الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧
الإقرار له.
إذا ثبت هذا ، فإذا كانا خصمين فيه فليس لأحدهما عليه يد. فإن أقام أحدهما البيّنةَ ، حُكم له به. وإن أقام كلّ واحدٍ منهما بيّنةً ، تعارضت البيّنتان. وإن لم يكن لكلّ واحدٍ منهما بيّنةٌ ، حلف كلّ واحدٍ منهما وقسّم ، أو وقف حتى يصطلحا. وإن حلف أحدهما ونكل الآخَر ، حُكم به للحالف.
هذا إذا لم يبيّن ، فأمّا إذا بيّن فقال : هو لهذا ، فإنّه يكون له ، ولا يغرم للآخَر قولاً واحداً ؛ لأنّه لم يقرّ به للآخَر ، بخلاف قوله : هذا لزيدٍ لا بل لعمرو.
فإن قال الآخَر : احلفوه أنّه ليس لي ، فإن قلنا : إنّه لو عاد وأقرّ (١) للآخَر لم يغرم له ، لم نحلفه ؛ لأنّه إذا نكل لم يلزمه شيء. وإن قلنا : يغرم ، عرضنا عليه اليمين ، فإن حلف سقطت الدعوى ، وإن نكل حلف المدّعي وغرم.
مسألة ٩٤٣ : لو كان معه عشرة أعْبُد ، فقال : هؤلاء العبيد لفلان إلاّ واحداً ، صحّ الاستثناء ؛ لأنّ الإقرار بالمجهول صحيح ، وكذا الاستثناء ؛ لأنّ مقتضاه تجهيل المُقرّ به ، وهو غير قادحٍ في الإقرار.
ثمّ يُطالَب بالبيان ، فإن عيّن الاستثناء في واحدٍ ، صحّ تعيينه ، وكان القولُ قولَه ، فإن عيّن الواحد الذي استثناه كان الباقي للمُقرّ له.
ولو عيّن ما للمُقرّ له جاز ، وكان الواحد الفاضل له.
فإن خالفه المُقرّ له وقال : ليس هذا الذي استثنيتَه ، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ ذلك البيان لإقراره ، وهو أعلم بما أقرّ به واستثناه.
فإن هلك منها تسعة وبقي واحد ، فالوجه : إنّه يُقبل لو عيّن الاستثناء
__________________
(١) في الطبعة الحجريّة : « فأقرّ ».
في الباقي ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (١) ـ لأنّ التفسير يعتبر وقت الإقرار ، وتفسيره لا يرفع جميع ( ما أقرّ به ) (٢) وإنّما تعذّر تسليم المُقرّ به إليهم لا لمعنى يرجع إلى التفسير ، وجرى ذلك مجرى ما لو قال : هؤلاء العبيد لفلان إلاّ غانماً ، ثمّ مات الكلّ إلاّ غانماً ، كان غانم للمُقرّ ، ولم يُبطل ذلك إقراره ، كذا هنا.
والثاني لهم : لا يُقبل منه أن يدّعي أنّه له ؛ لأنّ تفسيره بذلك يؤدّي إلى أن لا يجعل للمُقرّ له شيئاً (٣).
مسألة ٩٤٤ : إذا أقرّ بمالٍ لزيدٍ ، لزمه ، وكان مؤاخذاً بإقراره ـ وهو المشهور من مذهب الشافعي (٤) ـ عملاً بمقتضى الإقرار.
وقال بعض الشافعيّة : إنّه لا يلزمه حتّى يُسأل المُقرّ عن سبب اللزوم ؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة ، والإقرار ليس موجباً في نفسه ، وأسباب الوجوب مختلف فيها بين العلماء ، فربما توهّم ما ليس بموجبٍ موجباً ، وهذا كما أنّ الجرح المطلق لا يُقبل ، وكما لو أقرّ بأنّ فلاناً وارثه ، لا يُقبل حتى يبيّن جهة الوراثة (٥).
ولو قال : علَيَّ ألف درهم وإلاّ لفلان علَيَّ ألف دينار ، لزمه (٦) [ و ] (٧)
__________________
(١) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.
(٢) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « المُقرّ به ».
(٣) نفس المصادر في الهامش (١) ما عدا التهذيب.
(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.
(٦) في روضة الطالبين ٤ : ٤٣ هكذا : « لزمه ألف درهم ».
(٧) ما بين المعقوفين أضفناه للسياق.
هذا (١) للتأكيد.
ولو قال : وهبتُ منك كذا وخرجتُ منه إليك ، لم يكن مُقرّاً بالقبض ؛ لجواز أن يريد بالخروج منه الهبة.
وقال القفّال : إنّه يكون مُقرّاً بالقبض ؛ لأنّه نسب إلى نفسه ما يشعر بالإقباض بعد العقد المفروغ عنه (٢).
ولو قال : وهبتُه ، ثمّ قال : لم أقبضه ، سُمع منه ذلك ، وكان دعوى ترك الإقباض مسموعةً ؛ لأنّ الهبة لا تستلزم الإقباض ، لكن لا تلزم إلاّ به.
وكذا الرهن والوقف وكلّ ما يشترط فيه القبض.
ولو قال : وهبتُه وملّكته ، ثمّ ادّعى نفي الإقباض ، لم تُسمع منه ؛ لأنّ الهبة إنّما تُملك بالقبض ، إلاّ أن يعتقد مذهب مالك ، فتُسمع منه هذه الدعوى ؛ لأنّه يعتقد الملكيّة بالهبة المجرّدة عن الإقباض (٣).
مسألة ٩٤٥ : لو أقرّ الأب بعين ماله لولده ، لم يكن له الرجوعُ في إقراره ، فإن رجع لم يُقبل منه ؛ لأنّ الأصل بقاء الملك للمُقرّ له ، وبه قال بعض الشافعيّة (٤).
وقال بعضهم : له الرجوع ؛ لأنّه يمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع ، ويمكن أن يكون مستنده ما لا يمنع ، كالهبة ، فيثبت له الرجوع ؛
__________________
(١) أي الكلام الأخير.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.
(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٧٣ / ١١٩٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٢٩ ، التفريع ٢ : ٣١٢ ، التلقين : ٥٥٠ ، المعونة ٣ : ١٦٠٧ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩٥ ، البيان ٨ : ٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣١٩ ، المغني ٦ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٢٧٦.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.
تنزيلاً للإقرار على أضعف المِلْكين وأدنى السببين ، كما يُنزّل على أقلّ المقدارين (١).
وقال آخَرون : إن أقرّ بانتقال الملك منه إلى الابن ، فإنّه يثبت له الرجوع. وإن أقرّ بالملك المطلق ، لم يكن له الرجوع (٢).
ولو أقرّ في وثيقةٍ بأنّه لا دعوى له على فلان ولا طلبة بوجهٍ من الوجوه ولا سببٍ من الأسباب ، ثمّ قال : إنّما أردت في عمامته أو في قميصه ، لا في داره وبستانه ، قال بعض الشافعيّة : إنّه يُقبل بمقتضى القياس ؛ لأنّ غايته تخصيص عمومٍ (٣). وهو محتمل.
ويشكل بما إذا قال : كلّ هذه الدراهم لزيدٍ ، ثمّ قال : لم أُرِدْ هذا الدرهم منها.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣ ـ ٤٤.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٤.
الفصل الرابع : في تعقيب الإقرار بما يرفعه
وفيه بحثان :
الأوّل : في الاستثناء.
مسألة ٩٤٦ : الاستثناء جائز في الإقرار وغيره ـ والأصل فيه قوله تعالى : ( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ ) (١) وقوله تعالى : ( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً ) (٢) وهو كثير في القرآن والسنّة ولسان العرب ـ بشرط اتّصاله بالمستثنى منه وعدم استغراقه له ، فإن سكت بعد الإقرار طويلاً أو شرع في كلامٍ أجنبيّ عمّا هو بصدده ثمّ استثنى ، لم يصح.
والرواية عن ابن عباس (٣) متأوّلة ، وكذا قوله عليهالسلام : « إن شاء الله » (٤).
ولو كان الاستثناء مستغرقاً بطل ، فلو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ عشرة ، كان الاستثناء لغواً ، وتثبت العشرة ؛ لبطلان الاستثناء في لغة العرب ، وعدم انتظامه بين أرباب اللسان.
__________________
(١) الحجر : ٣٠ و ٣١ ، « ص » : ٧٣ و ٧٤.
(٢) العنكبوت : ١٤.
(٣) وهي تجويزه تأخير الاستثناء ، راجع : المعتمد ١ : ٢٤٢ ، وإحكام الفصول : ١٨٣ ، والمستصفى ٢ : ١٦٥ ، والمنخول : ١٥٧ ، والمحصول في علم الأُصول ١ : ٤٠٧ ، والإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٤٩٥ ، والتحصيل من المحصول ١ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤.
(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٣١ / ٣٢٨٦ ، سنن البيهقي ١٠ : ٤٧ و ٤٨.
والأصل فيه أنّه رجوع وإبطال لما أقرّ به أوّلاً بالكلّيّة ، فكان باطلاً.
وقواعد الاستثناء خمس :
الأوّل : حكم الاستثناء والمستثنى منه متناقضان ، فالاستثناء من النفي إثبات ، وبالعكس.
الثاني : الاستثناء المتكرّر مع حرف العطف يعود إلى المستثنى منه.
ولو خلا عن حرف العطف ، فإن زاد الثاني على الأوّل أو ساواه عادا معاً إلى المستثنى منه ، كما في العطف ، وإن نقص عنه كان الاستثناء الثاني عائداً إلى الاستثناء الأوّل ، والاستثناء الأوّل إلى المستثنى منه ، وتناقضا.
الثالث : إذا ورد الاستثناء عقيب جُملٍ متعدّدة معطوف بعضها على البعض ، فالأقوى : عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة إلاّ مع القرينة.
الرابع : الاستثناء من الجنس جائز إجماعاً ، ومن غيره جائز على الأقوى.
الخامس : الاستثناء المستوعب والزائد باطل إجماعاً ، وأمّا الأقلّ فإنّه جائز ، سواء زاد المستثنى على الباقي أو ساواه أو نقص عنه.
وقال ابن درستويه وأحمد بن حنبل : لا يجوز أن يستثنى إلاّ الأقلّ من الباقي ؛ لأنّه لم يوجد في كلام العرب إلاّ ذلك ، واللغة توقيف ، ولأنّ الاستثناء في الأصل استدراك لما غفل المتكلّم عنه ، ولا يتأتّى ذلك إلاّ في القليل ، أمّا المساوي والأزيد فتبعد الغفلة عنه والنسيان له (١).
__________________
(١) المغني ٥ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٣ ، الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٣٦ ، إحكام الفصول : ١٨٧ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٥٠٢.
وهو يبطل بقوله تعالى : ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) (١) وهو يقتضي كون الغاوين أقلَّ على ما ذهبوا إليه.
وقال في موضعٍ آخَر : ( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٢) وذلك يقتضي كون المخلصين أقلَّ ، وهو تناقض.
وقال الشاعر :
أدّوا التي نقصت
تسعين من مائة |
|
ثمّ اطلبوا
حكماً بالحقّ مقوالا (٣) |
وهذا استثناء للتسعين من المائة ، أو هو في معنى الاستثناء.
مسألة ٩٤٧ : لا خلاف في أنّ الاستثناء من الإثبات نفي ؛ لأنّ الاستثناء مشتقّ من الثني ، وهو الصرف ، والصرف إنّما يكون من الإثبات إلى النفي ، وبالعكس ، ولأنّ الاستثناء في الحقيقة إخراج بعض ما تناوله اللفظ عن الحكم الثابت للمستثنى منه على وجهٍ لولاه لدخل فيه ، ولا ريب أنَّ الحكم بالإثبات مخالف للأصل ، وهو العدم في جميع الأشياء ، فإذا أخرج بعض الجملة من الحكم الإثباتي ، بقي على أصالة العدم ، فكان نفياً.
وأمّا الاستثناء من النفي فهو إثبات عند المحقّقين ؛ لأنّه إخراج من النفي ، ولا خروج عن النقيضين ، فيكون مثبتاً ، ولأنّه لو لا ذلك لم يكن قولنا : « لا إله إلاّ الله » توحيداً ، ولما كان كافياً في الإسلام ، ولا خلاف في الاكتفاء به ؛ فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا جاءه الأعرابي وتكلّم بهذه اللفظة وبالشهادة بالرسالة له عليهالسلام حكم بتمام إسلامه ، ولو لم يكن الاستثناء من
__________________
(١) الحجر : ٤٢.
(٢) الحجر : ٣٩ و ٤٠.
(٣) لم نهتد لقائله ، وورد البيت بتفاوت يسير في الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٣٨ ، والعُدّة في أُصول الفقه ٢ : ٦٧١ ، والحاوي الكبير ٧ : ٢١ ، والمغني ٥ : ٣٠٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٠٣ ، والمبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ٨.
النفي إثباتاً لم يكن ذلك إثباتاً لله تعالى.
وقال أبو حنيفة : الاستثناء من النفي ليس بإثباتٍ ؛ لثبوت الواسطة بين الحكم بالثبوت والحكم بالنفي ، وهو نفي الحكم (١).
وليس بصحيح ؛ لما تقدّم.
مسألة ٩٤٨ : إذا قال : له علَيَّ عشرة إلاّ تسعة ، فقد بيّنّا أنّ الاستثناء يناقض المستثنى منه ، والمناقض للثبوت عدم.
ولو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ واحداً ، لزمه تسعة ، وهو قول أكثر العامّة (٢).
وقال مالك منهم : لا يصحّ استثناء الآحاد من العشرات ولا المئين من الأُلوف ، وإنّما يصحّ استثناء الآحاد والعشرات من المئين والأُلوف (٣).
ونُقل عنه أيضاً أنّه لا يصحّ الاستثناء في الإقرار أصلاً (٤).
وكلاهما باطل ؛ لأنّه مخالف لمصطلح الفصحاء ولما ورد به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة واستعمال أهل اللغة.
مسألة ٩٤٩ : لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ تسعة إلاّ ثمانية ، فهو إقرار بتسعة ، والمعنى : إلاّ تسعة لا تلزم إلاّ ثمانية تلزم ، فتلزم الثمانية والواحد الباقي من العشرة ، فإذا استثنى تسعةً من العشرة فقد نفى التسعة من العشرة المثبتة ، فيبقى المثبت واحداً ، فإذا استثنى من التسعة المسقَطة ثمانيةً ، بقي الساقط واحداً لا غير ، وعلى هذا.
والطريق فيه وفي نظائره أن يُجمع كلّ ما هو إثبات وكلّ ما هو نفي ،
__________________
(١) المحصول في علم الأُصول ١ : ٤١١ ، الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٤٩ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٥١٢ ، التحصيل من المحصول ١ : ٣٧٧.
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٥.
(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٣.
فيسقط المنفيّ من المثبت ، فيكون الباقي هو الواجب ، فالعشرة في الصورة المذكورة مثبتة وكذا الثمانية تجمعهما وتُسقط التسعةَ المنفيّة من المجموع ، تبقى تسعة.
ولو قال : عشرة إلاّ تسعة إلاّ ثمانية إلاّ سبعة ، وهكذا إلى الواحد ، فعليه خمسة ؛ لأنّ الأعداد المثبتة ثلاثون ، والمنفيّة خمسة وعشرون.
وطريق تمييز المثبتة من المنفيّة أن يُنظر إلى العدد المذكور أوّلاً ، فإن كان زوجاً فالأوتار منفيّة والأزواج مثبتة ، وإن كان وتراً فبالعكس ، وذلك بشرط أن تكون الأعداد المذكورة على التوالي الطبيعي ، أو يتلو كلّ شفعٍ منها وتراً ، وبالعكس.
مسألة ٩٥٠ : لو قال : ليس لفلان علَيَّ شيء إلاّ خمسة ، لزمه خمسة.
ولو قال : ليس علَيَّ عشرة إلاّ خمسة ، لم يلزمه شيء عند الأكثر ؛ لأنّ « عشرة إلاّ خمسة » عبارة عن خمسة ، فكأنّه قال : ليس له علَيَّ خمسة (١).
وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه يلزمه خمسة ؛ بناءً على أنّ الاستثناء من النفي إثبات (٢).
والتحقيق أن نقول : إنّ هذا القول صالح للأمرين ؛ لأنّه إن قصد بالنفي سلبَ المركّب ـ وهو : عشرة إلاّ خمسة ـ لم يلزمه شيء ، وإن قصد سلبَ العشرة لا غير ثمّ قصد بالأنقص ذلك السلب في الخمسة ، لزمه خمسة ، فحينئذٍ يرجع إليه في البيان ، ويُقبل تفسيره مع اليمين.
__________________
(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.
مسألة ٩٥١ : لو كرّر الاستثناء من غير عطفٍ وكان الثاني مستغرقاً ، صحّ الأوّل ، وبطل الثاني ، فلو (١) قال : له علَيَّ عشرة إلاّ خمسة إلاّ عشرة ، بطل ، ولزمه خمسة ؛ عملاً بالاستثناء الأوّل لا غير.
ولو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ خمسة إلاّ خمسة ، بطل الاستثناء الثاني أيضاً ؛ إذ لا يمكن عوده إلى المستثنى منه الأوّل ، وإلاّ لم يبق شيء ؛ لخروج خمسةٍ بالاستثناء الأوّل وخمسةٍ بالثاني ، ولا إلى الاستثناء السابق عليه ؛ لأنّه مستوعب له ، فوجب الحكم ببطلان الاستثناء الثاني ، فيبقى (٢) اللازم في ذمّته خمسة.
ولو كان الاستثناء الأوّل مستغرقاً ، كما لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ عشرة إلاّ أربعة ، فالأقرب : إنّه يلزمه أربعة ، ويصحّ الاستثناءان معاً ؛ لأنّ الكلام إنّما يتمّ بآخره ، وآخره يُخرج الأوّلَ عن كونه مستغرقاً ، ويصير كأنّه استثنى من أوّل الكلام ستّةً ؛ لأنّ « عشرة إلاّ أربعة » في تقدير « ستّة » فيصير قوله : « له علَيَّ عشرة إلاّ عشرة إلاّ أربعة » في تقدير « له علَيَّ عشرة إلاّ ستّة » وهو أحد وجوه الشافعيّة (٣).
والثاني : إنّه يلزمه عشرة ، ويبطل الاستثناء الأوّل ؛ لاستغراقه ، والثاني ؛ لبطلان المستثنى منه (٤).
__________________
(١) في « ث ، خ » والطبعة الحجريّة : « فإذا » بدل « فلو ».
(٢) في « ج ، ر » : « فيكون » بدل « فيبقى ».
(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٢٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.
(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.
وهو غلط ؛ إذ لا يمكن العدول إلى الهذريّة في الكلام مع إمكان الحمل على الصواب.
والثالث لهم : إنّه يلزمه ستّة ؛ لأنّ الاستثناء الأوّل باطل ؛ لاستغراقه ، فيكون وجوده كعدمه ، ورجع الاستثناء إلى أوّل الكلام (١).
ولو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ عشرة إلاّ خمسة ، فعلى الوجه الثاني يلزمه عشرة ، وعلى الآخَرين خمسة.
ولو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ ثلاثة إلاّ ثلاثة ، لزمه أربعة ؛ لأنّ الأصل التأسيس لا التأكيد ، ولا يمكن عود الثاني إلى الأوّل ؛ لأنّه مستوعب ، ولا إبطال أحدهما ؛ إذ الأصل الإفادة ، فيرجعان إلى المستثنى منه.
مسألة ٩٥٢ : إذا كرّر الاستثناء مع العطف ، رجعا جميعاً إلى المستثنى منه ، فإن استوعبا معاً بطل الثاني.
فلو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ خمسة وإلاّ أربعة ، لزمه واحد.
وكذا لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ خمسة وأربعة ، لزمه واحد ، وكانا جميعاً مستثنيين من العشرة.
ولا فرق بين أن يكون الاستثناء الثاني أكثرَ من الأوّل أو أقلَّ أو مساوياً.
فإذا قال : له علَيَّ عشرة إلاّ أربعة وإلاّ أربعة ، لزمه اثنان.
ولو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ أربعة وإلاّ خمسة ، لزمه واحد.
ولو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ سبعة وإلاّ ثلاثة ، لزمه العشرة ؛ لأنّ الواو
__________________
(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.
تجمعهما وتوجب الاستغراق ، هذا عند بعض الشافعيّة (١).
وعند بعضهم ما اخترناه أوّلاً من بطلان الثاني خاصّةً ؛ لأنّ الأوّل صحّ استثناؤه ، والثاني مثل العدد الباقي ، فهو المستغرق (٢).
والأصحّ عندهم : الثاني ؛ لأنّه إذا قال : له عندي عشرة إلاّ سبعة ، فقد بقي مُقرّاً بثلاثة ، فإذا قال : وإلاّ ثلاثة ، أو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ سبعة وثلاثة ، كانت الثلاثة هي المستغرقة ، فوقعت باطلةً (٣).
وفرّق بعضهم بين قوله : عشرة إلاّ سبعة وثلاثة ، وبين قوله : عشرة إلاّ سبعة وإلاّ ثلاثة ، فقَطَع في الصورة الثانية بالبطلان ؛ لأنّهما استثناءان مستقلاّن (٤).
مسألة ٩٥٣ : إذا كان في الاستثناء أو المستثنى منه عددان عطف أحدهما على الآخَر ، ففي الجمع بينهما وجهان ـ كما في الصورة السابقة ـ أصحّهما : عدم الجمع ـ وهو الأصحّ عند الشافعيّة ، ونصّ عليه الشافعي (٥) ـ لأنّ الواو العاطفة وإن اقتضت الجمع لكنّها لا تُخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ ، والاستثناء يدور على اللفظ ، مثلاً : لو قال : له علَيَّ درهمان ودرهم إلاّ درهماً ، إن لم نجمع يلزمه ثلاثة ؛ لأنّه استثنى درهماً من درهمٍ ، وإن جمعنا لزمه درهمان ، وكان الاستثناء من ثلاثة.
ولو قال : له علَيَّ ثلاثة إلاّ درهمين ودرهماً ، إن لم نجمع لزمه درهم ، وصحّ استثناء الدرهمين ، وإن جمعنا لزمه ثلاثة ، وكان الاستثناء مستغرقاً.
ولو قال : له ثلاثة إلاّ درهماً ودرهمين ، فإن لم نجمع لزمه درهمان ،
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.
(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.
(٥) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.
وإن جمعنا فثلاثة.
ولو قال : له درهم فدرهم ودرهم إلاّ درهماً ودرهماً ودرهماً ، لزمه ثلاثة على الوجهين ؛ لأنّا إن جمعنا ، جمعنا في الطرفين : الاستثناء والمستثنى منه ، وإن لم نجمع كان مستثنياً درهماً من درهمٍ.
مسألة ٩٥٤ : لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ خمسة أو ستّة ، قال بعض الشافعيّة : يلزمه أربعة ؛ لأنّ الدرهم الزائد مشكوك فيه ، فصار كما لو قال : علَيَّ خمسة أو ستّة ، لم يلزمه إلاّ خمسة (١).
والوجه : إنّه يلزمه خمسة ؛ لأنّه حَكَم بإثبات العشرة في ذمّته ، واستثنى خمسةً ، واستثناء الدرهم الزائد مشكوك فيه ، فيبقى الأصل على الثبوت.
ولو قال : له علَيَّ درهم غير دانق ، فإن نصب « غيراً » كان استثناءً للدانق من الدرهم ، ولزمه خمسة دوانيق ، وإن لم ينصبه كان عليه درهم تامّ ؛ لأنّ معناه : علَيَّ درهم لا دانق.
وحَكَم أكثر الشافعيّة بأنّه استثناء ، سواء نصب أو رفع ؛ لأنّ السابقَ إلى الفهم الاستثناء ، فيُحمل عليه وإن أخطأ في الإعراب (٢).
مسألة ٩٥٥ : الاستثناء حقيقة في الجنس ، مجاز في غيره ؛ لتبادر الأوّل إلى الفهم ، دون الثاني ، ولأنّ الاستثناء إخراج ، وإنّما يتحقّق في الجنس ، وفي غيره يحتاج إلى تقديرٍ ، ومع هذا إذا استثنى من غير الجنس ، سُمع منه وقُبِل ، وكان عليه ما بعد الاستثناء.
فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوباً ، أو : إلاّ عبداً ، صحّ عند علمائنا
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٥.
ـ وبه قال الشافعي ومالك (١) ـ لوروده في القرآن العزيز :
قال الله تعالى : ( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ ) (٢) استثناه من الملائكة ، ولم يكن منهم ؛ لقوله تعالى : ( إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ) (٣).
وقال تعالى : ( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً ) (٤) و ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) (٥) وأمثال ذلك كثيرة.
وقال النابغة :
وقفت فيها
أُصيلالاً أُسائلها |
|
أعيت جواباً وما
بالرَّبْع من أحد |
إلاّ الأواريّ
لَأْياً ما أُبيّنها |
|
والنؤْي كالحوض
بالمظلومة الجَلَد (٦) |
وقال الشاعر :
وبلدة ليس بها
أنيس |
|
إلاّ اليعافير
وإلاّ العيس (٧) |
واليعافير : ذكور الظباء ، والعيس : الجِمال. والأواريّ : المعالف.
__________________
(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٦ / ١٠٤٨ ، التلقين : ٤٤٨ ـ ٤٤٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٩ / ١٢٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٨٧ ، المغني ٥ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٠.
(٢) الحجر : ٣٠ و ٣١ ، « ص » : ٧٣ و ٧٤.
(٣) الكهف : ٥٠.
(٤) مريم : ٦٢.
(٥) النساء : ٢٩.
(٦) ديوان النابغة الذبياني : ١٤ ـ ١٥.
(٧) ورد البيت في تهذيب اللغة ١٥ : ٤٢٦ ، والكتاب ـ لسيبويه ـ ٢ : ٣٢٢.
وقال أبو حنيفة : إن استثنى مكيلاً أو موزوناً جاز ، وإن استثنى عبداً أو ثوباً من مكيلٍ أو موزونٍ لم يجز.
وبالجملة ، لا يصحّ عنده الاستثناء من غير الجنس ، إلاّ في المكيل والموزون والمعدود ، فيستثنى بعضها من بعضٍ مع اختلاف الجنس (١).
وقال محمّد بن الحسن وزفر : لا يجوز الاستثناء من غير الجنس ـ مطلقاً ـ بحال ـ وبه قال أحمد بن حنبل ـ لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ ، ولم يتناول اللفظ إلاّ جنسه ، فلم يصح استثناؤه منه (٢).
والمرجع في ذلك إلى اللغة ، دون ما ذكروه.
ونمنع أنّ الاستثناء مطلقاً ما حدّوه ، فقد قيل : معنى الاستثناء أن ينبئ خبراً بعد خبرٍ (٣) ، وذلك حاصل في غير الجنس.
__________________
(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٨٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٤ / ١٩١٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٦ / ١٠٤٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٩ ـ ١٧١٠ / ١٢٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ، المغني ٥ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٠.
(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٨٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٥ / ١٩١٣ ، المغني ٥ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٦ / ١٠٤٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧١٠ / ١٠٤٨ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ـ ١٢٥٣.
(٣) انظر : التبصرة في أُصول الفقه : ١٦٥ ، واللمع في أُصول الفقه : ٩٥.
مسألة ٩٥٦ : إذا ثبت صحّة الاستثناء من غير الجنس كما إذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوبا ، أو : إلاّ عبداً ، وشبهه ، وجب عليه أن يبيّن قيمة الثوب والعبد بما لا يستغرق ، فإن فسّره بالمستغرق بطل التفسير ، كما لو قال : له علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوباً وقيمته ألف درهم ؛ لأنّه رجوع ونقض لما اعترف به أوّلاً.
وهل يبطل الاستثناء؟ إشكال ينشأ من أنّه بيّن ما أراد باللفظ ، فكأنّه تلفّظ به ، ولا ريب في أنّه لو قال : له علَيَّ ألف إلاّ ألفاً ، بطل الاستثناء ، وكذا لو قال : له علَيَّ ألف إلاّ ثوباً قيمته ألف ، فكذا إذا استثنى الثوب ثمّ فسّره بالمستوعب ، فيبطل الاستثناء ، ويلزمه الألف ، ومن أنّه استثناء صحيح من جهة اللفظ ، وإنّما الخلل فيما فسّر به اللفظ ، فيقال له : هذا التفسير غير صحيحٍ ، ويُطالب بتفسيرٍ صحيحٍ.
وللشافعيّة وجهان (١) كهذين ، والأوّل أصحّ عند الجويني (٢).
مسألة ٩٥٧ : إذا قال : له علَيَّ ألف إلاّ درهماً ، فقد استثنى المعيّن من المبهم.
فإن قلنا بأنّ الاستثناء من غير الجنس باطل ، اقتضى كون الألف دراهمَ ؛ لصحّة الإقرار والاستثناء ، وإنّما يصحّان لو كانت الألف دراهمَ.
وإن قلنا بالجواز سواء كان الاستثناء من غير الجنس حقيقةً أو مجازاً ، طُولب بتفسير الألف ؛ لأنّ المجاز قد يراد خصوصاً في هذا الموضع ، فإنّ التعيين يقتضي إثبات شيء في الذمّة بالإجمال ، فإن فسّر الألف بما يساوي الدرهم أو يقلّ عنه ، بطل التفسير ؛ لاشتماله على الاستثناء المستوعب ،
__________________
(١) بحر المذهب ٨ : ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٥.
(٢) الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦.
ويقال له : الاستثناء قد صحّ بحكم الإطلاق ، ففسّر ذلك بما يبقى بعد الدرهم منه شيء.
ويحتمل إلزامه بما فسّر به الألف ، فيبطل الاستثناء ؛ لأنّه إذا بيّن المُقرّ به ، كان الاستثناء رافعاً لجميعه ، فيبطل.
ولو استثنى المجهول من المعلوم ، صحّ ، وطُولب بالبيان ، كما إذا قال : له علَيَّ عشرة دراهم إلاّ شيئاً ، فيُطالَب بتفسير الشيء ، ويُقبل تفسيره بمهما كان إذا قلّ عن العشرة ، فإن استوعب أو زاد بطل التفسير. وفي الاستثناء الوجهان.
ولو استثنى المجهول من المجهول ، صحّ الإقرار والاستثناء ، وطُولب بالتفسير فيهما على وجهٍ لا يستوعب ، فإن استوعب فالوجهان ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلاّ شيئاً ، طُولب بتفسير الألف والشيء ، فيبيّن جنس الألف أوّلاً ثمّ يفسّر الشيء بما لا يستغرق الألف من الجنس الذي بيّنه.
ولو قال : له علَيَّ شيء إلاّ درهماً ، فقد استثنى المعلوم من المجهول ، فيفسّر الشيء بما يزيد على الدرهم وإن قلّ ، كما تقدّم في قوله : علَيَّ ألف إلاّ درهماً ، ولا يلزم من استثناء الدرهم أن تكون الألف دراهمَ.
قال بعض الشافعيّة : مهما بطل التفسير في هذه الصورة ففي بطلان الاستثناء وجهان (١).
ويشكل في استثناء المعلوم من المجهول.
مسألة ٩٥٨ : لو اتّفق اللفظ في المستثنى منه والاستثناء ، كما لو قال : له علَيَّ شيء إلاّ شيئاً ، أو : له علَيَّ مالٌ إلاّ مالاً ، فالأقوى : صحّة الإقرار
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.
والاستثناء ؛ لوقوعه على القليل والكثير ، فلا يمتنع حمل الثاني على أقلّ ما يتموّل ، وحمل المستثنى منه على الزائد على أقلّ ما يتموّل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : إنّه يبطل الاستثناء ، كما لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ عشرة (١).
ولا معنى لهذا التردّد ؛ فإنّ فيه غفلةً ؛ لأنّا إذا ألغينا استثناءه اكتفينا بأقلّ ما يتموّل ، وإن صحّحناه ألزمناه [ أيضاً أقلّ ما يتموّل ، فيتّفق ] (٢) الجوابان.
قيل : يمكن أن يقال : حاصل الجواب لا يختلف ، لكنّ التردّد غير خالٍ عن فائدةٍ ، فإنّا إذا أبطلنا الاستثناء لم نطالبه إلاّ بتفسير اللفظ الأوّل ، وإن لم نبطله طالبناه بتفسيرهما. وله آثار في الامتناع من التفسير ، وكون التفسير الثاني غير صالحٍ للاستثناء من الأوّل ، وما أشبه ذلك (٣).
مسألة ٩٥٩ : قد بيّنّا أنّه إذا فسّر المجهول بالمستوعب ، بطل التفسير.
مثلاً : إذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوباً ، أو : ألف إلاّ درهماً ، ثمّ فسّر الثوب بما يزيد قيمته على ألف درهم أو يساويه ، فإنّ التفسير يبطل.
وهل يُطالب بتفسيرٍ آخَر ممكن يبقى معه شيء من الألف ، أو لا؟ مبنيّ على بطلان الاستثناء ببطلان التفسير ، إن قلنا : يبطل ، لزمه الألف ، ولم يُطالَب بتفسيرٍ آخَر ، وإن قلنا : لا يبطل الاستثناء ، طُولب بتفسيرٍ يُسمع ، فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوباً ، صحّ الاستثناء على ما تقدّم ؛ لأنّه يحتمل أن يكون أتلف عليه ثوباً ، فتكون قيمته مستثناةً من الألف.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إبقاء ما يتموّل فسبق ». وذلك تصحيف ، والمثبت من « العزيز شرح الوجيز » و« روضة الطالبين ».
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.
مسألة ٩٦٠ : إذا قال : له علَيَّ درهم ودرهم إلاّ درهما ، قال بعض (١) علمائنا : إن قلنا : إنّ الاستثناء المتعقّب للجُمل يعود إلى الجميع ، صحّ ، ولزمه درهم واحد ؛ لأنّ الواو تقتضي الجمع ، لأنّها للعطف ، فتجمع بين المتفرّقين ، كما تجمع واو الجمع في الأسماء المتفرّقة ، فيصير كأنّه قال : له علَيَّ درهمان إلاّ درهماً ، وبه قال بعض الشافعيّة (٢).
والحقّ : بطلان الاستثناء ، سواء قلنا بعود الاستثناء المتعقّب إلى الجُمل السابقة أو إلى الأخيرة ؛ لأنّ الاستثناء إخراج ، وإنّما احتمل مع اشتماله على التناقض في الجمع ؛ لجواز إرادة الأكثر ، فإذا قال : جاء المسلمون إلاّ زيداً ، كان لفظ المسلمين صالحاً لما عدا زيدٍ ، كما صلح لذلك ، فجاز الاستثناء ، ويكون (٣) بالاستثناء قد بيّن مراده.
أمّا إذا جاء بلفظٍ يدلّ بالنصوصيّة على كلّ فردٍ فردٍ ، فإنّه لا يصحّ الاستثناء ، كما لو قال : جاء زيد المسلم وعمرو المسلم وخالد المسلم إلاّ زيداً ؛ لاشتماله على التناقض الصريح ، بخلاف ما لو قال : جاء المسلمون إلاّ زيداً ، كذا هنا إذا قال : له درهم ودرهم إلاّ درهماً ، فقد أخرج أحدهما بعد أن نصّ على ثبوته ، وهو تناقضٌ صريح.
مسألة ٩٦١ : قد بيّنّا أنّه يجوز الاستثناء من الاستثناء ، فإذا قال : له علَيَّ عشرة إلاّ ثلاثة إلاّ اثنين ، لزمه تسعة.
والأصل في جواز الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى : ( قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ
__________________
(١) الشيخ الطوسي في المبسوط ٣ : ١٠.
(٢) التنبيه : ٢٧٦.
(٣) في الطبعة الحجريّة : « فيكون » بدل « ويكون ».
امْرَأَتَهُ ) (١).
ومَنَع بعضُ أهل العربيّة من ذلك وأنكره ، قال : لأنّ العامل في الاستثناء الفعلُ الأوّل بتقوية حرف الاستثناء ، والعامل الواحد لا يعمل في معمولين. ونقول في الآية : إنّ الاستثناء الثاني من قوله عزّ وجلّ : ( أَجْمَعِينَ ) (٢).
ونمنع من امتناع تعدّد المعمول مع وحدة العامل هنا ؛ لأنّ الاستثناء مُقوٍّ للفعل ، وبعضهم قال : العامل « إلاّ » خاصّةً (٣) ، فلا يرد عليه ذلك.
مسألة ٩٦٢ : يصحّ الاستثناء من الأعيان ، كما يصحّ من الكلّيّات ، فإذا قال : لزيدٍ هذه الدار إلاّ هذا البيت ، أو : له هذا القميص إلاّ كُمّه ، أو : هذه الدراهم إلاّ هذا الواحد منها ، أو : هذا القطيع إلاّ هذه الشاة ، أو : هذا الخاتم إلاّ هذا الفصّ ، وما أشبه ذلك ، صحّ الاستثناء ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٤).
ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يصحّ ؛ لأنّ الاستثناء المعتاد هو الاستثناء من الأعداد المطلقة ، فأمّا المعيّنة فالاستثناء منها غير معهود ، ولأنّه إذا أقرّ بالعين كان ناصّاً على ثبوت الملك فيها ، فيكون الاستثناء بعده رجوعاً (٥).
وقد ذكر بعض الشافعيّة أنّه إذا قال : أربعكنّ طوالق إلاّ فلانة ، لم يصح هذا الاستثناء ، كما لو قال : هؤلاء الأعْبُد الأربعة لفلان إلاّ هذا
__________________
(١) الحجر : ٥٨ ـ ٦٠.
(٢) كما في بحر المذهب ٨ : ٢٤٠ ، وراجع : الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٧٢ ـ ٥٧٣.
(٣) راجع : الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٧٢.
(٤) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٢ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.
(٥) الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.