الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
احتجّ أحمد : بقوله عليه السلام : ( إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام ، وجب عليه صيام شهر رمضان ) (١) .
والحديث مرسل ، وحمل الوجوب على تأكّد الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة .
تنبيهٌ :
يستحب تمرين الصبي بالصوم إذا أطاقه ، وحدّه الشيخ ـ رحمه الله ـ ببلوغ تسع سنين (٢) . وتختلف حاله بحسب المكنة والطاقة .
ولا خلاف بين العلماء في مشروعية ذلك ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أمر ولي الصبي بذلك ، رواه العامة (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ، فإذا غلبهم العطش أفطروا » (٤) .
ولاشتماله على التمرين على الطاعات والمنع من الفساد .
تذنيب :
الأقرب : أنّ صومه صحيح شرعي ، ونيته صحيحة ، وينوي الندب لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله ، فلا ينوي غيره .
وقال أبو حنيفة : إنّه ليس بشرعي ، وإنّما هو إمساك عن المفطرات تأديباً (٥) . ولا بأس به .
وقد ظهر بما قلناه أنّ البلوغ شرط في الوجوب لا في الصحة ، وأنّ العقل
__________________
(١) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤ ، وراجع كنز العمال ٨ : ٥٢١ / ٢٣٩٥١ .
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦ .
(٣) اُنظر : المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥ .
(٤) الكافي ٤ : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ / ٤٠٠ .
(٥) قال الشاشي القفّال في حلية العلماء ٣ : ١٧٣ نقلاً عن أبي حنيفة : لا يصحّ صومه . وانظر : بدائع الصنائع ٢ : ٨٧ .
شرط فيهما معاً .
مسألة ٥٨ : الإِسلام شرط في صحّة الصوم لا في وجوبه عند علمائنا ؛ لما عرف في اُصول الفقه : أنّ الكافر مخاطب بفروع العبادات ، والكافر لا يصح منه الصوم ، سواء كان كافراً أصلياً ، أو مرتدّاً عن الإِسلام ، كما لا يصحّ منه سائر العبادات .
وهو شرط معتبر في جميع النهار حتى لو طرأت ردّة في أثناء النهار ، بطل الصوم ؛ لأنّه لا يعرف الله تعالى ، فلا يصحّ أن يتقرّب اليه .
ولأنّ شرط صحة الصوم النية ، ولا يصحّ وقوعها منه ، وفوات الشرط يستلزم فوات المشروط .
مسألة ٥٩ : الطهارة من الحيض والنفاس جميع النهار شرط في صحة صوم المرأة بإجماع العلماء .
روى العامة عن عائشة قالت : كنّا نحيض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (١) .
ومن طريق الخاصة : رواية أبي بصير ، قال : سألت الصادق عليه السلام ، عن امرأة أصبحت صائمة في شهر رمضان ، فلمّا ارتفع النهار ، حاضت ، قال : « تفطر » (٢) .
ولو وجد الحيض في آخر جزء من النهار ، فسد صوم ذلك اليوم إجماعاً .
ولو أمسكت الحائض ونوت الصوم مع علمها بالتحريم ، لم ينعقد صومها ، وكانت مأثومةً عليه ، ويجب عليها القضاء إجماعاً .
مسألة ٦٠ : لعلمائنا في المغمى عليه قولان : أحدهما : أنّه يفسد
__________________
(١) سنن الترمذي ٣ : ١٥٤ / ٧٨٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩١ ، وأوردها ابن قدامة في المغني ٣ : ٨٣ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٣ / ٧٥٠ .
صومه بزوال عقله ، وهو قول الشيخ أبي جعفر (١) رحمه الله ، وأكثر علمائنا (٢) ، وأحد أقوال الشافعي (٣) ، وهو المعتمد ؛ لأنّه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوباً وندباً ، فلا يصحّ منه الصوم مع سقوطه .
ولأنّ كلّ ما يفسد الصوم إذا وجد في جميعه ، أفسده إذا وجد في بعضه ، كالجنون والحيض .
ولقول الصادق عليه السلام : « كلّما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء » (٤) .
والقول الثاني لعلمائنا : إنّه إن سبقت منه النية ، صحّ صومه ، وكان باقياً عليه ، اختاره المفيد (٥) رحمه الله ، وهو ثاني أقوال الشافعي (٦) .
وثالث الأقوال : إنّه إن أفاق في أوله أو وسطه أو آخره ، صحّ صومه ، وإلّا فلا (٧) .
وقال مالك : إن أفاق قبل الفجر واستدام حتى يطلع الفجر ،صحّ صومه ، وإلّا فلا (٨) .
وقال أحمد : إذا أفاق في جزء من النهار ، صحّ صومه (٩) .
وقال أبو حنيفة والمزني : يصحّ صومه وإن لم يفق في شيء منه ؛ لأنّ
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦ .
(٢) منهم : المحقّق الحلّي في المعتبر : ٣٠٩ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٩١ و ٢٩٢ .
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ .
(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٥ / ٧٢٦ .
(٥) المقنعة : ٥٦ .
(٦ و ٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ .
(٨) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٧ .
(٩) المغني ٣ : ٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ .
النية قد صحّت ، وزوال الشعور بعد ذلك لا يمنع من صحّة الصوم كالنوم (١) .
والفرق : أنّ النوم جبلّة وعادة ، ولا يزيل العقل ، والإِغماء عارض يزيل العقل ، فأشبه الجنون ، فكان حكمه حكمه .
وأمّا السكران وشارب المُرِقد فلا يسقط عنه الفرض ؛ لأنّ الجناية من نفسه ، فلا يسقط الفرض بفعله ، وكذا النائم .
مسألة ٦١ : الاستحاضة ليست مانعةً من فعل الصوم وغيره من العبادات ، كالصلاة وشبهها ، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة .
ويجب عليها الصوم ، ويصحّ منها مع فعل الأغسال إن وجبت عليها ؛ لقول الصادق عليه السلام في المستحاضة : « تصوم شهر رمضان إلّا الأيام التي كانت تحيض فيهن ثم تقضيها بعد » (٢) .
ولو أخلّت المستحاضة بالأغسال مع وجوبها عليها ، لم ينعقد صومها ، وتقضيه ؛ لفوات شرطه ، ولا تجب عليها الكفّارة ؛ لأصالة البراءة .
وإنّما يعتبر الغسل في صحة الصوم في حقّ مَن يجب عليها الغسل ، كالمستحاضة الكثيرة الدم ، أمّا التي لا يظهر دمها على الكرسف ، فإنّه لا يعتبر في صومها غسل ولا وضوء .
وأمّا كثير الدم التي يجب عليها غسل واحد ، فإذا أخلّت به ، بطل صومها .
والتي يجب عليها الأغسال الثلاثة لو أخلّت بغُسلَي النهار أو بأحدهما ، بطل صومها .
ولو أخلّت بالغسل الذي للعشاءين ، فالأقرب صحة صومها ؛ لأنّ هذا
__________________
(١) مختصر المزني : ٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ و ٤٠٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ .
(٢) الكافي ٤ : ١٣٥ ـ ١٣٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤٢٠ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٤ و ٣١٠ / ٩٣٦ .
الغسل إنّما يقع بعد انقضاء صوم ذلك اليوم .
مسألة ٦٢ : شرط صحة الصوم الواجب : الحضر أو حكمه ، فلا يصحّ الصوم الواجب في السفر إلّا ما نستثنيه ، عند علمائنا ـ وبه قال أهل الظاهر وأبو هريرة (١) ـ لقوله تعالى : ( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٢) أوجب عوض رمضان عدّة أيام غيره للمسافر ، وإيجابها يستلزم تحريم صوم رمضان ؛ لأنّه لا يصحّ صومه ، ويجب قضاؤه إجماعاً .
وما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( ليس من البِرّ الصيام في السفر ) (٣) .
وقال عليه السلام . ( الصائم في السفر كالمُفطر في الحضر ) (٤) .
ومن طريق الخاصة : قول معاوية بن عمّار : سمعته يقول : « إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزئه ، وعليه الإِعادة » (٥) .
وقال الصادق عليه السلام : « لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره » (٦) .
أمّا الندب ففي صحته في السفر قولان : أشهرهما : الكراهة ؛ لأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسن عليه السلام عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن سفر ، قال : « فريضة ؟ » فقلت : لا ولكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة ؛
__________________
(١) المجموع ٦ : ٢٦٤ .
(٢) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥ .
(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٤ و ١٦٦٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٠ ذيل الحديث ٧١٠ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٥ ـ ١٧٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٣٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٢ ، والمعجم الكبير للطبراني ١١ : ١٨٧ / ١١٤٤٧ و ١٢ : ٣٧٤ / ١٣٣٨٧ ، و ٤٤٦ / ١٣٦١٨ ، و ١٩ : ١٧١ ـ ١٧٥ / ٣٨٥ ـ ٣٩٩ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ٦٣ .
(٤) تاريخ بغداد ١١ : ٣٨٣ ، وبتفاوت يسير في سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٦ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٦٤٥ .
(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ٦٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٣ .
فقال : « تقول اليوم وغداً ؟ » قلت : نعم ؛ فقال : « لا تصم » (١) وأقلّ مراتب النهي الكراهة .
مسألة ٦٣ : يصحّ الصوم الواجب في السفر في مواضع :
أ ـ مَن نذر صوم زمان معيَّن ، وشرط في نذره صومه سفراً وحضراً ، فإنّه يجب صومه وإن كان مسافراً ؛ لقوله تعالى : ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) (٢) وللرواية (٣) .
ب ـ صوم ثلاثة أيام لبدل دم المتعة ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٤) .
ج ـ صوم ثمانية عشر يوماً لمن أفاض من عرفات عامداً عالماً قبل الغروب وعجز عن البدنة .
د ـ مَن كان سفره أكثر من حضره ، كالمُكاري والملّاح والبدوي وباقي الأصناف السابقة ، ومَنْ عزم على مُقام عشرة أيام ، أو كان سفره معصيةً . وقد تقدّم ذلك كلّه في كتاب الصلاة .
وأمّا ما عدا ذلك فيحرم صومه في السفر ؛ لأنّ عمّار الساباطي سأل الصادق عليه السلام ، عن الرجل يقول : لله علَيَّ أن أصوم شهراً أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فعرض له أمر لا بدّ له أن يسافر ، أيصوم وهو مسافر ؟ قال : « إذا سافر فلْيفطرْ ، لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضةً كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية » (٥) .
وهو نص في الباب ، وعمّار وإن كان فطحياً إلّا أنّه ثقة اعتمد الشيخ ـ رحمه الله ـ على روايته في مواضع .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٩٠ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٢ .
(٢) البقرة : ١٧٧ .
(٣) الكافي ٤ : ١٤٣ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ / ٣٣٠ .
(٤) البقرة : ١٩٦ .
(٥) التهذيب ٤ : ٣٢٨ / ١٠٢٢ .
مسألة ٦٤ : يستحب صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة ندباً وإن كان مسافراً، وهو مستثنى من كراهة صوم النافلة سفراً ؛ لضرورة السفر والمحافظة على الصوم في ذلك الموضع .
روى معاوية بن عمار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام ، صُمْتَ أول [ يوم ] (١) يوم الأربعاء وتصلّي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة ـ وهي الاسطوانة التي كان يربط اليها نفسه حتى ينزل عذره من السماء ـ وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس [ الاسطوانة ] (٢) التي تليها ممّا يلي مقام النبي صلّى الله عليه وآله ، ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الاسطوانة التي تلي مقام النبي صلّى الله عليه وآله ومصلّاه ليلة الجمعة ، فتصلّي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتكلّم بشيء في هذه الأيّام إلّا ما لا بدّ لك منه ولا تخرج من المسجد إلّا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار ، فافعل فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل » (٣) الحديث .
مسألة ٦٥ : المريض الذي يضرّه الصوم إمّا بزيادة أو استمرار أو منع برئه لا يجوز له الصوم ، فإن تكلّفه وصام ، لم يصح ؛ لأنّه منهي عنه بقوله تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٤) والنهي في العبادات (٥) يدلّ على الفساد .
ولو قدر على الصوم ولا ضرر عليه بسببه البتة ، وجب عليه الصوم .
مسألة ٦٦ : قد بيّنّا أنّ المغمى عليه يسقط عنه الصوم ، وقد اضطرب
__________________
(١ و ٢) زيادة من المصدر .
(٣) التهذيب ٦ : ١٦ / ٣٥ .
(٤) البقرة : ١٨٤ .
(٥) في « ط » : العبادة .
قول الشافعي فيه ، وأثبت الأصحاب (١) في المسألة له طريقين : إثبات الخلاف ونفيه .
أمّا المثبتون للخلاف فلهم طُرُق ، أظهرها : أنّ المسألة على ثلاثة أقوال ، أصحّها : أنّه إذا كان مُفيقاً في أول النهار (٢) ، صحّ صومه ـ وبه قال أحمد ـ لاقتضاء الدليل اشتراط النية مقرونةً بجميع أجزاء العبادة ، إلّا أنّ الشرع لم يشترط ذلك ، واكتفى بتقديم العزم ، دفعاً للعسر ، فلابدّ وأن يقع المعزوم عليه بحيث يتصوّر القصد ، وإمساك المغمى عليه لم يقع مقصوداً ، فإذا استغرق الإِغماء ، امتنع التصحيح ، وإذا وجدت الإِفاقة في لحظة ، أتبعنا زمان الإِغماء زمان الإِفاقة .
والثاني : اشتراط الإِفاقة في أول النهار ـ وبه قال مالك ـ لأنّها حالة الشروع في الصوم ، فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال ، ولهذا خصّ أول الصلاة باشتراط النية فيه (٣) .
والطريق الثاني : أنّه ليس في المسألة إلّا قولان : الأول والثاني .
والثالث (٤) : أنّ المسألة على خمسة أقوال : هذه الثلاثة وقولان آخران :
أحدهما ما ذكره المزني ، وهو : أنّه إذا نوى من الليل ، صحّ صومه وإن استغرق الإِغماء جميع النهار كالنوم . وخرَّجه من النوم . وبه قال أبو حنيفة .
والثاني : أنّه تشترط الإِفاقة في طرفي النهار وقت طلوع الشمس وغروب الشمس ؛ لأنّ الصلاة لمّا اعتبرت النية فيها ولم تعتبر في جميعها اعتبرت في
__________________
(١) أي : الأصحاب من الشافعية .
(٢) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وهو متّحد مع القول الثاني الآتي بعد عدّة أسطر . ومن سياق العبارة ومراجعتنا للمصادر نستظهر أن تكون العبارة هكذا : في أول النهار أو وسطه أو آخره . أو : في جزء من النهار .
(٣) لم يذكر المصنّف ـ قدّس سرّه ـ القول الثالث لهم وهو : اشتراط الإِفاقة في جميع النهار . راجع : فتح العزيز ٦ : ٤٠٧ .
(٤) أي : الطريق الثالث .
طرفيها ، كذلك حكم الإِفاقة في الصوم .
وأمّا النافون للخلاف ، فلهم طريقان :
أحدهما : أنّ المسألة على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في أول النهار .
وأظهرهما : أنّ المسألة على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في جزء من النهار (١) .
ولو نوى من الليل ثم شرب مُرقداً فزال عقله نهاراً ، فالأقرب : وجوب القضاء .
ورتّب الشافعية ذلك على الإِغماء ، فإن قالوا : لا يصحّ الصوم في الإِغماء ، فهنا أولى ، وإن قالوا : يصحّ ، فوجهان ، والأصحّ عندهم : وجوب القضاء ؛ لأنّه بفعله (٢) .
ولو شرب المسكر ليلاً وبقي سُكره في جميع النهار ، فعليه القضاء ، وإن بقي بعض النهار ثم صحا ، فهو كالإِغماء في بعض النهار عند الشافعية (٣) .
وقد رتّب الجويني للاختلال مراتب :
أ ـ الجنون ، وهو يسلب خواص الإِنسان ويكاد يلحقه بالبهائم .
ب ـ الإِغماء ، وهو يغشى العقل ويغلب عليه حتى لا يبقى في دفعه اختيار .
ج ـ النوم ، وهو مزيل للتميز لكنه سهل الإِزالة ، والعقل معه كالشيء المستور الذي يسهل الكشف عنه .
د ـ الغفلة ، ولا أثر لها في الصوم إجماعاً (٤) .
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ .
(٢ و ٣) فتح العزيز ٦ : ٤٠٨ .
(٤) فتح العزيز ٦ : ٤٠٨ ـ ٤٠٩ .
الفصل السادس في الزمان الذي يصحّ صومه
مسألة ٦٧ : محلّ الصوم إنّما هو النهار دون الليل ؛ للنصّ والإِجماع .
قال الله تعالى : ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (١) .
وأجمع المسلمون كافة على ذلك .
ولو نذر صوم الليل ، لم ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر الصوم في الليل وليس محلاً له ، فلم يكن الإِمساك فيه عبادة شرعية ، فلا ينعقد .
ولا فرق بين أن يُفرده عن النهار في الصوم أو يضمّه إليه ؛ لأنّه لا يصحّ صومه بانفراده ، فلا يصح منضمّاً الى غيره ، ولا ينعقد صوم النهار حينئذٍ ؛ لأنّ المجموع لا يصحّ صومه ، ولا ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر معصية ، فلا ينعقد نذر صوم النهار .
مسألة ٦٨ : ويحرم صوم يومي العيدين في فرض أو نفل ، فإن صام واحداً منهما أو صامهما ، فعل مُحرّماً ، ولم يجزئه عن الفرض بإجماع علماء
__________________
(١) البقرة : ١٨٧ .
الأمصار ؛ لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، نهى عن صيام يومين : يوم فطر ويوم أضحى (١) ، والنهي يدلّ على التحريم .
ومن طريق الخاصة : ما رواه الزهري عن سيد العابدين عليه السلام ، قال في حديث طويل ذكر فيه وجوه الصيام : « وأمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى » (٢) الحديث .
مسألة ٦٩ : لو نذر صوم يومي العيدين ، لم ينعقد نذره ولم يصر العيد قابلاً لإِيقاع الصوم فيه باعتبار النذر ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّه محرَّم شرعاً إجماعاً ، فلا يصح نذره .
ولأنّه معصية ؛ لأنّه منهي عنه ؛ لقوله عليه السلام : ( ألا لا تصوموا هذه الأيام ) (٤) فلا يتقرّب بالنذر فيه الى الله تعالى ؛ لتضادّ الوجهين .
ولقوله عليه السلام : ( لا نذر في معصية ) (٥) .
ولأنّه نذر صوماً محرَّماً فلم ينعقد ، كما لو نذرت صوم أيام حيضها .
ولأنّ ما لا يصحّ صومه عن النذر المطلق والكفّارة لا يصحّ عن النذر المعيّن فيه كأيّام الحيض والنفاس .
وقال أبو حنيفة : صومه محرَّم ، ولو نذره انعقد ، ولزمه أن يصوم غيره ، وإن صام فيه أجزأه ـ ولو صام فيه عن نذر مطلق ، لم يجزئه ـ لأنّه نذر صوم يوم مع أهليته للصوم فيه ، فانعقد نذره كسائر الأيام (٦) .
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٩٩ / ١١٣٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٧ .
(٢) الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٥ .
(٣) المجموع ٨ : ٤٨٢ ، الوجيز ٢ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٦ .
(٤) سنن الدارقطني ٢ : ١٨٧ / ٣٣ ، و ٢١٢ / ٣٣ .
(٥) سنن أبي داود ٣ : ٢٣٢ / ٣٢٩٠ و ٢٣٣ / ٣٢٩٢ ، سنن الترمذي ٤ : ١٠٣ ـ ١٠٤ / ١٥٢٤ و ١٥٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٨٦ / ٢١٢٤ و ٢١٢٥ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦ ـ ٣٠ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٤ : ٣٠٥ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٩ .
(٦)
المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٥ ـ ٩٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩ ـ ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١
:
ونمنع أهليته للصوم ؛ لورود النهي عنه (١) .
مسألة ٧٠ : ويحرم صوم أيام التشريق ـ وهي الحادي عشر من ذي الحجة والثاني عشر والثالث عشر ـ لمن كان بمنى خاصة في الفرض والنفل عند علمائنا .
وقد قال أكثر أهل العلم بأنّه لا يحلّ صيامها تطوّعاً (٢) ؛ لأنّ العامة روت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجل ) (٣) .
وعن عبدالله بن حذافة قال : بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أيام منى اُنادي : أيّها الناس إنّها أيام أكل وشرب وبعال (٤) (٥) ؛ يعني أيام التشريق .
ومن طريق الخاصة : رواية الزهري عن زين العابدين عليه السلام : « وأما صوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق » (٦) .
وأمّا صومها في الفرض : فعندنا أنّه لا يجوز ؛ لما تقدّم من الأخبار من طريق العامة والخاصة ، وبه قال أبو حنيفة (٧) .
وقال مالك : يجوز (٨) .
__________________
١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٠ و ٨ : ٤٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ ـ ٤١٠ و ٤١٦ ، المغني ١١ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ١١ : ٣٤٨ .
(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٩٩ / ١١٣٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٧ .
(٢) المغني ٣ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١١١ ـ ١١٢ .
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ / ١١٤١ ، مسند أحمد ٥ : ٧٥ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١١١ .
(٤) البعال : النكاح وملاعبة الرجل أهله . النهاية لابن الأثير ١ : ١٤١ .
(٥) سنن الدارقطني ٢ : ٢١٢ / ٣٢ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ١٠٤ .
(٦) الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٥ .
(٧) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩ ، المجموع ٦ : ٤٤٥ .
(٨) بداية المجتهد ١ : ٣٠٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ و ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، المجموع ٦ : ٤٤٥ .
وللشافعي قولان : القديم : الجواز ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهَدي ولم يَصُم الثلاثة في العَشر أن يصوم أيام التشريق . والجديد : التحريم (١) .
واعلم : أنّ بعض الشافعية خصّ جواز صومها بالمتمتّع في بدل الهدي ، ومنع غيره ؛ لأنّ النهي عام ، والرخصة وردت في حقّ المتمتّع خاصة ، وهو قول أكثرهم (٢) .
وقال بعضهم : إنّه يجوز صومها لغيره ؛ لأنّ تجويز صومها للمتمتّع إنّما كان لأنّه صوم له سبب ، فيجوز مثل هذا الصوم لكلّ أحد ، دون التطوّعات المحضة (٣) .
فروع :
أ ـ قيّد أصحابنا التحريم لمن كان بمنى ، فلو كان في غيرها من الأمصار ، لم يحرم صوم أيام التشريق عليه ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام ، عن الصائم (٤) أيام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا » (٥) .
ب ـ هل التحريم مطلق على من كان بمنى ، أو بشرط أن يكون ناسكاً ؟ فيه إشكال .
ج ـ لو نذر صوم أيام التشريق ، فإن كان بمنى ، لم ينعقد نذره ؛ لأنّه صوم محرَّم ، وان كان بغيرها ، صحّ .
د ـ قال الشيخ في النهاية : صوم ثلاثة أيام : يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فإن فاته صوم هذه ، فليصم يوم الحصبة ـ وهو يوم النفر ـ ويومان
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ ـ ٤١١ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، وراجع : سنن الدارقطني ٢ : ١٨٦ / ٢٩ .
(٢ و ٣) فتح العزيز ٦ : ٤١١ ـ ٤١٢ .
(٤) في التهذيب : صيام . وفي الاستبصار : الصيام .
(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩ .
بعده متواليات (١) .
ويشكل : بأنّ يوم الحصبة من جملة أيام التشريق .
مسألة ٧١ : لو نذر صوم يوم معيّن كالسبت مثلاً ، فاتّفق أنّه أحد العيدين ، أو أيام التشريق ، لم يجز صومه .
والأقوى : بطلان النذر ؛ لأنّه لم يصادف محلاً .
ويحرم صوم يوم الشك بنية أنّه من رمضان أو أنّه إن كان من رمضان ، كان واجباً ، وإن كان من غير رمضان (٢) ، كان ندباً ، وقد سبق (٣) ذلك كله .
* * *
__________________
(١) النهاية : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ .
(٢) في الطبعة الحجرية : من شعبان ؛ بدل من غير رمضان .
(٣) سبق في الفرع ( أ ) من المسألة ٨ .
الفصل السابع في أقسام الصوم
أقسام الصوم أربعة : واجب ومندوب ومكروه ومحظور
فالواجب من الصوم ستة : شهر رمضان والكفّارات ودم المتعة والنذر وشبهه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب ، فهنا مطالب :
الأول : في شهر رمضان ، وفيه مباحث :
البحث الأول : في علامته .
يعلم دخول شهر رمضان وغيره من الشهور بأحد اُمور ثلاثة : إمّا رؤية الهلال أو الإِخبار أو الحساب .
النظر الأول : في رؤية الهلال
مسألة ٧٢ : أجمع العلماء كافة على أنّ رؤية الهلال للزائد على الواحد سبب في وجوب الصوم في شهر رمضان ، وعلامة على دخوله .
قال الله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) (١) دلّ على أنّه تعالى اعتبر الأهلّة في تعرّف أوقات الحجّ وغيره ممّا
__________________
(١) البقرة : ١٨٩ .
يعتبر فيه الوقت .
وأجمع المسلمون من عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، الى زماننا هذا على اعتبار الهلال والترائي له ، والتصدّي لإِبصاره ، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يتصدّى لرؤيته ويتولّاها (١) .
وشرّع عليه السلام قبول الشهادة (٢) عليه ، والحكم في مَن شهد بذلك في مصر من الأمصار ، ومن جاء بالخبر من خارج المصر ، وحكم المخبر به في الصحو ، وخبر مَن شهد برؤيته مع العوارض ؛ وذلك يدلّ على أنّ رؤية الهلال أصل من اُصول الدين معلوم ضرورة من شرع الرسول عليه السلام ، والأخبار متواترة بذلك ، ولا نعلم فيه خلافاً .
وقد سئل الصادق عليه السلام عن الأهلّة ، فقال : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر » (٣) .
مسألة ٧٣ : ويلزم صوم رمضان مَن رأى الهلال وإن كان واحداً انفرد برؤيته ، سواء كان عدلاً أو غير عدل ، شهد عند الحاكم أو لم يشهد ، قُبلت شهادته أو ردّت ، ذهب اليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي (٤) ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) (٥) وتكليف الرسول صلّى الله عليه
__________________
(١) راجع : سنن الدارمي ٢ : ٣ ـ ٤ .
(٢) راجع : سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١٥٦ / ١ و ٣ و ١٥٨ ـ ١٥٩ / ٧ ـ ١٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٤٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٤ ـ ٥ .
(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٥٦ ـ ١٥٧ / ٤٣٤ ، الاستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠٤ .
(٤) المدونة الكبرى ١ : ١٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٠ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١ .
(٥)
صحيح مسلم ٢ : ٧٦٢ / ١٨ و ١٩ ، صحيح البخاري ٣ : ٣٥ ، سنن الترمذي ٣ :
وآله كما يتناول الواحد يتناول الجميع وبالعكس .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الأهلّة : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر » (١) .
ولأنّه يتيقّن أنّه من رمضان ، فلزمه صومه ، كما لو حكم به الحاكم .
ولأنّ الرؤية أبلغ في باب العلم من الشاهدَين ، بل الشاهدان يفيدان الظنّ ، والرؤية تفيد القطع ، فإذا تعلّق حكم الوجوب بأضعف الطريقين فبالأقوى أولى .
وقال عطاء والحسن وابن سيرين وإسحاق : إذا انفرد الواحد برؤية الهلال ، لا يصوم ـ وعن أحمد روايتان (٢) ـ لأنّه يوم محكوم به من شعبان ، فأشبه التاسع والعشرين (٣) .
ونمنع الحكم بكونه من شعبان في حق الرائي ؛ لأنّه يتيقّن أنّه من شهر رمضان ، فلزمه صيامه كالعدل .
إذا ثبت هذا ، فإن أفطر هذا المنفرد ، وجب عليه الكفّارة عند علمائنا أجمع ؛ لأنّه أفطر يوماً من رمضان ، فوجب عليه الكفّارة ، كما لو قُبلت شهادته .
وقال أبو حنيفة : لا تجب عليه الكفّارة ؛ لأنّها عقوبة ، فلا تجب بفعل مختلف فيه كالحد (٤) .
__________________
٧٢ / ٦٨٨ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣ و ١٣٦ و ١٥٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٢ و ٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٥٨ / ٧ و ١٦٠ ـ ١٦١ / ١٥ و ٢٠ و ١٦٢ ـ ١٦٣ / ٢٧ و ٢٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٧ .
(١) التهذيب ٤ : ١٥٥ / ٤٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٦٢ ـ ٦٣ / ٢٠٠ .
(٢) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١ .
(٣) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ .
(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٠ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، المغني ٣ : ٩٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٩ ـ ٤٥٠ .
ونمنع كون الكفّارة عقوبةً ، وينتقض قياسه بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه .
مسألة ٧٤ : يستحب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان ، وتطلّبه ؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم ، ويسلموا من الاختلاف .
وقد روى العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( احصوا هلال شعبان لرمضان ) (١) .
ومن طريق الخاصة : ما روي عن الباقر عليه السلام ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مَن ألحق في شهر رمضان يوماً من غيره متعمّداً ، فليس يؤمن بالله ولا بي » (٢) . .
ولأنّ الصوم واجب في أول رمضان ، وكذا الإِفطار في العيد ، فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب .
مسألة ٧٥ : يستحب لرائي الهلال الدعاء ؛ لأنّه انتقال من زمان الى آخر ، فاستحبّ فيه الدعاء بطلب الخير فيه .
روى العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يقول إذا رأى الهلال : (الله اكبر ، اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والتوفيق لما تحبّ وترضى ، ربّي وربّك الله ) (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه السلام : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان إذا أهلّ شهر رمضان ، استقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال : اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة (٤) ،
__________________
(١) سنن الدارقطني ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٣ / ٢٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٧١ / ٦٨٧ .
(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤ .
(٣) سنن الدارمي ٢ : ٣ ـ ٤ ، كنز العمّال ٨ : ٥٩٥ / ٢٤٣٠٩ نقلاً عن تأريخ ابن عساكر ، المعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٣٥٦ / ١٣٣٣٠ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٥ ، وقالا : رواه الأثرم .
(٤) جلّل الشيءُ ، أي : عمّ . لسان العرب ١١ : ١١٨ « جلل » .