جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

فروع :

أ : لو رأت ذات العادة المستقرة العدد متقدما على العادة أو متأخرا فهو حيض ، لتقدّم العادة تارة وتأخرها أخرى.

______________________________________________________

ويمكن الجواب بأن ذلك مبني على الغالب ، فان الغالب كون ما في زمان العادة بهذا الوصف ، فلا تعارض ، أو تنزل على المبتدئة والمضطربة جمعا بين الأخبار ، على أن قوة العادة المتكرّرة ظاهرة ، فان العادات ملحقة بالأمور الجبلّية ، والحق ترجيح العادة المستفادة من الأخذ والانقطاع ، وهي المرادة في كلام المصنّف ، أما المستفادة من التمييز فلا ، لأن الفرع لا يزيد على أصله مع احتمال الترجيح ، لصدق الأقراء عليها وفيه بعد ، لأنه خلاف المتعارف.

واعلم أن قول المصنّف : ( إن اختلفا زمانا ) من تمام تصوير المسألة وليس شرطا للأقوى والا لفسد المعنى ، ولو قال : ولو اجتمع التمييز والعادة ، واختلفا زمانا فالأقوى العادة ، كان أحسن.

قوله : ( لو رأت ذات العادة ـ إلى قوله ـ لتقدم العادة تارة وتأخرها أخرى ).

هل يجب على من تقدم دمها العادة الاحتياط في العبادة إلى أن تمضي الثّلاثة ، أو يحضر الوقت؟ يبنى على إيجاب الاحتياط على المبتدئة والمضطربة ، وعدمه مع احتمال عدم الوجوب هنا ، ففي مقطوع سماعة ، المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها قال : « إذا رأت قبل وقتها فلتدع الصلاة فإنه ربما يعجّل » (١) ، وفي خبر إسحاق بن عمّار ، عن الصّادق عليه‌السلام في المرأة ترى الصفرة : « إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض » (٢) وفي البيان (٣) نزل هذه على المضطربة إذا ظنت الدم حيضا ، وينافيه قوله : « إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ».

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٧ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ١٨٥ حديث ٤٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ٧٨ حديث ٢ ، الفقيه ١ : ٥١ حديث ١٩٦ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ حديث ١٢٣١.

(٣) البيان : ٢٠.

٣٠١

ب : لو رأت العادة والطرفين أو أحدهما ، فإن تجاوز العشرة فالحيض العادة وإلاّ فالجميع.

______________________________________________________

ويمكن الفرق بين ذات العادة وغيرها إذا تقدم دمها العادة يوما أو يومين عملا بهذه الرواية (١) ، بخلاف ما لو زاد لعدم الدّليل ، ومقطوعة سماعة مطلقة (٢) ، فلا تصلح للدلالة على الزّائد لحملها على المقيّد ، إلاّ أنّه لا يحضرني الآن قائل بذلك ، والاحتياط طريق إلى اليقين ، فهو أولى.

ويمكن حمل الاولى على ما إذا رأت قبل وقتها وعلمته حيضا ، أو مضى ثلاثة أيام ، وحمل الثّانية على الاخبار عن الغالب ، أي : إن كان قبل الحيض بيومين ففي الغالب هو من الحيض ، وحينئذ فلا دلالة لها على ترك العبادة في اليومين ، ولا يخفى ما فيه ، وكيف قلنا فالأولى الجزم بتعلق تروك الحائض بهذه ما خلا ترك الواجب.

هذا إذا تقدم الدّم العادة ، ولو تأخر أمكن ذلك لما تقدّم ، والقطع بكونه حيضا ، فإن التأخّر يثير ظنّ حصوله ، لأنه يزيده انبعاثا نظرا إلى العادة ، وفيه قوة.

قوله : ( لو رأت العادة والطرفين ... ).

المراد بالطرفين ما قبل العادة وما بعدها ، وفي المتقدّم ما سبق من احتمال وجوب الاحتياط وعدمه.

إن قيل : إذا تجاوز الدم العشرة فلم يحكم بكون الطرفين استحاضة ، وهلاّ حكم بالثاني خاصة حيث يمكن ضميمة الأول إلى العادة في كونهما حيضا؟

قلنا : الحكم بكون الثاني استحاضة مع استواء نسبتهما إلى العادة ترجيح من غير مرجح.

فان قيل : استواء النّسبة غير معلوم ، بل المعلوم خلافه ، واتفاقهم على أن كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض يقتضي ضميمته.

قلنا : لما كانت العادة ملحقة بالأمور الجبلّية ، اقتصر في مخالفتها على ما إذا كان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٨ حديث ٢ ، الفقيه ١ : ٥١ حديث ١٩٦ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ حديث ١٢٣١.

(٢) الكافي ٣ : ٧٧ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ حديث ٤٥٣.

٣٠٢

ج : لو ذكرت المضطربة العدد دون الوقت ، تخيّرت في تخصيصه وان منع الزوج التعيين. وقيل : تعمل في الجميع عمل المستحاضة ، وتغتسل لانقطاع الحيض في كل وقت يحتمله ، وتقضي صوم العدد.

______________________________________________________

مجموع الدّم لا يزيد على العشرة ، فإن زاد وجب العمل بالعادة : وإطلاق الأخبار (١) والأصحاب الرّجوع إلى العادة مع التّجاوز يشمل ذلك.

قوله : ( وإن منع الزّوج التعيين ).

هذا لا اختصاص له بذاكرة العدد ، بل هو آت في كلّ من خيّرت في تخصيص عدد ، إمّا عدد العادة أو إحدى الرّوايات ، لأن ثبوت الحيض لها بأصل الشّرع لا باختيارها ، والتخيير لم يثبت أصالة ، بل لأن جهلها بالحال اقتضى استواء جميع أيام الشّهر بالنسبة إليها ، فامتنع تكليفها بشي‌ء مخصوص ، فكما لم يكن ذلك منوطا باختيارها أصالة ، لم يكن للزّوج في ذلك اعتراض ، ويحتمل أن يكون كالواجبات الموسعة ، فعلى القول بأن له منعها من الاشتغال بها في أوّل الوقت لو خالفت تسقط نفقتها إن منعت الوطء.

والمراد بتخييرها في التخصيص إنّما هو في أوّل الأمر ـ كما سبق ـ فإذا اختارت أوّل الشهر صار كالعادة ، فتعمل في باقيه عمل المستحاضة.

والمراد بالشهر هنا : الهلالي ، رجوعا إلى الجبلّة ، فإن الغالب حصول الحيض في كلّ شهر مرّة ، ولو علمت حصول العدد في الشهر مرتين ، وتكرّر ذلك ، ولم تعلم الوقت فلا تصريح للأصحاب ، والظاهر وجوب جلوسها مرّتين في الشهر ، والتخيير بحاله ، وحيث قلنا بالتخيير ، فإنما هو عند عدم أمارة يظن معها وقت مخصوص ، ولا شك في أولوية أوّل الشهر لموافقته الغالب.

قوله : ( وقيل : تعمل في الجميع عمل المستحاضة ).

هذا القول للشّيخ (٢) ـ رحمه‌الله ـ إلحاقا لها بالمتحيرة ، تمسكا بالاحتياط ، ومحله‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ ، ٨٣ ، ٩٥ حديث ٥ ، ١ ، ١ ، التهذيب ١ : ١٥٨ ، ١٦٨ ، ٣٨١ حديث ٤٥٣ ، ٤٨٢ ، ١١٨٣ وللمزيد راجع الوسائل ١ : ٥٤١ باب ٥ من أبواب الحيض.

(٢) المبسوط ١ : ٥١.

٣٠٣

ولو انعكس الفرض تحيّضت بثلاثة واغتسلت في كل وقت يحتمل الانقطاع ، وقضت صوم عشرة احتياطا ان لم يقصر الوقت عنه ، وتعمل فيما تجاوز الثلاثة عمل المستحاضة.

______________________________________________________

ما لم يحصل لها اختلال الحيض في زمان يقصر نصفه عنه ، ولم تعلم بالمزج للقطع بحيض ما وطهر ما حينئذ فلا تعمل في الجميع عمل المستحاضة.

والمعتمد التخيير ، والقول بالجمع بين التكليفات ضعيف ، وهنا فائدتان :

أ : موضع القولين ، ما إذا لم تعلم وقت طروء الدّم عليها ، بأن عرض لها جنون ونحوه ، فان علمته رجعت بتجاوز العشرة ، إلى عدد العادة ، فإن استمرّ إلى الشهر الثاني فهو محلّ الخلاف.

ب : ليس المراد من قوله : ( وقيل : تعمل في الجميع عمل المستحاضة ) الاقتصار عليه ، وعلى الغسل للانقطاع ، بل تترك مع ذلك ما تتركه الحائض ، أخذا بمجامع الاحتياط.

والمراد من قوله : ( وتغتسل لانقطاع الحيض في كلّ وقت يحتمله ) الاغتسال عند كلّ صلاة ، وكذا غيره من الغايات المشروطة بالطّهارة ، لأنه محل تحتم وجوب الطهارة ، وان كان كل وقت يحتمل الانقطاع ، فتجب للصلوات الخمس خمسة أغسال ، سوى ما يجب للاستحاضة ، إذ لا تداخل لما قيل أن استمرار الحدث يمنع التداخل ، وتتخير في تقديم أي الأفعال شاءت من الغسل والوضوء وغيرهما مما يجب ، ويجب عليها المسارعة بين الفرضين بالغسل للفرض الثاني مع كثرة الدم ، كما تجب المسارعة بالوضوء لو كانت مستحاضة تلزمها الأغسال.

فرع : لو علمت زمان الانقطاع بعينه اقتصرت على الاغتسال للانقطاع فيه.

قوله : ( ولو انعكس الفرض تحيضت بثلاثة ... ).

المراد بانعكاس الفرض أن تذكر الوقت وتنسى العدد ، وهنا صور أربع ، لأنها إن ذكرت أول الحيض أكملته أقله ـ وهو ثلاثة ـ لثبوت تيقنه حينئذ ، وإن ذكرت آخره جعلته نهايتها ، وإن ذكرت وسطه جعلت قبله يوما وبعده يوما ، وإن ذكرت يوما في الجسلة أو دونه كأن قالت : كنت في أول يوم من الشهر ، أو من زواله إلى الليل حائضا‌

٣٠٤

______________________________________________________

قطعا ، ولا أعلم أهو الأوّل أم الآخر أم الوسط؟ فهو الحيض خاصّة ، وباقي الزّمان مشكوك فيه ، وبهذا يظهر أن إطلاق المصنّف ( تحيضها بثلاثة ) ليس بجيّد.

ففي الأولى : يجب عليها أن تعمل في باقي العشرة ـ وهو سبعة بعد الثلاثة ـ أعمال المستحاضة ومنقطعة الحيض ، فتغتسل لاحتمال الانقطاع ، على نحو ما تقرّر سابقا ، ما تتركه الحائض.

ثم تقضي صوم العشرة ، وذلك كله مشروط بأن لا تعلم قصور زمان عادتها عن العشرة ، فلو عرفته إجمالا قضت المشكوك فيه خاصة كما يقتصر في الأعمال والتروك عليه.

وفي الثانية : تجمع في السّبعة السّابقة على الثلاثة بين عمل المستحاضة وتروك الحائض ، دون منقطعة الحيض ، والقضاء بحاله إلاّ أن يقصر الزّمان كما تقدم.

وفي الثّالثة : تجمع في السّبعة السّابقة بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض لعدم احتمال الانقطاع فيها ، وفي السّبعة اللاحقة تجمع بين أعمال المستحاضة ومنقطعة الحيض ، وتروك الحائض إن لم تعلم قصور الزّمان والقضاء كما تقدم.

وفي الرّابعة : تعمل فيما قبل المعلوم إن يوما وإن دونه ، إلى تمام العشرة أعمال المستحاضة وتروك الحائض ، وفيما بعده كذلك مع أعمال منقطعة الحيض مع عدم قصور الزّمان ، وكذا القضاء.

وهذا الحكم مبني على القول بوجوب الاحتياط ، ولم يرتضه المصنّف في ذاكرة العدد ، والظّاهر عدم الفرق ، فلا وجه للمخالفة ، والأظهر أمّا اقتصارها في الصّور الثلاث الأول على الثّلاثة إن لم تعلم الزّيادة عليها ، أو رجوعها إلى الستة أو السّبعة أو الثّلاثة مع العشرة ، فتجعل الثّلاثة ابتداء العدد المأخوذ في الاولى ، وانتهاءه في الثّانية ، وتتخير في الثّالثة والرّابعة إن لم تعلم القصور عنها ، أو عن أحدها ، فإن علمت شيئا عملت به ، فلو علمت النقصان عن السّتة والزيادة على الثّلاثة فالخمسة مع احتمال الأربعة ، وتغتسل للانقطاع ، ثم هي مستحاضة.

٣٠٥

د : ذاكرة العدد الناسية للوقت قد يحصل لها حيض بيقين ، وذلك بأن تعلم عددها في وقت يقصر نصفه عنه ، فيكون الزائد على النصف وضعفه حيضا بيقين ، بأن يكون الحيض ستة في العشر الأول فالخامس والسادس حيض. ولو كان سبعة فالرابع والسابع وما بينهما حيض ، ولو كان خمسة من التسعة الأولى فالخامس حيض ، ولو ساوى النصف أو قصر فلا حيض بيقين.

______________________________________________________

وفي الصّورة الثّالثة ، إن علمت أن اليوم الّذي ذكرته أوسط الحيض ، تخيّرت على نحو ما تقدّم ، لكن لا تأخذ من الأعداد المتقدّمة إلاّ وترا كالثّلاثة والسّبعة ، وإن لم تعلم ذلك أمكن أن تأخذ الأقل وهو الثلاثة لأصالة عدم الزّائد والاقتصار على المتيقن ، أو تأخذ واحدا من أعداد الرّوايات.

ومتى أخذت عددا ، اشترط أن لا تعلم الزّيادة عليه ، أو النّقصان عنه ، وهي في باقي الزّمان مستحاضة مع استمرار الدّم ، وبما حققناه يظهر للمتأمل قصور عبارة المصنّف عن أحكام القول بالاحتياط في هذه ، وعدم جريانه فيها على ما اختاره في ذاكرة العدد خاصة.

قوله : ( ذاكرة العدد ، النّاسية للوقت قد يحصل لها حيض بيقين ... ).

ذاكرة الوقت ، الناسية للعدد قد تكون كالمتحيّرة ، بمعنى عدم تيقنها الحيض في شي‌ء من الزّمان ، وقد لا تكون ، كأن يحصل لها العلم بأن عادتها في زمان يقصر نصفه عن عدد أيام العادة ، لوجوب الأخذ من أحد النّصفين مع الآخر حينئذ ، بخلاف ما لو ساوى النّصف عدد العادة أو قصر عنه ، وضابط الحيض المتيقن على ذلك التقدير ما زاد على نصف الزّمان وضعفه ، أي : مثله كالستة في العشرة ، فالخامس والسّادس حيض بيقين ، وما قبل الخامس مشكوك فيه بين الحيض والاستحاضة ، وما بعد السادس مشكوك فيه بينهما وبين انقطاع الحيض ، فتراعي الاحتياط على القول به ، وتتخير في التّخصيص بين ما قبل الخامس وبعد السّادس على القول الآخر.

٣٠٦

هـ : لو ذكرت الناسية العادة بعد جلوسها في غيرها رجعت الى عادتها. ولو تيقّنت ترك الصلاة في غير عادتها لزمها إعادتها ، وقضاء ما صامت في الفرض في عادتها ، فلو كانت عادتها ثلاثة من آخر الشهر فجلست السبعة السابقة ثم ذكرت قضت ما تركت من الصلاة والصيام في السبعة ،

______________________________________________________

ولو أضلت سبعة في عشرة فالرابع والسّابع وما بينهما حيض ، ولو أضلت خمسة من التسعة الأولى من العشرة فإن الخامس بيقين ، لأن الزّيادة على النّصف بنصف يوم ، وإنّما قيّد المصنّف التسعة بكونها الاولى ، وهي الّتي بدايتها من أوّل العشر ، إذ لو كانت التّسعة الثانية ـ وهي التي بدايتها من ثاني العشر ـ لكان الحيض السّادس لا الخامس.

وقد يعلم من هذا أحكام مسائل المزج ، فمنها ما لو قالت : الحيض ستة ، وكنت أمزج أحد نصفي الشهر

بالآخر بيوم أو يومين ، فهذه أضلت ستة في العشر الأوسط ، فلها يومان في الأوّل ، وأربعة في الثاني حيض بيقين.

ولو قالت : وكنت أمزج أحد الشهرين بالآخر بلحظة ، فاضلالها الستة في اثني عشر يوما من آخر الشهر الأوّل وأوّل الثاني ، واللحظتان حيض بيقين ، فإن الستة إن كانت من الأوّل تمت باللحظة من الثاني ، وإن كانت من الثاني فتمامها باللحظة من الأوّل ، وعلى هذا القياس.

واعلم أن قول المصنّف : ( بأن يكون الحيض ستة في العشر الأول ) لا يريد به إلاّ المثال ، فإن السبعة والأربعة وغيرهما كذلك ، وكذا العشر الأوسط والأخير ، وإن كان ظاهر قوله : ( بأن يكون الحيض ... ) قد يقتضي خلاف ذلك.

قوله : ( لو ذكرت النّاسية العادة بعد جلوسها في غيرها ).

قد يسأل عن تصوير الفرض على القول بالاحتياط ، فان تصويره على القول برجوعها إلى الرّوايات ظاهر ، وصورته في ذات العادتين ثلاثة وسبعة متسقتين وغير متسقتين ، مع اختلاف زمانهما إذا نسيت نوبة الشهر وغلب على ظنها أنّها السّبعة فجلستها ، ثم ذكرت أنها الثلاثة فحينئذ تفعل ما ذكره.

ويمكن فرضها في ذات العادة المتّحدة ، إذا كانت ثلاثة في زمان ، فظنتها سبعة‌

٣٠٧

وقضت ما صامت من الفرض في الثلاثة.

و : العادة قد تحصل من حيض وطهر صحيحين ، وقد تحصل من التمييز ، كما إذا رأت في الشهر الأول خمسة أسود وباقي الشهر أصفر أو أحمر ، وفي الثاني كذلك ، فإذا استمرت الحمرة في الثالث أو السواد جعلت الخمسة الأولى حيضا ، والباقي استحاضة عملا بالعادة المستفادة من التمييز.

______________________________________________________

في زمان آخر فالحكم ما تقدم.

قوله : ( وقضت ما صامت من الفرض في الثلاثة ).

الظاهر أن التقييد بالفرض لا حاجة إليه ، كما لم يقيّد به في قوله : ( قضت ما تركت من الصلاة والصّيام في السّبعة ) ، إذ المراد بيان فساد ما صامته باعتبار كون الزمان حيضا في الثلاثة ، كما أن المراد بيان قبول الزّمان في السّبعة للصلاة والصّوم لأنه طهر ، فكما يجب قضاء الواجب يشرع قضاء المندوب.

قوله : ( العادة قد تحصل من حيض وطهر صحيحين ).

هذه العبارة قد توهم الاجتزاء بحيضة واحدة في ثبوت العادة ، كما هو مذهب الشّافعي (١) ، وبه عبر أصحابه (٢) ، وليس مذهبا لنا ، فينبغي أن يراد بالحيض الجنس ، ليصلح للتعدد ، وقد تقدّم اعتبار المرّتين.

أمّا الطهر فيكفي مرّة واحدة ، إذ العادة أيام الأقراء ، والطهر دليل عليها ، والمراد بالصحيحين الخاليان عن استحاضة ، كما صرّح به من عبّر بهذا اللفظ لامتناع استقرار العادة ، مع اتصال أحدهما بالاستحاضة.

قوله : ( فإذا استمرت الحمرة في الثّالث أو السواد ... ).

قد يسأل عن فائدة تعبير المصنّف باستمرار الحمرة أو السّواد في الشّهر الثّالث ، وهل له مدخل في ثبوت الحكم المذكور ، أم لا؟

فيقال : نعم في بعض الصور ، وهو ما إذا حصل تمييز بالشّروط يعارض العادة المستفادة من التمييز ، فان الظاهر هنا ترجيح التمييز ، فإنه أصل للعادة المذكورة ، والفرع لا‌

__________________

(١) المجموع ٢ : ٤١٧.

(٢) المجموع ٢ : ٤١٧ ـ ٤١٨.

٣٠٨

ز : الأحوط ردّ الناسية للعدد والوقت الى أسوء الاحتمالات في ثمانية :

______________________________________________________

يعارض أصله ، فلعلّ المصنّف عبر بالاستمرار لتسلم العبارة عن هذا الفرد.

أما لو اختلف لون الدّم لا مع شريطة التمييز وعبر العشرة ، فإن المرجع هو العادة المستفادة من التمييز.

قوله : ( الأحوط رد النّاسية للعدد والوقت إلى أسوإ الاحتمالات ).

ناسية العدد والوقت ، هي المشهورة بين الفقهاء بالمتحيرة لتحيّرها في شأنها ، وقد تسمى محيّرة أيضا ، لأنها تحير الفقيه في أمرها ، وبعضهم يضح اسم المتحيّرة موضع النّاسية ، فتسمّى ناسية العدد ، وناسية الوقت أيضا متحيّرة ، والأوّل أحسن وأشهر ، والنّسيان المطلق قد يعرض لغفلة أو علة ، وقد تجنّ صغيرة وتستمر لها عادة في الحيض ثم تفيق ولا تعلم مما سبق شيئا.

وقول المصنّف : ( الأحوط رد النّاسية ... ) الظاهر أنه يريد به الوجوب ، لأن الخلاف هنا في لزوم أحكام الاحتياط ، لحصول الشّك في زمان الحيض المقتضي لعدم يقين البراءة بدون الجمع بين التكليفين ، والمعتمد عدم الوجوب ، بل ترجع هذه إلى الرّوايات السّابقة مع عدم التّمييز.

قال في الذّكرى : ان العمل بالرّوايات ظاهر الأصحاب (١) ، وادّعى عليه الشّيخ في الخلاف الإجماع (٢) ، وفي البيان : الاحتياط هنا بالردّ إلى أسوإ الاحتمالات ليس مذهبا لنا (٣) ، ويدل عليه أصالة براءة الذّمة من التكليف بالزّائد ، وما يلزم من الحرج العظيم ، والمشقّة على المرأة والزّوج ، والرّوايات الدالة على رجوعها إلى الستّة والسّبعة وغيرهما كثيرة (٤).

واعلم أن هذا القسم هو تتمة الأقسام العشرة السّابقة ، لأن المضطربة المميّزة تقدمت عند ذكر المبتدئة ، وهي شاملة للأقسام الثّلاثة ، ثم ذكر قسمين منها ، أوّل‌

__________________

(١) الذكرى : ٣٢.

(٢) الخلاف ١ : ٣٨ مسألة ٤ كتاب الحيض.

(٣) البيان : ١٧.

(٤) الكافي ٣ : ٧٩ ، ٨٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ حديث ١١٨١ ، ١١٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ حديث ٤٧٢ ، وللمزيد راجع الوسائل ٢ : ٥٤٦ باب ٨ من أبواب الحيض.

٣٠٩

منع الزوج من الوطء ، ومنعها من المساجد ، وقراءة العزائم ، وأمرها بالصلوات ، والغسل عند كل صلاة ،

______________________________________________________

الفروع : وهما ناسية الوقت ، وناسية العدد غير مميّزتين ، وهذا هو القسم الثّالث ، ويدلّ على عدم التمييز هنا أن هذه الأحكام لا تجامع التمييز لوجوب الرّجوع إليه.

قوله : ( منع الزّوج من الوطء ).

وكذا السيّد ، إذ ما من زمان يفرض إلا وهو محتمل للحيض ، فلو فعل عصى ، وعليها الغسل للجنابة ، ولا كفارة هنا ، وإن قلنا بوجوبها على الحائض لعدم تيقن الحيض.

قوله : ( وأمرها بالصلوات ).

قد يفهم منه ومن قوله : ( وقضاء أحد عشر على رأي ، وصوم يومين ... )

عدم وجوب قضاء الصّلاة ، وبه صرّح في التّذكرة (١) لأنها إن كانت طاهرا صح الأداء ، وإلاّ فلا تكليف ، ولأن فيه حرجا عظيما.

واحتمل فيها أيضا الوجوب (٢) ، لإمكان انقطاع الحيض في خلالها ، أو في آخر الوقت وقد بقي قدر الطّهارة وركعة ، وربما انقطع قبل الغروب وقد بقي قدر الطّهارة وخمس ركعات فيجب الظّهر والعصر ، ومثله المغرب والعشاء ، واختاره المصنّف في النّهاية (٣) وحينئذ ، فامّا أن تصلي أوّل الوقت دائما ، أو آخره دائما ، أولا هذا ولا ذاك.

ففي الأوّل تقضي بعد كلّ أحد عشر يوما صلاتين مشتبهتين ، لإمكان أن ينقطع الحيض في أثناء العصر أو العشاء ، فتفسد الصّلاتان ويجب قضاؤهما ، وكذا يمكن انقطاعه في أثناء الصّبح ، فيجب قضاؤها خاصّة ، فحينئذ يقين البراءة يتوقف على قضاء صلاتين مشتبهتين ، وكيفية قضاؤهما كقضاء الصوم سواء.

وإن كانت تصلي آخر الوقت دائما ، قضت بعد كلّ أحد عشر ثلاث صلوات ، لإمكان أن يطرأ الحيض في أولى الظّهرين أو العشاءين ، فتفسد صلاتان ، وينقطع في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٢.

(٢) المصدر السابق.

(٣) نهاية الأحكام ١ : ١٤٨.

٣١٠

______________________________________________________

أثناء غسل الاولى منهما أو الثّانية ، فيجب قضاؤها لفساد طهارتها ، وكيف قدّر زمان صلاتها آخر الوقت ، فلا بدّ من إدراك الطّهارة وخمس ركعات ، فإذا قدّر صحّة الفرض الثّاني لمصادفة غسلة الطهر فالأوّل فاسد ، وإلاّ فالثاني ، فتقضي سبع صلوات صبحا ومغربا ورباعية مردّدة بين الثلاث ، ثم صبحا ورباعيتين بينهما المغرب ، لأن الفائت من يومين اثنتان من يوم ، وواحدة من آخر.

ولو كانت تصلّي أول الوقت دائما وجب قضاء صلاتين مشتبهتين لاحتمال الانقطاع بعد فعلهما دون ما زاد ، إذ لو فرض ابتداء الحيض في أثناء الصّلاة لما وجبت ، لأنها لم تدرك من الوقت ما يسعها.

ولو كانت تصلّي أوّل الوقت تارة ، وآخره أخرى ، أو وسطه دائما وجب قضاء أربع صلوات مشتبهات ، لإمكان الابتداء في أولهما فتفسدان ، ويجب التّدارك لإمكانه ، وكذا يمكن الانقطاع في الثّانية فتفسدان أيضا ، والتّدارك ممكن فيجب ، وجاز التماثل ، فلا بد من ثمان صلوات.

وفي بعض حواشي الكتاب ما صورته : ينبغي أن تصلّي كلّ صلاة مرّتين أوّل الوقت وآخره ، لأنّه إن كان أحدهما حيضا صح الآخر.

قلت : جاز أن ينقطع الحيض في أثناء غسل الثانية فيفسد ، ويجب قضاؤها لإدراك قدر الطّهارة وركعة.

ولا يقال : يقدّر وقوع الثّانية حيث ينتهي الضيق فلا تجب الاولى ، لأنا نقول هذا يتم في الصّبح ، أما في الظّهرين والعشاءين فلا ، فإن نهاية الضيق أن تغتسل لكل من الصّلاتين مع كثرة الدّم ، وقد بقي من آخر الوقت قدر الطّهارة مرتين وخمس ركعات ، فيمكن الانقطاع في أثناء الغسل ، فيفسد ويجب قضاء الفريضة المؤداة به.

وفيها أيضا ما لفظه : أو نقول : إن صلّت دائما أول الوقت أو آخره قضت بعد كلّ أحد عشر صلاة مشتبهة ، وإن كانت تصلّي أوّله تارة وآخره اخرى قضت بعد أحد عشر صلاتين مشتبهتين.

قلت : قد بيّنا وجوب صلاتين في الفرض الأول لإمكان الانقطاع في أثناء‌

٣١١

وصوم جميع رمضان ، وقضاء أحد عشر على رأي ، وصوم يومين ـ أول وحادي عشر ـ قضاء عن يوم.

وعلى ما اخترناه تضيف إليهما الثاني والثاني عشر ،

______________________________________________________

الفريضة الثّانية ، فتفسد الصلاتان ويجب تداركهما.

وبيّنا في الفرض الثّاني وجوب ثلاث ، لإمكان طريانه في الفريضة الاولى ، وانقطاعه في الغسل لنظيرها ، فلا يستقيم ما ذكره.

وفي الفرض الثّالث وجوب أربع ، لإمكان طريانه في الفريضة الأولى فيفسد الفرضان ، ويجب قضاؤهما ، لإدراك قدر الطّهارة وفعلهما من أول الوقت ، وإمكان انقطاعه في أثناء الثّانية ، فيجب فعلهما لإدراك قدر الطّهارة وخمس ركعات ، وهذا الّذي ذكره يناسب مذهب العامة القائلين باختصاص كلّ صلاة بوقت لا تشاركها فيه الأخرى.

قوله : ( وقضاء أحد عشر على رأي ).

الإشارة بذلك إلى خلاف الشّيخ ـ رحمه‌الله ـ ، حيث أوجب قضاء عشرة لأنّها أكثر الحيض ، ولم يعتبر التشطير لأصالة عدمه (١) وحيث علم أن وجوب ذلك كله رعاية للاحتياط بحسب الممكن ، ظهر وجوب أحد عشر ، بل يجب قضاء أحد وعشرين ، لإمكان كون الحيض أول الشّهر وآخره مع التشطير.

قوله : ( وصوم يومين أول وحادي عشر قضاء عن يوم ، وعلى ما اخترناه تضيف إليهما الثّاني وثاني عشر ).

إذا أرادت هذه قضاء يوم ، فعند الشّيخ تصوم يومين ، أوّل وحادي عشر ، لعدم إمكان اجتماعهما في الحيض ، وهذا بناء على عدم اعتبار التشطير ، فأمّا على اعتباره ـ وهو الّذي أشار إليه المصنّف بقوله : ( وعلى ما اخترناه ... ) ـ فيجب أن تضيف إليهما يومين آخرين ، الثاني وثاني عشر الأوّل ، وحينئذ فيمتنع اجتماع الجميع في الحيض ، ولو بمراعاة التشطير ، لأن الحيض إن ابتدأ بالأوّل انتهى بالحادي عشر ،

__________________

(١) انظر النهاية : ٢٥.

٣١٢

ويجزئها عن الثاني والحادي عشر يوم واحد بعد الثاني وقبل الحادي عشر.

______________________________________________________

فصحّ ما بعده ، أو بالثاني صحّ الأول ، وإن انتهى في الأوّل وابتدأ في الحادي عشر صحّ الثّاني ، أو انتهى في الثّاني وابتدأ في الثاني عشر صحّ الحادي عشر ، وبهذا الطريق يمكن قضاء تسعة أيّام.

والعبارة عنه أن يقول : إذا أرادت قضاء صوم من يوم إلى تسعة صامت المقضي مرّتين ، ولاء أوّل الثّانية ثاني عشر أوّل الاولى ، وتصوم يومين بين المرتين متواليين أو متفرّقين ، متصلين بالمرتين ، أو بإحداهما ، أو منفصلين عنهما ، وعلى ذلك فتبرأ ذمتها ، لعدم إمكان اجتماع المرتين في الحيض ، ومهما فسد من أيام إحداهما صحّ بدله من أيام الأخرى ، أو من اليومين المتوسطين.

ولا تكفي المرّتان من دون المتوسّطين ، لإمكان انقطاع الحيض في نصف اليوم الأخير من المرة الاولى ، ويعود في نظيره ، كأن يكون عدد المقتضي مثلا خمسة فينقطع في الخامس ، ويعود في الخامس عشر ، فيفسد جميع أيام المرّتين ما عدا ثلاثة ، فيكمل بالمتوسّطين ، وإن أشكل عليك ذلك فعليك بمراجعة هذا الجدول ، وربّما يوجد على هذا المحلّ جدول لا يخلو من خلل ، يظهر خلله بصحيح التّأمل لما وصفناه وهذه صورته :

قوله : ( ويجزئها عن الثّاني والحادي عشر يوم واحد بعد الثّاني وقبل الحادي عشر ).

هذا إشارة إلى طريقة ثانية للقضاء بناء على مراعاة التّشطير ، وهي أقلّ تكليفا‌

٣١٣

______________________________________________________

من الاولى بيوم ، إلا أنّها أقل نفعا منها ، لأنها إنما تجزئ في قضاء أربعة أيام فما دون ، وتلك تجزئ في قضاء تسعة فما دونها ، وصورتها في قضاء يوم : أن تصوم الأوّل وثاني عشرة ، وتصوم بدل الثّاني والحادي عشر في الطريقة الأولى يوما واحدا ، تجعله بعد الثّاني وقبل الحادي عشر ، حذرا من اجتماع الجميع في الحيض.

والعبارة عن هذه أن نقول : إذا أرادت قضاء يوم فما زاد إلى أربعة قضته مرتين ، تزيد على أولاهما يوما ، وتفرقها أي تفريق شاءت في عشرة أيّام ، بحيث لا توالي بين يومين ، ولا تجعل المجموع في أزيد من عشرة ، ثم تصوم الثّانية متفرقة من غير زيادة ، تبدأ من ثاني عشر اليوم الأوّل ، أو من عاشر ثانيه ، وكذا تجعل كلّ يوم من أيام المرة الثّانية ثاني عشر. نظيره من المرة الأولى ، أو عاشر ما يلي النظير لا أزيد ، وإنما لم يجز التّوالي في المرتين ، أو في إحداهما لئلا ينقطع الحيض في آخر يوم ، ويبدأ في حادي عشر نظيره ، فيفسد الجميع.

ففي مثال الكتاب يمكن انتهاء الحيض في الثاني ، فيبتدئ في الثاني عشر ، فتفسد الأيّام الثلاثة ، وإنّما لم يصحّ من غير زيادة يوم لإمكان انقطاع الحيض على آخر العدد ، وعوده في نظيره ، فلا تحصل البراءة.

وإنما وجب كون النظير ثاني عشر نظيره ، أو عاشر ثانيه دون ما زاد على ذلك ، لأنّهما إن اجتمعا في الحيض أجزأ ما بعد الأول وما قبل الثّاني ، بخلاف ما لو جعل النّظير بعد عاشر ما يليه ، لإمكان انقطاع الحيض في اليوم الّذي يلي النّظير الأوّل وعوده في حادي عشر ، فتجتمع الثلاثة في الحيض.

وإنّما لم يصح بهذه الطريقة أزيد من قضاء أربعة ، لأن الطهر المقطوع به تسعة أيام ، فإذا وزّع عليها القضاء على الوجه السّابق امتنع أن يصحّ أزيد من ذلك ، وإن أردت أن يظهر لك ذلك بالعيان ، فعليك بمراجعة هذا الجدول فيه يظهر لك خلل الجدول الموضوع على هذا المحلّ في جميع صوره ما عدا الاولى ، وهذه صورته :

٣١٤

ح : إذا اعتادت مقادير مختلفة متّسقة ، ثم استحيضت رجعت الى نوبة ذلك الشهر ، فان نسيتها رجعت الى الأقل فالأقل إلى أن تنتهي إلى الطرف.

______________________________________________________

وأعلم ، أنّها لو أرادت قضاء غير الصّوم من العبادات ، كالصلاة ، أو فعل الطّواف لنفعها ما قدمناه من الضابط في ذلك.

ولو أراد زوجها طلاقها أوقعه في أوّل النّهار ، أي وقت شاء ، ثم في آخر حادي عشر لعدم إمكان اجتماعهما في الحيض ، وإذا طلقت انقضت عدّتها بثلاثة أشهر ، لأن الغالب الحيض في كل شهر ، ولا تكلف الصبر إلى سن اليأس من حيث احتمال تباعد الحيض ، للرواية الدالة على اعتبار السّابق من الأمرين : الأقراء والأشهر (١) ، ويحتمل انسحاب حكم المسترابة فيها لإمكانه.

قوله : ( لو اعتادت مقادير مختلفة متسقة ... ).

كما تثبت العادة في المقدار الواحد من العدد ، كذلك تثبت في المقادير المختلفة ، كثلاثة وخمسة وسبعة مثلا ، وذلك إذا كانت متسقة ـ أي منتظمة لا يختلف ترتيبها في الدّورين ـ بأن ترى العدد الأول في الدور الأوّل أوّل الدور الثّاني ، وكذا العدد الثّاني والثّالث.

ولا فرق بين أن تكون تلك المقادير جارية على ترتيب العدد ـ كما مثلنا ـ أو لا تكون ، كما إذا كانت ترى في شهر خمسة ثم ثلاثة ثمّ سبعة ، ثم تعود إلى الخمسة ثم الثّلاثة ثم السّبعة ، ولا فرق أيضا بين أن ترى كل واحد من المقادير مرّة ـ كما ذكرنا ـ أو مرتين كما إذا كانت ترى في شهرين ثلاثة ثلاثة ، ثم في شهرين خمسة خمسة ، وفي شهرين بعدهما سبعة سبعة ، ثم في الدّور الثّاني كذلك.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠٠ حديث ٩ ، التهذيب ٨ : ١١٨ حديث ٤٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٣٢٤ حديث ١١٥٣.

٣١٥

______________________________________________________

ووجه ثبوت العادة بذلك ، أن تعاقب الأقدار المختلفة لما اعتيد صار كالعدد والوقت المعتادين ، واندرج في عموم الأقراء.

ويحتمل العدم ، لأن كل واحد من المقادير ينسخ ما قبله ، ويخرجه عن الاعتبار خصوصا المتكررة ، فعلى الثّاني تعمل على التمييز ، ومع فقده فالرّوايات أو تحتاط ، وعلى الأوّل تجلس في كلّ شهر برؤية الدّم ، فان انقطع على العادة أو العشرة فذاك ، وإن عبرها فالعادة أعني نوبة الشّهر.

هذا إن ذكرتها ، فان نسيتها رجعت إلى أقل المحتملات عندها ، ثم الأقل الى أن ينتهي إلى طرف الأعداد ـ أعني أقلّها ـ فلو كانت مقاديرها ثلاثة ثم خمسة ثم سبعة ثم تسعة ، فقالت : لا أدري نوبة الشّهر خمسة أم سبعة؟ فإنّها تأخذ الخمسة ، لأنها الأقل ، ففي الثّاني هي متردّدة بين السّبعة والتسعة ، لأن نوبة الأوّل إن كانت السّبعة فما بعده تسعة ، وإن كانت خمسة فما بعده سبعة ، فتأخذها لأنّها الأقل ، وفي الثالث هي متردّدة بين التّسعة والثّلاثة فتأخذ الثّلاثة وعلى هذا ، ثم ما ذا تعمل في باقي الزمان إلى آخر العدد المحتمل؟ وجهان :

أحدهما : تحتاط بالجمع بين التكاليف الثلاثة إلى آخر المحتمل مصيرا إلى اليقين بحسب الإمكان.

والثاني : لا بل هي مستحاضة لأصالة البراءة مما عدا ذلك ، ولأن تلك هي العادة المعتبرة شرعا. ويحتمل القطع بوجوب الاحتياط هنا للجزم بإخلالها ببعض العادات في الجملة ، وكيف قلنا فلا بدّ من قضاء مقادير الدّور كلّها.

هذا إذا كانت المقادير تمر في الدّورين متسقة ، فان مرت مختلفة فلا عادة على الظاهر ، لعدم تكرر عدد منها

على الوجه المعتبر ، وقد تقدم في الكلام على المعتادة ميل المصنّف ، وشيخنا الشّهيد إلى اعتبار الأقل من المقدارين المختلفين ، فيجب انسحابه هنا ، وقد صرّح في الذّكرى بالثّلاثة (١).

__________________

(١) الذكرى : ٣٢.

٣١٦

الفصل الثاني : في الأحكام

تحرم على الحائض كل عبادة مشروطة بالطهارة ، كالصلاة ، والطواف ، ومس كتابة القرآن. ويكره حمله ولمس هامشه ، ولا يرتفع حدثها لو تطهّرت ، ولا يصح صومها ، ويحرم عليها الجلوس في المسجد ،

______________________________________________________

وفي التذكرة قال : جلست الأقل من كل شهر (١) ، والظاهر أنّه يريد الثلاثة أيضا ، وقد ينظر في ذلك إذا كانت الثلاثة أول المقادير ، لعدم اعتبار المتكرّر حينئذ ، إذ لو اعتبر لنسخ ما قبله لتكرره فيأتي هنا ، فعلى المختار تعمل على التّمييز ، ومع فقده فالرّوايات ، وقد تقدم تحقيق ذلك كلّه.

قوله : ( ومسّ كتابة القرآن ).

لا خلاف في تحريم مسّ كتابة القرآن على الحائض كالجنب ، وكذا يحرم مسّ اسم الله تعالى وأسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، والظّاهر أن اسم فاطمة عليها‌السلام كذلك ، وقد تقدم تحقيق ذلك.

قوله : ( ويحرم الجلوس في المسجد ).

تخصيص التّحريم بالجلوس يؤذن بأن غيره ليس بمحرم فيندرج فيه العبور ، وجوازه لها ، وللجنب مرويّ في حسنة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام بلفظ « مجتازين » (٢) ويفهم منه ومن الآية (٣) عدم جواز التردّد في المسجد لهما ، إذ معنى المجتاز وعابر السّبيل من يدخل من أحد البابين ويخرج من الآخر ، فيرد على عبارة الكتاب.

وهذا كلّه فيما عدا المسجدين ، أما هما فيحرم الدّخول إليهما مطلقا لما في حسنة محمّد بن مسلم : « ولا تقربان المسجدين الحرمين » (٤) ، وخالف في ذلك سلاّر ، حيث‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٢.

(٢) علل الشرائع ١ : ٢٨٨ حديث ١ باب ٢١٠.

(٣) النساء : ٤٣.

(٤) التهذيب ١ : ٣٧١ حديث ١١٣٢.

٣١٧

ويكره الجواز فيه ، ولو لم تأمن التلويث حرم أيضا ،

______________________________________________________

عدّه في التّروك المستحبّة ، ولم يفرق بين المسجدين ولا غيرهما (١).

قوله : ( ويكره الجواز فيه ).

قال المصنّف في المنتهى : قال الشّيخ في الخلاف : يكره لها الاجتياز في غير المسجدين ، ولم نقف فيه على حجة واباحه في غيره ، وهو اختيار المفيد ، والسّيد المرتضى (٢) ، واحتج على نفي الكراهة بعدم النّص (٣).

ثم احتمل كون سبب الكراهة إما جعل المسجد طريقا وإما الدّخول بالنجاسة إليه ، ولك أن تنظر في كلامه من وجهين.

أحدهما : انّ جعل المسجد طريقا إذا اقتضى كراهة الاجتياز وجب أن لا يخص بالحائض ، بل يعم كلّ مجتاز ، فلا وجه لتخصيصه بالحائض.

الثاني : ان إدخال النّجاسة إلى المسجد عنده حرام وان لم تتعد ، فكيف يكون سببا للكراهيّة؟ إلا أن يقال : هذا ممّا يستثني لورود النّصّ عليه ، ولكراهية الاجتياز.

قال في الذكرى : ولا بأس به وإن لم يكن له دليل قوي ، أما الجنب فلا يكره للآية (٤) ، ولم يذكره المصنّف.

فرع : لو اضطر إلى الكون في المسجد لابثا لنحو خوف من سبع أو لص بحيث لم يجد بدّا منه ، وتعذّر الغسل تيمّم وجلس الى أن تزول الضّرورة ، صرح به في المنتهى (٥) والظّاهر : أنه لو غلبه النّوم على وجه تعذر دفعه فلا حرج.

إما الحائض فلم يتعرض إليها ، وفيها إشكال ينشأ من تعذر الطّهارة منها ، فان قلنا به ـ وهو الظاهر ـ فهل تتيمّم؟ إشكال ينشأ من شرعية مثله للخروج من المسجدين ، ومن أنه على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النّص ، ولا فرق بين المسجدين وغيرهما.

__________________

(١) المراسم : ٤٢.

(٢) المنتهى ١ : ١١٠ ، وانظر : كتاب الخلاف ١ : ١١٣ مسألة ٢٠٦ ، والمقنعة : ٦.

(٣) المصدر السابق.

(٤) الذكرى : ٣٥.

(٥) المنتهى ١ : ١١٠.

٣١٨

وكذا يحرم على المستحاضة وذي السلس والمجروح الدخول ، والجواز أيضا في المسجد معه ، ويحرم قراءة العزائم وأبعاضها ، ويكره ما عداها ، ولو تلت السجدة أو استمعت سجدت.

ويحرم على زوجها ووطؤها قبلا ، فيعزّر لو تعمده عالما

______________________________________________________

قوله : ( وكذا يحرم على المستحاضة وذي السّلس والمجروح معه ).

أي : مع خوف التلويث ، ويفهم منه عدم تحريم إدخال النّجاسة إلى المسجد ، مع عدم خوف التلويث. وهو خلاف مذهب المصنّف ، ولا سبيل الى أن يقال : هذه أيضا يخرج بالنّصّ ، إذ لا نصّ على غير الحائض.

قوله : ( ولو تلت السجدة ، أو استمعت سجدت ).

خالف في ذلك الشّيخ ، فحرم عليها السّجود بناء على اشتراط الطّهارة في سجود التّلاوة (١) ، والمشهور خلافه ، وفي رواية أبي بصير عن الصّادق عليه‌السلام : « إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير طهر ، وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلّي » (٢) ، وهي صريحة في المدعى ، وقوله عليه‌السلام في خبر عبد الرّحمن ، في الحائض : « تقرأ ولا تسجد » (٣) محمول على السجدات المستحبة ، بدليل قوله : « تقرأ ».

واعلم أن تقييد المصنّف السّجود بالاستماع الّذي يكون معه الإصغاء ، يفهم منه عدم الوجوب بالسّماع ، وقد صرّح به في غير هذا الموضع ، وصرّح شيخنا الشّهيد بالوجوب (٤) ، وهو الأقرب ، وهو مروي في خبر أبي بصير السّابق ، وسيأتي تحقيقه في باب سجود التّلاوة ان شاء الله تعالى ، ولا يخفى أن مراد المصنّف بقوله : ( ولو تلت السّجدة أو استمعت سجدت ) الوجوب.

قوله : ( فيعزر لو تعمّد عالما ).

__________________

(١) النهاية : ٢٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩١ حديث ١١٧١ وفيه : ( على غير وضوء ).

(٣) التهذيب ١ : ٢٩٢ حديث ١١٧٢.

(٤) البيان : ٢٠.

٣١٩

______________________________________________________

أجمع علماء الإسلام على تحريم وطء الحائض قبلا ، وقطع في التّذكرة (١) بفسق الواطئ ، ولو استحلّه كفر قطعا ، لإنكاره ما علم من الدين ضرورة ، ما لم يدّع الشبهة الممكنة في حقّه ، فيجب تعزيره بما يراه الحاكم ، ويحكى عن أبي علي بن الشّيخ أبي جعفر رحمه‌الله تعزيره باثني عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني (٢) ولا نعرف المأخذ ، وإنّما بناء التعزيرات على عدم التّقدير ، إذ هي منوطة بنظر الحاكم ، إلا ما اختصّ بالنّص.

وهذا إذا كان عالما بالحيض ، متعمّدا للفعل ، فلو جهل الحيض فلا شي‌ء عليه ، ومثله ما لو نسيه ، وكذا لو جهل التحريم خاصّة أو نسيه لعموم قوله عليه‌السلام : « النّاس في سعة مما لم يعلموا » (٣) ، وقوله عليه‌السلام : « رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان » (٤).

ولو وطأ طاهرا فطرأ الحيض ، وجب النّزع حال العلم ، فان استدام تعلقت به الأحكام ، ويجب القبول من المرأة لو أخبرت بالحيض إن لم تتهم بتضيع حقّه ، لقوله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ) (٥) فلو لا وجوب القول لما حرم الكتمان.

وإن اشتبه الحال ، فان كان لتحيّرها فقد تقدم في أحكام المتحيرة ، وإن كان لغلبة ظن كذبها بالتهمة ، ففي الذكرى يجب اجتنابها (٦) ، وفيه نظر ، وصرّح المصنّف في التذكرة بعدمه (٧) ، وفي المنتهى أوجب الامتناع حالة الاستمرار مع الاشتباه (٨) ، محتجا بوجوب تغليب الحرام للاحتياط في الفروج.

فان كان يريد الاشتباه للتحير فقد تقدّم حكمه ، وإن كان لغيره ـ كما في الزائد‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٨.

(٢) ذكر القول السيد العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٧٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢٩٧ حديث ٢ ، التهذيب ٩ : ٩٩ حديث ٤٣٢ وما فيهما قريب وليس نصا.

(٤) الخصال ٢ : ٤١٧.

(٥) البقرة : ٢٢٨.

(٦) الذكرى : ٣٥.

(٧) التذكرة ١ : ٢٨.

(٨) المنتهى ١ : ١١٧.

٣٢٠