جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

______________________________________________________

الندب ، وهو مذهب صاحب المعتبر في الشرائع (١) ، وقيل بهما مع الرفع والاستباحة معا ، وهو مذهب أبي الصلاح (٢) وجماعة (٣) ، وقيل بالقربة والوجه من الوجوب والندب أو وجههما ، وأحد الأمرين من الرفع والاستباحة ، وهو اختيار المصنف وجمع من الأصحاب (٤) ، وهو الأصح.

أما القربة ، فلأن الإخلاص يتحقق بها ، وأما الوجه ، فلأن الامتثال في العبادة إنما يتحقق بإيقاعها على الوجه المطلوب ، ولا يتحقق ذلك الوجه في الفعل المأتي به إلا بالنيّة ، بدليل « إنما لكل امرئ ما نوى » (٥) ، ومنه يستفاد اعتبار أحد الأمرين من الرفع والاستباحة ، ولا يجبان معا لتلازمهما فيما عدا التيمم ، وطهارة دائم الحدث.

إذا تقرر ذلك ، فاعلم أن المراد بالقربة اما موافقة إرادة الله تعالى ، أو القرب منه المتحقق بحصول الرفعة عنده ، ونيل الثواب لديه مجازا عن القرب المكاني ، وإيثار القربة لتحصيل الإخلاص ، لتكرر ذكرها في الكتاب والسنة ، في مثل قوله تعالى ( وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ ) (٦) وقوله عليه‌السلام : « أقرب ما يكون العبد الى ربه إذا سجد » (٧).

والمراد برفع الحدث زوال المانع ، أعني النجاسة الحكمية المتوهم حصولها في البدن ، فانّ الحدث يطلق عليها وعلى مبطلات الطهارة بالاشتراك اللفظي ، والمتعقل رفعه ـ أي زواله ـ هو الأول دون الثاني.

وأما الاستباحة فالمراد بها طلب الإباحة ، أي : زوال المنع من العبادة التي منع من فعلها شرعا ذلك الحدث ، وإنما يزول المنع بزوال المانع إذا أمكن زواله بتلك‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٠.

(٢) الكافي في الفقه : ١٣٢.

(٣) منهم : ابن البراج في المهذب ١ : ٤٣ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩١ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٤.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٠ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٣٩ ، والشهيد في الذكرى : ٨٠.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٢ ، وسنن أبي داود ٢ : ٢٦٢.

(٦) التوبة : ٩٩.

(٧) الكافي ٣ : ٦٤ حديث ١ ، الفقيه ١ : ٢٠٦ حديث ٩٣٠ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٧ حديث ١٥.

٢٠١

______________________________________________________

الطهارة ، لامتناع زوال الحكم مع بقاء مقتضيه ، وإنما يتخلّف هذا الحكم في التيمم للاتفاق على أنه لا يرفع الحدث ، وفي دائم الحدث لمقارنة حدثه للطهارة ، وفيما عدا هذين فالامران متلازمان ، فمتى حصلت الإباحة بنيتها زال المنع والمستلزم زوال المانع ، ومتى ارتفع الحدث زال المانع فيزول المنع.

واعلم أن قوله : ( أو استباحة فعل مشروط بالطهارة ) لا يتمشى على ظاهره ، بل لا بد أن يكون المنوي استباحة مشروط بالوضوء ، وتنكيره يشعر بأن المراد : الاجتزاء بنيّة استباحة أي مشروط اتفق ، فلو نوى استباحة الطواف وهو بالعراق مثلا صح ، كما يحكى عن ولد المصنف (١) ، وصرح به شيخنا الشهيد في البيان (٢) ، لأن المطلوب بالطهارة كذلك كونه بحيث يباح له لو أراده ، ويشكل بأنه نوى أمرا ممتنعا عادة فكيف يحصل له؟

والمراد بوجه الوجوب والندب : السبب الباعث على إيجاب الواجب وندب المندوب ، فهو على ما قرره جمهور العدليين من الإمامية ، والمعتزلة : ان السمعيات ألطاف في العقليات ، ومعناه : إنّ الواجب السمعي مقرب من الواجب العقلي ، ـ أي امتثاله باعث على امتثاله ـ فان من امتثل الواجبات السمعية كان أقرب الى امتثال الواجبات العقلية من غيره ، ولا معنى للطف إلا ما يكون المكلّف معه أقرب الى الطاعة ، وكذا الندب السمعي مقرب من الندب العقلي ، أو مؤكد لامتثال الواجب العقلي ، فهو زيادة في اللطف ، والزيادة في الواجب لا يمتنع أن تكون ندبا.

ولا نعني أن اللطف في العقليات منحصر في السمعيات ، فان النبوة والإمامة ، ووجود العلماء ، والوعد والوعيد ، بل جميع الآلام تصلح للإلطاف فيها ، وإنما هي نوع من الألطاف ، وإنما كانت نيّة الوجه كافية لأنه يستلزم نية الوجوب والندب ، لاشتماله عليهما وزيادة ، فكان أبلغ.

__________________

(١) في مفتاح الكرامة ١ : ٢١٧ ( قلت : هذا الذي نقله عن ولد المصنف وجدته في حاشية الإيضاح عندي وهي نسخة عتيقة معربة محشاة عن ( من ) خطه ، ذكر ذلك ثم كتب في آخر الحاشية محمد بن المطهر ).

(٢) البيان : ٧.

٢٠٢

وذو الحدث الدائم ، كالمبطون وصاحب السلس والمستحاضة ينوي الاستباحة ، فإن اقتصر على رفع الحدث فالأقوى البطلان.

فروع :

أ : لو ضم التبرد صح على اشكال ولو ضم الرياء بطل.

______________________________________________________

قوله : ( وذو الحدث الدائم كالمبطون وصاحب السلس ، والمستحاضة ينوي الاستباحة ، فإن اقتصر على رفع الحدث فالأقوى البطلان ).

المراد به : ينوي الاستباحة سواء اقتصر عليها أو ضم إليها الرفع ، فان طهارته تصح على التقديرين ، لأن ضميمة الرفع ـ وإن لم تكن معتبرة ـ فإنها لا تؤثر فسادا على أقوى الوجهين ، بل تقع لغوا.

ولو اقتصر دائم الحدث على نية رفع الحدث فقولان : أحدهما الصحة (١) ، لأنه نوى رفع المانع المستلزم لرفع المنع ، فيحصل له ما نواه بحسب الممكن في حقه ، والثاني : البطلان (٢) ، لأنه نوى امرا ممتنعا بالنسبة إليه ، فكيف يحصل له؟

والتحقيق : أنه إن نوى رفع الحدث السابق مع المقارن للطهارة وأطلق ، فالأصح البطلان ، لأنه نوى أمرا ممتنعا ، فان مقتضى الإطلاق رفع المانع مطلقا ، وإن قصد رفع السابق خاصة فالأصح الصحة ، كما خرّجه صاحب المعتبر (٣) ، وشيخنا الشهيد (٤) ، لإمكان ذلك فيه ، والحدث المقارن والطارئ معفو عنه في تلك الصلاة ، فهو في معنى الاستباحة.

قوله : ( لو ضمّ التبرد صح على إشكال ).

أي : لو ضمه إلى نيّة الوضوء المعتبرة ، ومنشأ الاشكال من منافاته للقربة والإخلاص ، إذ هو أمر خارج عن العبادة ، ومن أنه لازم لفعلها ، سواء نوى أم لا ، والأصح الأول ، لأن لزومه لفعل الطهارة لا يقتضي جواز نيّته ، ومثل التبرد التسخن ، وزوال الوسخ ، ولو ضم الرياء بطل قولا واحدا ، وحكى عن المرتضى : ان عبادة الرياء‌

__________________

(١) ذهب اليه الشهيد في الذكرى : ٨١.

(٢) قاله فخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ٣٦.

(٣) المعتبر ١ : ١٣٩.

(٤) الذكرى : ٨١.

٢٠٣

ب : لا يفتقر الى تعيين الحدث وان تعدد ، ولو عيّنه ارتفع الباقي. وكذا لو نوى استباحة صلاة معيّنة استباح ما عداها وان نفاها ، سواء كانت المعيّنة فرضا أو نفلا.

______________________________________________________

تسقط الطلب عن المكلف ، ولا يستحق بها ثوابا (١) ، وليس بشي‌ء.

إذا تقرر ذلك فالضمائم أربع :

أ : ضميمة اللازم المؤكد كضميمة الرفع إلى الاستباحة ، ولا شبهة في صحتها.

ب : ضميمة اللازم الأجنبي كضميمة التبرد ، وقد سبق حكمها.

ج : ضميمة المنافي كالرياء ، وبطلانه معلوم.

د : ضميمة الأمر الأجنبي الغريب كدخول السوق ، وفي البطلان به وجهان ، أصحهما البطلان.

قوله : ( وكذا لو نوى استباحة صلاة معينة استباح ما عداها وإن نفاها سواء كانت المعيّنة فرضا أو نفلا ).

الضمير في ( نفاها ) يعود إلى ( ما ) ، أي : وان نفى ما عداها ، ووجه ما ذكره أنه نوى استباحة ، فيجب أن يحصل له عملا بالحديث ، وحينئذ فيستبيح ما سواها ، لأن الاستباحة تقتضي زوال المانع فيقع النفي لغوا.

وفيه نظر ، فإنه نوى استباحة وعدمها ، فإنه كما ان استباحة صلاة تقتضي استباحة غيرها ، كذا نفي استباحة صلاة أخرى يقتضي عدم الاستباحة مطلقا ، لاستلزامه بقاء المانع ، والأصح البطلان ، كما اختاره شيخنا الشهيد (٢) ، لأن الحدث متحقق ولم يحصل الرافع له يقينا ، ولا فرق بين كون المعينة فرضا أو نفلا.

وينبغي أن يستثني من ذلك نحو المستحاضة ، فإن وضوءها إنما يبيح صلاة واحدة ، ومن ذلك يعلم حكم ما لو نوى رفع حدث ونفي غيره.

__________________

(١) الانتصار : ١٧.

(٢) الذكرى : ٨١.

٢٠٤

ج : لا تصحّ الطهارة من الكافر ، لعدم التقرب في حقه إلاّ الحائض الطاهر تحت المسلم ، لإباحة الوطء ان شرطنا الغسل للضرورة ، فإن أسلمت أعادت ولا يبطله الارتداد بعد الكمال ، ولو حصل في الأثناء أعاد.

______________________________________________________

قوله : ( لا تصح الطهارة من الكافر ، لعدم التقرب في حقه ).

أي : لامتناعه ، وإن اعتقد الطهارة قربة ، كالمرتد بإنكار بعض ضروريات الدين ، لبعده عن الله ـ سبحانه ـ بكفر.

قوله : ( إلاّ الحائض الطاهر تحت المسلم ، لإباحة الوطء إن شرطنا الغسل للضرورة ، فإن أسلمت أعادت ).

المراد بالحائض الطاهر : التي حصل لها الطهارة بعد حصول دم الحيض ، فان هذه لو كانت كافرة زوجة لمسلم ، وقلنا بأن وطء الحائض قبل الغسل لا يجوز ، تغتسل غسل الحيض لضرورة حل الوطء لزوجها المسلم ، ولا يكون غسلا حقيقيا ، ولا يعد في ذلك ، فقد شرعت صورة الطهارة للضرورة في مواضع منها : تغسيل الكافر للميت المسلم إذا فقد المماثل ، والمحرم من المسلمين ، ومنها تيمم الجنب مع وجود الماء ، وكذا للخروج من المسجدين ، وغير ذلك.

ومال في ( الذكرى ) (١) إلى إباحة الوطء بغير غسل هنا ـ وإن منعنا في غيره ـ التفاتا الى ان تجويز الوطء بغير غسل للضرورة أولى من ارتكاب غسل بغير نيّة صحيحة ، والاكتفاء بالضرورة في مواضع للنص (٢) لا يقتضي جواز غيرها وفيه قوّة ، ولو قلنا بالغسل ففعلته ثم أسلمت ، فلا شك في وجوب الإعادة لبقاء الحدث ، وكونها في عهدة التكليف ، وأبعد منه غسل المجنونة بتولي الزوج ، وإن سوغه المصنف.

قوله : ( ولا تبطل بالارتداد بعد الكمال ).

لارتفاع الحدث ، وعوده يحتاج إلى الناقض.

قوله : ( ولو حصل في الأثناء أعاد ).

ظاهر العبارة يدل على أن المراد : إعادة الطهارة بعد العود إلى الإسلام ، ووجهه‌

__________________

(١) الذكرى : ٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ٨٢ حديث ٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٠ حديث ١٢٥٠.

٢٠٥

د : لو عزبت النيّة في الأثناء صحّ الوضوء وان اقترنت بغسل الكفين ، نعم لو نوى التبرّد في باقي الأعضاء بعد عزوب النيّة فالوجه البطلان.

هـ : لو نوى رفع حدث والواقع غيره ، فان كان غلطا صحّ ،

______________________________________________________

بطلان حكم النيّة بتخلل الردّة ، والحق أنه إنما يعيد إذا جف البلل لفوات الموالاة حينئذ ، وبدونه يستأنف النيّة لما بقي ويتم طهارته ، سواء في ذلك المرتد عن فطرة وغيره.

قوله : ( لو عزبت النيّة في الأثناء صحّ الوضوء وإن اقترنت بغسل الكفين ).

عزبت ، بالعين المهملة والزاي : معناه ذهبت صورتها عن الذهن ، وقد عرفت فيما مضى أنه لا يجب الاستدامة فعلا الى آخر الوضوء اتفاقا ، لكن قيل بوجوبها إن اقترنت النيّة بغسل الكفين ، بناء على عدم الاجتزاء بتقديمها عنده ، ويلوح ذلك مما حكاه في الذكرى (١) عن ابن طاوس ، والفتوى على ما ذكره المصنف.

قوله : ( نعم لو نوى التبرّد في باقي الأعضاء بعد عزوب النيّة فالوجه البطلان ).

استثنى مما سبق ، ما لو نوى التبرد بعد عزوب النيّة في باقي الأعضاء ، وليس قيدا للحكم ، فنيّته في بعض ما بقي كنيّته في الجميع ، واختار البطلان هاهنا لفقد النيّة فعلا ، والاستدامة ضعيفة جدا ، فإذا نوى التبرد تمحض الفعل لذلك وخرج عن كونه عبادة.

ويحتمل ضعيفا الصحة نظرا إلى وجود الاستدامة ، وأن المنوي حاصل على كل تقدير ، وليس بشي‌ء ، ولو حاول أحد إلزامه بالصحة ـ بناء على ما اختاره سابقا ـ لوجد إلى ذلك سبيلا ، لأن نيّة التبرد إن كانت منافية للإخلاص أبطلت مع ضمها (٢) إلى نيّة الوضوء ، وإلا لم تؤثر ، لبقاء الإخلاص في الموضعين.

قوله : ( لو نوى رفع الحدث والواقع غيره ، فان كان غلطا صحّ ).

أي : فان كان ذلك غلطا منه في النيّة ، لاعتقاده كون الواقع هو المنوي ، ووجه‌

__________________

(١) الذكرى : ٨٠ نقله عن البشرى لابن طاوس.

(٢) في النسخ المخطوطة ( ضميمتها ).

٢٠٦

وإلاّ بطل.

و : لو نوى ما يستحب له كقراءة القرآن فالأقوى الصحّة.

ز : لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة الواجبة فتوضأ احتياطا ، ثم تيقن الحدث فالأقوى‌ الإعادة.

______________________________________________________

الصحة أنه قصد رفع المانع ، غاية ما في الباب أنه غلط في تعيين سببه ، وذلك لا يخل بكونه منويا.

قوله : ( وإلاّ بطل ).

أي : وإن لم يكن غلطا بأن تعمّد ذلك بطل ، لأنه كلانيّة ، واستقرب في الذكرى البطلان مطلقا لفقد النيّة المعتبرة (١) ، وفيما اختاره المصنف قوّة.

قوله : ( لو نوى ما يستحب له كقراءة القرآن فالأقوى الصحة ).

ليس المراد بما يستحب له الوضوء ما هو شرط في صحته ، كالصلاة المندوبة ، فإن نيّة استباحته معتبرة قولا واحدا ، إنما المراد ما يستحب له الوضوء ، لكونه مكملا له كقراءة القرآن ، وفي صحة الوضوء بذلك ، وكونه رافعا قولان : أحدهما الصحة واختاره المصنف ، لأنه نوى شيئا من ضرورته صحة الطهارة ، وهو إيقاع القراءة على وجه الكمال ، ولا يتحقق الا برفع الحدث ، فيكون رفع الحدث منويّا.

وفيه نظر ، لأن المفروض هو نيّة قراءة القرآن لا نيّته على هذا الوجه المعين ، إذ لو نواه على هذا الوجه

ملاحظا ما ذكر لكان ناويا رفع الحدث ، فلا يتجه في الصحة حينئذ إشكال ، فعلى هذا الأصح في المتنازع البطلان ، وإليه ذهب الشيخ (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وجماعة (٤) ، وهذا بناء على اعتبار نيّة الرفع أو الاستباحة ، فعلى القول بعدم اعتبارهما في النيّة لا إشكال في الصحة.

قوله : ( لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة الواجبة ، فتوضأ احتياطا ، ثم تيقن الحدث فالأقوى الإعادة ).

__________________

(١) الذكرى : ٨١.

(٢) المبسوط ١ : ١٩.

(٣) السرائر : ١٧.

(٤) منهم ولد المصنف في إيضاح الفوائد ١ : ٣٧.

٢٠٧

ح : لو أغفل لمعة في الأولى ، فانغسلت في الثانية على قصد الندب فالأقوى البطلان.

______________________________________________________

لأن نيّته غير مجزوم بها للحكم بكونه متطهرا ، وعدم توجه الخطاب بالطهارة اليه ، وعدم الجزم إنما يغتفر إذا كان مأمورا بالفعل ، كالمصلي في الثوبين المشتبهين. وقيل : لا يجب (١) ، لإتيانه بالطهارة على الوجه المعتبر ، لأنه المفروض ، ولو لا إجزاؤها مع تيقن الحدث لانتفت فائدة الاحتياط ، وفيهما منع ، وهذا بناء على ما تقدم اشتراطه في النيّة ، ولو اكتفينا بالقربة فلا إشكال في الإجزاء.

واعلم أنه لو عبر بالمبيحة بدل الواجبة ، فقال : ( بعد يقين الطهارة المبيحة ) لكان أشمل وأبعد عن الوهم.

قوله : ( لو أغفل لمعة في الأولى ، فانغسلت في الثانية على قصد الندب فالأقوى البطلان ).

اللمعة ، بضم اللام : الموضع الذي لم يصبه الماء ، أي لو ترك غسل لمعة في عضو من الغسلة الاولى ـ اعني الواجبة ـ غير عالم بها ، فانغسلت في الثانية ، ثم علم بعد جفاف البلل ، فالأصح بطلان الطهارة ، بناء على ما تقدم من اشتراط نية الرفع أو الاستباحة ، لعدم تأثير الغسلة الثانية فيهما ، فلا ينوي بها واحدا منهما ، فيبقى الخلل في الطهارة بحاله.

ويمكن القول بالصحة ، إما على الاكتفاء بالقربة فواضح ، وكذا على الاكتفاء بها مع الوجه إذا كانت الطهارة مندوبة ، أو كانت الغسلة الثانية واجبة بنذر وشبهه.

وأما على اشتراط الرفع أو الاستباحة ، فلأن الثانية إنما شرعت استظهارا على ما لم ينغسل في الاولى ، وفيه منع.

واعلم أن قول المصنف : ( فانغسلت في الثانية على قصد الندب ) قد يفهم من التقييد بالندب ، أنها لو انغسلت فيها على قصد الوجوب بالنذر وشبهه يجزئ ، وليس كذلك ، لاشتراط الرفع أو الاستباحة ، ولو قال : فانغسلت في الثانية باعتقاده ، بدل قوله : ( على قصد الندب ) لكان أولى وأشمل ، لاندراج ما إذا كانت الثانية واجبة فيه ، وما إذا لم يقصد شيئا عند فعل الثانية ، على أنه يمكن إدراج الأخيرة في العبارة ، فإنّ فعله‌

__________________

(١) هو قول الشهيد في الذكرى : ٨١.

٢٠٨

وكذا لو انغسلت في تجديد الوضوء.

ط : لو فرق النيّة على الأعضاء ، بأن قصد عند غسل الوجه رفع الحدث عنه ، وعند غسل اليدين الرفع عنهما لم يصح. أما لو نوى غسل الوجه عنده الرفع الحدث ، وغسل اليمنى عنده لرفع الحدث ، وهكذا فالأقرب الصحة.

______________________________________________________

محمول على قصده الواقع في النية.

قوله : ( وكذا لو انغسلت في تجديد الوضوء ).

بقرينة تعرف ممّا سبق ، وأبعد منه ما لو انغسلت في ثانيته.

قوله : ( لو فرق النيّة على الأعضاء ... ).

لتفريق النيّة صور :

الاولى : أن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عن ذلك العضو ، أو عنه وعن عضو آخر ، والأصح البطلان هنا ، لأن الحدث متعلق بالجملة لا بالأعضاء المخصوصة ، ولأن رفعه لا يتبعض ، ولأن الوضوء عبادة واحدة اتفاقا ، ولفعل صاحب الشرع ـ عليه‌السلام ـ في وضوء البيان (١).

الثانية : أن ينوي عند كل عضو غسل ذلك العضو ، لرفع الحدث مطلقا ، فيمكن الصحة كما اختاره المصنف ، لأن غسل جميع الأعضاء بنيّة واحدة يجزئ ، فغسل كل عضو بنيّة تخصه أولى بالإجزاء ، لأن ارتباط النيّة الخاصة بالعضو أقوى من ارتباط العامة به ، ولأن إطلاق الآية (٢) يتناول ذلك ، والأصح البطلان لأن الوضوء عبادة واحدة ، والأولوية التي ادعيت ممنوعة ، وإطلاق الآية منزل على فعل صاحب الشرع عليه‌السلام.

الثالثة : أن ينوي في ابتداء الوضوء رفع الحدث عن الأعضاء ، وفيه الوجهان كما في الاولى ، والأصح البطلان أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤ باب صفة الوضوء ، الفقيه ١ : ٢٤ باب صفة وضوء رسول الله ( ص ) ، التهذيب ١ : ٥٦ ، ٧٥ حديث ١٥٨ ، ١٨٩.

(٢) المائدة : ٦.

٢٠٩

ي : لو نوى قطع الطهارة بعد الإكمال لم تبطل ، ولو نواه في الأثناء لم تبطل فيما مضى ، إلاّ أن يخرج عن الموالاة.

ك : لو وضأه غيره لعذر تولى هو النيّة.

ل : كلّ من عليه طهارة واجبة ينوي الوجوب ، وغيره ينوي الندب ، فان نوى الوجوب وصلّى به فرضا أعاد ، فإن تعددتا مع تخلل الحدث أعاد الأولى خاصة ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو نواه في الأثناء لم تبطل فيما مضى ، إلا أن يخرج عن الموالاة ).

وذلك بأن يجف البلل ، لا مطلق الخروج عن الموالاة ، وإنما لم تبطل فيما مضى ، لأن الوضوء لا يشترط لصحة فعل من أفعاله صحة باقي الأفعال ، وإن توقف تأثيره على المجموع ، ولهذا لو نكس لم يبطل ، بل يعيد على ما يحصل معه الترتيب ، ومثله الغسل ، فإذا أعاد والبلل موجود استأنف النية لما بقي من الأفعال ، بأن ينوي فعلها لا تمام الوضوء ، ولا يضر هذا التفريق لأنه تدارك لما فات من النيّة الأولى.

قوله : ( لو وضأه غيره لعذر تولى هو النيّة ).

لأن التكليف منوط به ، وفعل الغير قائم مقام فعله ، ولأن العذر إنما هو فيما عدا النيّة ، فلا تجوز التولية فيها ، ولو نويا معا كان حسنا.

قوله : ( فان نوى الوجوب وصلّى به فرضا أعاد ).

وذلك لأن نيّة الوجوب لا تجزئ عن الندب على الأصح لتباينهما ، ولاشتراط نيّة الوجه في الوضوء ـ كما سبق ـ ، فمع المخالفة لا يكون المأتي به معتبرا ، ويحتمل الاكتفاء به لاشتراك الوجوب والندب في ترجيح الفعل ، واعتقاد المنع من الترك مؤكد ، وليس بشي‌ء ، لأن المباين للشي‌ء ينافيه فكيف يؤكده؟!

قوله : ( فان تعددتا مع تخلل الحدث أعاد الأولى خاصة ).

أي : فان تعددت الطهارة والصلاة ، واحترز بذلك عما لو اتحدت الطهارة فإنه يعيد جميع ما صلى بها قولا واحدا ، وإنما اعتبر تخلل الحدث ليكون معتقدا للوجوب اعتقادا مطابقا للواقع ، إذ بدونه يكون معتقدا للطهارة ، فتكون نيّة الوجوب لغوا ، وإنما اكتفى بإعادة الأولى لأن المكلف عند نية الوجوب في البواقي كان مشغول الذمة‌

٢١٠

ولو دخل الوقت في أثناء المندوبة فأقوى الاحتمالات الاستئناف.

______________________________________________________

بالصلاة الأولى ، فصادف نيته للوجوب ما في ذمته فأجزأه.

ويشكل بأنه لم يكن يشعر بهذا الوجوب الذي في نفس الأمر ، واعتقاده خلو ذمته ، فتكون نيّة الوجوب منه كلانية ، ويمكن أن يجاب بأنه قصد الى الوجوب الحقيقي حيث أقامه مقام الندب ، فلم يكن لغوا فصادف ما في ذمته ، فيجب أن يجزئ.

ولا يبعد أن يقال : إن كان المكلف معتقدا صحّة نية الوجوب في موضع الندب باجتهاد أو تقليد لأهله ، لم يكن القول بالإجزاء بذلك البعيد ، وإن كان لا يخلو من شي‌ء ، وإن اعتقد خلاف ذلك ، أو لم يكن له علم بهذا الحكم ، بل نوى ذلك اقتراحا ، فالقول بالإجزاء بعيد جدّا ، لأن نيته للوجوب باعتقاده لغو محض.

قوله : ( ولو دخل الوقت في أثناء المندوبة فأقوى الاحتمالات الاستئناف ).

وجه ما قواه توجه الخطاب إليه بفعل الطهارة ، لدخول الوقت عليه وهو محدث ، وفي كبرى القياس منع ، ولأن طهارة واحدة لا يكون بعضها واجبا وبعضها مندوبا ، لأن الفعل الواحد لا يتصف بالوجهين المختلفين ، وهو منقوض بالمندوب الذي يجب بالشروع.

واعلم أن الذي بلغنا أن المصنف أفتى في هذه المسألة أولا بإعادة جميع الصلوات ، فلما روجع في ذلك رجع إلى الاكتفاء بإعادة الأولى ، نظرا الى اشتغال ذمته عند باقي الطهارات ، وبما قررناه يعلم أن بديهته أولى من رويّته.

ويحتمل الإتمام بنية الوجوب لأصالة الصحة فيما مضى ، والعمل بمقتضى الخطاب فيما بقي ، ولا يخلو من قوّة ، ويحتمل بناء ما بقي على ما مضى ، لوقوع النيّة في محلّها على الوجه المعتبر ، وهو أضعفها ، والعمل على الأول ، وينبغي أن يكون موضع المسألة ما إذا لم يعلم بضيق ما بقي إلى دخول الوقت عن فعل الطهارة.

٢١١

الثاني غسل الوجه بما يحصل به مسماه ، وان كان كالدهن مع الجريان. وحدّه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا ، وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضا.

______________________________________________________

قوله : ( الثاني غسل الوجه بما يحصل به مسماه ، وان كان كالدهن مع الجريان ).

الواجب في غسل الوجه وغيره ـ مما يغسل في الطهارات ـ هو اجراء الماء على المحل ، إما بنفسه أو بنحو اليد ، ولا يشترط المبالغة ، فلو كان كالدهن أجزأ ، إذا جرى لا مطلقا ، خلافا للشيخ (١).

قوله : ( وحده من القصاص الى محادر شعر الذقن طولا ).

القصاص : هو آخر منابت شعر الرأس ، والمراد به هنا : من جانب الوجه ، لأنه في تحديده ، وانما يستقيم هذا بالنسبة إلى الناصية إذا كان مستوي الخلقة ، أما النزعتان محركة ـ : وهما البياضان اللذان يحيطان بالناصية ، فلا يستقيم هذا التحديد بالنسبة إليهما ، إذ لا يجب غسلهما لكونهما من الرأس ، بل يغسل من محاذاة قصاص الناصية.

وكذا بالنسبة إلى موضع التحذيف ـ وهو الشعر الذي بين النزعة والصدغ ـ على القول بوجوب غسله ، وهو الأولى ، فإنه داخل بين اجزاء الوجه وان اتصل بالرأس ، وانما سمي موضع التحذيف لكثرة حذف الشعر منه.

والمحادر ـ بالحاء المهملة ، والدال والراء المهملتين ـ جمع محدر ، وهو : طرف الذقن ، بالمعجمة محركة ، أعني : مجمع اللحيين اللذين عليهما الأسنان السفلى من الجانبين ، ويجب إدخال جزء من غير محلّ الفرض في الابتداء والانتهاء من باب المقدمة ، وكذا في غسل أعضاء جميع الطهارات والمسح المغيّا بغاية ، فيجب حينئذ أن يراعى في النيّة مقارنتها لجزء من الرأس والوجه معا.

قوله : ( وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضا ).

هذا التحديد والذي قبله مستفاد من الأخبار المروية عنهم عليهم‌السلام (٢) ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧ باب حد الوجه ، الفقيه ١ : ٢٨ باب ١٠ حد الوضوء ، التهذيب ١ : ٥٤ حديث ١٥٤.

٢١٢

ويرجع الأنزع والأغم وقصير الأصابع وطويلها الى مستوي الخلقة ، ويغسل من أعلى الوجه ، فان نكس بطل.

______________________________________________________

فالصدغ ـ وهو : الذي يتصل أسفله بالعذار ـ ليس من الوجه قطعا ، وكذا البياض الذي بين العذار والأذن ، والعذار : هو الشعر المحاذي للأذن ، يتصل أعلاه بالصدغ ، وأسفله بالعارض ، وفي وجوب غسله قولان ، والتحديد بما اشتملت عليه الإبهام والوسطى لا يناله.

ويمكن أن يحتج لوجوبه بأن غسله من باب المقدمة ، وبأن شعر الخدين يجب غسله وهو متصل به ، وبعدم مفصل يقف الغسل عليه دون العذار ، والوجوب أحوط.

أما العارض : وهو الشعر المنحط عن العذار المحاذي للأذن فقد قطع في الذكرى بوجوب غسله (١) ، وما سفل منه تناله الإبهام والوسطى فيجب غسله.

قوله : ( ويرجع الأنزع ، والأغم ، وقصير الأصابع وطويلها الى مستوي الخلقة ).

المراد بالأنزع : من انحسر الشعر عن بعض رأسه ، ويقابله الأغم ، وهو الذي نبت الشعر على بعض جبهته ، وفرضهما غسل ما يغسله مستوي الخلقة.

قوله : ( ويغسل من أعلى الوجه ، فان نكس بطل ).

هذا أصح القولين ، وقال المرتضى (٢) ، وابن إدريس (٣) بالصحة لإطلاق الآية (٤) ، وقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (٥).

وجوابه : أن الإطلاق مقيد ببيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) ، وقوله : « هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » (٧) والمسح غير الغسل ، ولا يخفى أن الوضوء إنما يبطل‌

__________________

(١) الذكرى : ٨٣.

(٢) قاله السيد المرتضى في المصباح كما نقله عنه في الجواهر ٢ : ١٤٨.

(٣) السرائر : ١٧.

(٤) المائدة : ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٥٨ حديث ١٦١.

(٦) الكافي ٣ : ٢٤ باب صفة الوضوء ، الفقيه ١ : ٢٤ باب صفة وضوء رسول الله ( ص ) ، التهذيب ١ : ٥٦ ، ٧٥ حديث ١٥٨ ، ١٩٠.

(٧) الفقيه ١ : ٢٥ حديث ٦٧.

٢١٣

ولا يجب غسل مسترسل اللّحية ولا تخليلها ، وان خفّت وجب ، وكذا لو كانت للمرأة ، بل يغسل الظاهر على الذقن ، وكذا شعر الحاجب والأهداب والشارب.

______________________________________________________

بالنكس ، إذا لم يتداركه على الوجه المعتبر قبل الجفاف ، والمراد بالنكس : ما قابل الغسل من الأعلى.

قوله : ( ولا يجب غسل مسترسل اللحية ).

المراد به : الشعر الخارج عن حدّ الوجه ، فإنه ليس من الوجه اتفاقا منا ، وإنما يحب غسل ما حاذى الوجه من الشعور.

قوله : ( ولا تخليلها ، وإن خفت وجب ، وكذا لو كانت للمرأة ).

المراد بالشعر الخفيف : ما تتراءى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب ، والكثيف : مقابله ، ولا خلاف في عدم وجوب تخليله ، إنما الخلاف في وجوب تخليل الخفيف بحيث يصل الماء إلى ما تحته ، والمشهور عدم وجوبه ، لقول الباقر عليه‌السلام : « كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ، ولا أن يبحثوا عنه ، لكن يجري عليه الماء (١) » ، وهو شامل للخفيف ، وقول أحدهما عليهما‌السلام ، وقد سئل عن الرجل يتوضأ ، أيبطن لحيته؟ قال : « لا » (٢) ولم يستفصل عن كونها خفيفة أو كثيفة ، فيكون للعموم.

والمصنف وجمع (٣) على الوجوب ، نظرا إلى أن المواجهة لما لم تكن بالشعر الخفيف لم ينتقل الحكم إليه ، قلنا : ينتقل فيما ستر من البشرة بالشعر ، فانّ كل شعرة تستر ما تحتها قطعا ، وأما ما بين الشعر ، فلا كلام في وجوب غسله ، والعمل على المشهور.

وأشار بقوله : ( وكذا لو كانت للمرأة ، وكذا شعر الحاجب والأهداب ـ أي : شعر الأجفان ـ والشارب ) إلى رد خلاف العامة القائلين بوجوب التخليل (٤) في هذه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨ حديث ٨٨ ، التهذيب ١ : ٣٦٤ حديث ١١٠٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨ حديث ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ حديث ١٠٨٤.

(٣) منهم : ابن الجنيد كما في المختلف : ٢١ ، والمرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٩ ، والشهيدان في الروضة ١ : ٧٤.

(٤) بلغة السالك لأقرب المسالك ١ : ٤٢ ، كفاية الأخيار ١ : ١٢ ، المجموع ١ : ٣٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ١١.

٢١٤

الثالث : غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع ، فإن نكس أو لم يدخل المرفق بطل.

______________________________________________________

المذكورات مطلقا ، خفيفة كانت أو كثيفة ، لأن كثافتها على خلاف الغالب ، وألزمه في الذكرى (١) بمخالفة المشهور عندهم ، وظاهر مذهب الأصحاب ، لأن عبارة البعض ـ وإن أشعرت بوجوب تخليل الخفيف ـ إلا أنها عند التحقيق تفيد خلافه كما عليه الباقون ، فيكون تفصيل المصنف غير منطبق على واحد من المذهبين.

واعلم أن قوله : ( بل يغسل الظاهر على الذقن ) معطوف على قوله : ( ولا تخليلها ) ، أي : لا يجب تخليل اللحية ، بل يغسل ظاهر الشعر الذي على الذقن دون ما استرسل منه.

قوله : ( غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع ).

المرفق كمنبر ومجلس : موصل الذراع في العضد ، ذكره في القاموس (٢) ، ولا كلام في وجوب غسله ، إنما الكلام في أن وجوبه بالأصالة كسائر أعضاء الوضوء ، أو من باب المقدمة؟

الأرجح : الأول ، إما لأن ( الى ) في الآية بمعنى مع ، كما ذكره المرتضى (٣) وجماعة (٤) من الموثوق بهم ، وورودها في الاستعمال كذلك كثيرا يؤيده ، وكذا فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وضوء البيان ، أو لأن الغاية إذا لم تتميز يجب دخولها في المغيا ويشهد لهذا القول شهرته بين العلماء ، وقول الكاظم عليه‌السلام في مقطوع اليد من المرفق : « يغسل ما بقي » (٥) فإن غسله لو وجب مقدمة لغسل اليد لسقط بسقوطه ، فلما لم يسقط علم أن وجوبه بالأصالة.

قوله : ( فان نكس أو لم يدخل المرفق بطل ).

__________________

(١) الذكرى : ٨٤.

(٢) القاموس ( رفق ) ٣ : ٢٣٦.

(٣) الانتصار : ١٧ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٠.

(٤) منهم : الشيخ في التبيان ٣ : ٤٥٠ ، والراوندي في فقه القرآن ١ : ١٤.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩ حديث ٩ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ حديث ١٠٨٦.

٢١٥

وتغسل الزائدة مطلقا ان لم تتميز عن الأصلية ، وإلاّ غسلت إن كانت تحت المرفق ، واللحم والإصبع الزائدان إن كانا تحت المرفق ، ولو استوعب القطع محل الفرض سقط الغسل ، وإلاّ غسل ما بقي.

______________________________________________________

خالف المرتضى (١) ، وابن إدريس (٢) في البطلان بالنكس هنا أيضا ، والكلام عليه كما سبق في الوجه.

قوله : ( وتغسل الزائدة مطلقا إن لم تتميز عن الأصلية ).

المراد بقوله : ( مطلقا ) : تعميم الحكم بالغسل ، سواء كانت تحت المرفق ، أو فوقه ، أو من نفس المرفق ، لعدم تحقق الامتثال بدونه.

قوله : ( وإلا غسلت إن كانت تحت المرفق ).

أي : وإن لم تكن كذلك بأن تميزت عن الأصلية ، غسلت وجوبا ـ إن كانت تحت المرفق ـ لتبعيتها لما يجب غسله ، إذ هي من جملة اليد كاللحم الزائد والإصبع ، ولو كانت فوق المرفق ـ وهي متميزة ـ لم يجب غسلها ، كما دلّ عليه مفهوم الشرط في العبارة.

وفي المختلف : يجب غسلها لصدق اسم اليد عليها (٣) ، ويشكل بوجوب الحمل على المعهود ، وهو الغالب. ولو نبتت من نفس المرفق فظاهر العبارة عدم وجوب غسلها إن تميزت ، وهو مشكل على القول بوجوب غسل المرفق لتبعيّة المحل كالتي تحته ، ولو قيل بالوجوب لم يكن بذلك البعيد (٤).

وتعلم الزائدة بالقصر الفاحش ، ونقص الأصابع ، وفقد البطش وضعفه ، وما أحسن قوله : ( ولو استوعب القطع محل الفرض سقط الغسل ، وإلا غسل ما بقي )

__________________

(١) الانتصار : ١٦.

(٢) السرائر : ١٧.

(٣) المختلف : ٢٣.

(٤) في نسخة « ح » : التبعيّة.

٢١٦

فروع :

أ : لو افتقر الأقطع الى من يوضّؤه بأجرة وجبت مع المكنة ، وان زاد عن اجرة المثل والاّ سقطت أداء وقضاء.

ب : لو طالت أظفاره ، فخرجت عن حد اليد وجب غسلها ، ولو كان تحتها وسخ يمنع وصول الماء ، وجب إزالته مع المكنة.

______________________________________________________

قوله : ( لو افتقر الأقطع إلى من يوضؤه بأجرة وجب مع المكنة ، وإن زادت عن أجرة المثل ).

لأن ذلك من باب مقدمة الواجب المطلق ، وإنما تتحقق المكنة إذا لم يضر بحاله ، ويحتمل عدم وجوب ما زاد عن أجرة المثل ، لأن الغبن ضرر ، والفتوى على الوجوب لصدق التمكن.

قوله : ( وإلا سقطت أداء وقضاء ).

أي : وإن لم يتمكن ، وإنما تسقط مع تعذر الطهارة بنوعيها ، وعلى القول بأن فاقد الطهورين يقضي (١) يتجه القضاء هاهنا.

قوله : ( لو طالت أظفاره فخرجت عن حدّ اليد وجب غسلها ).

لأنها من أجزاء اليد ، ويحتمل عدم الوجوب ، كما ذكره في المنتهى (٢) ، لخروجها عن محل الوجوب كمسترسل اللحية ، وفرّق في الذكرى (٣) بما ليس بظاهر.

قوله : ( ولو كان تحتها وسخ ... ).

احتمل في المنتهى (٤) عدم الوجوب لأنه ساتر عادة ، فلو وجب إزالته لبينه عليه‌السلام ، ولما لم يبيّنه دل على عدم الوجوب. وهو ضعيف ، لأنها في حدّ الظاهر ، ويكفي في البيان الحكم بوجوب غسل جميع اليد.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ١ : ٢٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٠ ، والشهيد في الذكرى : ٨٦.

(٢) المنتهى ١ : ٥٩.

(٣) الذكرى : ٨٥.

(٤) المنتهى ١ : ٥٩.

٢١٧

ج : لو انكشطت جلدة من محل الفرض وتدلّت منه وجب غسلها ، ولو تدلت من غير محله سقطت ، ولو انكشطت من غير محل الفرض وتدلت منه وجب غسلها.

د : ذو الرأسين والبدنين يغسل أعضاءه مطلقا.

الرابع : مسح الرأس ، والواجب أقل ما يقع عليه اسمه ، ويستحب بقدر ثلاث أصابع مقبلا ، ويكره مدبرا ، ومحلّه المقدّم ،

______________________________________________________

قوله : ( ذو الرأسين والبدنين يغسل أعضاءه مطلقا ).

أي : على كل حال ، سواء حكمنا بأنه واحد في الميراث أو اثنان ، نظرا إلى صورة الاثنينية ، ولأن يقين البراءة إنما يحصل بذلك ، ويراعى في صحة الفعل مباشرة كل منهما غسل أعضائه.

قوله : ( والواجب أقل ما يقع عليه اسمه ).

أي : اسم المسح ، والمراد : الصدق عرفا لإطلاق الأمر بالمسح فلا يتقدر بقدر مخصوص.

قوله : ( ويستحب بقدر ثلاث أصابع ).

وهل يوصف ما زاد عن المسمى بالوجوب ، أو بالاستحباب؟ قولان أصحهما الأول ، ولا يضر جواز ترك الزائد ، لأن الواجب هو الكلي ، وأفراده مختلفة بالشدة والضعف ، فأي فرد أتي به تحقق الامتثال به ، لأن الواجب يتحقق به.

وعبارة المصنف تحتمل الأمرين ، لأن الاستحباب العيني لا ينافي الوجوب التخييري ، فيمكن أن يريد أفضلية هذا الفرد ، وأن يريد استحباب الزائد على المسمى الذي به يكون استحباب المجموع من حيث هو ، واعلم أن المراد بمقدار ثلاث أصابع في عرض الرأس ، أما في طوله فمقداره ما يسمى به ماسحا ، ويتأدى الفضل بمسح المقدار المذكور ولو بإصبع.

قوله : ( مقبلا ويكره مدبرا ).

أي : مستقبل الشعر ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا‌

٢١٨

فلا يجزئ غيره. ولا يجزئ الغسل عنه ، ولا المسح على حائل وان كان من شعر الرأس غير المقدم ، بل اما على البشرة أو على الشعر المختص بالمقدم إذا لم يخرج عن حده ، فلو مسح على المسترسل أو على الجعد الكائن في حد الرأس إذا خرج بالمد عنه لم يجز.

______________________________________________________

ومدبرا » (١) وقال المرتضى (٢) ، وابن إدريس لا يجوز (٣) ، وفيه ضعف.

واعلم أن الكلام في استحباب المسح مقبلا كالكلام في استحباب المسح بثلاث أصابع ، بل كراهية المسح مدبرا كذلك ، إذ لا يراد بالكراهية هنا الاّ خلاف الأولى ، فيرجع إلى الاستحباب.

قوله : ( ولا يجزئ الغسل عنه ).

إما بأن يستأنف ماء جديدا ، أو بان يقطر ماء الوضوء على محل المسح ، أو يجريه على المحل بآلة غير اليد اختيارا ، وبعض العامة اجتزأ به (٤).

قوله : ( ولا المسح على حائل وإن كان من شعر الرأس غير المقدم ).

وإن وصل البلل إلى الرأس ، وكذا لو مسح بآلة غير اليد ، تأسيا بفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) ، ولأن الباء في قوله تعالى ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) (٦) ، يقتضي الإلصاق ، لأنه أعمّ معانيها ، ويجب كون المسح بباطن اليد للتأسي.

قوله : ( بل إما على البشرة أو على الشعر المختص بالمقدم ، إذا لم يخرج عن حدّه ).

البشرة في العبارة تصدق على موضع الشعر إذا أزيل بشي‌ء ، وبموضع النزع‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٨ حديث ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ حديث ١٦٩.

(٢) الانتصار : ١٩.

(٣) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٢٤٩ واختلف النقل عن ابن إدريس فالمحقق الثاني وجماعة نسبوا اليه التحريم ، والمصنف في المختلف وجماعة نسبوا اليه القول بالكراهة وهو الحق. انظر : السرائر : ٢٤٩ ، المختلف : ٢٤.

(٤) ذهب إليه أحمد بن حنبل ، انظر : المغني لابن قدامة ١ : ١٤٧ مسألة ١٧٢.

(٥) الكافي ٣ : ٢٥ حديث ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤ باب صفة وضوء رسول الله ( ص ) ، التهذيب ١ : ٥٦ ، ٧٥ ، ٧٦ حديث ١٥٨ ، ١٩٠ ، ١٩١.

(٦) المائدة : ٦.

٢١٩

الخامس : مسح الرجلين ، والواجب أقل ما يقع عليه اسمه ، ويستحب بثلاث أصابع ، ومحلّه ظهر القدم من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ، وهما حد المفصل بين الساق والقدم ،

______________________________________________________

الذي لا ينبت عليه الشعر ، مع كونه من الرأس باعتبار الغالب ، والمراد بـ ( المختص بالمقدم ) في العبارة : النابت في المقدم ، وقيده بعدم الخروج عن حده احترازا عن الطويل ، الذي إذا مدّ خرج عن حد المقدم ، فإنه لا يجزئ المسح على ما طال منه ، لأنه خارج عن محل الفرض ، والجعد ـ بفتح الجيم وإسكان العين ـ ضد السبط : وهو الكثيف من الشعر الملتف المجتمع بعضه على بعض ، وأراد بالمسترسل : مقابله.

قوله : ( الخامس : مسح الرجلين ، والواجب أقل ما يقع عليه اسمه ).

المراد بذلك : في عرض القدم ، أما في طوله فسيأتي أنه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ، واحتمل في الذكرى (١) إجزاء مسح جزء من ظهر القدم ، كما يجزئ مسح جزء من مقدم الرأس ، ويكون التحديد للقدم الممسوح لا للمسح ، وهو بعيد.

قوله : ( وهما حد المفصل بين الساق والقدم ).

ما ذكره في تفسير الكعبين خلاف ما عليه جميع أصحابنا (٢) ، وهو من متفرداته ، مع أنه ادعى في عدة

من كتبه (٣) أنه المراد في عبارات الأصحاب ، وان كان فيها اشتباه على غير المحصل ، واستدل عليه بالاخبار وكلام أهل اللغة ، وهو عجيب ، فان عبارات الأصحاب صريحة في خلاف ما يدعيه ، ناطقة بأنّ الكعبين هما العظمان النابتان في ظهر القدم أمام الساق ، حيث يكون معقد الشراك غير قابلة للتأويل والأخبار كالصريحة في ذلك ، وكلام أهل اللغة مختلف ، وان كان اللغويون من أصحابنا ، مثل عميد الرؤساء لا يرتابون في أن الكعب هو الناتئ في ظهر القدم ، وقد أطنب عميد الرؤساء في كتاب الكعب في تحقيق ذلك ، وأكثر في الشواهد على‌

__________________

(١) الذكرى : ٨٩.

(٢) منهم : المفيد في المقنعة : ٥ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٢٢ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٤٤ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٤٨.

(٣) انظر : المختلف : ٢٤ ، المنتهى ١ : ٦٤.

٢٢٠