جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

______________________________________________________

الثّاني : ما لا يكون له جرم ولا عين يشار إليهما ، وينجس الملاقي له مع الرّطوبة كالبول اليابس في الثّوب.

الثّالث : ما يقبل التطهير وهو بدن الميّت. ويقابلها العينيّة بالمعاني الثلاثة كما سبق.

إذا تقرّر هذا ، فالّذي فهمه الشارح ولد المصنّف من العبارة هو الاحتمال الثّاني (١) ، وكذا الفاضل السيّد عميد الدّين ، وليس بجيد ، أمّا أوّلا : فلأن كون نجاسة الميّت عينية أولا ، موضعه باب النّجاسات ، وقد تقدم حكمه هناك ، والّذي يجب أن يبحث عنه في باب المس هو نجاسة بدن الماس ، وأما ثانيا : فلعدم صحّة العبارة على تقدير إرادة أي معنى كان من معاني الحكمية.

أمّا الأوّل : فلأن القول بأن نجاسة بدن الميّت كنجاسة بدن الجنب قول ضعيف عند الأصحاب ، إذ هو قول المرتضى (٢) ، وعليه يتخرج عدم وجوب غسل المسّ ، وعلى هذا التّقدير يلزم أن يكون مقابل الظاهر في كلام المصنّف ، هو أنّ نجاسة بدن الميّت عينيّة خبثيّة ، وهو باطل عند المصنّف ، لأنّه يرى أنّ نجاسة الميّت عينيّة كما سبق في باب النّجاسات ويختار وجوب غسل المسّ ، فكيف يكون خلاف الظّاهر عنده؟.

وكذا على تقدير إرادة الثّالث ، إذ يلزم على هذا التّقدير أن يكون مقابل الظاهر كون نجاسة الميّت كنجاسة

الكلب والخنزير ، وهو معلوم الفساد ، وأمّا المعنى الثّاني فظاهر عدم إرادته وعدم مطابقته.

وأيضا فلا يستقيم ما فرعه على كون النّجاسة حكمية من أنّه لو مسّه بغير رطوبة ثم لمس رطبا لم ينجس على شي‌ء من التقديرات.

أما على الأوّل : فلأنه لا فرق في عدم تنجس الملاقي بين توسط الرّطوبة وعدمها.

وأمّا على الأخيرين : فلأن النّجاسة العينيّة أيضا كذلك ، فان لامسها بغير‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٦٦.

(٢) نقله عن مصباحه فخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ٦٦ ، والمحقق في المعتبر ١ : ٣٤٨.

٤٦١

ولو مسّ المأمور بتقديم غسله بعد قتله أو الشهيد لم يجب الغسل

______________________________________________________

رطوبة لا يتنجّس الملاقي له مطلقا ، فلا يكون ذلك متفرعا على كون النّجاسة حكمية.

والعجب أن ولد المصنّف في أوّل كلامه جعل القول بأن نجاسة الميّت ، حكمية ، وظاهره أنّ المذكور في العبارة مختار المرتضى (١) ، وأنّه اختار استحباب غسل المسّ ، ثم حقق آخرا أن نجاسته حكمية بالمعنى الثّالث ، ولم ينظر إلى أنّ مقابل الظاهر في العبارة ما هو ، ومن القائل به.

وعند التأمل يظهر فساده ، وأنّه لا قائل به ، فعلى هذا أصحّ الاحتمالين هو الأوّل ، فيكون معنى العبارة أن نجاسته حكمية حدثية ، فلو مسّ الميّت بغير رطوبة ثم لمس رطبا لم ينجس لعدم المقتضي ، إذ النّجاسة العينيّة لا تتعدى إلا مع الرّطوبة ، وهذا خلاف ما سبق منه في أحكام النّجاسات ، لكنه نفس ما ذكره في المنتهى (٢).

والتّحقيق : أنّ نجاسة الميّت ، إن قلنا : أنّها تتعدّى ولو مع اليبوسة ، كما ذكره المصنّف سابقا ، فنجاسة الماس عينية بالنّسبة إلى العضو الّذي وقع به المسّ ، حكمية بالنّسبة إلى جميع البدن ، فلا بدّ من غسل العضو ، ثم الغسل.

وإن قلنا : إنها إنما تتعدى مع الرّطوبة ـ وهو الأصحّ ـ فمعها تثبت النّجاستان ، وبدونها تثبت نجاسة واحدة ، وهي الشّاملة لجميع البدن.

قوله : ( ولو مسّ المأمور بتقديم غسله بعد قتله ، أو الشّهيد لم يجب الغسل ).

أما الأوّل : فلصدق الغسل فيه ، والمسّ بعده لا يوجب غسلا لقول الصّادق عليه‌السلام في خبر عبد الله بن سنان : « ولا بأس بمسّه بعد الغسل » (٣) ، وقد سبق الكلام فيه.

وأما الثّاني : فلأن في بعض الأخبار وجوب الغسل بمسّه قبل أن يغسل (٤) ،

__________________

(١) اختاره في المصباح كما نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٥١.

(٢) المنتهى ١ : ١٢٨.

(٣) الكافي ٣ : ١٦٠ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ١٠٨ حديث ٢٨٤ وفيهما : ( أن يمسه ).

(٤) الكافي ٣ : ١٦٠ حديث ١ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ١٠٨ ، ٤٢٨ حديث ٢٨٣ و ٢٨٤ ، ١٣٦٤ ـ ١٣٦٩.

٤٦٢

بخلاف من يمم ، ومن سبق موته قتله ، ومن غسّله كافر ، ولو كمل غسل الرأس فمسّه قبل إكمال الغسل لم يجب الغسل ، ولا فرق بين كون الميت مسلما أو كافرا.

______________________________________________________

وفي بعضها وجوبه بسبب تغسيله (١) ، وذلك يقتضي قصر الوجوب على ماسّ من يجب تغسيله ، والمطلق من الأخبار يحمل على المقيد ، ولأصالة البراءة وعدم تحقق ناقل.

قوله : ( بخلاف من يمم ، ومن سبق موته قتله ، ومن غسله كافر ).

لعدم حصول الغسل ، إذ الإطلاق محمول على الغسل المعتبر شرعا حال الاختيار ، وكذا من غسل فاسدا ، ومن فقد في غسله أحد الخليطين ، والميمم عن إحدى الغسلات.

قوله : ( ولو كمل غسل الرّأس فمسه قبل إكمال الغسل لم يجب الغسل ).

لأن الظّاهر أنّ وجوب الغسل تابع لمسّه نجسا للدّوران ، وقد حكم بطهارة الرّأس حينئذ ، لأن النّجاسة العينيّة لا تشترط في طهارة أجزاء محلها طهارة الباقي ، ونجاسة الميّت وإن لم تكن عينيّة محضة إلا انّها عينيّة ببعض الوجوه ، فإنّها تتعدى مع الرّطوبة ، وأيضا فقد صدق كمال الغسل بالإضافة إلى الرّأس ، ولأصالة البراءة من وجوب الغسل ، ولا قاطع يقتضيه ، ويمكن الوجوب لصدق المسّ قبل الغسل ما بقي جزء وللاستصحاب ، وتبعية الغسل للمس حال النّجاسة غير معلوم ، والدوران ضعيف ، ولا ريب أن الوجوب أحوط.

قوله : ( ولا فرق بين كون الميّت مسلما أو كافرا ).

أي : في وجوب الغسل بمسّه لأن نجاسته أغلظ ، ولصدق المسّ قبل الغسل ، إذ المانع من تغسيله كفره. ويحتمل عدم الوجوب بمسّه لأن قولهم : قبل تطهيره بالغسل إنّما يتحقّق في ميّت يقبل التطهير ، والأوّل أقوى ، تمسّكا بمفهوم الموافقة ، ولا فرق في ذلك بين أن يغسل الكافر ، أو لا.

واعلم أن المصنف لم يذكر تعيين محلّ المسّ الّذي يلزم به الغسل من الحي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦١ حديث ٨ ، التهذيب ١ : ١٠٨ حديث ٢٨٣ ، ٢٨٤.

٤٦٣

المقصد العاشر : في التيمم : وفصوله أربعة :

الأول : في مسوغاته : ويجمعها شي‌ء واحد ، وهو العجز عن استعمال الماء ، وللعجز أسباب ثلاثة :

______________________________________________________

والميّت ، فان المسّ لبدن الميّت إن كان بالظفر أو الشّعر أو السن أو العظم الموضح من الحي ، هل يجب الغسل بجميع ذلك ، أم لا؟.

فيه تردد ، ينشأ من الشّك في صدق اسم المسّ على المسّ بشي‌ء منها وعدمه ، ولعل المسّ بالشّعر لا يوجب شيئا بخلاف الظفر والعظم ، نظرا إلى المعهود في التّسمية ، وفي السن تردد.

ولو مسّ الحي شيئا من هذه من الميّت ففي وجوب الغسل تردّد ، والظاهر الوجوب في العظم والظفر بخلاف الشعر ، وفي السن تردد.

ولو انفصل أحدهما من حي أو ميّت قطع بنفي الوجوب في الشّعر والظفر ، وكذا في السّن للشك في المقتضي.

أمّا العظم المجرّد ، فقد ذهب شيخنا الشّهيد إلى وجوب الغسل بمسه لدوران الغسل معه وجودا وعدما (١) ، ولم يفرّق بين اتصاله وانفصاله ، والفرق ظاهر ، فانّ مسّ الميّت إنّما يراد به مسّ بعض بدنه وهو صادق في العظم ، ولا حاجة إلى الدّوران ، وأمّا بعد الانفصال فحديث القطعة (٢) لا يتناوله ، ولا يصدق مسّ الميّت بمسه ، نعم يمكن الاحتجاج باستصحاب الحكم بوجوب الغسل بمسّه حال الاتصال إلى حال الانفصال ، ولا يرد أن هذا إنّما يتم في عظم الميّت لانتفاء القائل بالفرق.

قوله : ( المقصد العاشر في التيمّم :

وفصوله أربعة :

الأوّل : في مسوغاته : ويجمعها شي‌ء واحد هو العجز عن استعمال الماء ).

التيمم لغة : القصد (٣) ، وشرعا : استعمال الصّعيد وما في حكمه مشروطا‌

__________________

(١) الذكرى : ٧٩.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٢ حديث ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٩ حديث ١٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ حديث ٣٢٥.

(٣) الصحاح ٥ : ٢٠٦٤ مادة ( يمم ).

٤٦٤

الأوّل : عدم الماء ، ويجب معه الطلب غلوة سهم في الحزنة ، وسهمين في السهلة من الجهات الأربع إلاّ أن يعلم عدمه.

______________________________________________________

بالنية لإباحة الصّلاة ، ولما كان العجز عن استعمال الشي‌ء صادقا مع العجز عن تحصيل ذلك الشي‌ء كان ما ذكره المصنّف ضابطا لجواز التيمّم صحيحا.

والمراد بالعجز : ما يحصل معه مشقّة لا يتحمل مثلها عادة ، أو تترتّب عليه المؤاخذة شرعا ، كما في خوف عطش محترم ، وإزالة النجاسة.

قوله : ( الأوّل : عدم الماء ، ويجب معه الطلب غلوة سهم في الحزنة ، وسهمين في السّهلة من الجهات الأربع ، إلاّ أن يعلم عدمه ).

عد من أسباب العجز عن استعمال الماء عدمه وهو صحيح ، لقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (١) ، لكن قال : ( ويجب معه الطلب ) ، فيرد عليه أن عدم الماء الّذي به يتحقّق العجز عن الاستعمال شرعا إنّما يكون بعد الطلب.

فان قيل : أراد بعدم الماء عدم حضوره عنده ، مع عدم العلم بوجوده قريبا منه.

قلنا : هذا لا يصدق به العدم المسوغ ، فلا يعد من أسباب العجز ، وقد كان الأولى : ويتحقق بالطلب الى آخره.

ولا ريب أنّ طلب الماء شرط لجواز التيمّم ، لظاهر قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) ، وعدم الوجدان إنّما يكون بعد الطلب ، ولما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « يطلب الماء في السّفر إن كانت الحزونة فغلوة ، وإن كانت السّهولة فغلوتين » (٢) ، ولإجماع الأصحاب.

والواجب طلبه في رحله وأصحابه ، وفي مقدار غلوة سهم ، وهي مقدار رمية من الرامي المعتدل والآلة المعتدلة من الجهات الأربع ، بحيث يستوعبها إن كانت الأرض حزنة أي : غير سهلة ، لاشتمالها على نحو الأشجار والعلو والهبوط ، وفي مقدار غلوتين كذلك إن كانت سهلة ، ولو اختلف في ذلك توزع الحكم بحسبها ، ولا يلزم طلبه ما دام‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٢ حديث ٥٨٦ باختلاف يسير ، الاستبصار ١ : ١٦٥ حديث ٥٧١.

٤٦٥

ولو أخلّ بالطلب حتى ضاق الوقت تيمم وصلّى ، ولا إعادة وان كان مخطئا إلاّ أن يجد الماء في رحله أو مع أصحابه فيعيد ،

______________________________________________________

في الوقت ، خلافا لصاحب المعتبر (١) ، تعويلا على حسنة زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام (٢).

والظاهر أن المراد بها تحديد زمان الطّلب لا مقداره ، لأن الطلب قبل الوقت لا يجزئ لعدم توجّه الخطاب حينئذ ، إلا إذا بقي في مكانه ولم يتجدد له شكّ مع معارضتها بغيرها (٣).

ولو علم عدم الماء في بعض الجهات سقط الطلب فيه ، أو مطلقا فلا طلب لانتفاء الفائدة ، وتحقق الشرط وهو عدم الماء ، ولو علمه أو ظنه في الزائد على النّصاب ، كخضرة وقرية وجب قصده قطعا ولو بأجرة ، لوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق ، إلا مع المشقة الشّديدة.

وتجوز الاستنابة في الطلب ، وينبغي اشتراط عدالة النّائب ويحتسب لهما ، لأن إخبار العدل يثمر الظن ، ومتى فات بالطلب غرض مطلوب ، كما في الخطاب والصائد ، لم يبعد القول بسقوط الطلب للضرورة ، ويجب طلب التراب لو فقده ، حيث يجب التيمم ، لأنه شرط المطلق.

قوله : ( ولو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت تيمّم وصلّى ، ولا إعادة وإن كان مخطئا ، إلاّ أن يجد الماء في رحله أو مع أصحابه فيعيد ).

خالف الشّيخ في ذلك ، فحكم بأنّ من أخل بالطلب وتيمّم وصلّى فتيمّمه وصلاته باطلان للمخالفة (٤) ، وردّه المصنّف وغيره بتحتم التيمّم عند ضيق الوقت (٥) ، وامتثال المأمور به يقتضي الإجزاء ، أمّا لو كان تيمّمه مع السّعة فكلام الشّيخ متجه.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٩٣.

(٢) الكافي ٣ : ٦٣ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٢ حديث ٥٥٥.

(٣) الكافي ٣ : ٦٤ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٢٠٢ حديث ٥٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ حديث ٥٧٢.

(٤) النهاية : ٤٨.

(٥) المختلف : ٤٧ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٩٣.

٤٦٦

ولو حضرت اخرى جدد الطلب ما لم يحصل علم العدم بالطلب السابق.

______________________________________________________

واستثني من الأوّل ما لو وجد الماء في رحله أو مع أصحابه الباذلين ، فإنّه تجب الإعادة لورود الخبر بذلك عن الصّادق عليه‌السلام (١) ، وضعف سنده مدفوع بالشّهرة ، نبه عليه في الذّكرى (٢) ، وظاهر كلامه في المنتهى دعوى الإجماع على ذلك (٣) ، والحق بذلك ما لو وجد الماء في الفلوات لأنّه جعل مناط الإعادة وجدانه في محل الطلب.

والّذي يقتضيه النظر أنّ ضيق الوقت إن كان موجبا للانتقال إلى طهارة الضّرورة يجزئ مطلقا ولا تجب الإعادة وإلاّ فلا ، إلاّ أنّه لا سبيل الى رد الحديث المشهور ومخالفة أكثر الأصحاب ، فعلى هذا لو كان الماء موجودا عنده فأخل باستعماله حتى ضاق الوقت ، فهل يتيمّم ويؤدّي ، أم يتطهر به ويقضي؟ ظاهر إطلاق الشّيخ بطلان التيمّم (٤) ، والصّلاة قبل الطلب للفاقد يقتضي الثّاني بطريق أولى ، وكلام المصنّف يقتضي الأوّل ، وقد صرح به في المنتهى (٥).

والّذي يقتضيه النظر استعمال الماء لانتفاء شرط التيمّم ، وهو عدم الوجدان ، ولم يثبت أنّ فوات الأداء سبب لمنع استعمال الماء ، ويطرد ذلك فيما لو ضاق الوقت عن إزالة النّجاسة وستر العورة وفعل شي‌ء من الواجبات كقراءة السّورة ، وتسبيح الرّكوع ، والسّجود والتّشهد ، ونحو ذلك ، وإن كان بعض هذه الأمور قد يخالف بعضا في الحكم.

ويقرب منه ما لو وهب الماء ، أو أراقه في الوقت ، أو دخل الوقت وهو متطهر فأحدث باختياره ، نعم لو كان الماء بعيدا عنه بحيث لو سعى اليه لخرج الوقت فتيمّم وصلّى مع الضّيق فلا إعادة عليه لعدم صدق الوجدان حينئذ.

قوله : ( ولو حضرت أخرى جدد الطلب ما لم يحصل علم العدم بالطلب السّابق ).

ولم يتجدّد شكّ بعده لعدم فائدة الطلب حينئذ ، والظاهر أنّ المراد بالعلم في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٥ حديث ١٠ ، التهذيب ١ : ٢١٢ حديث ٦١٦.

(٢) الذكرى : ٢٢.

(٣) المنتهى ١ : ١٣٨.

(٤) النهاية : ٤٨.

(٥) المنتهى ١ : ١٣٨.

٤٦٧

ولو علم قرب الماء منه وجب السعي إليه ما لم يخف ضررا ، أو فوت الوقت ، وكذا يتيمم لو تنازع الواردون وعلم انّ النوبة لا تصل اليه إلاّ بعد فوات الوقت.

______________________________________________________

هذا ونظائره الجزم المستفاد من العادات ، وهل يكفي الظّن القوي؟ لا يبعد الاكتفاء به ، لأن مناط أكثر الشرعيات الظّن ، وقد يشهد لذلك تضاعيف كلام الأصحاب ، مثل مسألة تنازع الواردين ، ومثل قوله في الذّكرى : وتجوز النيابة في الطلب لحصول الظّن (١) ، وغير ذلك.

قوله : ( ولو علم قرب الماء منه وجب السّعي إليه ما لم يخف ضررا ، أو فوت الوقت ).

المراد بالقرب : ما يعد قربا عادة ، بحيث لا يحصل بالسّعي إليه مشقّة كثيرة ، ويكفي في خوف الضّرر قول العارف ، وشهادة القرائن ، ولا فرق في خوف الضرر بينه وبين غيره كما سيأتي.

أمّا خوف فوت الوقت ، فالظّاهر أنّه لا يكفي فيه إخبار العارف لاشتغال الذمّة يقينا باستعمال الماء ، فلا يسقط التّكليف به إلاّ بيقين يعارضه ، ولو أخلّ بالسّعي حتّى ضاق الوقت فتيمّم وصلّى أثم قطعا ، والظّاهر الاجزاء لصدق الامتثال.

قوله : ( وكذا يتيمّم لو تنازع الواردون وعلم أن النوبة لا تصل إليه إلاّ بعد فوات الوقت ).

ظاهر العبارة أنّه يتيمّم لذلك مع السّعة ويصلّي ، وهو مشكل بناء على أنّ العذر إذا كان مرجو الزوال إنّما يجوز التيمّم مع الضّيق ، والعلم بأن النّوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت ـ على تقدير حصوله ـ لا يقتضي عدم جواز حصول الماء بطريق آخر لإمكان حصوله ببيع ، أو هبة ، ونحو ذلك ، وربما ظهر بطلان علمه الأوّل في ثاني الحال ، وهذا أوجه ، وقد نبه عليه في المنتهى (٢).

__________________

(١) الذكرى : ٢٢.

(٢) المنتهى ١ : ١٣٧.

٤٦٨

ولو صب الماء في الوقت تيمم وأعاد ، ولو صبّه قبل الوقت لم يعد.

______________________________________________________

قوله : ( ولو صبّ الماء في الوقت تيمّم وأعاد ، ولو صبّه قبل الوقت لم يعد ).

أمّا الحكم الثّاني : فظاهر لعدم توجه الخطاب إليه حينئذ باستعمال الماء ، فلم يكن مفرطا ، ومثله ما لو وهبه ، أو مرّ بماء فلم يتطهّر به ، أو كان متطهّرا فأحدث سواء علم أن ظنّ وجود غيره أم لا ، وهل يفرق بين ما إذا وجبت الطّهارة عليه لفائتة ، أو منذورة ، ونحو ذلك ، أم لا؟ لا أعلم في ذلك تصريحا.

ويمكن أن يقال : الوقت يتناول ما ذكر ، لأن كلّ صلاة واجبة تقتضي وقتا إلا انّه بعيد ، لأن المتبادر من الوقت هو المضروب للصّلاة ، وهو وقت الأداء.

وأمّا الحكم الأوّل : فلأنه بعد دخول الوقت مخاطب بفعل الصّلاة بالطهارة المائية لأنه متمكّن منها ، فإذا تيمّم وصلّى بعد الإراقة لم يخرج عن العهدة ، إذ لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فتجب الإعادة عند التّمكن ، وهو يتم إن لم يكن مأمورا بالتيمّم والصّلاة عند آخر الوقت ، أمّا مع الأمر به فيتعيّن الإجزاء.

فان قيل : الإجزاء بالنّسبة إلى الأمر بالتيمّم ، أمّا بالنسبة إلى الأمر بالطّهارة المائية ـ وهو الأمر الأوّل ـ فلا ، فيبقى في عهدته.

قلنا : هذا يتم إن لم يكن التيمم بدلا من الطّهارة المائية ، إذ لا يعقل وجوب البدل والمبدل منه معا مع ثبوت البدليّة ، فإنّه لا معنى لها حينئذ ، ولانتقاضه بالإراقة في الوقت مع ظنّ وجود غيره ثم يظهر الخطأ ، فإنّه لاقتضاء حينئذ ، مع أن الدّليل ينساق هنا ، واختار في التّذكرة عدم القضاء (١) ، وهو ظاهر اختيار الذكرى (٢) ، وفيه قوّة ، والإعادة أحوط.

وإذا قلنا بالإعادة فالواجب إعادة ما أراق الماء في وقتها ، واحدة كانت أو متعدّدة. ويحتمل إعادة العصر أيضا بالإراقة في وقت الاختصاص بالظهر لوجوبها عند الفراغ بغير فصل ، وهو حينئذ مقطوع بطهارته.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦٦.

(٢) الذكرى : ١١٠.

٤٦٩

الثاني : الخوف على النفس أو المال

______________________________________________________

ولو ظنّ عدم دخول الوقت فأراقه ، ثم تبيّن الدخول فلا قضاء ، وكذا عكسه وإن أثم ، وإنّما يأثم ويجب القضاء إذا علم أو ظنّ عدم غيره ، فلو ظن وجود ماء آخر فتبيّن العدم فلا شي‌ء.

وفي حكم الإراقة مروره على نحو نهر ، وتمكنه من الشراء ، وقبول الهبة ، وحدثه لو كان متطهرا ، أو جنابته عمدا إذا كان عنده ماء يكفيه للوضوء خاصّة ، وهبته الماء للطهارة ، بخلاف الشرب فإنّه يجوز على ما يأتي.

ولا تصحّ الهبة هنا لعدم قبول العين للنقل ، ومثلها نحو البيع والصّلح ، وعلى القول بالإعادة يعيد هنا كلّ صلاة بقي هذا الماء في وقتها ، مع تمكنه من استعادته ، لتوجّه الخطاب باستعماله ، والظاهر أنّ الصوم كالصّلاة في ذلك لاشتراطه بالطهارة ، ولم أجد به تصريحا.

قوله : ( الثّاني : الخوف على النّفس ، أو المال ).

لم يقيّد النّفس بكونها نفسه أو مطلقا ، وكذا المال ، لكن ظاهر قوله بعد : ( أو عطش رفيقه ... ) أن المراد نفسه وماله ، وقد كان الأولى له التعميم ، لأن الخوف على مطلق النّفس المحترمة ، والمال المحترم سواء كان ذلك له أم لغيره.

والمراد بالمحترم : ما لم يهدر إتلافه ، فالمرتد ، والخنزير والكلب العقور ، لا يعد الخوف عليه عذرا في التيمّم ، والخوف على البضع له ولغيره كالخوف على النّفس بل أحرى ، ومثله الخوف على العرض وإن لم يخف على البضع ، والخوف على الصّبي كالمرأة ، بل لو خيف على الدّابة أمكن ذلك.

ولا فرق في الخوف بين أن يكون في طريقه حين ذهابه إلى الماء مثلا ، أو بعد مفارقته من لا يستقلّ بالدفع عنه ، وخوف الحبس ظلما عذر ، ومنه المطالبة بحق هو عاجز عن أدائه ، إما لعدم تمكنه من إثبات العجز ، أو لتغلب المطالب. ولو خاف القتل قصاصا مع رجاء العفو بالتأخير ، إما بالدّية أو مجانا فالظاهر أنّه عذر لأن حفظ النّفس مطلوب.

ولا فرق في المال بين القليل والكثير على الظاهر ، لإطلاق الأمر بإصلاحه ،

٤٧٠

من لص أو سبع أو عطش في الحال ، أو توقعه في المال ،

______________________________________________________

وعند تأمل ما قلناه يظهر قصور العبارة ، لأن ظاهرها حصر أقسام السّبب الثّاني فيما ذكره.

قوله : ( من لصّ أو سبع ، أو عطش ).

الجار متعلق بالخوف ، فهو ظرف لغو ، أي الخوف على نفسه أو مطلقا من لصّ أو سبع أو عطش ، وكذا الخوف على الطرف ، والخوف على ماله أو مطلقا من أحد الثّلاثة كذلك ، والخوف من السّبع على المال إذا أريد بالنّفس الإطلاق في مثل إتلاف الحيوان بعض آلته ، أو إلقاء ما على ظهره من خوفه.

وخوف العطش أعمّ من الخوف على النّفس ، أو على شي‌ء من الأطراف ، أو خوف مرض يحدث أو يزيد ، أو خوف ضعف يعجز معه عن مزاولة أمور السّفر ، لأن ذلك كلّه ضرر ، ولقول الصّادق عليه‌السلام : « لا آمره أن يغرر بنفسه ، فيعرض له لص أو سبع (١) ».

قوله : ( في الحال أو توقعه في المال ).

الجار والمجرور الأوّلين صفة لعطش ، فهو ظرف مستقر ومتعلقة محذوف وجوبا ، أي : أو عطش كائن في الحال ، ويمكن ربطهما بالجميع ، فإنّه قد يتصوّر بتوجّه المكلّف إلى الماء علم اللص به ، فيجمع اللصوص ويعرضون لهم بعد أيام ، أو في موضع مخوف جدا ، أو تعسر فيه المدافعة ، ونحو ذلك ، إلا أنّ تطبيق هذا في السّبع لا يخلو من تكلف.

ويجب في قوله : ( أو توقعه ) أن يقرأ بالرفع ، لأنه معطوف على الخوف ، أي : الخوف من العطش ، أو من أحد هذه في الحال ، أو توقعه في المال. ولا يخفى أنّ توقع العطش مآلا باخبار العارف أو باستفادته من العادة ، أو من قرائن الأحوال عذر في التيمّم لأنّه ضرر ، وهو منفي بالحديث (٢).

ولو كان عنده ماء ان طاهر ونجس ، وهو محتاج إلى الشّرب لم يجز شرب‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٥ حديث ٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٢ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ حديث ٢٣٤٠ ، ٢٣٤١ ، مسند أحمد ١ : ٣١٣.

٤٧١

أو عطش رفيقه ، أو حيوان له حرمة ، أو مرض أو شين سواء استند في معرفة ذلك الى الوجدان أو قول عارف وان كان صبيا أو فاسقا ،

______________________________________________________

النّجس وادخار الطاهر للطهارة ، لأن شرب النّجس حرام ، وللطهارة المائية بدل ، فيصار إليه لثبوت الحاجة ، وقد صرّح بذلك المصنّف (١) وغيره (٢).

قوله : ( أو عطش رفيقه ).

هذا مستدرك ، لأن ذكره عطش الحيوان الّذي له حرمة يغني عنه ، بل لو أريد بخوف العطش سابقا ما يكون أعم من عطشه وعطش غيره مما له حرمة لأغنى عن الجميع.

قوله : ( أو مرض أو شين ، سواء استند في معرفة ذلك إلى الوجدان ، أو قول عارف وإن كان صبيا أو فاسقا ).

خوف المرض المجوّز للتيمّم يتحقق بخوف حدوثه ، وكذا زيادته وبطء برئه ، سواء اختص بعضو أو عمّ جميع البدن ، ولو تمكن من الإسخان واندفع به الخوف لم يجز التيمّم ، ولو افتقر إلى عوض وجب بذله إذا كان مقدورا وإن كثر ، ولو كان الضّرر يسيرا كالصداع ، ووجع الضرس.

وفي المنتهى : والحمى الحارة (٣) ، فعند المصنّف لا يجوز التيمّم ، ونقله عن الشّيخ وهو بعيد ، لأنّ ذلك ضرر ظاهر ، وربما بلغ حدّا يشق تحمله مشقة شديدة مع أنّه لا يوثق في المرض بالوقوف على الحد اليسير ، مع أن ضرر المذكورات أشد من ضرر الشّين ، وقد أطبقوا على جواز التيمّم لخوفه ، والّذي يظهر من الذّكرى جواز التيمّم لذلك (٤) ، وفيه قوّة.

ولو كان الخوف جبنا ففيه إشكال ينشأ من انتفاء السّبب المجوز ، ومن أنّه لا يأمن خللا في عقله وهو أشدّ ضررا ، وإليه ذهب في الذّكرى (٥) ، وفيه قوة.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٣٥.

(٢) منهم : المحقق في المعتبر ١ : ٣٦٨.

(٣) المنتهى ١ : ١٣٦.

(٤) الذكرى : ٢٢.

(٥) الذكرى : ٢٢.

٤٧٢

ولو تألم في الحال ولم يخش العاقبة توضأ.

______________________________________________________

ولا فرق في ذلك بين متعمّد الجنابة وغيره على الأصح لإطلاق النّصوص (١) ، وإباحة السّبب ، ونفي الضّرر.

واختار المفيد وجماعة عدم جواز التيمّم حينئذ وإن خاف على نفسه (٢) ، والشّيخ في النّهاية جوّزه عند خوف التّلف ، وأوجب الإعادة (٣) ، والمستند أخبار لا دلالة فيها (٤) ، مع معارضتها بأقوى منها ، وأظهر دلالة ، وقبولها التأويل.

وقد أطلق الأصحاب جواز التيمّم لخوف الشّين ، وهو : ما يعلو بشرة الوجه وغيره من الخشونة المشوهة للخلقة ، وربّما بلغت تشقق الجلد وخروج الدّم.

وينبغي تقييد المجوّز بكونه فاحشا ، كما فعله في المنتهى (٥) ، لقلة ضرر ما سواه ، ويرجع في خوف الضّرر إلى الظّن المستفاد من الوجدان ، باعتبار العادة ، أو العلامات ، أو قول العارف الثقة ، والأقرب إلحاق غير الثقة به إذا كان بحيث يركن إليه في مثل ذلك ، ومنه الذّمي إذا لم يتهمه في أمر الدّين وظن صدقه ، والصّبي والمرأة كغيرهما ، ولا يشترط التعدد كالخبر لحصول الظّن بقول الواحد.

قوله : ( ولو تألم في الحال ولم يخش العاقبة توضأ ).

لانتفاء الضّرر عادة ، ولا فرق في التألم بين كونه من حرّ أو برد أو قبح رائحة الماء كالكبريتي ، أو لمرض في البدن ونحو ذلك ، ولو كان الألم شديدا جدّا لا يتحمل مثله في العادة فقد صرّح في المنتهى ، بجواز التيمّم له (٦) وهو قريب للضّرر.

وهذا كلّه إذا لم يخش العاقبة ، أي : لم يخف حدوث مرض أو زيادته ، ولا فرق في ذلك بين الوضوء والغسل ، وعليه يحمل ما روي أنّ الصّادق عليه‌السلام اغتسل في ليلة باردة وهو شديد الوجع (٧) ، وقول المصنّف : ( توضأ ) خرج مخرج المثال.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٦ باب التيمم ، التهذيب ١ : ١٩٦ حديث ٥٦٦ ـ ٥٦٨ ، الاستبصار ١ : ١٦١ حديث ٥٥٧.

(٢) المقنعة : ٨.

(٣) النهاية : ٤٦.

(٤) الكافي ٣ : ٦٨ حديث ٢ ، ٣ ، الفقيه ١ : ٥٩ حديث ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ١٦٢ حديث ٥٦١ ـ ٥٦٣.

(٥) المنتهى ١ : ١٣٥.

(٦) المصدر السابق.

(٧) التهذيب ١ : ١٩٨ حديث ٥٧٥ ـ ٥٧٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٢ حديث ٥٦٣ ـ ٥٦٤.

٤٧٣

الثالث : عدم الوصلة ، بأن يكون في بئر ولا آلة معه. ولو وجده بثمن وجب شراؤه ، وان زاد عن ثمن المثل أضعافا كثيرة

______________________________________________________

ومتى خشي العاقبة لم يجز استعمال الماء لوجوب حفظ النّفس ، فان استعمله حينئذ ففي الإجزاء نظر أقربه العدم ، لعدم الإتيان بالمأمور به ، فيبقى في العهدة.

قوله : ( الثّالث : عدم الوصلة ، بأن يكون في بئر ولا آلة معه ).

لو قال : كأن يكون في بئر ولا آلة معه كان أولى ، لأن ظاهر العبارة الحصر وليس بجيّد ، والمراد بالآلة نحو الدّلو والحبل ، ولو كان معه ثياب يمكنه ربط بعضها ببعض بحيث يصل إلى ماء البئر ثم يعصرها ويتوضأ بماء ينفصل منها وجب وإن نقصت قيمتها ، لأنه متمكّن ، وكذا لو احتاج في ذلك إلى شقّ الثّوب ، وقد نبّه على ذلك في المنتهى (١) ، نعم لا بد من التقييد بعدم لحوق الضّرر بذلك.

قوله : ( ولو وجده بثمن وجب شراؤه وإن زاد عن ثمن المثل أضعافا كثيرة ).

لوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق بحسب الإمكان ، ولأمر أبي الحسن عليه‌السلام بشراء ماء الوضوء بألف درهم لمن يجدها (٢) ، من غير تقييد بمساواة ثمن المثل.

وقال ابن الجنيد : لا يجب مع الزّيادة للضرر ، ولجواز التيمّم مع الخوف على المال (٣).

وجوابه : أن الفرض عدم الضّرر بالشراء.

والفرق بين الخوف على المال وموضع النّزاع بالنّص تارة ، وبكون بذل العوض في الشّراء مقدمة الواجب ، بخلاف الخوف ، لأن ذلك ضرر مقارن ، ولما يلزم من الإهانة بنهب المال ، بخلاف ما يبذله المكلّف باختياره.

ولو لزم من الشراء الإجحاف بالمال وتلف مقدار عظيم منه لم يجب ، وان كان‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ٧٤ حديث ١٧ ، الفقيه ١ : ٢٣ حديث ٧١ ، التهذيب ١ : ٤٠٦ حديث ١٢٧٦.

(٣) نقله عنه في التذكرة ١ : ٦٠.

٤٧٤

ما لم يضرّ به في الحال ، فلا يجب وان قصر عن ثمن المثل. ولو لم يجد الثمن فهو فاقد ،

______________________________________________________

قادرا دفعا للضرر ، نصّ عليه في الذّكرى (١) وغيرها (٢).

والمراد بثمن المثل : ما يقتضيه الزّمان والمكان لا أجرة تحصيل الماء ونقله ، لأنه متقوم بنفسه.

ولو بذل بثمن غير مجحف إلى أجل يقدر عليه عند الحلول فقد صرّحوا بالوجوب ، لأن له سبيلا إلى تحصيل الماء. ويشكل بأنّ شغل الذّمة بالدين الموجب للمذلة مع عدم الوثوق بالوفاء وقت الحلول ، وتعريض نفسه لضرر المطالبة ، وإمكان عروض الموت له مشغول الذّمة ضرر عظيم ، ونمنع وجود السبيل إلى الماء ، إذ المراد به ما لا ضرر فيه. وفي حكمه الاقتراض للشّراء. وتقدم النفقة على شراء ماء الطّهارة ، أما الدّين ففيه نظر يعرف مما تقدم.

قوله : ( ما لم يضر به في الحال ، فلا يجب وإن قصر عن ثمن المثل ).

المتبادر من ( الحال ) هو الزّمان الحاضر ، وينبغي أن يراد به حاله ، أي حال نفسه ، فيجعل اللام عوضا عن المضاف إليه ليعم الضرر الحاضر والمتوقع ، باعتبار الاحتياج إلى المال المبذول للماء في مستقبل الزمان ، حيث لا يتجدد مال عادة ، فإنه لا يجب الشّراء في الموضعين ، لأنا سوغنا ترك استعمال الماء لحاجته في الشّرب ، فترك بذله أولى ، فيكون حينئذ موافقا لما ذكره المصنّف في التّذكرة (٣) وغيره (٤).

ولو وجد بعض الماء فالقول في شراء الباقي كما سبق ، ولو أمكن الاكتساب لتحصيل ثمن الماء وجب ، لأن الواجب المطلق يجب تحصيل شرطه بحسب المقدور.

قوله : ( ولو لم يجد الثمن فهو فاقد ).

وكذا لو وجده ووجد الماء وامتنع مالكه من بذله بعوض وغيره ، ولا يجوز مكابرته عليه لانتفاء الضّرورة ، بخلاف الطّعام في المجاعة.

__________________

(١) الذكرى : ٢٢.

(٢) البيان : ٣٣.

(٣) التذكرة ١ : ٦٣.

(٤) منهم : الشهيد في الذكرى : ٢٢.

٤٧٥

وكما يجب شراء الماء يجب شراء الآلة لو احتاج إليها. ولو وهب منه الماء أو أعير الدلو وجب القبول ، بخلاف ما لو وهب الثمن أو الآلة.

______________________________________________________

قوله : ( وكما يجب شراء الماء يجب شراء الآلة لو احتاج إليها ).

ولو دار الحال بين شرائها واستئجارها تخير ، ولو تعذّر الشراء وأمكن الاستئجار تعيّن ، كل ذلك من باب المقدّمة.

قوله : ( ولو وهب منه الماء ، أو أعير الدّلو وجب القبول ، بخلاف ما لو وهب الثّمن أو الآلة ).

لو بذل ماء الطّهارة للفاقد وجب عليه القبول لابتناء نحو ذلك عرفا على المسامحة ، وعدم ثبوت المنّة فيه عادة ، ولم يجز له التيمّم لأنه قادر على استعمال الماء ، ولو أُعير الدّلو فكذا يجب القبول لمثل ما قلناه.

هذا إذا كان قادرا على الحبل أو نحوه بأن كان عنده أو بذل له ، ولو بذل له أحدهما وهو عاجز عن الآخر لم يجب القبول لعدم الفائدة. ومثله لو وجد أحدهما يباع وهو فاقد للآخر وما يقوم مقامه ، فإنّه لا يجب عليه الشّراء ، وعبارة الكتاب مطلقة.

وهذا بخلاف ما لو بذل له ثمن الماء فإنه لا يجب القبول على الأصح ، لأن هبة المال ممّا يمتن به في العادة ، وتحصل به للنّفس غضاضة وامتهان ، وذلك من أشدّ أنواع الضّرر على نفوس الأحرار ، ولا أثر لقلته في ذلك لعدم انضباط أحوال النّاس ، فربما عدّ بعضهم القليل كثيرا ، بل مناط الحكم كون الجنس مما يمتن به عادة ، كما لا نفرق بين قلة الماء وكثرته في وجوب القبول اعتبارا بالجنس.

وقال الشّيخ : يجب القبول في هبة الثّمن لوجوب تحصيل الشرط (١).

قلنا : نمنع الوجوب هاهنا لما فيه من الضّرر ، وكذا القول في هبة الآلة فتوى ودليلا ، ويجي‌ء على قول الشّيخ الوجوب. هذا كله إذا كان البذل والهبة على وجه التبرّع ، فلو نذر ذلك لمعين ، أو لمن يندرج فيه المعيّن فوجوب القبول حينئذ متّجه ، ومتى قلنا بوجوب القبول فامتنع لم تصحّ ما دام الماء باقيا في يد المالك المقيم على البذل.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣١.

٤٧٦

ولو وجد بعض الماء وجب شراء الباقي ، فإن تعذّر تيمم ولا يغسل بعض الأعضاء.

وغسل النجاسة العينية عن الثوب والبدن أولى من الوضوء مع القصور عنهما ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو وجد بعض الماء وجب شراء الباقي ، فإن تعذر تيمّم ، ولا يغسل بعض الأعضاء ).

كما يجب على فاقد الماء تحصيله بشراء ونحوه ، كذا يجب على واجد البعض شراء الباقي لتوقف الواجب عليه ، ولأن أبعاض الواجب واجبة ، فإن تعذّر تيمّم. ولا يغسل بعض الأعضاء عندنا لأن الطّهارة لا يعقل تبعضها ، لأن المانع ـ وهو الحدث ـ أمر واحد لا يرتفع إلا بمجموع الطّهارة ، ولا يستعمل البعض ويتيمّم عن باقي الأفعال ، لانحصار الطّهارة في الأقسام الثّلاثة ، والملفقة ليست أحدها ، وهذا بخلاف ما لو كان عليه طهارتان ، كما في غسل غير الجنابة من الأغسال. فوجد من الماء ما يكفي إحداهما ، فإنه يستعمله ، ويتيمّم عن الأخرى.

قوله : ( وغسل النّجاسة العينيّة عن البدن والثّوب أولى من الوضوء مع القصور عنهما ).

كأنه احترز بالعينيّة عن الحكمية ، إذ لا يعقل تقديم إزالتها على الوضوء والغسل ، وهو احتراز غير محتاج إليه لعدم توهم إرادتها ، ولأن مزيلها لا يقال له في عرفهم غسل مع أن للعينية إطلاقات ، فربما أوهم معنى آخر.

ولا فرق بين البدن والثّوب في تقديم غسل النّجاسة عنهما على الطّهارة ، بشرط كون النّجاسة غير معفو عنها ، والثّوب ممّا يحتاج إلى لبسه في الصّلاة ، إما لعدم الساتر ، أو لضرورة البرد ونحوه بنزعه ، وذكر الوضوء خرج مخرج المثال فان الغسل كذلك.

والمراد بالأولويّة : استحقاق التّقديم لا الأفضليّة ، لشهادة الاستعمال كذلك كثيرا ، وما سيأتي من حكم المخالفة يعين ذلك ، وإنّما وجب تقديم غسل النّجاسة حينئذ لأن الطّهارة المائية لها بدل ، وإزالة النّجاسة لا بدل لها ، ففيه جمع بين الواجبين ،

٤٧٧

فان خالف ففي الإجزاء نظر.

______________________________________________________

وحكى المصنّف في ذلك الإجماع في التّذكرة (١).

فلو كان معه ثوب يمكنه الاستغناء عنه حال الصّلاة ويحتاج الى لبسه في غيرها ، ويخاف تعدي نجاسته إلى ما يضرّ به من ثياب وغيرها ، فالظاهر تقديمه لمثل ما قلناه ، ولم أجد به تصريحا ، إلا أنّ إطلاق العبارة لا يأباه.

ولا يخفى أنّ محلّ التّقديم ما إذا وجد ما يتيمم به ، فلو فقده فالواجب تقديم الطّهارة لانتفاء البدل حينئذ ، واشتراط الصّلاة بالطّهارة على كل حال ، بخلاف إزالة النّجاسة.

قوله : ( فان خالف ففي الإجزاء نظر ).

ينشأ من أنّه منهي عن المأتي به لأنه مأمور بغسل النّجاسة ، والأمر بشي‌ء يستلزم النّهي عن ضدّه ، والنّهي في العبادة يدل على الفساد.

وفي المقدّمة القائلة : بأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النّهي عن ضده على الإطلاق نظر ، لأنه إنّما يستلزم النّهي عن ضدّه العام ، وهو مطلق الترك الّذي هو النّقيض عند أهل النّظر ، لا مطلق الأضداد الخاصّة كما هو مقرر في الأصول ، فلا يتم الدليل.

ولأن إزالة المانع أولى من تحصيل أحد الشرطين اللذين على البدل بعينه ، كذا قيل وفيه نظر أيضا ، لأنا نقول بموجبه ، لكن لا يلزم عدم إجزاء المأتي به ، وهو المطلوب بالاستدلال.

ومن أنّه تطهر بماء مملوك مباح فيصح ، كذا قيل وفيه نظر لمنع كليّة الكبرى ، والأصحّ عدم الإجزاء لأنه عبارة عن الإتيان بالمأمور به على الوجه المأمور به ، ولم يحصل لأن الفرض أنّه مأمور بالتيمّم لا بالطّهارة بالماء ، فيبقى في عهدة التّكليف.

وكذا القول فيمن يخاف ضررا بيّنا باستعمال الماء إذا استعمله وأعرض عن التيمّم ، وبهذا البيان تظهر شدّة ضعف أحد وجهي النّظر. وفي التّذكرة هاهنا قال : وفي الاجزاء إشكال ، أقربه ذلك إن جوّز وجود المزيل في الوقت ، وإلا فلا (٢) ، وهو حق إن أراد التجويز عادة ، لا مطلق التّجويز عقلا ، فهو كمن أراق الماء في الوقت.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦٧.

(٢) التذكرة ١ : ٦٤.

٤٧٨

الفصل الثاني : فيما يتيمم به

ويشترط كونه أرضا إمّا ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا ،

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثّاني : فيما يتيمّم به : ويشترط كونه أرضا ، إمّا ترابا ، أو حجرا ، أو مدرا طاهرا خالصا ).

أمّا اشتراط كون ما يتيمّم به أرضا ، فلقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً ) (١) ، ولقول الصّادق عليه‌السلام عليه‌السلام : « إنّما هو الماء والصّعيد » (٢) وإنّما للحصر ، والصّعيد هو وجه الأرض ، على أحد التّفسيرين (٣) ، فيتناول الحجر بأنواعه من برام ورخام وغيرهما وكذا الحصى ، نصّ عليه في المنتهى (٤).

ويؤيده قوله تعالى ( فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ) (٥) ، وعلى هذا فيجوز التيمّم به اختيارا ، خلافا للشّيخ (٦) وجماعة (٧) ، حيث اشترطوا في استعماله فقد التّراب.

والمدر ـ محركة ـ قطع الطين اليابس ، أو العلك الّذي لا رمل فيه ، قاله في القاموس (٨).

ويشترط كونه طاهرا إجماعا ، لقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٩). قال المفسّرون : معناه : الطاهر (١٠) ، ولقوله عليه‌السلام : « وترابها طهورا » (١١) ولان النّجس لا يعقل كونه مطهّرا.

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٨ حديث ٥٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٥ حديث ٥٣٤.

(٣) الصحاح ٢ : ٢٩٨ « صعد » ، مجمع البحرين ٣ : ٨٥ « صعد ».

(٤) المنتهى ١ : ١٤١.

(٥) الكهف : ٣٩.

(٦) النهاية : ٤٩.

(٧) منهم : سلار في المراسم : ٥٣ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٦ وابن حمزة في الوسيلة : ٦٤.

(٨) القاموس ( مدر ) ٢ : ١٣١.

(٩) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.

(١٠) منهم : الطبرسي في مجمع البيان ٢ : ٥٢.

(١١) الكافي ٣ : ٦٦ حديث ٣ ، الفقيه ١ : ٦٠ حديث ٢٢٣.

٤٧٩

خالصا مملوكا أو في حكمه ، فلا يجوز التيمم بالمعادن ولا الرماد ولا النبات‌

______________________________________________________

قوله : ( مملوكا أو في حكمه ).

لامتناع التّصرف في المغصوب شرعا ، فلا يصحّ التيمّم به للنّهي المقتضي للفساد ، ويندرج في حكم المملوك المأذون فيه صريحا وضمنا في الاذن في التّصرف ، وفحوى في الإذن في الدّخول والجلوس ، ونحو ذلك عموما وخصوصا ، وبشاهد الحال كالصحاري المملوكة حيث لا ضرر على المالك ، ولم يتحقّق نهيه عنها ، والمسبل ، ومباح الأصل ، والمستأجر مملوك المنفعة ، وفي حكمه المستعار ، ويندرجان في المأذون فيه.

ولو حبس المكلّف في مكان مغصوب ولم يجد ماء مباحا ، أو لزم من استعماله إضرار بالمكان تيمّم بترابه الطّاهر وإن وجد غيره ، لأن الإكراه أخرجه عن النّهي ، فصارت الأكوان مباحة لامتناع التّكليف بما لا يطاق ، إلا ما يلزم منه ضرر زائد على أصل الكون ، ومن ثم جاز له أن يصلّي ، وينام ، ويقوم.

وحقّ الغير يتدارك بلزوم الأجرة بخلاف الطّهارة بماء المكان المغصوب ، لأنه يتضمّن إتلافا غير مأذون فيه ولا تدعو إليه ضرورة ، نعم لو ربط في ماء مغصوب وتعذر عليه الخروج ، ولم يلزم من الاغتسال به زيادة إتلاف أمكن القول بالجواز ، ولم أظفر في ذلك بتصريح ، لكن عبارة الذّكرى (١) تشعر بجواز التيمّم بالمغصوب ، حيث تجوز الصّلاة.

قوله : ( فلا يجوز التيمّم بالمعادن كالكحل ، والزّرنيخ ، وتراب الحديد ).

ونحو ذلك ، لعدم وقوع اسم الأرض عليها.

قوله : ( ولا الرماد ).

سواء كان رماد الخشب أو التّراب لعدم تسميته أرضا ، ومثله النبات المنسحق وغيره.

__________________

(١) الذكرى : ٢٢.

٤٨٠