ ، لئلا يتنجس بها التّراب فيضرب بالظهر ، فان عمّت فبالجبهة ، وعبارة الذكرى : ولو ربطت يد المكلّف فهو عذر (٢).

ويحتمل في الموضعين كونه عاجزا عن الطّهارة فيؤخر الصّلاة ، كما لو عجز في الوضوء أو الغسل عن عضو فصاعدا ولم يمكنه التيمّم ، ولو عمّت النّجاسة جميع الأعضاء فإن كانت متعدّية فلا تيمّم ، ولو أمكن تجفيفها فلا إشكال في الوجوب.

ولو كانت نجاسة محل الضّرب يابسة لا تتعدّى إلى التّراب ، ونجاسة محلّ المسح متعدّية ففي صحّة التيمّم تردد من عدم التنصيص على مثله ، ومن أنّ طهارة المحل شرط مع الإمكان لا مطلقا ، واعتبار عدم التعدّي في محلّ الضّرب لئلا يخرج التّراب بتعدي النجاسة إليه عن كونه طيبا.

وظاهر عبارة الذّكرى (٣) أن الحائلة كالمتعديّة. وفيه نظر ، لجواز المسح على الجبيرة ، وخصوصيّة النّجاسة لا أثر لها في المنع إلاّ إذا تعدّت ، نعم لو أمكن إزالة الجرم تعيّن ولو بنجاسة أخرى كالبول.

واعلم أنّ المصنّف أهمل اشتراط طهارة محلّ الأفعال من الضّرب والمسح ولا بدّ منه ، ويبعد أن لا يرى اشتراط الطّهارة فيها وإن تمكن من إزالة النّجاسة.

قوله : ( ونزع خاتمه ).

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ حديث ٢٠٥.

(٢) الذكرى : ١٠٩.

(٣) الذكرى : ١٠٩.

٤٩٨

ولا يخلل أصابعه.

الفصل الرابع : في الأحكام.

لا يجوز التيمم قبل دخول الوقت إجماعا ، ويجوز مع التضيق ،

______________________________________________________

يجب ذلك في حال الضّرب ، وكذا في حال المسح بالإضافة إلى الممسوح دون الماسح.

قوله : ( ولا تخلل أصابعه ).

أي : لا يستحبّ ، لأن المسح على الظّاهر ، لكن يستحبّ تفريجها في الضّرب للوجه والكفين ، نصّ عليه الأصحاب ، وكذا لا يخلّل شعره بطريق أولى لعدم الفائدة.

قوله : ( الفصل الرابع : في الأحكام : لا يجوز التيمّم قبل دخول الوقت إجماعا ، ويجوز مع التضيق ).

المتبادر من الوقت هو المحدود شرعا ، وهو وقت الأداء ، لأن الدّخول حقيقة إنّما يسند إليه ، واللام فيه للعهد الذهني ، فتكون العبارة في قوة : لا يجوز التيمّم قبل دخول الوقت في الموقتة إلى آخره أمّا غيرها فيتيمم لها عند إرادة فعلها ، كما ذكره في الاستسقاء ، لكن ذكر الخسوف بخصوصها مع كونها مؤقتة قد يشعر بخلاف ذلك.

ويمكن أن يراد بالوقت ما هو أعمّ من وقت الأداء ، فيكون التّمثيل بالخسوف والاستسقاء والفائتة للنّوعين ، واختصّ من النّوع الأوّل الخسوف لأنّها أخفى من غيرها.

وينبغي أن يراد بعدم جواز التيمّم قبل دخول الوقت ما إذا تيمّم لفعل الفريضة قبل وقتها ، أمّا تيمّمه لمطلق الفعل ، أو للكون على طهارة مثلا مع فقد الماء فيجوز على احتمال في الثّاني.

وأمّا جواز التيمّم مع التّضيق ، بل وجوبه ، فإنه وإن كان إجماعيا إلا أنّه لشدة ظهوره غني عن البيان ، إذ لولاه لزم الإخلال بالصّلاة. والمراد بالتضيق : أن لا يبقى من الوقت سوى مقدار فعل الصّلاة وما لا بدّ منه فيها.

٤٩٩

وفي السعة خلاف أقربه الجواز مع العلم باستمرار العجز ، وعدمه مع عدمه.

______________________________________________________

قوله : ( وفي السّعة خلاف أقربه الجواز مع العلم باستمرار العجز وعدمه مع عدمه ).

أي : عن استعمال الماء ، والمراد بالعلم المستفاد من العادات المتكررة ، أو المستفاد بقرائن الأحوال ، أو المستند إلى قول عارف ونحو ذلك ، وما اختاره المصنّف هو ما عليه أكثر المتأخّرين (١).

وقيل بوجوب مراعاة التضيق مطلقا ، وذهب إليه الأكثر كالشّيخين (٢) والمرتضى (٣) وأبي الصّلاح (٤) وابن إدريس (٥) وغيرهم (٦) لظاهر حسنة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إذا لم يجد المسافر ماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم ، وليصل آخر الوقت » (٧) ، والأمر للوجوب ، ولصحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعته يقول : « إذا لم تجد الماء فأخر التيمّم إلى آخر الوقت ، فان فاتك الماء لم يفتك التّراب » (٨) وبيانه كالأوّل.

ويعارض بالأخبار الدالة على عدم إعادة الصّلاة إذا وجد الماء في الوقت وقد صلّى بتيمم ، مثل رواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل في السّفر لا يجد الماء ، ثم صلّى ، ثم أتي بالماء وعليه شي‌ء من الوقت أيمضي على صلاته ، أم يتوضأ ويعيد الصّلاة؟ قال : « يمضي على صلاته ، فان ربّ الماء ربّ التّراب » (٩) وهو عام لعدم الاستفصال ، وليس حمل هذه الأخبار على ظن الضيق فتبين السعة بأولى من‌

__________________

(١) منهم : والشهيد في اللمعة : ٢٦ ، والعلامة الحلي في المختلف : ٥٣ والتذكرة ١ : ٦٤.

(٢) المفيد في المقنعة : ٨ ، والطوسي في النهاية : ٤٧.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٥.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٦.

(٥) السرائر : ٢٦.

(٦) كابن البراج في المهذب ١ : ٤٧.

(٧) الكافي ٣ : ٦٣ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٢ حديث ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ حديث ٥٤٨ وفي الجميع : ( ... وليصل في آخر الوقت ).

(٨) التهذيب ١ : ٢٠٣ حديث ٥٨٨ وفيه : ( لا تفتك الأرض ) الاستبصار ١ : ١٦٠ حديث ٥٥٤ وفيه : ( لم تفتك الأرض ).

(٩) التهذيب ١ : ١٩٥ حديث ٥٦٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ حديث ٥٥٤.

٥٠٠