الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
والرزق الواسع ، ودفع الأسقام ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم سلّمه لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه » (١) .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام ، إذا اُهلّ هلال رمضان أقبل الى القبلة ، وقال : « اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم تقبّله لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه » (٢) .
وكان عليه السلام أيضاً يقول : « إذا رأيت الهلال ، فلا تبرح وقُل : اللّهم إنّي أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه ، أسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شرّ ما فيه وشرّ ما بعده ، اللّهم أدخله علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والبركة والتقوى ، والتوفيق لما تحبّ وترضى » (٣) .
وكان من قول أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً عند رؤية الهلال : « أيّها الخلق المطيع ، الدائب (٤) السريع ، المتردّد في فلك التدوير (٥) ، المتصرّف في منازل التقدير ، آمنت بمن نوّر بك الظُلَم ، وأضاء بك البُهم ، وجعلك آيةً من آيات سلطانه ، وامتهنك (٦) بالزيادة والنقصان والطلوع والاُفول ، والإِنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، والى إرادته سريع ، سبحانه ما أحسن
__________________
(١) الكافي ٤ : ٧٠ ـ ٧١ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٩٦ ـ ١٩٧ / ٥٦٢ .
(٢) الكافي ٤ : ٧٣ ـ ٧٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٩٧ / ٥٦٣ .
(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٦٢ / ٢٦٨ ، التهذيب : ١٩٧ / ٥٦٤ .
(٤) الدأب : الجدّ في العمل . مجمع البحرين ٢ : ٥٤ .
(٥) في المصدر : التدبير .
(٦) في النسخ الخطية : وامتحنك ؛ بدل وامتهنك . وامتهنه ، أي : استعمله للمهنة . والمهنة : الخدمة . لسان العرب ١٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥ .
ما دبّر ، وأتقن ما صنع في ملكه ، وجعلك الله [ هلال ] (١) شهر حادث لأمر حادث ، جعلك الله هلال أمن وأمان ، وسلامة وإسلام ، هلال أمن (٢) من العاهات ، وسلامة من السيّئات ، اللّهم اجعلنا أهدى مَن طلع عليه ، وأزكى مَن نظر اليه ، وصلّ على محمد وآله ، وافعل بي كذا وكذا يا أرحم الراحمين » (٣) .
مسألة ٧٦ : إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد ، ولم يره أهل بلد آخر ، فإن تقاربت البُلدان كبغداد والكوفة ، كان حكمهما واحداً : يجب الصوم عليهما معاً ، وكذا الإِفطار ، وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق ، فلكلّ بلد حكم نفسه ، قاله الشيخ (٤) رحمه الله وهو المعتمد ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو قول بعض الشافعية ، ومذهب القاسم وسالم وإسحاق (٥) ؛ لما رواه كُرَيب أنّ اُمّ الفضل بنت الحارث بَعَثَته الى معاوية بالشام ، قال : قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهلّ عليّ رمضان ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبدالله بن عباس وذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : ليلة الجمعة ؛ فقال : أنت رأيته ؟ قلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ؛ فقال : لكنّا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدّة أو نراه ؛ فقلت : أوَ لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ قال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله (٦) .
__________________
(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
(٢) في النسخ الخطية : أمنه .
(٣) الفقيه ٢ : ٦٣ / ٢٧٠ .
(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨ .
(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ .
(٦)
صحيح مسلم ٢ : ٧٦٥ / ١٠٨٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٦ ـ ٧٧ / ٦٩٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ / ٢٣٣٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٣١ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٧١ / ٢١ ،
ولأنّ البُلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حَدَبَة (١) الأرض مانعة من رؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشُوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لمَن جدّ في السير نحو المشرق وبالعكس .
وقال بعض الشافعية : حكم البلاد كلّها واحد ، متى رؤي الهلال في بلد وحكم بأنّه أول الشهر ، كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا ـ وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد (٢) ، وبعض علمائنا ـ لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية ، وفي الباقي بالشهادة ، فيجب صومه ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) .
وقوله عليه السلام : ( فرض الله صوم شهر رمضان ) (٤) وقد ثبت أنّ هذا اليوم منه .
ولأنّ الدَّين يحلّ به ، ويقع به النذر المعلّق عليه .
ولقول الصادق عليه السلام : « فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه » (٥) .
وقال عليه السلام ، في مَن صام تسعة وعشرين ، قال : « إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية ، قضى يوماً » (٦) .
ولأنّ الأرض مسطّحة ، فإذا رؤي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في
__________________
سنن البيهقي ٤ : ٢٥١ .
(١) الحَدَبَة : ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع . لسان العرب ١ : ٣٠١ .
(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٧٢ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨١ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ .
(٣) البقرة : ١٨٥ .
(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣١ ، سنن النسائي ٤ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠١ نقلاً بالمعنى .
(٥) التهذيب ٤ : ١٥٧ ـ ١٥٨ / ٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٦ .
(٦) التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٣ .
غيره شيء عارض ؛ لأنّ الهلال ليس بمحل الرؤية .
ونمنع كونه يوماً من رمضان في حق الجميع ؛ فإنه المتنازع ، ولا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة ؛ فإنّه أول المسألة .
وقول الصادق عليه السلام محمول على البلد المقارب لبلد الرؤية ؛ جمعاً بين الأدلّة .
ونمنع تسطيح الأرض ، بل المشهور : كرؤيتها .
فروع :
أ ـ اختلفت الشافعية في الضابط لتباعد البلدين ، فبعضهم اعتبر مسافة القصر (١) .
وقال بعضهم : الاعتبار بمسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر ، فقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر ؛ للارتفاع والانخفاض ، وقد لا يوجد مع مجاوزتها لها ؛ وهذا لا قائل به (٢) .
وبعضهم اعتبر ما قلناه وضبطوا التباعد : بأن يكون بحيث تختلف المطالع ، كالحجاز والعراق ، والتقارب : بأن لا تختلف ، كبغداد والكوفة (٣) .
ومنهم مَن اعتبر اتّحاد الإِقليم واختلافه (٤) .
ب ـ لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر الى بلد بعيد لم يُرَ الهلال فيه في يومه الأول ، فإن قلنا : لكلّ بلدة حكمها ، فهل يلزمه أن يصوم معهم أم (٥) يفطر ؟ وجهان : أحدهما : أنّه يصوم معهم ـ وهو قول بعض الشافعية (٦) ـ لأنّه بالانتقال الى بلدهم أخذ حكمهم ، وصار من جملتهم .
والثاني : أنّه يفطر ؛ لأنّه التزم حكم البلدة الاُولى ، فيستمرّ عليه ، وشبّه
__________________
(١ ـ ٤) فتح العزيز ٦ : ٢٧٣ ـ ٢٧٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٣ .
(٥) في « ط » والطبعة الحجرية : « أو » بدل « أم » .
(٦) فتح العزيز ٦ : ٢٧٧ .
ذلك بمن اكترى دابة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه .
وإن عمّمنا الحكم سائر (١) البلاد ، فعلى أهل البلدة المنتقل اليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إمّا بقوله ؛ لعدالته ، أو بطريق آخر ، وعليهم قضاء اليوم الأول .
ج ـ لو سافر من البلدة التي يُرى (٢) فيها الهلال ليلة الجمعة الى التي يُرى (٣) فيها الهلال ليلة السبت ، ورؤي هلال شوّال ليلة السبت ، فعليهم التعييد معه وإن لم يصوموا إلّا ثمانية وعشرين يوماً ، ويقضون يوماً .
وعلى قياس الوجه الأول لا يلتفتون الى قوله : رأيت الهلال ، وإن قُبِل في الهلال قولُ عدل .
وعلى عكسه لو سافر من حيث لم يُرَ فيه الهلالُ الى حيث رؤي ، فيعيّدوا التاسع والعشرين من صومه ، فإن (٤) عمّمنا الحكم ، وقلنا : حكمه حكم البلد المنتقل اليه ، عيَّد معهم ، وقضى يوماً ، وإن لم نعمّم الحكم وقلنا : إنّه بحكم البلد المنتقل عنه ، فليس له أن يفطر .
د ـ لو رؤي الهلال في بلد ، فأصبح الشخص معيِّداً ، وسارت به السفينة ، وانتهى الى بلدة على حدّ البُعد ، فصادف أهلها صائمين ، احتمل أن يلزمه إمساك بقية اليوم حيث قلنا : إنّ كلّ بلدة لها حكمها ، وعدمه ؛ لأنّه لم يرد فيه أثر ، ويجزئه اليوم الواحد ، وإيجاب إمساك بعضه بَعيدٌ .
ولو انعكس الحال ، فأصبح الرجل صائماً ، وسارت به السفينة الى حيث عيّدوا ، فإن عمّمنا الحكم أو قلنا : إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل اليها ، أفطر ، وإلّا فلا .
وإذا أفطر ، قضى يوماً ؛ لأنّه لم يَصُم إلّا ثمانية وعشرين يوماً .
__________________
(١) « سائرَ » منصوب بنزع الخافض .
(٢ و ٣) الأنسب في الموضعين : رؤي .
(٤) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : « وإن » بدل « فإن » وما أثبتناه يقتضيه السياق .
مسألة ٧٧ : إذا رؤي الهلال يوم الثلاثين ، فهو للمستقبلة (١) ، سواء رؤي قبل الزوال أو بعده ، فإن كان هلالَ رمضان ، لم يلزمهم صيام ذلك اليوم ، وإن كان هلالَ شوّال ، لم يَجُز لهم الإِفطار إلّا بعد غروب الشمس ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة (٢) ـ لما رواه العامة عن أبي وائل منصور بن سلمة (٣) ، قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين : أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال في أول النهار ، فلا تفطروا (٤) حتى تُمسُوا ، إلّا أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلّاه بالأمس عشيّة .
ومن طريق الخاصة : ما روى محمد بن عيسى ، قال : كتبت اليه عليه السلام : جعلت فداك ربما غُمّ (٥) علينا هلال شهر رمضان ، فيُرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه ، أم لا ؟ وكيف تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السلام : « تمّم الى الليل ، فإنّه إن كان تامّاً رؤي قبل الزوال » (٦) .
__________________
(١) أي : للّيلة المستقبلة .
(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٢ ، المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ .
(٣) هكذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وفي المصادر الحديثية : سفيان عن منصور عن أبي وائل .
واسم أبي وائل : شقيق بن سلمة ؛ لا منصور بن سلمة .
ونقل الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ هذه الرواية عن سفيان بن سلمة ، ونقلها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧ ، عن أبي وائل فقط .
اُنظر : سنن الدارقطني ٢ : ١٦٩ / ١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢١٣ ، واُسد الغابة ٣ : ٣ ، وتهذيب التهذيب ٤ : ٣١٧ .
(٤) في النسخ الخطية : « فلا تفطرُنّ » بدل « فلا تفطروا » .
(٥) غُمّ الهلال على الناس : إذا ستره عنهم غَيمٌ أو غيره فلم يُر . الصحاح ٥ : ١٩٩٨ .
(٦) التهذيب ٤ : ١٧٧ / ٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢١ .
وقال الباقر عليه السلام : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو يشهد عليه عدل من المسلمين ، فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره ، فأتمّوا الصيام الى الليل ، فإنّ غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ثم أفطروا » (١) .
وقال الثوري : إن رؤي قبل الزوال ، فهو للّيلة الماضية ، وإن رؤي بعده ، فهو للمستقبلة (٢) . وبه قال أبو يوسف (٣) .
وقال أحمد : إن كان في أول شهر رمضان ، وكان قبل الزوال ، فهو للماضية ، وإن كان في هلال شوّال ، فروايتان : إحداهما : أنّها كذلك ، والثانية : لمستقبلة ؛ لقوله عليه السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وقد رأوه ، فيجب الصوم والفطر .
ولأنّ ما قبل الزوال أقرب الى الماضية (٤) .
والمراد في الخبر : إذا رأوه عشية ؛ بدليل ما لو رؤي بعد الزوال .
وعلى الرواية التي لأحمد : أنّه عن الماضية في أول رمضان ؛ يلزمه قضاء ذلك اليوم ، وإمساك بقيته احتياطاً للعبادة (٥) .
وهو غلط ؛ لأنّ ما كان للّيلة المُقبلة في آخره فهو لها في أوله ، كما لو رؤي بعد العصر .
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢ .
(٢ و ٣) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣ .
(٤) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، وتقدّمت الإِشارة الى مصادر الحديث في الهامش (٥) من ص ١١٨ .
(٥) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ .
النظر الثاني : في الإِخبار
مسألة ٧٨ : لو لم يُر الهلال إمّا لعدم تطلّبه أو لعدم الحاسة أو لِغُمٍّ وشبهه أو لغير ذلك من الأسباب ، اعتبر بالشهادة بإجماع علماء الأمصار .
على أنّ للشهادة اعتباراً في رؤية الهلال ، وأنّها علامة على الشهر ، وإنّما الخلاف وقع في عدد الشهود .
والمشهور عند علمائنا : أنّه لا يقبل في رؤية الهلال في رمضان وغيره إلّا شهادة رجلين عدلين سواء الصحو والغيم ، وسواء كانا من نفس البلد أو خارجه ـ وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين (١) ـ لما رواه العامة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدل ، فصوموا وأفطروا وانسكوا ) (٢) .
وقال عليه السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً إلّا أن يشهد شاهدان ) (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « إنّ علياً عليه السلام قال : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين » (٤) .
__________________
(١) بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، المجموع ٦ : ٢٧٧ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨ .
(٢) أورده بتفاوت يسير ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٨ ، وراجع : سنن الدارقطني ٢ : ١٦٧ / ٣ ، وسنن النسائي ٤ : ١٣٣ .
(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، وبتفاوت في سنن النسائي ٤ : ١٣٣ .
(٤) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨ .
ولأنّها عبادة فاعتبر عددها بأعمّ الشهادات وقوعاً ؛ اعتباراً بالأعمّ الأغلب .
وقال سلّار من علمائنا : يقبل في أول رمضان شهادة الواحد العدل ، ولا يقبل في غيره إلّا شهادة عدلين (١) ـ وهو أحد قولي الشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد ، وقول ابن المبارك (٢) ـ لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء أعرابي الى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : رأيت الهلال ؛ قال : ( أتشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ؟ ) قال : نعم ؛ قال : ( يا بلال أذّن في الناس فليصوموا ) (٣) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين » (٤) .
ولأنّ الاحتياط للعبادة يقتضي قبول الواحد .
ولأنّه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة ، فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة .
ولأنّه خبر ديني يشترك فيه المخبِر والمخبَر ، فقبل من واحدٍ عدلٍ كالرواية .
ورواية ابن عباس حكاية حال لا عموم لها ، فيحتمل أنّه شهد عند النبي صلّى الله عليه وآله شاهد آخر .
__________________
(١) المراسم : ٢٣٣ .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨ .
(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٢ / ٢٣٤٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٢٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١ .
(٤) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢ .
ويحتمل أن يكون قد حصل بشهادة الأعرابي ظنّ ، فأمر النبي صلّى الله عليه وآله بالصوم غداً ؛ ليتحفّظوا من الفطر ، فربما شهد بعد ذلك في النهار (١) شاهد آخر ، فيثبت أنّه من رمضان ، فلا ينبغي المبادرة فيه بالإِفطار .
وقول أمير المؤمنين عليه السلام ، نقول بموجبه ، ولا يدلّ على مطلوبهم ؛ لأنّ لفظة « العدل » يصح إطلاقها على الواحد فما زاد ؛ لأنّه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول : رجل عدل . ورجلان عدل . ورجال عدل . ونمنع قبول خبر الواحد في دخول وقت الصلاة . والرواية قُبِل فيها الواحد ؛ للإِجماع ؛ فإنّه يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية ؛ لعظم خطرها .
وللشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ قولان :
قال في المبسوط : إن كان في السماء علّة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته ، وجب الصوم ، وإن لم يكن هناك علّة لم يقبل إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً من البلد أو خارجه (٢) .
وقال في النهاية : إن كان في السماء علة ولم يَرَه جميعُ أهل البلد ورآه خمسون نفساً ، وجب الصوم ، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان ، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب ، وليس على غيره شيء .
ومتى كان في السماء علّة ولم يُرَ في البلد الهلالُ ورآه خارج البلد شاهدان عدلان ، وجب أيضاً الصوم ، وإن لم يكن في السماء علّة وطلب فلم يُرَ ، لم يجب الصوم إلّا أن يشهد خمسون نفساً من خارج البلد أنّهم رأوه (٣) ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا تجوز الشهادة في الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج
__________________
(١) في « ط » : في آخر النهار .
(٢) راجع : المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٧ .
(٣) النهاية : ١٥٠ .
المصر ، وكان بالمصر علّة ، فأخبرا أنّهما رأياه ، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية » (١) .
وسأل إبراهيم بن عثمان الخزاز ، الصادق عليه السلام : قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال ؟ فقال : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدة فيقول واحد : رأيته ؛ ويقول الآخرون : لم نره ؛ إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قُبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر » (٢) .
ولأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحة الحاسّة ، فلم يكن قولهما مؤثّراً .
ونمنع صحة سند الخبرين . وقول الخمسين قد لا يفيد إلّا الظنّ ، وهو ثابت في العدلين .
وقال أبو حنيفة : لا يقبل في الصحو إلّا الاستفاضة ، وفي الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد ، وفي غيره لا يقبل إلّا اثنان ؛ لأنّه لا يجوز أن يَنظُرَ الى مطلع الهلال مع صحة الحاسّة وارتفاع الموانع جماعةٌ ، فيختص واحد برؤيته (٣) .
ونحن نقول بموجبه من أنّه لا تقبل شهادة الواحد ، ولا تشترط الزيادة على الاثنين ؛ لجواز الاختلاف في الرؤية ؛ لبُعد المرئي ولطافته ، وقوة الحاسّة وضعفها ، والتفطّن للرؤية وعدمه ، واختلاف مواضع نظرهم ، وكدورة الهواء وصَفوه .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٥٩ / ٤٤٨ و ٣١٧ / ٩٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٤ / ٢٢٧ .
(٢) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥١ .
(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ ـ ٨١ ، المغني ٣ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٨ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢ .
ولأنّه ينتقض : بما لو حَكَمَ برؤيته حاكمٌ بشهادة الواحد أو الاثنين ، فإنّه يجوز ، ولو امتنع ـ كما قالوه ـ لم ينفذ فيه حكم الحاكم .
مسألة ٧٩ : لا تقبل شهادة النساء في ذلك ؛ لقول علي عليه السلام : « لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال » (١) .
وقال الشافعي : إن قلنا : لا بدّ من اثنين ، فلا مدخل لشهادة النساء فيه . ولا عبرة بقول العبد . ولا بدّ من لفظ الشهادة . وتختص بمجلس القضاء ؛ لأنّها شهادة حسّية لا ارتباط لها بالدعاوي .
وإن قبلنا قول الواحد ، فهل هو على طريق الشهادة أم على طريق الرواية ؟ وجهان ، أصحّهما عنده : الأول ، إلّا أنّ العدد سُومح به ، والبيّنات مختلفة المراتب .
والثاني : أنّه رواية ؛ لأنّ الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئاً ، وهذا خبر عمّا يستوي فيه المُخبر وغير المُخبر ، فأشبه رواية الخبر عن النبي صلّى الله عليه وآله ، فعلى الأول لا يقبل قول المرأة والعبد ، وعلى الثاني يقبل .
وهل يشترط لفظ الشهادة ؟ وجهان عنده (٢) .
وقال أبو حنيفة : يقبل إخبار المرأة الواحدة ؛ لأنّه خبر ديني ، فأشبه الخبر عن القبلة ، والرواية ، وهو قياس قول أحمد (٣) .
ولا تقبل شهادة الصبي المميّز الموثوق به .
وقال الجويني : فيه وجهان مبنيّان على قبول رواية الصبيان (٤) .
وقال بعض الشافعية : إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال ، لزم اتّباع قوله وإن لم يذكر عند الحاكم (٥) .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨ .
(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٥٣ ـ ٢٥٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧ .
(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨١ ، المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ .
(٤) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥ .
(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧ .
وقالت طائفة : يجب الصوم بذلك إذا اعتقد أنّ المخبر صادق (١) .
ولا خلاف أنّه لا يقبل في هلال شوّال إلّا عدلان ، إلّا أبا ثور ؛ فإنّه قال : تقبل شهادة الواحد فيه (٢) .
وهو غلط ؛ لما تقدّم (٣) من الأحاديث .
احتجّ : بأنّه خبر يستوي فيه المُخبِر والمُخبَر ، فأشبه أخبار الديانات ، ولأنّه إخبار عن خروج وقت العبادة ، فيقبل فيه قول الواحد كاللإِخبار عن دخول وقتها (٤) .
ونمنع كونه خبراً ، ولهذا لا يقبل فيه : فلان عن فلان (٥) .
فروع :
أ ـ لا تقبل شهادة الفاسق ؛ لقوله تعالى : ( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٦) .
ولا بدّ من اعتبار العدالة الباطنة التي يرجع فيها الى الخُبرة الباطنة وأقوال المزكّين ـ وهو أحد قولي الشافعية (٧) ـ لأنّ الشرط انتفاء الفسق ، وإنّما يعرف بالاتّصاف بالضدّ .
ب ـ لو صاموا بشهادة الواحد عند من اعتبرها فلم يُرَ الهلال بعد الثلاثين ، فالوجه : الإِفطار ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين (٨) ـ
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧ .
(٢) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٨١ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨ .
(٣) تقدّم في المسألة ٧٨ .
(٤) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨ ـ ٢٦٩ .
(٥) أي قول المخبر : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال .
(٦) الحجرات : ٦ .
(٧) فتح العزيز ٦ : ٢٥٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٧ .
(٨) المغني ٣ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ـ ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢ .
لأنّ الصوم ثبت شرعاً بشهادة الواحد ، فيثبت الإِفطار باستكمال العدّة ، ولا يكون إفطاراً بالشهادة ، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء ، وتثبت بهن الولادة ، فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة .
والثاني للشافعي : لا يفطرون ـ وبه قال محمد بن الحسن (١) ـ لأنّه يكون فطراً بشهادة واحد (٢) .
وقد تقدّم جوابه من جواز إثبات الشيء ضمناً بما لا يثبت به أصلاً .
وما موضع القولين ؟ للشافعية طريقان : أحدهما : مع الصحو ، ولو كانت السماء مغيّمة ، وجب الإِفطار . والثاني : أنّ الصحو والغيم واحد (٣) .
ج ـ لو صاموا بشهادة عدلين ورؤي الهلال بعد ثلاثين ، فلا بحث ، وإن لم يُرَ الهلالُ فإن كانت السماء متغيّمة ، أفطر ، وكذا إن كانت مصحيةً عند عامة العلماء (٤) ؛ لأنّ العدلين لو شهدا ابتداءً على هلال شوّال ، لقبلنا شهادتهما ، وأفطرنا ، فلأن نفطر على ما أثبتناه بقولهما أوّلاً أولى .
وقال مالك : لا يفطرون ؛ لأنّا إنّما نتّبع قولهما بناءً على الظن (٥) . وقد بيّنا خلافه .
وعلى هذا القول لو شهد اثنان على هلال شوّال ثم لم يُرَ الهلالُ والسماء مصحية بعد ثلاثين ، قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه ؛ لظهور أنّه من رمضان ، لكن لا كفّارة للشبهة .
د ـ إذا قلنا بقبول الواحد ففي قبول العبد إشكال يأتي .
وقال بعض الشافعية القائلين بقبوله : إنّا لا نوقع به العتق والطلاق
__________________
(١) حلية العلماء ٣ : ١٨٢ .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢ .
(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦١ ، المجموع ٦ : ٢٧٩ .
(٤ و ٥) فتح العزيز ٦ : ٢٦٢ و ٢٦٩ .
المعلّقين بهلال رمضان ، ولا نحكم بحلول الدين المؤجّل به (١) .
هـ ـ لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة ، واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين .
وللشافعية طريقان : أحدهما : أنّه على قولين في أنّ حدود الله تعالى هل تثبت بالشهادة على الشهادة ؟
وأصحّهما عندهم : القطع بثبوته كالزكاة وإتلاف بواري المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء .
وعلى هذا ، فعدد الفروع مبني على القول في الاُصول ، إن اعتبرنا العدد في الاُصول فحكم الفروع هاهنا حكمهم في سائر الشهادات ، ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد .
وإن لم نعتبر العدد ، فإن قلنا : إنّ طريقه طريق الرواية ، فوجهان : أحدهما : الاكتفاء بواحد ، كرواية الإِخبار . والثاني : لا بدّ من اثنين ، وهو الأصحّ عندهم ؛ لأنّه ليس بخبر من كلّ وجه ، لأنّه لا يكفي أن يقول : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال .
وعلى هذا ، فهل يشترط إخبار حُرّين ذكرين ، أم يكفي امرأتان وعبدان ؟ وجهان (٢) .
وإن قلنا : إنّ طريقه طريق الشهادة ، فهل يكفي واحد أم لا بدّ من اثنين ؟ وجهان عندهم (٣) .
و ـ لو رأى اثنان هلال شوّال ، ولم يشهدا عند الحاكم ، جاز لمن سمع شهادتهما الإِفطار مع (٤) معرفته بعدالتهما ، وكذا يصوم لو شهدا برمضان ؛ لقوله
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٢٦٩ ، والمجموع ٦ : ٢٨١ .
(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٦٣ ـ ٢٦٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ .
(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦٥ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ .
(٤) في الطبعة الحجرية بدل مع : بعد .
عليه السلام : ( إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا ) (١) .
ولو شهدا ، فردّ الحاكم شهادتهما ؛ لعدم معرفته بهما ، جاز الإِفطار أيضاً في شوّال والصوم في رمضان .
ويجوز لكلٍّ منهما أن يفطر عندنا ، وبه قال أحمد بشرط أن يعرف عدالة صاحبه (٢) ، وليس شيئاً .
ز ـ إنّما يقبل في الهلال عدلان ، ولا تقبل شهادة مجهول الحال ولا مستور الظاهر .
مسألة ٨٠ : لو رؤي الهلال في البلد رؤية شائعة ، واشتهر وذاع بين الناس الهلال ، وجب الصيام إجماعاً ؛ لأنّه نوع تواتر يفيد العلم .
ولو لم يحصل العلم ، بل حصل ظنّ غالب بالرؤية ، فالأقوى : التعويل عليه كالشاهدين ، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع .
النظر الثالث : في الحساب
مسألة ٨١ : إذا غُمّ هلال رمضان ولم يره أحد ، أكملت عدّة شعبان ثلاثين يوماً ، ثم صاموا وجوباً من رمضان ، سواء كانت السماء متغيّمةً أو صاحيةً ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامة عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره ، ثم يصوم رمضان لرؤيته ، فإن غُمّ عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام (٣) .
__________________
(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢ .
(٢) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ .
(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٥٦ ـ ١٥٧ / ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٦ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٢٣ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٩ .
ومن طريق الخاصة : قول أمير المؤمنين عليه السلام : « فإن غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا » (١) .
مسألة ٨٢ : ولا يجوز التعويل على الجدول ، ولا على كلام المنجّمين ؛ لأنّ أصل الجدول مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه بالشمس ، ولا يجوز المصير إلى كلام المنجّم ولا الاجتهاد فيه ـ وهو قول أكثر العامة (٢) ـ لما تقدّم من الروايات ، ولو كان قول المنجّم طريقاً ودليلاً على الهلال ، لوجب أن يبيّنه عليه السلام للناس ؛ لأنّهم في محلّ الحاجة اليه ، ولم يَجُز له عليه السلام حصر الدلالة في الرؤية والشهادة .
وحكي عن قوم من العامة أنّهم قالوا : يجتهد في ذلك ، ويرجع الى المنجّمين (٣) . وهو باطل ؛ لما (٤) تقدّم .
ولقول الصادق عليه السلام : « ليس على أهل القبلة إلّا الرؤية ، ليس على المسلمين إلّا الرؤية » (٥) .
والأحاديث متواترة على أنّ الطريق إمّا الرؤية أو مضيّ ثلاثين ، وقد شدّد النبي صلّى الله عليه وآله ، في النهي عن سماع كلام المنجّم ، فقال عليه السلام : ( من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما اُنزل على محمد ) (٦) .
احتجّوا : بقوله تعالى : ( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٧) .
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، والتهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ .
(٢) راجع : المجموع ٦ : ٢٨٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٢٦٦ .
(٣) كما في حلية العلماء ٣ : ١٧٨ .
(٤) في « ط ، ن » : بما .
(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٥ ، التهذيب ، : ١٥٨ / ٤٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٩ .
(٦) أورده المحقق في المعتبر : ٣١١ ، وبتفاوت في المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٨ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٢٩ .
(٧) النحل : ١٦ .
ولأنّ النبي عليه السلام قال : ( فإن غُمّ عليكم فَاقدروا له ) (١) والتقدير إنّما هو معرفة التسيير والمنازل ، ولذلك رجعنا الى الكواكب والمنازل في القبلة والأوقات ، وهي اُمور شرعية رتّب الشارع عليها أحكاماً كثيرة .
والجواب : الاهتداء بالنجم معرفة الطرق ومسالك البلاد وتعريف الأوقات ، ونقول أيضاً بموجبه ؛ فإنّ رؤية الهلال تهدي الى معرفة أول الشهر ، أمّا قول المنجّم فلا .
وأمّا الحديث : ( فَاقدروا له ثلاثين ) (٢) والمراد : أن يحسب شعبان ثلاثين عند قوم ، وتسعة وعشرين عند آخرين .
وأمّا القبلة والوقت فالطريق هو المشاهدة .
وللشافعية وجهان في مَن عرف منازل القمر هل يلزمه الصوم به ؟
وأصحّهما عندهم : المنع . والثاني : أنّه يجوز له أن يعمل بحساب نفسه (٣) .
ولو عرفه بالنجوم ، لم يَجُز أن يصوم به عندهم (٤) قولاً واحداً .
مسألة ٨٣ : لا اعتبار بالعدد خلافاً لقوم من الحشوية ذهبوا الى أنّه معتبر ، وأنّ شهور السنة قسمان : تام وناقص ، فرمضان لا ينقص أبداً ، وشعبان لا يتمّ أبداً ؛ لأحاديث منسوبة إلى أهل البيت عليهم السلام (٥) ، أصلها حذيفة بن منصور عن الصادق عليه السلام ، تارة بواسطة معاذ بن كثير ، واُخرى بغير واسطة ، واُخرى لم يسندها الى إمام : أنّ الصادق عليه السلام سأله معاذ : أنّ الناس يقولون : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، صام تسعة
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ : ٣٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ ـ ٧٦٠ / ٦ ـ ٩ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٤ و ٢٠٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٦١ / ٢٢ .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ / ٤ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣ .
(٣ و ٤) المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ .
(٥) كما في المعتبر : ٣١١
وعشرين يوماً أكثر ممّا صام ثلاثين ، فقال : « كذبوا ، ما صام رسول الله صلّى الله عليه وآله ، الى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوماً ، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوماً وليلة » (١) .
قال الشيخ رحمه الله : هذا الخبر لا يعوّل عليه .
أمّا أولاً : فلأنّه لم يوجد في شيء من الاُصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار .
وأيضاً ، كتاب حذيفة بن منصور عري عن هذا الحديث ، والكتاب مشهور ، ولو كان الحديث صحيحاً عنده ، لضمنه كتابه .
وأيضاً ، فإنّه مختلف الألفاظ ، مضطرب المعاني ؛ لأنّه تارة يرويه عن الصادق عليه السلام ، وتارة يفتي من قِبَل نفسه ، ولا يسنده الى أحد ، وروايته عن الإِمام تارة بواسطة ، واُخرى بغير واسطة ، وهذا دليل اضطرابه وضعفه ، فلا يعارض به المتواتر من الأخبار والقرآن العزيز وعمل جميع المسلمين ، مع أنّه معارض بأحاديث كثيرة مشهورة (٢) :
قال الصادق عليه السلام : « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فإن تغيّمت السماء يوماً ، فأتمّوا العدة » .
وقال عليه السلام في شهر رمضان : « هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان » (٣) .
وقال الباقر عليه السلام : « حدّثني أبي عليه السلام أنّ علياً عليه السلام قال : صُمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله تسعة وعشرين يوماً ، وأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لمّا ثقل في مرضه : أيّها الناس إنّ السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حُرُم ، ثم قال بيده فذاك رجب مفرد ، وذو القعدة وذو الحجّة
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٦٧ / ٤٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٦٥ / ٢١١ .
(٢) التهذيب ٤ : ١٦٩ .
(٣) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥٢ .
والمحرّم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، وإذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين ، [ و ] (١) صوموا الواحد وثلاثين » (٢) .
مسألة ٨٤ : ولا اعتبار بغيبوبة القمر بعد الشفق ؛ لقوله عليه السلام : ( الصوم للرؤية والفطر للرؤية ) (٣) .
ولأصالة براءة الذمة .
وقال بعض مَن لا يعتد به : إن غاب بعد الشفق فهو للّيلة الماضية ، وإن غاب قبله فهو لليلته (٤) ؛ لقول الصادق عليه السلام : « إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين » (٥) .
ونمنع صحة سنده . ونعارضه بالأحاديث الدالّة على حصر الطريق في الرؤية والشهادة ومضيّ الثلاثين .
قال الشيخ رحمه الله : هذا إنّما يكون أمارةً على اعتبار دخول الشهر إذا كانت السماء مغيّمةً ، فجاز اعتباره في الليلة المستقبلة بالغيبوبة قبل الشفق وبتطوّق الهلال ، فأمّا مع زوال العلّة فلا (٦) .
إذا ثبت هذا ، فلا يجوز التعويل أيضاً على تطوّق الهلال .
وفي رواية عن الصادق عليه السلام : « إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين » (٧) .
__________________
(١) زيادة من المصدر .
(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤ .
(٣) سنن النسائي ٤ : ١٣٦ نحوه .
(٤) قال به الصدوق في المقنع : ٥٨ .
(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٣ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٨ .
(٦) التهذيب ٤ : ١٧٨ ـ ١٧٩ .
(٧) الكافي ٤ : ٧٨ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٢ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٩ .