جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

______________________________________________________

ووقعت كل صلاة بوضوء ، ثم ذكر المكلف إخلال عضو ، فقد يكون الإخلال من طهارة واحدة ، وقد يكون من طهارتين ، فان كان الأول : فإما أن يكون الشك في طهارتي صلاتين ، أو في طهارات صلوات يوم.

وإن كان الثاني : فإما أن يكون الترك من الطهارتين ، مع الشك في صلوات يوم واحد ، أو في صلوات يومين ، فهذه صور أربع ، ذكرها المصنف على الترتيب :

الأولى : أن يكون الإخلال من طهارة واحدة ، والشك في طهارتي صلاتين ، فإما أن تتفق الصلاتان عددا ، أو تختلفا ، فان اختلفتا وجب إعادتهما معا ، لتيقن فساد إحداهما ، ولا يحصل يقين البراءة إلا بإعادتهما ، وإن اتفقتا أعاد ذلك العدد ، ناويا به ما في ذمته من هاتين الصلاتين ، لأن الواجب إعادة ذلك العدد بنية الفائت ، وقد حصل بالترديد ، ولأصالة البراءة من وجوب الزائد السالمة عن معارضة كونه مقدمة للواجب ، بخلاف المختلفين ، ولقول أبي عبد الله عليه‌السلام في الناسي واحدة من صلوات يوم لم يعلمها : « يصلي ركعتين ، وثلاثا ، وأربعا » (١) وإلى هذا صار أكثر الأصحاب (٢).

وقال أبو الصلاح (٣) ، وابن زهرة (٤) : يعيد الصلاتين معا كالمختلفتين ، وضعفه يظهر مما تقدم ، ولا فرق في هاتين الصورتين بين المسافر والحاضر.

واعلم أن اللام في قول المصنف : ( الإخلال المجهول ) للعهد ، والمعهود ما تقدم من قوله : ( ثم ذكر إخلال عضو ) هذا حكم الصلاة ، وأما الطهارة فحكمها راجع الى متيقن الطهارة والحدث مع الشك في السابق ، وهذه من صور الإعادة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٧ حديث ٧٧٤.

(٢) منهم : الصدوق في المقنع : ٣٢ ، وابن الجنيد كما في المختلف : ١٤٨ ، والمفيد في المقنعة : ٣٤ ، والمرتضى في جمل العلم والعمل : ٦٨ ، والشيخ في المبسوط ١ : ١٢٧ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٢٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٩ وابن حمزة في المراسم : ٩١.

(٣) الكافي في الفقه : ١٥٠.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٠٣.

٢٤١

ولو كان الشك في صلاة يوم أعاد صبحا ومغربا وأربعا ، والمسافر يجتزئ بالثنائية والمغرب.

ولو كان الإخلال من طهارتين أعاد أربعا صبحا ومغربا وأربعا مرتين ، والمسافر يجتزي بالثنائيتين والمغرب بينهما.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان الشك في صلاة يوم ... ).

هذه هي الصورة الثانية ، وتحقيقها : أن يكون الإخلال من طهارة واحدة ، والشك في طهارات صلوات يوم ، فان كانت من فرض المقيم أعاد ثلاث صلوات ، وهي التي اختلف عددها صبحا ، ومغربا معينتين ، لعدم ما يوافقهما في العدد ، وأربعا مطلقة إطلاقا ثلاثيا بين الظهر ، والعصر ، والعشاء.

وإن كانت من فرض المسافر أتى بصلاتين مغربا معينة ، وثنائية مطلقة إطلاقا رباعيا بين الصبح ، والظهر ، والعصر ، والعشاء ، لاتفاق عددهن ، ولا ترتيب في واحدة من الصورتين ، لاتحاد الفائت ، وعلى قول أبي الصلاح ، وابن زهرة يجب اعادة الخمس ، ونبه المصنف بقوله : ( يجتزئ ، ... ) على أن ما تقدم حكم الحاضر ، وإن لم يجر له ذكر.

واللام في قوله : ( ولو كان الشك ) للعهد ، والمعهود ما دل عليه الإخلال السابق ، أي : ولو كان الشك في صلاة يوم ، للإخلال بعضو من إحدى طهاراته ، لأن الفرض تعدد الطهارة بتعدد الصلاة كما تقدم.

قوله : ( ولو كان الإخلال من طهارتين ... ).

هذه هي الصورة الثالثة ، وتحقيقها : أن يكون الإخلال من طهارتين ، والشك في طهارات صلوات يوم ، والفرض أنه صلّى الخمس بخمس طهارات ، فان كان مقيما أعاد أربع صلوات صبحا ومغربا ، ورباعيتين إحداهما قبل المغرب ، والأخرى بعدها رعاية للترتيب لتعدد الفائت ، يطلق في الأولى منهما ثنائيا بين الظهر والعصر ، وفي الثانية بين العصر والعشاء ، وإنما لم يكتف بالثلاث لأن الفائت اثنتان ، فجاز كونهما رباعيتين.

وإن كان مسافرا أعاد ثلاثا مغربا ، وثنائيتين ، إحداهما قبلها ، والأخرى‌

٢٤٢

والأقرب جواز إطلاق النية فيهما والتعيين ، فيأتي بثالثة ويتخير بين الظهر أو العصر أو العشاء ، فيطلق بين الباقيتين مراعيا للترتيب ، وله الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرتين.

______________________________________________________

بعدها ، يطلق في الأولى إطلاقا ثلاثيا بين الصبح ، والظهر ، والعصر ، وفي الثانية بين الظهر ، والعصر ، والعشاء ، وحينئذ فتبرأ الذمة على كل من التقديرين ، لانطباقهما على كل واحد من الاحتمالات الممكنة ، وهي عشرة (١) ، وخلاف أبي الصلاح آت هنا (٢) ، وأفاد المصنف باعتبار الترتيب بالنسبة إلى المسافر ، حيث قال : ( والمغرب بينهما ) اعتباره بالنسبة إلى المقيم ، لاستوائها في الفائت المتعدد.

فان قيل : إيجاب الترتيب هنا ينافي سقوط الترتيب المنسي. قلنا : لا منافاة ، لأن للمكلف هنا طريقا الى تحصيله ، من غير زيادة تكلف ، لأن العدد الواجب لا يتغير بالترتيب.

قوله : ( والأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما ، والتعيين ) الى قوله ( فيكتفي بالمرتين ).

هذا من أحكام الصورة الثالثة ، وتحقيقه : أن الأقرب عند المصنف جواز الجمع بين الإطلاق والتعيين معا ، في كل من رباعيتي المقيم ، وثنائيتي المسافر ، بأن يصلي رباعية ، أو ثنائية معينة ، ويطلق في الأخرى ، فيجب عليه حينئذ أن يأتي بفريضة ثالثة ، لعدم حصول يقين البراءة بدونها ، لإمكان كون الفائت رباعيتين ، أو ثنائيتين غير ما عينه ، فلا تكون الثانية وحدها كافية في الإجزاء.

ولا يتعين عليه في الفريضة الثالثة إطلاق ولا تعيين ، وإن كان المراد في العبارة الأول ، حيث قال : ( فيطلق بين الباقيتين ) ، ( أي : الفريضتين الباقيتين ) (٣) بعد المعينة من الرباعيتين ، أو الثنائيتين بضميمة الثالثة ، ويتخير بين تعيين الظهر ، أو‌

__________________

(١) جاء في هامش الصفحة من النسخة المخطوطة « ع » ما لفظه : وهي احتمال كون الفائت الصبح مع واحدة من الأربع أو الظهر مع واحدة من الثلاث أو العصر مع احدى العشاءين أو المغرب مع العشاء « منه مدّ ظله ).

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٠.

(٣) ما بين الهلالين ساقط من نسخة « ح ».

٢٤٣

______________________________________________________

العصر ، أو العشاء إن كان مقيما ، وفي تعيين أيها شاء ، أو الصبح ان كان مسافرا.

ويجب رعاية الترتيب ، فالمقيم إذا عيّن الظهر بعد الصبح ، ردد ثنائيا بين العصر والعشاء مرتين ، إحداهما قبل المغرب ، والأخرى بعدها ، ولا يجوز تواليهما ، لاختلال الترتيب بين المغرب والعشاء ، وإن عيّن العصر أطلق ثنائيا بين الظهر والعشاء مرتين ، إحداهما بعد الصبح وقبل العصر ، والأخرى بعد المغرب ، ولا يجوز تواليهما بعد العصر ، ولا بعد المغرب ، لفوات الترتيب بين الظهرين ، وبين العشاءين ، وإن عيّن العشاء ، أطلق ثنائيا مرتين متواليتين ، بين الظهر والعصر بعد الصبح ، وقبل المغرب.

وإن كان مسافرا وعيّن الصبح ، أطلق ثنائيا بين الظهر والعصر ، وبين العصر والعشاء مرتين ، إحداهما قبل المغرب ، والأخرى بعدها ، ولا يجوز تواليهما قبل المغرب لفوات ترتيب العشاءين ، ولا بعدها لفوات الترتيب بينها وبين إحدى الظهرين.

وإن عيّن الظهر ، ردد ثنائيا بين الصبح والعصر قبل الظهر ، فلا يجوز بعدها لفوات الترتيب بينها وبين الصبح ، ولا يخل ذلك بالترتيب بينها وبين العصر ، لأنه بتقدير فواتهما تصح العصر بالترديد الثاني بعد المغرب ، وبين العصر والعشاء بعد المغرب ، لا قبلها لفوات الترتيب بينها وبين العشاء ، وإن عيّن العصر أطلق ثنائيا قبلها بين الصبح والظهر ، وبين الظهر والعشاء بعد المغرب ، وإن عيّن العشاء أطلق ثنائيا بين الصبح والظهر ، وبين الظهر والعصر قبل المغرب ، تحصيلا للترتيب بينها وبين واحدة من الثلاث قبلها.

ووجه القرب : أنه طريق صالح لبراءة الذمة ، فإنه يجوز له كل من الإطلاق والتعيين منفردين ، أما الإطلاق فقد تقدم توجيهه ، وأما التعيين فلتضمنه الواجب وزيادة ، ويختل عدم الجزم بالنية على تقدير التعيين ، فيلزمه الإطلاق ، حيث يمكن تحصيلا للجزم بحسب الإمكان.

أما ما لا يمكن كالصبح والمغرب وفي فرض المقيم فلا طريق إلى البراءة منهما الا التعيين فضعيف ، لأن الجزم إنما يجب مع العلم ، أما مع عدمه فلا ، ولأن وجوبها من باب المقدمة يدفع هذا الخيال لتحقق الوجوب قطعا ، وجواز الإطلاق لا ينافي ذلك ، لأن كلاّ منهما طريق للبراءة ، فيكون وجوبه تخييريا ، ولأن الظاهر أن العدول عن‌

٢٤٤

______________________________________________________

التعيين إنما هو رخصة وتسهيل لا لمصادفة النيّة ما في الذمة ، وإذا جازا منفردين فكذا مجتمعين ، لوجود المقتضي ـ وهو إجزاؤهما منفردين ـ وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا اجتماعهما ، وهو غير صالح للمانعية.

ويحتمل ضعيفا عدم الجواز ، لعدم حصول فائدة به ، لانتفاء التخفيف بحذف بعض الفرائض لوجوب ثالثة ، ولعدم الجزم بحسب ما يمكن بمصادفة النيّة ما في الذمة لتعيين واحدة ، وما انتفت فائدته ينبغي عدم جوازه ، والحق ـ كما قال شيخنا في الذكرى ـ إنه تكلف محض لا فائدة فيه ، بل لا ينبغي فعله (١).

واعلم أنه يجب أن يقرأ التعيين في قول المصنف : ( والأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما ، والتعيين ) بالنصب على أنه مفعول معه ، وأن الواو بمعنى مع لا عاطفة ، لعدم كون العبارة نصا في المراد ، إلا على هذا التقدير ، إذ لا يراد فيها جواز الإطلاق ، وجواز التعيين ليكون ردا على أبي الصلاح (٢) ، كما ذكره الشارحان الفاضلان (٣).

أمّا أولا : فلأن خلاف أبي الصلاح جار في مسائل الباب كلها ، فتخصيص رده بهذا الموضع لا وجه له ، فان المناسب إما تقديمه ليجري عليه باقي المسائل ، أو التعرض لرده في الجميع.

وأما ثانيا : فلأن الفاء في قوله : ( فيأتي بثالثة ) تقتضي كون الإتيان بفريضة ثالثة متفرعا على الأقرب ، وما في حيزه ، ولا يستقيم إلا إذا أريد الجمع بين الأمرين معا ، لأن الإطلاق لا يقتضيه.

وأما ثالثا : فلأن قوله : ( ويتخير بين تعيين الظهر ، أو العصر ، أو العشاء ... ) لا ينطبق إلا على ما ذكرناه ، لأنه جمع فيه بين التعيين والإطلاق ، ولا يستقيم ذلك مع الإطلاق وحده ، ولا مع التعيين وحده ، ولأن معنى قوله : ( فيطلق بين الباقيتين ) إطلاقه بين الفريضتين الباقيتين ، من المزيد عليهما الثالثة بعد تعيين واحدة منهما ، ولا ينتظم هذا إلا على ذلك التقدير.

__________________

(١) الذكرى : ٩٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٠.

(٣) انظر : إيضاح لفوائد ١ : ٤٤ ، والفاضل عميد الدين في كتابه وهو غير متوفر.

٢٤٥

______________________________________________________

ولأن الضمير في ( يتخير ) لا مرجع له بدون ما ذكرناه ، إذ لا يستقيم عوده إلى المكلف باعتبار جواز الإطلاق له وهو ظاهر ، ولا باعتبار التعيين ، لأن المتبادر منه تعيين الجميع فلا يطابق ، ولو جعل أعم من تعيين الجميع والبعض ، لكان فيه ـ مع اختلاف مرجع الضمير فيه ، وفيما قبله ـ فوات النظم العربي ، لأن التقدير حينئذ : والأقرب جواز الإطلاق فيهما له ، وجواز تعيين الصادق بتعيين الكل ، وتعيين البعض خاصة ، فيأتي على تقدير التعيين بمعنييه بثالثة ، ويتخير من أراد التعيين في البعض خاصة الى آخره ، وهذا كلام متهافت ، منحط عن درجة الاعتبار.

وأما رابعا ، فلأن قوله : ( وله الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرتين ) يكون مستدركا ، على تقدير أن يراد جواز كل منهما ، مع ما فيه من اختلال النظم ، لأن الإطلاق الثنائي هو المراد بقوله : ( والأقرب جواز إطلاق النيّة فيهما ) حينئذ.

وما ذكره الفاضل عميد الدين من أن المراد بالإطلاق الأول الثلاثي ، بأن يطلق في كل من الفريضتين بين الثلاث ـ أعني الظهرين والعشاء ـ ويكون قوله بعد : ( وله الإطلاق الثنائي ) بيانا لأقل ما يجزئ تكلف لا حاصل له ، لأن الإطلاق في الفوائت هو عبارة عن الترديد بينها مع رعاية التوزيع على ما وقع فيه الاشتباه إذا كان المردد فيه متعددا ، بأن يطرح في الترديد الثاني ما بدأ به في الأول ويزيد على آخره أخرى.

مثلا في هذه المسألة المردد فيه رباعيتان ، والترديد بين الرباعيات الثلاث لاحتمال كون الفائتين منها ، فيوزع الترديد بين الثلاث على الرباعيتين ، فيكون ترديد كل رباعية بين اثنتين ، ولا يتم إلا بما ذكرناه ، فلو كان الفائت الاولى والثالثة ، صحتا بالترديد الأول والثاني ، ولو ردد في كل من الرباعيتين بين الثلاث ، لكان الزائد على ما ذكرناه لغوا لا فائدة فيه أصلا ، والمطلوب بيان ما به تتحقق البراءة.

فإن قلت : التكرار لازم على ما قدّرت أيضا ، لأنه قد سبق وجوب أربع صلوات على الحاضر ، ولا يكون إلا كذلك ، فاعادتها تكرار.

قلت : ليس كذلك ، لأنه لما ذكر وجوب الأربع على الحاضر ، والثلاث على المسافر ، أراد أنّ يبين كيفية أدائها ، فذكر له كيفيتين : إحداهما الجمع في كل من‌

٢٤٦

ولو كان الترك من طهارتين في يومين ، فان ذكر التفريق صلّى عن كل يوم ثلاث صلوات ،

______________________________________________________

الرباعيتين والثنائيتين ، بين الإطلاق والتعيين ، فيأتي بثالثة الى آخره.

والثانية : الاقتصار على الإطلاق ، وترك ذكر التعيين في الجميع ، لأن جواز الإطلاق والتعيين يقتضي جوازه بطريق أولى ، ولأنا لا نعلم في جوازه مخالفا ، فكان الأهم بيان ما هو مختلف فيه ، كما سبق في الصورة التي قبلها.

فان قلت : قوله : ( ويتخير بين تعيين الظهر أو العصر ... ) وقوله : ( وله الإطلاق الثنائي ) لا ينطبق على المسافر ، لأنه يتخير بين تعيين إحدى الثلاث أو الصبح ، وإذا اقتصر على الإطلاق فإطلاقه ثلاثي لا ثنائي.

قلت : لما لم ينطبق على حكمهما عبارة واحدة اقتصر على بيان حكم المقيم وترك حكم المسافر ، لأنه يعلم بالمقايسة بأدنى تأمل.

فإن قلت : كيف تقدير العبارة ليزول عنها الإجمال والخفاء ، ويندفع وهم المتوهمين فيها؟

قلت : تقديرها هكذا : ولو كان الإخلال السابق من طهارتين في جملة طهارات يوم والحال في أدائها كما سبق صلّى أربعا ، والمسافر ثلاثا ، مراعيا للترتيب ، بتقديم الصبح ، وتوسيط المغرب بين الرباعيتين والثنائيتين.

والأقرب في كيفية أداء كل من الرباعيتين والثنائيتين ، جواز الجمع بين إطلاق النيّة والتعيين ، بحيث يكونان معا ، فيتعين عليه حينئذ أن يأتي برباعية أو ثنائية ثالثة ، لأن إحداهما إذا عينت لم يكف الأخرى في يقين البراءة ، ويتخير الحاضر بين تعيين الظهر ، أو العصر ، أو العشاء ، فائتها عيّن أطلق بين الباقيتين ، مراعيا للترتيب الذي لا تتحقق البراءة إلا به.

وله كيفية أخرى في أدائهما ، وهي الإطلاق فيهما ثنائيا بين الرباعيات الثلاث ، فيكتفي بالمرتين ، ولا حاجة إلى الفريضة الثالثة ، ومنه يستفاد حكم المسافر ، والله أعلم.

قوله : ( ولو كان الترك من طهارتين في يومين ... ).

هذه هي الصورة الرابعة ، وتحقيقها : أن يكون الترك المذكور من طهارتين ،

٢٤٧

______________________________________________________

والشك في طهارات صلوات يومين ، وهي تنقسم إلى أقسام ثلاثة ، لأنه إما أن يعلم التفريق ـ أي : تفريق الطهارتين المختلفين في اليومين ـ ، أو يذكر جمعهما في يوم ، أو يجهل كلا من الجمع والتفريق.

وربما أورد على العبارة عدم صدقها على غير الصورة الأولى ، لأن معنى قوله : ( ولو كان الترك من طهارتين في يومين ) كونهما في اليومين ، فكيف يحتمل الجمع في يوم أو الجهل بالجمع والتفريق؟ وجوابه أن العبارة ـ إذا نزلت على ما ذكرناه ـ تكون شاملة للأقسام الثلاثة حينئذ ، ولا بعد في ذلك مع مساعدة المقام ، وقد سبق في العبارة ما ينبه على ما هنا ، وهو قوله في الصورة الثانية : ( ولو كان الشك في صلاة يوم ... ).

القسم الأول : أن يذكر التفريق ، فيجب أن يصلي بحسب حال اليومين ، باعتبار وجوب التمام فيهما ، أو القصر ، أو بالتفريق ، أو ثبوت التخيير ، وصور ذلك عشر ، والمصنف ذكر حكم واحدة وأحال الباقي على ما سبق :

أ : أن يكون متما فيهما حتما ، فيجب أن يصلي عن كل يوم ثلاث صلوات : صبحا ، ومغربا ، ورباعية ، يطلق فيها ثلاثيا بين الظهر والعصر والعشاء ، فيحصل له من كل ثلاث واحدة.

ب : أن يكون مقصرا فيهما حتما ، فيجب أن يصلي عن كل يوم صلاتين مغربا ، وثنائية يطلق فيها رباعيا بين البواقي ، ليحصل له من كل صلاتين واحدة.

ج : أن يكون متما في أحدهما حتما ، مقصرا في الآخر حتما ، فيصلي ثلاثا واثنتين ، مرتبا بين اليومين إن علم السابق.

د : أن يكون متما في أحدهما حتما ، مخيّرا في الآخر ، ويختار التمام ، فكالاولى.

ه : الصورة بحالها ويختار القصر فكالثالثة.

و : أن يكون مقصرا في أحدهما حتما مخيرا في الآخر ويختار القصر ، فكالثانية.

ز : الصورة بحالها ويختار التمام ، فكالثالثة.

ح : أن يكون مخيرا فيهما ويختار التمام ، فكالأولى.

ط : الصورة بحالها ويختار القصر فيهما فكالثانية.

٢٤٨

وإن ذكر جمعهما في يوم واشتبه صلّى أربعا.

وتظهر الفائدة في إتمام أحد اليومين ، وتقصير الآخر حتما ، أو بالتخيير فيزيد ثنائية ، ووجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته لا غير.

______________________________________________________

ي : الصورة بحالها ويختار القصر في أحدهما والتمام في الآخر فكالثالثة ، وذلك كله بعد الإحاطة بما سبق ظاهر.

قوله : ( وإن ذكر جمعهما في يوم واشتبه ـ إلى قوله ـ لا غير ).

هذا هو القسم الثاني من أقسام الصورة الرابعة ، وتحقيقه : أن يذكر اجتماع الطهارتين المختلّتين في طهارات صلوات يوم من اليومين المذكورين ، ويشتبه اليوم المتروك فيه باليوم الآخر ، وصوره العشر السالفة أيضا.

أ : أن يكون متمّا فيهما حتما ، فيجب أن يصلي أربعا : صبحا ، ورباعيتين بينهما المغرب.

ب : أن يكون مقصرا فيهما حتما ، فيصلي ثنائيتين والمغرب بينهما.

ج : أن يكون متمّا في أحدهما حتما ، مقصرا في الآخر حتما ، فيصلي خمسا : ثنائية يطلق ( فيها ) ثلاثيا بين الصبح ، والظهر ، والعصر ، ثم رباعية يطلق فيها ثنائيا بين الظهر ، والعصر ، ثم مغربا ، ورباعية يطلق فيها بين العصر والعشاء ، وثنائية يطلق فيها بينهما وبين الظهر ، مراعيا هذا الترتيب فيما عطف بـ ( ثم ) ، لتوقف يقين البراءة عليه ، فلو لم يبدأ بالثنائية لم يتحقق الترتيب بين الصبح وما بعدها.

د : أن يكون متما في أحدهما حتما ، مخيرا في الآخر ويختار التمام ، فكالأولى.

هـ : الصورة بحالها ويختار القصر ، فكالثالثة.

و : أن يكون مقصرا في أحدهما حتما مخيرا في الآخر ويختار القصر ، فكالثانية.

ز : الصورة بحالها ويختار التمام ، فكالثالثة.

ح : أن يكون مخيّرا فيهما ويختار التمام فيهما ، فكالاولى.

ط : الصورة بحالها ويختار القصر فيهما ، فكالثانية.

ي : الصورة بحالها ويختار التمام في أحدهما والقصر في الأخر ، فكالثالثة.

إذا تقرر ذلك فهنا مباحث :

٢٤٩

______________________________________________________

أ : إنما تكون صور هذه المسألة والتي قبلها عشرا مع استواء الأيام وتفاوتها في التمام ، والقصر ، والتخيير ، أما إذا كان الاستواء والتفاوت بالنسبة إلى الصلوات فان الصور تزيد على ذلك ، وحكمها يعلم مما سبق.

ب : قد يقال : قول المصنف : ( صلى أربعا ) وقع جوابا للشرط ـ أعني : قوله : ( وإن ذكر جمعهما ) ـ فيجب أن يكون واردا على جميع الصور المندرجة تحته ـ وهي العشر السالفة ـ وظاهر أنه ليس كذلك.

ويمكن أن يجاب : بأن المصنف اقتصر على بيان حكم التمام لأنه الغالب ، وذكر في الفائدة حكم اجتماع القصر والتمام ، بأن يضم إلى الأربع ثنائية ، وأحال حكم الباقي على النظر والتأمل ، فإنه يظهر بأدنى تأمل ، إذ لم يبق سوى حكم القصر ، وهو ظاهر مما مضى.

ج : أشار بقوله : ( وتظهر الفائدة ) إلى جواب سؤال مقدر ، تقديره أي فائدة لقولكم : ( واشتبه )؟ فإنه لا فارق بين صلوات كل من ليومين ، ثم ان هذه متكررة لا فائدة لذكرها لتقدم بيان حكمها في الصورة الثالثة.

أجاب ـ رحمه‌الله تعالى ـ : بأن فائدة الاشتباه تظهر في ثلاثة مواضع ، وبالتقييد بالاشتباه وبيان فائدته يخرج عن التكرار.

الأول من المواضع : أن يكون أحد اليومين تماما حتما والآخر قصرا حتما ، فقوله : ( حتما ) ينازعه كل من التمام والقصر ، فهو إما مصدر حذف عامله ، أو حال من أحدهما ، والعامل فيه محذوف مدلول عليه بالمعنى ، لأن الكلام في وجوب التمام والقصر ، وأيهما جعلته حالا منه قدّرت حذفه ، وحذف عامله من الآخر.

لكن في التعبير بالتمام والقصر ـ هنا ـ مناقشة لطيفة ، لأن أحدهما قاصر والآخر متعد ، فيجب تقدير العامل على وجه مختلف ، وحكمه وجوب زيادة ثنائية على الأربع المذكورة في كلامه على ما بيناه فيما تقدم.

الموضع الثاني : أن يكون التمام أو القصر بالتخيير ، فالجار في قوله : ( أو بالتخيير ) متعلق بمحذوف وجوبا ، على أنه حال من التمام والتقصير وتحته صور ثلاث : أن يكونا معا مخيرا فيهما ، أن يكون أحدهما تماما والآخر مخيرا فيه ، أن يكون أحدهما قصرا والآخر‌

٢٥٠

ولو جهل الجمع والتفريق صلّى عن كل يوم ثلاث صلوات ،

______________________________________________________

مخيرا فيه ، كأنه قيل : أو بالتخيير فيهما ، أو في أحدهما ، وقد تقدم حكم ذلك كله.

الموضع الثالث : وجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته على القول به ، وذلك فيما إذا حصل الاشتباه المذكور في وقت العشاء الآخرة من اليوم الثاني ، فإنه يجب عليه : ان كان مقيما ـ أن يصلي صبحا ، ورباعية مطلقة ثنائيا بين الظهر والعصر قضاء فيهما ، ومغربا مرددة بين الأداء والقضاء ، إذ على تقدير فواتها يحتمل أن يكون من يومه كما يحتمل أن يكون من أمسه ، ورباعية مطلقة ثنائيا بين العصر قضاء ، والعشاء أداء وقضاء ، لما قلناه في المغرب وقول المصنف : ( لا غير ) معطوف على ما قبله : وبنى ( غير ) لقطعه عن الإضافة ظاهرا مع نيّتها ، والمضاف إليه ما دل عليه الكلام السابق ، والتقدير : وتظهر فائدة الاشتباه المذكور أيضا في وجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته على القول به كما هو رأي المصنف ، فإنه قد يتفق ذلك في بعض الصور ـ وهو ما إذا تذكر في وقت العشاء الآخرة من اليوم الثاني كما نبهنا عليه ، وإن أهمله المصنف ـ لا غير ، أي : لا على غير هذا القول.

ويحتمل أن يكون التقدير : تظهر فائدة الاشتباه في هذه المواضع الثلاثة لا في غيرها ، فعلى الأول يكون معطوفا على محذوف ـ وهو الذي قدرناه بقولنا : على القول به ـ ، وعلى الثاني يكون معطوفا على ما دل عليه الكلام ، والأول ألصق بالمقام ، وأوفق للمرام ، فانّ انحصار الفائدة في هذه الأمور لا يترتب عليه غرض ، بخلاف بيان موضع الفائدة الثالثة ، لأنها إنما تتم على القول المذكور ، إذ لو قيل بالتوسعة المحضة في فائتة اليوم وغيرها لم يكن فرق بين كون الفائت من يومه أو أمسه ، فيتطهر لإمكان كون الخلل من طهارته الأخيرة ، ويصلي المغرب والعشاء أداء لعدم يقين البراءة منهما ، ويأتي بالباقي متى أراد ، وعلى القول بالمضايقة المحضة تجب المبادرة على كل حال وإن لم يتذكر إلا بعد فوات اليومين.

قوله : ( ولو جهل الجمع والتفريق صلّى عن كل يوم ثلاث صلوات ).

هذا هو القسم الثالث من الصورة الرابعة ، وتحقيقه : أنه إذا جهل اجتماع الطهارتين المختلفين في يوم واحد من اليومين ، وتفريقهما فيهما فجوّز كلا من الأمرين ، فإن كان مقيما صلى عن كل يوم ثلاث صلوات ، لأنهما إن كانتا مجتمعتين في يوم لزمه‌

٢٥١

وكذا البحث لو توضأ خمسا لكل صلاة طهارة عن حدث ، ثم ذكر تخلل حدث بين الطهارة والصلاة واشتبه.

ولو صلّى الخمس بثلاث طهارات ، فان جمع بين الرباعيتين بطهارة صلّى أربعا صبحا ومغربا وأربعا مرتين ، والمسافر يجتزي بثنائيتين والمغرب بينهما وإلاّ اكتفى بالثلاث.

______________________________________________________

أربع ، وإن كانتا متفرقتين لزمه ست ، فمع الجهل يتوقف يقين البراءة على الإتيان بالأكثر ، وإن كان مقصرا لزمه عن كل يوم اثنتان ، وإن كان متما في أحدهما مقصرا في الآخر لزمه الإتيان بست : أربع عن أحدهما ، واثنتين عن الآخر ، لإمكان اجتماعهما في يوم التمام ، وكون المختل طهارتي الرباعيتين.

وإذا أفرد صلوات أحد اليومين عن الآخر ، مراعيا تقديم ما يجب للأول ، مع تقديم الصبح فيه ، وتوسيط إحدى المغربين بين الرباعيتين أو الثنائيتين اللتين في اليومين ، إن كان متما فيهما معا أو مقصرا ، وبين الرباعيتين والثنائيتين معا إن كان متما في أحدهما مقصرا في الآخر ، فقد حصل الترتيب على كل من تقديري الجمع والتفريق ، ومن هذا يظهر حكم التخيير بأقسامه ، وكل ذلك ـ بعد معرفة ما سبق ـ معلوم.

قوله : ( وكذا البحث لو توضأ خمسا ( إلى قوله ) والا اكتفى بالثلاث ).

هنا مسألتان :

الأولى : لو توضأ لكل صلاة وضوء مستقلا ـ أي : عن حدث ـ ثم ذكر أنه قد تخلل حدث بين بعض تلك الطهارات وصلواتها ، ولم يعلمها بعينها ، فان جميع ما تقدم من الصور ، والأحكام ، ووجوب إعادة الطهارة آت هنا ، لعدم الفرق بين الإخلال من الطهارة بعضو مع جفاف ما تقدم ، وبين تخلل الحدث بينها وبين الصلاة.

الثانية : لو صلى الخمس بثلاث طهارات ، فان جمع بين رباعيتين بطهارة ، كأن صلّى الصبح بطهارة والظهرين بثانية والعشاءين بثالثة ، أو الصبح بطهارة والظهر بثانية والباقي بثالثة ونحو هذا ، لم يتيقن البراءة بدون أن يصلي أربعا لجواز فساد طهارة الرباعيتين. ويجب تقديم الرباعيتين معا على المغرب ، وتأخيرهما عن الصبح ولو صلّى الصبح بطهارة ، والظهرين والمغرب بطهارة ، والعشاء بطهارة ، لجواز فساد الطهارة‌

٢٥٢

وتجب الطهارة بماء مملوك ، أو مباح طاهر ، ولو جهل غصبية الماء صحت طهارته ، وجاهل الحكم لا يعذر ،

______________________________________________________

الثانية.

أما لو لم يجمع بينهما بطهارة فإنه يجزئه الثلاث ، لأن أقصى ما يمكن فساد طهارة إحدى الرباعيات مع فريضة أخرى ثنائية أو ثلاثية ، فيخرج عن العهدة بالثلاث ، ولو لم يعلم واحدا من الأمرين فلا بد من الأربع ، لعدم يقين البراءة بدونه.

وعبارة الكتاب مختلة بالنسبة إلى هذا القسم ، لاندراجه في قوله : ( وإلا اكتفى بالثلاث ) نظرا إلى أن قوله : ( فان جمع بين الرباعيتين ... ) منزّل على العلم بذلك ، أي : فان علم أنه جمع إلى آخره ، لامتناع وجوب صلوات أربع ظاهرا ، وفي نفس الأمر بدون هذا العلم ، فيكون قوله : ( وإلا اكتفى بالثلاث ) شاملا للقسم الثالث ، فيحصل الاختلال.

ولو نزّلت على وقوع ذلك ـ وإن لم يعلم ـ لزم الاختلال أيضا ، لأن قوله : ( وإلا اكتفى بالثلاث ) معناه حينئذ : وإن لم يجمع بينهما بحسب الواقع اكتفى بالثلاث ، سواء علم بذلك أم لا ، وفي صورة جهل الحال لا بد من الأربع ، واللام ـ في قوله : ( فان جمع بين الرباعيتين ) ـ للجنس. هذا إذا كان متما ، فلو كان مقصرا ، أو مخيرا فحكمه معلوم مما سبق.

فرع : وجوب الجهر والإخفات في مواضع التعيين ، بالنسبة إلى جميع ما تقدم بحاله ، أما في مواضع الإطلاق فإنه يتخير بينهما ، لعدم إمكان الجمع ، ولا ترجيح.

قوله : ( وتجب الطهارة بماء مملوك ، أو مباح ).

إن أريد بالمباح : المأذون في استعماله شرعا ـ وهو معناه الأعم ـ أغنى عن ذكر مملوك ، أو مباح الأصل خرج عنه بعض الأقسام ، وهو ما أذن فيه مالكه لمعين ، أو مطلقا ، ولا ريب أنه يكفي في الإباحة كونها بحسب الظاهر ، إذ هو مناط التكليف ، وقد سبق ذكر اشتراط إباحة مكان الطهارة في أحكام الأواني استطرادا ، فلم يحتج إلى إعادته هنا.

قوله : ( وجاهل الحكم لا يعذر ).

المراد به : الحكم التكليفي المتعلق بالغصب ، كتحريم التصرف في المغصوب ،

٢٥٣

ولو سبق العلم فكالعالم.

المقصد الخامس : في غسل الجنابة ، وفيه فصلان :

______________________________________________________

أو الحكم الوضعي كبطلان الطهارة به ، لأنه مخاطب بالتعلم على الفور ، فتقصيره لا يعد عذرا.

قوله : ( ولو سبق العلم فكالعالم ).

في هذه العبارة تسامح ، لأن من سبق منه العلم عالم وإن طرأ عليه النسيان ، لا كالعالم ، وكأنه أراد بالعالم غير الناسي ، وهذا القول من المصنف ـ أعني : أن ناسي الغصب حال الطهارة كالعالم به ـ مبني على أن الناسي مكلف ، فيتوجه إليه النهي ، لأن النسيان إنما عرض من تفريطه بقلة التكرار الموجب للتذكار. وهو ضعيف ، لامتناع تكليف الغافل ، وسيأتي تمام الكلام على تكليف الناسي في باب الصلاة ، والأصح عدم وجوب الإعادة ، وإن كانت أحوط.

فرع : لو علم الجاهل بالغصب في أثناء الطهارة ، فإن بقي شي‌ء لم يغسل امتنع الغسل بذلك الماء قطعا ، وإن استوفى الغسل ، فهل يجوز المسح بذلك الماء؟ قيل : نعم (١) ، لأنه في حكم التالف ، وهو قوي ، فإن التلف عادة موجب للبدل ولا يثبت العوض والمعوض لواحد ، ولأنه لو تذكر لم يجب بمجرد تذكره جمعه عن الأعضاء بحسب الممكن ، نظرا إلى العادة ، ولا يمنع صحة الصلاة وجود ذلك البلل ، وإن كان الاجتناب أولى ، ومن الماء المغصوب ما استنبط من أرض مغصوبة ، كما صرح به في الذكرى (٢) ، لا الوقف العام إذا غير عن وضعه ، أو استولى عليه شخص من المستحقين عدوانا ، وإن أثم.

قوله : ( المقصد الخامس : في غسل الجنابة ، وفيه فصلان ).

كان حقّه أن يجعل المقصد في الغسل كما جعله في الوضوء ، لأن غسل الجنابة قسم من الغسل الّذي هو نظير الوضوء ، وكأنّه لما تعددت أقسام الغسل ، وانتشرت أحكام الأقسام أفرد كلا منها بمقصد يخصّه.

__________________

(١) نقل صاحب مفتاح الكرامة ١ : ٣٠٣ هذا القول عن الشيخ نجيب الدين.

(٢) الذكرى : ١٢.

٢٥٤

الأول : في سببه وكيفيّته.

الجنابة تحصل للرجل والمرأة بأمرين : إنزال المني مطلقا ، وصفاته الخاصة : رائحة الطلع ، والتلذذ بخروجه ، والتدفق. فان اشتبه اعتبر بالدفق والشهوة ، وتكفي الشهوة في المريض ،

______________________________________________________

قوله : ( الأوّل : في سببه وكيفيته. الجنابة تحصل للرجل والمرأة بأمرين : إنزال المني مطلقا ).

قد يقال : الفصل في سبب الغسل ، والّذي بينه هو سبب الجنابة. ويجاب : بأنّ المراد ، إنّما هو بيان سبب الجنابة ، لأن كون الجنابة سبب الغسل قد علم فيما سبق ، فلم يحتج إلى إعادته ، ولم يذكر المصنّف ما به تحصل الجنابة للخنثى ، وكان عليه أن يذكرها.

وإنّما تحصل الجنابة للخنثى بإنزال الماء من الفرجين ، لا من أحدهما خاصّة ، إلاّ مع الاعتياد ، وبإيلاج الواضح في دبرها دون الخنثى ، ولو أولج في قبلها ، فعند المصنّف يجب الغسل ، صرّح به في التّذكرة (١) ، لصدق التقاء الختانين ، وفيه منع لجواز زيادته.

ولو توالج الخنثيان فلا شي‌ء ، ولو أولج واضح في قبلها ، وأولجت هي في قبل امراة ، فالخنثى جنب لامتناع الخلو عن الذكورة والأنوثة ، والرجل والمرأة كواجدي المني في الثّوب المشترك.

قوله : ( وصفاته الخاصّة رائحة الطلع ).

أي : طلع النخل ، وقريب منه رائحة العجين ، وذلك ما دام رطبا ، فإذا جف فرائحة بياض البيض.

قوله : ( فان اشتبه اعتبر بالدفق والشهوة ).

هذه الصفات إنّما تعتبر حال اعتدال الطّبع ، وهي متلازمة حينئذ ، ولو تجرد عن بعضها ، فإنّما يكون لعارض ، وحينئذ فوجود البعض ـ وإن كان هو الرّائحة وحدها ـ

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٢.

٢٥٥

فإن تجرّد عنهما لم يجب الغسل إلاّ مع العلم بأنه مني.

وغيبوبة الحشفة في فرج آدمي قبل أو دبر ، ذكر أو أنثى ،

______________________________________________________

كاف ، وقد نبه عليه في المريض ، فان تجرّد منّيه عن الدفق لعارض ـ وهو ضعف القوّة ـ غير قادح في تعلق الحكم به.

وإنّما ذكر في الصفات التلذذ بخروجه ، وهنا الشّهوة ، للإشعار بأنّهما في حكم صفة واحدة ، وذلك لتلازمهما ، فإذا ذكرت إحداهما فكأنّما ذكرت الأخرى (١).

قوله : ( فان تجرد عنهما ... ).

الضّمير يعود إلى كل من خاصتي المريض والصّحيح ، فإنّهما اثنتان في النّوع ، وإن كانت إحداهما متّحدة والأخرى متعدّدة ، وهو مرجع معنوي ، كما في قوله تعالى : ( وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ ) ، بعد قوله سبحانه ( وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ ) (٢) فان الضّمير يرجع إلى القصتين ، المدلول عليهما بما سبق.

ولا ينبغي حمل العبارة على غير ذلك ، لأنه يقتضي عدم وجوب الغسل مع وجود الرائحة فقط ، وهو باطل بغير خلاف لما قدمناه من تلازم الصفات إلا لعارض ، فوجود بعضها كاف.

قوله : ( لم يجب الغسل ، إلاّ أن يعلم أنه مني ).

وذلك لأن الحكم تابع لخروج المني ، لا لوجود الصّفات ، فلو أحس بانتقال المني فأمسك نفسه ، ثم خرج بعده بغير شهوة ولا فتور تعلق به الوجوب.

قوله : ( قبل أو دبر ، ذكر أو أنثى ).

كان حقّه أن يقول : لذكر أو أنثى ، لأن الفرج لا يكون ذكرا ولا أنثى ، والخلاف في الدّبر للأنثى والذّكر ، والأصحّ وجوب الغسل لغيبوبة الحشفة فيهما.

أما دبر المرأة ، فلقول الصادق عليه‌السلام : « هو أحد المأتيين ، فيه الغسل » (٣) ، ولفحوى قول علي عليه‌السلام ، في الإنكار على الأنصار ، : « أتوجبون عليه‌

__________________

(١) في هامش نسخة « ح » : ويلوح من عبارة المصنّف ان المعتبر عند الاشتباه انما هو الدفق والشهوة ، دون باقي الصفات ، وليس بجيّد. « منه مدّ ظله ».

(٢) الحجر ١٥ : ٧٨ ، ٧٩.

(٣) الاستبصار ١ : ١١٢ حديث ٣٧٣.

٢٥٦

حي أو ميّت ، أنزل معه أو لا ، فاعلا أو مفعولا على رأي ، ولا يجب في فرج البهيمة إلاّ مع الانزال.

______________________________________________________

الجلد والرّجم ، ولا توجبون عليه صاعا من ماء » (١) ، ولنقل المرتضى الإجماع (٢) ، وأما دبر الذّكر فلفحوى الإنكار السّابق ، ولدعوى المرتضى الإجماع المركّب ، باعتبار أن كل من أوجب الغسل بالغيبوبة في دبر المرأة ، أوجبه في دبر الذكر ، وكل من نفى نفى ، فيلزم من إيجابه في الأوّل إيجابه هنا ، ولا يضرّ قدح المحقّق بأنه لم يثبت (٣) ، لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة.

قوله : ( حيّ أو ميت ).

أي : هذا التغييب لحيّ أو ميّت وإلا لم يستقم ، فان غيّب الحيّ في الميّت ، أو استدخل آلته وجب الغسل على الأصح استصحابا للحكم الثّابت في حال الحياة ، ولصدق الختان ، وكذا : لا فرق بين الطائع والمكره ، والنائم والمستيقظ للعموم.

قوله : ( فاعلا أو مفعولا ).

لا يخفى ، أن الميّت مستثنى من هذا الحكم لانتفاء التّكليف في حقّه ، ولا يخفى أيضا ما في هذه العبارة كلّها من التكلف ، ولو قال : بالغا أولا ، لكان حسنا ، لأن الصّبي والصّبية يتعلق بهما حكم الحدث بالتغيب المذكور ، بالنسبة إلى البالغ وغيره ، وإن لم يتعلّق بهما الوجوب والحرمة ، فيمنعهما الولي من نحو الصّلاة والمساجد ، ويأمرهما بالغسل تمرينا ، فيستبيحان ما يستبيحه البالغ ، كالحدث الأصغر ، وتجب الإعادة بعد البلوغ لانتفاء الشرعية عن السّابق.

قوله : ( ولا يجب في فرج البهيمة ، إلاّ مع الإنزال ).

لا نصّ للأصحاب بالإتيان في فرج البهيمة ، وقول بعض الأصحاب بالوجوب (٤) لا يخلو من ضعف ، لعدم المستند ، وحمله على المرأة قياس ، وصدق الختان‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٩ حديث ٣١٤.

(٢) الناصريات : ٢٢٣.

(٣) المعتبر ١ : ١٤٨.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٧٠ ، وذهب إليه العلامة في المختلف : ٣١ وأسنده إلى السيد المرتضى.

٢٥٧

وواجد المني على جسده أو ثوبه المختص به جنب ، بخلاف المشترك.

______________________________________________________

ممنوع ، وحديث الأنصار (١) ، لا دلالة له هنا ، فان مقتضاه ثبوت الغسل في كل موضع يثبت فيه الجلد والرّجم ، لا مطلقا ، لكن الوجوب أحوط.

قوله : ( وواجد المني على جسده ، أو ثوبه المختصّ به جنب ).

المراد بكونه مختصّا به : أن لا يشركه فيه غيره على صورة الاجتماع فيه ، وإن تعاقبا عليه ، لاختصاص الحكم بصاحب النوبة ، وتحقيق ما هناك : أن من وجد على بدنه ، أو ثوبه المذكور المني المعهود ، ولم يمتنع كونه منه وجب عليه الغسل وإن لم يتذكر احتلاما ، لمقبولة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرّجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ، ولم يكن رأي في منامه أنّه احتلم قال : « فليغتسل ، وليغسل ثوبه ، ويعيد صلاته » (٢).

واعتبر في إيجاب الغسل عدم امتناع كون المني منه ، إذ لو امتنع ذلك عادة ، كأن وجد على ثوب صبي لا يمكن احتلامه ، بخلاف من يمكن احتلامه كمن بلغ اثنتي عشرة سنة ، كما ذكره المصنّف في المنتهى (٣) ، فإنه يحكم بكونه منه ، وتلحقه أحكام الجنابة ، ويحكم ببلوغه ، ومن هذا يعلم أن إطلاق العبارة لا بدّ من تقييده.

قوله : ( بخلاف المشترك ).

أي : فإنه لا يجب الغسل على واحد من المشتركين بوجدان المني ، ويتحقّق الاشتراك بكونهما معا دفعة مجتمعين فيه ، كالكساء الّذي يفرش ، أو يلتحف به ، وكذا لو تعاقبا عليه وجهل صاحب النّوبة ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون وجدان المني بعد القيام ، أو قبله مع حصول الاشتباه ، خلافا للشّيخ (٤) ، فان اعتبار الاشتراك عنده مشروط بوجدانه بعد القيام.

وإنّما لم يجب لامتناعه ، فان إيجابه عليهما يقتضي إيجاب الغسل بغير سبب ، للقطع ببراءة أحدهما ، ولا يكون تكليف مكلف مقدمة لتكليف آخر ، ولأن كلّ واحد منهما متيقّن للطهارة شاك في الحدث ، وإيجابه على واحد معلوم البطلان أيضا ، فلم يبق‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٩ حديث ٣١٤.

(٢) الاستبصار ١ : ١١١ حديث ٣٦٧.

(٣) المنتهى ١ : ٨٠.

(٤) النهاية : ٢٠.

٢٥٨

ويسقط الغسل عنهما ، ولكل منهما الائتمام بالاخر على اشكال ، ويعيد كل صلاة لا يحتمل سبقها.

______________________________________________________

إلا السقوط ، لكن يستحب لكل منهما الغسل الرافع ، للقطع بأن أحدهما جنب ، وينويان الوجوب كما في كل احتياط ، ولو علم المجنب منهما بعد ذلك فالوجه وجوب الإعادة.

قوله : ( ولكل منهما الائتمام بالآخر على إشكال ).

ينشأ من سقوط اعتبار هذه الجنابة في نظر الشارع ، ولهذا يجوز لكلّ منهما اللبث في المساجد ، وقراءة العزائم ، وكلّ مشروط بالطهارة ، ولأن كلّ منهما متيقّن للطهارة شاك في الحدث ، ولأن صلاة المأموم متوقفة على صحّة صلاة الإمام ظاهرا ، وهو ظاهر اختيار المصنّف في المنتهى (١) وفي جميع الدلائل نظر ، لمنع الصغرى في الأوّل ، والكبرى في الأخيرين.

ومن أن سقوط بعض أحكام الجنابة إنّما كان لتعذر العلم بالجنب المستلزم للمحذور ، وهو منتف في موضع النزاع ، لتردد حال المأموم بين كونه جنبا ، أو مؤتما بجنب ، وأيّا ما كان يلزم البطلان ، وهذا مختار شيخنا الشهيد ، وولد المصنف (٢) ، وقطع به صاحب المعتبر (٣) وهو الأقوى.

وضابط ذلك أن كل فعل لا تتوقف صحّته من أحدهما على صحته من الآخر ، ولو توقّف معية صحيح منهما ، وما كان متوقفا لابتنائه عليه كصلاة المأموم ، أو لكونه لا يصحّ إلا معه كما في الجمعة إذا تم العدد بهما لا تصحّ المتوقّفة ، ففي الأولى صلاة المأموم الّذي وقع له الاشتباه باطلة خاصّة ، وأمّا في الثّانية فلا تصحّ الجمعة أصلا إذا علم الحال عند المصلين ، وإلاّ فصلاة من علم خاصّة ، وكذا العيد الواجبة ، وما عدا ذلك من دخولهما إلى المسجد دفعة ، وقراءتهما العزائم ، ونحوه لا حجر فيه قطعا ، وإن توهمه بعض القاصرين (٤).

قوله : ( ويعيد كلّ صلاة لا يحتمل سبقها ).

أي : يعيد واجد المني على ثوبه ، أو بدنه كلّ صلاة لا يحتمل سبقها على‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٨١.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٦.

(٣) المعتبر ١ : ١٧٩.

(٤) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣١٠ : ( وما وجدت من صرح به الا الصيمري في كشف الالتباس ).

٢٥٩

ولو خرج مني الرجل من المرأة بعد الغسل لم يجب الغسل ، إلاّ أن تعلم خروج منيها معه ، ويجب الغسل بما يجب به الوضوء.

______________________________________________________

الاحتلام ، فهذا من أحكام واجد المني ، وما بينهما معترض ، ويندرج في ذلك ما علم سبقه ، وما شك فيه ، فيعيد من آخر نومه لأصالة البراءة ممّا عداه ، وأصالة صحّة ما فعله ، وأصالة عدم تقدم المفسد.

وقال في المبسوط : يعيد جميع الصّلوات من آخر غسل رافع للحدث ، (١) وكأنه ينظر إلى احتمال التقدّم فيوجب رعاية الاحتياط ، وليس بجيّد لما تقدّم ، إلا أن يحمل على تعقب النّومة الأخيرة للغسل من غير فصل ، أو على ما إذا لبس ثوبا ونام فيه ، ثم نزعه وصلى في غيره أيّاما ، ثم وجد المني فيه على وجه لا يحكم بكونه من غيره ، فان في هذين الموضعين يتخرّج الحكم على القولين معا.

هذا بالنسبة إلى الحدث ، أمّا بالنسبة إلى الخبث فلم يتعرض اليه المصنّف ، وحكمه وجوب إعادة ما بقي وقته من الصّلوات المحكوم بتأخرها عن هذا الحدث لا ما خرج ، بناء على إعادة الجاهل بالنّجاسة في الوقت ، وتصويره منفكا عن الحدث في هذا الفرض دقيق.

قوله : ( ولو خرج مني الرّجل من المرأة بعد الغسل لم يجب الغسل ، إلاّ أن يعلم خروج منيّها معه ).

لا كلام إذا علمت أحد الأمرين من خروج منيّها معه وعدمه ، إنّما الكلام فيما إذا شكت ، فظاهر العبارة عدم الوجوب ، لأصالة البراءة وأصالة عدم الخروج ، وقيل : يجب (٢) إذ الأصل في الخارج من المكلّف أن يتعلّق حكمه به إلى أن يتحقّق المسقط له ، ولا بأس به لما فيه من الاحتياط ، وتحقق البراءة معه.

قوله : ( ويجب الغسل بما يجب به الوضوء ).

أي : بماء طاهر مملوك ، أو في حكمه.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨.

(٢) قاله الشهيد في الدروس : ٥.

٢٦٠