الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
وعندنا إنّما يجوز إذا نوى المقام عشرة أيام ، فلو نوى المقام ، لزمه الصوم .
فإن نوى المقام قبل الزوال ولم يكن قد تناول المفطر ، وجب عليه تجديد نية الصوم وإتمامه ، وأجزأ عنه .
ولو نوى بعد الزوال أو كان قد تناول ، أمسك مستحباً ، وكان عليه القضاء .
ومن سوّغ الصوم في السفر ـ وهم العامّة ـ لو نوى الصوم في سفره ثم بدا له أن يفطر ، فله ذلك عند أحمد (١) (٢) .
وللشافعي قولان ، فقال مرة : لا يجوز له الفطر . وقال اُخرى : إن صحّ حديث الكديد ، لم أر به بأساً أن يفطر (٣) .
وعنى بحديث الكديد ، الحديث الذي رواه ابن عباس ، قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطر الناس (٤) .
وقال مالك : إن أفطر ، فعليه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه أفطر في صوم (٥) رمضان فلزمه ذلك ، كما لو كان حاضراً (٦) .
إذا عرفت هذا ، فإنّ له أن يفطر عندهم بالأكل والشرب وغيرهما ، إلّا الجماع ففيه قولان : أحدهما : ليس له ذلك . والثاني : الجواز .
وعلى القول الأول هل تجب الكفّارة ؟ عن أحمد روايتان : إحداهما : أنّه لا كفّارة عليه ـ وهو مذهب الشافعي ـ لأنّه صوم لا يجب المضيّ فيه ، فلم
__________________
(١) ورد في الطبعة الحجرية بدل عند أحمد : عنده . و : عند أحمد خ ل .
(٢) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢ .
(٣) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢٨ .
(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ١٥٩ ، الهامش (٦) .
(٥) ورد في الطبعة الحجرية بدل صوم : شهر . و : صوم . خ ل .
(٦) المغني ٣ : ٣٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢ .
تجب الكفّارة بالجماع فيه ، كالتطوّع .
والثانية : أنّه تجب عليه الكفّارة ؛ لأنّه أفطر بجماع ، فلزمته الكفّارة ، كالحاضر .
والفرق : أنّ الحاضر يجب عليه المضيّ في الصوم ، ولأنّ حرمة الجماع وغيره بالصوم ، فتزول بزواله ، كما لو زالت بمجيء الليل (١) .
مسألة ٩٨ : وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر والقضاء ؛ لأنّ الفطر اُبيح رخصةً وتخفيفاً عنه ، فلا يجوز له الإِتيان بما خُفّف عنه ، كالتمام والقصر في الصلاة .
وكذا ليس للحاضر أن يصوم غير رمضان فيه ؛ لأنّه زمان لا يقع فيه غيره .
فإذا نوى المسافر الصوم في شهر رمضان للنذر أو القضاء ، لم يصح صومه عن رمضان ولا عمّا نواه ؛ لأنّه اُبيح له الفطر للعذر ، فلم يجز له أن يصومه عن غير رمضان كالمريض ، وهذا قول أكثر العلماء (٢) .
وقال أبو حنيفة : يقع ما نواه إذا كان واجباً ؛ لأنّه زمن اُبيح له الفطر فيه ، فكان له صومه عن واجب عليه كغير رمضان (٣) .
وينتقض : بصوم التطوّع .
مسألة ٩٩ : لو قدم المسافر أو برئ المريض وكانا قد أفطرا ، استحب لهما الإِمساك بقية النهار ، وليس واجباً عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وداود (٤) ـ لأنّه اُبيح له الإِفطار باطناً وظاهراً في أول النهار ، فإذا أفطر ، كان له أن يستديمه الى آخر النهار ، كما لو بقي العذر .
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٦ .
(٢) المغني ٣ : ٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١ ـ ٢٢ ، المجموع ٦ : ٢٦٣ .
(٣) المغني ٣ : ٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢ ، المجموع ٦ : ٢٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٨٤ .
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، المغني ٣ : ٧٤ ـ ٧٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ .
ولأنّ الصوم غير قابل للتبعيض وقد أفطر في أول النهار فلا يصح صوم الباقي .
وإنّما استحب الإِمساك تشبّهاً بالصائمين ؛ لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيُواقعها ؟ قال : « لا بأس به » (١) .
وأمّا استحباب الإِمساك : فلأنّ سماعة سأله عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل ، قال : « لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً ، ولا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل »(٢) .
وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : لا يجوز لهم أن يأكلوا في بقية النهار ـ وعن أحمد روايتان (٣) ـ لأنّه معنى لو طرأ قبل طلوع الفجر لوجب الصوم ، فإذا طرأ بعد الفجر وجب الإِمساك كقيام (٤) البيّنة أنّه من رمضان (٥) .
والفرق : جواز الإِفطار باطناً وظاهراً هنا ، فإذا أفطر كان له استدامته ، بخلاف البيّنة ؛ لأنّه لم يكن له الفطر باطناً ، فلمّا انكشف له خطأه حرم عليه الإِفطار .
وكذا البحث في كلّ مفطر كالحائض إذا طهرت ، والطاهر إذا حاضت ، والصبي إذا بلغ ، والكافر إذا أسلم .
مسألة ١٠٠ : لو قدم المسافر قبل الزوال أو برئ المريض كذلك ولم يكونا قد تناولا شيئاً ، وجب عليهما الإِمساك بقية اليوم ، وأجزأهما عن
__________________
(١) الاستبصار ٢ : ١٠٦ / ٣٤٧ و ١١٣ / ٣٧٠ ، التهذيب ٤ : ٢٤٢ / ٧١٠ و ٢٥٤ / ٧٥٣ .
(٢) الكافي ٤ : ١٣٢ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤ / ٧٥١ ، الاستبصار ٢ : ١١٣ / ٣٦٨ .
(٣) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، و ٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ .
(٤) ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية بدل كقيام : لقيام . والصحيح ـ كما هو موافق لما في المغني ـ ما أثبتناه .
(٥) المغني ٣ : ٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ . حلية العلماء ٣ : ١٧٦ .
رمضان ، ولو كان بعد الزوال أمسكا استحباباً ، وقضيا عند علمائنا ؛ لأنّه قبل الزوال يتمكّن من أداء الواجب على وجه يؤثّر النية في ابتدائه فوجب الصوم ، والإِجزاء مُخرج عن العهدة ، وأمّا بعد الزوال : فلفوات محل النية ، فلا يجب بالصوم ؛ لعدم شرطه ؛ واستحباب الإِمساك لحرمة الزمان .
ولأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجل قدم من سفره في شهر رمضان ولم يطعم شيئاً قبل الزوال ، قال : « يصوم » (١) .
وسأله أبو بصير عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان ، فقال : « إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صوم ذلك اليوم ويعتدّ به » (٢) .
مسألة ١٠١ : لو علم المسافر أنّه يصل الى بلده أو موضع إقامته قبل الزوال ، جاز له الإِفطار ـ ولو أمسك حتى يدخل ويتم صومه كان أفضل ، وأجزأه ـ لأنّ السفر المبيح للإِفطار موجود ، والمانع مفقود بالأصل .
ولما رواه رفاعة ـ في الحسن ـ أنّه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يصل (٣) في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار ، قال : « إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر » (٤) .
وأما أولوية الصوم : فلحرمة الوقت ، ولاشتماله على المسارعة الى فعل الواجب .
مسألة ١٠٢ : الخلوّ من الحيض والنفاس شرط في الصوم بإجماع العلماء .
ولو زال عذرهما في أثناء النهار ، لم يصح لهما صوم وإن كان بعد الفجر
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٣٢ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٥٥ / ٧٥٥ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٥ / ٧٥٤ .
(٣) في الكافي : يقدم ؛ بدل يصل . وفي الفقيه والتهذيب : يقبل .
(٤) الكافي ٤ : ١٣٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٤ ، التهذيب ٤ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ / ٧٥٦ .
بزمان يسير جدّاً ، لكن يستحب لهما الإِمساك ويجب عليهما القضاء ـ وهو قول عامة أهل العلم (١) ـ لأنّ الوجوب سقط عنهما ظاهراً وباطناً ، فلا يجب الإِمساك .
وقال أبو حنيفة : يجب كما لو قامت البيّنة (٢) ؛ وقد سلف (٣) .
ولو تجدّد عذرهما بعد طلوع الفجر وإن كان قبل الغروب بزمان يسير جدّاً وجب عليهما الإِفطار والقضاء بالإِجماع .
تنبيهٌ :
قيل : الصوم يجب على الحائض والنفساء ، ولهذا وجب القضاء عليهما مع أنّه محرَّم (٤) .
وهو خطأ ؛ للتنافي بين الحكمين ، نعم سبب الوجوب قائم في حقهما ولم يثبت الوجوب لمانع ، والقضاء بأمر جديد .
القسم الثاني : في شرائط وجوب القضاء (٥) .
مسألة ١٠٣ : يشترط في وجوب القضاء : الفوات حالة البلوغ ، فلو فات الصبي الذي لم يبلغ في شهر رمضان ، لم يجب عليه القضاء بعد بلوغه ، سواء كان مميّزاً أو غير مميّز ، بإجماع العلماء ؛ لأنّ الصبي ليس محلّ الخطاب بالأداء ، فلا يجب عليه القضاء ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من الأوزاعي ؛ فإنّه
__________________
(١) راجع : الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، والمجموع ٦ : ٢٥٧ .
(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المجموع ٦ : ٢٥٧ ، المغني ٣ : ٧٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ .
(٣) سلف في المسألة ٩٩ .
(٤) راجع : المجموع ٢ : ٣٥٥ ، وفتح العزيز ٢ : ٤٢٠ .
(٥) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : شرائط القضاء .
قال : يقضيه إن كان قد أفطر وهو قادر على الصوم (١) .
وكذا اليوم الذي بلغ فيه لا يجب عليه قضاؤه ؛ لمضيّ جزء منه لا يصح تكليفه بالصوم فيه ، فيكون الباقي كذلك ؛ لعدم قبوله للتجزّي ، ولا فرق بين أن يصوم اليوم الذي بلغ فيه أو لا ، وبه قال أبو حنيفة (٢) .
وللشافعي قولان ، أحدهما : أنّه يجب قضاؤه وإن كان صائماً . والثاني : لا يجب قضاؤه إذا (٣) كان مفطراً ؛ لأنّه يجب عليه صوم باقيه لبلوغه ، وتعذّر عليه صومه ؛ للإِفطار ، وقضاؤه منفرداً ، فوجب أن يكمل صوم يوم ليتوصّل إلى صوم ما وجب عليه ، كما إذا عدل الصوم بالإِطعام ، فبقي نصف مُدّ ، فإنّه يصوم يوماً كاملاً (٤) .
وهو غلط ؛ لأنّا نمنع وجوب صوم باقية .
مسألة ١٠٤ : كمال العقل شرط في القضاء ، فلو فات المجنون شهر رمضان ثم أفاق ، لم يجب عليه قضاؤه عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٥) ـ لأنّه ليس محلّاً للتكليف ، فلا يجب عليه الأداء ، فلا يجب عليه تابعه ، وهو : القضاء .
وقال مالك : يجب عليه القضاء . وبه قال بعض الشافعية ـ وعن أحمد
__________________
(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ .
(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨ .
(٣) في الطبعة الحجرية : وإن ؛ بدل إذا .
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ .
(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٨ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ .
روايتان (١) ـ لأنّ الجنون معنى يزيل العقل ، فلا ينافي وجوب الصوم ، كالإِغماء (٢) .
ونمنع حكم الأصل ، والفرق : أنّ الإِغماء مرض قد يلحق الأنبياء ، بخلاف الجنون المزيل للتكليف لنقص فيه .
فإن أفاق في أثناء الشهر ، لم يقض ما فاته حال جنونه ولا اليوم الذي يفيق فيه ، إلّا أن يكون أفاق قبل الفجر ـ وبه قال الشافعي في أحد الوجهين (٣) ـ لأنّ الجنون مزيل للخطاب والتكليف ، فسقط قضاء ما فات من بعض الشهر ، كما لو فات جميعه .
وقال أبو حنيفة : يجب قضاء ما فات ؛ لأنّ الجنون لا ينافي الصوم (٤) .
وهو ممنوع بخلاف الإِغماء .
وقال محمد بن الحسن : إذا بلغ مجنوناً ثم أفاق في أثناء الشهر ، فلا قضاء عليه ، أمّا إذا كان عاقلاً بالغاً ثم جُنّ ، قضى ما فاته حالة الجنون ؛ لأنّ بلوغه في الأول لم يتعلّق به التكليف (٥) . ونمنع الأصل .
مسألة ١٠٥ : اختلف علماؤنا في المغمى عليه هل يجب عليه القضاء ؟ فالذي نصّ عليه الشيخ ـ رحمه الله ـ أنّه لا قضاء عليه ، سواء كان مفيقاً في أول الشهر ناوياً للصوم ثم اُغمي عليه ، أو لم يكن مفيقاً ، بل اُغمي
__________________
(١) المغني ٣ : ٩٥ ـ ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣ .
(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٨ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ و ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ١٠٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ .
(٤) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ، الكتاب بشرح اللباب ١ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ .
(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ـ ١٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ .
عليه من أول الشهر (١) .
وهو المعتمد ؛ لأنّ مناط التكليف العقل ، والتقدير زواله ، فيسقط التكليف .
ولأنّ أيوب بن نوح كتب إلى الرضا عليه السلام ، يسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا ؟ فكتب : « لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة » (٢) .
وللشيخ قول آخر : إنّه إن سبقت منه النيّة ، صحّ صومه ، ولا قضاء عليه ، وإن لم تسبق ، بأن كان مغمى عليه من أول الشهر ، وجب القضاء (٣) ـ وبه قال المفيد والسيد المرتضى (٤) ـ لأنّه مريض ، فوجب عليه القضاء كغيره من المرضى ؛ لأنّ مدّته لا تتطاول غالباً .
ولقول الصادق عليه السلام : « يقضي المغمى عليه ما فاته » (٥) .
ونمنع مساواته للمرض الذي يبقى فيه العقل .
والرواية محمولة على الاستحباب .
وقال الشافعي وأبو حنيفة : يقضي زمان إغمائه مطلقاً . واختلفا في يوم إغمائه ، فقال أبو حنيفة : لا يقضيه ؛ لحصول النية فيه . وقال الشافعي : يقضيه (٦) .
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٣ / ٧١١ ، الاستبصار ١ : ٤٥٨ / ١٧٧٥ ، والفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤١ ، وفيها عن أبي الحسن الثالث عليه السلام .
(٣) الخلاف ٢ : ١٩٨ ، المسألة ٥١ ، وحكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣١٣ .
(٤) المقنعة : ٥٦ ، جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٧ ، وحكاه عنهما المحقّق في المعتبر : ٣١٣ .
(٥) التهذيب ٤ : ٢٤٣ / ٧١٦ .
(٦)
حكى هذه الأقوال عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣١٣ ، وانظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ و ١٩٢ ، والمجموع ٦ : ٢٥٥ و ٣٤٧ ، والوجيز ١ : ١٠٣ ، وفتح العزيز ٦ :
مسألة ١٠٦ : الإِسلام شرط في وجوب القضاء ، فلو فات الكافر الأصلي شهر رمضان ثم أسلم ، لم يجب عليه قضاؤه بإجماع العلماء ؛ لقوله عليه السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله ) (١) .
ولو أسلم في أثناء الشهر ، فلا قضاء عليه لما فات ، عند علمائنا أجمع ، وهو قول عامة العلماء (٢) ؛ لما تقدّم .
ولقوله تعالى : ( قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ) (٣) .
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، في رجل أسلم في نصف شهر رمضان : « ليس عليه قضاء إلّا ما يستقبل » (٤) .
ولأنّ ما مضى عبادة خرجت في حال كفره ، فلا يجب قضاؤها ، كالرمضان الماضي .
وقال عطاء : عليه القضاء (٥) . وعن الحسن كالمذهبين (٦) .
وأمّا اليوم الذي أسلم فيه ، فإن كان قبل طلوع الفجر ، وجب عليه صيامه ، ولو أفطر ، قضاه وكفّر ، وإن كان بعد الفجر ، أمسك استحباباً ، ولا قضاء عليه ، ولا يجب عليه صيامه ؛ لما تقدّم من أنّ الصوم لا يتبعّض . وكذا كلّ ذي عذر .
وللشافعي وجهان (٧) . وبقولنا أفتى مالك وأبو ثور وابن المنذر (٨) .
__________________
٤٣٢ ، والهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ، والكتاب بشرح اللباب ١ : ١٧٢ .
(١) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ ، مشكل الآثار ١ : ٢١١ ـ ٢١٢ بتفاوت يسير
(٢) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ .
(٣) الأنفال : ٣٨ .
(٤) أورده المحقق في المعتبر : ٣١٣ ، وبتفاوت يسير في الكافي ٤ : ١٢٥ / ٢ ، والتهذيب ٤ : ٢٤٦ / ٧٢٩ ، والاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٥٠ .
(٥ و ٦) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ .
(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ .
(٨) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ .
وقال أحمد : يجب عليه الإِمساك ويقضيه (١) .
وليس بجيّد ؛ لأنّ عيص بن القاسم روى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه ؟ قال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر » (٢) .
مسألة ١٠٧ : يجب القضاء على المرتدّ ما فاته زمان ردّته ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّه ترك فعلاً وجب عليه مع علمه بذلك ، فوجب عليه قضاؤه ، كالمسلم .
وقال أبو حنيفة : لا يجب قضاؤه (٤) ؛ لقوله عليه السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله ) (٥) .
والمراد به الأصلي ؛ لأنّه لا يؤخذ بالعبادات حال كفره .
ولا فرق بين أن تكون الردّة باعتقاد ما يوجب الكفر أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه .
ولو ارتدّ بعد عقد الصوم صحيحاً ثم عاد ، قال الشافعي : يفسد صومه (٦) . وهو جيد .
ولو غلب على عقله بشيء من قِبَله ، كشُرْب المسكر والمرقد ، لزمه
__________________
(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٧٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٤٩ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٣ ، الوجيز ١ : ١٠٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤ .
(٤) المجموع ٦ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢ .
(٥) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ ، مشكل الآثار ١ : ٢١١ ـ ٢١٢ بتفاوت يسير .
(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٣ .
القضاء ولو كان بشيء من قِبَله تعالى ، لم يلزمه .
ولو طرح في حلق المغمى عليه أو مَنْ زال عقله دواء ، لم يجب عليه القضاء إذا أفاق ، خلافاً للشيخ (١) .
ويستحب للمغمى عليه وللكافر القضاء .
البحث الثالث : في الأحكام
مسألة ١٠٨ : مَنْ وجب عليه قضاء ما فاته من أيام رمضان يجب عليه القضاء في السنة التي فاته الصوم فيها ما بينه وبين الرمضان الثاني ، فلا يجوز له تأخيره إلى دخول الرمضان الثاني ، فإذا فاته شيء من رمضان أو جميعه بمرض ، وجب عليه القضاء عند البُرْء وجوباً موسّعاً إلى أن يبقى إلى الرمضان الثاني عدد ما فاته من الأيام .
فإن أخّر القضاء بعد بُرئه وتمكّنه من القضاء حتى دخل الرمضان الثاني ، فإمّا أن يكون تأخيره على وجه التواني أو لا .
فإن كان على وجه التواني ، صام الرمضان الحاضر ، وقضى الأول بالإِجماع ، وكفّر عن كلّ يوم من الفائت بمُدَّين ، وأقلّه مُدٌّ ، قاله شيخنا المفيد (٢) ـ رحمه الله ـ وبه قال الشافعي ومالك والثوري وأحمد وإسحاق والأوزاعي ، وهو قول ابن عباس وابن عمر ، وأبي هريرة ، ومجاهد وسعيد بن جبير (٣) ـ لما رواه العامة عن أبي هريرة ، أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أوجب
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦ .
(٢) المقنعة : ٨٨ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٦ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٧ ، المغني ٣ : ٨٥ ـ ٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٦ ـ ٨٧ .
عليه إطعام مسكين عن كلّ يوم (١) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر ، فقال : « إن كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الصوم الآخر ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن كلّ يوم بمُدّ من طعام على مسكين ، وعليه قضاؤه ، وإن كان لم يتمكّن من قضائه حتى أدركه شهر رمضان ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأول لكلّ يوم مدّاً لمسكين ، وليس عليه قضاؤه » (٢) .
وقال ابن إدريس منّا : لا كفّارة عليه ـ وبه قال أبو حنيفة والحسن البصري والنخعي (٣) ـ لأصالة براءة الذمة (٤) ، ولأنّه تأخير صوم واجب ، فلا تجب به الكفّارة ، كما لو أخّر القضاء والنذر .
وأصالة البراءة حجّة إذا لم يقم دليل على شغلها ، والأخبار به كثيرة . والقياس باطل عندنا ، خصوصاً إذا عارض النصّ .
مسألة ١٠٩ : ولو ترك القضاء بعد بُرئه غير متهاون به ، بل كان عازماً كلّ وقت على القضاء ويؤخّره لعذر من سفر وشبهه ، وعلى كلّ حال لم يتهاون به ، بل تركه لاُمور عرضت ، ثم عرض مع ضيق الوقت ما يمنعه من القضاء ، كان معذوراً يلزمه القضاء إجماعاً ، ولا كفّارة عليه ؛ لعدم التفريط منه .
ولو استمرّ به المرض من الرمضان الأول إلى الرمضان الثاني ولم يصحّ فيما بينهما ، صام الحاضر ، وسقط عنه قضاء الأول ، وتصدّق عن كلّ يوم
__________________
(١) سنن الدارقطني ٢ : ١٩٧ / ٨٩ .
(٢) الكافي ٤ : ١١٩ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ / ٧٤٣ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦١ ، وفيها : سألتهما . . . فقالا .
(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٧ ، المغني ٣ : ٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٩ .
(٤) السرائر : ٩٠ .
بمُدَّيْن أو بمُدّ ، عند أكثر علمائنا (١) ؛ لقول الصادق عليه السلام : « فإن كان لم يزل مريضاً حتى أدركه شهر رمضان ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأول لكلّ يوم مُدّاً لمسكين ، وليس عليه قضاؤه » (٢) .
ونحوه روى زرارة ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام (٣) .
وقال الصدوق : يقضي الأول ولا كفّارة ـ وهو قول العامة (٤) ـ لعموم قوله تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٥) (٦) .
إذا عرفت هذا ، فحكم ما زاد على رمضانين حكم الرمضانين سواء ، ولو أخّره سنين ، تعدّدت الكفّارة بتعدّد السنين . وللشافعي وجهان (٧) .
ولو استمرّ به المرض إلى أن مات ، سقط القضاء وجوباً لا استحباباً ، ولا كفّارة عند جمهور العلماء (٨) ؛ لأصالة البراءة .
ولأنّ سماعة سأل الصادق عليه السلام ، عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام ، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال ، قال : « لا صيام عليه ولا يقضى عنه » (٩) .
__________________
(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٨٦ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذب ١ : ١٩٥ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإِسلام ١ : ٢٠٣ .
(٢) الكافي ٤ : ١١٩ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ / ٧٤٣ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦١ .
(٣) الكافي ٤ : ١١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٩٥ / ٤٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ / ٧٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١١١ / ٣٦٢ .
(٤) المغني ٣ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٦ ، المجموع ٦ : ٣٦٦ .
(٥) البقرة : ١٨٤ .
(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٤ .
(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٢ ـ ٤٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ .
(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٧ .
(٩) التهذيب ٤ : ٢٤٧ / ٧٣٣ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ / ٣٥٢ .
وقال قتادة وطاوس : يجب أن يكفّر عنه عن كلّ يوم إطعام مسكين ؛ لأنّه صوم واجب سقط بالعجز عنه ، فوجب الإِطعام عنه ، كالشيخ الهِمّ إذا ترك الصيام لعجزه (١) .
والفرق ظاهر ؛ فإنّ الشيخ يجوز ابتداءً الوجوب عليه ، بخلاف الميت ، وقولهما مخالف للإِجماع ، فلا عبرة به .
ثم إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب القضاء عنه .
مسألة ١١٠ : لو برأ من مرضه زماناً يتمكّن فيه من القضاء ولم يقض حتى مات ، قُضي عنه عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي في القديم وأبو ثور (٢) ـ لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : يا رسول الله إنّ اُمّي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ قال : ( لو كان على اُمّك دَيْنٌ كنت قاضيه ؟ ) قال : نعم ؛ قال : ( فدَيْن الله أحقّ أن يقضى ) (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام ، في الرجل يموت في شهر رمضان ، قال : « ليس على وليّه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر ، وإن مرض فلم يصم رمضان ثم لم يزل مريضاً حتى مضى رمضان وهو مريض ثم مات في مرضه ذلك ، فليس على وليّه أن يقضي عنه الصيام ، فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صحّ بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات ، فعلى وليّه أن يقضي عنه لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب » (٤) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٨ و ٣٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٨ ـ ٨٩ .
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ / ١٥٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٥٥ .
(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦٠ .
ولأنّ الصوم يدخل في جبرانه المال ، فتدخل النيابة فيه ، كالحج .
وقال الشافعي في الجديد : يطعم عنه كلّ يوم مدّاً ؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري ـ إلّا أنّ مالكاً يقول : لا يلزم الولي أن يطعم عنه حتى يوصي بذلك ـ وهو مروي عن ابن عباس وعائشة ؛ لما رواه ابن عمر : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( مَنْ مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كلّ يوم مسكيناً ) (١) .
ولأنّ الصوم لا تدخله النيابة في حال الحياة ، فكذا بعد الموت ، كالصلاة (٢) .
وحديثه موقوف ، ونقول بموجبه ؛ لأنّ الصدقة تجب إذا لم يكن ولي ، وقياسه ممنوع الأصل .
وقال أحمد : إن كان صوم نذر ، صام عنه الولي ، وإن كان صوم رمضان ، أطعم عنه ؛ لأنّ ابن عباس سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر ، أو عليه صوم رمضان ، قال : أمّا رمضان فليطعم عنه ، وأمّا النذر فيصام عنه (٣) .
وقول ابن عباس ليس حجّةً ، أو قاله في شخصين لأحدهما وليّ دون الآخر .
مسألة ١١١ : الذي يقضي عن الميت هو أكبر أولاده الذكور ، ويقضي ما فاته من صيام بمرض وغيره إذا تمكّن من قضائه ولم يقضه ، وإن لم يكن له
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٥٨ / ١٧٥٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٦ / ٧١٨ .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٨ و ٣٧٢ ـ ٣٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٢ ، المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٨ .
(٣) المغني ٣ : ٨٤ ـ ٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٨ ـ ٨٩ و ٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٩ .
ولد ذكر وكان له إناث ، تصدّق عنه من ماله عن كلّ يوم بمُدَّيْن ، قاله الشيخ (١) رحمه الله .
وقال المفيد رحمه الله : إذا لم يكن إلّا اُنثى ، قضت عنه (٢) .
والوجه : قول الشيخ ؛ لأصالة البراءة .
ولما رواه حمّاد بن عثمان عمّن ذكره عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يموت وعليه دَيْن [ من ] (٣) شهر رمضان مَنْ يقضي عنه ؟ قال : « أولى الناس به » قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة ؟ قال : « لا إلّا الرجال » (٤) .
إذا عرفت هذا ، فلو لم يكن له ولي من الذكور ، قال الشيخ رحمه الله : يتصدّق عنه عن كلّ يوم بمُدَّيْن ، وأقلّه مُد (٥) .
والسيد المرتضى ـ رحمه الله ـ عكس ، فأوجب الصدقة أوّلاً ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه (٦) ؛ لقول الصادق عليه السلام : « فإن صحّ ثم مرض حتى يموت وكان له مال ، تصدّق عنه ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه » (٧) .
والمعتمد : قول الشيخ ؛ لأنّ الواجب في الأصل الصوم .
فروع :
أ ـ لو لم يكن له إلّا ولد واحد ذكر ، وجب عليه القضاء ؛ لأنّه ولي له .
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦ .
(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٥ .
(٣) ما بين المعقوفين من المصدر .
(٤) الكافي ٤ : ١٢٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ / ٧٣١ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ / ٣٥٤ .
(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦ .
(٦) الانتصار : ٧٠ ـ ٧١ .
(٧) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ١٢٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٨ / ٤٣٩ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ / ٧٣٥ الاستبصار ٢ : ١٠٩ / ٣٥٦ .
ب ـ لو كان له أولاد ذكور في سنّ واحد ، قضوا بالحِصَص ، فإن قام بالجميع بعضهم ، سقط عن الباقين .
ج ـ لو لم يكن له ولد ذكر وكان له إناث ، سقط القضاء ، ووجب الصدقة ، وكذا لو لم يكن له ولي . ولو كان له أولاد ذكور وإناث ، وكان الأكبر اُنثى ، وجب القضاء على أكبر الذكور .
د ـ لو تعدّد الولي ، قضوا بالحصص ، فإن انكسر العدد ، فاليوم المنكسر واجب عليهم على الكفاية ، كما لو كانوا ثلاثة في سنّ واحد وعليه أربعة .
هـ ـ يجوز اتّحادهم في الزمان ، فلو فاته يومان مثلاً وله ولدان فصاما معاً يوماً واحداً ، كفاهما عن اليومين .
و ـ لو صام أجنبي عن الميت بغير قول الولي ، سقط الصوم عن الميت والولي معاً ، وإن صام بأمر الولي ، فالأقرب : الإِجزاء .
وللشافعي فيه وجهان (١) .
وكذا يجوز للولي أن يستأجر عنه مَنْ يصوم .
ز ـ قال الشيخ رحمه الله : كلّ صوم واجب على المريض بأحد الأسباب الموجبة ، كاليمين والنذر والعهد ، إذا مات مَنْ وجب عليه مع إمكان القضاء ولم يقضه ، وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة (٢) .
وكذا يجب عليه قضاء ما فاته من صلاة .
ح ـ قال الشيخ رحمه الله : لو وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات ، تصدّق عنه من مال الميت عن شهر ، وقضى وليّه شهراً آخر (٣) ؛ تخفيفاً
__________________
(١) المجموع ٦ : ٣٦٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٩ ، والوجهان في الشرطية الاُولى لا الثانية .
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦ .
(٣) النهاية : ١٥٨ .
عن الوليّ .
ولو وجب عليه شهران على التعيين فكذلك ، خلافاً لبعض (١) علمائنا .
ولو كان على التخيير ، مثل كفّارة رمضان ، تخيّر الوليّ بين الصوم والصدقة من مال الميت من الأصل أو بعض من الأصل ؛ لأنّ الصوم وجب على التخيير ، وخرج الميت عن أهلية التخيير ، فيكون للولي .
ولا فرق بين أنواع المرض في ذلك .
مسألة ١١٢ : قال الشيخ رحمه الله : حكم المرأة حكم الرجل في أنّ ما يفوتها في زمن الحيض أو السفر أو المرض لا يجب على أحد القضاء عنها ولا الصدقة ، إلّا إذا تمكّنت من قضائه وأهملته ؛ فإنّه يجب على وليّها القضاء أو الصدقة ، على ما مرّ في الرجل سواء (٢) . وهو قول أكثر العامّة (٣) .
وأنكر ابن إدريس ذلك (٤) .
وليس بشيء ؛ لما رواه أبو بصير ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن امرأة [ مرضت في رمضان ] (٥) وماتت في شوّال ، فأوصتني أن أقضي عنها ، قال : « هل برئت من مرضها ؟ » قلت : لا ، ماتت ؛ قال : « لا تقض عنها ؛ فإنّ الله لم يجعله عليها » قلت : فإنّي أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك ؛ قال : « وكيف تقضي شيئاً لم يجعله الله عليها !؟ فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصُمْ » (٦) استفسره عليه السلام عن حصول البرء أوّلاً ، ولو لم يجب القضاء مع البُرْء ، لم يكن للسؤال معنى .
لا يقال : إنّه قد حصلت الوصية ، فجاز أن يكون الوجوب بسببها .
__________________
(١) وهو ابن إدريس في السرائر : ٩١ .
(٢) النهاية : ١٥٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦ .
(٣) المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٩١ ، المجموع ٦ : ٣٦٨ .
(٤) السرائر : ٩١ .
(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : صامت . وما أثبتناه من المصدر .
(٦) التهذيب ٤ : ٢٤٨ / ٧٣٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٩ / ٣٥٨ .
لأنّا نقول : الوصية لا تقتضي الوجوب ، أمّا مع عدم القبول : فظاهر ، وأمّا معه : فلأنّه راجع إلى الوعد .
مسألة ١١٣ : قد بيّنّا أنّ المسافر لا يجوز له صوم رمضان في السفر ولا غيره من الواجبات إلّا ما استثني ، بل يجب عليه الإِفطار والقضاء مع حضور البلد ، أو نيّة الإِقامة عشرة أيام في غيره ، أو إقامة ثلاثين يوماً ، فإن مات المسافر بعد تمكّنه من القضاء ، وجب أن يقضى عنه ، كما تقدّم .
ولو مات في سفره ولم يتمكّن من القضاء ، فللشيخ في وجوب القضاء عنه قولان :
أحدهما : عدم الوجوب ؛ لأنّه لم يستقرّ في ذمته الأداء ولا القضاء ؛ لأنّ معنى الاستقرار فيه أن يمضي زمان يتمكّن فيه من القضاء ويُهْمِل (١) .
والثاني : وجوب القضاء (٢) ؛ لقول الصادق عليه السلام ، في الرجل يسافر في رمضان فيموت ، قال : « يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في رمضان فماتت ، لم يُقْض عنها ، والمريض في رمضان لم يصح حتى مات لا يقضى عنه » (٣) .
ولا بأس به . والفرق : أنّ المرض حصل العذر فيه من قِبَل الله تعالى ، وكذا الحيض ، أمّا السفر فمن المكلّف .
مسألة ١١٤ : يجوز الإِفطار قبل الزوال في قضاء رمضان ؛ لعدم تعيين زمانه .
ولأنّه محلّ تجديد النيّة ، وكلّ وقت يجوز فيه تجديد نيّة الصوم يجوز فيه الإِفطار .
ولا يجوز بعد الزوال ؛ لأنّه قد استقرّ له الوجوب بمضيّ أكثر الزمان في
__________________
(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٥ ، وراجع : ٢ الخلاف ٢ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، المسألة ٦٤ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ذيل الحديث ٧٣٩ .
(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٤٠ .
الصوم ، وفات محلّ تجديد النيّة .
ولقول الصادق عليه السلام : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل ومتى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس ، فليس لك أن تفطر » (١) .
إذا ثبت هذا ، فإن أفطر بعد الزوال لعذر ، لم يكن عليه شيء ، وإن كان لغير عذر ، وجب عليه القضاء وإطعام عشرة مساكين ، فإن عجز ، صام ثلاثة أيّام ـ وبه قال قتادة (٢) ، خلافاً لباقي العامة (٣) ـ لأنّه بعد الزوال يحرم عليه الإِفطار على ما تقدّم ، والكفّارة تتعلّق بارتكاب الإِثم بالإِفطار في الزمان المتعيّن للصوم ، وهو متحقّق هنا .
ولأنّ بريد العجلي سأل الباقر عليه السلام ، في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال ، فلا شيء عليه إلّا يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال ، كان عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين » (٤) .
وقد روي : « أنّ عليه كفّارة رمضان » (٥) .
وحملها الشيخ ـ رحمه الله ـ على مَنْ أفطر متهاوناً بالفرض ومستخفّاً به (٦) .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٨٩ .
(٢ و ٣) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المحلّى ٦ : ٢٧١ .
(٤) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ / ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩١ .
(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٣ ، والنهاية للشيخ الطوسي : ١٦٤ .
(٦) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ذيل الحديث ٨٤٦ ، والاستبصار ٢ : ١٢١ ذيل الحديث ٣٩٣ ، والنهاية : ١٦٤ .