الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤
ولو نكس المسح جاز. ولو استوعب القطع محل الفرض سقط المسح ، وإلاّ مسح على الباقي ، ويجب المسح على البشرة ، ويجوز على الحائل ـ كالخف وشبهه ـ للضرورة أو التقية خاصة ، فإن زال السبب ففي الإعادة من غير حدث اشكال.
______________________________________________________
ذلك ، على ما حكي من كلامه.
على أن القول بأن الكعب هو المفصل بين الساق والقدم ، إن أراد به : أن نفس المفصل هو الكعب ، لم يوافق مقالة أحد من الخاصة والعامة ، ولا كلام أهل اللغة ، ولم يساعد عليه الاشتقاق الذي ذكروه ، فإنهم قالوا : إن اشتقاقه من كعب إذا ارتفع (١) ، ومنه : كعب ثدي الجارية ، وإن أراد به أن ما نتئ عن يمين القدم وشماله هو الكعب ـ كمقالة العامة (٢) ـ ، لم يكن المسح منتهيا الى الكعبين ، والمعتمد ما قدمنا حكايته عن الأصحاب ، وعليه الفتوى.
ويجب إدخال الكعبين في المسح ، إمّا لأن ( إلى ) بمعنى مع ، أو لأن الغاية التي لا تتميز يجب إدخالها ، ولو بلغ بالمسح ، إلى المفصل خروجا من الخلاف لكان أحوط.
قوله : ( ولو نكس المسح جاز ).
وقيل : لا يجوز (٣) ، لأن ( إلى ) للانتهاء ، وجوابه : أنها على تقدير أن تكون للانتهاء ، لا يلزم ما ذكر من عدم جواز النكس ، لأن الانتهاء كما يكون للكيفية كذا يكون للكميّة ، مثل أعطه من عشرة إلى واحد ، ومع الاحتمال لا يتعين واحد ، وكذا القول في ( إلى المرافق ) ، وقول الصادق عليهالسلام : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (٤) يدل على الجواز ، نعم هو مكروه.
وما أحسن قوله : ( ولو استوعب القطع محل الفرض سقط المسح ، وإلا مسح على الباقي )! فإنه شامل للمطلوب ، جار على جميع الأقوال.
قوله : ( فان زال السبب ففي الإعادة إشكال ).
ينشأ من أنها طهارة ضرورة ، فيتقدر بقدرها ، ومن أن زوال السبب المبيح
__________________
(١) انظر : لسان العرب ١ : ٧١٨ مادة ( كعب ).
(٢) انظر : المغني لابن قدامة ١ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣ ، المجموع ١ : ٤٢٢ ، وانظر تهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١١٦.
(٣) قاله ابن إدريس في السرائر : ١٧ ، والشهيد في الألفية : ٢٩.
(٤) التهذيب ١ : ٥٨ حديث ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ حديث ١٦٨.
ولا يجزئ الغسل عنه إلاّ للتقيّة ، ويجب أن يكون مسح الرأس والرجلين ببقية نداوة الوضوء ،
______________________________________________________
للرخصة بعد الحكم بصحة الطهارة ، وكونها رافعة للحدث لا يقتضي البطلان ، إذ ليس هو من جملة الأحداث ، وتحقيق البحث يتم بمقدمات.
أ : امتثال المأمور به يقتضي الاجزاء ، والإعادة على خلاف الأصل ، فيتوقف على الدليل ، وبيانهما في الأصول.
ب : يجوز أن ينوي صاحب هذه الطهارة رفع الحدث لانتفاء المانع ، ومتى نواه حصل له ، لقوله عليهالسلام : « وإنما لكل امرئ ما نوى » (١).
ج : بعد ارتفاع الحدث إنما ينقض الرافع له حدث مثله ، وزوال السبب ليس من الأحداث إجماعا ، فيجب استصحاب الحكم إلى أن يحصل حدث آخر ، ومتى تقررت هذه المقدمات لزم الجزم بعدم الإعادة هنا ، وفي الجبيرة ، وهو الأصح.
وتقدّر الطهارة بقدر الضرورة ، إن أريد به عدم جواز الطهارة كذلك بعد زوال الضرورة فحقّ ، وإن أريد به عدم إباحتها فليس بحق ، لأن المتقدر هي لا إباحتها ، فإن ذلك هو محل النزاع.
قوله : ( ولا يجزئ الغسل عنه إلا للتقيّة ).
ولا تجب الإعادة بزوالها قولا واحدا فيما أظنه ، ولا يشترط في الصحة عدم المندوحة لإطلاق النص (٢).
قوله : ( ويجب أن يكون المسح ببقية نداوة الوضوء ).
هذا ما استقر عليه مذهب الأصحاب ، ولا يعتد بخلاف ابن الجنيد (٣) ، فلو استأنف ماء جديدا ، أو مسح بماء الثالثة لم يصح قطعا ، ولو غمس أعضاء الوضوء في الماء فقد منع بعض الأصحاب من المسح بمائه (٤) ، لما يتضمن من بقاء آن بعد الغسل ، فيلزم الاستئناف.
__________________
(١) صحيح البخاري ١ : ٢ ، وسنن ابي داود ٢ : ٢٦٢.
(٢) التهذيب ١ : ٨٢ حديث ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧ حديث ٢١٩.
(٣) نقله العلامة في المختلف : ٢٤.
(٤) المنتهى ١ : ٦٤ ونسب فيه هذا القول الى والده ، وهو اختيار العلامة في المختلف : ٢٦.
فإن استأنف بطل. ولو جفّ ماء الوضوء قبله أخذ من لحيته وحاجبيه وأشفار عينه ومسح به ، فان لم تبق نداوة استأنف.
السادس : الترتيب ، يبدأ بغسل وجهه ، ثم بيده اليمنى ، ثم اليسرى ، ثم يمسح رأسه ، ثم يمسح رجليه ،
______________________________________________________
ويشكل بأن الغمس لا يصدق معه الاستئناف عرفا ، فان المحكم في أمثال ذلك إنما هو العرف ، ولو أريد الاحتياط نوى الغسل عند آخر ملاقاة الماء للعضو حين إخراجه ، تفاديا مما حذره.
ولو مسح العضو وعليه بلل ففي صحّة المسح قولان (١) ، يلتفتان إلى أن بلل المحل يختلط ببلل الوضوء ، فيلزم استئناف الجديد ، وان المرجع في معنى الاستئناف إلى العرف ، وهو غير صادق على هذا الفرد ، وللأصل ، وعموم النصوص (٢) يتناوله ، فإخراجه يحتاج إلى دليل ، ولو منع المسح مثل هذا البلل لمنعه الوضوء في موضع لا ينفك من العرق كالحمّام ، وفيما إذا كان على الأعضاء بلل سابق على الوضوء للقطع ببقاء شيء منه. وفي الذكرى (٣) لو غلب ماء الوضوء رطوبة الرجلين ارتفع الاشكال ، وفيه نظر ، فان التعليل يقتضي بقاءه ، وأصح القولين الثاني ، وهو مختار المحقق (٤) ، وابن إدريس (٥) ، والأول أحوط.
قوله : ( فإن استأنف بطل ).
أي : الوضوء إن اكتفى بهذا المسح إلى أن جف البلل ، أو تعذر المسح بالبلة ، وإلا أعاد المسح بها ، وصح وضوءه ، وذلك بأن يجفف ما على محل الاستئناف ، ويأخذ من نداوة الوضوء. ويمكن عود الضمير إلى المسح ، وحينئذ فيستفاد بطلان الوضوء ، إذا تعذر تدارك المسح على الوجه المعتبر بدليل من خارج.
__________________
(١) قال بالصحة ابن الجنيد كما في المختلف : ٢٦ ، وابن إدريس في السرائر : ١٨ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٦٠ ، وقال بعدمها العلامة ووالده في المختلف : ٢٦.
(٢) الكافي ٣ : ٢٩ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ٩١ حديث ٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٦٢ حديث ١٨٤.
(٣) الذكرى : ٨٩.
(٤) الشرائع ١ : ٢٤.
(٥) السرائر : ١٨.
ولا ترتيب بينهما. فإن أخلّ به أعاد مع الجفاف ، وإلاّ على ما يحصل معه الترتيب ، والنسيان ليس عذرا. ولو استعان بثلاثة للضرورة فغسّلوه دفعة لم يجزئ.
السابع : الموالاة ، ويجب أن يعقب كل عضو بالسابق عليه عند كماله ،
______________________________________________________
قوله : ( ولا ترتيب فيهما ).
هذا أحد القولين (١) لانتفاء المقتضي ، والأصح الوجوب ، لأن وضوء البيان إن وقع فيه الترتيب فوجوبه ظاهر ، وإلا لزم وجوب مقابله ، والثاني باطل اتفاقا. وبيان الملازمة : أن ما وقع عليه وضوء البيان يجب العمل به ، لأن بيان الواجب واجب ، ولقوله عليهالسلام بعده : « هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » (٢).
قيل : يجوز أن يكون الواقع في وضوء البيان خلاف الترتيب ، ولم يتعين ذلك الواقع للإجماع على جواز غيره ، قلنا : فيلزم أن لا يكون قوله عليهالسلام : « هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » جاريا على ظاهره في الفرد المتنازع بل يكون مخصصا بالنسبة إليه ، وهو خلاف الأصل ، وما لزم عنه خلاف الأصل فهو خلاف الأصل.
قوله : ( ولو استعان بثلاثة للضرورة فغسّلوه دفعة لم يجزئ ).
المراد : غسلوا أعضاء وضوئه دفعة ، وذلك حيث يتعذر عليه المباشرة بنفسه ، وإنما لم يجزئ لفوات الترتيب ، وإنما يبطل ما عدا غسل الوجه ، فيعيد المتوالي لذلك ما سواه على الوجه المعتبر.
قوله : ( الموالاة : وهي أن يعقب كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله ).
أي : عند كمال السابق ، والمراد تعقيبه به بحسب العادة ، وهذا أحد القولين للأصحاب في تفسير الموالاة (٣) ، وهو أقرب الى المعنى اللغوي ، فإن الموالاة مفاعلة من الولاء ، وهو التتابع ، وهو اختيار المصنف.
والقول الثاني : إن الموالاة مراعاة الجفاف على معنى أنه يجب الغسل قبل أن
__________________
(١) ذهب الى عدم وجوب الترتيب المحقق في الشرائع ١ : ٢٢ ، والمعتبر ١ : ١٥٥ ، وفخر الإسلام على ما ذكره السيد العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٢٦٠ ، وذهب الى وجوب الترتيب الصدوق في الفقيه ١ : ٢٨ ، وسلار في المراسم : ٢٨ ، والشهيدان في الروضة ١ : ٧٥.
(٢) الفقيه ١ : ٢٥ حديث ٣.
(٣) منهم : المفيد في المقنعة : ٥ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٣ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٣ ، والخلاف ١ : ٨ مسألة ٤١ كتاب الطهارة ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٥٧ والشهيد في الذكرى : ٩٢.
______________________________________________________
يجف ما قبله ، فما دام البلل باقيا فلا حرج ، وهو الظاهر من عبارة أكثر الأصحاب (١) ، وفي بعض حواشي الشهيد حكاية قول ثالث جامع بين التفسيرين ، وهو المتابعة اختيارا ، ومراعاة الجفاف اضطرارا.
وعندي إن هذا هو القول الأول ، لأن القائل به لا يحكم بالبطلان بمجرد الإخلال بالمتابعة ما لم يجف البلل ، فلم يبق لوجوب المتابعة معنى إلا ترتب الإثم على فواتها ، ولا يعقل تأثيم المكلف بفواتها إلا إذا كان مختارا ، لامتناع التكليف بغير المقدور.
إذا تقرر ذلك فأصح القولين هو الثاني ، إذ ليس في النصوص ما ينافيه ، والموالاة بالمعنى الأول تقتضي زيادة تكليف ، والأصل عدمه.
وقد احتج المصنف على الأول بحجج مدخولة ، ولو تمت لزم فساد الوضوء بالإخلال بالمتابعة ، لعدم تحقق الامتثال بدونها على تقدير الوجوب ، لأن الامتثال إنما يتحقق إذا أتى بالمأمور به مشتملا على جميع الأمور الواجبة فيه ، وأصحاب القول الأول لا يقولون به ، وهذا من أمتن الدلائل على صحة القول الثاني ، وهنا مباحث :
أ : حكى في الذكرى (٢) عن الأصحاب ، في تحقيق معنى جفاف السابق وعدمه ثلاثة أقوال : فعن ظاهر المرتضى (٣) ، وابن إدريس (٤) اعتبار العضو المتقدم بغير فصل ، وعن صريح ابن الجنيد (٥) اشتراط بقاء البلل في جميع ما تقدم ، إلاّ لضرورة ، وعن ظاهر باقي الأصحاب (٦) الاكتفاء بشيء من البلل ، واطباقهم على الأخذ من شعور الوجه للمسح ، وورود الأخبار (٧) بذلك يقتضي صحة الثالث ، إذ لولاه لزم
__________________
(١) منهم : السيد المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢١ ، وسلار في المراسم : ٣٨ وابن البراج في المهذب ١ : ٤٥ ، وابن إدريس في السرائر : ١٧.
(٢) الذكرى : ٩٢.
(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢١.
(٤) السرائر : ١٨.
(٥) نقل عنه في المختلف : ٢٧.
(٦) منهم : سلار في المراسم : ٣٨ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٢ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٢٢ ، والشهيد في اللمعة ١٨.
(٧) التهذيب ١ : ٥٩ ، ٨٩ حديث ١٦٥ ، ٢٣٥ ، الاستبصار ١ : ٥٩ ، ٧٤ حديث ١٧٥ ، ٢٢٩.
فإن أخلّ وجف السابق استأنف وإلاّ فلا. وناذر الوضوء مواليا لو أخلّ بها فالأقرب الصحة والكفّارة.
______________________________________________________
فساد الوضوء للإخلال بالموالاة.
ب : هل بقاء البلل معتبر مطلقا ، أم في الهواء المعتدل ، حتى لو كان مفرط الرطوبة وعرق (١) بحيث لو لا إفراط الرطوبة لجف البلل ـ يبطل الوضوء؟ فيه احتمال ، ووجه الصحة بقاء البلل حسّا ، والتقدير على خلاف الأصل ، قال في الذكرى (٢)! وتقييد الأصحاب بالهواء المعتدل ، ليخرج طرف الإفراط في الحرارة.
ج : لو تعذر بقاء الموالاة لإفراط الحرّ والهواء ، مع رعاية ما يمكن من الإسباغ والإسراع فالظاهر السقوط ، وعليه يحمل الحديث (٣) الدال على اغتفار جفاف البلل ، ولو افتقر إلى الاستئناف للمسح جاز ، كما صرّح به في الذكرى (٤) وغيرها ، ولو جمع بين الوضوء والتيمم احتياطا كان أقرب الى البراءة.
قوله : ( فإن أخل وجف السابق ).
المتبادر منه جفاف الجميع.
قوله : ( وناذر الوضوء مواليا ، لو أخل بها فالأقرب الصحة والكفارة ).
المراد بالوضوء : ما يتصور تعلق النذر به ليشمل المندوب ، والواجب المبيح وغيره ، فمن نذر الوضوء مواليا ، أي : متابعا لأفعاله انعقد نذره.
أما على القول بأنها مراعاة الجفاف فظاهر ، وأما على أنها المتابعة ، فلأن نذر الواجب ينعقد ويظهر أثره في وجوب الكفارة بالمخالفة ، فلو توضأ وأخل بالمتابعة ففي صحة الوضوء وجهان ، يلتفتان إلى أن المعتبر في صحة الفعل حاله الذي اقتضاه النذر ، أم أصله ، لأن شرط المنذور كغيره ، إذ هو بعض أفراد الوضوء؟ الأصح الأول ، لاقتضاء النذر ذلك ، فلا يقع عن المنذور لعدم المطابقة ، ولا عن غيره لعدم النيّة ، إذ الفرض أن المنوي هو المنذور ، ومثله لو نذر صلاة ركعتين من قيام ، فأتى بهما من جلوس بنيّة النذر ، لم
__________________
(١) في ( ع ) و ( ح ) فرق ، والمثبت هو الصحيح ظاهرا.
(٢) الذكرى : ٩٢.
(٣) التهذيب ١ : ٨٨ حديث ٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٧٢ حديث ٢٢٢.
(٤) الذكرى : ٩٢.
______________________________________________________
ينعقد ، مع أن القيام غير شرط في أصلها.
إذا تقرر ذلك ، فقد رتب المصنف على صحة الوضوء وجوب الكفارة ـ وصرّح به الشارحان ـ (١) وكأنه يرى أن المأتي به هو المنذور ، والكفارة للإخلال بالصفة المشترطة.
وليس بجيد ، لأن المأتي به إنما يجزئ عن المنذور إذا اشتمل على جميع وجوه الوجوب فيه ، لأن هذا هو المعقول من الاجزاء ، وحينئذ ، فلا كفارة لعدم المخالفة ، وإلا بقي المنذور في الذمة لعدم الإتيان به.
والفرض عدم المطابقة بين المأتي به والمنذور فيبقى في عهدته ، فيجب تداركه ، ولا تجب الكفارة إلا إذا قصّر في التدارك عند تضيق وقته حتى فات وقته ، فظهر أنّ الكفارة لا يتوجه القول بها على واحد من القول بالصحة والبطلان ، إلا على ما ذكرناه.
وفصّل ولد المصنف بما حاصله على القول بالبطلان (٢) ، مع بقاء الوقت تجب الإعادة ولا كفارة ، وعلى الصحة تجب ، ومع خروج الوقت تجب مطلقا ، وهذا لأنه فرض نذر الوضوء مواليا في وقت معين ، وهو بعض أفراد مسألة الكتاب ، لأنها أعم من أن يكون النذر معيّنا أو مطلقا.
والحاصل : إن جعل مدار وجوب الكفارة صحة الوضوء المأتي به غير مستقيم ، وسيأتي في باب صلاة النذر أنه لو نذر صلاة في زمان ، أو مكان مخصوص فأتى بها في غيره ، فإنه يجب عليه فعلها فيه ولا كفارة ، وهو مخالف لما هنا ، والحق أن ما قرروه هنا لا وجه له.
وتحقيق الحكم : ان الوضوء المنذور كذلك إن تعين وقته ، وأخل بالصفة المشترطة اختيارا حتى خرج الوقت وجبت الكفارة ، وإن بقي تداركه فيه ولا كفارة ، سواء قلنا بصحة المأتي به على خلاف الصفة أم لا ، وإن لم يتعين وقته لم يتحقق وجوب الكفارة فيه ، إلا مع تضيق وقته بغلبة ظن الوفاة ، مع الإخلال به على التقديرين أيضا.
__________________
(١) انظر : إيضاح الفوائد ١ : ٤٠.
(٢) انظر : إيضاح الفوائد ١ : ٤١.
الفصل الثاني : في مندوباته
ويتأكد السواك وان كان بالرطب للصائم آخر النهار وأوله سواء ،
______________________________________________________
قوله : ( الفصل الثاني : في مندوباته.
ويتأكد السواك وإن كان بالرطب للصائم آخر النهار وأوله سواء ).
من مستحبات الوضوء المتأكدة السواك ، حتى أنه ورد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : « لو لا أن أشق على أمتي ، لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء » (١) ، أي : لأوجبته عليهم ، فان الاستحباب ثابت ، وعن الباقر والصادق عليهماالسلام : « صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك » (٢) ويستحب بقضبان الأشجار ، وأفضلها الأراك ، وتجزئ الخرقة الخشنة ، والإصبع ، ويستحب أن يكون عرضا.
ولا فرق بين الرطب واليابس للصائم ، وغيره.
وقال ابن أبي عقيل (٣) ، والشيخ (٤) يكره بالرطب للصائم ، ولا فرق في استحبابه للصائم بين أول النهار وآخره ، خلافا للعامة (٥) ، القائلين بكراهته للصائم بعد الزوال ، لأنه يزيل أثر العبادة ، وليس بشيء.
قال في الذكرى (٦) ما حاصله : هل السواك والتسمية من سنن الوضوء حتى تقع عندهما نيته؟ ظاهر الأصحاب (٧) والأخبار (٨) انهما من سننه ، لكن لم يذكر الأصحاب إيقاع النيّة عندهما ، ولعله لسلب اسم الغسل المعتبر في الوضوء عنهما.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٢ حديث ١ ، الفقيه ١ : ٣٤ حديث ١٢٣.
(٢) الكافي ٣ : ٢٢ حديث ١ وفيه : ( ركعتان بالسواك ) ، الفقيه ١ : ٣٣ حديث ١١٨ ، المحاسن : ٥٦١ حديث ٩٤٩.
(٣) حكاه العلامة في المختلف : ٢٢٣.
(٤) المبسوط ١ : ٢٧٣ ، النهاية : ١٥٦.
(٥) الوجيز ١ : ١٣ ، المجموع ١ : ٢٧٥ ، نيل الأوطار ١ : ١٢٧.
(٦) الذكرى : ٨٣.
(٧) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٢٧٣ ، وسلار في المراسم : ٣٨ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٦٨ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٤.
(٨) الكافي ٣ : ٢٢ باب السواك ، الفقيه ١ : ٣٣ باب السواك ، المحاسن : ٥٥٨ باب الخلال والسواك.
ووضع الإناء على اليمين ، والاغتراف بها ، والتسمية ، والدعاء.
وغسل الكفين قبل إدخالهما الإناء مرة من حدث النوم والبول ، ومرتين من الغائط ، وثلاثا من الجنابة ،
______________________________________________________
قوله : ( ووضع الإناء على اليمين والاغتراف بها ).
هذا إن كان يتوضأ من إناء يمكن الاغتراف منه باليد ، أسنده في الذكرى (١) الى الأصحاب ، روي ان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحب التيامن في شأنه كله (٢) ، ويستحب أن يكون الاغتراف باليد اليمنى ، لفعل الباقر عليهالسلام في وصف وضوء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣) ، وليدره بها إلى اليسار عند غسل اليمنى ، قاله الأصحاب ، وروي عن الباقر عليهالسلام الأخذ لغسل اليمنى باليسرى (٤).
وروي عنه عليهالسلام الأخذ باليمنى أيضا (٥).
قوله : ( والتسمية والدعاء ).
هي قول : بسم الله وبالله ، إلى آخره الدعاء (٦).
قوله : ( وغسل الكفين قبل إدخالهما الإناء ... ).
غسل الكفين للوضوء من مفصل الزند ، وللجنابة من المرفق ـ على الأظهر ـ لورود النص به (٧) ، وظاهر العبارة عدم الفرق ، ولو اجتمعت هذه الأسباب تداخل الغسل كما صرّح به في المنتهى (٨).
__________________
(١) الذكرى : ٨٠.
(٢) صحيح البخاري ١ : ٥٣ باب ٣١.
(٣) الكافي ٣ : ٢٥ حديث ٤ ، ٥.
(٤) الكافي ٣ : ٢٤ حديث ٢.
(٥) الكافي ٣ : ٢٤ حديث ٣.
(٦) التهذيب ١ : ٥٣ حديث ١٥٣.
(٧) التهذيب ١ : ١٣١ حديث ٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ١١٨ حديث ٣٩٨.
(٨) المنتهى ١ : ٤٩.
والمضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا ، والدعاء عندهما وعند كل فعل ، وبدأة الرجل بغسل ظاهر ذراعيه ، وفي الثانية بباطنهما ، والمرأة بالعكس ، والوضوء بمد ،
______________________________________________________
قوله : ( والمضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا ).
ويستحب كونهما بثلاث أكف ، ثلاث أكف ، وقول ابن أبي عقيل : ليسا بفرض ولا سنة (١) ضعيف ، ويستحب المبالغة فيهما بجذب الماء إلى أقصى الحنك ، وجذبه إلى خياشيمه لغير الصائم.
قوله : ( والدعاء عندهما ).
يريد به : فيهما ، كما عبر به في المنتهى (٢).
قوله : ( وبدأة الرجل بغسل ظاهر ذراعيه ... ).
قال في الذكرى (٣) : إن أكثر الأصحاب لم يفرقوا بين الرجل والمرأة (٤) ، والفرق ذكره في المبسوط (٥) ، وتبعه جماعة (٦) ، وتتخيّر الخنثى.
قوله : ( والوضوء بمد ).
سيأتي بيان المدّ ـ إن شاء الله تعالى ـ في الفطرة (٧) ، قال في الذكرى : المد لا يكاد يبلغه الوضوء ، فيمكن أن يدخل فيه ماء الاستنجاء ، لما تضمنته رواية ابن كثير ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام (٨).
__________________
(١) حكاه عنه العلامة في المختلف : ٢١.
(٢) المنتهى ١ : ٥١.
(٣) الذكرى : ٩٤.
(٤) منهم : العلامة في المنتهى ١ : ٥١.
(٥) المبسوط ١ : ٢١.
(٦) ممن ذهب الى هذا القول : المفيد في المقنعة : ٥ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٢ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٢ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٢٤ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٤ والعلامة في المنتهى ١ : ٥١ ، والشهيد في الدروس : ٤ ، واللمعة ١٨.
(٧) الكافي ١ : ٧٠ حديث ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦ حديث ٨٤ ، المقنع : ٢ ، التهذيب ١ : ٥٣ حديث ١٥٣ المحاسن : ٤٥ حديث ١٦.
(٨) الذكرى : ٩٥.
وتثنية الغسلات والأشهر التحريم في الثالثة ، ولا تكرار في المسح.
وتكره الاستعانة ، والتمندل ، ويحرم التولية اختيارا.
______________________________________________________
قوله : ( وتثنية الغسلات ).
خلافا لابن بابويه ، حيث أنكر الثانية (١).
قوله : ( والأشهر التحريم في الثالثة ).
وقال ابن الجنيد (٢) ، وابن أبي عقيل (٣) ، والمفيد بعدم التحريم (٤) ، وهو ضعيف ، والأصح التحريم إذا اعتقد الشرعية ، لأنه أدخل في الدين ما ليس منه ، ويبطل الوضوء إن استوعب بها الأعضاء ، بحيث يتعذر المسح بالبلل.
قوله : ( ولا تكرار في المسح ).
أي : لا واجبا ولا مندوبا ، ولو اعتقد الشرعية حرم وأثم ، وعليه ينزل قول الشيخين (٥) ، وابن إدريس بالتحريم (٦) ، ولا يبطل به الوضوء قطعا.
قوله : ( وتكره الاستعانة ).
لورود النص بالنهي عنها (٧) ، ونحو إحضار الغير الماء للوضوء لا يعد استعانة ، بل صب الماء ليغسل به المتوضي استعانة ، لا صبه على العضو فان ذلك تولية.
قوله : ( والتمندل ).
لما روي عن أبي عبد الله عليهالسلام : « من توضأ فتمندل كانت له حسنة ، وإن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوءه كانت له ثلاثون حسنة » (٨) وقيل بعدم
__________________
(١) الهداية : ١٦.
(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٢.
(٣) المصدر السابق.
(٤) المقنعة : ٥.
(٥) المفيد في المقنعة : ٥ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٢٣.
(٦) السرائر : ١٧.
(٧) الكافي ٣ : ٦٩ حديث ١ ، الفقيه ١ : ٢٧ حديث ٨٥ ، التهذيب ١ : ٣٦٥ حديث ١١٠٧.
(٨) الكافي ٣ : ٧٠ حديث ٤ ، الفقيه ١ : ٣١ حديث ١٠٥ ، ثواب الأعمال : ٣٢ حديث ١.
الفصل الثالث : في أحكامه
يستباح بالوضوء الصلاة والطواف للمحدث إجماعا ، ومس كتابة القرآن إذ يحرم عليه مسها على الأقوى.
______________________________________________________
الكراهية (١).
والمراد بالتمندل : مسح ماء الوضوء بثوب ونحوه ، والظاهر أنّ مسح الوجه باليدين ، ووضع اليدين في الكمين لا يعد مكروها ، لعدم صدق التمندل على ذلك ، لكن قوله عليهالسلام : « حتى يجف وضوءه » قد يشعر بخلاف ذلك.
قوله : ( الفصل الثالث : في أحكامه : يستباح بالوضوء الصلاة ، والطواف للمحدث إجماعا ).
إطلاق استباحة الطواف للمحدث لا يخلو من تسامح ، فان مندوبه مباح للمحدث بخلاف الصلاة ، وإنما الوضوء مكمل له ، فكان ينبغي أن يقيد الطواف بالواجب.
قوله : ( ومس كتابة القرآن ، إذ يحرم مسّها على الأقوى ).
لثبوت النهي عن مسّها للمحدث ، والنهي للتحريم ، وقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ). (٢) خبر معناه النهي ، والمراد بالكتاب : الكتابة ، لأن المراد به ما بين دفتي المصحف ، والمراد بالمس : الملاقاة بشيء من البدن ، والظاهر أن الإصابة بنحو الشعر والسن لا يعد مسّا ، ويراد بالكتابة الرقوم الدالة على مواد الكلمات ، كما يسبق إلى الأفهام ، فالإعراب لا يعدّ منها ، بخلاف نحو الهمزة والتشديد ، مع احتمال عدّ الجميع والعدم ، لخلو الكتابة السابقة عن الجميع ، ولا يحضرني الآن في ذلك كلام لأحد.
__________________
(١) قال الشهيد في الذكرى : ( وظاهر المرتضى في شرح الرسالة عدم كراهية التمندل وهو أحد قولي الشيخ ) وشرح الرسالة غير متوفر لدنيا ، وقول الشيخ في المبسوط ١ : ٢٣.
(٢) الواقعة : ٧٩.
وذو الجبيرة ينزعها مع المكنة ، أو يكرر الماء حتى يصل البشرة ، فإن تعذّر مسح عليها وان كان ما تحتها نجسا ، وفي الاستئناف مع الزوال اشكال.
______________________________________________________
قوله : ( وذو الجبيرة ينزعها مع المكنة ، أو يكرر الماء حتى يصل البشرة ، فإن تعذر مسح عليها وإن كان ما تحتها نجسا ).
تحرير القول في الجبيرة أنها إن كانت في موضع الغسل ، وكان ما تحتها طاهرا ، وأمكن إيصال الماء اليه من غير خوف ضرر ، يجوز للمكلف تكرير الماء حتى تنغسل به البشرة ، ولا يجب النزع وان أمكن لحصول الغسل المطلوب ، ولو كان ما تحتها نجسا وأمكن النزع ولا ضرر بالغسل ، وجب النزع لوجوب تطهير محل الغسل إذا لم يمكن تطهيره بدون النزع.
ولو تعذر النزع وإيصال الماء ، أو خاف الضرر ، أو كان ما تحتها نجسا وتعذر تطهيره ، مسح عليها المسح المعهود في الوضوء ، بشرط أن يكون ظاهرها طاهرا ، وإلا وضع عليها طاهرا ليمسح عليها على الأظهر ، كما صرح به المصنف ، وشيخنا الشهيد (١) ، وإن كانت في محل المسح ، وأمكن النزع ولا ضرر بإيصال الماء تعين النزع ، ولا يجزئ التكرار بحيث يصل البلل الى ما تحتها ، وإن كان ما تحتها طاهرا ، لوجوب المسح ببطن اليد بلا حائل ، وإن لم يمكن النزع ، أو كان يتضرر بوصول الماء ، أو كان ما تحتها نجسا يتعذر تطهيره مسح على الظاهر الطاهر ، وهل يجب تكراره ، بحيث يصل الماء إلى ما تحتها إن أمكن ، وكان طاهرا ولا يتضرر بوصوله؟ وجهان ، أظهرهما الوجوب ، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
إذا عرفت هذا فعد إلى عبارة الكتاب ، وانظر قصورها عن بيان هذه الأحكام ، فان ظاهرها استواء المسح والغسل في ذلك ، وقد عرفت التفاوت بينهما ، وكذا قوله : ( ينزعها مع المكنة أو يكرر الماء ) شامل لما إذا كان ما تحتها نجسا أو طاهرا ، ويتضرر بإصابة الماء ، ومعلوم عدم تخيره بين الأمرين في الصورتين ، فان النزع في الأولى متعين ، والمسح في الثانية كاف وإن أمكن النزع والتكرير.
ومتى أردت ضبط صور المسألة قلت : الجبيرة إما أن يمكن نزعها ، أو لا ، وعلى
__________________
(١) الذكرى : ٩٧.
والخاتم أو السير أو شبههما ان منع وصول الماء حرّك وجوبا ، وإلاّ استحبابا.
وصاحب السلس والمبطون يتوضأ أن لكل صلاة عند الشروع فيها وان تجدد حدثهما ، وكذا المستحاضة.
وغسل الأذنين ومسحهما بدعة ، وكذا التطوق إلاّ للتقية ، وليس مبطلا.
______________________________________________________
التقديرين إما أن يكون في موضع الغسل ، أو لا ، وعلى التقديرات إما أن يكون ما تحتها طاهرا ، أو لا ، وعلى التقادير إما أن يمكن إمساسه بالماء ، أو لا ، وتعذر الإمساس إما أن يكون لتضرر به ، أو لعدم إمكان وصول الماء عادة ، فهذه أربعة وعشرون صورة قد علمت أحكامها ، وبأدنى ملاحظة يعلم ما يدخل في العبارة منها ، وما يخرج. وحكم الطلاء ، واللصوق على الجرح ، ونحوه حكم الجبيرة على الأظهر.
قوله : ( وصاحب السلس والمبطون يتوضأ ان لكل صلاة عند الشروع فيها ، وإن تجدد حدثهما ، وكذا المستحاضة ).
لا إشكال في أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة ، وليكن وضوؤها عند الشروع فيها ، ولا يضرّ تخلل نحو الأذان والإقامة ، وانتظار للجماعة غير كثير ، ونحو ذلك.
وأما السلس فالمشهور أنه كذلك ، نظرا إلى أنه بتجدد الحدث يصير محدثا ، فتجب عليه الطهارة ، ويمنع من المشروط بها ، إلا أن ذلك لما امتنع اعتباره مطلقا ، لتعذر الصلاة حينئذ ، وجب عليه الوضوء لكل صلاة ، مراعاة لمقتضى الحدث بحسب الممكن ، وفي المبسوط (١) : إنه يصلي بوضوء واحد عدة صلوات ، لأن إلحاقه بالمستحاضة قياس ، وجوابه : إن مساواتها له في الحكم بدليل ليس بقياس.
وأما المبطون ، والمراد به : عليل البطن أعم من أن يكون بريح أو غائط ، وفي الرواية تنبيه عليه (٢) ، فالمشهور أنه يتوضأ لكل صلاة ، فإن تجدد حدثه فيها توضأ وبنى بشرط عدم الكلام والاستدبار ، وإنما يتم هذا إذا لم يكن حدثه متواترا ، فان تواتر اتجه كونه كالسلس.
والأصح أن كلاّ من السلس والمبطون ، إن أمكن منه فعل الطهارة والصلاة
__________________
(١) المبسوط ١ : ٦٨.
(٢) الفقيه ١ : ٣٨ حديث ١٤٦ ، التهذيب ١ : ٣٤٨ و ٣٥٠ و ٣٥١ حديث ١٠٢١ ، ١٠٣٦ ، ١٠٣٧.
ولو تيقّن الحدث وشك في الطهارة تطهّر دون العكس. ولو تيقنهما متحدين متعاقبين وشك في المتأخر ، فان لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهر ، وإلاّ استصحبه.
______________________________________________________
سليمة عن الحدث ، ولو بتحري الزمان الذي يرجى فيه ذلك تعين ، وإلاّ وجب الوضوء لكل صلاة ، كما تقدم في السلس ، واعلم أن كلاّ من الثلاثة يجب عليه التحفظ في منع النجاسة بحسب الممكن ، لورود النص (١) ، وتصريح الأصحاب (٢).
قوله : ( ولو تيقن الحدث ، وشك في الطهارة تطهر ... ).
أي : لو تيقن الحدث في زمان ، ثم طرأ الشك في الطهارة بعده ، فان الذهن إذا التفت الى اليقين السابق أفاد ظن بقاء الحدث ، فيترجح على الطرف الآخر ، وهذا هو المراد من قولهم : ( الشك لا يعارض اليقين ) فتجب الطهارة ، وينعكس الحكم لو انعكس الفرض.
قوله : ( ولو تيقنهما متحدين ، متعاقبين ، وشك في المتأخر ، فان لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهر ، وإلا استصحبه ).
أراد بكونهما متحدين : استواءهما في العدد ، كحدث وطهارة ، أو حدثين وطهارتين ، وعلى هذا ، فإنهما إذا استويا في العدد اتحدا فيه ، والمراد بكونهما متعاقبين : كون الطهارة عقيب الحدث ، لا عقيب طهارة ، وكون الحدث عقيب طهارة لا عقيب حدث ، وإنما اعتبر الاتحاد والتعاقب ، لأنه بدونهما لا يطرد الأخذ بمثل ما كان قبلهما ، لو علم حاله قبل زمانهما.
وأصل المسألة مفروضة في كلام الأصحاب ، خالية من هذا التقييد ، وتحريرها : إن من تيقن حصول الحدث والطهارة منه ، ولم يعلم السابق منهما واللاحق ، أطلق المتقدمون من الأصحاب وجوب الطهارة عليه (٣) ، لتكافؤ الاحتمالين من غير ترجيح ، والدخول في الصلاة موقوف على الحكم بكونه متطهرا.
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٦٨ ، والعلامة في المختلف : ٢٨ ، والشهيد في الذكرى : ٩٧.
(٣) منهم : الصدوق في المقنع : ٧ ، والهداية : ١٧ ، والمفيد في المقنعة : ٦ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٢٤.
ولو علم ترك عضو أتى به وبما بعده ، فان جف البلل استأنف.
______________________________________________________
وفصّل المتأخرون في ذلك (١) ، فقالوا : ينظر ، فان لم يعلم حاله قبل زمانهما وجبت الطهارة ـ كما ذكروه ـ ، وإن علم حاله قبلهما ، بأنه كان متطهرا ، أو محدثا لم يتجه الحكم بالطهارة على كل حال.
ثم اختلفوا ، فقال المحقق ابن سعيد : يأخذ بضد ما كان قبلهما من حدث وطهارة (٢) ، لأنه إن كان محدثا ، فقد تيقن رفع ذلك الحدث بالطهارة المتيقنة مع الحدث الآخر ، لأنها إن كانت بعد الحدثين ، أو بينهما فقد ارتفع الأول بها ، وانتقاضها بالحدث الآخر غير معلوم ، للشك في تأخره عنها ، ففي الحقيقة هو متيقن للطهارة ، شاك في الحدث.
وإن كان متطهرا ، فقد تيقن أنه نقض تلك الطهارة بالحدث المتيقن مع الطهارة ، لأنه إن كان بعد الطهارتين ، أو بينهما فقد نقض الأولى على كل تقدير ، ورفعه بالطهارة الأخرى غير معلوم ، للشك في تأخرها عنه ، فهو متيقن للحدث ، شاك في الطهارة.
وقال المصنف : إنه يأخذ بمثل ما كان قبلهما ، واحتج في المختلف (٣) على أنه الآن متطهر إذ علم قبلهما أنه كان متطهرا ، بأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ، ثم توضأ ، ولا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ، ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه ، فلا يزول عن اليقين بالشك ، وعلى أنه الآن محدث ، إذا علم قبلهما أنه كان محدثا ، بأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى الطهارة ، ثم نقضها ، والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها.
ويرد عليه أنه ان لم يعلم التعاقب ، جاز توالي الطهارتين في الأول ، فيكون الحدث بعدهما ، والحدثين في الثاني ، فتكون الطهارة بعدهما ، فلا يتم ما ذكره ، ولهذا قيد المسألة في غير المختلف بالتعاقب (٤) ، ولما كان فرض المسألة لا يأبى كون كل من الطهارة والحدث متعددا ، قيدهما بكونهما متحدين في العدد ، إذ لو زاد أحدهما على عدد
__________________
(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٧٠ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٧.
(٢) المعتبر ١ : ١٧١.
(٣) المختلف : ٢٧.
(٤) المنتهى ١ : ٧٢ ، التحرير ١ : ١٠.
ولو شك في شيء من أفعال الطهارة فكذلك ان كان على حاله ، وإلاّ فلا التفات في الوضوء ، والمرتمس والمعتاد على اشكال.
______________________________________________________
الآخر ، لم يطرد الأخذ بمثل ما كان قبلهما ، لأنه لو زاد عدد الطهارة على الحدث ، وكان قبلهما محدثا لم يكن الآن محدثا ، وما قيد به حق ، إلا أنه خروج عن المسألة إما الى غيرها ، أو الى بعض أفرادها ، وأعراض عن الحكم فيها.
وأورد عليه شيخنا الشهيد : ان ذلك ليس من الشك في شيء (١) ، الذي هو موضوع المسألة ، وهو غير قادح ، لو لا أنه خروج عن المسألة ، إذ يكفي كون الشك في مبدأ الأمر ، وأورد عليه غيره (٢) أن ذلك لا يسمى استصحابا عند العلماء ، ونقل عنه أنه أجاب ، بأن المراد : لازم الاستصحاب ، وهو : البناء على نظير السابق ، والأصح البناء على الضد إن لم يقطع بالتعاقب ، وإلا أخذ بالنظير ، ولو لم يعلم حاله قبلهما تطهر.
قوله : ( ولو شك في شيء من أفعال الطهارة فكذلك ان كان على حاله ).
أي : أتى به وبما بعده إن لم يجف البلل ، هذا إذا كان المتطهر على حاله ـ أي على فعل الطهارة ـ من وضوء وغيره ، ولا يعتبر انتقاله من موضعه إلى موضع غيره ، وإنما يعيد على المشكوك فيه وما بعده ، إذا لم يكثر شكه ، فان كثر عادة لم تجب الإعادة للحرج ، ولأنه لا يأمن دوام عروض الشك ، وربما حدث الكثرة بثلاث مرات ، ويشكل بعدم النص ، فتعيّن الرجوع إلى العرف ، ويزول الحكم بزوال الكثرة.
قوله : ( والمرتمس والمعتاد على إشكال ).
أي : معتاد الموالاة بين أفعال الغسل ، والمراد : إن هذين ـ أيضا ـ لو شكّا في شيء من أفعال الطهارة ، بعد الانتقال عن فعلها ، والفراغ منه لا يلتفتان ، على اشكال ينشأ من أن الأصل عدم الإتيان بالمشكوك فيه ، فلا يتحقق الخروج من عهدة التكليف ، ومن أن الارتماس إنما يصح بارتماسة واحدة عرفا تعم جميع البدن ، والأصل الصحة.
__________________
(١) الذكرى : ٩٨.
(٢) المعترض هو البيضاوي على ما في مفتاح الكرامة ١ : ٢٩٠ حيث قال : ( ان المنقول في حاشية المدارك ... ) انظر : المدارك حاشية ص : ٤١.
ولو ترك غسل أحد المخرجين وصلّى أعاد الصلاة خاصة ، وان كان ناسيا أو جاهلا بالحكم.
وتشترط طهارة محل الأفعال عن الخبث لا غيره ،
______________________________________________________
وأيضا ، فإن الظاهر شمول الماء جميع البدن ، مع عدم الحائل ، والعادة قد يحصل بها العلم ، ولقول الصادق عليهالسلام لزرارة : « إذا خرجت من شيء ، ثم دخلت في غيره ، فشككت ، فليس بشيء » (١) والأصح عدم الالتفات فيهما.
ومقتضى قول المصنف : ( وإلا فلا التفات في الوضوء ، والمرتمس ، والمعتاد ) ثبوت الالتفات في غيرها ، وهو حق في غير التيمم ، فإنه كالوضوء. وفي بعض فوائد شيخنا الشهيد رحمهالله (٢) : أن الاشكال في المعتاد خاصة ، والعبارة محتملة ، وكل من المسألتين قابل للإشكال ، لأن الموالاة غير شرط في الغسل مطلقا ، وإن كان الارتماس إنما يتحقق بارتماسة واحدة ، نعم الحكم في الارتماس أقوى منه في المعتاد.
وفي بعض فوائده : إنّ هذا الاشكال ، لا يتوجه ، لأنه إن حصل ظن الإيقاع بنى عليه ، وإلا فلا فرق بينه (٣) وبين غيره ، وليس بشيء ، لأن العادة تثمر الظن ، إلا أنّ العمل بمطلق الظن ليس بمطرد ، بل المعتبر الظن الذي أقامه الشارع مقام العلم.
قوله : ( ويشترط طهارة محل الأفعال عن الخبث لا غيره ).
أي : لا غير المحل ، وإنما اشترط طهارة محلها لأن الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة ، فلا يصلح للتطهير ، والكثير لا يفيد المحل الطهارة ، مع بقاء العين ، وكما أن النجس لا يطهر ، فكذا محل النجاسة مع بقاء عينها ، حقه أن لا يقبل الطهارة.
ويستفاد من اشتراط طهارة المحل أن المطهر للنجاسة لا يكون محسوبا للطهارة ، بل لا بد من إفاضة الماء عليه بعد تطهيره ، وهو الأصح ، لتوقف يقين البراءة عليه.
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ حديث ١٤٥٩.
(٢) القواعد والفوائد ١ : ٩٠.
(٣) القواعد والفوائد ١ : ١٤٧ و ١٤٩.
ولو جدد ندبا وذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة والصلاة ، وان تعددت على رأي.
______________________________________________________
قوله : ( ولو جدد ندبا ، وذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة والصلاة وإن تعددت على رأي ).
المجدد : هو الوضوء الثاني الواقع بعد وضوء أول مبيح للصلاة ، فلو تبين فساد السابق فالواقع بعده بنية التجديد مجدد ظاهرا ، لا بحسب الواقع ، وقيدناه بكونه أولا ليندرج المجدد الثاني والثالث ، وغيرهما ، إن قلنا بمشروعيته لصلاة واحدة أكثر من مرّة ، أو كان تعدده بحسب الصلوات.
وهذا كما يصدق على المجدد ندبا ، يصدق على الواجب بنذر وشبهه ، فقوله : ( ندبا ) كأنه مستدرك ، إذ لا يظهر له كثير فائدة ، بل ربما كان مضرّا ، لأن التجديد وجوبا تتعلق به بعض هذه الأحكام ، والضمير في ( إحداهما ) يعود إلى الطهارتين ، المجدد وما قبله لدلالته عليه التزاما.
قوله : ( وإن تعددت ) لا يخلو من مناقشة ، إذ العطف بـ ( أن ) الوصلية للفرد الأخفى تأكيدا للحكم ، وبيانا لشموله ، وليس إعادة الصلاة المتعددة أخفى من إعادة الواحدة ، نعم ، ما وقع بالطهارتين من الصلوات ، قد يقال : إعادته أخفى مما وقع بواحدة ، لأن بعض الأصحاب لما اكتفى بالطهارة الثانية ، على تقدير فساد الأولى ، لم يتحقق عنده وجوب إعادة ما وقع بالطهارتين ، بخلاف ما وقع بالأولى ، لعدم القطع بكونها رافعة للحدث ، فيبقى في عهدة التكليف ، فلو قال : وإن وقعت بالطهارتين كان أولى.
واعلم أن هذه المسألة مبنية على الأقوال السابقة في النيّة ، فعلى القول باشتراط نيّة الرفع أو الاستباحة تتعين إعادة الطهارة والصلاة ، لإمكان أن يكون الإخلال من الأولى والثانية لا تبيح لانتفاء النيّة المعتبرة فيها ، فإنها إنما وقعت على قصد التجديد ، والحدث قد كان مقطوعا به ، فيبقى حكمه استصحابا ( لما كان وهذا هو الذي أشار ) (١) إليه المصنف بقوله : ( على رأي ).
__________________
(١) في نسخة « ح » : ولما كان هذا هو الأقوى أشار.
ولو توضأ وصلّى وأحدث ، ثم توضأ وصلّى اخرى ، ثم ذكر الإخلال المجهول أعادهما مع الاختلاف عددا بعد الطهارة ، ومع الاتفاق يصلّي ذلك العدد وينوي به ما في ذمته.
______________________________________________________
وعلى القول بالاكتفاء بالقربة لا إشكال في صحة الصلاة الواقعة بالطهارتين ، إما على القول بالاكتفاء بالوجوب ، أو الندب مع القربة ، فيجب إعادتهما إلاّ في صور :
الاولى : أن تكون الطهارتان معا مندوبتين ، وتكونا معا واقعتين في وقت لا تجب فيه الطهارة ، كما لو توضأ وذمته بريئة من مشروط بالطهارة ، ثم جدد ندبا في وقت لا تجب فيه الطهارة أيضا ، وإنما قيدنا بوقوعهما معا في وقت لا تجب فيه الطهارة ، لأنهما أو إحداهما لو وقعت في وقت الوجوب لم تكن مبيحة للصلاة ، لفقد الشرط ـ وهو نيّة الوجوب ـ فلو كان التجديد ندبا بعد دخول الوقت ، وقد توضأ مندوبا قبله ، لم يكن المجدد كافيا على تقدير فساد الأول ، لفقد نية الوجوب مع كونه معتبرا في صحة طهارته.
الثانية : أن تكونا معا واجبتين ، كأن يتوضأ واجبا ، ويجدد واجبا بنذر وشبهه.
الثالثة : أن يتوضأ واجبا ، ويجدد ندبا ، مع خلو ذمته من مشروط بالطهارة ، لأنه حينئذ مخاطب بالندب ، على تقدير علمه بفساد الاولى ، فيكون شرط النيّة حاصلا.
الرابعة : عكسه ، بأن يتوضأ ندبا مع براءة ذمته ، ويجدد واجبا بنذر وشبهه بعد اشتغالها بمشروط بالطهارة. فإنه في هذه الصور الأربع لا تجب عليه إعادة الطهارة ، ولا الصلاة الواقعة بالطهارتين معا ، لأن أيتهما فسدت أجزأت الأخرى.
ويمكن مثل هذا على القول باشتراط نية أحد الأمرين ، فيما لو توضأ بنية معتبرة ، ثم ذهل عن طهارته ، فتوضأ مرّة أخرى بنية الرفع ، مع الاتفاق في الوجوب نيّة ومحلا ، على القول بإجزاء الثانية لو تبين فساد الأولى ، فإنه على هذا القول ، لو ذكر الإخلال المجهول لا يعيد شيئا من الطهارة والصلاة الواقعة بالطهارتين معا.
قوله : ( ولو توضأ وصلّى ، وأحدث ، ثم توضأ وصلّى أخرى ، ثم ذكر الإخلال المجهول ... ).
لو تعدد الوضوء المبيح ، بأن وقع كل وضوء بعد حدث ، وتعددت الصلاة ،