جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وتلقينه والدعاء له ، وشرج اللبن ،

______________________________________________________

الحائط لئلا ينكب (١).

قوله : ( وتلقينه ).

أي : يستحب أن يلقّنه الملحد له الشّهادتين ، وأسماء الأئمة عليهم‌السلام ، قال في الذّكرى : وبه اخبار تكاد تبلغ التواتر ، كخبر ابن عجلان ، عن الصّادق عليه‌السلام : « يلقنه الشّهادتين ، ويذكر له ما يعلم واحدا واحدا » (٢) ، وخبر محفوظ الإسكاف ، عنه عليه‌السلام : « ليكن أعقل من ينزل قبره عند رأسه ، وليكشف عن خدّه الأيمن حتّى يفضي به إلى الأرض ، ويدني فاه إلى سمعه ، ويقول : اسمع افهم ، ثلاثا » (٣) الحديث (٤).

قوله : ( والدّعاء له ).

لخبر الحلبي عن الصّادق عليه‌السلام يقول : « بسم الله وفي سبيل الله ، وعلى ملّة رسول الله ، اللهمّ عبدك نزل بك وأنت خير منزول به ، إلى آخره » (٥).

وكذا يستحبّ قراءة الفاتحة والإخلاص ، والمعوذتين وآية الكرسي لخبر محمّد بن عجلان ، عن الصّادق عليه‌السلام (٦) ، وكذا يستحب الدّعاء عند وضع اللّبن ، وعند الخروج من القبر.

قوله : ( وشرج اللّبن ).

المراد به : بناؤه وتنضيده ، أي : جعل بعضه فوق بعض ، وإن سواه بالطين كان ندبا ، لما روي أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى في قبر ابنه خللا ، فسوّاه بيده ثم قال : « إذا عمل أحدكم عملا فليتقن » (٧) ، وفي خبر إسحاق بن عمّار ، عن الصّادق‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣١٣ حديث ٩٠٩.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٥ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٧ حديث ٩٢٣.

(٤) الذكرى : ٦٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٤ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٣١٥ حديث ٩١٥.

(٦) التهذيب ١ : ٣١٣ حديث ٩٠٩.

(٧) الكافي ٣ : ٢٦٢ حديث ٤٥.

٤٤١

والخروج من قبل رجلي القبر ، وإهالة الحاضرين التراب بظهور الأكف مسترجعين ،

______________________________________________________

عليه‌السلام : « تضع الطّين واللبن » (١).

قوله : ( والخروج من قبل رجل القبر ).

احتراما للميّت ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « من دخل القبر فلا يخرج إلا من قبل الرّجلين » (٢) ، ولما روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنّ لكلّ بيت بابا ، وباب القبر من قبل الرّجلين » (٣).

قوله : ( وإهالة الحاضرين التراب بظهور الأكف مسترجعين ).

في القاموس : إهالة التّراب : صبّه (٤) ، ويستحبّ كونه بظهور الأكف ، لمرسلة محمّد بن الأصبغ ، عن الكاظم عليه‌السلام انّه فعل كذلك (٥) ، وأقلّه ثلاث حثيات باليدين جميعا لفعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) ، ولما روي عن الباقر عليه‌السلام انّه حثا على ميّت مما يلي رأسه ثلاثا بكفيه (٧).

ويستحبّ الدّعاء ، قال الصّادق عليه‌السلام : « إذا حثوت التّراب على الميّت ، فقل : اللهم ايمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، هذا ما وعد الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله. وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من حثا على ميّت ، وقال هذا القول ، أعطاه الله بكلّ ذرّة حسنة » (٨).

ويستحبّ أن يقولوا في هذا الحال : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، وهو معنى قوله : ( مسترجعين ) ، يقال : رجع واسترجع في المصيبة إذا قال ذلك. ولا يهيل ذو الرّحم ، لورود النّهي عنه (٩) معلّلا بأنّه يورث قسوة القلب.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٥٤ حديث ١٤٩٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٣ حديث ٤ ، التهذيب ١ : ٣١٦ حديث ٩١٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٣ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٦ حديث ٩١٨.

(٤) القاموس ٤ : ٧١ ـ ٧٢ مادة ( هيل ).

(٥) التهذيب ١ : ٣١٨ حديث ٩٢٥.

(٦) سنن البيهقي ٣ : ٤١٠.

(٧) التهذيب ١ : ٣١٩ حديث ٩٢٧.

(٨) التهذيب ١ : ٣١٩ حديث ٩٢٦.

(٩) الكافي ٣ : ١٩٩ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٩ حديث ٩٢٨.

٤٤٢

ورفع القبر أربع أصابع وتربيعه ، وصب الماء عليه من قبل رأسه ثم يدور عليه ، وصب الفاضل على وسطه ،

______________________________________________________

قوله : ( ورفع القبر أربع أصابع ).

اختلف الأصحاب والاخبار في كونها مفرجات أو مضمومات (١) ، وفي بعض الأخبار شبر (٢) ، وهو يقوي التّفريج لأنّه أقرب إليه ، والكل جائز ، ويكره أن يرفع أكثر من ذلك ، قال في المنتهى وهو فتوى العلماء (٣).

ويستحبّ تسطيحه بإجماعنا ، وورود النّص عليه (٤) ، ويكره التّسنيم ، وكذا يستحب أن توضع له علامة من حجر أو خشبة ليزار ويترحم عليه ، وليكن عند رأسه ، لفعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك بقبر عثمان بن مظعون ، وقال : « أعلم بها قبر أخي ، وأدفن إليه من مات من اهله » (٥).

قوله : ( وتربيعه وصبّ الماء عليه من قبل رأسه ثم يدور عليه ، وصب الفاضل على وسطه ).

أي : يستحبّ أن يكون مربّعا لخبر محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام (٦). وكذا يستحبّ صب الماء على القبر بادئا بالرّأس ، ثم يدور الى أن ينتهي إليه لقول الصّادق عليه‌السلام : « السنة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة ، ويبدأ من عند الرأس إلى الرّجلين ، ثم يدور على القبر من الجانب الآخر ، ثم يرش على وسط القبر » (٧).

وهل الابتداء بالصّب من جهة القبلة أم لا؟ ليس في الرّواية وكلام الأصحاب تعيين للكيفية ، فبأي الجانبين بدأ جاز ، وليكن الصّب متّصلا كما يفهم من الرّواية ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٩ باب تربيع القبر ، التهذيب ١ : ٣١٥ ، ٣٢٠ ، ٣٢١ حديث ٩١٦ ، ٩٣٢ ، ٩٣٤.

(٢) علل الشرائع ٣٠٧ حديث ٢ باب ٢٥٥ ، التهذيب ١ : ٤٦٩ حديث ١٥٣٨ ، قرب الاسناد : ٧٢.

(٣) المنتهى ١ : ٤٦٢.

(٤) التهذيب ١ : ٤٥٩ حديث ١٤٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٨ حديث ١٥٦١.

(٦) التهذيب ١ : ٣١٥ ، ٤٥٨ حديث ٩١٦ ، ١٤٩٤.

(٧) التهذيب ١ : ٣٢٠ حديث ٩٣١ باختلاف يسير.

٤٤٣

ووضع اليد عليه والترحم ، وتلقين الولي بعد الانصراف مستقبلا للقبر والقبلة بأرفع صوته ،

______________________________________________________

وحكاه في الذّكرى عن الصّدوق (١).

قوله : ( ووضع اليد عليه والترحم ).

ولتكن مؤثرة مفرجة الأصابع لقول الباقر عليه‌السلام : « إذا حثي عليه التّراب وسوي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه ، وفرج أصابعك ، واغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء » (٢) ، وعن الباقر عليه‌السلام انّه قال بعد أن وضع كفّه على القبر : « اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وأصعد إليك روحه ، ولقه منك رضوانا ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك » (٣) ، ثم مضى. وحكى في الذّكرى ، عن الصّدوق قال : متى زار قبره دعا به مستقبل القبلة (٤) ، وعلى ذلك عمل الأصحاب (٥).

قوله : ( وتلقين الولي بعد الانصراف مستقبلا للقبر والقبلة بأرفع صوته ).

استحباب تلقين الوليّ له ، أو من يأمره بعد انصراف النّاس عند جميع علمائنا ، وهو مرويّ عن الباقر والصّادق عليهما‌السلام ، وفي الخبرين : « أن أحد الملكين يقول لصاحبه : انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته » (٦) ، وليس فيهما تعرض لكيفية الوقوف ، وما ذكره المصنّف من استقبال القبلة والقبر هو قول ابن إدريس (٧).

وحكى في الذّكرى عن ابن البرّاج ، والشّيخ يحيى بن سعيد استدبار القبلة‌

__________________

(١) الذكرى : ٦٧ ، وانظر : الفقيه ١ : ١٠٩.

(٢) التهذيب ١ : ٤٥٧ حديث ١٤٩٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣١٩ حديث ٩٢٧.

(٤) الذكرى : ٦٨ ، وانظر : الفقيه ١ : ١٠٩.

(٥) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٨٧ وابن البراج في المهذب ١ : ٦٣ ، والمحقق في المعتبر ١ : ٣٠٢ والشهيد في الدروس : ١٣.

(٦) الكافي ٣ : ٢٠١ حديث ١١ ، الفقيه ١ : ١٠٩ حديث ٥٠١ ، العلل ٣٠٨ حديث ١ باب ٢٥٧ ، التهذيب ١ : ٣٢١ ، ٤٥٩ حديث ٩٣٥ ، ١٤٩٦.

(٧) السرائر : ٣٣.

٤٤٤

والتعزية وأقلّها الرؤية له قبل الدفن وبعده.

______________________________________________________

واستقبال القبر (١) ، وهو أدخل في المراد ، لأن وجه الميّت إلى القبلة ، فإذا استدبرها كان متوجّها إليه ، والكلّ جائز.

وليكن ذلك بأرفع صوته ، قاله الأصحاب ، ومع التقيّة يقوله سرا. ولا فرق في هذا الحكم بين الصغير والكبير على الظاهر ، كما في الجريدتين ، لإطلاق الخبر ، والتعليل بدفع السّؤال لا ينافيه ، كما في عموم كراهة المشمّس ، وإن كان المحذور إنّما يتولد على وجه مخصوص.

قوله : ( والتعزية وأقلّها الرّؤية له قبل الدفن وبعده ).

التعزية : تفعلة من العزاء ، وهو الصّبر ، والمراد بها الحمل على الصّبر ، والتسلّي عن المصاب بإسناد الأمر الى الله عزّ وجلّ ، ونسبته إلى عدله وحكمته ، والتّذكير بما وعد الله على الصّبر ، مع الدّعاء للميّت والمصاب ، وهي مستحبّة إجماعا لقوله عليه‌السلام : « من عزّى مصابا فله مثل أجره » (٢) ، وقال عليه‌السلام : « التعزية تورث الجنّة » (٣).

ويجوز فعلها قبل الدّفن إجماعا ، وبعده من غير كراهة عند أكثر العلماء للعموم ، بل قال الشيخ : إنّها أفضل بعد الدّفن (٤) ، ويشهد له قول الصّادق عليه‌السلام : « التّعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن » (٥) ، ولاشتغالهم بميّتهم قبله ، ولأن الجزع يكثر بعده ، لأنه وقت المفارقة ، وتستحبّ تعزية جميع أهل المصيبة ، كبيرهم وصغيرهم ، ويتأكّد من ضعف عن تحمّل المصيبة ، ولا فرق بين الرّجل والمرأة لقوله عليه‌السلام : « من عزى ثكلى كسي بردا في الجنّة » (٦) ، لكن يكره للرّجل تعزية المرأة الشّابة خوفا من الفتنة.

__________________

(١) الذكرى : ٦٨ ، والجامع للشرائع : ٥٥ ، والمهذب ١ : ٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠٥ حديث ٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥١١ حديث ١٦٠٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٦٨ حديث ١٠٧٩.

(٣) ثواب الأعمال ٢٣٥ حديث ١.

(٤) الخلاف ١ : ١٧٠ مسألة ٩١ كتاب الجنائز.

(٥) الكافي ٣ : ٢٠٤ حديث ٢.

(٦) مسكن الفؤاد : ١١٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٦٩ حديث ١٠٨٢.

٤٤٥

______________________________________________________

والظّاهر أنّه لأحد للتعزية لعدم الظفر بقاطع في التوقيت ، ونقل الصّدوق عن الباقر عليه‌السلام : « أنّه يصنع للميّت مأتم ثلاثة أيّام » (١) لا يقتضي التحديد بها في التعزية ، نعم لو أدت إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى.

ويستحبّ صنع الطعام لأهل الميّت وبعثه إليهم إجماعا إعانة لهم ، وجبرا لقلوبهم ، ولأمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام ان تأتي أسماء بنت عميس ، عند قتل جعفر بن أبي طالب ، وأن تصنع لهم طعاما ثلاثة أيّام (٢).

ويكره الأكل عندهم لقول الصّادق عليه‌السلام : « إنّه من عمل الجاهليّة » (٣) ، وهو يشعر بكراهية الجلوس عندهم للتعزية يومين وثلاثة أيّام ، كما اختاره الشيخ في المبسوط (٤) ، ونقل فيه الإجماع ، وأنكره ابن إدريس (٥) ، ويمكن أن يقال : إن الأمر بعمل المأتم ثلاثة أيّام يقتضي عدم الكراهيّة ، لأن المراد به اجتماع النّساء في المصيبة ، كما دلّ عليه كلام أهل اللّغة.

وليس في التّعزية شي‌ء موظف ، بل أقله أن يرى المعزي صاحب المصيبة ، وهو المراد من قول المصنّف : « وأقلّها الرؤية » وليقل ما روي عن الصّادق عليه‌السلام انّه قال في تعزية قوم : « جبر الله وهنكم ، وأحسن عزاكم ، ورحم متوفّاكم » (٦) ، وهذا في غير تعزية الذّمي ، فيقول في تعزيته لقريبه الكافر إن قلنا بالجواز : أخلف الله عليك ، ولا نقص عددك ، قاصدا به كثرة الجزية ، وبقريبه المسلم : وغفر لميّتك ، وفي عكسه : أعظم الله أجرك ، وأخلف عليك أي : كان الله خليفة عليك. وفي المنتهى لا يجوز تعزية الكفّار والمخالفين للحق (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١١٦ حديث ٥٤٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٧ حديث ١ ، الفقيه ١ : ١١٦ حديث ٥٤٩.

(٣) الفقيه ١ : ١١٦ حديث ٥٤٨.

(٤) المبسوط ١ : ١٨٩.

(٥) السرائر : ٣٤.

(٦) الفقيه ١ : ١١٠ حديث ٥٠٦.

(٧) المنتهى ١ : ٤٦٥.

٤٤٦

الفصل الخامس : في اللواحق

راكب البحر مع تعذّر البر يثقّل أو يوضع في وعاء بعد غسله والصلاة عليه ثم يلقى في البحر.

ولا يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم إلاّ الذميّة الحامل من مسلم ، ويستدبر بها‌ القبلة.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الخامس : في اللّواحق ).

والمراد بها متمّمات ما سبق.

قوله : ( راكب البحر مع تعذّر البرّ يثقّل أو يوضع في وعاء بعد غسله وتكفينه والصّلاة عليه ، ثم يلقى في البحر ).

المراد بالتعذّر ما يشق معه الوصول الى البّر عادة ، ولو رجي بعد زمان قصير لا يفسد فيه الميّت ، ففي وجوب الصّبر وجواز المسارعة إلى الإلقاء في البحر تردّد ، وينبغي أن يراد بالبحر ما يعم الأنهار العظيمة كالنيل.

ومتى تحقق تعذر البر تخيّر المكلف بين ربط شي‌ء ثقيل كحجر في رجليه ، كما ورد في الحديث (١) ، والظاهر أنّه يجوز في غيرهما ، ثم يلقى في الماء مستقبلا كما يدفن في البرّ ، وبين أن يجعل في إناء ثقيل كالخابية (٢) ، للخبر عن الصّادق عليه‌السلام (٣) ، لا نحو الصّندوق الّذي يبقى على وجه الماء ، لعدم صدق اسم الدّفن عليه. ويجب الاستقبال حين إلقائه ، كما سبق ، وهذا كلّه بعد تغسيله ، وتكفينه ، وتحنيطه ، والصّلاة عليه ، كما هو معلوم ، ولا يخفى أن الوعاء وآلة التثقيل من أصل التركة لأنّهما من جملة مؤن التّجهيز.

قوله : ( ولا يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم إلا الذمية الحامل من مسلم ويستدبر بها القبلة ).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩٦ حديث ٤٤١ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ حديث ٩٩٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥١ حديث ٧٦١.

(٢) الخابية : الحبّ ، الصحاح ١ : ٤٦ مادة ( خبأ ).

(٣) الكافي ٣ : ٢١٣ حديث ١ ، الفقيه ١ : ٩٦ حديث ٤٤١ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ حديث ٩٩٥ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ حديث ٧٦١.

٤٤٧

ويكره فرش القبر بالساج بغير ضرورة ،

______________________________________________________

لا يجوز أن يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم من الكفّار على اختلاف أنواعهم ، كما لا يجوز تغسيلهم وتكفينهم وغيرهما من الأحكام السّالفة ، وكذا أطفالهم بإجماع العلماء ، ويجب في مواراة الكافر لدفع تأذي المسلمين بجيفته ، أن لا يقصد به الدّفن.

ويستثني من ذلك الذّمية الحامل من مسلم بنكاح بأن يسلّم عليها ، أو يعقد عليها ، أما مطلقا أو متعة على اختلاف الرأيين ، أو بملك اليمين ، أو بشبهة ، وكذا الحربية لو أسلم عليها أو وطئها بشبهة ، فإنّه يجب دفنها في مقبرة المسلمين لحرمة الولد ، إذ لو سقط لوجب دفنه ، فلا تسقط حرمته في جوف امّه ، ولقول الرّضا عليه‌السلام في الأمة الكتابية تحمل من المسلم ثم تموت مع ولدها : « يدفن معها » (١) ، والأصل في الدّفن الحقيقة شرعا ، فلا يرد طعن صاحب المعتبر (٢) ، بأنّه لا دلالة فيها.

ويجب أن يستدبر بها القبلة على جانبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن ، لأن وجهه إلى ظهرها وهو المقصود بالدّفن ، قال في التذكرة : وهو وفاق (٣).

وهل يجب ذلك في الكافرة الحامل من زنى المسلم؟ ظاهر العبارة نعم ، لأن الحمل من المسلم يعمّه اعتبارا بكونه ولدا لغة ، ولهذا يحكم بتحريمه على الزاني إذا كان أنثى ، وفيه تردّد لعدم اللحاق شرعا ، وقد سبق مثله في تغسيل ولد الزّنى الطّفل ، وكذا باقي الأحكام.

قوله : ( ويكره فرش القبر بالساج لغير ضرورة ).

السّاج خشب معروف ، ولا تختص الكراهيّة بهذا الصّنف ، بل يكره كلّما أشبهه ، ويجوز فعله عند الضّرورة كنداوة الأرض ، قاله الأصحاب ، ولمكاتبة علي بن بلال بالجواز (٤) ، وإن كانت مقطوعة لاعتضادها بفتوى الأصحاب ، أما وضع الفرش والمخدة ونحوها فلا نصّ عندنا فيه ، والاعراض عنه هو الموافق لأحكام هذا الباب ، أمّا إطباق‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٣٤ حديث ٩٨٠.

(٢) المعتبر ١ : ٢٩٢.

(٣) التذكرة ١ : ٥٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٧ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٤٥٦ حديث ١٤٨٨.

٤٤٨

وإهالة ذي الرحم ، وتجصيص القبور وتجديدها ،

______________________________________________________

اللحد بالساج ونحوه فلا بأس به.

قوله : ( وتجصيص القبور ).

أي : يكره ذلك ، وحكى في التّذكرة الإجماع على الكراهية (١) ، وقد روي عن الكاظم عليه‌السلام : « لا يصلح البناء على القبر ، ولا الجلوس ، ولا تجصيصه ، ولا تطيينه » (٢) ، وحكى في الذّكرى ، عن الشّيخ : أن المكروه تجصيصه بعد الاندراس لا ابتداء (٣) ، لما روي أن الكاظم عليه‌السلام أمر بعض مواليه بتجصيص قبر ابنة له ماتت ، وكتب اسمها على لوح وجعله في القبر (٤) ، وفيه جمع ظاهر ، وفي المنتهى حمل الأمر بالتجصيص في هذا الحديث على التطيين ، وحكم بكراهة التجصيص مطلقا والتطيين بعد اندراسها لا ابتداء (٥) ، وفي قول الشّيخ قوة ، خصوصا إذا كان المراد به دوام تميزه ليزار ويترحم عليه.

قوله : ( وتجديدها ).

أي : بعد اندراسها ، فقد روي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « من جدد قبرا ، أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام » (٦) ، وهو منزل على قصد مخالفة الشارع بهذا الفعل استحلالا ، أو على المبالغة في الزّجر مجازا ، أي : هو على حد ذلك.

وقد روي الحديث بلفظ ( حدد ) بالحاء المهملة ، أي : سنم ، وبالخاء المعجمة من الخد ، وهو الشّق ، فان شق القبر يتضمّن النّبش المحرم ، وروي جدث بالجيم والتّاء المثلثة وهو قريب من الشّق ، لأن الحدث القبر ، فيكون معنى جدث القبر جعله جدثا لميّت آخر ، وهو يستلزم النّبش والتّنزيل (٧) ، كما سبق.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٦.

(٢) التهذيب ١ : ٤٦١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ حديث ٧٦٧.

(٣) الذكرى : ٦٨ ، والنهاية : ٤٤.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠٢ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٤٦١ حديث ١٥٠١ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ حديث ٧٦٨.

(٥) المنتهى ١ : ٤٦٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٢٠ حديث ٥٧٩ ، التهذيب ١ : ٤٥٩ حديث ١٤٩٧.

(٧) التهذيب ١ : ٤٥٩ ذيل حديث ١٤٩٧.

٤٤٩

والمقام عندها ، والتظليل عليها ، ودفن ميّتين في قبر واحد ، والنقل إلاّ الى أحد المشاهد ،

______________________________________________________

ولا يخفى أن كراهية التجصيص والتجديد فيما عدا قبور الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ، لإطباق السّلف والخلف على فعل ذلك بها ولأن فيه تعظيما لشعائر الله عزّ وجلّ ، ولفوات كثير من المقاصد الدّينيّة بترك ذلك.

قوله : ( والمقام عندها والتظليل عليها ).

أي : يكره ذلك ، لما فيه من إظهار السخط لقضاء الله ، والاشتغال عن مصالح المعاد والمعاش ، وظني أنّه إذا تعلق بشي‌ء من ذلك غرض صحيح كالإقامة عندها لتلاوة القرآن ، ودوام الاتعاظ بها ، والاعراض عن زهرة الحياة الدنيا ، والتّظليل لدفع أذى نحو الحرّ والبرد حين التّلاوة لا يعد مكروها ولا يحضرني الآن تصريح به.

قوله : ( ودفن ميتين في قبر ).

أي : يكره ذلك اختيارا أما في حال الضّرورة فلا بأس ، وهذا إذا كان دفنهما ابتداء ، أما إذا دفن أحدهما ، ثم أريد نبشه ودفن آخر فيه ، فقد قال في المبسوط : يكره (١) ، والأصحّ المنع ، لسبق حق الأول وتحريم النّبش ، نعم لو كان الدّفن في أزج (٢) ، متسع جاز لانتفاء الأمرين ، إذ لا يعد ذلك نبشا في العادة ، وكرهه في التّذكرة (٣).

قوله : ( والنقل إلا الى أحد المشاهد ).

أي : يكره نقل الميّت عن بلد موته لمنافاته التّعجيل المأمور به ، وعلى ذلك إجماع العلماء ، وهذا في غير مشاهد الأئمة عليهم‌السلام ، فيستحب النّقل إليها وعليه عمل الإماميّة من زمن الأئمة عليهم‌السلام الى زماننا فكان إجماعا ، قاله في التّذكرة (٤). ولو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون ، أو شهداء استحب النّقل إليها لتناله بركتهم وبركة‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٧.

(٢) الأزج : نوع من الأبنية فيه طول القاموس المحيط ١ : ١٧٧ « أزج ».

(٣) التذكرة ١ : ٥٦.

(٤) التذكرة ١ : ٥٦.

٤٥٠

______________________________________________________

زيارتهم ، قاله في الذّكرى (١) ، أمّا الشّهيد فالأولى دفنه حيث قتل ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ادفنوا القتلى في مصارعهم » (٢).

ويستحبّ جمع الأقارب في مقبرة ، لأن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما دفن عثمان بن مظعون قال : « أدفن إليه من مات من أهله » (٣) ، ويقدم الأب ، ثم من يليه في الفضل والذكر على الأنثى ، ذكره في الذّكرى (٤) ، والظاهر أن المراد تقديمه إلى القبلة.

ولو دفن الميّت لم يجز نقله وإن كان إلى المشاهد لتحريم النّبش : لإطلاق تحريم النبش ، قال في التّذكرة : وسوغه بعض علمائنا (٥) ، قال الشّيخ : وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة عليهم‌السلام سمعناه مذاكرة (٦) ، وحكى في الذّكرى عن ابن حمزة كراهية النّقل ، وعن ابن الجنيد جوازه (٧) ، لصلاح يراد بالميّت ، وما رواه الصّدوق عن الصّادق عليه‌السلام : « من أنّ موسى عليه‌السلام استخرج عظام يوسف عليه‌السلام من شاطئ النيل وحمله الى الشام » (٨) ، قد يدلّ على الجواز ، لأن الظاهر أنّه عليه‌السلام ذكره مقرّرا له ، كحديث « ذكري على كلّ حال حسن (٩) ».

ولأن غرض الشّفاعة بالمجاورة ونيل البركة بعد الوفاة أمر مطلوب ، كما ينبّه عليه ما روي : « أنّ موسى عليه‌السلام لما حضرته الوفاة سأل الله أن يدنيه من الأرض‌

__________________

(١) الذكرى : ٦٥.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ٢٣٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ حديث ١٥١٦ ، سنن الترمذي ٣ : ١٣١ باختلاف في الجميع.

(٣) الذكرى : ٦٥.

(٤) الذكرى : ٦٥.

(٥) التذكرة ١ : ٥٦.

(٦) المبسوط ١ : ١٨٧.

(٧) نقله في الذكرى : ٦٥ وانظر : الوسيلة : ٦٢.

(٨) الفقيه ١ : ١٢٣ حديث ٥٩٤.

(٩) التهذيب ١ : ٢٧ حديث ٦٨.

٤٥١

والاستناد الى القبر ، والمشي عليه.

ويحرم نبش القبر ، ونقل الميت بعد دفنه ،

______________________________________________________

المقدسة (١) » ، فعلى هذا القول بجواز النّقل لا يخلو من قرب ، لكن يشترط أن لا يبلغ الميّت حالة يلزم من نقله هتكه ومثلته ، بأن يصير متقطعا ونحوه.

قوله : ( والاستناد إلى القبر والمشي عليه ).

أي : يكره كلّ منهما ، لأن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيّا ، ونقل ذلك في التّذكرة عن علمائنا ، وأكثر أهل العلم (٢) ، وقد روي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لان يجلس أحدكم على جمر فتحرق ثيابه ، وتصل النّار الى بدنه أحبّ اليّ من أن يجلس على قبر (٣) » ، والمراد به المبالغة في الزّجر.

ولا ينافي ذلك ما رواه الصّدوق ، عن الكاظم عليه‌السلام : « إذا دخلت المقابر فطأ القبور ، فمن كان مؤمنا استروح إلى ذلك ، ومن كان منافقا وجد ألمه (٤) » ، لإمكان أن يراد الدّخول لأجل الزّيارة.

قوله : ( ويحرم نبش القبر ).

تحريم النّبش في الجملة إجماعي ، واستثني مواضع :

أ : إذا صار الميّت رميما اتفاقا ، ويختلف ذلك باختلاف الأهوية والترب ، ومع الشّك يرجع فيه إلى أهل الخبرة ، فلو ظن ذلك وظهر بقاؤه وجب طمّه كما كان ، ولا فرق في جواز النّبش بعد صيرورته رميما بين كون النّبش لدفن غيره ، أو لمصلحة أخرى ، ولا بين كون ذلك في المسبلة أو المملوكة للغير إذا أعارها للدفن ، ومتى علم صيرورته رميما لم يجز تصويره بصورة المقابر في الأرض المسبلة لأنه يمنع من الهجوم على الدّفن فيه.

ب : إذا دفن في أرض مغصوبة أو مشتركة ولم يأذن الشّريك فانّ للمالك‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١١٣.

(٢) التذكرة ١ : ٥٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٦ حديث ٩٦ ، ومسند أحمد : ٢ : ٣١١ ـ ٣١٢ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٤٩٩ حديث ١٥٦٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٧٩.

(٤) الفقيه ١ : ١١٥ حديث ٥٣٩.

٤٥٢

______________________________________________________

قلعه لتحريم شغل مال الغير وإن أدى الى هتك الميّت ، كذا قال في الذّكرى (١) ، لأن حق الآدمي مبني على الضيق ، وهو واضح إذا أمكن نقله إلى موضع مباح ، أما مع التعذّر ففيه نظر. ولا ريب أن الأفضل للمالك ترك القلع بعوض أو مجانا.

ولو أستعير للدفن جاز الرّجوع قبل الطم لا بعده ، لأن النّبش محرم ، ولأن الدّفن مؤبد إلى أن يبلى الميّت. ولو دفن الميّت في أرض ثم بيعت ، ففي المبسوط : انّه يجوز للمشتري نقل الميّت والأفضل تركه ، لأنه لا دليل يمنع من ذلك (٢) ، وهو يتم إذا كانت مغصوبة ، كما نبّه عليه المصنّف.

ج : لو كفن في مغصوب جاز نبشه لطلب المالك ، ولا يجب عليه أخذ القيمة عندنا ، نعم يستحبّ ، والفرق بأنّ تقويم المدفن غير ممكن بخلاف الثوب ضعيف لأن إجارة البقعة زمانا يعلم فيه بلى الميت ممكن ، وذكر في الذّكرى احتمال وهو أنّه إذا أدى النّبش إلى هتك الميّت بظهور ما ينفر منه لم ينبش لبقاء حرمته (٣) ، ولهذا الاحتمال وجه ، ويجي‌ء في الأرض المغصوبة ونحوها.

د : لو وقع في القبر ماله قيمة عادة جاز النّبش لأخذه ، للنّهي عن إضاعة المال ، ولو ابتلع الميّت مالا لغيره في حال حياته فهل يشق جوفه بعد الموت لأخذه؟ قولان :

أحدهما : لا ، وهو مختار الخلاف لبقاء حرمة المسلم (٤).

والثّاني : يشق لإيصال الحق إلى مستحقه (٥).

واحتمل في الذّكرى تقييده بعدم ضمان الوارث (٦) ، فان قلنا : لا يشق ، أخذ من تركته جزما ، وهذا بخلاف ما لو ابتلع مال نفسه ، ومتى بلى وانتفت المثلة جاز النّبش مطلقا كما صرّح به في التّذكرة (٧).

__________________

(١) الذكرى : ٧٦.

(٢) المبسوط ١ : ١٨٨.

(٣) الذكرى : ٧٦.

(٤) الخلاف ١ : ١٧١ مسألة ٩٤ كتاب الجنائز.

(٥) قاله العلامة في التذكرة ١ : ٥٦.

(٦) الذكرى : ٧٦.

(٧) التذكرة ١ : ٥٦.

٤٥٣

وشقّ الرجل الثوب على غير الأب والأخ ، ويشق بطن الميتة لإخراج الولد الحي ثم يخاط ،

______________________________________________________

هـ : النّبش للشهادة على عينه للأمور المترتبة على موته من اعتداد زوجته ، وقسمة تركته ، وحلول ديونه الّتي عليه ، وبراءة كفيله ونحو ذلك ، وهذا إنّما يكون إذا لم يعلم تغير صورته بحيث لا يعرف.

و : لو دفن بغير غسل ، أو إلى غير القبلة لم ينبش وفاقا للشّيخ (١) ، ويظهر من التّذكرة القول بنبشه (٢) ، وأولى بعدم النّبش لو دفن بغير كفن لحصول الستر بالدّفن ، وأولى منه لو دفن بغير صلاة لإمكانها على القبر ، وكذا لو كفن في حرير ونحوه بخلاف المغصوب لأن حقّ الله سبحانه وتعالى أوسع من حق الآدمي.

قوله : ( وشق الرّجل الثوب على غير الأب والأخ ).

أي : يحرم ذلك ، أمّا الأب والأخ فيجوز له الشق عليهما ، وعلى ذلك فتوى الأصحاب ، وفي بعض الأخبار ذكر الامّ معهما (٣) ، وتقييد المصنّف الحكم بالرّجل يدلّ على أنّ المرأة ليست كذلك ، وفي النّهاية للمصنّف أنّه يجوز لها ذلك على جميع الأقارب (٤) ، قال في الذّكرى : وفي الخبر إيماء إليه (٥).

قوله : ( ويشق بطن الميتة لإخراج الولد الحي ، ثم يخاط ).

توصلا إلى بقاء حياة الولد ، فإن حرمة حياته أعظم من حرمة أمّه الميتة ، ولأمر الصّادق (٦) ، والكاظم (٧) عليهما‌السلام ، وليكن ذلك من الجانب الأيسر ، أسنده في التّذكرة إلى علمائنا (٨) ، والأخبار خالية عنه ، قال في الذّكرى : ومن ثم أطلق في‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٧١ مسألة ٩٥ كتاب الجنائز.

(٢) التذكرة ١ : ٥٦.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٢٥ حديث ١٢٠٧.

(٤) نهاية الأحكام ٢ : ٢٩٠.

(٥) الذكرى : ٧٢.

(٦) الكافي ٣ : ١٥٥ ، ٢٠٦ حديث ٢ ، ١ و ٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٣ حديث ١٠٠٦.

(٧) الكافي ٣ : ١٥٥ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٣٤٣ حديث ١٠٠٤.

(٨) التذكرة ١ : ٥٧.

٤٥٤

ولو انعكس أدخلت القابلة يدها وقطعته وأخرجته.

والشهيد يدفن بثيابه ، وينزع عنه الخفان وان أصابهما الدم ،

______________________________________________________

الخلاف (١).

ويجب أن يخاط الموضع لحرمة الميّت ، وبه رواية عن ابن أبي عمير (٢) ، موقوفة على ابن أذينة ، فلذلك نفاها في المعتبر (٣) لعدم الضّرورة ، وكون المصير إلى البلى والأوّل أقوى ، لأن الراويين من العظماء ، ومثل ذلك لا يقال عن غير توقيف ، وكون حرمة الميّت كحرمة الحيّ يرشد إليه ، ولا يشترط في ذلك كون الولد بحيث يعيش عادة.

قوله : ( ولو انعكس أدخلت القابلة يدها وقطعته وأخرجته ).

أي : لو مات ولد الحامل في بطنها وهي حيّة ، أدخلت القابلة يدها وأخرجته ، وذكر القابلة اعتبارا بالغالب ، فان غير القابلة من النّساء كالقابلة في الجواز ، وتقطيعه إنّما يجوز إذا تعذر إخراجه بدونه ، والأصل في ذلك ما روي عن الصّادق عليه‌السلام : « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوّف عليها : لا بأس أن يدخل الرّجل يده فيقطعه ويخرجه ، إذا لم يتفق له النّساء (٤) » ، ولضعف الرّواية ـ فإن الرّاوي لها وهب ـ عدل في المعتبر إلى وجوب التوصّل إلى إسقاطه ببعض العلاج ، فان تعذّر ، فالأرفق في إخراجه ، ثم الأرفق (٥) ، وهذا لا ينافي الرّواية ، لأن الظاهر أن الأمر بالتقطيع فيها للخوف على الام.

ويشترط العلم بحياة الجنين في المسألة الأولى ، وبموته في الثانية ، فلو شك وجب الصّبر ، ويتولى الأمرين النّساء ، ثم محارم الرّجال ، ثم الأجانب ، ويقدم الزّوج على غيره من الرّجال المحارم.

قوله : ( والشّهيد يدفن بثيابه وينزع عنه الخفان وإن أصابهما الدّم ).

أمّا دفنه بثيابه فمما أجمع عليه المسلمون ، ولا فرق بين أن يصيبها الدّم أو لا ،

__________________

(١) الذكرى : ٤٣ والخلاف : ١ : ١٧٠ مسألة ٩٢ كتاب الجنائز.

(٢) التهذيب ١ : ٣٤٤ حديث ١٠٠٧.

(٣) المعتبر ١ : ٣١٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٥٥ ، ٢٠٦ حديث ٣ ، ذيل حديث ٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٤ حديث ١٠٠٨ وفيه : لم ترفق.

(٥) المعتبر ١ : ٣١٦.

٤٥٥

سواء قتل بحديد أو غيره.

______________________________________________________

ومن الثّياب السّراويل فيدفن معه مطلقا على الأصحّ ، وكذا العمامة والقلنسوة ، وقال المفيد (١) ، وابن الجنيد (٢) : تنزع السّراويل إلا أن يصيبه دم ، وإطلاق الأمر بدفنه بثيابه (٣) حجة لنا.

أما الخفان فيجب نزعهما ، وكذا سائر الجلود والحديد ، لأمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قتلي أحد أن ينزع عنهم الجلود والحديد (٤) ، لعدم دخولها في مسمّى الثّياب عرفا ، وجمع من الأصحاب على أنّه إن أصاب شيئا من ذلك الدم يدفن (٥) ، ومستنده رواية زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٦) وهي ضعيفة فان طريقها رجال الزّيدية.

قوله : ( سواء قتل بحديد أو غيره ).

من صدم أو لطم ونحو ذلك ، وسواء قتل بسلاح نفسه أو غيره ، سواء كان صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، حرّا أو عبدا لإطلاق الأخبار ، والجنب كغيره على الأصحّ ، وكذا الحائض والنّفساء لخروجه عن التّكليف ، ومن ثم غير الشّهيد لو كان جنبا لا يغسل غسلين ، وقول ابن الجنيد (٧) ، والمرتضى (٨) بتغسيل الجنب ، لأن الملائكة غسلت حنظلة بن الراهب لأنه خرج جنبا (٩) ضعيف ، لعدم دلالته على الوجوب علينا ، بل ولا على الجواز.

__________________

(١) المقنعة : ١٢.

(٢) حكاه العلامة في المختلف : ٤٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢١٠ ، ٢١١ ، ٢١٢ حديث ١ و ٢ و ٥ ، الفقيه ١ : ٩٦ ، ٩٧ حديث ٤٤٥ ، ٤٤٦ ، ٤٤٧.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ١٤.

(٥) منهم : المفيد في المقنعة : ١٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٥٤ ، وسلار في المراسم : ٤٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢١١ حديث ٤ ، الفقيه ١ : ٩٧ حديث ٤٤٩ ، التهذيب ١ : ٣٣٢ حديث ٩٧٢.

(٧) حكاه المحقق في المعتبر ١ : ٣١٠ ، والعلامة في المختلف : ٤٦.

(٨) قاله في شرح الرسالة ونقله عنه المحقق في المعتبر ١ : ٣١٠.

(٩) الفقيه ١ : ٩٧ حديث ٤٤٨.

٤٥٦

ومقطوع الرأس يبدأ في الغسل برأسه ثم ببدنه في كل غسلة ، ويوضع مع البدن في الكفن بعد وضع القطن على الرقبة والتعصيب ، فإذا دفن تناول المتولي الرأس مع البدن ، والمجروح بعد غسله تربط جراحاته بالقطن والتعصيب ، والشهيد الصبي أو المجنون كالعاقل ، وحمل ميّتين على جنازة بدعة.

ولا يترك المصلوب على خشبة أكثر من ثلاثة أيام ، ثم ينزل ويدفن بعد تغسيله وتكفينه والصلاة عليه.

______________________________________________________

قوله : ( ومقطوع الرّأس يبدأ في الغسل برأسه ، ثم ببدنه في كل غسلة ).

كغيره لوجوب التّرتيب في الغسل ، وبينونة الرّأس لا تقتضي سقوطه.

قوله : ( والشّهيد الصّبي ، أو المجنون كالعاقل ).

أي : الصّبي كالبالغ ، والمجنون كالعاقل في تعلق الأحكام السّابقة ، والمستند إطلاق الأخبار ، وقد نقل قتل أطفال في بدر وأحد ، وقتل طفل الحسين عليه‌السلام بالطف ، ولم ينقل في شي‌ء من ذلك غسل.

قوله : ( وحمل ميّتين على جنازة بدعة ).

أي : على سرير واحد ، وظاهر البدعة التّحريم لأن كلّ بدعة ضلالة ، والمشهور الكراهة ، وفي مكاتبة الصّفار الصّحيحة إلى العسكري عليه‌السلام النّهي عن حمل الرّجل والمرأة على سرير واحد (١) ، وهي محمولة على الكراهية لضعفها بكونها مكاتبة وأصالة البراءة ، وحينئذ فتكون كراهة الجمع بين الرّجل والمرأة في الحمل أشد ، لتصريح الأصحاب بالكراهة مطلقا.

قوله : ( ولا يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة ، ثم ينزل ، ويدفن بعد تغسيله وتكفينه والصّلاة عليه ).

روى السّكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيّام حتّى ينزل ويدفن » (٢).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٥٤ حديث ١٤٨٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٦ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٣٣٥ حديث ٩٨١.

٤٥٧

تتمة :

يجب الغسل على من مس ميتا من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل ،

______________________________________________________

قوله : ( تتمة : يجب الغسل على من مسّ ميّتا من النّاس بعد برده بالموت ، وقبل تطهيره بالغسل ).

لما كان وجوب غسل المسّ من لوازم تغسيل الميّت غالبا ، كان بيان أحكامه كالمتمّم لأحكام الأموات ، والقول بوجوب غسل المس هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه دلّت الأخبار ، مثل خبر حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من غسّل ميّتا فليغتسل » قلت : فان مسّه؟ قال : « فليغتسل » (١) وخبر معاوية بن عمّار عنه عليه‌السلام : إذا مسّه وهو سخن قال : « لا غسل عليه ، فإذا برد فعليه الغسل » ، قلت : البهائم والطير إذا مسّها ، أعليه الغسل؟ قال : « لا ، ليس هذا كالإنسان » (٢) وفي معناه خبر محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام (٣) ، وخبر عبد الله بن سنان ، عن الصّادق عليه‌السلام : « يغتسل الّذي غسل الميّت ، وإن غسل الميّت إنسان بعد موته وهو حار فليس عليه غسل ، ولكن إذا مسه ، أو قبّله وقد برد فعليه الغسل ، ولا بأس أن يمسّه بعد الغسل ويقبله » (٤) وهذه كلّها وغيرها (٥) دالة على الوجوب ، وفي بعضها التّصريح بأن مسّه قبل البرد لا يوجب غسلا (٦) ، وإنّ تغسيله حينئذ جائز ، والظاهر أن إطلاق وجوب الغسل على الغاسل خرج مخرج الغالب ، إذ لا بد له من مسّه غالبا ، وخلاف المرتضى (٧) ضعيف.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٠ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١٠٨ حديث ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٩٩ حديث ٣٢١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٩ حديث ١٣٦٧.

(٣) الكافي ٣ : ١٦٠ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ حديث ١٣٦٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٦٠ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ١٠٨ حديث ٢٨٤.

(٥) للمزيد راجع الوسائل ٢ : ٩٢٧ باب ١ من أبواب غسل الميت.

(٦) الكافي ٣ : ١٦٠ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ١٠٨ ، ٤٢٩ حديث ٢٨٤ ، ١٣٦٧.

(٧) نقل قوله في المعتبر ١ : ٣٥١.

٤٥٨

وكذا القطعة ذات العظم منه. ولو خلت من العظم أو كان الميت من غير الناس أو منهم قبل البرد وجب غسل اليد خاصة ،

______________________________________________________

قوله : ( وكذا القطعة ذات العظم منه ).

أي : من الميّت من النّاس ، ومثله القطعة المبانة من الحيّ مع العظم ، لمرسلة أيّوب ابن نوح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قطع من الرّجل قطعة فهي ميّتة ، فإذا مسّه إنسان ، فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل ، وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه » (١).

ونقل الشّيخ الإجماع على ذلك (٢) ، وتوقف في المعتبر لضعف الرّواية بالإرسال (٣) ، وعدم تحقق الإجماع.

وجوابه : أن ضعفها تجبره الشهرة ، والإجماع يكفي فيه شهادة الواحد ، وعند ابن الجنيد يجب الغسل بمسّ القطعة من الحيّ ما بينه وبين سنة (٤).

قوله : ( ولو خلت من العظم ، أو كان الميّت من غير النّاس ، أو منهم قبل البرد وجب غسل اليد خاصّة ).

أمّا عدم وجوب الغسل في هذه المواضع الثّلاثة ففي الأخبار السّابقة ما يدلّ عليه ، وأمّا وجوب غسل اليد في القطعة الخالية من العظم فظاهر مع الرّطوبة ، لما سبق في أحكام النّجاسات من نجاسة ميّت الآدمي ، وبدونها عند المصنّف لما سبق أيضا من أن الميّت ينجس الملاقي له مطلقا ، إلا أنّه سيأتي في كلامه عن قريب ما يخالف ذلك ، وقد سبق أن المعتمد خلافه.

وأمّا ميتة غير الآدمي ممّا له نفس فان نجاسته إنّما تتعدى مع الرّطوبة كما سبق أيضا في كلام المصنّف فلا بدّ من تقييدها هنا بالرطوبة ، والأصحّ أيضا أن الميّت إنّما ينجس بعد البرد ، فلا ينجس الملاقي له حينئذ مطلقا للأصل والاستصحاب ، وعند المصنّف انّه نجس وإن لم يبرد لأنه ميّت. وظاهر عدم كلية الكبرى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٢ حديث ٤.

(٢) الخلاف ١ : ١٦٤ مسألة ٢٥ كتاب الجنائز.

(٣) المعتبر ١ : ٣٥٢.

(٤) حكاه العلامة عنه في المختلف : ٢٨.

٤٥٩

ولا تشترط الرطوبة هنا.

والظاهر ان النجاسة هنا حكمية ، فلو مسّه بغير رطوبة ثم لمس رطبا لم ينجس.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تشترط الرّطوبة هنا ).

المشار إليه بـ ( هنا ) هو ما سبق من وجوب الغسل بمسّ الميّت ، وليس هو من متمّمات حكم هذه المسائل الثلاث بدليل السياق ، فان المطلوب بيان أحكام المسّ ، وأيضا فإن قوله : ( والظّاهر أن النّجاسة هنا حكمية ... ) يقتضي عدم تعدي النّجاسة مع اليبوسة ، فلو كان المراد عدم اشتراط الرّطوبة في المسائل الثلاث تدافعا.

والمراد أنّ وجوب الغسل بمسّ الميّت المذكور لا تشترط فيه رطوبة واحد من المحلّ الملاقي وما يلاقيه من بدن الميّت ، إذ ليس الحكم مقصورا على العضو الملاقي ، بل هو شامل لجميع البدن ، فلا وجه لاشتراط الرطوبة ، لاستلزامه قصر الحكم على محلّها ، ولإطلاق النصوص ، ووجوب الغسل بالمس من غير تقييد بالرّطوبة ، وإلى هذا المعنى ترشد عبارة المنتهى (١).

قوله : ( والظاهر أنّ النّجاسة هنا حكمية ، فلو مسّه بغير رطوبة ثم لمس رطبا لم ينجس ).

المشار إليه بـ ( هنا ) قبل التأمل الصادق يحتمل أن يكون بدن الماس ، فيكون التقدير : والظاهر أن نجاسة بدن الماس حكمية ، ويحتمل أن يكون بدن الميّت فيكون التّقدير : والظاهر أن نجاسة بدن الميّت حكمية ويكون التّعرض إلى تحقيق نجاسته بكونها حكمية في هذا الباب لكونه من متمّمات أحكامه.

وقبل الخوض في بيان الأصح من الاحتمالين ، لا بدّ من بيان معنى النّجاسة الحكمية ، وإن كان قد سبق العلم بها عند بيان أقسام العينيّة في أحكام النّجاسات ، وأقسامها ثلاثة :

الأوّل : ما يكون المحلّ الّذي قامت به معها طاهرا لا ينجس الملاقي له ولو بالرّطوبة ، ويحتاج زوال حكمها إلى مقارنة النّية لمزيلها.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٢٨.

٤٦٠