جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

والصّلاة في المواضع المعتادة ، وتجوز في المساجد.

المطلب الرابع : في كيفيتها

ويجب فيها القيام ،

______________________________________________________

قوله : ( والصّلاة في المواضع المعتادة وتجوز في المساجد ).

استحبّ الأصحاب إيقاع صلاة الجنازة في المواضع المعتادة لذلك ، إمّا تبركا بها لكثرة من صلّى فيها ، وإمّا لأن السامع بموته يقصدها للصّلاة عليه ، ويكره إيقاعها في المساجد إلا بمكّة ، خوفا من تلطخ المسجد بانفجاره ، ولما رواه أبو بكر بن عيسى العلوي ، عن الكاظم عليه‌السلام أنّه منعه من ذلك ، حيث أخرجه من المسجد ثم قال : « يا أبا بكر ان الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد » (١) وليس للتّحريم ، لإذن الصّادق عليه‌السلام في الصّلاة على الميّت في المسجد (٢) ، فيحمل على الكراهيّة جمعا بينها.

أمّا مسجد مكّة فاستثناه الشّيخ رحمه‌الله (٣) والأصحاب (٤) ، قال في الذّكرى : ولعلّه لكونها مسجدا بأسرها ، كما في حق المعتكف وصلاة العيد (٥) ، وفيه نظر ، لأن خوف التلطخ ، وتحريم إيصال النّجاسة قائم في مسجدها دون ما سواه منها ، بخلاف حكم المعتكف والعيد ، وإطلاق قول المصنّف : ( ويجوز في المساجد ) ، وإن لم يناف الكراهة فإنّه لا يدلّ عليها ، ومع ذلك فلا بدّ من استثناء مسجد مكّة منه.

قوله : ( ويجب فيها القيام ).

مع القدرة ، وكذا يجب الاستقرار ، فلا تجوز الصّلاة قاعدا ، ولا راكبا اختيارا ، بإجماعنا ، تأسيا بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم‌السلام ، ولعدم تيقّن البراءة بدونه ، والناسي كالعامد على الأقرب ، لقضية الاشتراط ، ومع العجز يسقط كاليوميّة ، لكن هل يسقط بصلاة العاجز الفرض عن غيره ممن يقدر على القيام؟.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٢ حديث ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٦ حديث ١٠١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ حديث ١٨٣١.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٢ حديث ٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢٥ حديث ١٠١٣ ـ ١٠١٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ حديث ١٨٢٩ ـ ١٨٣٠.

(٣) الخلاف ١ : ١٦٨ مسألة ٧٣ من كتاب الجنائز.

(٤) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٣٥٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤٥٨ ، والشهيد في الدروس : ١٢.

(٥) الذكرى : ٦٢.

٤٢١

والنيّة ، والتكبير خمسا ،

______________________________________________________

الظّاهر لا ، لأن النّاقص لا يسقط الكامل ، ولأصالة بقائه في العهدة ، وكذا نقول في العاري ، بالإضافة إلى من يقدر على الساتر إن قلنا باشتراط السّتر ، وهو الأحوط إلحاقا لها بغيرها من الصّلوات ، ومن لا يحسن العربية مع من يحسنها وغير ذلك. وكذا الصّبي لا يسقط بصلاته فرض المكلّفين لعدم التّكليف ، لأن فعله تمريني لا يوصف بالصحّة والفساد على الأصحّ. وكذا القول في الغسل وغيره من فروض الكفايات الّتي من شرطها النيّة.

قوله : ( والنيّة ).

ويعتبر فيها قصد الصّلاة لوجوبها أو ندبها تقربا الى الله تعالى لأنّها عبادة ، ولا يجب فيها التعرّض إلى الأداء والقضاء ، لعدم مقتضاهما ، ولا تعيين الميّت ، لكن يجب القصد الى معيّن ، ويكفي قصد منوي الامام على ما صرّح به في الذّكرى (١) فلو تبرّع بالتّعيين فلم يطابق ففي الذّكرى : الأقرب البطلان ، لخلو الواقع عن نية.

وينبغي أن يقيد بما إذا لم يشر إلى الموجود بأن قصد الصّلاة على فلان لا على هذا فلان. ولا بدّ في المأموم من نية الاقتداء كجماعة اليوميّة وغيرها ، ويجب استدامة النيّة حكما الى آخرها.

قوله : ( والتكبير خمسا ).

بإجماعنا ، إحداها تكبيرة الإحرام وينبّه على ركنيتها ما رواه الصدوق من ان العلّة في ذلك ، أن الله تعالى فرض على الناس خمس صلوات ، فجعل للميّت من كلّ صلاة تكبيرة (٢) وفي اخرى : إن الله تعالى فرض على الناس خمس فرائض الصلاة ، والزّكاة ، والصّوم ، والحج ، والولاية ، فجعل للميّت من كل فريضة تكبيرة ، وإنّما يكبر العامة أربعا لأنهم تركوا الولاية (٣) ، وعلى هذا فهل يطّرد بطلان الصلاة بزيادة شي‌ء منها ونقصانه على وجه لا يمكن تداركه بأن يتخلل فعل كثير‌

__________________

(١) الذكرى : ٥٨.

(٢) علل الشرائع : ٣٠٢ باب ٢٤٤ حديث ١ ، ٢.

(٣) علل الشرائع : ٣٠٣ باب ٢٤٥ حديث ١.

٤٢٢

والدعاء بينها ،

______________________________________________________

وزمان طويل؟.

لا أستبعد ذلك لعدم صدق الامتثال ، ومال في الذّكرى إلى عدم البطلان بزيادة التكبير سهوا ، ثمّ احتمل البطلان معلّلا بزيادة الرّكن ، وقال بعد ذلك : لو زاد في التّكبير متعمّدا لم تبطل ، لأنه خرج بالخامسة من الصّلاة ، فكانت زيادة خارجة من الصّلاة ، ولو قلنا باستحباب التّسليم فكذلك ، لأنّه لا يعدّ جزءا منها (١).

ويشكل كلامه بما لو كبّر عند بعض الأدعية تكبيرتين ، فانّ كون الزّيادة خارجة من الصّلاة هنا غير واضح ، أمّا الأذكار فلا قطعا ، فتكون الأركان في هذه الصّلاة سبعة إن لم نقل بأن النيّة شرط.

وهل يجب ترك منافيات ذات الرّكوع ـ عدا الحدث والخبث ـ من الاستدبار ، والفعل الكثير وغيرهما فتبطل بما تبطل به؟ الظاهر نعم ، وينبه على ذلك اشتراط الاستقبال ، وقوله عليه‌السلام : « صلّوا كما رأيتموني أصلي » (٢) ، وعدم تيقن الخروج عن العهدة بدونه.

قوله : ( والدّعاء بينها ).

لم يوجبه المحقق في الشّرائع (٣) ، والأصحّ وجوبه لأنه المقصود من صلاة الجنازة ، وللتأسي ، ولقول الصّادق عليه‌السلام : « إنما هو تكبير ، وتسبيح ، وتمجيد ، وتهليل » (٤) وغيره من الاخبار (٥) ، وحكى في الذّكرى ان الأصحاب بأجمعهم ذكروا ذلك في كيفية الصّلاة ، ولم يصرّح أحد منهم بندب الأذكار (٦).

والأصحّ أنّه لا يتعين لفظ مخصوص ، بل المعاني الّتي اشتركت فيها الرّوايات باعتبار كل تكبيرة بأيّ عبارة كانت ، فانّ اختلاف الأخبار في الأذكار دليل على‌

__________________

(١) الذكرى : ٦٤.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٢.

(٣) الشرائع ١ : ١٠٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٨ حديث ١ ، الفقيه ١ : ١٠٧ حديث ٤٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ حديث ٤٧٥ وفي الجميع : ( تحميد ).

(٥) علل الشرائع : ٢٦٩ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١١٥.

(٦) الذكرى : ٥٩.

٤٢٣

بأن يتشهد الشهادتين عقيب الاولى ، ثم يصلّي على النبي وآله عليهم‌السلام في الثانية ، ويدعو للمؤمنين عقيب الثالثة ، ثم يترحّم على الميت في الرابعة ان كان مؤمنا ، ولعنه ان كان منافقا ،

______________________________________________________

ذلك ، وهو مختار التّذكرة (١) والذّكرى (٢) ، والظاهر أن الألفاظ الّتي اشتركت في تعينها الرّوايات ، مثل لفظ الشهادة والصّلاة في الشّهادتين ، والصّلاة على النّبي وآله عليهم‌السلام متعينة.

قوله : ( بأن يتشهّد الشّهادتين عقيب الأولى ، ثم يصلّي على النّبي وآله عليهم‌السلام في الثّانية ، ويدعو للمؤمنين عقيب الثّالثة ، ثم يترحم على الميّت ... ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب (٣) ، ونقل فيه الشّيخ الإجماع (٤) ، واشتهر في الأخبار (٥) جمع الأدعية الأربعة عقيب كلّ تكبيرة ، وحكاه في الذّكرى عن ابن أبي عقيل والجعفي (٦) ، قال المصنّف في المختلف : كلاهما جائز (٧). وفي بعض الرّوايات الدّعاء عقيب الخامسة (٨). ولو كان الميّت أنثى قال : ( اللهمّ أمتك ... ) إلى آخر الدّعاء ، ملحقا علامة التأنيث ، ويتخير في الخنثى.

قوله : ( ولعنه إن كان منافقا ).

المراد بالمنافق هنا : الناصب على ما تشهد به بعض العبارات (٩) والرّوايات (١٠) ، وفي بعض الرّوايات ما يدل على أن المنافق الحقيقي الّذي يبطن الكفر‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠.

(٢) الذكرى : ٥٩.

(٣) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٣٤٩ ، والعلامة في المختلف : ١١٩.

(٤) الخلاف ١ : ١٦٩ مسألة ٧٨ كتاب الجنائز.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٢ ، ١٨٤ حديث ١ ، ٣ ، و ٤ ، التهذيب ٣ : ١٩١ حديث ٤٣٦.

(٦) الذكرى : ٥٩.

(٧) المختلف : ١١٩.

(٨) فقه الرضا : ١٩.

(٩) المفيد في المقنعة : ٣٨ ، والشيخ في النهاية : ١٤٥ والشهيد في الذكرى : ٦٠.

(١٠) الكافي ٣ : ١٨٨ حديث ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧ ، الفقيه ١ : ١٠٥ حديث ٤٩٠ ، ٤٩١ ، التهذيب ٣ : ١٩٦ حديث ٤٥٣.

٤٢٤

ودعا بدعاء المستضعفين ان كان منهم ، وسأل الله أن يحشره مع من يتولاه إن جهله ،

______________________________________________________

ويظهر الإسلام كذلك ، لأن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على عبد الله بن أبيّ فلعنه (١). وينبغي أن لا يكون الدّعاء على هذا القسم واجبا ، لأن التكبير عليه أربع ، فبالرّابعة تنتهي الصّلاة.

قوله : ( ودعا بدعاء المستضعفين إن كان منهم ).

حدّ ابن إدريس المستضعف في باب الأسآر بمن لا يعرف اختلاف النّاس في المذاهب ، ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم (٢) ، وعرّفه في الذّكرى بأنه الّذي لا يعرف الحق ، ولا يعاند فيه ، ولا يوالي أحدا بعينه (٣) ، وحكي عن الغرية انّه الّذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراءة (٤) ، والتفسيرات متقاربة ، وإن كان تفسير ابن إدريس ألصق بالمقام ، فان العالم بالخلاف والدلائل إذا كان متوقفا لا يقال له : مستضعفا.

وما يقال من أنّ المستضعف : هو الّذي لا يعرف دلائل اعتقاد الحق وان أعتقده ، فليس بشي‌ء ، إذ لا خلاف بين الأصحاب في أنّ من اعتقد معتقد الشّيعة الإماميّة مؤمن ، يعلم ذلك من كلامهم في الزّكاة والنّكاح والكفّارات. ودعاء المستضعفين : ( اللهم اغفر لِلَّذِينَ تابُوا ، وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) (٥) الى آخر الآيتين ، أو الآيات.

قوله : ( ويسأل الله أن يحشره مع من يتولاه إن جهله ).

أي : إن جهل إيمانه وضدّه ، لرواية ثابت أبي المقدام ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : « اللهمّ إنّك خلقت هذه النّفوس » (٦) إلى آخر الدّعاء.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٨ حديث ١ ، التهذيب ٣ : ١٩٦ حديث ٤٥٢.

(٢) السرائر : ١٣.

(٣) الذكرى : ٥٩.

(٤) حكاه الشهيد في الذكرى : ٥٩.

(٥) غافر ٧ ـ ٩.

(٦) الكافي ٣ : ١٨٨ حديث ٦ ، التهذيب ٣ : ١٩٦ حديث ٤٥١.

٤٢٥

وأن يجعله له ولأبويه فرطا إن كان طفلا.

وتستحب الجماعة ، ورفع يديه في التكبيرات ،

______________________________________________________

قوله : ( وأن يجعله له ولأبويه فرطا إن كان طفلا ).

لما رواه زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام (١) ، وفي الشّرائع : يسأل الله أن يجعله مصلحا لحال أبيه ، شافعا فيه (٢) ، قال في الصّحاح : الفرط ـ بالتّحريك ـ الّذي يتقدم الواردة فيهيئ لهم الأرسان ، والدلاء ، ويمدر الحياض ، ويستقي لهم ، وهو فعل بمعنى فاعل ، مثل تبع بمعنى تابع ، ويقال : رجل فرط ، وقوم فرط أيضا ، وفي الحديث : « أنا فرطكم على الحوض » ، ومنه قيل للطفل الميّت : « اللهمّ اجعله لنا فرطا » أي : أجرا يتقدمنا حتّى نرد عليه (٣).

قوله : ( وتستحبّ الجماعة ).

ولا تجب عندنا ، وتستحبّ كثرة المصلين لرجاء مجاب الدّعوة فيهم ، وأربعون أفضل ، لما روي من إجازة شفاعتهم وشهادتهم في الميّت (٤) ، والمائة أكمل ، ويستحب أن يكونوا ثلاثة صفوف وتسوية الصّف كالمكتوبة ، وأفضلها المؤخر بخلاف جماعة اليوميّة لخبر السّكوني ، عن الصّادق عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

قوله : ( ورفع يديه في التكبيرات ).

أما رفع اليدين في تكبيرة الإحرام فموضع وفاق ، وأمّا غيرها فقال في الذّكرى : إن الأكثر على نفيه ، وهو مرويّ من فعل علي عليه‌السلام (٦) ، (٧) والظّاهر الاستحباب فيها‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٥ حديث ٤٤٩.

(٢) الشرائع ١ : ١٠٧.

(٣) الصحاح ٣ : ١١٤٩ مادة ( فرط ).

(٤) الخصال ٢ : ٥٣٨ حديث ٤.

(٥) الكافي ٣ : ١٧٣ حديث ٣ ، التهذيب ٣ : ٣١٩.

(٦) التهذيب ٣ : ١٩٤ حديث ٤٤٣ ، ٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ حديث ١٨٥٣ ، ١٨٥٤.

(٧) الذكرى : ٦٣.

٤٢٦

ووقوفه حتى ترفع الجنازة ، ولا قراءة فيها

______________________________________________________

أيضا لرواية عبد الرّحمن العرزمي (١) ، وعبد الله بن خالد (٢) ، فعل الصّادق عليه‌السلام له ، ورواية يونس أمر الرّضا عليه‌السلام به (٣) ، فتحمل الأولى على التقيّة كما تشعر به رواية يونس ، والأقرب استحباب الجهر بها للإمام ليسمع من خلفه ، أمّا الدّعاء فيستحبّ الأسرار به مطلقا لأنه أقرب الى الإجابة ، ويكره الجهر بالتكبير للمأموم ، والظاهر أنّ المنفرد يتخير.

قوله : ( ووقوفه حتّى ترفع الجنازة ).

ظاهر العبارة استحباب ذلك لكل مصلّ ، ورواية حفص بن غياث عن الصّادق عليه‌السلام ، عن أبيه عليهم‌السلام : « أنّ عليّا عليه‌السلام كان يفعل ذلك » (٤) لا تدلّ على اختصاص الاستحباب بالإمام كما ذهب إليه في الذّكرى وحكاه عن ابن الجنيد (٥) لثبوت التّأسي.

قوله : ( ولا قراءة فيها ).

أي : لا واجبة ولا مندوبة ، وهل تكره؟ ذهب الشّيخ في الخلاف إلى الكراهة ، وادعى عليه الإجماع (٦) ، ويظهر من كلام الذّكرى العدم (٧) ، ومذهب الشّيخ أظهر تأسيا بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم‌السلام ، ولو كانت مستحبة لما أعرضوا عنها ، والجواز إنما هو مع الإتيان بواجب الدّعاء. وفي المنتهى حمل بعض الأخبار بقراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى (٨) ، على أن أجزاءها من حيث تضمنها معنى الشّهادتين (٩) ، وفيه بعد ظاهر. وكذا الاستعاذة فيها. ولا يستحب دعاء الاستفتاح.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٤ حديث ٤٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ حديث ١٨٥١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩٥ حديث ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ حديث ١٨٥٠.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٥ حديث ٤٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ حديث ١٨٥٢.

(٤) التهذيب ٣ : ١٩٥ حديث ٤٤٨.

(٥) الذكرى : ٦٤.

(٦) الخلاف ١ : ١٦٩ مسألة ٧٧ كتاب الجنائز.

(٧) الذكرى : ٦٠.

(٨) التهذيب ٣ : ١٩٣ ، ٣١٩ حديث ٤٤٠ ، ٤٤١ و ٩٨٨ ، الاستبصار : ١ : ٤٧٧ حديث ١٨٤٤ ، ١٨٤٥.

(٩) المنتهى ١ : ٤٥٢.

٤٢٧

ولا تسليم ، ويكره تكرارها على الواحدة.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تسليم ).

لا واجبا ولا مندوبا بإجماع الأصحاب ، وقال في الذّكرى : وظاهرهم عدم مشروعيّته (١) ، وأكثر الأخبار واردة بنفيه (٢) ، وربّما أشعرت بنفي الشّرعية ، والأخبار الواردة بثبوته ضعيفة (٣) ، فلا تعارض هذه ، وحملت على التقية لموافقتها مذهب أهل الخلاف.

قوله : ( ويكره تكرارها على الواحدة ).

قال الشّيخ في الخلاف : ويكره لمن صلّى على الجنازة أن يصلّي عليها ثانيا (٤) ، وقال المصنّف في التذكرة : إن خيف على الميّت كرهت وإلاّ فلا (٥) ، وفي باقي كلامه ما يدل على الكراهيّة مع منافاة التّعجيل ، وظاهر المختلف كراهة التكرار مطلقا كما هنا (٦).

والأخبار مختلفة ، ففي بعضها إطلاق منع التّكرار (٧) ، وفي بعضها الإذن (٨) ، وهو مروي من فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين علي عليه‌السلام في مواضع مخصوصة ، وظاهر أنّه لا عموم لها ، وكلام أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة يدلّ على الاختصاص بإظهار الشرف والكرامة (٩).

والّذي ينبغي أن يجمع به بين الأخبار القول بكراهة التكرار من المصلّي الواحد مطلقا ، إذ لا صراحة في شي‌ء منها بالإذن في ذلك إلاّ ما روي من فعلهما‌

__________________

(١) الذكرى : ٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٥ حديث ٢ ، التهذيب ٣ : ١٩٣ حديث ٤٣٧ ـ ٤٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٧٧ حديث ١٨٤٦ ـ ١٨٤٨ ، تحف العقول : ٣١٢.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩١ حديث ٤٣٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ حديث ١٨٤٩.

(٤) الخلاف ١ : ١٧٠ مسألة ٨٣ كتاب الجنائز.

(٥) التذكرة ١ : ٥١.

(٦) المختلف : ١٢٠.

(٧) التهذيب ٣ : ٣٢٤ ، ٣٣٢ حديث ١٠١٠ ، ١٠٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ، ٤٨٥ حديث ١٨٧٨ ، ١٨٧٩ ، قرب الاسناد : ٦٣.

(٨) التهذيب ١ : ٢٩٦ حديث ٨٦٩ ، ٣ : ٣٣٤ حديث ١٠٤٥ ، إعلام الورى : ١٤٤ ، الاحتجاج : ٨٠.

(٩) نهج البلاغة ٢ : ٣٥ كتاب ٢٨.

٤٢٨

المطلب الخامس : في الأحكام

كل الأوقات صالحة لصلاة الجنازة وان كانت أحد الخمسة إلاّ عند تضيق الحاضرة.

______________________________________________________

عليهما‌السلام ، ولا عموم له كما علم. ولو تغاير المصلّي لم يكره إلاّ أن ينافي التّعجيل. ويتخير في المعادة بين نية الوجوب اعتبارا بأصل الفعل ، والنّدب اعتبارا بسقوط الفرض.

قوله : ( كل الأوقات صالحة لصلاة الجنازة وإن كانت أحد الخمسة ).

لأنّها ذات سبب ، وللأخبار الواردة بعموم الاذن في فعلها في جميع الأوقات (١) ، والمتبادر من الصّلاحيّة عدم المنع منها ، والمراد بالخمسة : الأوقات الّتي يكره ابتداء النوافل فيها ، وفيه رد على بعض العامّة المانع من فعلها حينئذ ، لكن لا دلالة له على نفي الكراهيّة لأن الصّلاحيّة أعمّ من ذلك ، وحينئذ فلا يحصل المطلوب من العبارة ، أعني : نفي الكراهية في هذه الأوقات ، إلا أن يريد مجرّد الرد على بعض العامّة المانعين منها حينئذ.

وحملها على استواء الطّرفين بعيد ، وفي العبارة فساد ، فان ضمير ( كانت ) للأوقات وهو اسمها ، و ( أحد الخمسة ) خبرها ، والمفرد لا يخبر به عن الجمع كما لا يخفى.

قوله : ( إلاّ عند تضيق الحاضرة ).

أي : فتقدّم الحاضرة لانتفاء الصلاحيّة حينئذ ، وهو شامل لما إذا تضيّقت الحاضرة خاصّة ، وما إذا تضيقتا معا.

وقد اختلف كلام الأصحاب في الفرض الثّاني ، فاختار ابن إدريس تقديم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٠ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢٠ حديث ٩٩٤ ـ ١٠٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٦٩ باب وقت الصلاة على الميت.

٤٢٩

______________________________________________________

الحاضرة مطلقا (١) ، وقطع به المصنّف في المختلف (٢) وقال الشّيخ في المبسوط (٣) بتقديم الجنازة ، وجعله في الذّكرى محتملا لضيق وقت الاختيار (٤) ، فيكون من الأعذار المسوغة للوقت الثّاني ـ بناء على مذهبه ـ وللضيق مطلقا ، ويكون تقديم الجنازة جاريا مجرى إنقاذ الغير من الهلاك ونحوه مع ضيق الوقت وعدم إمكان الإيماء ، فعلى هذا لا يقطع لوقوع الخلاف في المسألة.

وخرّج ـ هو ما إذا أمكن دفن الميّت قبل الصّلاة عليه ، ثم تؤدى الحاضرة ، ثم يصلّى على القبر ـ تقديم الحاضرة ، لأنّه إنّما يفوت به تقديم صلاة الجنازة على الدّفن ، وهو جيّد لا غبار عليه.

لكن لو تضيق الوقت على وجه لا يمكن معه ذلك ، بأن لا يسع إلا الدفن مجرّدا عن الصّلاة أو الحاضرة ، فوجوب تقديم أحكام الجنازة لا بأس حينئذ ، لأن حرمة المسلم ميّتا كحرمته حيّا ، وفساده المقتضي للمثلة والإهانة لا قضاء له بخلاف الحاضرة ، ورواية هارون بن حمزة ، عن الصّادق عليه‌السلام : « إذا دخل وقت المكتوبة فابدأ بها قبل الصّلاة على الميّت ، إلاّ أن يكون مبطونا ، أو نفساء أو نحو ذلك » (٥) ، كالصريحة في ذلك ، وليس في رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ما ينافيه (٦) ، نعم لو أمكن الجمع بين الدّفن والإيماء لليوميّة وتدارك الصّلاة على القبر لم يكن القول به بعيدا من الصواب.

ولو اتّسع الوقتان تخير عند المصنّف ، ومال في الذّكرى الى استحباب تقديم الحاضرة (٧) ، وفي رواية علي بن جعفر ما يشهد له ، وعبارة الكتاب خالية من الدّلالة على شي‌ء منهما لما عرفت من معنى الصّلاحيّة سابقا ، ومن هذا يعلم حكم باقي الصّلوات‌

__________________

(١) السرائر : ٨١.

(٢) المختلف : ١٢١.

(٣) المبسوط ١ : ١٨٥.

(٤) الذكرى : ٦٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٢٠ حديث ٩٩٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٢٠ حديث ٩٩٦ ، قرب الاسناد : ٩٩.

(٧) الذكرى : ٦٢.

٤٣٠

ولو اتسع وقتها وخيف على الميت لو قدمت صلّي عليه أولا ، وليست الجماعة شرطا ولا العدد ، بل لو صلّى الواحد أجزأ وإن كان امرأة.

ويشترط حضور الميت لا ظهوره ، فلو دفن قبل الصلاة عليه صلّي عليه يوما وليلة على رأي ، ولو قلع صلّي عليه مطلقا.

______________________________________________________

مع الجنازة.

قوله : ( فلو دفن قبل الصّلاة صلّي عليه يوما وليلة على رأي ).

لأصحابنا في هذه المسألة أقوال :

الأول : التحديد بيوم وليلة لميّت لم يصل عليه ، أو مصلّ فاته الصّلاة وإن صلّى عليه غيره ، وهو ظاهر كلام الأكثر (١) ، وظاهر عبارة المصنّف هنا أنّ ذلك لمن لم يصل عليه.

الثاني : التحديد بثلاثة أيّام (٢).

الثالث : التحديد بتغير صورته ، ذهب اليه ابن الجنيد (٣).

الرابع : لا تحديد ، وخصّه في المختلف بمن لم يصل عليه (٤) ، أما غيره فلا يجوز ، وفي البيان أطلق الحكم فيهما ونفى التحديد (٥) ، وأكثر النّصوص تشهد له ، وليس فيها ما يدلّ على شي‌ء من المذاهب السّالفة ، ولا بأس بمختار المختلف لأن فيه جمعا بين الأخبار بأن تحمل أخبار الصّلاة بعد الدّفن على من لم يصل عليه ، وغيرها على من صلّي عليه ، وعلى هذا فتكون الصلاة على من لم يصل عليه واجبة لبقاء وقتها.

قوله : ( ولو قلع صلّي عليه مطلقا ).

أي لو قلع من لم يصلّ عليه ، وهو يقتضي بقاء شي‌ء منه صلّي عليه من غير تحديد لزوال المانع بالظّهور ، ولو صار رميما ففي الحكم تردد ، ولو كان قد صلّي عليه‌

__________________

(١) منهم : المفيد في المقنعة : ٣٨ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ١٧٠ مسألة ٨٣ كتاب الجنائز ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٣٢.

(٢) قاله سلار في المراسم : ٨٠.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٢٠.

(٤) المختلف : ١٢٠.

(٥) البيان : ٢٩.

٤٣١

نعم تقديم الصلاة على الدفن واجب إجماعا ، والمسبوق يكبّر مع الامام ثم يتدارك بعد الفراغ ، فان خاف الفوات والى التكبير ، فان رفعت الجنازة أو دفنت أتم ولو على القبر.

______________________________________________________

فهل يثنّى؟ يعلم حكمه مما سبق.

قوله : ( والمسبوق يكبر مع الامام ثم يتدارك بعد الفراغ ).

يجوز الائتمام في أثناء صلاة الجنازة كاليوميّة ولو بين تكبيرتين ، ولا ينتظر تكبير الإمام لإطلاق الشرعيّة ، ونقل فيه الشيخ الإجماع (١) ، فيأتي بالفائت بعد الفراغ كاليوميّة.

قوله : ( فان خاف الفوات والى التكبير ).

لقول الصّادق عليه‌السلام في رواية الحلبي : « فليقض ما بقي متتابعا » (٢) ، وهي وإن كانت مطلقة ، إلا أنّها منزلة على عدم إمكان الإتيان بالدّعاء لقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا » (٣).

قوله : ( فان رفعت الجنازة أو دفنت أتم ولو على القبر ).

لرواية القلانسي عن رجل ، عن الصّادق عليه‌السلام : « يتم التكبير وهو يمشي معها ، فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر ، فإن أدركهم وقد دفن كبر على القبر » (٤) ، قال في الذّكرى : وهذا يشعر بالاشتغال بالدّعاء ، إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى الدّفن (٥) ، وما قاله حق ، لكن لو كان مشيهم إلى غير سمت القبلة ، أو بحيث يفوت به شرط الصّلاة لم يبعد القول بوجوب موالاة التّكبير.

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٦٩ مسألة ٨٢ كتاب الجنائز.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٢ حديث ٤٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٠ حديث ٤٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ حديث ١٨٦٥.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ٤٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٠ حديث ٤٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨١ حديث ١٨٦٢ وفيهما : عن أبي جعفر عليه‌السلام مع اختلاف الراوي فيهما.

(٥) الذكرى : ٦٣.

٤٣٢

ولو سبق الإمام بتكبيرة فصاعدا استحب إعادتها مع الامام. وإذا تعددت الجنائز تخيّر الإمام في صلاة واحدة على الجميع ، وتكرار الصلاة على كل واحدة أو على كل طائفة.

ولو حضرت الثانية بعد التلبّس تخيّر بين الإتمام واستئناف الصلاة على الثانية ، وبين الابطال والاستئناف عليهما.

______________________________________________________

قوله : ( ولو سبق الإمام بتكبيرة فصاعدا استحب إعادتها مع الامام ).

مقتضاه عدم انقطاع القدوة بذلك ، وهو حقّ كاليوميّة ، لكن في استحباب الإعادة لو كان متعمّدا إشكال لأنها ركن ، فزيادتها كنقصانها ، أمّا لو كبّر ظانا تكبير الإمام أو ناسيا ، فانّ الاستحباب ثابت ليدرك فضل الجماعة ، ولا إثم هنا بخلاف العامد.

قوله : ( ولو حضرت الثّانية بعد التلبّس تخيّر بين الإتمام واستئناف الصلاة على الثّانية ، وبين الابطال والاستئناف الصّلاة عليهما ).

هذا قول معظم الأصحاب (١) ، استنادا إلى رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام في قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ، ووضعت معها اخرى ، قال : « إن شاءوا تركوا الاولى حتّى يفرغوا من التّكبير على الأخيرة ، وإن شاءوا رفعوا الأولى وأتموا التّكبير على الأخيرة ، كل ذلك لا بأس به » (٢).

قال في الذّكرى : والرّواية قاصرة عن إفادة المدّعى ، إذ ظاهرها أن ما بقي من تكبير الاولى محسوب للجنازتين ، فإذا فرغ من تكبير الاولى تخيروا بين تركها بحالها حتّى يكملوا التكبير على الأخيرة ، وبين رفعها من مكانها والإتمام على الأخيرة ، وليس في هذا دلالة على إبطال الصّلاة على الاولى بوجه ، مع تحريم قطع العبادة الواجبة (٣).

قلت : ما ذكره من عدم دلالة الرّواية على قطع الصّلاة واضح ـ وكذا تحريم‌

__________________

(١) منهم : الصدوق في المقنع : ٢١ ، والفقيه ١ : ١٠٣ ، والشيخ في المبسوط ١ : ١٨٥ ، وابن إدريس في السرائر : ٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٠ حديث ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٧ حديث ١٠٢٠.

(٣) الذكرى : ٦٣.

٤٣٣

والأفضل تفريق الصلاة على الجنائز المتعددة ، وتجزئ الواحدة

______________________________________________________

القطع ـ لعموم : ( ولا تبطلوا ) (١) ، إن لم يكن في المسألة إجماع ، فإن كثيرا من عبارات الأصحاب متضمنة للقطع ، إلاّ أن ذلك لا يعد إجماعا ، وتوقفه في الحكم يشعر بعدم الظفر به ، نعم لو خيف على الجنائز جاز القطع جزما.

وأما ما ذكره من التّشريك بين الجنازتين فيما بقي من التكبير ، فغير مستفاد من الرّواية أصلا ، بل كما يحتمله يحتمل الإكمال على الاولى ، والاستئناف على الثّانية ، ولما فهم من ظاهر الرّواية التشريك استشكله بعدم تناول النيّة للثانية ، وصحة العمل متوقفة على النيّة ، ثم احتمل الاكتفاء بإحداث النيّة من الآن ، وما ذكره مبني على ما قد عرف ضعفه ، وإن كانت عبارة ابن الجنيد (٢) ، وتأويل الشيخ (٣) ، ورواية جابر : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبر إحدى عشرة ، وسبعا ، وستا » (٤) ، بالحمل على حضور جنازة أخرى ، موافقين لما ذكره.

والّذي يقتضيه النّظر عدم القطع إلاّ عند الضّرورة ان لم يكن فيه خروج عن الإجماع ، ومتى قلنا بالتّشريك ، فهل يفرق كون إحدى الصّلاتين واجبة والأخرى مندوبة أم لا؟ ظاهر كلامه عدم الفرق ، وهو يتم إذا قلنا باعتبار إحداث النيّة من الآن.

قوله : ( وتجزئ الواحدة ).

ظاهر إطلاق العبارة عدم الفرق بين استواء الصّلاة بالنسبة إليهما في الوجوب والنّدب وعدمه ، فيجمع في النيّة بين الوجهين بالتّقسيط كما احتمله في التّذكرة (٥) ، ويشكل بأنّ فعلا واحدا لا يكون واجبا ومستحبّا.

ويلوح من الذّكرى (٦) ، الميل إلى الاكتفاء بنية الوجوب ، ولا أستبعده تغليبا لجانب الأقوى. ولا يلزم من عدم الاكتفاء بنية الوجوب في النّدب استقلالا عدم‌

__________________

(١) محمد ( ص ) : ٣٣.

(٢) حكاه في الذكرى : ٦٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٣١٦ ذيل الحديث رقم ٩٨١.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١٦ حديث ٩٨١ ، الاستبصار ١ : ٤٧٤ حديث ١٨٣٨.

(٥) التذكرة ١ : ٥٠.

(٦) الذكرى : ٦٤.

٤٣٤

فينبغي أن يجعل رأس الميت الأبعد عند ورك الأقرب ، وهكذا صفا مندرجا ، ثم يقف الإمام في وسط الصف.

الفصل الرابع : في الدفن

والواجب فيه على الكفاية شيئان :

الأول : دفنه في حفيرة تحرس الميت عن السباع ، وتكتم رائحته‌

______________________________________________________

الاكتفاء بها تبعا ، كما في مندوبات الصّلاة وغيرها.

قوله : ( فينبغي أن يجعل رأس الميّت الأبعد عند ورك الأقرب ، وهكذا صفا مدرجا ، ثم يقف الامام وسط الصّف ).

هذا إذا كانوا رجالا فقط ، فلو كان معهم نساء جعل رأس المرأة الأولى عند ألية الرجل الأخير ، ورأس الثانية عند رأس الاولى ، إلى آخرهن ، ثم يقوم الامام وسط الرّجال ، روى ذلك كلّه عمّار بن موسى ، عن الصّادق عليه‌السلام (١) ، ولا منافاة بين هذا وبين ما تقدم من مراعاة جعل صدر المرأة عند وسط الرّجل لأن ذلك مع اتحاد الرّجل.

وقول المصنّف سابقا : ( فان كان عبدا وسط بينهما ) بيان للمرتبة في المذكورين ، ولا دلالة فيه على كيفية الصّف ، نعم قد يقال : الغرض من ذلك مراعاة القرب من الامام ، وذلك يفوت بالصّف مدرجا.

قال في الذّكرى في التفريع : لا فرق في التّدريج إذا كان المجتمعون صنفا واحدا بين صفّ النّساء والرّجال ، والأحرار والعبيد ، والماء والأطفال ، والظاهر أنّه يجعلهم صفين كتراص البناء ، لئلاّ يلزم الانحراف عن القبلة ، وإن كان ظاهر الرّواية أنّه صف واحد (٢) ، وفي هذا الكلام شي‌ء.

قوله : ( الفصل الرّابع في الدّفن : والواجب فيه على الكفاية شيئان : دفنه في حفرة تحرس الميّت عن السّباع ، وتكتم رائحته عن النّاس ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٤ حديث ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢٢ حديث ١٠٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧٢ حديث ١٨٧٢.

(٢) الذكرى : ٦٣.

٤٣٥

عن الناس.

والثاني : استقبال القبلة به بأن يضجع على جانبه الأيمن.

والمستحب وضع الجنازة على الأرض عند الوصول الى القبر ،

______________________________________________________

المراد بحراستها الميّت عن السّباع كونها بحيث يعسر نبشها غالبا ، وهاتان الصّفتان متلازمتان في الغالب ، ولو قدر انفكاك إحداهما عن الأخرى ، فلا بدّ من مراعاتهما كما نبّه عليه في الذّكرى (١) ، لعدم حصول الغرض من الدّفن إلاّ بذلك.

قوله : ( واستقبال القبلة به بأن يضجع على جانبه الأيمن ).

لفعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودفنه كذلك ، وعليه الصّحابة والتّابعون وقد ذكر هذه الكيفيّة معظم الأصحاب (٢) ، وعن ابن حمزة استحباب الاستقبال حينئذ للأصل (٣) ، ويدفعه ما سبق. ويجب كون الحفرة مما يجوز التصرف به لذلك ، إمّا بكونها مباحة ، أو مرخّصا فيها من قبل المالك ، خالية من ميّت آخر حيث يحرم النّبش.

وهل يجوز الدفن في ملك الميّت مع عدم رضى الوارث ، أو كونه صغيرا فيكون من المستثنيات كمؤن التّجهيز ، أم لا؟

لا أعلم تصريحا بذلك نفيا ولا إثباتا ، ولا أستبعد مع تعذّر غيره الجواز.

ويسقط الاستقبال مع اشتباه القبلة ، وعند تعذره كمن مات في بئر وتعذر إخراجه.

قوله : ( والمستحب وضع الجنازة على الأرض عند الوصول إلى القبر ).

لخبر محمّد بن عجلان ، عن الصّادق عليه‌السلام : « لا تفدحه بقبره ، ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاث ، ودعه حتّى يتأهب للقبر » (٤) ، فدحه الدين : أثقله ، ذكره في الصّحاح (٥).

وليكن وضعه عند رجلي القبر ، والمرأة قدامه ممّا يلي القبلة ، وهو مقتضى قول المصنّف : ( وأخذ الرّجل من عند رجلي القبر ، والمرأة مما يلي القبلة ) ، لأن أخذه من‌

__________________

(١) الذكرى : ٦٤.

(٢) منهم : الشيخان في المقنعة : ١٢ والمبسوط ١ : ١٨٤ وابن بابويه في الهداية : ٢٧ والفقيه ١ : ١٠٨ وابن البراج في المهذب ١ : ٦٣.

(٣) الوسيلة : ٦٠.

(٤) التهذيب ١ : ٣١٣ حديث ٩٠٩.

(٥) الصحاح ١ : ٣٩٠ مادة ( فدح ).

٤٣٦

وأخذ الرجل من عند رجلي القبر ، والمرأة ممّا يلي القبر ، وإنزاله في ثلاث دفعات ، وسبق رأسه والمرأة عرضا ، وتحفّي النازل ، وكشف رأسه ، وحل أزراره ،

______________________________________________________

هناك يقتضي سبق الوضع ، وقد استفيد ذلك كلّه من الاخبار (١) ، ويظهر من المنتهى إجماع علمائنا عليه (٢).

قوله : ( وإنزاله في ثلاث دفعات وسبق رأسه ).

في العبارة تجوّز ، فان المراد نقله في ثلاث دفعات وإنزاله في الثّالثة ، وليكن سابقا برأسه ، قال المفيد : كما سبق الى الدّنيا من بطن امّه (٣) ، قال في الذّكرى : ولم يزد ابن الجنيد في وضعه على مرّة (٤) ، وهو ظاهر المعتبر (٥) ، عملا بمدلول الحديث.

لما روى عبد الصّمد بن هارون ، رفع الحديث قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا أدخل الميّت القبر ، إن كان رجلا سلّ سلاً ، والمرأة تؤخذ عرضا ، فإنه أستر » (٦).

قوله : ( وتحفّي النازل ، وكشف رأسه ، وحل أزراره ).

لخبر أبي بكر الحضرمي ، عن الصّادق عليه‌السلام : « لا تنزل القبر وعليك عمامة ، ولا قلنسوة ، ولا رداء ، ولا حذاء وحلّ أزرارك » ، قلت : فالخف ، قال : « لا بأس بالخف في وقت الضّرورة والتقية » (٧).

ويستحب أن يكون متطهرا ، لقول الصّادق عليه‌السلام : « توضأ إذا أدخلت الميّت القبر » (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٣ حديث ٤ ، ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٦ حديث ٩١٥ ، ٩١٦ ، ٩١٩.

(٢) المنتهى ١ : ٤٥٩.

(٣) المقنعة : ١٢.

(٤) الذكرى : ٦٥.

(٥) المعتبر ١ : ٢٩٨.

(٦) التهذيب ١ : ٣٢٥ حديث ٩٥٠.

(٧) الكافي ٣ : ١٩٢ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٣ حديث ٩١١ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ حديث ٧٥١.

(٨) التهذيب ١ : ٣٢١ حديث ٩٣٤.

٤٣٧

وكونه أجنبيا إلاّ المرأة ، والدعاء عند إنزاله ، وحفر القبر قامة أو الى‌ الترقوة ،

______________________________________________________

وفي الذّكرى أسند ذلك الى المصنّف ، والمحقق ، وقال : انّه في سياق خبر محمّد ابن مسلم والحلبي عنه عليه‌السلام (١) ، وكأنه لم يقطع بكون الأمر به من كلام الامام عليه‌السلام.

ويستحب الدّعاء عند معاينة القبر بالمأثور ، ويجوز تعدد النازل ، ويتعين مع الحاجة ، ولا عبرة بكونه وترا عندنا للنّص (٢).

قوله : ( وكونه أجنبيّا إلا المرأة ).

لأنه يورث قسوة القلب ، ومن قسا قلبه بعد من ربه ، قال الصّادق عليه‌السلام : « أنها كم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام فإن ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسا قلبه بعد من ربّه » (٣) ، ولا فرق بين الابن والأب ، وإن كان خبر عبد الله العنبري (٤) ، عن الصّادق عليه‌السلام يقتضي خفة كراهيّة نزول الابن.

أمّا المرأة ففي خبر السّكوني ، عن الصّادق عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : مضت السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن المرأة لا يدخلها قبرها إلا من كان يراها في حال حياتها » (٥) ، والزّوج أولى من المحرم لما ذكر في الصّلاة والغسل ، ومع التّعذّر فامرأة صالحة ، ثم أجنبيّ صالح ، وإن كان شيخا فهو أولى ـ قاله في التّذكرة ـ (٦) ، يدخل يده من قبل كتفها ، وآخر يدخل يده تحت حقويها ، حكاه في الذكرى (٧) ، عن ابن حمزة (٨).

قوله : ( وحفر القبر قامة أو إلى الترقوة ).

__________________

(١) الذكرى : ٦٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٣ حديث ٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٩ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٩ حديث ٩٢٨.

(٤) التهذيب ١ : ٣٢٠ حديث ٩٣٠.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٣ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ حديث ٩٤٨.

(٦) التذكرة ١ : ٥٢.

(٧) الذكرى : ٦٦.

(٨) الوسيلة : ٦٠.

٤٣٨

واللّحد مما يلي القبلة ، وحل عقد الكفن من عند رأسه ورجليه ،

______________________________________________________

إجماعا منّا ، وأكثر الأخبار الى الترقوة (١) ، ولا يعمق فوق ثلاث أذرع ، لخبر السّكوني ، عن الصّادق عليه‌السلام عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، ولو تعذر الحفر لصلابة الأرض ونحوها وجب نقله الى ما يمكن حفره ، فان تعذّر أجزأ البناء عليه إذا حصل به مقصود الدّفن ، ولا يجزئ اختيارا لانه خلاف المعهود.

قوله : ( واللحد مما يلي القبلة ).

أي : يستحب اللحد عندنا ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّحد لنا ، والشق لغيرنا » (٣). والمراد باللّحد : أنّه إذا بلغ الحافر أرض القبر حفر في حائطه مكانا يوضع فيه الميّت ، وليكن ممّا يلي القبلة استحبابا ، قاله الأصحاب. ويستحب كونه واسعا مقدار ما يجلس فيه.

وهذا في غير الرخوة ، أمّا فيها فيستحبّ الشّق خوفا من انهدامه ، ولو عمل حينئذ شبه اللّحد من بناء في قبلته ، فقد قال في المعتبر : إنّه أفضل (٤) ، وحكاه في الذّكرى عن ظاهر ابن الجنيد (٥).

قوله : ( وحل عقد الكفن من عند رأسه ورجليه ).

رواه إسحاق بن عمّار (٦) ، وأبو بصير ، عنه عليه‌السلام (٧) ، وفي خبر حفص بن البختري (٨) ، وغيره عنه عليه‌السلام : « يشق الكفن من عند رأسه » (٩).

وردّه في المعتبر لمخالفته لما عليه الأصحاب ، ولأن فيه إفسادا للمال على وجه لم تثبت شرعيته (١٠).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٥ باب حد حفر القبر ، الفقيه ١ : ١٠٧ حديث ٤٩٨ ، التهذيب ١ : ٤٥١ حديث ١٤٦٩.

(٢) الكافي ٣ : ٦٦ حديث ٤ ، التهذيب ١ : ٤٥١ حديث ١٤٦٦.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٦ حديث ١٥٥٤.

(٤) المعتبر ١ : ٢٩٦.

(٥) الذكرى : ٦٥.

(٦) التهذيب ١ : ٤٥٧ حديث ١٤٩٢.

(٧) التهذيب ١ : ٤٥٠ حديث ١٤٦٣.

(٨) التهذيب ١ : ٤٥٨ حديث ١٤٩٣.

(٩) الكافي ٣ : ١٩٦ حديث ٩.

(١٠) المعتبر ١ : ٣٠١.

٤٣٩

وجعل شي‌ء من تربة الحسين عليه‌السلام معه ،

______________________________________________________

ويمكن حمل الشّق على إرادة حل العقدة ليبدو وجهه ، فكأنه شق عنه مجازا.

قوله : ( وجعل شي‌ء من تربة الحسين عليه‌السلام معه ).

تبركا بها ، وتيمّنا ، واحترازا من العذاب ، وهو كاف في الاستحباب.

قال في المنتهى : روي أن امرأة كانت تزني ، وتضع أولادها فتحرقهم بالنّار خوفا من أهلها ، ولم يعلم بها غير أمّها ، فلما ماتت دفنت ، فانكشف التّراب عنها ولم تقبلها الأرض ، فنقلت عن ذلك الموضع إلى غيره فجرى لها ذلك ، فجاء أهلها إلى الصّادق عليه‌السلام وحكوا له القصة ، فقال لامّها : « ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي؟ » فأخبرته بباطن أمرها ، فقال عليه‌السلام : « إنّ الأرض لا تقبل هذه ، لأنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه‌السلام » ففعل ذلك ، فسترها الله تعالى (١) ونحوه قال في التذكرة (٢).

وفي الذّكرى أسند القول بذلك إلى الشّيخين ، قال : ولم نعلم مأخذه (٣) ، وأسند الرّواية إلى نقل المصنّف ، فكأنّه لم يثبت عنده سندها ، إلا أن روايات السّنن مبنيّة على المسامحة ، فيقبل فيها الخبر الضّعيف ، خصوصا إذا اشتهر مضمونه.

قال : والأحسن جعلها تحت خدّه ، كما قاله المفيد في المقنعة (٤) ، وفي الغرية : في وجهه ، وكذا في اقتصاد الشّيخ (٥) ، وقيل : تلقاء وجهه ، وقيل : في الكفن ، وفي المختلف الكل جائز (٦).

ويستحب أن تجعل له وسادة من تراب ونحوه ، ويجعل خلف ظهره مدرة وشبهها لئلا يستلقي ، وهما مرويان عن الصّادق عليه‌السلام (٧) ، قال في التّذكرة : ويدنى من‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٦١.

(٢) التذكرة ١ : ٥٢.

(٣) الذكرى : ٦٦.

(٤) لم نجده في المقنعة ونقل عنه في المختلف : ١٢١.

(٥) الاقتصاد : ٢٥٠.

(٦) المختلف : ١٢١.

(٧) الفقيه ١ : ١٠٨ حديث ٥٠٠.

٤٤٠