الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
ونمنع صحة سندها .
مسألة ٨٥ : لا اعتبار بعدِّ خمسة أيام من الماضية (١) ؛ عملاً بالأصل ، وما تقدّم من الأحاديث الدالّة على العمل بالرؤية أو مضيّ ثلاثين ، فعلى هذا لو غُمّ هلال الشهور كلّها ، عدّ كلّ شهر ثلاثين يوماً .
وقد روى عمران الزعفراني عن الصادق عليه السلام : قلت له : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة لا نرى (٢) السماء ، فأيّ يوم نصوم ؟ قال : « اُنظر (٣) اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وصُم يوم الخامس » (٤) .
وسأل عمران أيضاً ، الصادق عليه السلام : قلت : إنّما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى سماءً ولا نجماً ، فأيّ يوم نصوم ؟ قال : « اُنظر (٥) اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وعدّ خمسة أيام ، وصُم يوم الخامس » (٦) .
والأول مرسل . وفي طريق الثاني : سهل بن زياد ، وهو ضعيف مع أنّ عمران الزعفراني مجهول .
ولو قيل بذلك بناءً على العادة القاضية بعدم تمامية شهور السنة بأسرها ، كان وجهاً .
ولو غُمّ هلال رمضان وشعبان ، عدّدنا رجب ثلاثين ، وكذا شعبان ، فإن غُمّت الأهلّة بأسرها ، فالأقرب : الاعتبار برواية الخمسة بناءً على العادة ، وهو
__________________
(١) أي : السنة الماضية .
(٢) في « ن » : لا ترى .
(٣ و ٥) في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية : أفطر . وما أثبتناه ـ وهو الصحيح ـ من المصادر .
(٤) الكافي ٤ : ٨٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ / ٤٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ / ٢٣٠ .
(٦) الكافي ٤ : ٨١ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ / ٤٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ / ٢٣١ .
اختيار الشيخ في المبسوط (١) .
وأكثر علمائنا قالوا : تعدّ (٢) الشهور ثلاثين ثلاثين (٣) .
مسألة ٨٦ : لو كان بحيث لا يعلم الأهلّة ، كالمحبوس ، أو اشتبهت عليه الشهور ، كالأسير مع الكفّار إذا لم يعلم الشهر ، وجب عليه أن يجتهد ويُغلّب على ظنّه شهراً أنّه من رمضان ، فإن حصل الظنّ بنى عليه .
ثم إن استمرّ الاشتباه ، أجزأه إجماعاً ـ إلّا من الحسن بن صالح بن حي (٤) ـ لأنّه أدّى فرضه باجتهاده ، فأجزأه ، كما لو ضاق الوقت واشتبهت القبلة .
وإن لم يستمرّ ، فان اتّفق وقوع الصوم في رمضان ، أجزأه إجماعاً ، إلّا من الحسن بن صالح بن حي ؛ فإنّه قال : لا يجزئه (٥) .
وهو غلط ؛ لأنّه أدّى العبادة باجتهاده ، فإذا وافق الإِصابة أجزأه ، كالقبلة إذا اشتبهت عليه .
ولأنّه مكلّف بالصوم إجماعاً ، والعلم غير ممكن ، فتعيّن الظنّ .
احتجّ : بأنّه صامه على الشك ، فلا يجزئه ، كما إذا صام يوم الشك ثم بان أنّه من رمضان (٦) .
والفرق : أنّ يوم الشك لم يضع الشارع الاجتهاد طريقاً اليه .
وإن وافق صومه بعد رمضان ، أجزأه أيضاً عند عامّة العلماء (٧) ، إلّا الحسن بن صالح بن حي ، فإنّه قال : لا يجزئه (٨) .
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨ .
(٢) في « ن » : بدل تعدّ : بعدّ .
(٣) منهم : المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٠٠ .
(٤) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ .
(٥) المجموع ٦ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤ ، المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ .
(٦) كما في المغني ٣ : ١٠١ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢ ، والمجموع ٦ : ٢٨٥ .
(٧ و ٨) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ .
وليس بجيّد ؛ لأنّه أدّى العبادة في أحد وقتيها ـ أعني وقت القضاء ـ فأجزأه ، كما لو فعلها في الوقت الآخر ، وهو وقت الأداء ، وكما لو دخل الوقت وهو متلبّس بالصلاة .
ولأنّ عبد الرحمن بن أبي عبدالله سأل الصادق عليه السلام : الرجل أسرته الروم ، ولم يَصُم شهر رمضان ، ولم يَدر أيّ شهر هو ، قال : « يصوم شهراً يتوخّاه ، ويحسب ، فإن كان الشهر الذي صامه قبل رمضان لم يجزئه ، وإن كان بعده أجزأه » (١) .
وإن وافق صومه قبل رمضان ، لم يجزئه عند علمائنا ـ وبه قال أبو ثور ومالك وأحمد والشافعي في أحد القولين (٢) ـ لأنّه فعل العبادة قبل وقتها ، فلا يقع أداءً ولا قضاءً ، فلم يجزئه ، كالصلاة يوم الغيم .
ولرواية عبد الرحمن ، وقد تقدّمت (٣) .
والثاني للشافعي : الإِجزاء ؛ لأنّه فعل العبادة قبل وقتها مع الاشتباه فأجزأه ، كما لو اشتبه يوم عرفة فوقف قبله (٤) .
ونمنع حكم الأصل .
مسألة ٨٧ : لو لم يغلب على ظنّ الأسير شهر رمضان ، لزمه أن يتوخّى شهراً ويصومه ويتخيّر فيه ـ وبه قال بعض الشافعية (٥) ـ لأنّه مكلّف بالصوم ، وقد فقد العلم بتعيّن الوقت ، فسقط عنه التعيين ، ووجب عليه الصوم في شهر
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٨٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٥ .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، المغني ٣ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٣٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١ .
(٣) تقدّمت آنفاً .
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٣٨ ، المغني ٣ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ ـ ١٣ .
(٥) المجموع ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤ .
يتوخّاه ، كما لو فاته الشهر مع علمه ولم يصمه ، فإنّه يسقط عنه التعيين ، ويتوخّى شهراً يصومه للقضاء ، وكما لو اشتبهت القبلة وضاق الوقت .
ولرواية عبد الرحمن (١) .
وقال بعض الشافعية : لا يلزمه ذلك ؛ لأنّه لم يعلم دخول شهر رمضان ولا ظنّه ، فلا يلزمه الصيام ، كما لو شك في دخول وقت الصلاة ، فإنّه لا يلزمه الصلاة (٢) .
والفرق ظاهر ؛ لتمكّنه من العلم بوقت الصلاة بالصبر .
ولو وافق بعضه الشهر دون بعض ، صحّ ما وافق الشهر وما بعده دون ما قبله .
ولو وافق صومه شوّال ، لم يصحّ صوم يوم العيد ، وقضاه ، وكذا ذو الحجّة .
وإذا توخّى شهراً ، فالأولى وجوب التتابع فيه وإن كان له أن يصوم قبله وبعده .
وإذا وافق صومه بعد الشهر ، فالمعتبر صوم أيام بعدّة ما فاته ، سواء وافق ما بين هلالين أم لا ، وسواء كان الشهران تامّين أو أحدهما أو ناقصين .
نعم لو كان رمضان تاماً ، فتوخّى شهراً ناقصاً ، وجب عليه إكمال يوم .
وقال بعض الشافعية : إذا وافق شهراً بين هلالين ، أجزأه مطلقاً ، وإن لم يوافق ، لزمه صوم ثلاثين وإن كان رمضان ناقصاً ؛ لأنّه لو نذر صيام شهر أجزأه عدّه بين هلالين وإن كان ناقصاً (٣) .
وهو خطأ ؛ لأنّه يلزم قضاء ما ترك ، والاعتبار بالأيام ؛ لقوله تعالى :
__________________
(١) تقدمت في المسألة السابقة .
(٢) المجموع ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤
(٣) لم نقف عليه في كتب الشافعية ، ونسب هذا القول في المغني ٣ : ١٠٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٣ ، الى ظاهر كلام الخرقي من الحنابلة ، فلاحظ .
( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (١) .
والإِجزاء في النذر ؛ لأنّ اسم الشهر يتناوله ، أمّا هنا فالواجب عدد ما فات من الأيام .
ولو صام شوّالاً وكان ناقصاً ورمضان ناقص أيضاً ، لزمه يوم عوض العيد .
وقال بعض الشافعية : يلزمه يومان (٢) . وليس بجيّد .
وإذا صام على سبيل التخمين من غير أمارة ، لم يجب القضاء ، إلّا أن يوافق قبل رمضان .
ولو صام تطوّعاً ، فبان أنّه رمضان ، فالأقرب : الإِجزاء ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ لأنّ نية التعيين ليست شرطاً ، وكما لو صام يوم الشك بنيّة التطوّع وثبت أنّه من رمضان .
وقال الشافعي : لا يجزئه . وبه قال أحمد (٤) .
مسألة ٨٨ : وقت وجوب الإِمساك هو طلوع الفجر الثاني بإجماع العلماء .
قال الله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (٥) .
ويجوز له الأكل والشرب الى أن يطلع الفجر .
وأمّا الجماع فيجوز الى أن يبقى للطلوع مقدار الغسل .
ويجب الاستمرار على الإِمساك الى غروب الشمس الذي تجب به صلاة المغرب .
ولو اشتبه عليه الغيبوبة ، وجب عليه الإِمساك ، ويستظهر حتى يتيقّن ؛
__________________
(١) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥ .
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه .
(٣ و ٤) المغني ٣ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤ .
(٥) البقرة : ١٨٧ .
لأصالة البقاء .
ويستحب له تقديم الصلاة على الإِفطار ، إلّا أن يكون هناك مَن ينتظره للإِفطار ، فيقدِّم الإِفطارَ معهم على الصلاة .
سئل الصادق عليه السلام عن الإِفطار قبل الصلاة أو بعدها ؟ قال : « إن كان معه قوم يخشى أن يحسبهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ وليفطر » (١) .
البحث الثاني : في شرائطه .
وهي قسمان :
الأول : شرائط الوجوب
مسألة ٨٩ : يشترط في وجوب الصوم : البلوغ وكمال العقل ، فلا يجب على الصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه إجماعاً ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب على الصبي الصوم إذا أطاقه (٢) ، وبه قال عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي (٣) .
وقال الأوزاعي : إذا أطاق صوم ثلاثة أيام متتابعات لا يخور (٤) منهن ولا يضعف ، حُمّل (٥) صوم رمضان (٦) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٠١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٨١ / ٣٦٠ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ ـ ١٨٦ / ٥١٧ .
(٢) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥ .
(٣) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢ .
(٤) خار الحرّ والرجل : ضعف وانكسر . الصحاح ٢ : ٦٥١ .
(٥) في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : حل . وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من المصدر .
(٦) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥ .
وقد تقدّم (١) بطلانه .
فلو بلغ الصبي قبل الفجر ، وجب عليه الصوم إجماعاً ، ولو كان بعد الفجر ، لم يجب ، واستحبّ له الإِمساك ، سواء كان مفطراً أو صائماً بلغ بغير المفطر ، ولا يجب عليه القضاء ؛ لقوله عليه السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه ) (٢) .
وقال (٣) : يجب عليه الامساك ، ولا يجب عليه القضاء ؛ لأنّ نية صوم رمضان حصلت ليلاً ، فيجزئه كالبالغ .
ولا يمتنع أن يكون أول الصوم نفلاً وباقية فرضاً ، كما لو شرع في صوم يوم تطوّعاً ثم نذر إتمامه .
وقال بعض الحنابلة : يلزمه القضاء ؛ لأنّه عبادة بدنية بلغ في أثنائها بعد مضيّ بعض أركانها ، فلزمه إعادتها ، كالصلاة والحجّ إذا بلغ بعد الوقوف .
وهذا لأنّه ببلوغه يلزمه صوم جميعه ، والماضي قبل بلوغه نفل ، فلم يجزئ عن الفرض ، ولهذا لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم والناذر صائم ، لزمه القضاء (٤) .
وأمّا ما مضى من الشهر قبل بلوغه فلا قضاء عليه ، وسواء كان قد صامه أو أفطره في قول عامة أهل العلم (٥) .
__________________
(١) تقدم في المسألة ٥٧ .
(٢) أورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٩٤ بتفاوت يسير .
(٣) كذا في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية . وفي المعتبر للمحقّق الحلّي : ٣١٢ ، والمنتهى للمصنّف : ٥٩٦ : قال أبو حنيفة . وفي المغني ٣ : ٩٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦ : قال القاضي : يتمّ صومه ولا قضاء عليه ؛ مع اتّفاق الدليل المذكور لما في المغني والشرح الكبير ، فلاحظ .
وقد وافق الحكم رأي الأحناف كما في الجامع الصغير للشيباني : ١٣٩ ، والهداية للمرغيناني ١ : ١٢٧ ، والنتف ١ : ١٤٩ ، والاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٧ .
(٤) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ .
(٥) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ .
وقال الأوزاعي : يقضيه إن كان أفطره وهو مطيق لصيامه (١) .
وهو غلط ؛ لأنّه زمن مضى في حال صباه ، فلم يلزمه قضاء الصوم فيه ، كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان .
وإن بلغ الصبي وهو مفطر ، لم يلزمه إمساك ذلك اليوم ولا قضاؤه .
وعن أحمد روايتان في وجوب الإِمساك والقضاء (٢) .
وقال الشافعي : إن كان أفطر ، استحبّ له الإِمساك ، وفي القضاء قولان .
وإن كان صائماً فوجهان : أحدهما : يتمّه استحباباً ، ويقضيه وجوباً ؛ لفوات نية التعيين . والثاني : يتمّه وجوباً ، ويقضيه استحباباً (٣) .
مسألة ٩٠ : العقل شرط في الصوم ، فلا يجب على المجنون بالإِجماع ، وللحديث (٤) .
ولو أفاق في أثناء الشهر ، وجب عليه صيام ما بقي إجماعاً ، ولا يجب عليه قضاء ما فات حال جنونه ـ وبه قال أبو ثور والشافعي في الجديد ، وأحمد (٥) ـ لأنّه معنى يزيل التكليف ، فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر .
وقال مالك والشافعي في القديم ، وأحمد في رواية : يجب قضاء ما فات وإن مضى عليه سنون ؛ لأنّه معنى يزيل العقل ، فلم يمنع وجوب الصوم كالإِغماء (٦) .
والأصل ممنوع .
وقال أبو حنيفة : إن جُنّ جميع الشهر ، فلا قضاء عليه ، وإن أفاق في
__________________
(١ و ٢) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ و ١٧٥ .
(٤) تقدم الحديث مع الإِشارة الى مصادره في المسألة السابقة ( ٨٩ ) .
(٥) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ .
(٦) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ .
أثنائه ، قضى ما مضى (١) .
ولو تجدّد الجنون في أثناء النهار ، بطل صوم ذلك اليوم .
ولو أفاق قبل طلوع الفجر ، وجب عليه صيامه إجماعاً ، وإن أفاق في أثنائه ، أمسك بقية النهار استحباباً لا وجوباً ، وحكم المغمى عليه حكم المجنون .
مسألة ٩١ : الإِسلام شرط في صحة الصوم لا في وجوبه .
ولو أسلم في أثناء الشهر ، وجب عليه صيام الباقي دون الماضي ـ وبه قال الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي (٢) ـ لقوله عليه السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله ) (٣) .
وقال عطاء : يجب عليه قضاؤه (٤) . وعن الحسن كالمذهبين (٥) .
وهو غلط ، إلّا أن يكون مرتدّاً ، فيجب عليه القضاء إجماعاً .
واليوم الذي يُسْلم فيه إن كان إسلامه قبل طلوع فجره ، وجب عليه صيامه ، وإن كان بعده ، أمسك استحباباً ؛ لأنّ عيص بن القاسم روى ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادق عليه السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى أو يومهم الذي أسلموا فيه ؟ قال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا (٦) قبل طلوع الفجر » (٧) .
__________________
(١) بدائع الصنائع ٢ : ٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ .
(٢) المغني ٣ : ٩٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩ .
(٣) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ بتفاوت .
(٤ و ٥) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ .
(٦) في الطبعة الحجرية والفقيه زيادة : « فيه » .
(٧) الكافي ٤ : ١٢٥ ( باب من أسلم في شهر رمضان ) الحديث ٣ ، الفقيه ٢ : ٨٠ / ٣٥٧ التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٧٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٤٩ .
وقال أحمد : يجب عليه إمساكه ـ وبه قال إسحاق ـ لأنّه أدرك جزءاً من وقت العبادة فلزمته ، كما لو أدرك جزءاً من وقت الصلاة (١) .
والأصل ممنوع . ووافقنا مالك وأبو ثور وابن المنذر .
ولو طرأ الكفر في آخر النهار ، بطل الصوم .
مسألة ٩٢ : السلامة من المرض شرط في الصحة ، فلو كان المريض يتضرّر بالصوم ، لم يصح منه .
وحدّ المرض الذي يجب معه الإِفطار : ما يزيد في مرضه لو صام ، أو يتباطأ البُرء معه لو صام عند أكثر العلماء .
وحكي عن قوم لا عبرة بهم : إباحة الفطر بكلّ مرض ، سواء زاد في المرض أو لم يزد ؛ لعموم قوله تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا ) (٢) (٣) .
وهو مخصوص ، كتخصيص السفر بالطاعة ، وقد سئل الصادق عليه السلام عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ، والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة (٤) ، فقال : ( بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (٥) وقال : « ذلك اليه هو أعلم بنفسه » (٦) .
وكلّ الأمراض مساوية في هذا الحكم ، سواء كان وجع الرأس أو حُمى ولو حُمّى يوم ، أو رمد العين وغير ذلك ، فإن صامه مع حصول الضرر به ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ؛ لأنّه منهي عنه ، والنهي في العبادة (٧) يدلّ على الفساد ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ
__________________
(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ .
(٢) البقرة : ١٨٤ .
(٣) المغني ٣ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨ .
(٤) في الكافي والاستبصار زيادة : قائماً . وفي التهذيب : من قيام .
(٥) القيامة : ١٤ .
(٦) الكافي ٤ : ١١٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ / ٧٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٤ / ٣٧١ .
(٧) في الطبعة الحجرية : العبادات .
عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (١) والتفصيل قاطع للشركة .
وقال بعض العامة : إذا تكلّف ، صحّ صومه وإن زاد في مرضه وتضرّر به (٢) . وليس بجيّد .
أمّا الصحيح الذي يخشى المرض بالصوم ، فإنّه لا يباح له الإِفطار . وكذا لو كان عنده شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشقّ اُنثياه .
ولو خافت المستحاضة من الصوم التضرّر ، أفطرت ؛ لأنّ الاستحاضة مرض .
ولو جوّزنا لصاحب الشبق المضرّ به ، الإِفطار ، وأمكنه استدفاع ذلك بما لا يبطل منه الصوم ، وجب عليه ذلك .
فإن لم يمكنه إلّا بإفساد الصوم ، فإشكال ينشأ : من تحريم الإِفطار لغير سبب ، ومن مراعاة مصلحة بقاء النفس على السلامة ، كالحامل والمرضع ، فإنّهما يفطران خوفاً على الولد ، فمراعاة النفس أولى .
ولو كان له امرأتان : حائض وطاهر ، واضطرّ الى وطء إحداهما ، وجوّزنا له ذلك ، فالوجه وطء الطاهر ؛ لأنّ الله تعالى حرّم وطء الحائض (٣) .
وقال بعض العامة : يتخيّر . وليس شيئاً .
وكذا لو أمكنه استدفاع الأذى بفعل محرَّم كالاستمناء باليد ، لم يجز ، خلافاً لبعضهم (٤) .
مسألة ٩٣ : الإِقامة أو حكمها شرط في الصوم الواجب عدا ما استثني ، فلا يجب الصوم على المسافر سفراً مخصوصاً بإجماع العلماء .
__________________
(١) البقرة : ١٨٥ .
(٢) المغني ٣ : ٨٨ ـ ٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨ ـ ١٩ .
(٣) البقرة : ٢٢٢ .
(٤) المغني ٣ : ٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ .
قال الله تعالى : ( وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (١) والتفصيل قاطع للشركة ، فكما أنّ الحاضر يلزمه الصوم فرضاً لازماً ، كذا المسافر يلزمه القضاء فرضاً مضيّقاً ، وإذا وجب عليه القضاء مطلقاً ، سقط عنه فرض الصوم .
وروى العامة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( إنّ الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ) (٢) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام وقد سئل عن قوله تعالى : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) قال : « ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه » (٤) .
إذا عرفت هذا ، فلو صام المسافر في سفره المبيح للقصر ، لم يجزئه إن كان عالماً عند علمائنا أجمع ، وكان مأثوماً ـ وبه قال أبو هريرة وستّة من الصحابة ، وأهل الظاهر (٥) . قال أحمد : كان عمر وأبو هريرة يأمران المسافر بإعادة ما صامه في السفر (٦) . وروى الزهري عن أبي سلمة عن أبيه عبد الرحمن بن عوف ، أنّه قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر (٧) ـ لقوله تعالى : ( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٨) أوجب عدّةً من أيام اُخر ، فلم يجز صوم
__________________
(١) البقرة : ١٨٥ .
(٢) سنن النسائي ٤ : ١٨١ و ١٨٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٤ / ٧١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٥٤ ، ومسند أحمد ٥ : ٢٩ .
(٣) البقرة : ١٨٥ .
(٤) الكافي ٤ : ١٢٦ ( باب كراهية الصوم في السفر ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٩١ / ٤٠٤ ، التهذيب ٤ : ٢١٦ / ٦٢٧ .
(٥) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، المحلّى ٦ : ٢٤٣ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ والخلاف للشيخ الطوسي ٢ : ٢٠١ ، المسألة ٥٣ ، والمعتبر للمحقق الحلّي : ٣١٢ .
(٦) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ .
(٧) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، وسنن النسائي ٤ : ١٨٣ .
(٨) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥ .
رمضان في السفر .
وما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( ليس من البر الصيام في السفر ) (١) .
وقال عليه السلام : ( الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ) (٢) .
وأفطر صلّى الله عليه وآله في السفر ، فلمّا بلغه أنّ قوماً صاموا ، قال : ( اُولئك العصاة ) (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « لو أنّ رجلاً مات صائماً في السفر ما صلّيت عليه » (٤) .
وقال عليه السلام : « الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر » (٥) .
وقال باقي العامة : إنّ صومه جائز (٦) . واختلفوا في الأفضل .
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري وأبو ثور : إنّ الصوم في السفر أفضل من الإِفطار (٧) .
__________________
(١) المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٤ و ١٦٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٧ / ٢٤٠٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٢ .
(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٦ بتفاوت .
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٥ / ١١١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٩ ـ ٩٠ / ٧١٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٦ .
(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٩١ / ٤٠٥ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ / ٦٢٩ .
(٥) الكافي ٤ : ١٢٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٠ / ٤٠٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ / ٦٣٠ .
(٦) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٥ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٩ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١ .
(٧) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٦ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦١ و ٢٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢٩ .
وقال أحمد والأوزاعي وإسحاق : الإِفطار أفضل ـ وبه قال عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر (١) ـ لما روت عائشة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال لحمزة الأسلمي وقد سأله عن الصوم في السفر : ( إن شئت فصُم وإن شئت فأفطر ) (٢) .
وقال أنس : سافرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فصام بعضنا وأفطر بعضنا ، فلم يَعِبِ الصائمُ على المُفطر ولا المُفطرُ على الصائم (٣) .
ولأنّ الإِفطار في السفر رخصة ، ومن رخص له الفطر جاز له أن يتحمّل المشقة بالصوم كالمريض .
والحديثان لو صحّا ، حملا على صوم النافلة ؛ جمعاً بين الأدلّة .
والتخيير ينافي الأفضلية وقد اتّفقوا على أفضلية أحدهما وإن اختلفوا في تعيينه .
ونمنع الحكم في المريض فيبطل (٤) القياس .
تذنيب : لو صام مع علمه بوجوب القصر ، كان عاصياً ؛ لما تقدّم ، وتجب عليه الإِعادة ؛ لأنّه منهي عن الصوم ، والنهي في العبادة يدلّ على الفساد .
أمّا لو صام رمضان في السفر جاهلاً بالتحريم ، فإنّه يجزئه الصوم ؛ لأنّه معذور .
ولأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السلام : قلت له : رجل صام في السفر ،
__________________
(١) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠ ، المجموع ٦ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ .
(٢) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٩ / ١١٢١ ، سنن الترمذي ٣ : ٩١ / ٧١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣١ / ١٦٦٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٨ ـ ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٣ .
(٣) صحيح البخاري ٣ : ٤٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٧ / ١١١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٦ / ٢٤٠٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٤ .
(٤) في « ط ، ن » : فبطل .
فقال : « إن كان بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عن ذلك ، فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه ، فلا شيء عليه » (١) وغير ذلك من الأخبار .
مسألة ٩٤ : وإنّما يترخّص المسافر إذا كان سفره سفر طاعة ، أو مباحاً ، فإن كان سفر (٢) معصية أو لصيد لهو وبطر ، لم يجز له الإِفطار عند علمائنا أجمع ؛ لأنّ في رخصة الإِفطار إعانةً له على المعصية وتقويةً له عليها .
ولقول الصادق عليه السلام : « من سافر قصَّر وأفطر ، إلّا أن يكون رجلاً سفره في الصيد أو في معصية الله ، أو رسولاً لمن يعصي الله ، أو في طلب شحناء (٣) ، أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين » (٤) .
وجاء رجلان الى الرضا عليه السلام بخراسان ، فسألاه عن التقصير ، فقال لأحدهما : « وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني » وقال للآخر : « وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان » (٥) .
إذا ثبت هذا فإنّما يجوز التقصير في مسافة القصر ، وهي : بريدان : ثمانية فراسخ ؛ لقول الصادق عليه السلام في التقصير : « حدّه أربعة وعشرون ميلاً » (٦) .
وسئل الصادق عليه السلام في كم يقصّر الرجل ؟ فقال : « في بياض يوم أو بريدين » (٧) وقد تقدّم ذلك في كتاب الصلاة (٨) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٢٨ ( باب من صام في السفر بجهالة ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ / ٦٤٣ .
(٢) في « ف » والطبعة الحجرية : سفره .
(٣) الشحناء : العداوة . لسان العرب ١٣ : ٢٣٤ .
(٤) الكافي ٤ : ١٢٩ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ / ٦٤٠ .
(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٠ / ٦٤٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٥ / ٨٣٨ .
(٦) التهذيب ٤ : ٢٢١ / ٦٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٨ .
(٧) التهذيب ٤ : ٢٢٢ / ٦٥١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٩ .
(٨) تقدم في ج ٤ ص ٣٦٩ المسألة ٦١٨ .
وإنّما يجوز التقصير إذا قصد المسافة ، فالهائم لا يترخّص وإن سار أكثر من المسافة ، وقد تقدّم (١) .
ولو نوى المسافر الإِقامة في بلدة عشرة أيام ، وجب عليه التمام ، وانقطع سفره .
ومن كان سفره أكثر من حضره لا يجوز له الإِفطار ؛ لأنّ وقته مشغول بالسفر ، فلا مشقة له فيه .
ولقول الصادق عليه السلام : « المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام ، يتمّ الصلاة ويصوم شهر رمضان » (٢) .
ولو أقام أحدهم في بلده عشرة أيام ، أو أقام العشرة في غير بلده مع العزم على إقامتها ، وجب عليهم التقصير إذا خرجوا بعد العشرة ؛ لأنّ بعض رجال يونس سأل الصادق عليه السلام عن حدّ المكاري الذي يصوم ويُتمّ ، قال : « أيّما مُكارٍ أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبداً ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإِفطار » (٣) .
ولو تردّد في السفر ولم يَنو المقام عشرة أيام ، وكان ممّن يجب عليه التقصير في السفر ، وجب عليه التقصير الى شهر ثم يتمّ بعد ذلك .
مسألة ٩٥ : شرائط قصر الصلاة هي شرائط قصر الصوم ؛ لقول الصادق عليه السلام : « ليس يفترق التقصير والإِفطار ، فمن قصّر فليفطر » (٤) .
__________________
(١) تقدّم في ج ٤ ص ٣٧٤ المسألة ٦٢٢ .
(٢) الكافي ٤ : ١٢٨ ( باب من لا يجب له الإِفطار والتقصير . . . ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢١٨ / ٦٣٤ .
(٣) التهذيب ٤ : ٢١٩ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٧ .
(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٨ / ١٠٢١ .
وهل يشترط تبييت النية من الليل ؟ قال الشيخ رحمه الله : نعم ، فلو بيّت نيته على السفر من الليل ثم خرج أيّ وقت كان من النهار ، وجب عليه التقصير والقضاء . ولو خرج بعد الزوال ، أمسك وعليه القضاء .
وإن لم يبيّت نيته من الليل ، لم يجز له التقصير ، وكان عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه أيّ وقت خرج ، إلّا أن يكون قد خرج قبل طلوع الفجر ، فإنّه يجب عليه الإِفطار على كلّ حال .
ولو قصّر ، وجب عليه القضاء والكفّارة (١) .
وقال المفيد رحمه الله : المعتبر خروجه قبل الزوال ، فإن خرج قبله ، لزمه الإِفطار ، فإن صامه ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ، ولو خرج بعد الزوال ، أتمّ ، ولا اعتبار بالنية . وبه قال أبو الصلاح (٢) .
وقال السيد المرتضى رحمه الله : يفطر ولو خرج قبل الغروب (٣) ـ وهو قول علي بن بابويه (٤) رحمه الله ـ ولم يعتبر التبييت .
والمعتمد : قول المفيد رحمه الله ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٥) وهو يتناول بعمومه من خرج قبل الزوال بغير نية .
ومن طريق العامة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله خرج من المدينة عام
__________________
(١) النهاية : ١٦١ ـ ١٦٢ ، وحكاه أيضاً ابن إدريس في السرائر : ٨٩ .
(٢) حكاه عنهما المحقق في المعتبر : ٣١٩ ، وعن المفيد ، ابن إدريس في السرائر : ٨٩ ، وراجع : المقنعة : ٥٦ ، والكافي في الفقه : ١٨٢ .
(٣) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥ ـ ٥٦ حيث قال : شروط السفر الذي يوجب الإِفطار ولا يجوز معه صوم شهر رمضان في المسافة وغير ذلك هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة ، الموجبة لقصرها . وهو يشعر بما نسب اليه .
وحكاه عنه أيضاً الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣١٠ .
(٤) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٨٩ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣١٠ .
(٥) البقرة : ١٨٤ .
الفتح ، فلمّا بلغ الى كُراع الغَمِيمِ (١) أفطر (٢) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام ، أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، قال : « إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه » (٣) .
ولأنّه إذا خرج قبل الزوال ، صار مسافراً في معظم ذلك النهار ، فاُلحق بالمسافر في جميعه ، ولهذا اعتبرت النية فيه لناسيها ، وأمّا بعد الزوال فإنّ معظم النهار قد انقضى على الصوم ، فلا يؤثّر فيه السفر المتعقّب ، كما لم يعتدّ بالنية فيه .
احتجّ الشيخ رحمه الله : بقول الكاظم عليه السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله ؟ قال : « إذا حدّث نفسه بالليل في السفر ، أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه ، أتمّ صومه » (٤) .
وفي الطريق ضعف ، مع احتمال أن يكون عزم السفر تجدّد بعد الزوال .
احتجّ السيد : بقوله تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ ) (٥) وهو عام في صورة النزاع .
__________________
(١) كراع الغميم : موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة : وهو واد أمام عُسفان بثمانية أميال . معجم البلدان ٤ : ٤٤٣ .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٥ / ١١١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٩ ـ ٩٠ / ٧١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٤٦ نقلاً بالمعنى .
(٣) الكافي ٤ : ١٣١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ / ٦٧١ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢١ .
(٤) الاستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٩ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٦٩ .
(٥) البقرة : ١٨٤ .
وبما رواه عبد الأعلى في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل » (١) .
والآية مخصوصة بالخبر الذي رويناه . والحديث ضعيف السند ومقطوع .
وأمّا العامة فنقول : المسافر عندهم لا يخلو من أقسام ثلاثة :
أحدها : أن يدخل عليه شهر رمضان وهو في السفر ، فلا خلاف بينهم في إباحة الفطر له (٢) .
الثاني : أن يسافر في أثناء الشهر ليلاً ، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها في قول عامة أهل العلم (٣) .
وقال عبيدة السلماني وأبو مجلز وسويد بن غفلة : لا يفطر مَن سافر بعد دخول الشهر ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وهذا قد شهده (٤) .
ولا حجّة فيها ؛ لأنّها متناولة لمن شهد الشهر كلّه ، وهذا لم يشهده كلّه .
ويعارض بما روى ابن عباس ، قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد (٥) فأفطر وأفطر الناس (٦) .
الثالث : أن يسافر في أثناء اليوم من رمضان ، فحكمه في اليوم الثاني حكم مَن سافر ليلاً .
وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه قولان :
أحدهما : أنّه لا يجوز له فطر ذلك اليوم ـ وهو قول مكحول والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ ـ ١٠٠ / ٣٢٤ .
(٢ ـ ٤) المغني ٣ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١ ، والآية ١٨٤ من سورة البقرة .
(٥) الكديد : موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلاً من مكة . معجم البلدان ٤ : ٤٤٢ .
(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٤ / ١١١٣ .
إحدى الروايتين (١) ـ لأنّ الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر ، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة .
والفرق : أنّ الصلاة يلزمه إتمامها بنيته ، بخلاف الصوم .
والثاني : أنّه يفطر ـ وهو قول الشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر وأحمد في الرواية الثانية (٢) ـ للرواية (٣) .
ولأنّ السفر معنى لو وجد ليلاً واستمرّ في النهار ، لأباح الفطر ، فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض .
مسألة ٩٦ : ولا يجوز له الفطر حتى يتوارى عنه جدران بلده ويخفى عنه أذان مصره ؛ لأنّه إنّما يصير ضارباً في الأرض (٤) بذلك ، وهو قول أكثر العامة (٥) .
وقال الحسن البصري : يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج (٦) . وروي نحوه عن عطاء (٧) .
روى محمد بن كعب قال : أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً وقد رُحِلَت له راحلته ولبس ثياب السفر ، فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سنّة ؟ فقال : سنّة ؛ وركب (٨) .
مسألة ٩٧ : لو نوى المسافر الصوم في سفره ، لم يجز عندنا ؛ لأنّه محرّم ، وعند العامة يجوز (٩) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢ .
(٢) المغني ٣ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢ .
(٣) وهي ـ على ما في المغني ٣ : ٣٤ والشرح الكبير ٣ : ٢٣ ـ ما أورده أبو داود في سننه ج ٣ ص ٣١٨ ، الحديث ٢٤١٢ .
(٤) إشارة الى الآية ١٠١ من سورة النساء .
(٥ ـ ٧) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ .
(٨) سنن الترمذي ٣ : ١٦٣ / ٧٩٩ .
(٩) راجع : المغني ٣ : ٣٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٩ ، والمجموع ٦ : ٢٦٤ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٢٨ .