جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وواجباته : النيّة عند أول الاغتسال ، ويجوز تقديمها عند غسل الكفّين مستدامة الحكم الى آخره ، وغسل جميع البشرة بأقل اسمه بحيث يصل الماء الى منابت الشعر وإن كثف ، وتخليل كلّ ما لا يصل اليه الماء إلاّ به ، وتقديم الرأس ، ثم الجانب الأيمن ، ثم الأيسر ،

______________________________________________________

قوله : ( وواجباته : النّية عند أوّل الاغتسال ).

أي : مقارنة لأوله ، إمّا استحبابا ، كعند غسل الكفين كما سبق في الوضوء ، أو وجوبا مضيّقا ، وهو عند ابتداء غسل جزء من العضو الأوّل ـ أعني : الرأس والرقبة ـ وربما أطلق على المجموع الرأس تغليبا ، لأنّهما بمنزلة عضو واحد ، ولا ترتيب في نفس الأعضاء ، فلا حجر إذا نوى عند أي جزء كان من العضو الأوّل.

ويستفاد من قول المصنّف : ( ويجوز تقديمها عند غسل الكفين ) أن المراد بأول الاغتسال في العبارة أول الشّروع في غسل البدن ، وذكر المصنّف (١) وشيخنا الشّهيد (٢) ما حاصله أن استحباب غسل اليدين هنا غير مقيّد بما سبق في الوضوء.

قوله : ( بحيث يصل الماء إلى منابت الشّعر وان كثف ).

لأن الحكم هنا منوط بالبشرة ، أمّا الشّعر فلا يجب غسله إلاّ أن يتوقّف غسل البشرة عليه كما سيأتي.

قوله : ( وتخليل كل ما لا يصل إليه الماء إلاّ به ).

لو قال : وتخليل كلّ ما لا يصل الماء إلى البشرة إلاّ بتخليله كان أولى.

قوله : ( وتقديم الرأس ، ثم الجانب الأيمن ، ثم الأيسر ).

المراد بالرأس هنا : الرأس المعروف مع الرّقبة تغليبا ، ولا ريب أن الحدّ المشترك يجب غسله مع كلّ عضو من باب المقدّمة ، وما كان من الأعضاء متوسّطا بين الجانبين ـ وهو العورتان والسّرة ـ فلا ترجيح لغسله مع أحد الجانبين على الآخر ، بل يتخيّر المكلّف في غسله مع أي جانب شاء ، وغسله مع الجانبين أولى ، وليس من ذلك عظام الصّدر كما قد يتوهّم ، إذ ليست هذه أعضاء عرفا.

__________________

(١) قاله في المنتهى ١ : ٨٥.

(٢) الذكرى : ١٠٤.

٢٦١

فان نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب ، ولا ترتيب مع الارتماس وشبهه.

______________________________________________________

قوله : ( ولا ترتيب مع الارتماس وشبهه ).

شبه الارتماس : الاغتسال تحت المطر الغزير ، والميزاب ، ولا يعد ذلك ارتماسا ، لأن المراد به التغطي بالماء ، أخذا من الرمس ، الّذي هو التغطية والكتمان (١) ، وفي سقوط التّرتيب بهما معا خلاف بين الأصحاب ، أظهره السّقوط بالأوّل خاصّة ، لصحيحتي زرارة ، والحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة وحدة أجزأه ذلك من غسله » (٢).

وجه الاستدلال أن الارتماسة الواحدة عرفا لا تصدق مع المطر والميزاب ، وكذا مجرى الماء الضيق ، بخلاف نحو النّهر الواسع والحوض ، فإنّه يسقط التّرتيب بالارتماس فيه كما قلناه.

وقيل : يترتّب حكما ، ففسّر بوجوب اعتقاد المغتسل الترتيب ، وربما فسّر بأن الغسل يترتّب وإن لم يعتقده ، وتظهر فائدة التّفسيرين فيمن وجد لمعة لم تغسل ، فيعيد على الأوّل ، ويغسلها على الثّاني ، وفي ناذر الغسل مرتّبا فيبرأ بالارتماس على الثّاني دون الأوّل ، كذا قال في الذّكرى (٣).

وربّما توهم بعض الطّلبة ، إن الارتماس عبارة عن شمول الماء البدن كلّه في زمان واحد ، بحيث يحيط بالأسافل والأعالي جملة ، كما توهمه عبارة الألفيّة (٤) ، وليس بشي‌ء ، لأنّ المعتبر في الارتماس ما دلّ عليه الحديث ، وهو ارتماسة واحدة عرفا ، إذ لا يراد بالواحدة والدّفعة في أمثال ذلك إلا المعنى العرفي ، ولأن الارتماس شرّع تخفيفا كما يظهر من الأخبار (٥) ، وهذا المعنى مباين للتّخفيف مع تعذّره في بعض المكلّفين ، وعبارات الأصحاب مشحونة بما ينافيه.

وبالجملة فهو أهون من أن نتصدّى لرده ، فانّا لا نعلمه قولا لأحد من معتبري‌

__________________

(١) لسان العرب ( رمس ) ٦ : ١٠١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ١٤٨ حديث ٤٢٢ ، ٤٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ حديث ٤٢٤.

(٣) الذكرى : ١٠٢.

(٤) الألفية : ٣١.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣ حديث ٥ ، التهذيب ١ : ١٤٨ حديث ٤٢٢ ، ٤٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ حديث ٤٢٤.

٢٦٢

وفي وجوب الغسل لنفسه أو لغيره خلاف.

______________________________________________________

الأصحاب ، ولا يتوهّم دلالة شي‌ء من أصول المذهب عليه ، وإنّما الّذي يكفي المكلّف أن يقارن بالنيّة شيئا من البدن ، ثم يتبعه بالباقي منغمسا في الماء ، ثم تخلل ما لا بد من تخليله.

قوله : ( وفي وجوب الغسل لنفسه أو لغيره خلاف ).

طال التّشاجر بين متأخري الأصحاب في أن غسل الجنابة هل هو واجب لنفسه ، بمعنى أن حصول الجنابة كاف في وجوبه ، أم وجوبه كغيره من الطهارات يتوقّف على وجوب الغاية الّتي تطلب لأجلها؟ فقال المصنّف (١) وجماعة (٢) : بالوجوب ، وقال المحقّق (٣) وجماعة (٤) : بالثاني.

والّذي يقتضيه النّظر ، أنّ الطّهارة لم تطلب عند الشّارع إلاّ للعبادة المشروطة بها ، كما ترشد إليه الآية في تصديرها بقوله جل اسمه : ( إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا ) (٥).

ويشهد له إطباق الأصحاب على ذلك في باقي الطّهارات ، وقطع النّظر عن جميع النظائر بمجرّد الحجج المحتملة بعيد عن انظار الفقهاء ، ومن ثم قال المحقّق في المسائل المصرية : إخراج غسل الجنابة من دون ذلك تحكم بارد. ومما يؤيد ذلك ، أن تضيّق وجوب الغسل وتوسعته دائر مع تضيّق وقت تلك الغايات وتوسعته ، فإنه يشعر بأن وجوبها هو منشأ وجوبه.

وأمّا الدّلائل من الجانبين ، فمرجعها من جانب أصحاب القول الأوّل إلى تعليق الأمر بالغسل على حصول الجنابة ، في مثل قوله عليه‌السلام : « إنّما الماء من الماء » (٦) ، وقوله عليه‌السلام : « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل » (٧) ، وقوله تعالى : ( وَإِنْ

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢٩ ، منتهى المطلب ١ : ٩٣.

(٢) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٤٣ ، وولد المصنف في إيضاح الفوائد ١ : ٤٧.

(٣) المعتبر ١ : ١٧٧ ، شرائع الإسلام ١ : ١١.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٦.

(٥) المائدة : ٦.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ حديث ٨٠ ـ ٨١ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ باب ١١٠ ، سنن ابي داود ١ : ٥٥ باب ٨٣.

(٧) الكافي ٣ : ٤٦ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ١١٨ حديث ٣١١ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ حديث ٣٥٩.

٢٦٣

وتستحب المضمضة ، والاستنشاق ، والغسل بصاع ، وإمرار اليد على الجسد ، وتخليل ما يصل إليه الماء.

______________________________________________________

كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (١).

( وربّما احتج بأن ( الفاء ) تقتضي التعقيب ، كما وقع للشارح ولد المصنّف (٢) ، وهو مردود ، لأن المقتضي لذلك هو الفاء العاطفة ، لا الواقعة في جواب الشرط ) (٣). ومن جانب أصحاب القول الثاني ، إلى استفادة تعليق الوجوب بوجوب الغاية من التعاطف الواقع في الآية ، فإن الشّرط المتقدّم على الجملة يعمّها ، خصوصا مع القطع بإرادته في السّابق واللاحق ، ومفهوم الشرط حجّة عند الأكثر ، ومن مفهوم قوله عليه‌السلام : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصّلاة » (٤).

وممّا يومئ إليه قول أبي عبد الله عليه‌السلام وقد سئل عن المرأة الجنب يأتيها الحيض أتغتسل؟ : « قد جاء ما يفسد الصلاة فلا تغتسل » (٥).

والحقّ أن الدلائل من الجانبين متقاربة ، ونرجح الثّاني بما ذكرناه من المؤيدات منضما إلى أصل البراءة المقتضي لعدم الوجوب قبل الوقت ، على أن الإطلاقات الواقعة في الأحاديث الأولى معارضة بالإطلاقات في غير الجنابة ، مثل قوله عليه‌السلام : « فمن نام فليتوضأ » (٦) ، قال في الذّكرى : الأصل في ذلك انّه لما كثر علم الاشتراط أطلق الوجوب وغلب في الاستعمال (٧) فعلى هذا المفتي به هو القول الثاني.

وتظهر فائدة القولين فيما إذا اغتسل بري‌ء الذمّة من مشروط بالغسل ، فإنه ينوي الوجوب على الأوّل ، والندب على الثاني.

قوله : ( وإمرار اليد على الجسد ).

أي : دلكه ، وقيل بوجوبه ، وهو ضعيف.

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٧.

(٣) ما بين الهلالين ساقط من نسخة « ع ».

(٤) الفقيه ١ : ٢٢ حديث ٦٧.

(٥) الكافي ٣ : ٨٣ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٣٧٠ حديث ١١٢٨.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ١٦١ حديث ٤٧٧ ، مسند أحمد ١ : ١١١ ، سنن البيهقي ١ : ١١٨ ، وفي جميع المصادر : ( العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ ).

(٧) الذكرى : ٢٣.

٢٦٤

والاستبراء للرجل المنزل بالبول ، فان تعذّر مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ، ومنه الى رأسه كذلك ، وينتره ثلاثا.

الفصل الثاني : في الأحكام

يحرم على الجنب قبل الغسل الجلوس في المساجد ،

______________________________________________________

قوله : ( والاستبراء للرّجل المنزل بالبول ).

احترز بالرّجل عن المرأة ، فلا استبراء عليها على الأصحّ ، لعدم اتحاد مخرج البول والمني بالنّسبة إليها ، وبالمنزل عن غيره ، فلا يتعلق به ذلك الحكم ، لأن البول لإخراج بقايا المني التي في المخرج.

إذا تقرر ذلك ، فقد قال جمع من الأصحاب بالوجوب (١) وهو أحوط ، لأن فيه محافظة على الغسل من جريان المبطل عليه ، وموافقة لقول معظم الأصحاب.

قوله : ( فان تعذّر ... ).

يشهد لهذا الأخبار الدالة على الاجتزاء بالاجتهاد (٢) في عدم إعادة الغسل ، فقد نزّلها جمع من الأصحاب (٣) على ما إذا لم يتأتّ البول للمغتسل ، جمعا بينها وبين غيرها.

قوله : ( الفصل الثاني في الأحكام : يحرم على الجنب قبل الغسل الجلوس في المساجد ).

قيل : قوله : ( قبل الغسل ) مستدرك ، وأجيب بأمور :

الأول : أقواها انّه جنب بعد الغسل حقيقة عندنا ، والتّحريم إنّما هو قبله.

الثّاني : إنّه يعلم ما يستباح بالغسل ، فيجوز أن ينوي.

الثّالث : بقاء التّحريم ما بقي جزء بغير غسل.

ويرده إن المتبادر من قوله : ( قبل الغسل ) ما قبل الإتيان بشي‌ء منه ، فيفهم منه زواله بالشّروع فيه ، ولو سلّم دلالته على ما قبل إتمامه فهما متصادقان ، فجمعهما لا فائدة فيه.

__________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٩ ، والاستبصار ١ : ١١٨ باب ٧٢ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٢ ، وسلاّر في المراسم : ٣١.

(٢) انظر : التهذيب ١ : ١٤٥ حديث ٤١١ ـ ٤١٢ ، الاستبصار ١ : ١١٩ حديث ٤٠٤ ـ ٤٠٥.

(٣) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥ وسلاّر في المراسم : ٣٢.

٢٦٥

ووضع شي‌ء فيها ، والاجتياز في المسجد الحرام ومسجد النبي عليه‌السلام.

ولو أجنب فيهما تيمّم واجبا للخروج منهما ، ويجب أن يقصد أقرب الأبواب اليه.

ويحرم عليه قراءة العزائم وأبعاضها حتى البسملة إذا نواها منها ،

______________________________________________________

وقوله : ( الجلوس في المساجد ) كان ينبغي أن يقول : اللّبث في المساجد مطلقا ، لأن التحريم ليس مقصورا على الجلوس فيها ، والظاهر أنّه يلحق باللبث التردد في المسجد ، لأن الجواز مقصور على الاجتياز في غير المسجدين ، والتردد لا يعدّ اجتيازا.

قوله : ( ووضع شي‌ء فيها ).

أي : في المساجد ، وهو أصح القولين ، لورود النّص بالمنع منه (١) ، وقيل : انّه مكروه (٢) ، وقيل : إنّما يحرم إذا استلزم اللبث (٣) ، وهو في الحقيقة راجع الى عدم تحريم الوضع.

قوله : ( ويجب أن يقصد أقرب الأبواب إليه ).

المراد به : بعد التيمّم ، فلو كان التراب في موضع آخر بعيد عن الباب ، فالظاهر أنّه يتيمّم به ويخرج ، لإطلاق النّصّ بالتيمّم (٤).

قوله : ( ويحرم عليه قراءة العزائم وأبعاضها ، حتّى البسملة إذا نواها منها ).

البعض المقروء إما أن يكون بعضا لا يعدّ إلا من العزيمة ، لانتفاء مشاركتها غيرها في ذلك البعض ، أو لا يكون كذلك ، وعلى التّقديرين فامّا أن ينوي به كونه من العزيمة ، أو ينوي عدم كونه منها ، أو لا ينوي شيئا ، فهذه صور ست.

فمع النية للعزيمة يحرم مطلقا ، ومع نيّة غيرها أو عدم النية بالكلّية لا يحرم المشترك ، أمّا غيره فيحرم في الثّاني للصدق ، وفي الأوّل تردّد ينظر فيه الى أن القرآن‌

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ٢٨٨ باب ٢١٠ حديث ١.

(٢) القائل سلاّر في المراسم : ٤٢.

(٣) قاله ابن فهد في المقتصر في شرح المختصر ، كما في مفتاح الكرامة ١ : ٣٢٤.

(٤) الكافي ٣ : ٧٣ حديث ١٤ ، التهذيب ١ : ٤٠٧ حديث ١٢٨٠.

٢٦٦

ومسّ كتابة القرآن ، وما عليه اسم الله تعالى أو أسماء الأنبياء أو الأئمة عليهم‌السلام ،

______________________________________________________

يخرج عن كونه قرآنا بالنيّة ، وسيأتي مثله ـ ان شاء الله تعالى ـ في باب التكلم بالقرآن في الصّلاة لإفهام الغير.

فرع : لو تكلم ببعض كلمة من العزيمة ناويا ذلك ، فان عرض له في خلال النّطق بها سكوت وقد أراد النّطق بها فلا شبهة في التّحريم ، أمّا لو قصد النّطق بالبعض ففي تحريمه تردد من أنّه بعض للقرآن فيحرم ، ومن إمكان القدح في كونه بعضا ، لأن بعضيته للقرآن إنّما هو حال كونه بعض الكلمة ، وذلك غير متحقّق في الفرض.

قوله : ( ومسّ كتابة القرآن ).

المراد بكتابة القرآن : صور الحروف ، ومنه نحو التّشديد ، والمدّ ، وهل الاعراب كذلك؟ فيه وجهان. وهل المراد بصور الحروف مطلق رقومها أم الرّقوم المقرّرة في رسم المصحف ، وفي علم الخطّ ، حتّى لو كان شي‌ء يكتب بالألف فكتب بغيره ، أو بالعكس ، أو كان حرف لا يكتب أصلا فكتب لا يحرم مسه؟ وجهان أيضا.

ويعرف كون المكتوب قرآنا أو اسم الله أو نبي أو إمام بكونه لا يحتمل إلاّ ذلك كآية الكرسي ونحو ذلك ، وبالنيّة ، وإن كان المكتوب مع قطع النّظر عن النيّة محتملا. وإن انتفى الأمران واحتمل فلا تحريم.

ثم المراد بالمسّ : الملاقاة بجزء من البشرة ، أمّا الشّعر والسن فلا ، لعدم صدق اسم المس عليها عرفا ، وفي الظفر تردد.

قوله : ( وما عليه اسمه تعالى ).

على ظاهر العبارة مؤاخذة ، لأن الحرام مس اسمه تعالى لا مسّ ما عليه الاسم ، وإن كان ظاهر الرّواية كذلك (١) ، إذ لو حرم يحرم مسّ ما عليه القرآن بطريق أولى ، وأصحابنا لا يقولون به.

وتلحق به أسماء الأنبياء ، والأئمة عليهم‌السلام عند الأكثر (٢) ، والمصنّف في‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٢٦ حديث ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ١١٣ حديث ٣٧٤.

(٢) منهم : بن حمزة في الوسيلة : ٤٥ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٣٤ ، والشهيد في اللمعة : ٢٠.

٢٦٧

ويكره الأكل والشرب إلاّ بعد المضمضة والاستنشاق ، والنوم إلاّ بعد الوضوء ، والخضاب

______________________________________________________

المنتهى بعد أن حكى عن الشّيخين التحريم ، قال : إنّه لم نجد به حديثا مرويّا (١) ، فمال إلى الكراهية ، والتّحريم أظهر ، لأن للاسم حظّا من المسمّى ، ولمناسبة التّعظيم ، ولموافقة كبراء الأصحاب.

قوله : ( والأكل والشّرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق ).

لورود النهي عنهما قبل ذلك (٢) ، قال ابن بابويه : إنّه يخاف عليه البرص (٣) قال : وروي « إن الأكل على الجنابة يورث الفقر » (٤) ، وفي بعض الأخبار النّهي عنهما ما لم يتوضّأ (٥) ، وفي صحيح زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام غسل اليدين والمضمضة والوجه ، ثم يأكل ويشرب (٦) ، وفي حديث عن أبي عبد الله عليه‌السلام الأمر بغسل يده ، وأن الوضوء أفضل (٧) ، والظّاهر أنّه لهذا الاختلاف قال المحقّق في الشّرائع : وتخف الكراهية بالمضمضة والاستنشاق (٨) ، وظاهر كلام الأكثر أنها تزول ، ولا بأس به ، وما زاد في الأخبار منزّل على الأفضل.

وينبغي أن يراعى في الاعتداد بهما عدم تراخي الأكل والشّرب عنهما كثيرا في العادة ، بحيث لا يبقى بينهما ارتباط عادة ، وتعدد الأكل والشّرب ، واختلاف المأكول والمشروب لا يقتضي التعدد إلا مع تراخي الزمان ، لصدق الأكل والشّرب على المتعدّد ، باعتبار كونهما مصدرين.

قوله : ( والخضاب ).

الخضاب : ما يتلوّن به من حناء وغيره ، وقد اختلفت الأخبار في الخضاب‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٨٧ ، وانظر المبسوط ١ : ٢٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠ حديث ١ ، ١٢ ، التهذيب ١ : ١٢٩ حديث ٣٥٤ ، ٣٥٧ وللمزيد راجع الوسائل ١ : ٤٩٥ باب ٢٠.

(٣) الفقيه ١ : ٤٧.

(٤) الفقيه ١ : ٤٧ حديث ١٧٨.

(٥) الفقيه ١ : ٤٧ حديث ١٨١.

(٦) الكافي ٣ : ٥٠ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١٢٩ حديث ٣٥٤.

(٧) التهذيب ١ : ٣٧٢ حديث ١١٣٧.

(٨) شرائع الإسلام ١ : ٢٧.

٢٦٨

وقراءة ما زاد على سبع آيات ، وتشتدّ الكراهية فيما زاد على سبعين ، وتحرم التولية اختيارا.

وتكره الاستعانة ، ويجوز أخذ ماله في المسجد ، والجواز فيه.

______________________________________________________

للجنب ، ففي بعضها النّهي عنه (١) ، وفي بعض نفي البأس عنه (٢) ، فالجمع بينهما بالكراهية متعيّن ، لئلا يطرح شي‌ء منها.

وكذا يكره للمختضب أن يجنب ما لم يأخذ الخضاب مأخذه ، فإن أخذ مأخذه فلا بأس ، وقد وقع التّصريح بالحكمين في بعض الأخبار (٣).

قوله : ( وقراءة ما زاد على سبع آيات ).

حكى في الذّكرى عن ابن البرّاج أنه منع من قراءة ما زاد على سبع آيات ، قال : وعن سلاّر في الأبواب تحريم القراءة مطلقا (٤) ، واحتاط في المبسوط بمنع ما زاد على سبع آيات أو سبعين (٥) ، لروايتي زرعة وسماعة (٦) ، وهما ضعيفتان بالقطع ، وبأن زرعة وسماعة واقفيان ، والمعتمد جواز ما عدا العزائم ، وكراهة ما زاد على سبع ، والظاهر أن تكرير السّبع غير مكروه ، ولا فرق بين الآي الطّويلة والقصيرة.

قوله : ( وتكره الاستعانة ).

المراد بها : طلب المعونة على إيجاد حقيقة الغسل ، بنحو صبّ الماء لا بنحو إحضاره.

قوله : ( ويجوز أخذ ماله في المسجد ).

تدلّ عليه صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٨١ حديث ٥١٨ ، ٥١٩ ، الاستبصار ١ : ١١٦ حديث ٣٨٦ ، ٣٨٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥١ حديث ٩ ، ١٢ ، التهذيب ١ : ١٨٢ ، ١٨٣ حديث ٥٢٤ ، ٥٢٥ ، الاستبصار ١ : ١١٦ حديث ٣٨٩ ، ٣٩٠.

(٣) دل على الحكم الأول ما في التهذيب ١ : ١٨١ حديث ٥١٨ ، الاستبصار ١ : ١١٦ حديث ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ودل على الثاني ما في الكافي ٣ : ٥١ حديث ٩ ، ١٢ ، التهذيب ١ : ١٨٢ ، ١٨٣ حديث ٥٢٤ ، ٥٢٥ ، الاستبصار ١ : ١١٦ حديث ٣٨٩ ، ٣٩٠.

(٤) الذكرى : ٣٤ ، وانظر : المهذب ١ : ٣٤.

(٥) المبسوط ١ : ٢٩.

(٦) التهذيب ١ : ١٢٨ حديث ٣٥٠ ، ٣٥١ ، الاستبصار ١ : ١١٤ حديث ٣٨٣.

٢٦٩

فروع :

أ : الكافر المجنب يجب عليه الغسل ، وشرط صحته الإسلام ، ولا يسقط بإسلامه ، ولا عن المرتد. ولو ارتد المسلم بعد غسله لم يبطل.

ب : يحرم مس المنسوخ حكمه خاصة دون المنسوخ تلاوته خاصة.

______________________________________________________

عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه ، قال : « نعم ، ولكن لا يضعان في المسجد شيئا » (١).

قوله : ( الكافر المجنب يجب عليه الغسل ، وشرط صحته الإسلام ، ولا يسقط بإسلامه ، ولا عن المرتد ).

وجوب الغسل على الكافر الأصلي كغيره ، وكذا سائر التّكليفات ، فإذا أسلم سقط عنه أحكام التّكليف مثل الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والكفّارات ، أمّا نحو النّجاسة والحدث الأكبر والأصغر ، فان مانعيتها باقية لوجود المانع ، والإسلام إنّما يسقط نحو ما ذكرناه ، فيخاطب بالغسل والوضوء وإزالة النّجاسة لما يتجدد من الصّلاة.

فلو أسلم في غير وقت صلاة لم يكن عليه شي‌ء من ذلك ، لأن الغسل والوضوء والإزالة لا يجب شي‌ء منها في نفسه ، وعلى ما يراه المصنّف من أنّ غسل الجنابة واجب لنفسه يتخرج الوجوب ، ولا يسقط بإسلامه ، لوجود المقتضي له وهو الحدث في كلّ زمان ، إلى أن يحصل الرافع له. ولو اتفق إسلامه في وقت الصّلاة فوجوب الغسل والصّلاة ثابت في حقّه على القولين.

أمّا المرتد فانّ تكليفه في حال ردّته وبعد عوده إلى الإسلام بحاله ، لأنه مأخوذ بأحكام الإسلام على كلّ حال ، سواء كانت ردّته عن فطرة ، أو ملّة.

قوله : ( يحرم مسّ المنسوخ حكمه خاصّة ، دون المنسوخ تلاوته خاصّة ).

التقييد بـ « خاصّة » في المسألتين يقتضي أن تكون الصور ثلاثا ، واعتبار النّسخ يعشر بصورة رابعة : المنسوخ حكمه وتلاوته ، المنسوخ حكمه دون تلاوته ، وعكسه ، ما لم ينسخ حكمه ولا تلاوته.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١ حديث ٨ ، التهذيب ١ : ١٢٥ حديث ٣٣٩.

٢٧٠

ج : لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لم يلتفت إن كان قد بال أو استبرأ ، وإلاّ أعاد الغسل دون الصلاة الواقعة قبل الوجدان.

______________________________________________________

فأمّا المنسوخ حكمه وتلاوته ، كما روي عن عائشة ، أنّه كان في القرآن عشر رضعات محرمات فنسخت (١) ، فلا يحرم مسّه ، وكذا المنسوخ تلاوته دون حكمه ، كآية الشّيخ والشّيخة ، وهي : الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم (٢) ، فإنّ حكمها باق وهو وجوب الرّجم إذا كانا محصنين.

ويوشك أن يكون بعض ما روي من قراءة ابن مسعود من هذا النّوع ، وإنّما لم يحرم مسّ هذين لأن تحريم المسّ تابع للاسم ، وقد خرجا بنسخ التّلاوة عنه ، فيبقى على الأصل.

وأمّا المنسوخ حكمه دون تلاوته فكثير ، مثل آية الصّدقة (٣) ، وآية وجوب ثبات عشرين لمائتين (٤) ونحو ذلك ، وتحريم المسّ هنا لصدق اسم القرآن المقتضي له.

واعلم أن « خاصة » في الجملتين منصوب على الحال من حكمه وتلاوته ، وإن كان ظاهر اللّفظ قد يوهم كون صاحبه هو المنسوخ فيهما ، وهو باطل لتنافي معنى الجملتين حينئذ ، ولفساد المعنى ، ولو وصل هذا بتحريم مسّ القرآن المذكور أولا فقال : ويحرم مسّ كتابة القرآن وإن نسخ حكمه ، لا إن نسخت تلاوته ، لكان أخصر وأحسن وأبعد عن الوهم.

قوله : ( لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لم يلتفت إن كان قد بال أو استبرأ ، وإلا أعاد الغسل دون الصلاة الواقعة قبل الوجدان ).

قد يسأل عن مرجع الضّمير في ( وجد ) فيجاب بعدم وجود مرجع صريح ، لكن السياق يقتضي عوده إلى المغتسل أو المجنب ، لأنّه المحدّث عنه ولا يستقيم ، لأن هذا الحكم إنّما هو للمنزل دون غيره ، فإنّه مع اشتباه الخارج لا غسل عليه قطعا.

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠٧٥ حديث ٢٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٢٣ حديث ٢٠٦٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٠٩ باب ٣ من الرضاع ، الموطأ ٢ : ٦٠٨ حديث ١٧ من الرضاع ، سنن الدارمي ٢ : ١٥٧ باب كم رضعة تحرّم.

(٢) رواها الحاكم في مستدركه ٤ : ٣٦٠ ، وحكاها السيوطي في الإتقان ٣ : ٨٦.

(٣) المجادلة : ١٢.

(٤) الأنفال : ٦٥.

٢٧١

______________________________________________________

ويمكن أن يجاب بأن ذكر الاستبراء يعيّن كون المراد المنزل ، لما أسلفه من اختصاص الاستبراء به ، وحينئذ فالمغتسل ـ وقد أنزل ـ لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لا يلتفت إن كان قد بال واستبرأ ، فلا يجب عليه إعادة الغسل ، ولا فعل الوضوء اتفاقا ، لانتفاء المقتضي ، ولما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام بعدّة طرق من عدم إعادة الغسل لمن بال قبله (١).

وما روي من أن البلل المشتبه بعد الاستبراء لا يكون بولا ينفي الوضوء (٢) ، ولو انتفى الأمران أعاد الغسل ، لأن الظاهر أن الخارج مني ، إذ الغالب تخلّف أجزاء منه في المخرج ، وظاهر أن خروجه موجب للغسل ، وتدلّ عليه عدّة أخبار (٣).

وفي بعض الأخبار الاكتفاء بالوضوء (٤) ، ويظهر من كلام الصّدوق اختياره (٥) ، ويشكل بأنّ الظاهر أن الخارج منيّ ، وجميع الأصحاب على خلافه ، وفي بعضها إطلاق عدم الإعادة (٦) ، وحملها الأصحاب على من تعذّر منه البول فاجتهد ، وفي بعضها عدم إعادة النّاسي (٧) ، واحتمله الشّيخ (٨) وهو مشكل ، فإن الأسباب لا يفترق فيها النّاسي والعامد.

ولو بال ولم يجتهد فعليه الوضوء ، لأن البول يدفع أجزاء المني المتخلّفة فيزول احتماله ، بخلاف بقايا البول ، وقد رواه معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٩) ، ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (١٠). ولو اجتهد ولم يبل ، فان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩ حديث ٢ ، الفقيه ١ : ٤٧ حديث ١٨٦ ، التهذيب ١ : ١٤٣ حديث ٤٠٥ ، ٤٠٨ وللمزيد راجع الوسائل ١ : ٥١٧ باب ٣٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ١٤٣ ، ١٤٤ حديث ٤٠٥ ـ ٤٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١٩ حديث ٤٠٠ ـ ٤٠٣.

(٣) الكافي ٣ : ١٩ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٢٧ حديث ٧٠ ، ٧١.

(٤) الكافي ١ : ٤٩ حديث ٤ ، الفقيه ١ : ٤٧ حديث ١٨٦ ، ١٨٧ ، التهذيب ١ : ١٤٤ حديث ٤٠٦ ، ٤٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١٨ باب وجوب الاستبراء.

(٥) المقنع : ١٣.

(٦) التهذيب ١ : ١٤٥ حديث ٤١١ ، ٤١٢ ، الاستبصار ١ : ١١٩ حديث ٤٠٤ ، ٤٠٥.

(٧) التهذيب ١ : ١٤٥ حديث ٤٠٩ ، ٤١٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٠ حديث ٤٠٦ ، ٤٠٧.

(٨) التهذيب ١ : ١٤٥.

(٩) التهذيب ١ : ١٤٤ حديث ٤٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١٩ حديث ٤٠٣.

(١٠) التهذيب ١ : ١٤٤ حديث ٤٠٧ ، الاستبصار ١ : ١١٩ حديث ٤٠٢.

٢٧٢

______________________________________________________

كان متمكّنا من البول أعاد الغسل قطعا ، وإلاّ فوجهان :

أحدهما : الإعادة ، لعدم تأثير الاجتهاد في إخراج أجزاء المني المتخلّفة ، وعموم الأخبار بإعادة من لم يبل (١) ، وعدم إمكان البول لا يزيل حكم الخارج.

والثّاني : عدم إعادة واحد من الوضوء والغسل ، لعدم العلم بكون الخارج منيّا ، وأصالة البراءة ، وإيجاب الإعادة فيما تقدم للدّليل لا يقتضي الوجوب هنا ولفتوى الأصحاب ، وحملهم ما ورد من عدم إعادة من لم يبل على من تعذّر منه البول ، وهو الأظهر ، وبه أفتى شيخنا (٢) ، ويلوح من عبارة المصنّف هنا ، حيث قال : ( والاستبراء بالبول فان تعذّر مسح ... ) وتوقف في المنتهى (٣).

إذا تقرّر ذلك ، فتقييد المصنّف البلل بكونه مشتبها يحترز به عن المعلوم كونه منيّا فيجب الغسل ، أو بولا فيجب الوضوء ، أو غيرهما فلا شي‌ء في جميع الأحوال.

وقوله : ( لم يلتفت ) إن حمل على عدم إعادة الغسل بالعناية ـ أي : لم يعد الغسل إن كان قد بال ـ صحت العبارة ، وإن لم تكن دالة على إعادة الوضوء بترك الاستبراء ، إلاّ أن يقال : قد علم هذا ممّا سبق في باب الاستنجاء.

وكذا قوله : ( أو استبرأ ) إذا حمل على تعذر البول ـ كما يشعر به ما تقدم من كلامه في الاستبراء بالبول ـ لم يبق على العبارة مؤاخذة ، إذ التّقدير حينئذ : لو وجد بللا مشتبها لم يعد الغسل إن كان قد بال ، أو استبرأ مع تعذر البول ، وإعادة الوضوء في الأوّل دون الثّاني معلومة ممّا سبق ، ولو بال واستبرأ فلا شي‌ء بطريق أولى.

وقوله : ( وإلاّ أعاد الغسل ) معناه : لو لم يبل ولم يستبرئ عند تعذر البول ، أو استبرأ مع إمكانه أعاد الغسل.

وقوله : ( دون الصّلاة الواقعة قبل الوجدان ).

إشارة إلى أن الخارج حدث جديد ، لأن انتقال المني عن محله الأصلي غير‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩ ، الفقيه ١ : ٤٧ حديث ١٨٦ ، ١٨٧ ، التهذيب ١ : ١٤٣ حديث ٤٠٥ ، ٤٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١٨ باب وجوب الاستبراء.

(٢) الذكرى : ١٠٣.

(٣) المنتهى ١ : ٩١ ـ ٩٢.

٢٧٣

د : لا موالاة هنا : نعم يشترط عدم تجدد حدث أكبر أو أصغر ، فإن تجدد أحدهما في الأثناء أعاد فيهما على الأقوى.

______________________________________________________

موجب للغسل عندنا وإن صار في الا حليل ، إنّما الحدث خروجه كسائر الأحداث سواء الرّجل والمرأة ، ونقل بعض علمائنا القول بوجوب إعادة الصّلاة أيضا (١) ، وهو مذكور في حديث محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرّجل يخرج بعد ما اغتسل من إحليله شي‌ء قال : « يغتسل ويعيد الصّلاة » (٢) ، وهو منزل على وقوع الصّلاة بعده ، توفيقا بينه وبين غيره.

قوله : ( لا موالاة هنا ).

أي : بمعنييها السابقين في الوضوء ، أعني المتابعة ومراعاة الجفاف ، وهو مذهب جميع الأصحاب ، ورواه في الكافي والتّهذيب عن علي عليه‌السلام (٣) وهذا بالنظر إلى نفس الغسل ، أما إذا حصل مقتض لوجوبها فإنّها تجب ، كما إذا نذرها فانّ نذرها ينعقد لاستحبابها ، وكذا لو ضاق الوقت ، أو توقع فقد الماء إذا كان الغسل واجبا لاشتغال الذمة بمشروط به عندنا ، ومطلقا عند آخرين.

وهل تجب إذا خاف فجأة الحدث كما في السلس والمبطون؟ يبني على وجوب الإعادة بتخلل الحدث الأصغر ، وسيأتي تحقيقه ، أما إذا خاف فجأة الأكبر ، فتجب محافظة على سلامة العمل من الابطال مع احتمال العدم ، إذ الإبطال غير مستند إليه ، نعم يجب الاستئناف.

ولو كان الحدث الأكبر مستمرا اشترط لصحة الغسل الاتباع ، لعدم العفو عمّا سوى القدر الضّروري ، وكذا القول في الوضوء.

قوله : ( نعم ، يشترط عدم تخلل حدث أكبر أو أصغر ، فإن تجدد أحدهما في الأثناء أعاد فيهما على الأقوى ).

الخلاف إنما هو في تخلل الأصغر ، إذ لا كلام في أن تخلل الأكبر موجب‌

__________________

(١) نقله ابن إدريس في السرائر : ٢٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٤ حديث ٤٠٧ ، الاستبصار ١ : ١١٩ حديث ٤٠٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤ حديث ٨ ، والتهذيب ١ : ١٣٤ حديث ٣٧٢.

٢٧٤

______________________________________________________

للغسل ، إلا أنّه إذا اختلف في بعض المجموع فقد اختلف في المجموع من حيث المجموعيّة.

واعلم أن قوله سابقا : ( لا موالاة هنا ) لما أشعر بجواز تخلل ما ليس من أفعال الغسل بينها ، استثنى من ذلك تخلل الحدث بقوله : ( نعم يشترط ... ) ، فان « نعم » في مثل هذا التركيب تفيد معنى الاستدراك والاستثناء بحسب الاستعمال ، وللأصحاب في وقوع الحدث الأصغر خلال الغسل ثلاثة أقوال :

أحدها : الإعادة ، ذهب إليه المصنّف ، وجماعة من الأصحاب (١) ، محتجين بأن الأصغر لو وقع بعد الغسل بكماله أبطله ، فأبعاضه أولى بالبطلان فيعيده ، ومعلوم بطلان الأولى ، فإن الغسل لا يبطل بالحدث ، وإنّما تزول الإباحة فيجب للطهارة الصّغرى ، ولو بطل لوجبت إعادته ، والمنع متوجّه إلى الثّانية ، إذ من جملتها محل النزاع ، ولو سلمت فاللازم هو فعل الوضوء لا الإعادة.

واحتج الشّارح بأنه قد أبطل تأثير ذلك البعض في الإباحة ، وكلما أبطل تأثيره في الإباحة أبطل تأثيره في رفع الحدث (٢) وليس بشي‌ء ، لأن الإباحة الّتي ادعى إبطالها ، إن أراد بها الإباحة المترتبة على رفع الأكبر فممنوع ، فكيف يبطل الأصغر المؤثر في الأكبر؟ وإن أراد بها المترتبة على رفع الأصغر ، فالغسل ليس رافعا للأصغر ، لأن رافع الأصغر إنّما هو الطهارة الصّغرى ، باتفاق جميع الأصحاب ، ومع الجنابة يمتنع فعلها ، ويسقط حكم الحدث الموجب لها.

واحتج في الذكرى بأن الحدث لا يخلو عن أثر مّا مع تأثيره بعد الكمال ، والوضوء ممتنع في غسل الجنابة (٣).

وضعفه ظاهر ، فإن أثر الحدث الأصغر لا يظهر ما دام الأكبر موجودا ، وما لم يتم الغسل ، فالحدث بحاله ، ولو سلم فلم لا يكون أثره هنا كأثره قبل الشروع في الغسل؟ قال فيها : وقد قيل : مروي عن الصّادق عليه‌السلام في كتاب عرض المجالس للصدوق (٤). ومثل هذه الرواية لا اعتبار بها في الاستدلال.

__________________

(١) منهم : والد الصدوق في الفقيه ١ : ٤٩ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢ ، والشهيد في الدروس : ٦.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨.

(٣) الذكرى : ١٠٦.

(٤) الذكرى : ١٠٦.

٢٧٥

هـ : لا يجب الغسل بغيبوبة بعض الحشفة ، ويجب على مقطوعها لو غيب بقدرها ،

______________________________________________________

القول الثّاني : الإكمال والوضوء ، ذهب إليه المرتضى (١) ، والمحقّق (٢) ، لأن تأثير الأصغر وجوب الوضوء بعد الكمال يقتضي ذلك قبله بطريق أولى ، وفي الأولوية نظر ، فان الحدث الحاصل بعد الكمال ، إنّما أثر لحصوله بعد ارتفاع الحدث ، وحصول الإباحة لإمكان تأثيره حينئذ ، بخلاف ما قبله لبقاء الجنابة.

فإن قيل : أبطل تأثيرها ما مضى في رفع الأصغر.

قلنا : ما مضى غير مؤثر في رفع الأصغر لاضمحلاله مع حدث الجنابة ، وصلاحيّة تأثيره في الأكبر بحاله هذا ، مع أن عموم الأخبار بنفي الوضوء مع غسل الجنابة ينافي ذلك (٣).

الثالث : الاكتفاء بالإتمام ، ذهب إليه ابن البرّاج (٤) ، وابن إدريس (٥) ، وهو أظهر الأقوال وأمتنها ، وعليه الفتوى ، وضم الوضوء أحوط ، وكمال الاحتياط الجمع بين الإعادة والوضوء. هذا إذا اغتسل مرتّبا ، ولو اغتسل مرتمسا وأحدث ، فإن كان بعد النيّة وشمول البدن بالماء فالوضوء ، أو قبلهما فلا شي‌ء ، أو بعد النيّة وقبل تمام الإصابة اطرد الخلاف السّابق ، وكلام الذّكرى (٦) لا يخلو من شي‌ء.

قوله : ( لا يجب الغسل بغيبوبة بعض الحشفة ، ويجب على مقطوعها ، لو غيّب بقدرها ).

أمّا الحكم الأوّل ، فمستنده مفهوم قوله عليه‌السلام : « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل » (٧) ، لكن يرد على العبارة ما لو قطع بعض الحشفة فغيّب الباقي ، وحصل الالتقاء المذكور ، فان ظاهر العبارة تنفي الوجوب ، والحديث يثبته ، والوجوب أظهر ، إلا‌

__________________

(١) لم نجد القول في كتب السيد المرتضى المتوفرة لدينا وحكاه عنه المحقق في المعتبر ١ : ١٩٦.

(٢) المعتبر ١ : ١٩٦ ، والشرائع ١ : ٢٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥ حديث ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ ـ ١٤٣.

(٤) جواهر الفقه ( الجوامع الفقهية ) : ٤١١.

(٥) السرائر : ٢٢.

(٦) الذكرى : ١٠٦.

(٧) التهذيب ١ : ١١٩ حديث ٣١٤.

٢٧٦

وفي الملفوف نظر.

و : لو خرج المني من ثقبة في الصلب فالأقرب اعتبار الاعتياد وعدمه.

______________________________________________________

أن يبقى ما لا يتحقق معه إدخال شي‌ء يعتد به عرفا.

واعلم أن في رواية محمّد بن إسماعيل الصّحيحة (١) تفسير التقاء الختانين بغيبوبة الحشفة ، وقد ينافي هذا الحكم.

وأمّا الحكم الثّاني ، فمستنده قوله : ( إذا أدخله فقد وجب الغسل ) (٢) وليس المراد إدخال الجميع قطعا للاكتفاء بالحشفة ، فتعيّن أن يراد به البعض ، أعني الحشفة أو ما ساواها ، وفيه تكلّف ، ولا ريب أن الوجوب أحوط.

قوله : ( وفي الملفوف نظر ).

ينشأ من صدق الالتقاء ، إذ المراد به التحاذي لا التماس لامتناعه ، فان ختان المرأة في أعلى الفرج ، وبينه وبين مدخل الذّكر ثقبة البول ، ومن أن الالتقاء إنما يحمل على المعهود دون غيره ، ولانتفاء الاستمتاع ، وبالأوّل أفتى المصنّف في المنتهى (٣) وشيخنا الشّهيد (٤) ، وربّما فرّق بعض العامة بين ما إذا كانت اللفافة رقيقة وصفيقة ، لعدم حصول اللذّة في الثاني دون الأوّل (٥) ، والوجوب مطلقا أظهر.

قوله : ( لو خرج المنيّ من ثقبة في الصّلب فالأقرب اعتبار الاعتياد وعدمه ).

إنّما خصّ المسألة بخروجه من الصّلب ، لأنه مجراه الطّبيعي ، وهو موضع التردّد ، وكذا لو خرج من ثقبة في الإحليل أو في خصيتيه ، أمّا لو خرج من غير ذلك فاعتبار الاعتياد حقيق بأن يكون مقطوعا به.

ووجه القرب أنّ إطلاق اللفظ يقتضي الحمل على المتعارف في الاستعمال والمتفاهم عند الإطلاق ، وهذا لندوره غير متعارف ، فلا يحمل إطلاق اللّفظ عليه إلى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ١١٨ حديث ٣١١ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ حديث ٣٥٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦ حديث ١ ، التهذيب ١ : ١١٨ حديث ٣١٠ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ حديث ٣٥٨.

(٣) المنتهى ١ : ٨٣.

(٤) الذكرى : ٢٧ ، الدروس : ٥ ، البيان : ١٤.

(٥) قاله أبو الفيامن البصري ، والقاضي حسين. انظر : المجموع ٢ : ١٣٤.

٢٧٧

ز : لا يجب نقض الضفائر إذا وصل الماء الى ما تحتها ، وإن لم يمس الماء الشعر بجملته.

______________________________________________________

أن يصير متعارفا ، ويعد مخرجا للمني عادة ، كالخارج من غير السّبيلين.

ويحتمل ضعيفا الوجوب مطلقا ، ولا يعتبر الاعتياد تمسّكا بظاهر قوله تعالى : ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ ) (١) ، بيّن أن مجراه الطّبيعي الصّلب ، فإذا خرج منه ينبغي تعلّق الأحكام به لعدم تغير اسمه ولا محلّه ، ولقوله عليه‌السلام : « إنّما الماء من الماء » (٢) وبطلان الحصر لا يمنع الاستدلال بما بقي من المعنى ، وبهذا أفتى المصنّف في المنتهى (٣) وفي الاستدلال شي‌ء ، والفتوى على الأوّل ، وإن كان للاحتياط حكم آخر.

فرع : لو خرج المني بصورة الدّم ، ففي الغسل اشكال.

قوله : ( لا يجب نقض الضفائر ... ).

إن قيل : لم وجب غسل الشعور في الوضوء ، ولم يجب في الغسل ، إلاّ إذا توقّف غسل البشرة على غسلها ، مع أن ظاهر قوله عليه‌السلام : « تحت كل شعرة جنابة ، فبلوا الشعر ، وانقوا البشرة » (٤) الوجوب؟

قلنا : إنّما وجب غسل شعر الوجه في الوضوء ، لأنه عوض من غسل البشرة ، لوقوع المواجهة التي أنيط بها الحكم به ، ولهذا وجب غسل ما بدا من بشرة الخفيف ولم يجب غسل المسترسل ، وامّا شعر اليدين ، فوجب تبعا وتغليبا لاسم اليد على جميع ما نبت عليها وللإجماع ، وأما في الغسل فقد انتفى الأمران.

والحديث معارض بما رواه الحلبي مرسلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا تنقض المرأة شعرها » (٥) وهو مطلق ، وإرساله منجبر بقبول الأصحاب له ، وما رواه‌

__________________

(١) الطارق : ٧.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ باب ٢١ حديث ٣٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ حديث ٦٠٧ ، سنن النسائي ١ : ١١٥ ، سنن أبي داود ١ : ٥٦ حديث ٢١٧ ، سنن الترمذي ١ : ٧٤ باب ٨١ حديث ١١٢ ، مسند أحمد ٥ : ٤٢١.

(٣) المنتهى ١ : ٨١.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ١٩٦ حديث ٥٩٧ ، سنن أبي داود ١ : ٦٥ حديث ٢٤٨.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥ حديث ١٦ ، التهذيب ١ : ١٤٧ حديث ٤١٦ ، ٤١٧.

٢٧٨

ح : لا يجزئ غسل النجس من البدن عن غسله من الجنابة ، بل يجب إزالة النجاسة أولا ، ثم الاغتسال ثانيا.

______________________________________________________

الجمهور عن أمّ سلمة أنّها قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي امرأة أشد ضفر رأسي ، فأنقضه للجنابة؟ قال : « لا » (١) ، ولم يستفصل ، أيصل الماء بدونه أم لا؟ فيكون للعموم.

والضفر بالضاد المعجمة المفتوحة : الشّعر ينسج بعضه على بعض ، وفي معناهما صحيح زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا مس الماء جلدك فحسبك » (٢).

قوله : ( لا يجزئ غسل النّجس من البدن عن غسله من الجنابة ، بل يجب إزالة النجاسة أولا ، ثم الاغتسال ثانيا ).

إنّما وجب ذلك لأنّهما سببان ، فوجب تعدد حكمهما فان التداخل خلاف الأصل ، ولأن ماء الغسل لا بدّ أن يقع على محل طاهر ، وإلا لأجزأ الغسل مع بقاء عين النّجاسة ، ولانفعال القليل ، وماء الطّهارة يشترط أن يكون طاهرا إجماعا.

وذهب الشّيخ في المبسوط إلى أنّ من اغتسل وعلى بدنه نجاسة ، يرتفع حكم جنابته ، وعليه أن يزيل النّجاسة إن كانت لم تزل بالغسل ، وإن زالت فقد أجزأ عن غسلها (٣).

وفي هذا الكلام أمران أحدهما : ان مطلق الغسل كاف وإن بقيت عين النّجاسة ، وهو بعيد جدّا.

والثّاني : ان غسله يجزئ عن غسلتين.

وقد خرّج المصنف في بعض كتبه الاكتفاء بغسله للأمرين معا إذا كان مما لا ينفعل كالكثير ، واستثنى من القليل ما إذا كانت النّجاسة في آخر العضو ، فإن الغسلة تطهره وترفع الحدث (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢٥٩ حديث ٣٣٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٨ حديث ٦٠٣ ، سنن النسائي ١ : ١٣١ باب ١٤٩ من الطهارة ، سنن أبي داود ١ : ٦٥ حديث ٢٥١ ، سنن الترمذي ١ : ٧١ حديث ١٠٥.

(٢) في الكافي ٣ : ٢٢ حديث ٧ ، التهذيب ١ : ١٣٧ حديث ٣٨١ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ حديث ٤١٧ « إذا مس جلدك الماء فحسبك ».

(٣) المبسوط ١ : ٢٩.

(٤) المختلف : ٣٢.

٢٧٩

ط : لو وجد المرتمس لمعة لم يصبها الماء ، فأقوى الاحتمالات الاجتزاء بغسلها ، لسقوط الترتيب ، ثم غسله وغسل ما بعده لمساواته الترتيب ، ثم الإعادة لعدم صدق الوحدة.

المقصد السادس : في الحيض وفيه فصلان

______________________________________________________

والتحقيق : ان محلّ الطّهارة إن لم تشترط طهارته أجزأ الغسل مع وجود عين النّجاسة وبقائها في جميع الصور ، ولا حاجة إلى التقييد بما ذكره ، خصوصا على ما اختاره من أن القليل الوارد إنّما ينجس بعد الانفصال ، وإن اشترط طهارة المحلّ لم تجزئ غسلة واحدة لفقد الشّرط ، والشّائع على ألسنة الفقهاء هو الاشتراط ، فالمصير إليه هو الوجه.

واعلم ، أن قول المصنّف : ( بل تجب إزالة النّجاسة أولا ، ثم الاغتسال ثانيا ) ربّما أو هم وجوب غسل النّجاسة عن جميع المحلّ قبل الاغتسال ، لأن إزالة النّجاسة عن بعض المحلّ إزالة لبعض النّجاسة لا لها ، فلا يجزئ غسلها تدريجا ، والاغتسال بحيث كلّما طهر شيئا غسله ، وليس كذلك قطعا.

قوله : ( لو وجد المرتمس لمعة لم يصبها الماء ، فأقوى الاحتمالات الاجتزاء بغسلها ... ).

ما جعله أقوى الاحتمالات لا يتجه على إطلاقه ، لأنه إن تخلل بين غسلها وبين الغسل زمان كثير لم يصح ، لما عرفت من أن الارتماس إنّما يتحقّق بارتماسة واحدة ، وما جعله بعده في القوة ـ وهو غسلها وغسل ما بعدها ـ لا وجه له أصلا ، إلاّ على القول بأن الارتماس يترتّب حكما أو نيّة ، إلا أن الحديث ينافيه ، لأنه ظاهر في عدم الترتيب.

وما جعله أضعف الاحتمالات ـ وهو الإعادة ـ هو الأصح مع طول الزّمان ، فحينئذ المفتي به هو التفصيل بطول الزّمان ، فيكون الأصح هو الثّالث ، وعدمه فالأصحّ الأوّل ، والثّاني لا وجه له.

قوله : ( المقصد السّادس في الحيض ، وفيه فصلان ).

لم يقل في غسل الحيض كما قال في غسل الجنابة ، وكذا صنع في الاستحاضة والنّفاس ، ولعله إنّما فعل هكذا لأن الغسل قد علم ممّا سبق ، فلم يبق إلاّ أحكام‌

٢٨٠