الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
فأوجب الوقوف في النصف الثاني من الليل ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر اُمّ سلمة ، فأفاضت في النصف الأخير من المزدلفة (١) .
ونحن نقول بموجبه ، فإنّ المعذورين ـ كالنساء والصبيان والخائف ـ يجوز لهم الإفاضة قبل طلوع الفجر .
مسألة ٥٤٦ : يستحب أن يقف بعد أن يصلّي الفجر ، ولو وقف قبل الصلاة بعد طلوع الفجر ، أجزأه ؛ لأنّه وقت مضيّق ، فاستحبّ البدأة بالصلاة .
ويستحب الدعاء بالمنقول ، ثم يفيض حين يشرق ثبير (٢) ، وترىٰ الإبل مواضع أخفافها في الحرم ، رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام (٣) .
ويستحب أن يكون متطهّراً .
قال الصادق عليهالسلام : « أصبح علىٰ طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريباً من الجبل ، وإن شئت حيث تبيت » (٤) الحديث .
ولو وقف جنباً أو مُحْدثاً ، أجزأه إجماعاً .
ويستحبّ له أن يصلّي الفجر في أوّل وقته ؛ لازدحام الناس طلباً للوقوف والدعاء ، بخلاف الحصر .
مسألة ٥٤٧ : يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام .
قال الشيخ رحمهالله : المشعر الحرام جبل هناك يسمّىٰ قُزَح (٥) .
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٤ / ١٩٤٢ .
(٢) ثبير : جبل بمكة . معجم البلدان ٢ : ٧٣ .
(٣ و ٤) الكافي ٤ : ٤٦٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٩١ ـ ٦٣٥ .
(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٦٨ ، وفيه : فراخ ، وهي تصحيف .
ويستحب الصعود عليه وذكر الله تعالىٰ عنده .
قال الله تعالىٰ : ( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) (١) .
وأردف رسول الله صلىاللهعليهوآله ، الفضل بن العباس ووقف علىٰ قُزح ، وقال : ( هذا قُزَح ، وهو الموقف ، وجَمْع كلّها موقف ) (٢) .
وروىٰ العامّة عن جعفر بن محمد عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام عن جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ركب القَصْواء حتىٰ أتىٰ المشعر الحرام ، فرَقِيَ عليه واستقبل القبلة فحمد الله وهلّله وكبّره ووحّده ، فلم يزل واقفاً حتىٰ أسفر جدّاً (٣) .
قال الصادق عليهالسلام : « يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام ، وأن يدخل البيت » (٤) .
البحث الثالث : في الأحكام .
مسألة ٥٤٨ : الوقوف بالمشعر الحرام ركن من أركان الحجّ يبطل الحجّ بتركه عمداً ، عند علمائنا ، وهو أعظم من الوقوف بعرفة ، عند علمائنا ـ وبه
__________________
(١) البقرة : ١٩٨ .
(٢) كذا ، وفي سنن الترمذي ٣ : ٢٣٢ / ٨٨٥ ورد هكذا : . . . وأردف اُسامة بن زيد ـ إلىٰ أن قال ـ وقال : ( هذا قُزَح ) ـ إلىٰ آخره ، إلىٰ أن قال ـ : وأردف الفضل ثم أتىٰ الجمرة . . . انتهىٰ ، وكذا في سنن البيهقي ٥ : ١٢٢ إلىٰ قوله صلىاللهعليهوآله : ( وجَمْع كلّها موقف ) . ونحوه في صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ ـ ٨٩١ / ١٢١٨ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ .
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٦٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٩١ / ٦٣٦ .
قال علقمة والشعبي والنخعي (١) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) (٢) .
وما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( مَنْ ترك المبيت بالمزدلفة فلا حجّ له ) (٣) .
ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام « وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإنّ الله تعالىٰ أعذر لعبده ، وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ ، فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحجّ من قابل » (٤) .
وقال باقي العامّة : إنّه نسك وليس بركن (٥) ؛ لقوله عليهالسلام بجَمْع : ( مَنْ صلّىٰ معنا هذه الصلاة وأتىٰ عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه ) (٦) .
ولأنّه مبيت في مكان ، فلا يكون ركناً ، كالمبيت بمنىٰ .
والحديث حجّة لنا ؛ لأنّها كانت صلاة الفجر في جَمْع ، وإذا علّق تمام الحجّ علىٰ وقوف المشعر ، انتفىٰ عند عدمه ، وهو المطلوب .
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٧ ، الاستذكار ١٣ : ٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٨ : ١٥٠ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ١ : ١٣٨ ، المغني ٣ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٩ .
(٢) البقرة : ١٩٨ .
(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦٧ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٨٩ / ٩٨١ ، الاستبصار ٢ : ٣٠١ / ١٠٧٦ .
(٥) المغني ٣ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٧ ، الاستذكار ١٣ : ٣٦ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٧ ، المجموع ٨ : ١٥٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ .
(٦) تقدّمت الإشارة إلىٰ مصادره في ص ١٨٣ ، الهامش (٣) .
والقياس باطل ، ومعارض بقياسنا ، فيبقىٰ دليلنا سالماً .
علىٰ أنّا لا نوجب المبيت ولا نجعله ركناً كما تقدّم ، بل الوقوف الاختياري .
مسألة ٥٤٩ : يجب الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر ، فلو أفاض قبل طلوعه مختاراً عامداً بعد أن وقف به ليلاً ، جبره بشاة .
وقال أبو حنيفة : يجب الوقوف بعد طلوع الفجر (١) ، كقولنا .
وقال باقي العامّة : يجوز الدفع بعد نصف الليل (٢) .
وهو غلط ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أفاض قبل طلوع الشمس (٣) ، وكانت الجاهلية تفيض بعد طلوعها (٤) ، فدلّ علىٰ أنّ ذلك هو الواجب .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : في رجل وقف مع الناس بجَمْع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال : « إن كان جاهلاً فلا شيء عليه ، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة » (٥) .
ولأنّه أحد الموقفين ، فيجب فيه الجمع بين الليل والنهار ، كعرفة .
احتجّوا : بأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر اُمّ سلمة ، فأفاضت في النصف الأخير من المزدلفة (٦) .
__________________
(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٣٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٤٦ ، تحفة الفقهاء ١ : ٤٠٧ .
(٢) المغني ٣ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٤ ، المجموع ٨ : ١٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٢٥ .
(٣ و ٤) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٦ / ٣٠٢٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤١ / ٨٩٥ و ٢٤٢ / ٨٩٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٢ .
(٥) التهذيب ٥ : ١٩٣ / ٦٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٦ / ٩٠٢ .
(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٩٤ / ١٩٤٢ ، المغني ٣ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٠ .
ونحن نقول بموجبه ؛ لجوازه للمعذورين .
وإن كان ناسياً ، فلا شيء عليه ، قاله الشيخ رحمهالله (١) ، وبه قال أبو حنيفة (٢) .
وقال ابن إدريس : لو أفاض قبل الفجر عامداً ، بطل حجّه (٣) .
مسألة ٥٥٠ : يجوز للخائف والنساء وغيرهم من أصحاب الأعذار والضرورات الإفاضة قبل طلوع الفجر من مزدلفة إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقدّم ضَعَفة أهله في النصف الأخير من المزدلفة (٤) .
وقال : قدمنا رسول الله صلىاللهعليهوآله اُغَيْلمة (٥) بني عبد المطّلب (٦) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « رخّص رسول الله صلىاللهعليهوآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل ، ويرموا الجمار بليل ، وأن يصلّوا الغداة في منازلهم ، فإن خفن الحيض مضين إلىٰ مكة ، ووكّلن مَنْ يضحّي عنهنّ » (٧) .
__________________
(١) النهاية : ٢٥٣ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٦٨ .
(٢) لم نعثر في المصادر المتوفّرة لدينا علىٰ قول أبي حنيفة بالنسبة إلىٰ من أفاض قبل طلوع الفجر ناسياً ، ويظهر من سياق العبارة هنا وما في منتهىٰ المطلب ٢ : ٧٢٥ : أنّ الضمير في « وبه قال أبو حنيفة » راجع إلىٰ الجبر بشاة عند عدم وقوفه بعد طلوع الفجر . وانظر : تحفة الفقهاء ١ : ٤٠٧ ، وبدائع الصنائع ٢ : ١٣٦ ، والهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٤٦ ، والمبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦٣ ، وفتح العزيز ٧ : ٣٦٨ ، والحاوي الكبير ٤ : ١٧٧ .
(٣) السرائر : ١٣٨ ـ ١٣٩ .
(٤) اُنظر : صحيح البخاري ٢ : ٢٠٢ ، وصحيح مسلم ٢ : ٩٤١ / ١٢٩٣ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٤٠ / ٨٩٣ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٢٣ .
(٥) اُغيلمة تصغير أغلمة . والمراد الصبيان .
(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٧ / ٣٠٢٥ .
(٧) الاستبصار ٢ : ٢٥٧ / ٩٠٦ ، والتهذيب ٥ : ١٩٤ / ٦٤٦ .
وعن أحدهما عليهماالسلام ، قال : « أيّ امرأة ورجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلاً فلا بأس » (١) الحديث .
مسألة ٥٥١ : يستحب لغير الإمام أن يكون طلوعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس بقليل ، وللإمام بعد طلوعها ؛ لما رواه العامّة : أنّ المشركين كانوا لا يفيضون حتىٰ تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير كيما نغير ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس (٢) .
ومن طريق الخاصّة : أنّ الكاظم عليهالسلام سئل أيّ ساعة أحبّ إليك أن نفيض من جَمْع ؟ فقال : « قبل أن تطلع الشمس بقليل هي أحبّ الساعات إليَّ » قلت : فإن مكثنا حتىٰ تطلع الشمس ؟ قال : « ليس به بأس » (٣) .
إذا عرفت هذا ، فإنّه تستحبّ الإفاضة بعد الإسفار قبل طلوع الشمس بقليل ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٤) ـ لما رواه العامّة في حديث جابر : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يزل واقفاً حتىٰ أسفر جدّاً ، فدفع قبل أن تطلع الشمس (٥) .
__________________
(١) الاستبصار ٢ : ٢٥٦ ـ ٢٥٧ / ٩٠٤ ، والتهذيب ٥ : ١٩٤ / ٦٤٤ .
(٢) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٦ / ٣٠٢٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ / ٨٩٥ و ٨٩٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٢ .
(٣) الاستبصار ٢ : ٢٥٧ / ٩٠٨ ، وبتفاوت يسير في بعض الألفاظ في الكافي ٤ : ٤٧٠ / ٥ ، والتهذيب ٥ : ١٩٢ ـ ١٩٣ / ٦٣٩ .
(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٤ ، المجموع ٨ : ١٢٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣٦ .
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٨ ـ ٤٩ ، المغني ٣ : ٤٥٢ .
ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم (١) في حديث الكاظم عليهالسلام .
ولو دفع قبل الإسفار بعد الفجر أو بعد طلوع الشمس ، لم يكن مأثوماً إجماعاً .
مسألة ٥٥٢ : حدّ المزدلفة : ما بين مأزمي (٢) عرفة إلىٰ الحياض إلىٰ وادي محسّر يجوز الوقوف في أيّ موضع شاء منه إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن الصادق عليهالسلام عن أبيه الباقر عليهالسلام عن جابر : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( وقفت هاهنا بجَمْع ، وجَمْع كلّها موقف ) (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول زرارة ـ في الصحيح ـ : إنّ الباقر عليهالسلام قال للحكم بن عُيينة : « ما حدّ المزدلفة ؟ » فسكت ، فقال الباقر عليهالسلام : « حدّها ما بين المأزمين إلىٰ الجبل إلىٰ حياض وادي محسّر » (٤) .
وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : « حدّ المشعر الحرام من المأزمَين إلىٰ الحياض وإلىٰ وادي محسّر » (٥) .
إذا عرفت هذا ، فلو ضاق عليه الموقف ، جاز له أن يرتفع إلىٰ الجبل ؛ لقول الصادق عليهالسلام : فإذا كثروا بجَمْع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال : « يرتفعون إلىٰ المأزمين » (٦) .
مسألة ٥٥٣ : للوقوف بالمشعر وقتان : اختياريّ من طلوع الفجر إلىٰ
__________________
(١) تقدّم في ص ٢٠٦ .
(٢) المأزم : الطريق الضيق ، ويقال للموضع الذي بين عرفة والمشعر : مأزمان . مجَمْع البحرين ٦ : ٧ « أزم » .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٣ / ١٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ / ١٩٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٥ ، المغني ٣ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥١ .
(٣) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ١٩١ / ٦٣٤ ، وفيه الحكم بن عتيبة .
(٤) التهذيب ٥ : ١٩٠ / ٦٣٣ .
(٥) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤ .
طلوع الشمس يوم النحر ، واضطراريّ بعد طلوع الشمس إلىٰ زوالها ، فإذا أدرك الحاج الاختياريّ من وقت عرفة ـ وهو من زوال الشمس إلىٰ غروبها من يوم عرفة ـ واضطراريّ المشعر ، أو أدرك اضطراريّ عرفة واختياريّ المشعر ، صحّ حجّه إجماعاً .
وكذا لو أدرك اختياريّ أحدهما وفاته الآخر اضطراريّاً واختياريّاً علىٰ إشكال لو كان الفائت هو المشعر .
أمّا لو أدرك الاضطراريّين معاً ولم يدرك اختياريّ أحدهما ، فقد قيل : يبطل حجّه (١) . وقيل : يصحّ (٢) .
ولو ورد الحاجّ ليلاً وعلم أنّه إذا مضىٰ إلىٰ عرفات وقف بها قليلاً ثم عاد إلىٰ المشعر قبل طلوع الشمس ، وجب عليه المضيّ إلىٰ عرفات ، والوقوف بها ، ثم يجيء إلىٰ المشعر .
ولو غلب علىٰ ظنّه أنّه إن مضىٰ إلىٰ عرفات ، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشمس ، اقتصر علىٰ الوقوف بالمشعر ، وقد تمّ حجّه ، وليس عليه شيء .
ولو وقف بعرفات ليلاً ثم أفاض إلىٰ المشعر فأدركه ليلاً أيضاً ولم يتّفق له الوقوف إلىٰ طلوع الفجر بل أفاض منه قبل طلوعه ، ففي إلحاقه بإدراك الاضطراريّين نظر ، فإن قلنا به ، جاء فيه الخلاف .
وأمّا العامّة فقالوا : إذا فاته الوقوف بعرفات ، فقد فاته الحجّ مطلقاً ، سواء وقف بالمشعر أو لا (٣) .
__________________
(١ و ٢) اُنظر : شرائع الإسلام ١ : ٢٥٤ .
(٣) الشرح الكبير ٣ : ٤٤٣ ، المجموع ٨ : ١٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٧ .
ويدلّ علىٰ إدراك الحجّ بإدراك الاضطراريّين : ما رواه الحسن العطّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجَمْع ووجدهم قد أفاضوا فليقف قليلاً بالمشعر وليلحق الناس بمنىٰ ولا شيء عليه » (١) .
مسألة ٥٥٤ : يستحب أخذ حصىٰ الجمار من المزدلفة ، وهو سبعون حصاة ، عند علمائنا ـ وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير والشافعي (٢) ـ لأنّ الرمي تحيّة لموضعه ، فينبغي له أن يلتقطه من المشعر ؛ لئلّا يشتغل عند قدومه بغيره ، كما أنّ الطواف تحيّة المسجد ، فلا يبدأ بشيء قبله .
وما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه كان يأخذ الحصىٰ من جَمْع ، وفَعَله سعيد بن جبير ، وقال : كانوا يتزوّدون الحصىٰ من جَمْع (٣) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار ـ في الحسن ـ قال : « خُذْ حصىٰ الجمار من جَمْع ، وإن أخذته من رحلك بمنىٰ أجزأك » (٤) .
ويجوز أخذ حصىٰ الجمار من الطريق في الحرم ومن بقيّة مواضع الحرم عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف ، ومن حصىٰ الجمار إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله غداة العقبة وهو علىٰ ناقته : ( القط لي حصىٰ الجمار ) فلقطت له سبع حصيات هي حصىٰ الخذف ، فجعل يقبضهنّ (٥) في كفّه ويقول : ( أمثال هؤلاء فارموا ) ثم قال :
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٩٢ / ٩٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٥ / ١٠٨٨ .
(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٩ ، المجموع ٨ : ١٣٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٨ .
(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٢٨ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٥ ـ ١٩٦ / ٦٥٠ .
(٥) كذا في « ق ، ك » والطبعة الحجرية والمغني والشرح الكبير ، وفي سنن ابن ماجة : ينفضهنّ ، وفي سنن البيهقي : فوضعتهنّ في يده .
( أيّها الناس إيّاكم والغلوّ في الدين ، فإنّما أهلك مَنْ كان قبلكم الغلوُّ في الدين ) (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « يجوز أخذ حصىٰ الجمار من جميع الحرم إلّا من المسجد الحرام ومسجد الخيف » (٢) .
إذا عرفت هذا ، فلا يجوز أخذ الحصىٰ من حصىٰ الجمار ولا من غير الحرم ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ : « حصىٰ الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك » قال : وقال : « ولا ترم الجمار إلّا بالحصىٰ » (٣) .
وقال الصادق عليهالسلام : « ولا يأخذ من حصىٰ الجمار » (٤) .
وقال بعض علمائنا : لا يؤخذ الحصىٰ من جميع المساجد (٥) .
ولا بأس به ؛ لما ورد من تحريم إخراج الحصىٰ من المساجد (٦) .
__________________
(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ ، وسنن البيهقي ٧ : ١٢٧ .
(٢) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٢ .
(٣) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٤ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦ .
(٥) المحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٥٧ .
(٦) اُنظر : الكافي ٤ : ٢٢٩ / ٤ ، والفقيه ١ : ١٥٤ / ٧١٨ ، و ٢ : ١٦٥ / ٧١٣ ، وعلل الشرائع : ٣٢٠ ، الباب ٩ ، الحديث ١ ، والتهذيب ٣ : ٢٥٦ / ٧١١ ، و ٥ : ٤٤٩ / ١٥٦٨ .
الفصل الرابع في نزول منىٰ وقضاء مناسكها
وفيه أبواب :
الأوّل : في الرمي ومقدّمته .
وفيه مباحث :
الأوّل : في الإفاضة إلىٰ منىٰ .
مسألة ٥٥٥ : يستحب له الدفع من مزدلفة إلىٰ منىٰ إذا أسفر الصبح قبل طلوع الشمس تأسّياً برسول الله صلىاللهعليهوآله (١) .
ويستحب أن يفيض بالسكينة والوقار ذاكراً لله تعالىٰ مستغفراً داعياً ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : ثم أردف رسول الله صلىاللهعليهوآله الفضل بن عباس وقال : ( أيّها الناس إنّ البرّ ليس بإيجاف الخيل والإبل ، فعليكم بالسكينة ) فما رأيتها رافعةً يديها حتىٰ أتىٰ منىٰ (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « فأفاض رسول الله صلىاللهعليهوآله خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة ، فأفض بذكر الله والاستغفار ، وحرّك
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ .
(٢) المغني ٣ : ٤٥٣ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٩٠ / ١٩٢٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٢٦ .
به لسانك » (١) .
مسألة ٥٥٦ : فإذا بلغ وادي محسّر ـ وهو وادٍ عظيم بين جَمْع ومنىٰ ، وهو إلىٰ منىٰ أقرب ـ أسرع في مشيه إن كان ماشياً ، وإن كان راكباً حرّك دابّته ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لما رواه العامّة عن الصادق عليهالسلام : في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله : لمّا أتىٰ وادي محسّر حرّك قليلاً ، وسلك الطريق الوسطىٰ (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « فإذا مررت بوادي محسّر ـ وهو وادٍ عظيم بين جَمْع ومنىٰ ، وهو إلىٰ منىٰ أقرب ـ فاسع فيه حتىٰ تجاوزه ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حرّك ناقته » (٣) .
ولا نعلم خلافاً في استحباب الإسراع فيه .
ولو ترك الهرولة فيه ، استحبّ له أن يرجع ويهرول ؛ لأنّها كيفية مستحبّة ، ولا يمكن فعلها إلّا بإعادة الفعل ، فاستحبّ له تداركها ، كناسي الأذان .
وقول ابن بابويه : ترك رجل السعي في وادي محسّر ، فأمره الصادق عليهالسلام بعد الانصراف إلىٰ مكة فرجع فسعىٰ (٤) .
وقد قيل : إنّ النصارىٰ كانت تقف ثَمَّ ، فرأوا مخالفتهم (٥) .
ويستحبّ له الدعاء حالة السعي في وادي محسّر ؛ لقول الصادق عليهالسلام
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٩٢ / ٦٣٧ .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ .
(٣) الكافي ٤ : ٤٧٠ ـ ٤٧١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٤ ، التهذيب ٥ : ١٩٢ / ٦٣٧ .
(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٧ ، وفيه : أن يرجع ويسعىٰ .
(٥) كما في فتح العزيز ٧ : ٣٧٠ .
ـ في الصحيح ـ : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : اللّهم سلّم عهدي ، واقبل توبتي ، وأجب دعوتي ، واخلفني بخير فيمن تركت بعدي » (١) .
وفي رواية عن الكاظم عليهالسلام : « الحركة في وادي محسّر مائة خطوة » (٢) .
وفي حديث آخر « مائة ذراع » (٣) .
وأمّا الجمهور : فاستحبّوا الإسراع قدر رمية حجر (٤) .
وإذا أفاض من المشعر قبل طلوع الشمس ، فلا يجوز وادي محسّر حتىٰ تطلع الشمس مستحبّاً .
وروي عن الباقر عليهالسلام أنّه يكره (٥) أن يقيم عند المشعر بعد الإفاضة (٦) .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب يوم النحر بمنىٰ ثلاثة مناسك : رمي جمرة العقبة ، والذبح ، والحلق أو التقصير ، ويجب عليه بعد عوده من مكّة إلىٰ منىٰ يوم النحر أو ثانيه رمي الجمار الثلاث والمبيت بمنىٰ .
البحث الثاني : في رمي جمرة العقبة .
مسألة ٥٥٧ : إذا ورد منىٰ يوم النحر ، وجب عليه فيه رمي جمرة العقبة ، وهي آخر الجمار ممّا يلي منىٰ ، وأوّلها ممّا يلي مكّة ، وهي عند
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٤ .
(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٥ .
(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٦ .
(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٤ ، المجموع ٨ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٠ .
(٥) في المصدر : كره .
(٦) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٣ .
العقبة ، ولذلك سُمّيت جمرة العقبة [ وهي ] (١) في حضيض الجبل مترقّية عن الجادّة .
ولا نعلم خلافاً في وجوب رمي جمرة العقبة ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رماها (٢) ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « خُذ حصىٰ الجمار ثم ائت الجمرة القصوىٰ التي عند العقبة ، فارمها من قِبَل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها » (٤) .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب له إذا دخل منىٰ بعد طلوع الشمس رمي جمرة العقبة حالة وصوله .
مسألة ٥٥٨ : لا يجوز الرمي في هذا اليوم ولا باقي الأيّام إلّا بالحجارة ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (٥) ـ لما رواه العامّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رمىٰ بالأحجار ، وقال : ( بمثل هذا فارموا ) (٦) .
وقال عليهالسلام : ( عليكم بحصىٰ الخذف ) (٧) .
__________________
(١) أضفناها لأجل السياق .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ .
(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١ .
(٥) المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩ ، الاُم ٢ : ٢١٣ ، مختصر المزني : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩ ، الوجيز ١ : ١٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٧٠ و ١٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ ، شرح السنّة ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٣٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٥٨ .
(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٢٨ .
(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٣١ ـ ٩٣٢ / ١٢٨٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٧ و ٢٦٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « خُذ حصىٰ الجمار ثم ائت الجمرة القصوىٰ التي عند العقبة فارمها من قِبَل وجهها » (١) والأمر للوجوب .
وقال أبو حنيفة : يجوز بكلّ ما كان من جنس الأرض ، كالكحل والزرنيخ والمدر ، فأمّا ما لم يكن من جنس الأرض فلا يجوز (٢) .
وقال داود : يجوز الرمي بكلّ شيء حتىٰ حُكي عنه أنّه قال : لو رمىٰ بعصفور ميّت ، أجزأه ؛ لقوله عليهالسلام : ( إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء ) (٣) (٤) ولم يفصّل .
وعن سكينة بنت الحسين أنّها رمت الجمرة ورجل يُناولها الحصىٰ تُكبّر مع كلّ حصاة ، فسقطت حصاة فرمت بخاتمها (٥) .
ولأنّه رمىٰ بما هو من جنس الأرض فأجزأه ، كالحجارة .
والجواب : لم يذكر في الحديث كيفية المرميّ به ، وبيَّنه بفعله ، فيصرف ما ذكره إلىٰ المعهود من فعله ، كغيره من العبادات .
وفعل سكينة عليهاالسلام نقول به ؛ لجواز أن يكون فصّ الخاتم حجراً .
وينتقض قياس أبي حنيفة بالدراهم .
مسألة ٥٥٩ : واختلف قول الشيخ رحمهالله .
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلىٰ مصادره في ص ٢١٤ ، الهامش (٤) .
(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٥٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٤٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٨ ، المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٨ : ١٨٦ .
(٣) مسند أحمد ٦ : ١٤٣ .
(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ .
(٥) المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩ .
فقال في أكثر كتبه : لا يجوز الرمي إلّا بالحصىٰ (١) . واختاره ابن إدريس (٢) وأكثر علمائنا (٣) .
وقال في الخلاف : لا يجوز الرمي إلّا بالحجر وما كان من جنسه من البرام والجوهر وأنواع الحجارة ، ولا يجوز بغيره ، كالمدر والآجر والكحل والزرنيخ والملح وغير ذلك من الذهب والفضة ، وبه قال الشافعي (٤) .
والوجه : الأوّل ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال لمّا لقط له الفضل بن العباس حصىٰ الخذف قال : ( بمثلها فارموا ) (٥) .
ومن طريق الخاصّة : رواية زرارة ـ الحسنة ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا ترم الجمار إلّا بالحصىٰ » (٦) .
ولحصول يقين البراءة بالرمي بالحصىٰ دون غيره ، فيكون أولىٰ .
مسألة ٥٦٠ : ويجب أن يكون الحصىٰ أبكاراً ، فلو رمىٰ بحصاة رمىٰ بها هو أو غيره ، لم يجزئه عند علمائنا ـ وبه قال أحمد (٧) ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا أخذ الحجارة قال : ( بأمثال هؤلاء فارموا ) (٨) وإنّما تتحقّق المماثلة بما
__________________
(١) النهاية : ٢٥٣ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٦٩ ، الجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٣٤ .
(٢) السرائر : ١٣٩ .
(٣) منهم : القاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٥٤ ، وابن زهرة في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٨٨ ، والكيدري في إصباح الشيعة : ١٦٠ .
(٤) الخلاف ٢ : ٣٤٢ ، المسألة ١٦٣ .
(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ بتفاوت يسير .
(٦) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٤ .
(٧) المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩ .
(٨) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ .
ذكرناه .
ولأنّه عليهالسلام أخذ الحصىٰ من غير المرمىٰ ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « ولا يأخذ من حصىٰ الجمار » (٢) .
وقال الشافعي : إنّه مكروه ويجزئه (٣) .
وقال المزني : إن رمىٰ بما رمىٰ به هو ، لم يجزئه ، وإن رمىٰ بما رمىٰ به غيره ، أجزأه ؛ لأنّه رمىٰ بما يقع عليه اسم الحجارة فأجزأه ، كما لو لم يرم به قبل ذلك (٤) .
والجواب : ليس المطلق كافياً ، وإلّا لما احتاج الناس إلىٰ نقل الحصىٰ إلىٰ الجمار ، وقد أجمعنا علىٰ خلافه .
ولا فرق في عدم الإجزاء بين جميع العدد وبعضه ، فلو رمىٰ بواحدة قد رُمي بها وأكمل العدد بالأبكار ، لم يجزئه .
ولو رمىٰ بخاتم فصّه حجر ، فالأقرب الإجزاء ، خلافاً لبعض العامّة ، فإنّه منع منه ؛ لأنّ الحجر هنا تبع (٥) .
مسألة ٥٦١ : يجب أن يكون الحصىٰ من الحرم ، فلا يجزئه لو أخذه من غيره ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته
__________________
(١) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ ، المغني ٣ : ٤٥٥ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦ .
(٣) الاُم ٢ : ٢١٣ ، مختصر المزني : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩ ـ ١٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٩ ، المجموع ٨ : ١٧٢ و ١٨٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١ ، المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩ .
(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١ ، المجموع ٨ : ١٧٢ و ١٨٥ .
(٥) المغني ٣ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ .
من غير الحرم لم يجزئك » (١) وهذا نصٌّ في الباب .
ويكره أن تكون صمّاً (٢) بل تكون رخوةً ، ويستحب أن تكون برشاً (٣) منقّطة كحليّة بقدر الأنملة ؛ لأنّ الصادق عليهالسلام كره الصمّ منها ، وقال : « خُذ البرش » (٤) .
وقال الرضا عليهالسلام : « حصىٰ الجمار تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداً ولا بيضاً ولا حمراً ، خُذها كحليّة منقّطة تخذفهنّ خذفاً وتضعها [ علىٰ الإبهام ] (٥) وتدفعها بظفر السبّابة » قال : « وارمها من بطن الوادي ، واجعلهنّ علىٰ يمينك كلّهنّ ، ولا ترم علىٰ (٦) الجمرة ، وتقف عند الجمرتين الأوّلتين ، ولا تقف عند جمرة العقبة » (٧) .
ويكره أن تكون نجسةً ، وتجزئه ؛ للامتثال .
مسألة ٥٦٢ : يستحب أن تكون الحصىٰ ملتقطةً ، ويكره أن تكون مكسّرةً ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٨) ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر الفضل ، فلقط له حصىٰ الخذف ، وقال : ( بمثلها فارموا ) (٩) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٤ .
(٢) أي صلباً ، أنظر لسان العرب ١٢ : ٣٤٣ « صمم » .
(٣) البَرشَ والبُرْشَةُ : لون مختلف ، نقطة حمراء واُخرىٰ سوداء أو غبراء أو نحو ذلك . لسان العرب ٦ : ٢٦٤ « برش » .
(٤) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٥ .
(٥) أضفناها من المصدر .
(٦) في التهذيب : أعلىٰ .
(٧) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦ .
(٨) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٨ ، المجموع ٨ : ١٣٩ و ١٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٤ .
(٩) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ بتفاوت يسير .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « التقط الحصىٰ ، ولا تكسر منها شيئاً » (١) .
ويستحب أن تكون صغاراً قدر كلّ واحدة منها مثل الأنملة ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر بحصىٰ الخذف (٢) ، والخذف إنّما يكون بأحجار صغار .
ومن طريق الخاصّة : قول الرضا عليهالسلام : « حصىٰ الجمار تكون مثل الأنملة » (٣) .
وقال الشافعي : أصغر من الأنملة طولاً وعرضاً . ومنهم مَنْ قال : كقدر النواة . ومنهم مَنْ قال : مثل الباقلا (٤) . وهذه المقادير متقاربة .
ولو رمىٰ بأكبر ، أجزأه ؛ للامتثال .
وفي إحدىٰ الروايتين عن أحمد أنّه لا يجزئه ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر بهذا القدر (٥) (٦) .
البحث الثالث : في رمي الجمار وكيفيّته .
مسألة ٥٦٣ : يجب في الرمي النيّة ؛ لأنّه عبادة وعمل .
ويجب أن يقصد وجوب الرمي إمّا لجمرة العقبة أو لغيرها ، لوجوبه قربة إلىٰ الله تعالىٰ ، إمّا لحجّ الإسلام أو لغيره .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٧ .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٣١ ـ ٩٣٢ / ١٢٨٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٧ و ٢٦٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ .
(٣) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦ .
(٤) الاُم ٢ : ٢١٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٧١ .
(٥) المصادر في الهامش (٢) .
(٦) المغني ٣ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٥ .
ويجب فيه العدد ، وهو سبع حصيات في يوم النحر لرمي جمرة العقبة ، فلا يجزئه لو أخلّ ولو بحصاة ، بل يجب عليه الإكمال ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام كذا فعلوا .
ويجب إيصال كلّ حصاة إلىٰ الجمرة بما يسمّىٰ رمياً بفعله ، فلو وضعها بكفّه في المرمىٰ ، لم يجزئه إجماعاً ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر بالرمي (١) ، وهذا لا يسمّىٰ رمياً ، فلا يكون مجزئاً .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « خُذْ حصىٰ الجمار ثم ائت الجمرة القصوىٰ التي عند العقبة فارمها » (٢) .
ولو طرحها طرحاً ، قال بعض العامّة : لا يجزئه (٣) .
وقال أصحاب الرأي : يجزئه ؛ لصدق الاسم (٤) .
والضابط تبعية الاسم ، فإن سُمّي رمياً ، أجزأه ، وإلّا فلا .
ويجب أن يقع الحصىٰ في المرمىٰ ، فلو وقع دونه ، لم يجزئه إجماعاً .
قال الصادق عليهالسلام : « فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها » (٥) .
مسألة ٥٦٤ : يجب أن تكون إصابة الجمرة بفعله ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله كذا
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٠ / ١٩٦٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٦ / ٣٠٢٣ و ١٠٠٨ / ٣٠٢٨ و ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ .
(٢) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١ .
(٣) المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٨ .
(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦٧ ، المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٧ ـ ٤٥٨ .
(٥) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ / ٩٠٧ .