جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وفي وجوب الكفارة قولان : أقربهما الاستحباب ، وهي دينار في أوله قيمته عشرة دراهم ، ونصفه في أوسطه ، وربعه في آخره.

______________________________________________________

على العادة ـ ففي وجوب الامتناع فيه نظر ، استنادا إلى العادة. ولو وطأ الصّبي لم تتعلّق به الأحكام.

ويجب على المرأة الامتناع بحسب الإمكان وقوفا مع قوله تعالى ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (١). فتعزر أيضا مع المطاوعة ، وقد ورد مثله في الصوم. ولو غرته ، أو أكرهته ، أو استدخلت ذكره حال نومه اختصت بالحكم لكن لا كفّارة عليها ، ولو قلنا بوجوبها ، كما يختصّ بحكمه لو أكرهها ، أو وطأها نائمة من دون وجوب شي‌ء آخر ، والنفساء في ذلك كالحائض.

قوله : ( وفي وجوب الكفارة قولان : أقربهما الاستحباب ).

القولان للشيخ (٢) ، وأكثر الأصحاب قائلون بالوجوب (٣) ، لكن المستند ضعيف ، فان روايات العدم أصح إسنادا (٤) ، مع أن فيه جمعا حسنا بين الأخبار ، وهو الأصحّ.

قوله : ( وهي دينار في أوّله قيمته عشرة دراهم ، ونصفه في أوسطه ، وربعه في آخره ... ).

التقدير بذلك مستفاد من رواية داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) ، واختار ابن بابويه في المقنع وجوب التصدّق بشبعه (٦) ، وهذا في الزّوجة حرة كانت أو أمة ، دواما أو متعة.

ولو وطأ الأجنبيّة في الحيض زانيا أو لشبهة ، فهل تترتب عليه الكفّارة وجوبا أو استحبابا ، أم لا؟ منشؤهما عدم النّص وكونه أفحش ، فيناسبه التغليظ بطريق‌

__________________

(١) المائدة : ٢.

(٢) المبسوط ١ : ٤١ ، الخلاف ١ : ٣٧ مسألة ١ كتاب الحيض.

(٣) منهم : المرتضى في الانتصار : ٣٣ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٨ ، والشهيد في الذكرى : ٣٤.

(٤) التهذيب ١ : ١٦٤ ، ١٦٥ حديث ٤٧٢ ، ٤٧٣ ، ٤٧٤ ، الاستبصار ١ : ١٣٤ حديث ٤٦٠ ، ٤٦١ ، ٤٦٢.

(٥) التهذيب ١ : ١٦٤ حديث ٤٧١ ، الاستبصار ١ : ١٣٤ حديث ٤٥٩.

(٦) المقنع : ١٦.

٣٢١

______________________________________________________

الأولى ، وبه صرّح في الذّكرى (١) والمصنّف في المنتهى (٢) واحتجّ له برواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من أتى حائضا » (٣) حيث علّق الحكم على المطلق من غير تقييد ، فكان كالعام.

ويعتبر في الدينار كونه خالصا من الغش مضروبا ، لأنه المتبادر من الإطلاق ، فلا يجزئ التبر (٤) ولا القيمة ، لعدم تناول النّص لهما ، وكما في جميع الكفّارات إلاّ مع التعذّر فيمكن الإجزاء ، ومثله النّصف والرّبع ، ومع تعارض القيمة والتبر يحتمل التخيير ، وترجيح التبر لقربه إلى المنصوص.

والتقدير في الدّينار بعشرة دراهم هو المعروف بين الأصحاب هنا وفي الدّية ، والخبر خال منه (٥) ونسبه في الذّكرى (٦) إلى تقدير الشّيخين (٧) ، وظاهره التّوقف في وجوب اعتباره ، ولا وجه له.

والمراد بتقديره بالعشرة : ما كان عليه في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلو طرأ نقصان قيمته أو زيادتها فالحكم بحاله ، ومصرف هذه الكفّارة مصرف سائر الكفارات حملا على المتعارف شرعا.

والمراد بالأوّل والوسط والآخر ، أوّل العادة ووسطها وآخرها ، فيختلف باختلاف العادة على الصّحيح ، فالأوّل لذات الثّلاثة اليوم الأوّل ، ولذات الأربعة هو مع ثلث الثّاني ، ولذات الخمسة هو مع ثلثيه ، ولذات الستّة اليومان الأوّلان ، وعلى هذا القياس ، ومثله الوسط والآخر.

وقال سلاّر : الوسط ما بين الخمسة إلى السّبعة (٨) ، والقطب الرّاوندي اعتبر‌

__________________

(١) الذكرى : ٣٥.

(٢) المنتهى ١ : ١١٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٦٣ حديث ٤٦٨ ، الاستبصار ١ : ١٣٣ حديث ٤٥٦.

(٤) التبر : ما كان من الذهب غير مضروب ، انظر الصحاح ( تبر ) ٢ : ٦٠٠.

(٥) التهذيب ١ : ١٦٤ حديث ٤٧١ ، الاستبصار ١ : ١٣٣ حديث ٤٥٦.

(٦) الذكرى : ٣٥.

(٧) المفيد في المقنعة : ٧ ، والطوسي في النهاية : ٢٦.

(٨) المراسم : ٤٤.

٣٢٢

ويختلف ذلك بحسب العادة ، فالثاني أول لذات الستة ، ووسط لذات الثلاثة ، فإن كرّره تكررت مع الاختلاف زمانا أو سبق التكفير ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

العشرة وأسقط العادة (١) ، فعندهما قد تخلو بعض العادات عن الوسط ، والآخر ، وظاهر قوله عليه‌السلام : « يتصدّق إذا كان في أوله بدينار » (٢) يدفعه لعود الضّمير إلى الحيض المسؤول عن الوطء فيه أول الخبر ـ وهو حيض المرأة ـ وحمله على مطلق الحيض خلاف الظاهر ، مع ندور القولين أيضا.

تفريع :

النفساء في ذلك كالحائض ، فعلى هذا قال في الذكرى : ولو صادف الوطء زمانين أو ثلاثة ـ يعني بالنّسبة إلى الأوّل والوسط والأخر ـ نظرا إلى ما يتّفق في النّفاس من قصر زمانه ، فالظّاهر التعدد (٣) وفي البيان احتمل التعدد ثم زاد فقال : أما لو قصر زمانه عمّا يحتمل الوطء فلا (٤) ، وفيه نظر.

قلت : يحتمل عود النظر إلى المسألتين ، وعوده إلى الأخيرة خاصّة ، ولا وجه للفرق ، وفي أصل المسألة إشكال لعدم صدق الأوّل والوسط والآخر في مثل ذلك عرفا ، والمحكم في ذلك هو العرف مع أصالة البراءة وعدم ظهور معارض ، وما أبعد ما بين قوله وقول سلاّر والقطب.

قوله : ( فان كرره تكرّرت مع الاختلاف أو سبق التّكفير ، وإلاّ فلا ).

يريد بـ ( الاختلاف ) اختلاف الزّمان في الموجب ، كالأوّل والوسط مثلا ، فان موجب الأوّل دينار ، والثّاني نصفه ، ومثله الوسط والآخر ، والأوّل والآخر ، والمراد بـ ( سبق التكفير ) تقدّمه على الوطء الثاني ، وقوله : ( وإلاّ فلا ) معناه وإن انتفى الأمران فلا‌

__________________

(١) فقه القرآن ١ : ٥٤.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٤ حديث ٤٧١ ، الاستبصار ١ : ١٣٤ حديث ٤٥٩.

(٣) الذكرى : ٣٥.

(٤) البيان : ٢٠ و ٢٢. وفيه : ( عمّا يحتمل الوطء ثلاثا فلا ).

٣٢٣

ولو كانت أمته تصدّق بثلاثة أمداد من الطعام.

______________________________________________________

يتكرر ، و « إلاّ » مركبة من ( إن ) الشرطية ، و ( لا ) النافية ، وجملة الشرط محذوفة ، وهذا هو مختار المصنّف في كتبه (١).

ووجهه في المتّفق أن الحكم متعلّق بالوطء ، وصدقه في الواحد والمتعدد سواء.

قلنا : فتجب الكفّارة كلّما صدق ، وإيجاب الثاني عين ما أوجبه الأوّل خلاف الظّاهر ، فيتوقّف على الدّليل ، على أنّه لو تم لزم مثله مع اختلاف الزّمان ، وينحصر الوجوب في الأكثر.

ووجه التكرر مع الاختلاف انّهما فعلان مختلفان في الحكم ، فلا يتداخلان كغيرهما من العقوبات المختلفة ، وضعفه ظاهر مع أنه قياس.

وذهب ابن إدريس إلى عدم التكرّر مطلقا (٢) ، وشيخنا الشّهيد إلى التكرر مطلقا (٣) ، لأصالة عدم التداخل ، وهو أقرب.

ولو عجز عن الكفارة فظاهر النّص السقوط ، فان في خبر داود (٤) أمره بالاستغفار ، وجعله كفّارة من لم يجد السّبيل إلى شي‌ء من الكفّارة وهو الظاهر ، مع احتمال انتظار اليسار كباقي الكفّارات ، وفيه ضعف. والظّاهر أن المراد بالعجز المقارن للفعل ، لأنه يمنع تعلق التّكليف لا الطارئ ، لسبق الاستقرار ، مع احتمال العموم لإطلاق الأمر بالاستغفار.

قوله : ( ولو كانت أمته تصدّق بثلاثة أمداد من طعام ).

وجوب الصدقة هنا واستحبابها مبني على القولين في الكفّارة ، والقائل بالوجوب هاهنا هو الصّدوق (٥) ، والشّيخ في النّهاية (٦) ، ولا حجّة إلاّ رواية عبد الملك ابن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧) ولا تصلح للاحتجاج من وجهين :

__________________

(١) المنتهى ١ : ١١٧ ، تحرير الأحكام ١ : ١٥ ، المختلف : ٣٦.

(٢) السرائر : ٢٨.

(٣) البيان : ٢٠.

(٤) التهذيب ١ : ١٦٤ حديث ٤٧١ ، الاستبصار ١ : ١٣٤ حديث ٤٥٩.

(٥) الفقيه ١ : ٥٣ ذيل حديث ٢٠٠.

(٦) النهاية : ٥٧١ ـ ٥٧٢.

(٧) التهذيب ١ : ١٦٤ حديث ٤٧٠ ، الاستبصار ١ : ١٣٣ حديث ٤٥٨.

٣٢٤

ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل ، ولا يصحّ طلاقها مع الدخول وحضور الزوج أو حكمه وانتفاء‌ الحمل.

______________________________________________________

أحدهما : أن الأمر فيها بالصّدقة على عشرة مساكين ، ولا قائل به.

الثّاني : أن ظاهرها استحباب الصدقة ، لأنه عليه‌السلام أجابه أولا بالأمر بالاستغفار ، فالحق عدم ابتنائها على ما تقدم.

ولا فرق في الأمة بين القنة والمدبرة ، وأم الولد والمزوجة ولو بعبده ، وفي المكاتبة المشروطة والمطلقة تردد ينشأ من انقطاع السلطنة بالكتابة ، بخلاف المعتق بعضها فيلحق بالأجنبيّة ، ويحتمل التقسيط إعطاء لكلّ من السّببين حكمه.

قوله : ( ويجوز الاستمتاع منها بما عدا القبل ).

هذا هو المشهور ، وذهب السّيد المرتضى إلى أنّه لا يحلّ الاستمتاع منها إلا بما فوق المئزر ، ومنه الوطء في الدّبر (١) ، وحجته ظاهر رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ، ثم له ما فوق الإزار » (٢) ، وفي معناها رواية أبي بصير عنه عليه‌السلام أيضا (٣) ، ولا دلالة فيهما إلا بمفهوم الخطاب ، وهو ضعيف.

وفي مرسلة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم » (٤) وفي معناها رواية عبد الملك بن عمرو (٥) وهشام بن سالم عنه عليه‌السلام (٦) ، وهي صريحة في المطلوب.

قوله : ( ولا يصحّ طلاقها مع الدّخول ، وحضور الزّوج أو حكمه ، وانتفاء الحمل ).

__________________

(١) قاله في شرح الرسالة كما حكاه عنه العلامة في المختلف : ٣٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٥٤ حديث ٤٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٢٩ حديث ٤٤٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٥٤ حديث ٤٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٩ حديث ٤٤٣.

(٤) التهذيب ١ : ١٥٤ حديث ٤٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٢٨ حديث ٤٣٧.

(٥) التهذيب ١ : ١٥٤ حديث ٤٣٧ ، الاستبصار ١ : ١٢٨ حديث ٤٣٨.

(٦) التهذيب ١ : ١٥٤ حديث ٤٣٨ ، الاستبصار ١ : ١٢٩ حديث ٤٣٩.

٣٢٥

ويجب عليها الغسل عند الانقطاع كالجنابة ، لكن يجب الوضوء سابقا أو لاحقا.

______________________________________________________

لا يجوز طلاق الحائض إجماعا ، ولا يقع باتفاقنا بشروط ثلاثة :

أن تكون مدخولا بها ، فغير المدخول بها يصح طلاقها وإن كانت حائضا.

وأن يكون زوجها حاضرا معها ، أو في حكم الحاضر ، والمراد به من كان قريبا منها بحيث يمكنه استعلام حالها ، أو لم تبلغ غيبته حدّا يعلم انتقالها من الطهر الّذي وطأها فيه إلى آخر ، بحسب عادتها الغالبة ، فلو كان غائبا عنها فوق المدة المذكورة ، أو كان في حكم الغائب ـ وهو الّذي لا يمكنه استعلام حالها مع قربه ـ صحّ طلاقها وإن صادف الحيض.

وأن تكون حائلا فيصح طلاق الحامل وإن كانت حائضا بناء على اجتماعهما ، وستأتي هذه الأحكام بدلائلها في الطلاق ان شاء الله تعالى.

واعلم أن كلام الأصحاب خال عن تقدير البعد الّذي به تتحقّق الغيبة وضدّه ، وسمعنا بعض من عاصرناه يحده بنحو مسير يوم ، وكأنه نظر إلى أن الغيبة شرعا إنّما تتحقق بالسّفر المبيح للقصر ، إذ من لم يبلغ سفره هذا القدر يعدّ مقيما وحاضرا ، إلا ان إلحاق من لم يكن بحيث يعلم حال زوجته لبينونتها عنه ، أو كونه محبوسا ، مع تعذر الوقوف على أحوالها بالغائب ، يشعر بأن المراد بالغائب من ليس من شأنه الإطلاق على أحوالها ، لبعد المنزل عادة ، وإن لم تبلغ المسافة المذكورة ، إلا أنّ التمسّك بالاحتياط أولى ، خصوصا فيما ليس له شرعا مقدر يصار إليه ، وحكم الفروج مبني على كمال الاحتياط.

قوله : ( ويجب عليها الغسل عند الانقطاع كالجنابة ، ويجب الوضوء سابقا أو لاحقا ).

ظاهر أن وجوب الغسل عليها مشروط بوجوب الغاية ، فإنه لا خلاف في أن غير الجنابة لا يجب لنفسه ، فإطلاق المصنّف الوجوب اعتمادا على ظهور المراد ، وفي تعليق الوجوب بحال الانقطاع رد على من يرى وجوب الغسل عليها بأول رؤية الدّم ، أو‌

٣٢٦

______________________________________________________

بالرؤية بشرط الانقطاع من العامة (١) ، لأن الغسل إنما يجب بالحدث بشرط الغاية ، ولو حاضت وهي جنب فكغيرها إن لم يسبق وجوب الغسل لغاية واجبة ، وأشار بقوله : ( كالجنابة ) إلى اعتبار ما تقدم في غسل الجنابة ، وسقوطه بالارتماس وأحكامها.

ولو تخلل الحدث الأصغر في أثنائه فقولان مبنيان على الخلاف في غسل الجنابة (٢) ، ويمكن الجزم بعدم الإعادة هنا ، كما قطع به المصنّف في التّذكرة ، وجزم به في النّهاية ، إمّا لأن الحدث الأكبر يرتفع بالغسل والأصغر بالوضوء ، فلا منافاة بين الغسل والحدث الأصغر ، أو لأنّ الطهارتين ترفعان الحدثين بالاشتراك ، فللوضوء دخل في كمال الرّفع والاستباحة ، كما علل به في الذكرى في باب الغسل ، واستبعد كون كلّ من الطهارتين تستقل برفع أحد الحدثين (٣) ، ولا ريب في ضعف القول بالتشريك ، وإلا لكان موجب الطهارة الصّغرى موجبا للكبرى ، وهو باطل إجماعا.

ولا يحل الصّوم واللّبث في المسجد ، والوطء للحائض قبل الغسل ، على القول بتحريم الوطء قبله ، وكذا ضعف ما ذكره من بناء عدم الاستئناف عليه لأن الوضوء وإن كان له دخل على ذلك التقدير ، إلا أن الغسل جزء السبب في رفع الحدثين ، فإذا أبطل تأثيره لم يفد الوضوء ، وفي تخيير المصنّف إياها بين تقديم الوضوء وتأخيره رد على قول الشّيخ بوجوب التّقديم (٤) ، وإن كان في بعض الاخبار ذكر التّقديم (٥) ، لإطلاق البعض وترجيحه بالشّهرة ، فيحمل التقديم على الاستحباب ، وقد يفهم من عبارة المصنّف عدم جواز تخلل الوضوء الغسل ، وليس بمراد ، إذ لا مانع فإن الموالاة ليست واجبة.

__________________

(١) قال به القاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ وغيرهم من الشافعية ، المجموع شرح المهذب ٢ : ١٤٨.

(٢) ذهب الى وجوب الإعادة الصدوق في الهداية : ٢١ ، والشيخ في النهاية : ٢٢ ، والمبسوط ١ : ٣٠ ، وذهب إلى عدم وجوب الإعادة ابن إدريس في السرائر : ٢٢.

(٣) الذكرى : ١٠٦.

(٤) المبسوط ١ : ٤٤ ، التهذيب ١ : ١٤٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥ حديث ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ حديث ٣٩١ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ حديث ٤٢٨.

٣٢٧

ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة إلاّ ركعتي الطواف.

______________________________________________________

فرعان :

أولا : يجوز كل من نية ( الرّفع والاستباحة ) (١) في هذا الوضوء ، سواء قدمته على الغسل أم لا ، خلافا لابن إدريس ، حيث منع أن تنوي فيه الرّفع في الحالين ، وعين لها نية الاستباحة ، نظرا إلى أن الرّفع إنّما يتحقق برفع الحدث الأكبر ، فإن تقدم الوضوء فهو باق ، وإن تأخّر فقد زال (٢) وظهور ضعفه يغني عن ردّه.

ثانيا : ماء الغسل على الزّوج على الأقرب ، لأنه من جملة النفقة ، فيجب نقله إليها ، ولو احتاجت إلى الحمام ، أو إلى إسخان الماء لم يبعد القول بوجوب العوض دفعا للضرر مع احتمال العدم ، نظرا الى أنّ ذلك من مؤن التمكين الواجب عليها ، وهو ظاهر في غير الجنابة ، خصوصا إذا كان السّبب من الزوج ، والمملوكة كالزّوجة ، بل أولى لأنه مؤنة محضة ، مع احتمال الانتقال إلى التّيمّم هنا ، كالانتقال إلى الصّوم في دم المتعة ، وغيره من الكفارات ، تمسكا بأصالة البراءة ، وليس الطهارة كالفطرة ، لأن الأمر بالطهارة للمملوكة ، وبالفطرة للسيّد ، وحيث قلنا بالوجوب فحصل العجز عن المباشرة ، فهل تجب الإعانة؟ وجهان ، صرح في الذّكرى بالوجوب (٣) وللنّظر فيه مجال.

قوله : ( ويجب عليها قضاء الصّوم دون الصّلاة ، إلا ركعتي الطواف )

عدم وجوب قضاء الصّلاة المؤقتة موضع وفاق بين العلماء ، وبه تواترت الأخبار (٤) ، أما غير المؤقتة كركعتي الطواف إذا طرأ الدّم قبلهما ، والمنذورة نذرا مطلقا فيجب تداركها لعدم تعين الوقت المقتضي للسّقوط.

ولو نذرت الصّلاة في وقت معين فاتّفق الحيض فيه ، ففي وجوب القضاء قولان ، فان قلنا به استثنيت ولعلّه أقرب ، ولا فرق في الموقتة بين اليوميّة وغيرها ، في عدم‌

__________________

(١) في نسخة « ن » : رفع الحدث أو الاستباحة.

(٢) السرائر : ٢٩.

(٣) الذكرى : ١٠٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٠٤ باب الحائض تقضي الصوم ، علل الشرائع : ٥٧٨ باب ٣٨٥ حديث ٦ ، وص ٢٩٣ باب ٢٢٤ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١٦٠ ، ١٦١ حديث ٤٥٨ و ٤٥٩ ، ٤٦٠ وللمزيد راجع الوسائل ٢ : ٥٨٨ باب ٤١.

٣٢٨

ويستحب لها الوضوء عند كل وقت صلاة ، والجلوس في مصلاّها ذاكرة لله تعالى بقدرها. ويكره لها الخضاب.

وتترك ذات العادة العبادة برؤية الدم فيها ، والمبتدئة بعد مضي ثلاثة أيام على‌ الأحوط ..

______________________________________________________

وجوب القضاء كالآيات ، وقد صرح به في البيان (١) والظاهر أن الزّلزلة لا يجب تداركها كغيرها ، لأنّها مؤقتة.

قوله : ( ويستحب لها الوضوء عند وقت كل صلاة ، والجلوس في مصلاّها ذاكرة له بقدرها ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب (٢) ، وذهب علي بن بابويه إلى وجوب ذلك (٣) ، تعويلا على رواية زرارة في الحسن عن الباقر عليه‌السلام بلفظ « عليها » (٤) وعورضت برواية زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، الواردة بلفظ « ينبغي » (٥) فجمع بينهما بالحمل على الاستحباب ، مع ندور القول بالوجوب.

وقال المفيد : تجلس ناحية من مصلاها (٦) ، والحديثان خاليان من ذكر المصلّى ، قال في المعتبر (٧) : وهو المعتمد ، وعلله بالتمرين على العبادة بحسب المكنة ، فتصير عادة ، قال في الذكرى : هذا من تفرّدات الإمامية ـ رحمهم‌الله (٨). ولو فقدت الماء فهل يشرع التيمم؟ الظاهر العدم.

قوله : ( وتترك ذات العادة العبادة برؤية الدّم فيها ، والمبتدئة بعد مضي ثلاثة على الأحوط ).

__________________

(١) البيان : ١٩.

(٢) منهم : الشيخ في الخلاف ١ : ٣٩ مسألة ٥ كتاب الحيض ، والعلامة في المختلف : ٣٦ ، والشهيد في الذكرى : ٣٥.

(٣) الفقيه ١ : ٥٠.

(٤) الكافي ٣ : ١٠١ حديث ٤ ، التهذيب ١ : ١٥٩ حديث ٤٥٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٠١ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ١٥٩ حديث ٤٥٥.

(٦) المقنعة : ٧.

(٧) المعتبر ١ : ٢٣٣.

(٨) الذكرى : ٣٥.

٣٢٩

______________________________________________________

الحكم الأوّل لا خلاف فيه بين العلماء ، وقد تواترت الأخبار عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم‌السلام بوجوب الجلوس لرؤية الدّم أيام الأقراء (١) ، ويؤيده أن العادات المستمرة ملحقة بالأمور الجبلية ، نعم قد يستفاد من ظاهر قوله : ( فيها ) ـ أي في العادة ـ أنها لو رأت الدم في غيرها استظهرت بثلاثة ، إن قلنا بوجوب الاستظهار في غيرها وهو ظاهر ، وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى.

أمّا المبتدئة والمضطربة ، ولم يذكرهما المصنّف ، ولا فرق بينهما ، فقد قال ابن الجنيد (٢) ، والمرتضى ، وابن إدريس (٣) بوجوب الاستظهار عليهما إلى ثلاثة ، ورجحه في المعتبر (٤) ، وبه أفتى شيخنا الشّهيد في بعض كتبه (٥) وقال الشّيخ : تترك العبادة بمجرّد رؤية الدّم (٦) ، وبه افتى المصنّف في أكثر كتبه (٧) ، وقواه في الذكرى محتاطا بالأوّل (٨) ، وهو ظاهر اختيار المصنّف هنا.

للشّيخ : حسنة حفص ابن البختري ، عن الصّادق عليه‌السلام حيث قال : « فإذا كان للدّم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصّلاة » (٩).

وفي الدلالة ضعف ، لأن الأمر المعلق بـ « إذا » لا يفيد العموم ، فلعلّ المراد به ذات العادة ، وأيضا فإن القائل بجواز الترك برؤية الدّم لا يقصره على هذه الأوصاف.

فإن قلت : إذا ثبت الحكم هنا بالرّواية ثبت في غيره بالإجماع المستفاد من عدم القائل بالفرق.

قلنا : ينافيه مفهوم الشرط في قوله : ( فإذا كان ... ) فإنه حجة عند كثير ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٩ باب أول ما تحيض المرأة ، التهذيب ١ : ٣٨ باب ١٩ ، وللمزيد انظر : الوسائل ٢ : ٥٥٩ باب ١٤ من أبواب الحيض.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ٢٩.

(٣) السرائر : ٢٩.

(٤) المعتبر ١ : ٢١٠.

(٥) الدروس : ٦ ، البيان : ٢٠.

(٦) المبسوط ١ : ٦٦.

(٧) المنتهى ١ : ١٠١ ، المختلف : ٣٧.

(٨) الذكرى : ٢٩.

(٩) الكافي ٣ : ٩١ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ حديث ٤٢٩.

٣٣٠

ويجب عليها عند الانقطاع قبل العاشر الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقيّة طهرت وإلاّ صبرت المبتدئة إلى النقاء أو مضي العشرة ، وذات العادة تغتسل بعد عادتها بيوم أو يومين ، فان انقطع على العاشر أعادت الصوم ،

______________________________________________________

فيحمل على ذات العادة ، وقد احتج له بأخبار أخر ، ليس لها دلالة قوية (١).

للأولين : وجوب التمسّك بلزوم العبادة إلاّ أن يتحقّق المسقط.

وعورض بالمعتادة ، والفرق ظاهر ، وبأن الاحتمال قائم بعد الثلاثة ، لجواز وجود دم أقوى ناقل لحكم الحيض إليه ، وندور ذلك ظاهر ، فإنه إنّما يتحقق مع استمرار الدّم وتجاوزه العشرة ، واجتماع شروط التّمييز ، وكون الطارئ أقوى ، والاحتمال النادر غير قادح ، فظهر أن القول بالاستظهار أقوى.

قوله : ( ويجب عليها عند الانقطاع قبل العاشر الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقية طهرت ، وإلا صبرت المبتدئة إلى النقاء ، أو مضي عشرة ).

الضّمير في ( عليها ) يعود إلى ما عليه أحكام الباب ـ وهي الحائض ـ وقد تكرر رجوع الضمائر إليها ، والاستبراء هنا طلب براءة الرحم من الدّم ، ويدل على وجوبه ما روي عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) ، وما روي عن شرحبيل ، عنه عليه‌السلام (٣) ، واشترك الحديثان في الاعتماد بالرّجل اليسرى على حائط ، ثم استدخال القطنة وفي الثّانية تستدخلها بيدها اليمنى ، وعبارة المصنّف خالية من ذلك.

فان خرجت القطنة نقية فقد طهرت ، فيجب الغسل مطلقا ، وإن خرجت ملطخة صبرت المبتدئة إلى النقاء أو مضي العشرة ، فان لم ينقطع الدّم على العشرة فحكم المبتدئة من الرّجوع الى التمييز ، ثم عادة النّساء الى آخره ، وقد سبق.

وكذا القول في المضطربة المتحيّرة ، وذاكرة الوقت خاصة ، والتي استقرت عادتها وقتا خاصّة ، فإن الجميع يعتبرن التمييز وما بعده فيما لم تفده العادة دائما.

قوله : ( وذات العادة تغتسل بعد عادتها بيوم أو يومين ، فان انقطع على‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ حديث ٤٣١ ، ٤٣٢ ، ٤٣٤ و ٤٣٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٦١ حديث ٤٦٢.

(٣) الكافي ٣ : ٨٠ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ١٦١ حديث ٤٦١.

٣٣١

وان تجاوز أجزأها فعلها.

______________________________________________________

العاشر أعادت الصّوم ، وإن تجاوز أجزأها فعلها )

ذات العادة تصدق في المستقرة عددا ووقتا ، وفي المستقرة عددا خاصّة ، والذاكرة العدد خاصّة ، أما في الدّور الأوّل إن قلنا بوجوب الاحتياط ، أو مطلقا إن قلنا باستناد تخصيص العدد بزمان اختيارها ، وثبوت الاستظهار ـ أعني طلب ظهور الحال في كون الدم حيضا أو طهرا ـ بالصّبر يوما ويومين لذات العادة.

والاغتسال بعدهما لا خلاف في ثبوته ، إنّما الخلاف في وجوبه ، والقائل به الشّيخ (١) ، والمرتضى (٢) ، وابن إدريس (٣) ، والمعتمد الاستحباب وفي بعض الأخبار ما يدل على الاستظهار إلى العشرة (٤) ، وهو مختار المرتضى (٥) ، وابن الجنيد (٦) ، والتخيير لا بأس به ، وإن كان الوقوف مع المشهور طريق الاحتياط.

وهذا الاستظهار إنّما يكون مع وجود الدّم بأي لون اتفق ، لا مع انقطاعه ، ويظهر من عبارة المختلف ثبوته مطلقا (٧) ولا وجه له ، فإذا اغتسلت بعد الاستظهار وأتت بالعبادة وانقطع الدّم على العشرة تبيّن أن الجميع حيض ، فتقضي الصّوم إن كانت قد صامت لفساده دون الصّلاة ، لأنها حائض.

وإن تجاوز العشرة أجزأها ما فعلته بعد الغسل ، لأنّها طاهر ، وتقضي ما فاتها في يومي الاستظهار من صوم وصلاة كما صرّح به في المنتهى (٨) لأن ما زاد على العادة طهر كلّه ، وجواز الترك ـ ارتفاقا من الشّارع بحالها لاحتمال الحيض ـ لا يمنع وجوب القضاء إذا تبين فساده ، إذ قد تبين أن العبادة كانت واجبة عليها ، ومن هذا البيان يعرف ما في العبارة من الأحكام ، وما خلت عنه ممّا يحتاج الى بيانه.

__________________

(١) النهاية : ٢٤ و ٢٦.

(٢) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٨١ عن المصباح.

(٣) السرائر : ٢٨.

(٤) الكافي ٣ : ٧٧ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ١٧٢ حديث ٤٩٣.

(٥) حكاه العاملي في المفتاح ١ : ٣٨١.

(٦) حكاه العلامة في المختلف : ٣٨.

(٧) المختلف : ٣٨.

(٨) المنتهى ١ : ١٠٩.

٣٣٢

ويجوز لزوجها الوطء قبل الغسل على كراهية ، وينبغي له الصبر حتى تغتسل ، فان غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها.

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهية ، وينبغي له الصّبر حتّى تغتسل ، فان غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها ).

المشهور بين الأصحاب جواز وطء الحائض إذا طهرت قبل أن تغتسل من الحيض (١) ، وقال ابن بابويه بتحريمه ، قبل الغسل (٢).

لنا : قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (٣) بالتخفيف ، كما قرأ به السّبعة ، أي : حتّى يخرجن من الحيض ، جعل سبحانه غاية التّحريم خروجهنّ من الحيض ، فثبت الحلّ بعده بمقتضى الغاية ، ولا يعارض بمفهوم قوله سبحانه ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (٤) لأنا نقول : تعارض مفهوما الغاية والشرط فيتساقطان ، إن لم يكن مفهوم الغاية أقوى ، ويرجع إلى حكم الأصل وهو الحلّ فيما لم يقم دليل على تحريمه.

فان قلت : فما تصنع بقراءة التشديد ، فان ظاهرها اعتبار التّطهير ، أعني الاغتسال.

قلت : يجب حملها على الطهر ، توفيقا بينها وبين القراءة الأخرى ، صونا للقراءتين عن التنافي ، فقد جاء في كلامهم تفعّل بمعنى فعل كثيرا ، مثل تطعمت الطّعام وطعمته ، وكسرت الكوز فتكسر ، وقطعت الحبل فتقطع ، فالثقيل منه غير مغاير للخفيف في المعنى ، والأصل في الاستعمال الحقيقة.

ومن هذا الباب المتكبر في أسماء الله سبحانه ، فإنه بمعنى الكبير ، وحيث ثبت مجي‌ء هذه البينة بالمعنى المذكور ، وجب الحمل عليه في الآية توفيقا بين القراءتين ، ويؤيّده قوله تعالى ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٥) ، فإنّه إمّا مصدر كالمجي‌ء والمبيت ، وهو الظّاهر ، بدليل قوله تعالى أولا( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً ) (٦) أي :

__________________

(١) منهم : المرتضى في الانتصار : ٣٤ ، والشيخ في النهاية : ٢٦ ، والشهيد في البيان : ٢٠ وفيه : ( ويكره ... )

(٢) الفقيه ١ : ٥٣.

(٣) البقرة : ٢٢٢.

(٤) البقرة : ٢٢٢.

(٥) البقرة : ٢٢٢.

(٦) البقرة : ٢٢٢.

٣٣٣

______________________________________________________

الحيض ، فيحتاج الى تقدير مضاف حينئذ ، أي : زمان الحيض أو اسم لزمان الحيض ، أو مكانه ، وإنّما يعد مكانه مع استمرار الدّم.

كذا قال في المختلف (١) ، وفيه نظر ، إذ لا يشترط لصدق المشتق بقاء أصله ، وكيف كان فهو يدلّ بالمفهوم الوصفي على انتفاء وجوب الاعتزال في غير زمان الحيض ، فيشمل المتنازع.

وقد روى الشّيخ ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها فقال : « إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها ، ثم يمسها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل » (٢) ، ومثلها رواية علي بن يقطين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) ، وفي معنى ذلك أحاديث كثيرة (٤) ، وفي بعضها تصريح باستحباب تقديم الغسل (٥) ، وكما يجب التّوفيق بين القراءتين ، كذا يجب التّوفيق بينهما وبين السنة ، لصدورها عمن لا ينطق عن الهوى.

حجة المانع قراءة التشديد ، وقد سبق عدم دلالتها ، وما رواه الشّيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطّهر ، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا ، حتّى تغتسل » (٦) وبمعناها غيرها (٧) ، وجوابه الحمل على الكراهيّة جمعا بين الأخبار ، على أن في طريق الرّواية علي بن أسباط ، وفيه قول.

إذا تقرر هذا فاعلم أن المراد بقول المصنّف : ( ويجوز لزوجها الوطء ... ). الجواز بالمعنى الأعمّ ، وهو مطلق السائغ ، فلا ينافي حكمه بالكراهية بعد ، وقد تقدم ما‌

__________________

(١) المختلف : ٣٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٦ حديث ٤٧٧ ، الاستبصار ١ : ١٣٥ حديث ٤٦٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٦٦ حديث ٤٧٦.

(٤) للمزيد انظر : الوسائل ٢ : ٥٧٢ باب ٢٧ من أبواب الحيض.

(٥) الكافي ٥ : ٥٣٩ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ١ : ١٦٦ ، ١٦٧ حديث ٤٧٥ ، ٤٨٠ و ٤٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣٥ ، ١٣٦ حديث ٤٦٤ ، ٤٦٧ و ٤٦٨.

(٦) التهذيب ١ : ١٦٦ حديث ٤٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٣٦ حديث ٤٦٥.

(٧) التهذيب ١ : ١٦٧ ٣٩٩ حديث ٤٧٩ ، ١٢٤٤ ، الاستبصار ١ : ١٣٦ حديث ٤٦٦.

٣٣٤

وإذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة بقدر الطهارة وأدائها قضتها ، ولا يجب لو كان قبله ، ولو طهرت قبل الانقضاء بقدر الطهارة وأداء ركعة وجب أداؤها ، فإن أهملت وجب القضاء ، ولو قصر الوقت عن ذلك‌ سقط الوجوب.

______________________________________________________

يدلّ عليها ، مع قول الكاظم عليه‌السلام وقد سئل عن وطئها قبل الغسل : « لا بأس ، وبعد الغسل أحب اليّ » (١).

ومراد المصنّف بقوله : ( وينبغي ) الاستحباب ، لأنّه معناها الحقيقي ولا تكرار ، فإنه اعاده ليرتّب عليه تقديم غسل الفرج ، وليس هذا الغسل واجبا ، وإن وجد في خبر محمّد بن مسلم ، لأن في خبر ابن المغيرة عمن سمع العبد الصّالح عليه‌السلام : نفي البأس عن الوطء وان لم تمس الماء (٢) وهو دال على المدّعى ، نعم هو مستحب استحبابا مؤكّدا ، والعبارة لا تدلّ على الاستحباب صريحا.

ولو فقدت الماء فهل تتيمّم للوطء بدلا من الغسل وجوبا أو استحبابا؟ المروي عن الصّادق عليه‌السلام : « نعم » (٣) ، وصرّح به في الذّكرى (٤) ، ويظهر من عبارة المنتهى (٥) وهو حسن ، ولا فرق بين أن تصلّي به وعدمه ، ولا فرق في جواز الوطء بين أن ينقطع الدّم لأكثر الحيض أو لا ، نعم يشترط في الثاني انقطاع الدّم على العادة فصاعدا ، فلو انقطع دون نهايتها فإشكال ، ويجي‌ء على ما اختاره المصنّف في بعض كتبه ، من اعتبار الوضوء في غسل الحيض ونحوه (٦) ، وانّه كالجزء عدم الاكتفاء بالغسل لو اشترطناه.

قوله : ( وإذا حاضت بعد دخول وقت الصّلاة بقدر الطّهارة وأدائها قضتها ، ولا يجب لو كان قبله ، ولو طهرت قبل الانقضاء بقدر الطّهارة وأداء‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦٧ حديث ٤٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣٦ حديث ٤٦٨.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٧ حديث ٤٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٣٦ حديث ٤٦٨.

(٣) الكافي ٣ : ٨٢ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٠ حديث ١٢٥٠.

(٤) الذكرى : ٣٤.

(٥) المنتهى ١ : ١١٧.

(٦) المختلف : ٣٩.

٣٣٥

______________________________________________________

ركعة وجب أداؤها ، فإن أهملت وجب القضاء ، ولو قصر الوقت عن ذلك سقط الوجوب ).

من الأصول المقرّرة وجوب كون وقت العبادة بحيث يسعها ويسع شروطها ، لامتناع التّكليف بالمحال ، وانّ إدراك ركعة من آخر الوقت يتنزل منزلة إدراك الوقت كملا ، وسيأتي في باب وقت الصّلاة ان شاء الله تعالى.

إذا تقرر هذا ، فطروء الحيض وانقطاعه إن كان في أوّل وقت الفريضة ، فإن كان قبل أن يمضي من الوقت مقدار ما يسع الطّهارة إن لم تكن متطهرة ، وكذا باقي شروط الصّلاة ، وفعل الصّلاة أقل المجزئ بالنّسبة إلى تلك المرأة ، وقيّدنا بذلك لتندرج المسافرة ، وذات الجبيرة ، والقطع ، والمتيمّمة ، وسريعة القراءة وبطيئتها ونحو ذلك لم يجب القضاء قطعا ، خلافا لبعض العامة (١) ، وللصدوق منا ، حيث أوجب قضاء ركعة من المغرب لو أدركت ركعتين (٢) لعدم استقرار وجوب الأداء ، وامتناع توجه الخطاب بالفعل كما سبق.

ويتحقّق عدم إدراك وقت الصّلاة بقصوره عن التّسليم إن قلنا بوجوبه ، وإن كان بعد إدراك الصّلاة كما قلناه وجب القضاء إن كانت لم تؤدّ ، وكذا الحكم في وجوب القضاء إن كانت لم تؤد ، وكذا الحكم في وجوب القضاء إن لم تكن قد صلّت ، لو طرأ الحيض في وسط الوقت ولم يكن قبله مانع من وجوب الصّلاة كجنون ، فلو كان اعتبر لوجوب القضاء تخلل زمان يسع أقل الواجب بينهما ، وكذا الآخر.

ولو انقطع الدّم وقد بقي من الوقت مقدار الفريضة بشروطها أقلّ الواجب ـ كما تقدّم ـ وجب الأداء ، ومع الإخلال القضاء ، وكذا لو بقي مقدار ركعة بالشّروط ، ولو كان من آخر وقت الصّلاتين اعتبر لإدراكهما معا بقاء مقدار خمس ركعات ، سواء في ذلك الظهران والعشاءان ، وإنّما اكتفى من آخر الوقت بمقدار ركعة ، لأنّ الباقي يزاحم به في وقت صلاة اخرى إن كان بخلاف أوّل الوقت.

__________________

(١) راجع المجموع ٤ : ٣٦٨ ، وفتح العزيز ( بهامش المجموع ) ٤ : ٤٥٩ ، والوجيز ١ : ٣٤.

(٢) المقنع : ١٧.

٣٣٦

المقصد السابع : في الاستحاضة

وهي في الأغلب أصفر ، بارد ، رقيق ، ذو فتور.

______________________________________________________

ولو أدركت قدر إحدى الصّلاتين ، اختصّت به الثّانية على المشهور من الاختصاص (١) ، وعلى القول باشتراك الوقت من أوله الى آخره يتجه وجوب الاولى ، وسيأتي تحقيق ذلك في الوقت بعون الله تعالى. ولو أدركت أقل من ركعة لم يجب الأداء ولا القضاء عندنا ، وهل يستحبّ القضاء؟ صرح به المصنّف في المنتهى (٢) والتذكرة (٣) ، والنهاية (٤).

ويلوح من عبارة الكتاب هنا حيث قال : ( سقط الوجوب ) هذا حكم الصّلاة ، أمّا الصّوم فان الغسل إذا طهرت قبل الفجر بمقدار زمانه واجب له ، وشرط إن كان واجبا ، وإلا فهو شرط لصحته خاصّة ، ومع تعذّره يجب التيمّم على الأصحّ ، وقد سبق تحقيق ذلك.

قوله : ( المقصد السّابع في الاستحاضة : وهي في الأغلب أصفر ، بارد ، رقيق ، ذو فتور ).

الاستحاضة في الأصل استفعال من الحيض ، يقال : استحيضت على وزان استقيمت بالبناء للمجهول ، فهي تستحاض كذلك ، لا تستحيض إذا استمرّ بها الدّم بعد أيامها ، فهي مستحاضة ، ذكره في الصحاح (٥) ، ومقتضاه عدم سماع المادة مبنية لغير المجهول ، ثم استعمل لفظ الاستحاضة في الدّم الموصوف ، وهو كلّ ما ليس بحيض ولا نفاس ولا قرح ولا جرح ، والمراد بالفتور خروجه بضعف ، بخلاف دم الحيض فان خروجه بقوة ودفع.

__________________

(١) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٤٥ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٣٦ ، والمحقق في المعتبر ١ : ٢٣٧.

(٢) المنتهى ١ : ١١٤.

(٣) التذكرة ١ : ٢٨.

(٤) نهاية الأحكام ١ : ١٢٤.

(٥) الصحاح ٣ : ١٠٧٣ مادة ( حيض ).

٣٣٧

وقيّدنا بالأغلب لأنه قد يكون بهذه الصفات حيضا ، فإن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر طهر.

وكلّ ما ليس بحيض ، ولا قرح ، ولا جرح فهو استحاضة وان كان مع اليأس

______________________________________________________

قوله : ( وقيدنا بالأغلب لأنه قد يكون بهذه الصّفات حيضا ).

للتقييد بالأغلب فائدة أخرى ، هي أن الاستحاضة قد تجي‌ء بصفات الحيض كما إذا فقد بعض الشّروط ، وقد يكون دم الاستحاضة أبيض أيضا ، وهو لون يختص به.

قوله : ( فإن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطّهر طهر ).

المراد بأيام الحيض : هي المحكوم بكونها حيضا ولو تغليبا ، لا أيام العادة فقط ، وكذا الطهر.

قوله : ( وكلّ ما ليس بحيض ، ولا قرح ، ولا جرح فهو استحاضة وإن كان مع اليأس ).

إنما تستمرّ هذه الكليّة إذا استثنى دم النّفاس ، وعطف الجملة بـ « ان » للتنبيه على أن سنّ اليأس يجامع الاستحاضة ، ولا حاجة إليه ، لأنه إنّما يحسن العطف بها للتّنبيه على حكم الفرد الخفي ، وسنّ اليأس والصّغر في ذلك سواء بالنّسبة إلى نظر الفقيه ، بل حكم الصّغرى خفي ، فكان ينبغي التّنبيه عليه ، فان الدّم قبل التّسع لغير القرح والجرح استحاضة.

فإن قلت : ما فائدة بيان أن دم الصغيرة استحاضة ، مع أنه لا تكليف عليها؟

قلت : الفائدة معرفته لتجري عليها الأحكام تمرينا وتمنع من المساجد والعزائم ، وغير ذلك من الأفعال المشروطة بالطّهارة.

وهنا سؤال هو : إنّ القرح يحكم له بالخارج من الأيمن؟ وللحيض بالخارج من الأيسر ، فما الّذي يكون محلاّ للاستحاضة ،

٣٣٨

ثم ان ظهر على القطنة ولم يغمسها وجب عليها تجديد الوضوء عند كل صلاة وتغيير القطنة ، وان غمسها من غير سيل وجب مع ذلك تغير الخرقة والغسل لصلاة الغداة ، وان سال وجب مع ذلك غسل للظهر والعصر وغسل للمغرب والعشاء مع الاستمرار ، وإلاّ فاثنان أو واحد ،

______________________________________________________

وجوابه : إن الخارج من الأيسر ، مع انتفاء شرائط الحيض محكوم به للاستحاضة ، وكذا الأيمن مع انتفاء القرح.

قوله : ( ثم إن ظهر على القطنة ولم يغمسها وجب عليها تجديد الوضوء عند كلّ صلاة ، وتغيير القطنة ، وإن غمسها من غير سيل وجب مع ذلك تغيير الخرقة ، والغسل لصلاة الغداة ، وإن سال وجب مع ذلك غسل للظّهر والعصر وغسل آخر للمغرب والعشاء مع الاستمرار ، وإلاّ فاثنان أو واحد ).

أشار بذلك إلى أحكام الاستحاضة ، وعطفه بـ ( ثم ) لينبه على انفصاله عمّا قبله. وتحقيقه : ان المشهور بين الأصحاب (١) أن لدم الاستحاضة ثلاث مراتب : القلة ، والتوسّط ، والكثرة ، فيجب على المستحاضة أن تعتبر نفسها في وقت الصّلاة ، فإن لطّخ الدّم باطن الكرسف ، ـ وهو : القطنة ـ أي : جانبه الّذي يلي الباطن ـ فإطلاق الباطن عليه مجاز ، ولم يدخل وسطه بحيث يغمسه جميعا ـ وهو المراد بقول المصنّف : ( ظهر على القطنة ... ) ـ وجب عليها تغيير القطنة ، أو غسلها لوجوب إزالة النّجاسة ، وهذا بخلاف السّلس والمبطون ، والمجروح ، لعدم وجوب ذلك عليهم.

وفرق في المنتهى بورود النص على المستحاضة دونهم (٢) ، وفيه نظر ، لعدم نصّ صريح في المستحاضة أيضا ، نعم يلوح من بعض الأخبار مثل قول الباقر عليه‌السلام : « فإذا ظهر أعادت الغسل ، وأعادت الكرسف » (٣) وقد يحتج لذلك بإجماع الأصحاب على الوجوب فيها كما حكاه في المنتهى (٤) في أوّل باب الاستحاضة.

__________________

(١) منهم : الصدوق في الفقيه ١ : ٥٠ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٤٢ ، وسلار في المراسم : ٤٤.

(٢) المنتهى ١ : ١٢٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٧١ حديث ٤٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ حديث ٥١٢.

(٤) المنتهى ١ : ١٢٠.

٣٣٩

______________________________________________________

ويجب عليها غسل ما ظهر من فرجها أيضا ، لإصابة النّجاسة له ، ذكره شيخنا الشّهيد (١) ، وأهمله المصنّف ، قال الشّيخ : وتغيير الخرقة (٢) ، حكاه عنه في التّذكرة (٣) ، ولا وجه له.

والوضوء لكلّ صلاة ، وخالف ابن أبي عقيل في ذلك ، فلم يوجب الوضوء في هذا القسم ، وجعله غير ناقض للطّهارة ، حكاه عنه في الذّكرى (٤) ، والمصنّف في المنتهى (٥) والمختلف (٦) ، وابن الجنيد أوجب فيه غسلا واحدا في اليوم واللّيلة (٧) ، وهما نادران ، لإجماع الأصحاب بعدهما على خلافهما ، مع دلالة الأخبار على الوضوء متكررا (٨).

وإن غمس الدّم القطنة ، بمعنى شموله باطنها وظاهرها جميعا ، ففي موثقة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « فإذا نفذ اغتسلت وصلت » (٩) والنّفوذ يقتضي الاستيعاب ، لأنه مأخوذ من نفذ السّهم من الرمية إذا خرقها (١٠) ، وقد تشهد له عبارات الأصحاب ، حيث عبّر بعضهم عن هذا القسم : بثقب الدّم الكرسف (١١) ، وبعضهم : بظهوره عليه (١٢) ، وبعضهم : بغمسه له (١٣) ، ومرادهم واحد قطعا ، ومجموع هذه العبارات يستلزم ما فسرنا به ، فمع الغمس المذكور يجب مع ما تقدم تغيير‌

__________________

(١) الذكرى : ٣٠.

(٢) النهاية : ٢٨.

(٣) التذكرة ١ : ٢٩.

(٤) الذكرى : ٣٠.

(٥) المنتهى ١ : ١٢٠.

(٦) المختلف : ٤٠.

(٧) نقله عنه في المختلف : ٤٠.

(٨) الكافي ٣ : ٨٩ حديث ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٠ حديث ٤٨٥.

(٩) التهذيب ١ : ١٦٩ حديث ٤٨٣.

(١٠) الصحاح ٢ : ٥٧١ مادة ( نفذ ).

(١١) قاله المحقق في الشرائع ١ : ٣٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٣١.

(١٢) قاله العلامة في المنتهى ١ : ١٢٠.

(١٣) قاله العلامة في التحرير ١ : ١٦ ، والمختلف : ٤ ، والشهيد في اللمعة : ٢١.

٣٤٠