الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
ويستحب له أن يشرب من زمزم إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا أفاض نزع (١) هو لنفسه بدلو من بئر زمزم ولم ينزع معه أحد ، فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج » (٣) .
مسألة ٦٩٦ : الحائض لا طواف عليها للوداع ولا فدية عليها بإجماع فقهاء الأمصار . ويستحب لها أن تودّع من أدنىٰ باب من أبواب المسجد ، ولا تدخله إجماعاً .
وروي عن عمر وابنه أنّهما قالا : تقيم الحائض لطواف الوداع (٤) .
وليس بمعتمد ؛ لما رواه العامّة : أنّ اُم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر ، فأذن لها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فخرجت (٥) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « إذا أرادت الحائض أن تودّع البيت فلتقف علىٰ أدنىٰ باب من أبواب المسجد فلتودّع البيت » (٦) .
__________________
(١) نزعت الدلو : إذا أخرجتها . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ٤١ « نزع » .
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه ، والموجود في المصادر التالية في صفة حجّ النبي صلىاللهعليهوآله هكذا : . . . ثم أفاض رسول الله صلىاللهعليهوآله إلىٰ البيت فصلّىٰ بمكّة الظهر ، ثم أتىٰ بني عبد المطلب وهم يسقون علىٰ زمزم فقال : ( انزعوا بني عبد المطلب ، فلو لا أن يغلبكم الناس علىٰ سقايتكم لنزعت معكم ) فناولوه دلواً فشرب منه . صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ ذيل الحديث ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٤٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٤٦ ـ ١٤٧ .
(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ ـ ٢٨١ / ٩٥٧ .
(٤) المغني ٣ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٥ .
(٥) الموطّأ ١ : ٤١٣ / ٢٢٩ .
(٦) الكافي ٤ : ٤٥٠ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩٨ / ١٣٨٣ .
ولأنّ إلزامها بالمقام مشقّة عظيمة .
والمستحاضة تودّع بطواف ، ولو فقدت الماء تيمّمت وطافت .
ولو طهرت الحائض قبل مفارقة بنيان مكّة ، استحبّ لها العود والاغتسال والطواف . وأوجبه الموجبون ، وإن كان بعد مفارقة البنيان ، لم تعد إجماعاً ؛ للمشقّة ، بخلاف مَنْ خرج متعمّداً ، فإنّه يعود ما لم يبلغ مسافة القصر ؛ لأنه ترك واجباً ، فلا يسقط بمفارقة البنيان ، وها هنا لم يجب ، فلا يجب بعد الانفصال إذا أمكن ، كما يجب علىٰ المسافر إتمام الصلاة في البنيان ، ولا يجب بعد الانفصال .
مسألة ٦٩٧ : يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يشتري بدرهم تمراً يتصدّق به ليكون كفّارةً لما دخل عليه حال الإحرام من فعل حرام أو مكروه .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « يستحبّ للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكّة حتىٰ يشتريا بدرهم تمراً يتصدّقان به لما كان منهما في إحرامهما ، ولما كان في حرم الله عزّ وجلّ » (١) .
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٩٠ / ١٤٣٠ .
الأول في الحصر والصدّ
وفيه مباحث :
الأوّل : في الصدّ .
مسألة ٦٩٨ : الحصر عندنا هو المنع من تتمّة أفعال الحجّ بالمرض خاصّة ، والصدّ بالعدوّ ، وعند العامّة هما واحد من جهة العدوّ (١) . والأصل عدم الترادف .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « المحصور غير المصدود ، فإنّ المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحلّ له » (٢) .
والقارن إذا اُحصر ، فليس له أن يتمتّع في القابل ، بل يفعل مثل ما دخل فيه .
مسألة ٦٩٩ : إذا أحرم الحاجّ ، وجب عليه إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة ، فإذا صدّه المشركون أو غيرهم عن الوصول إلىٰ مكّة بعد إحرامه ، ولا طريق له سوىٰ موضع الصدّ ، أو كان له طريق لا تفي نفقته بسلوكه ، تحلّل بالإجماع .
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧١ .
(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٧ .
قال الله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) أي : إذا اُحصرتم فتحلّلتم أو أردتم التحلّل فما استيسر من الهدي ؛ لأنّ نفس الإحصار لا يوجب هدياً .
وروىٰ العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر أصحابه يوم حُصروا في الحديبية ـ وهي اسم بئر خارج الحرم ـ أن ينحروا ويحلقوا ويحلّوا (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « المصدود تحلّ له النساء » (٣) .
وسواء كان الإحرام للحجّ أو العمرة وبأيّ أنواع الحجّ أحرم جاز له التحلّل مع الصدّ ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد (٤) ـ لعموم الآية (٥) .
ولأنّها نزلت في صدّ الحديبيّة ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله وأصحابه مُحْرمين بعمرة فتحلّلوا جميعاً .
وقال مالك : المعتمر لا يتحلّل ؛ لأنّه لا يخاف الفوات (٦) .
ولو كان له طريق غير موضع الصدّ ، فإن كان معه نفقة تكفيه ، لم يكن له التحلّل ، واستمرّ علىٰ إحرامه ، ووجب عليه سلوكها وإن بعدت ، سواء خاف الفوات أو لا .
__________________
(١) البقرة : ١٩٦ .
(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، المغني ٣ : ٣٧٤ .
(٣) الكافي ٤ : ٣٦٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ / ١٥١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٧ .
(٤) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، الاُمّ ٢ : ١٦٢ ، مختصر المزني : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، المجموع ٨ : ٢٩٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٧ .
(٥) البقرة : ١٩٦ .
(٦) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ .
فإن كان مُحرماً بعمرة لم تفت ، فلا يجوز له التحلّل ، وإن كان بحجٍّ ، صبر حتىٰ يتحقّق الفوات ثم يتحلّل بعمرة ، وليس له قبله التحلّل والإتيان بالعمرة بمجرّد خوف الفوات ؛ لأنّ التحلّل إنّما يجوز بالحصر لا بخوف الفوات ، وهذا غير مقصود هنا ، فإنّه يجب أن يمضي علىٰ إحرامه في ذلك الطريق ، فإذا أدرك الحجّ ، أتمّه ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة وقضاه .
ولو قصرت نفقته ، جاز له التحلّل ؛ لأنّه ممنوع مصدود ولا طريق له سوىٰ موضع المنع لعجزه عن الباقي ، فيتحلّل ويرجع إلىٰ بلده .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ورجع إلىٰ المدينة » (١) .
مسألة ٧٠٠ : المصدود يتحلّل بالهدي ونيّة التحلّل خاصّةً .
أمّا الهدي : فعليه فتوىٰ أكثر العلماء (٢) ؛ للآية (٣) .
قال الشافعي : لا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٤) نزلت في حصر الحديبيّة (٥) .
ولأنّه عليهالسلام حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ، ورجع إلىٰ المدينة (٦) ، وفِعْلُه بيان للواجب .
ولأنّه اُبيح له التحلّل قبل أداء نسكه ، فكان عليه الهدي ، كالفوات .
وقال ابن إدريس من علمائنا : الهدي مختصّ بالمحصور لا بالصدّ (٧) ؛
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٤٢٤ / ١٤٧٢ .
(٢) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .
(٣ و ٤) البقرة : ١٩٦ .
(٥) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .
(٦) التهذيب ٥ : ٤٢٤ / ١٤٧٢ .
(٧) كذا ، والظاهر : المصدود .
لأصالة البراءة ، ولقوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (١) أراد : بالمرض ؛ لأنّه يقال : أحصره المرض وحصره العدوّ (٢) . وبه قال مالك ؛ لأنّه تحلّل اُبيح له من غير تفريط فأشبه مَنْ أتمّ حجّه (٣) .
والفرق : أنّ مَنْ أتمّ حجّه لم يبق عليه شيء من النسك ، فتحلّله لأداء مناسكه ، بخلاف المصدود الذي لم يتم نسكه .
وأمّا النيّة : فلأنّه خروج من إحرام ، فيفتقر إليها ، كالداخل فيه . ولأنّ الذبح إنّما يختصّ بالتحلّل بالنيّة . ولأنّه عمل فيفتقر إلىٰ النيّة ، وبه قال الشافعي (٤) .
ولو نوىٰ التحلّل قبل الهدي ، لم يتحلّل ، وكان علىٰ إحرامه حتىٰ ينحر الهدي ؛ لأنّه اُقيم مقام أفعال الحجّ ، فلا يحلّ له ، كما لا يتحلّل القادر علىٰ أفعال الحجّ قبل فعلها ، ولا فدية عليه في نيّة التحلّل ، لعدم تأثيرها في العبادة ، فإن فَعَل شيئاً من محظورات الإحرام قبل الهدي ، فعليه الفداء ؛ لأنّه مُحْرم فَعَلَ محظوراً في إحرام صحيح ، فكان عليه فديته ، كالقادر .
مسألة ٧٠١ : لا بدل لهدي التحلّل ، فلو عجز عنه وعن ثمنه ، لم ينتقل إلىٰ غيره ، ويبقىٰ علىٰ إحرامه ، ولو تحلّل لم يحلّ ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين (٥) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا
__________________
(١) البقرة : ١٩٦ .
(٢) السرائر : ١٥١ .
(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ و ٣٥٧ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٣ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠ .
(٤) فتح العزيز ٨ : ١٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٤ .
(٥) تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ ، فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ .
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (١) ولو كان الصوم أو الإطعام بدلاً ، لجاز الحلق قبل الهدي .
ولأنّ الهدي اُقيم مقام الأعمال ولو قدر علىٰ الأعمال لم يتحلّل إلّا بها ، فإذا عجز لا يتحلّل إلّا ببدلها .
والقول الثاني للشافعي ـ وهو الصحيح عندهم ـ : إنّه يتحلّل في الحال ، فينتقل إلىٰ صوم التعديل في قول ، وفي آخر : إلىٰ الإطعام ، وفي ثالث : إلىٰ الصوم ، ويحلّ به ، وهو أن يقوّم شاة وسط بالطعام ، فيصوم بإزاء كلّ مُدٌّ يوماً ، وفي رابع : يتخيّر بين الإطعام والصيام (٢) .
وعلىٰ قوله الأوّل بعدم الانتقال يكون في ذمّته ، ففي جواز التحلّل حينئذٍ له قولان : أحدهما : أنّه يبقىٰ مُحْرماً إلىٰ أن يهدي ، والثاني ـ وهو الأشبه ـ أنّه يحلّ ثم يهدي إذا وجد (٣) .
وقال أحمد : إنّه ينتقل إلىٰ صيام عشرة أيّام (٤) .
إذا عرفت هذا ، فإذا ذبح هل يجب عليه الحلق أو التقصير أم لا ؟ قال أحمد في إحدىٰ الروايتين : لا بدّ مَنْ أحدهما ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله حلق يوم الحديبيّة (٥) (٦) .
__________________
(١) البقرة : ١٩٦ .
(٢) فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧ .
(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٤ .
(٤) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ ، فتح العزيز ٨ : ٨٠ .
(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢١٤ .
(٦) المغني ٣ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٥ .
ويحتمل العدم ؛ لأنّه تعالىٰ ذكر الهدي وحده ، ولم يشرط سواه .
إذا ثبت هذا ، فلو كان المصدود قد ساق هدياً في إحرامه قبل الصدّ ثم صُدّ ، ففي الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل قولان : أحدهما : الاكتفاء ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (١) .
وقيل : لا بدّ من هدي آخر للسياق كما لو لم يسق .
مسألة ٧٠٢ : لا يختصّ مكان ولا زمان لنحر هدي التحلّل وذبحه في المصدود ، بل يجوز نحره في موضع الصدّ ، سواء الحلّ والحرم ، ومتىٰ صُدّ جاز له الذبح في الحال ، والإحلال ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (٢) ولم يعيّن زماناً خصوصاً مع الإتيان بالفاء ـ وبه قال مالك والشافعي (٣) ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله نحر بالحديبيّة (٤) ، وهي خارج الحرم .
ولأنّه يؤدّي إلىٰ تعذّر الحلّ ؛ لتعذّر وصول الهدي محلّه مع مقاومة العدوّ .
وقال الصادق عليهالسلام : « المحصور والمضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه » (٥) .
وقال الحسن وابن مسعود والشعبي والنخعي وعطاء وأبو حنيفة : لا ينحر إلّا بالحرم يبعث به ويواطئ مَنْ بعثه معه علىٰ نحره في وقت يتحلّل فيه ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٦) ثمّ
__________________
(١ و ٢) البقرة : ١٩٦ .
(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، التمهيد ١٢ : ١٥٠ و ١٥ : ٢١٤ ، فتح العزيز ٨ : ١٧ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠ .
(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢١٤ و ٢١٧ .
(٥) الفقيه ٢ : ٣٠٥ / ١٥١٣ .
(٦) البقرة : ١٩٦ .
قال : ( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) (٢) .
والآية في حقّ غير المصدود ، ولا يمكن قياس المصدود عليه ؛ لأنّ تحلّله في الحِلّ ، وتحلّل غيره في الحرم .
مسألة ٧٠٣ : لو صُدّ عن مكّة قبل الموقفين ، فهو مصدود إجماعاً ، يجوز له التحلّل . ولو صُدّ عن الموقفين ، فكذلك عندنا ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لعموم الآية (٤) .
وقال أبو حنيفة ومالك : ليس له أن يتحلّل ، وليس بمصدود ، بل إن قدر علىٰ الأداء ، أدّىٰ ، وإن دام العجز حتىٰ مضىٰ الوقت ، فحكمه حكم مَنْ فاته الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ؛ لأنّ العجز في الحرم ليس مثل العجز خارج الحرم (٥) .
ويبطل بقوله [ تعالىٰ ] : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٦) وهو عامّ .
ولو مُنع عن أحد الموقفين ، قال الشيخ رحمهالله : إنّه مصدود (٧) أيضاً .
ولو مُنع بعد الوقوف بالموقفين عن العود إلىٰ منىٰ لرمي الجمار والمبيت بها فلا صدّ ، وقد تمّ حجّه فيتحلّل ويستنيب مَنْ يرمي عنه .
__________________
(١) الحج : ٣٣ .
(٢) المغني ٣ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، التمهيد ١٢ : ١٥٠ و ١٥ : ٢١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٩ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٧٢ .
(٣) فتح العزيز ٨ : ٦٠ ، المجموع ٨ : ٣٠١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٩ .
(٤) البقرة : ١٩٦ .
(٥) فتح العزيز ٨ : ٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٩ .
(٦) البقرة : ١٩٦ .
(٧) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٣ .
ولو صُدّ بعد الوقوف بالموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، تحلّل أيضاً ؛ لأنّ الصدّ يفيد التحلّل من جميعه فمن بعضه أولىٰ . وله أن يبقىٰ علىٰ إحرامه ، فإن لحق أيّام منىٰ ، رمىٰ وحلق وذبح ، وإن لم يلحق ، أمر مَنْ ينوب عنه في ذلك ، فإذا تمكّن ، أتىٰ مكة فطاف طواف الحجّ وسعىٰ وتمّ حجّه أيضاً ، ولا قضاء عليه ، وإن لم يُقم علىٰ إحرامه حتىٰ يطوف ويسعىٰ وتحلّل ، كان عليه الحجّ من قابل ليأتي بأركان الحجّ من الطواف والسعي ، أمّا لو طاف وسعىٰ ومُنع من المبيت بمنىٰ والرمي ، فإنّ حجّه تامّ ؛ لما تقدّم .
ولو تمكّن من المبيت (١) وصُدّ عن الموقفين أو عن أحدهما ، جاز له التحلّل ؛ للعموم (٢) ، فإن لم يتحلّل وأقام علىٰ إحرامه حتىٰ فاته الوقوف ، فقد فاته الحجّ ، وعليه التحلّل (٣) بعمرة ، ولا دم عليه لفوات الحجّ .
وهل يجوز له فسخ نيّة الحجّ إلىٰ العمرة قبل الفوات ؟ إشكال ، قال به بعض الجمهور (٤) ؛ لأنّا أبحنا له ذلك من غير صدّ ، فمعه أولىٰ . ولا دم عليه .
ولو طاف وسعىٰ للقدوم ثم صُدّ حتىٰ فاته الحجّ ، طاف وسعىٰ ثانياً لعمرة اُخرىٰ ، ولا يجتزئ بالأوّل ؛ لأنّه لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها بل يجتزئ بالإحرام الأوّل ، ولا يجدّد إحراماً آخر ، وبه قال أحمد والشافعي وأبو ثور (٥) .
__________________
(١) أي : المبيت بمنىٰ . والظاهر أنّها تصحيف البيت .
(٢) البقرة : ١٩٦ .
(٣) في الطبعة الحجرية : وعليه أن يتحلّل .
(٤) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ .
(٥) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ .
وقال مالك : يخرج إلىٰ الحِلّ ، فيفعل ما يفعله المعتمر (١) .
وقال الزهري : لا بدّ أن يقف بعرفة (٢) .
وقال محمد بن الحسن : لا يكون محصراً بمكّة (٣) .
مسألة ٧٠٤ : إذا تحلّل وفاته الحجّ ، وجب عليه القضاء في القابل إن كان الحجّ الفائت واجباً ، كحجّة الإسلام والنذر وغيره ، ولا يجب قضاء النفل عند علمائنا . وكذا العمرة يجب قضاء الواجب منها ، كعمرة الإسلام والنذر وغيره ، ولو كانت نفلاً ، لم يجب القضاء ؛ لأصالة براءة الذمّة .
وقال الشافعي : لا قضاء عليه بالتحلّل ، فإن كانت حجّة تطوّع أو عمرة تطوّع ، لم يلزمه قضاؤها بالتحلّل ، وإن كانت حجّة الإسلام أو عمرته وكانت قد استقرّت في ذمّته قبل هذه السنة ، فإذا خرج منها بالتحلّل ، فكأنّه لم يفعلها ، وكان باقياً في ذمّته علىٰ ما كان عليه ، وإن وجبت في هذه السنة ، سقط وجوبها ولم يستقرّ ؛ لفقدان بعض شرائط الحجّ ، فحينئذٍ التحلّل بالصدّ لا يوجب القضاء بحال (٤) . وبه قال مالك وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٥) .
وقال أبو حنيفة : إذا تحلّل ، لزمه القضاء ، ثم إن كان إحرامه بعمرة مندوبة ، قضاها واجباً ، وإن كان بحجّة مندوبة فاُحصر ، تحلّل ، وعليه أن يأتي بحجّة وعمرة ، وإن كان قرن بينهما فاُحصر وتحلّل ، لزمه حجّة
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٧ .
(٢ و ٣) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ .
(٤) فتح العزيز ٨ : ٥٦ ـ ٥٧ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩ .
(٥) المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، فتح العزيز ٨ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ .
وعمرتان : عمرة لأجل العمرة ، وحجّة وعمرة لأجل الحجّ (١) .
ويجيء علىٰ مذهبه : إذا أحرم بحجّتين ، فإنّه ينعقد بهما ، وإنّما ينتقص عن أحدهما إذا أخذ في السير ، فإن اُحصر قبل أن يسير ، تحلّل منهما ، ولزمه حجّتان وعمرتان (٢) .
مسألة ٧٠٥ : لا فرق بين الصدّ العامّ ـ وهو الذي يصدّه المشركون وأصحابه ـ وبين الصدّ الخاصّ ، كالمحبوس بغير حقّ ومأخوذ اللصوص وحده ؛ لعموم النصّ (٣) ، ووجود المقتضي لجواز التحلّل ، وكذا يجب القضاء في كلّ موضع يجب فيه الصدّ العامّ ، وما لا يجب هناك لا يجب هنا ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لأصالة البراءة ، والعمومات . وفي الثاني : يجب القضاء (٥) .
والمحبوس بدَيْنٍ إن كان قادراً علىٰ أدائه ، فليس بمصدود ، وليس له التحلّل ، وإن كان عاجزاً ، تحلّل . وكذا يتحلّل لو حُبس ظلماً .
ولو كان عليه دَيْنٌ مؤجّل يحلّ قبل قدوم الحاجّ فمنعه صاحبه من الحجّ ، كان له التحلّل ؛ لأنّه معذور ؛ لعجزه .
ولو أحرم العبد مطلقاً أو الزوجة تطوّعاً بغير إذن السيّد والزوج ، كان لهما منعهما من الإتمام ، وتحلّلا من غير دم .
__________________
(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٢ ـ ١٨٣ ، فتح العزيز ٨ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٢ ، المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩ .
(٢) كما في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩ .
(٣) البقرة : ١٩٦ .
(٤ و ٥) الوجيز ١ : ١٣٠ ، فتح العزيز ٨ : ٥٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ .
وكلّ موضع جوّزنا فيه التحلّل من إحرام الحجّ يجوز التحلّل من إحرام العمرة ، وهو قول أكثر العلماء (١) ، خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لا يحلّ من إحرام العمرة ؛ لأنّها لا تفوت (٢) .
مسألة ٧٠٦ : يستحب له تأخير الإحلال ؛ لجواز زوال العذر ، فإذا أخّر وزال العذر قبل تحلّله ، وجب عليه إتمام نسكه إجماعاً ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (٣) .
ولو خشي الفوات ، لم يتحلّل ، وصبر حتىٰ يتحقّق ثم يتحلّل بعمرة . فلو صابر ففات الحجّ ، لم يكن له التحلّل بالهدي بل بعمرة ، ويقضي واجباً إن كان واجباً ، وإلّا فلا .
ولو فات الحجّ ثم زال الصدّ بعده ، قال بعض العامّة : يتحلّل بالهدي ، وعليه هدي آخر للفوات (٤) .
وقال الشيخ رحمهالله : يتحلّل بعمرة ، ولا يلزمه دم لفوات الحجّ (٥) .
ولو غلب علىٰ ظنّه انكشاف العدوّ قبل الفوات ، جاز له أن يتحلّل ؛ للعموم (٦) ، لكنّ الأفضل البقاء علىٰ إحرامه ، فإن فات الوقوف ، أحلّ بعمرة .
ولو أفسد حجّه فصُدّ ، كان عليه بدنة ، ودم التحلّل ، والحجّ من قابل .
ولو انكشف العدوّ في وقت يتّسع لاستئناف القضاء ، وجب ، وهو
__________________
(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .
(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .
(٣) البقرة : ١٩٦ .
(٤) المغني ٣ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ .
(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٣ .
(٦) البقرة : ١٩٦ .
حجّ يقضي لسنته ، ولو ضاق الوقت ، قضىٰ من قابل .
وإن لم يتحلّل من الفاسد ، فإن زال الصدّ والحجّ لم يفت ، مضىٰ في الفاسد ، وتحلّل ، كالصحيح ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة ، وتلزمه بدنة للإفساد ، ولا شيء عليه للفوات . والقضاء من قابل واجب ، سواء كان الحجّ واجباً أو ندباً .
ولو كان العدوّ باقياً ، فله التحلّل ، فإذا تحلّل ، لزمه دم التحلّل وبدنة الإفساد ، والقضاء من قابل ، وليس عليه أكثر من قضاء واحد .
ولو صُدّ فأفسد حجّه ، جاز له التحلّل ؛ للعموم (١) ، وعليه دم التحلّل ، وبدنة للإفساد ، والحجّ ، ويكفيه قضاء واحد .
مسألة ٧٠٧ : ينبغي للمُحْرم أن يشترط علىٰ ربّه حالة الإحرام ـ خلافاً لمالك (٢) ـ فإذا شرط في ابتداء إحرامه أن يحلّ متىٰ مرض ، أو ضاعت نفقته أو نفدت ، أو منعه ظالم ، أو غير ذلك من الموانع ، فإنّه يحلّ متىٰ وجد ذلك المانع .
وفي سقوط هدي التحلّل قولان .
والشرط لا يؤثّر في سقوط القضاء إن كان الحجّ واجباً ، خلافاً لبعض العامّة (٣) .
وينبغي أن يشترط ما لَه فائدة . ولو قال : أن تحلّني حيث شئت ، فليس له ذلك .
ولو قال : أنا أرفض إحرامي وأحلّ ، فلبس وذبح الصيد [ وعمل
__________________
(١) البقرة : ١٩٦ .
(٢) تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٥ ، المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ .
(٣) المغني ٣ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٩ .
غيرهما ] (١) من تروك الإحرام من غير صدّ أو حصر ، لم يحلّ ، ووجبت الكفّارة ؛ لأنّ الإحرام لا يفسد برفضه ؛ لأنّه عبادة لا يخرج منها بالفساد ، فلا يخرج منها برفضها ، بخلاف سائر العبادات التي يخرج منها بإفسادها ، كالصلاة .
وإن وطئ قبل الموقفين ، أفسد حجّه ، ووجب إتمامه ، وبدنة ، والحجّ من قابل ، سواء كان الوطء قبل ما فَعَله من الجنايات أو بعده ، فإنّ الجناية علىٰ الإحرام الفاسد توجب الجزاء ، كالجناية علىٰ الإحرام الصحيح ، وليس عليه لرفضه شيء ؛ لأنّه مجرّد نيّة لم تؤثّر شيئاً .
مسألة ٧٠٨ : العدوّ الصادّ إن كان مسلماً ، فالأولىٰ الانصراف عنه ؛ لأنّ في قتاله مخاطرةً بالنفس والمال ، إلّا أن يدعوهم الإمام أو نائبه إلىٰ قتالهم ، ويجوز قتالهم ؛ لأنّهم تعدّوا علىٰ المسلمين بمنعهم الطريق . وإن كانوا مشركين ، لم يجب علىٰ الحاجّ قتالهم .
قال الشيخ رحمهالله : وإذا لم يجب قتالهم ، لم يجز ، سواء كانوا قليلين أو كثيرين (٢) .
وللشافعي قول بوجوب القتال (٣) إذا لم يزد عدد الكفّار علىٰ الضِّعْف (٤) .
والوجه : أنّه إذا (٥) غلب ظنّ المسلمين بالغلبة ، جاز قتالهم ، ويجوز
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : وغيره . وما أثبتناه يقتضيه السياق .
(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٤ .
(٣) في الطبعة الحجرية : قتالهم .
(٤) فتح العزيز ٨ : ٥ ، المجموع ٨ : ٢٩٥ .
(٥) في « ق ، ك » : إن .
تركه ، فيتحلّل الحاجّ .
ولو ظنّ المسلمون الانقهار ، لم يجز قتالهم ؛ لئلّا يغزوا بالمسلمين ، فلو احتاج الحاجّ إلىٰ لبس السلاح وما تجب فيه الفدية لأجل الحرب ، جاز ، وعليهم الفدية ، كما لو لبسوا (١) لدفع الحرّ والبرد . ولو قتلوا أنفساً (٢) وأتلفوا مالاً ، لم يضمنوا .
ولو قتل المسلمون صيد الكفّار ، كان عليهم الجزاء لله ، ولا قيمة للكفّار ؛ إذ لا حرمة لهم .
ولو بذل العدوّ الطريق وكانوا معروفين بالغدر ، جاز التحلّل والرجوع ، وإلّا فلا . ولو طلب العدوّ مالاً لتخلية الطريق ، فإن لم يوثق بهم ، لم يجب بذله إجماعاً ؛ لبقاء الخوف ، وإن كانوا مأمونين ، فإن كثر ، لم يجب ، بل يكره إن كان العدوّ كافراً ؛ لما فيه من الصغار وتقوية الكفّار ، وإن قلّ ، قال الشيخ : لا يجب بذله (٣) ، كما لا يجب في ابتداء الحجّ بذل مال ، بل يتحلّل .
مسألة ٧٠٩ : إذا تحلّل المصدود بالهدي ، فإن كان الحجّ واجباً ، قضىٰ ما تحلّل منه ، إن كان حجّاً ، وجب عليه حجّ لا غير ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّه اُحصر عن الحجّ ، فلا يلزمه غيره ، كمن اُحصر عن العمرة لا يلزمه غيرها .
وقال أبو حنيفة : يجب عليه حجّ وعمرة معاً ؛ لأنّ المصدود فائت
__________________
(١) في الطبعة الحجرية : لبس .
(٢) كذا ، والظاهر : نفساً .
(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٤ .
(٤) مختصر المزني : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٢ ، فتح العزيز ٨ : ٥٧ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ .
الحجّ ، وفائت الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ، فإذا لم يأت بأفعال العمرة في الحال ، يجب عليه قضاؤها (١) .
ونمنع مساواة الصدّ لفائت الحجّ .
والصدّ قد يتحقّق في العمرة ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لقوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٣) ذكر ذلك عقيبهما ، فينصرف إلىٰ كلٌّ منهما .
وسُئل ابن مسعود عن معتمر لُدغ ، فقال : ابعثوا عنه هدياً ، فإذا ذُبح عنه فقد حلّ (٤) .
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا صُدّ كان معتمراً (٥) .
وقال مالك : لا يتحقّق ؛ لأنّه ليس للعمرة وقت معلوم ، فيمكنه اللبث إلىٰ أن يزول الإحصار ثم يؤدّي (٦) .
وهو يستلزم الحرج ؛ لعدم العلم بالغاية .
مسألة ٧١٠ : إذا صُدّ عن المضيّ إلىٰ مكّة أو الموقفين ، كان له التحلّل بالهدي علىٰ ما تقدّم (٧) .
هذا إذا منع من المضيّ ، دون الرجوع والسير في صوب آخر ، وأمّا إذا أحاط العدوّ بهم من جميع الجهات كلّها ، فكذلك عندنا ـ وهو أصحّ
__________________
(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٢ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٦ .
(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٧ .
(٣) البقرة : ١٩٦ .
(٤) شرح معاني الآثار ٢ : ٢٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٢١ .
(٥) فتح العزيز ٨ : ٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢١٦ .
(٦) اُنظر : فتح العزيز ٨ : ٤ ، والمغني ٣ : ٣٧٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .
(٧) تقدّم في المسألة ٧٠٣ .
قولي الشافعي (١) ـ لأنّهم يستفيدون به الأمن من العدوّ الذي بين أيديهم .
والثاني : ليس لهم التحلّل ؛ لأنّهم لا يستفيدون به أمناً ، فأشبه المريض ليس له التحلّل (٢) .
والأصل ممنوع .
ولا بدل لهدي التحلّل علىٰ ما تقدّم (٣) ، خلافاً للشافعي في أحد قوليه (٤) ، وعلىٰ القولين لا بدّ من نيّة التحلّل (٥) .
وهل يجب الحلق ؟ للشافعي قولان : إن قلنا : إنّه نسك ، فنعم ، وإلّا فلا ، فخرج من هذا أنّا إذا اعتبرنا الذبح والحلق مع النيّة ، فالتحلّل يحصل بثلاثتها ، وإن أخرجنا الذبح عن الاعتبار ، فالتحلّل يحصل بالحلق مع النيّة أو بمجرّد النيّة ؟ فيه وجهان (٦) .
مسألة ٧١١ : إحرام العبد منعقد ، سواء كان بإذن السيّد أو بدونه .
ثمّ إن أحرم بإذنه ، لم يكن له تحليله ، سواء بقي نسكه صحيحاً أو أفسده . ولو باعه والحال هذه ، لم يكن للمشتري تحليله ، لكن له الخيار مع جهله بإحرامه .
وإن أحرم بغير إذنه ، يستحب له الإذن في الإتمام ، وله تحليله ؛ لأنّ
__________________
(١ و ٢) فتح العزيز ٨ : ٧ ـ ٨ ، المجموع ٨ : ٢٩٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٨ .
(٣) تقدّم في المسألة ٧٠١ .
(٤) فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧ .
(٥ و ٦) فتح العزيز ٨ : ١٦ ، المجموع ٨ : ٣٠٤ .