أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي

أجود الشروح في شرح معالم الدين في الأصول

المؤلف:

الشيخ محسن الدوزدوزاني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات دار العلم
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٤

١
٢

٣

فهرست مندرجات

فى تعريف الفقه.................................................................. ٧

فى بيان رتبة العلوم.............................................................. ١٨

فى بيان اجزاء العلوم............................................................ ٢٠

المطلب الأوّل

فى تقسيم اللّفظ والمعنى.......................................................... ٢٣

فى بيان الحقيقة الشّرعيّة......................................................... ٢٧

استعمال المشترك فى اكثر من معنى واحد........................................... ٤١

فى الحقيقة والمجاز............................................................... ٥٥

المطلب الثّانى

فى الأوامر والنّواهى............................................................. ٦٥

المبحث الأوّل.....................................................................

فى صيغة الأمر................................................................. ٦٦

فى المرّة والتّكرار................................................................ ٩١

فى الفور والتّراخى............................................................. ١٠٠

فى مقدّمة الواجب............................................................ ١١٣

فى اقتضاء الامر بالشّىء النّهى عن ضدّه........................................ ١٢٨

٤

فى الواجب التّخييرى.......................................................... ١٦٠

فى الواجب الموسّع............................................................ ١٦٣

فى مفهوم الشّرط............................................................. ١٧٦

فى مفهوم الوصف............................................................ ١٨٤

فى تقييد الحكم بالغاية......................................................... ١٨٩

فى تقييد الأمر بالشرط مع العلم بانتفائه......................................... ١٩٢

فى انّه اذا نسخ الوجوب هل يبقى الجواز......................................... ٢٠٤

المبحث الثّانى......................................................................

فى النواهى................................................................... ٢١٧

فى صيغة النّهى............................................................... ٢١٨

فى أنّ مدلول النّهى ما هو..................................................... ٢٢١

فى دلالة النّهى على الدّوام والتّكرار............................................. ٢٢٥

فى اجتماع الأمر والنّهى....................................................... ٢٣١

فى دلالة النّهى على الفساد.................................................... ٢٤٤

المطلب الثّالث.....................................................................

فى العموم والخصوص.......................................................... ٢٦١

فى أنّ الجمع المعرّف يفيد العموم................................................ ٢٧٢

فى أنّ الجمع المنكّر هل يفيد العموم............................................. ٢٨١

فى اقلّ ما يصدق عليه صيغة الجمع............................................. ٢٨٦

فى خطاب المشافهة........................................................... ٢٨٩

«الجزء الثّانى»

فى جملة من مباحث التّخصيص................................................ ٢٩٥

٥

فى جواز التّخصيص حتّى يبقى واحد............................................ ٢٩٦

فى التّخصيص............................................................... ٢٩٩

فى أنّ العامّ بعد التّخصيص حقيقة او مجاز....................................... ٣٠٥

فى أنّ العامّ بعد التّخصيص حجّة أم لا.......................................... ٣١٦

فى العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص...................................... ٣٢٤

فيما يتعلّق بالمخصّص

فى الاستثناء المتعقّب للجمل................................................... ٣٣٤

فى تخصيص العامّ عند رجوع الضّمير الى بعضه وعدمه............................. ٣٨٣

فى جواز تخصيص العامّ بمفهوم المخالفة.......................................... ٣٩٠

فى جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد........................................... ٣٩٤

فى بناء العامّ على الخاص...................................................... ٣٩٨

٦

كتاب اجود الشروح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، وبعد فيقول العبد العاصي الخالي عن الزاد محسن بن محمود الدوزدوزاني التبريزي غفر الله له ولمن كان له من الآباء والاجداد اني لما رأيت كثرة الطالبين لادراك مطالب كتاب المعالم احببت ان اكتب له شرحا ليبين مراد المصنف تفصيلا وما فيه اجمالا واسأل الله ان ينفعني به وسائر الطالبين وان يجعله ذخرا لفاقتي يوم الدين وسميته بأجود الشروح في شرح كتاب معالم الدّين وبه نستعين وهو المعين ، قال المصنف «قدس‌سره» «اسمه حسن بن زين الدين الملقب بالشهيد الثاني شارح اللمعة غفر الله لهما وجعل الجنة مأواهما» (فصل الفقه في اللغة الفهم) وهو مطلق الادراك وقيل له معان أخر ولا حاجة الى ذكرها (وفي الاصطلاح) اي في اصطلاح الفقهاء وانما تصدى لتعريف الفقه دون اصول الفقه لكون المقصود بالذات وبالاصالة هو علم الفقه وذكر الاصول من باب المبادي والمقدمة (هو العلم) قد شاع وذاع

٧

اطلاق العلم على امور متعددة ذكرت في محلها إلّا ان اصحها في النظر هنا هو مطلق الادراك ايضا الشامل للتصديق والتصوّر (بالاحكام) هو جمع الحكم وهو في اللغة يطلق على الاسناد والالزام وامر الحاكم لرفع الخصومات وفي الاصطلاح خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين من حيث الاقتضاء والتخيير وسيأتي بيان المراد من الاقتضاء والتخيير والمراد منه هنا كما حققه المحققون هو المعنى اللغوي اعني الاسناد والنسبة اي النسبة الجزئية التي بين الموضوع والمحمول مثلا وعلى المعنى الاصطلاحي يلزم كون قيد الشرعية والفرعية زائدا ، (الشرعية) اي ما من شأنه ان يؤخذ من الشارع ولو لم يصل بيان من الشارع فيه بان يكون العقل حاكما فيه على الاستقلال واستكشف حكم الشارع منه بقاعدة الملازمة مثل وجوب رد الوديعة وحرمة الظلم. (الفرعية) والمراد منها ما يتعلق بعمل المكلف بلا واسطة والمراد من الواسطة المنفية هنا هو الواسطة في العروض بأن لا يكون الحكم بحيث يتعلق اولا وبالذات بغير عمل المكلف ثم ثانيا وبالعرض بالعمل وتوضيح ذلك ان الواسطة على اقسام احدها الواسطة في الاثبات وهي التي تكون علة لحصول العلم بالنسبة الايجابية او السلبية المطلوبة في النتيجة مثل التغير في كونه علة لحصول العلم بحدوث العالم ، ثانيها الواسطة في الثبوت وهي التي تكون علة لثبوت النسبة الايجابية او السلبية في الواقع وفي نفس الامر مثل تعفن الاخلاط في زيد متعفن الاخلاط وكل متعفن الاخلاط محموم ، فزيد محموم فأنّ تعفن الاخلاط

٨

علّة لثبوت الحمى له في الخارج والواقع ، ثالثها الواسطة في العروض وهي التي تتصف بشيء اولا وبالذات وعلى وجه الحقيقة ثم تكون واسطة لعروض هذا لشيء آخر ثانيا وبالعرض وعلى وجه المجاز مثل السفينة المتصفة بالحركة اولا ثم تكون واسطة لعروضها بجالس السفينة على ما مثل به بعضهم وانما قلنا ان المراد الواسطة الاخيرة دون الاوليين لثبوت الوسائط فيهما اما الاول فلوجود الوسائط في الاثبات للاحكام الشرعية لانها بتمامها عدا الضروريات مداليل للادلة واما الثاني فلوجود الوسائط فيه ايضا بجميع الاحكام الشرعية بناء على مذهب العدلية من ان حكم الله تعالى تابع للمصالح والمفاسد الواقعية. (عن ادلتها) وهي الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل والضمير فيها يعود الى الاحكام (التفصيلية) ، والمراد من الدليل التفصيلي هو دليل كل واحد من المسائل (فخرج بالتقييد) اي بتقييد العلم بالاحكام التي في التعريف ، (العلم بالذوات) خروج العلم وما بعده بقيد الاحكام لاجل ارادة النسب الجزئية من الاحكام (كزيد مثلا) وكذا سائر الموضوعات (وبالصفات) يعني خرج بقيد الاحكام ايضا العلم بالصفات (ككرمه وشجاعته) مثلا (وبالافعال) يعني خرج بالقيد ايضا العلم بالافعال (ككتابته وخياطته) خروج الصفات والافعال بقيد الاحكام منوط على قطع النظر وصرفه عن مرجع الضمير وإلا فلا تخرج بقيد الاحكام لوجود الحكم في قولنا زيد كاتب مثلا (وخرج بالشرعية) التي ذكرنا المراد منها (العقلية المحضة) مثل ان الواحد نصف الاثنين والنقيضان لا يجتمعان وهكذا لعدم صلاحيتهما للأخذ من

٩

الشارع (واللغوية) يعني خرج ايضا بقيد الشرعية اللغوية مثل العلم بالصرف والنحو وغيرهما(وخرج بالفرعية) اي بقيد الفرعية(الاصولية) سواء كان من اصول الدين او من اصول الفقه ووجه خروجها يظهر مما تقدم في معنى الفرعية(وبقولنا) انما قيد هذا الجزء من المعرّف بلفظ قولنا ولم يقيد سائر الاجزاء به لانه اراد ان يشير الى ان غير هذا الجزء من الاجزاء مما قال به كل من عرف الفقه بخلاف هذا الجزء فانه مما اعتبره هو وبعض من سبقه (عن ادلتها خرج علم الله سبحانه وعلم الملائكة والانبياء) وكذا الائمة عليهم‌السلام بناء على ما تقدم من حمل العلم على مطلق الادراك الشامل للحضوري والحصولي اما خروج علم الله فلعدم استناده الى النظر والاستدلال والانتقال من المبادي الى المطالب والّا لزم سبق الجهل عليه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وكذا علوم الملائكة والانبياء والائمة عليهم‌السلام لانها ضرورية حاصلة من اسباب خاصة وليس قول الجبرئيل والملك للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» او الامام بمنزلة قولهما بالنسبة الينا اذ افادة الاول العلم لهم ضروري كعلمنا بالفطريات بخلاف الثاني لكونه نظريا واما استفادة الائمة عليهم‌السلام بعضهم عن البعض او عن النبي او عن الكتاب فهو وان كان على وجه النظر والاستدلال ايضا الّا أن الطريق غير منحصر في ذلك فعلمهم عليهم‌السلام ينسب الى الوجه الاوضح لهم (وخرج بالتفصيلية) الواقعة في التعريف (علم المقلد في المسائل الفقهية فانه) اي علم المقلد(مأخوذ من دليل اجمالي) لا من دليل كل واحد من المسائل (مطرد) اي شايع وجار(في جميع المسائل و)

١٠

بيان (ذلك لانه) اى المقلد(اذا علم أن هذا الحكم المعين) في مسألة التيمم مثلا(قد افتى به) اي بهذا الحكم (المفتي) والمجتهد(وعلم) المقلد(ان كلما) اي كل حكم (افتى به) اي بالحكم (المفتي فهو) اي ما افتى به المفتى (حكم الله تعالى في حقه) اي في حق المقلد وبعد هذين العلمين اي العلم بالصغرى والكبرى (يعلم) اي المقلد(بالضرورة) وبالبديهة النتيجة وهو (ان ذلك الحكم المعين هو حكم الله سبحانه في حقه) اي في حق هذا المقلد(وهكذا يفعل) اي يجري المقلد هذه الصغرى والكبر والاخذ بالنتيجة(في كل حكم) ومسئلة(يرد) ويأتي (عليه) اي على المقلد(وقد اورد على هذا الحد) اشكالان مشهور ان احدهما(انه) الضمير للشأن (ان كان المراد بالاحكام البعض) ارادة البعض من الاحكام التي هي جمع محلى باللام موقوف على حمل اللام على الجنس مع ابطال الجمعية وارادة الطبيعة منها مثل قوله والله لا اركب الخيول فيحنث بركوب فرس واحد فعلى هذا الاعتبار يصح ارادة البعض (لم يطرد) اي لم يكن مانع الاغيار(لدخول المقلد) بتقدير المضاف اي علم المقلد لان الكلام في حد الفقه لا الفقيه (اذا عرف) المقلد(بعض الاحكام كذلك) اي عن ادلتها التفصيلية ان قلت كيف يمكن ان يكون المقلد العامي عارفا لبعض الاحكام كذلك قلنا(لانا لا نريد به) اي من المقلد(العامي المحض) والصرف (بل) المراد(من) اي المقلد الذي (لم يبلغ مرتبة الاجتهاد) ومع هذا المراد(قد يكون) أي هذا الشخص (عالما متمكنا) وقادرا(من تحصيل ذلك) اي من تحصيل بعض المسائل من الدليل التفصيلي (لعلو رتبته)

١١

ودرجته (في العلم مع انه) اي هذا الشخص والمقلد(ليس بفقيه) ولا يطلق عليه فقيه (في الاصطلاح وان كان المراد بها) اي من الاحكام (الكل) اي كل الاحكام كما هو الظاهر لكونها جمعا محلى باللام (لم ينعكس) اي لم يكن جامع الافراد(لخروج اكثر الفقهاء عنه) اي عن تعريف الفقه (ان لم يكن) المخرج (كلهم) وانما يخرجون عن التعريف (لانهم) اي الفقهاء(لا يعلمون جميع الاحكام بل يعلمون بعضها) اي بعض الاحكام (او اكثرها) اي اكثر الاحكام ان قلت ما وجه اطلاق الطرد في صورة كون الحد مانعا للأغيار واطلاق العكس في صورة كونه جامع الافراد قلت هو انه لما كان المعتبر ان يكون النسبة بين الحد والمحدود هو التساوي وكان مرجع التساوي الى موجبتين كليتين اعتبر في صحة الحد من صدق موجبتين كليتين احدهما كلما صدق عليه الحد صدق عليه المحدود وثانيهما عكس ذلك القضية لكن بالعكس اللغوي وهو كلما صدق عليه المحدود صدق عليه الحد ثم اذا تحققت القضية الاولى في مورد يسمى بالاطراد لا طرادها وشيوعها واذا تحقق عكس القضية يسمى بالانعكاس ولو لم يصدق القضية الاولى في مورد كما فيما نحن فيه حيث يراد البعض من الاحكام يقال لم يطرد القضية الكلية ولو لم يصدق القضية الثانية كما فيما نحن فيه ايضا حيث يراد الكل يقال لم يتحقق العكس ولم ينعكس والثانى من الاشكالين قوله (ثم ان الفقه اكثره من باب الظن) اي من الدليل الظني اما في الدلالة واما في الصدور(لابتنائه غالبا على ما هو ظنّي الدلالة) كالقرآن فان صدوره قطعي ودلالته ظنية اما جهة قطعية الصدور فواضح واما جهة ظنيته فباعتبار

١٢

كونه مشتملا للعمومات والاطلاقات غالبا(او السند) كالخبر فيما اذا جهل صدوره عن المعصوم «عليه‌السلام» مع كون متنه من قبيل النصوص فلا يخفى ان كلمة او في قوله ظني الدلالة او السند لمنع الخلو فيشمل ما هو ظني الدلالة والسند معا كخبر الواحد مع جهل صدوره ولو كان متنه من الظواهر وح (فكيف يطلق) في التعريف (عليه) اي على الفقه هو (العلم بالاحكام الخ) بل ينبغي ان يقال هو الظن الخ والجواب اما عن الاشكال الاول (وهو سؤال الاحكام فبأنّا نختار اولا ان المراد بها) اي من الاحكام (البعض قولكم) واشكالكم ح انه (لا يطرد) التعريف (لدخول) علم (المقلد فيه قلنا ممنوع) وتحقيق المطلب هو انه قد اختلف في تجزي الاجتهاد وعدمه بانه هل يقبل الاجتهاد القسمة بان يكون شخص مجتهدا في باب دون باب او لا بل لا بد في المجتهد ان يكون عالما بجميع المسائل ذهب فرقة الى الاول وفرقة الى الثاني وعلى كلا المذهبين يجاب عن الاشكال (اما على) ثاني المذهبين وهو (القول بعدم تجزي الاجتهاد فظاهر ان المقلد) اي علم المقلد لا يدخل في التعريف (اذ لا يتصور على هذا التقدير) اي على تقدير عدم تجزي الاجتهاد(انفكاك العلم ببعض الاحكام كذلك) اي عن أدلتها التفصيلية(عن الاجتهاد) في الكل اي لا يطلق عليه ح مقلد بل هو مجتهد مع فرض كونه عالما ببعض الاحكام واقعا لارتباط المسائل بعضها ببعض (فلا يحصل) الاجتهاد(للمقلد وان بلغ من العلم) والفضل (ما بلغ) ما دام مقلدا(واما على) اول المذهبين وهو (القول بالتجزي فالعلم المذكور) اي علم

١٣

المقلد بالاحكام كذلك (داخل في تعريف الفقه ولا ضير فيه) اي لا ضرر في الدخول (لصدقه) اي لصدق الفقه (عليه) اي على علم المقلد(حقيقة وكون) المقلد(العالم بذلك) اي ببعض الاحكام (فقيها) ومجتهدا(بالنسبة الى ذلك المعلوم اصطلاحا وان صدق عليه) اي على هذا المقلد(عنوان التقليد) واسم المقلد(بالاضافة) وبالنسبة(الى ما سواه) اي بالنسبة الى ما يعلم وما ذكرنا من الجواب فيما اذا اريد من الاحكام البعض (ثم نختار ثانيا ان المراد بها) اي من الاحكام (الكل) اي كل الاحكام (كما هو) اي كون المراد الكل (الظاهر لكونها) اي الاحكام (جمعا محلى باللام ولا ريب) ولا شك (انه) اي الجمع المحلى (حقيقة في العموم قولكم) واشكالكم بانه (لا ينعكس) اي لا يكون الحد ح جامع الافراد(لخروج اكثر الفقهاء عنه) اي عن تعريف الفقه قلنا في جوابه ان الخروج (ممنوع اذ المراد بالعلم بالجميع) في التعريف (التهيؤ له) ومعنى التهيؤ(هو ان يكون عنده ما) اي قوة(يكفيه في استعلامه) اي اخذ الفقه (من المآخذ والشرائط) اي من المدارك والادلة وبالجملة(بأن يرجع اليه فيحكم) ان قلت ان اطلاق العلم على التهيؤ مجاز ولا يجوز اخذ المعنى المجازي في الحدود لأن الغرض من الحدود هو الافهام والتفهيم والمعنى المجازي مخل للغرض قلت (وإطلاق العلم على مثل هذا التهيؤ) وعلى هذا المعنى المجازي (شايع) وكثير(في العرف) حاصله ان اطلاق العلم اما على سبيل الحقيقة العرفية واما على سبيل المجاز المشهور وعلى الاول فلا اشكال وكذا على الثاني اذ المقصود مما ذكر المنع من استعمال ما قد يخفى دلالته

١٤

على المقصود ومن البيّن ان المجاز المشهور ليس مما يخفى دلالته والدليل على مشهوريته (فانه يقال في العرف فلان يعلم النحو مثلا فلا يراد) من هذه العبارة(ان مسائله حاضرة) بالفعل (عنده على التفصيل) اي جزء فجزء بل المراد ان له قوة بحيث لو رجع يعلم (وح فعدم العلم بالحكم) فعلا(وفي الحال الحاضر لا ينافيه) اي الفقه (واما الجواب عن) الاشكال الثاني وهو (سؤال الظن فبحمل العلم على معناه الاعم اعني ترجيح احد الطرفين) في القضية سواء كان مانعا من النقيض اولا(وان لم يمنع من النقيض وح) اي حين ارادة معنى الاعم من العلم (فيتناول) العلم الذي في التعريف (الظن) ملخصه ان العلم له معنيان احدهما المعنى الاخص وهو ترجيح احد الطرفين مع المنع من النقيض وهذا هو المعنى الحقيقي للعلم وثانيهما المعنى الاعم اعني ترجيح احد الطرفين مطلقا وهذا المعنى شامل لكليهما اعني العلم والظن لأن الظن فيه ايضا ترجيح احد الطرفين هذا ولكن يرد عليه ان هذا المعنى الثانى معنى مجازي للعلم ولا يجوز اخذ المعنى المجازي في التعاريف لما تقدم في بحث التهيؤ والجواب عن هذا الايراد هو الجواب عما تقدم والى ذلك الجواب اشار بقوله (وهذا المعنى) اي المعنى العام للعلم (شايع) وكثير(في الاستعمال سيما في الاحكام الشرعية) ان قلت ان ارادة الادراك الاعم الشامل للعلمي والظني من كلمة العلم الواقع في التعريف تنافي ارادة الملكة منه فبين الجوابين عن الاشكالين تهافت حيث ان مبنى الجواب عن الاشكال الاول ارادة الملكة ومبنى الجواب عن الاشكال الثاني ارادة الادراك الاعم من

١٥

القطعي والظني قلت مراده ره ارادة الملكة الخاصة اي ملكة الادراك الاعم لا مجرد الملكة ولا مجرد الادراك ليقال بالتهافت بين الجوابين ولا دلالة في كلامه ره فى الجوابين على خصوص الملكة من غير لحاظ الادراك ولا خصوص الادراك من غير لحاظ الملكة بل المراد اعتبار كليهما فيدفع الاشكال الاول بلحاظ الملكة في المعنى والاشكال الثاني بلحاظ الادراك الاعم فدفع ره الاشكال الاول بالتعرض لاعتبار الملكة من غير حاجة الى التعرض لاعتبار الادراك الاعم فلذا اقتصر عليه وكذا الاشكال الثاني بالتعرض لاعتبار الادراك الاعم ولا حاجة الى التعرض لاعتبار الملكة فلذا لم يتعرض بالملكة في الجواب الثاني فتدبر جيدا(وما يقال) القائل هو العلامة ره (في الجواب) عن هذا الاشكال الثاني (ايضا من أنّ الظن) بيان لما يقال حاصله انه لا مانع من اخذ العلم بمعنى اليقين في التعريف غاية ما في الباب يكون الظن (في طريق الحكم) ومدركه (لا فيه) اي في الحكم (نفسه وظنية الطريق) والمدرك (لا تنافي علمية الحكم) ومعلوميته (فضعفه) خبر لقوله وما يقال اي ضعف هذا الجواب (ظاهر عندنا) اي عندنا المخطئة القائلين بان المجتهد قد يخطئ في اجتهاده ولا يكون مطابقا للواقع (واما) هذا الجواب (عند المصوّبة القائلين بان كل مجتهد مصيب كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى) تفصيلا(في بحث الاجتهاد) والتقليد(فله) اي فلهذا الجواب الذي اجابه العلامة «ره» (وجه) اي صحيح (فكأنه) اي كأنّ هذا الجواب (لهم) اي صدر عنهم في قبال الاشكال الاخير(وتبعهم فيه من

١٦

لا يوافقهم على هذا الاصل) يعني ان العلامة «ره» مع كونه من المخطئة تبع المصوّبة في هذا الجواب وانما تبع (غفلة عن حقيقة الحال) وفيه ان المصنف «قدس‌سره» غفل وحمل لفظ الحكم الواقع في عبارة العلامة «ره» على الحكم الواقعي وقال هذا الجواب للمصوّبة وتبع العلامة «ره» لهم فيه غفلة والحال ان الحكم على قسمين حكم ظاهري وحكم واقعي فمراد العلامة «ره» من الحكم في الجواب اعم من الحكم الواقعي والظاهري لا الحكم الواقعي فقط الذي توهمه المصنف «قدس‌سره» وعلى هذا يصح قوله وظنية الطريق لا تنافي علمية الحكم الظاهري واما المراد من الحكم الظاهري والواقعي وبيان تعريفهما فتفصيله ما ذكره الآشتياني «ره» في حاشيته على الرسائل فراجع.

١٧

(اصل اعلم ان لبعض العلوم تقدما على بعض اما لتقدم موضوعه) كتقدم موضوع الصرف عن النحو اذ الصرف يتكلم عن ذات الكلمة من صحتها واعتلالها والنحو عن عوارضها كاعرابها وبنائها فافهم (او لتقدم غايته) كتقدم غاية المنطق عن المعاني والبيان إذ غاية المنطق حفظ الذهن عن الخطأ في الفكر وغاية المعاني والبيان اداء الكلام جامعا للمحسنات على طبق مقتضى الحال ولا شك ان حفظ الذهن عن الخطأ مقدم عليه (او لاشتماله) اي بعض العلوم (على مبادئ العلوم المتأخرة) كالنحو والصرف واللغة فانها مشتملة على مبدإ الفقه ومقدمته (او) يتقدم بعض العلوم عن بعض (لغير ذلك) الذي ذكر(من الامور التي ليس هذا) الاصل (موضع ذكرها) كتقدم المنطق على الغير من جهة تكفله لبيان كيفية النظر والاستدلال واثبات انتاج صور الاقيسة المأخوذة في العلوم الأخر(و) اذا عرفت هذا فاعلم ان (مرتبة هذا العلم) اي علم الفقه (متأخرة عن غيره) اي غير علم الفقه اعني العلوم الخمسة التي سيذكر(بالاعتبار الثالث) لكون العلوم الآتية مشتملة على مبادئ الفقه ومقدماته وانما خص التأخر بالاعتبار الثالث ليستقيم بالنسبة الى كل الخمسة وإلّا فهو متأخر عن البعض ببعض اعتبارات أخر ايضا(لافتقاره الى ساير العلوم واستغنائها) اي استغناء العلوم الأخر(عنه) اي عن علم الفقه وتفصيله ان يقال (اما تأخره) اي تأخر علم الفقه (عن

١٨

علم الكلام فلانه يبحث في هذا العلم) اي في علم الفقه (عن كيفية التكليف) اي أنّ التكليف هل هو بنحو الوجوب او الحرمة او غيرهما(وذلك) اي البحث عن الكيفية(مسبوق بالبحث عن معرفة نفس التكليف) بان التكليف ما هو (و) مسبوق بالبحث عن معرفة نفس (المكلف) بكسر اللام هو الباري تعالى (واما تأخره) اي تأخر علم الفقه (عن علم اصول الفقه فظاهر لان هذا العلم) اي علم الفقه (ليس ضروريا) حتى يعلم من غير استدلال ونظر(بل هو محتاج الى الاستدلال) والنظر(و) من المعلوم ان (علم اصول الفقه متضمن) ومتكفل (لبيان كيفية الاستدلال ومن هذا) اي من وجه تقدم علم الاصول على علم الفقه (يظهر وجه تأخره) اي علة تأخر علم الفقه (عن علم المنطق ايضا لكونه) اي المنطق (متكفلا ببيان صحة الطرق) اي طرق الاستدلال (وفسادها) اي فساد الطرق (واما) وجه (تأخره) اي تأخر علم الفقه (عن علم اللغة والنحو والتصريف فلأن من مبادئ) ومقدمات (هذا العلم) اي علم الفقه (الكتاب والسنة واحتياج العلم بهما) اي بالكتاب والسنة والجار يتعلق للعلم (الى العلوم الثلاثة) المذكورة(ظاهر) فاحتياج علم الفقه الذي هو ذو المقدمة الى العلوم الثلاثة اظهر واولى (فهذه) العلوم الخمسة(هي العلوم التي يجب تقدم معرفتها) اي معرفة العلوم الخمسة(عليه) اي على علم الفقه (في الجملة ولبيان مقدار الحاجة) للفقيه (منها) اي من العلوم الخمسة المتقدمة(محل آخر) يأتي تفصيلا إن شاء الله تعالى في بحث الاجتهاد والتقليد.

١٩

(فصل ولا بد لكل علم ان يكون باحثا عن امور) هي (لاحقة لغيرها) اي لغير الامور(وتسمى تلك الامور) اللاحقة للغير ويبحث عنها(مسائله) اي مسائل العلم (وذلك الغير) الذي كان ملحقا به (موضوعه) اي موضوع ذلك العلم (ولا بد له) اي لا بد لكل علم (من مقدمات يتوقف الاستدلال) اي استدلال المسائل (عليها) اي على تلك المقدمات (و) لا بد في كل علم ايضا(من تصورات الموضوع واجزائه وجزئياته) اي اجزاء ذلك الموضوع وجزئيات ذلك الموضوع (ويسمى مجموع ذلك) اي مجموع التصورات والمقدمات (بالمبادئ) اعلم ان المبادي اما تصورية واما تصديقية ولكل منهما خاصة وعامة فالمبادئ التصورية هي الحدود والرسوم وخاصتها فصولها واعراضها الخاصة وعامتها اجناسها واعراضها العامة والمبادي التصديقية هي القضايا المؤلفة منها الاقيسة وغيرها وخاصتها مثل القضايا التي لها خصوصيات اما بنحو العلية فيتحقق البرهان اللمي واما بنحو المعلولية فيتحقق الإنّي فمثال الاول هذا متعفن الاخلاط وكل متعفن الاخلاط محموم فهذا محموم ومثال الثاني هذا محموم وكل محموم متعفن الاخلاط فهذا متعفن الاخلاط وعامتها بخلافها مثل ان النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان والمراد من المبادي هنا هو الاعم من التصورية والتصديقية(و) اذا عرفت ما ذكرناه فاعلم انه (لما كان البحث في علم الفقه عن الاحكام الخمسة اعني الوجوب والندب والاباحة والكراهة والحرمة) ويقال لهذه الخمسة الاحكام التكليفية(وعن الصحة والبطلان) ويقال لهما الاحكام الوضعية

٢٠