أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

وناقش فيه المحاضرات بأنّ البراءة رفع ظاهري فلا يثبت الصحة واقعاً. نعم ، يثبته ظاهراً حيث يرجع إلى الشك في مانعية هذا المكان فتجري البراءة عنها لكونها انحلالية بناءً على جريانها في المركبات الارتباطية.

وفيه : انّ هذا يتمّ فيما إذا كان الشك في موضوع الحرمة بنحو الشبهة الموضوعية لغصبية المكان ، وأمّا في الشبهة الحكمية والشك في حرمة الغصب الصلاتي للتعارض بين إطلاقي الأمر والنهي والذي هو موضوع بحثهما فيكون المرجع إطلاق هيئة الأمر المتعلق بالصلاة في غير الغصب بعد سقوط اطلاقه في مورد الاجتماع وهو يقتضي الاتيان بالصلاة في المكان غير المغصوب.

نعم ، لو قيل بأنّ دليل الحرمة يقيد متعلق الأمر بغير الفرد المحرم بعنوان المحرم كان من الشبهة المصداقية للمانع فتجري عنه البراءة ، إلاّ انّه كما ترى واضح البطلان فإنّ دليل حرمة الغصب يقيد دليل الأمر بالصلاة بغير الغصب أي واقع الحرام لا عنوان الحرام الأمر المنتزع في طول ثبوت الحرمة وتمامية التقييد ، بل هو غير معقول لاستحالة أخذ عدم أحد الضدين في موضوع الآخر ، على ما حقق في محلّه.

والحاصل إذا كان القيد عنوان الحرمة ، والشبهة مصداقية ـ وإن كان هذا باطلاً ـ فأصالة الاباحة والحل تثبت الحلية وتثبت القيد كأصالة الطهارة فلا حاجة إلى أصالة البراءة عن المانعية الزائدة المشكوكة فيكون الحق مع صاحب الكفاية في عدم الحاجة إلى جريان الأصل في الأقل والأكثر ولا يكون مثبتاً وإن كان القيد واقع الحرام لم تجر البراءة عن المانعية الزائدة لأنّ مقتضى إطلاق الهيئة لزوم الاتيان بالواجب في غير مورد الاجتماع فتدبر جيداً.

٤٤١

اقتضاء النهي للفساد

ص ١٠٧ قوله : ( الكلام في اقتضاء النهي للفساد يقع في مسألتين ... ).

ينبغي تقديم امور :

الأمر الأوّل ـ انّ البحث في هذه المسألة عن الملازمة بين النهي عن العبادة أو المعاملة وبين فسادهما فيكون موضوع المسألة ما يتصور فيه الفساد والصحة ، والصحة في العبادة تعني الاجزاء وعدم الاعادة والقضاء ، وفي المعاملة تعني النفوذ وترتب الأثر الوضعي المطلوب عليها ، ويكون محمول المسألة الملازمة بين النهي والفساد.

وأمّا البحث عن انّ الصحة والفساد ـ بالمعنى المتقدّم ـ هل هما مجعولان شرعيّان أو أمران واقعيان منزعان عقلاً أو يفصل بين الصحة والفساد في العبادة فهما واقعيان وفي المعاملة فهما مجعولان شرعيان فهذا غير مرتبط بما هو المهم والمقصود في هذه المسألة.

وقد اختار في المحاضرات القول الأخير أعني التفصيل بين العبادات والمعاملات بدعوى انّ صحة المعاملة تعني حكم الشارع بترتب الأثر عليها وفسادها تعني عدم حكمه بذلك فتكون نسبة المعاملة إلى الحكم الوضعي الشرعي نسبة الموضوع إلى الحكم فتكون الصحة فيها مجعولاً شرعياً ، وهذا بخلاف العبادة ، فإنّ صحتها وفسادها تعني مطابقتها للمأمور به وعدمها فيكونان

٤٤٢

وصفين للعبادة في مرحلة ما بعد الجعل أي في مرحلة الامتثال والانطباق الخارجي التي هي مرحلة حكم العقل وانتزاعه فلا تتصف العبادة بالصحة والفساد في مقام الجعل والتشريع لتكون الصحة مجعولاً شرعياً.

وهذا الكلام غير تام ؛ لأنّه من الواضح انّ مفهوم الصحة ليس هو المجعول الشرعي لا في باب العبادة ولا المعاملة ، وإنّما المجعول في العبادة هو الأمر وفي المعاملة هو الحكم الوضعي بالملكية أو الزوجية أو غيرها ، والصحة والفساد فيهما معاً ينتزعان عقلاً في طول الجعل الشرعي بلحاظ ترتّب ذاك المجعول الشرعي وعدمه ، فإذا كانت العبادة أو المعاملة مشمولة لاطلاق ذلك الجعل من تكليف أو وضع كانت صحيحة ، وإلاّ كانت فاسدة ، فمعنى الصحة والفساد في المقامين واحد ، كما انّهما منتزعان من شمول الجعل الشرعي وعدم شموله للمعاملة أو العبادة كما أفاده المشهور. وأمّا القضاء والاعادة فهما حكمان شرعيان آخران رتّبهما الشارع في موارد خاصة على بعض العبادات دون بعض ، فليسا من لوازم الفساد ولا دخل لهما في مفهومه ولا منشأ انتزاعه.

الأمر الثاني ـ انّ المراد بالنهي هنا النهي التكليفي لا الإرشادي إلى المانعية والبطلان ، فإنّه خارج عن موضوع البحث ولا كلام في استفادة البطلان منه وإن كان ربما يقع بحث صغروي فيه يأتي في تنبيهات المسألة. كما انّ البحث عن اقتضاء النهي التكليفي للفساد بحث كبروي فما عن المحقق العراقي من انّ البحث صغروي لا وجه له.

وهل يختصّ هذا البحث بالنهي التحريمي أو يعمّ التنزيهي أيضاً؟

الصحيح هو التفصيل بين ملاكات الاقتضاء ، فإنّه لو كان المبنى للاقتضاء

٤٤٣

الامتناع وارتفاع المحبوبية والأمر بالمبغوضية والكراهة فهذا يعمّ النهي التنزيهي أيضاً وإن كان المبنى للاقتضاء عدم إمكان التقرب ونحوه فهو يختص بالتحريمي.

ومن هنا كان الأفضل منهجياً ما صنعه الاستاذ من طرح البحث بلحاظ النهي التحريمي أوّلاً ثمّ البحث عن النهي التنزيهي ضمن التنبيهات.

الأمر الثالث ـ انّ هذه المسألة اصولية ؛ لأنّها من العناصر المشتركة في الاستنباط الفقهي حيث لا تختص نتيجتها بباب دون باب ويستنبط منها حكم شرعي كلي بنحو التوسيط ـ ولو بلحاظ التعارض كما تقدم في مسألة الاجتماع ـ وتكون مربوطة بالشارع وهي المعالم الثلاثة الرئيسية للقاعدة الاصولية وهي مسألة عقلية ؛ لأنّها بحث عن الاستلزام العقلي أي الملازمة بين النهي والفساد سواءً افيد باللفظ أو بغيره ، وهذا واضح أيضاً.

وبعد توضيح هذه المقدمات الثلاث ندخل في صميم البحث ضمن مسألتين :

المسألة الاولى ـ اقتضاء النهي لفساد العبادة :

وقبل الشروع في بيان البراهين والملاكات لاقتضاء النهي فساد العبادة ينبغي التأكيد على مقدمتين :

المقدّمة الاولى ـ ما جاء في الكتاب ( ص ١٠٧ ) من أقسام النهي التحريمي الخمسة من حيث كونه نفسياً خطاباً وملاكاً أو خطاباً فقط أو لا خطاباً ولا ملاكاً أو كون المصلحة في نفس جعل النهي بأحد معنيين أحدهما غير معقول في نفسه.

المقدّمة الثانية ـ ما ذكر في الكتاب أيضاً ( ص ١٠٩ ) من انّ الفساد قد يكون

٤٤٤

بملاك الامتناع والقصور في العبادة ، أي عدم وجدانها للملاك ، وقد يكون بملاك قصور قدرة المكلّف على الاتيان بها صحيحة جامعة لشرائطها ؛ لانتفاء شرط قصد القربة ونحوه بسبب تعلّق النهي ، وهذا يعني أنّ هناك نكتتين وملاكين للبطلان وتختلف النكتتان في النتائج والآثار أهمها أنّ النكتة الاولى واقعية تؤدي إلى بطلان العبادة حتى إذا لم يصل النهي عنها إلى المكلّف بخلاف الثانية.

وبعد ذلك نستعرض البراهين السبعة على الاقتضاء ملاحظين في كل واحد منها ما يقتضيه من البطلان الواقعي وبالنكتة الاولى أو البطلان بالنكتة الثانية المنتفية مع الجهل بالنهي كما انّه نلاحظ جريان كل برهان منها على جميع الأقسام المتقدمة للنهي التحريمي أو اختصاصه ببعضها دون بعض.

وأمّا البراهين فهي سبعة :

البرهان الأوّل : يبتني على فرض منافاة المفسدة مع المصلحة ، وهو لو تمّ فيتم في كل واجب حتى غير العبادي ويثبت القصور الذاتي والبطلان حتى مع الجهل ، ولكنه لا يتمّ إلاّفي القسم الأوّل من النهي.

البرهان الثاني : يبتني على عدم إمكان التقرب بمعنى عدم صلاحية التقرّب بالمفسدة العالية ، لأنّ المولى يتأذى ، وهذا يتم في غير القسم الرابع والثالث من النهي وهو يثبت القصور من ناحية قصد التقرّب فتختصّ بالعبادات.

ويردّه انّ الميزان التقرّب العقلي وهو يحصل بالمصلحة ولو المغلوبة.

البرهان الثالث : انّ التقرب الفعلي لا يكون إلاّبالأمر أو الحب لا بالملاك والمصلحة إمّا لعدم معقوليته ثبوتاً إذ لا يرجع إلى المولى أو لاشتراط قصد الأمر اثباتاً ، وهذا يتم حتى في الرابع إذا قلنا بالامتناع كما هو مبنى القائل بالرابع ،

٤٤٥

ولكنه يختص بالعبادات.

وفيه : كفاية اهتمام المولى بالملاك للتقرّب ثبوتاً ، وعدم الدليل على لزوم الأكثر منه اثباتاً في التقرب.

البرهان الرابع : عدم إمكان احراز الملاك مع النهي فتجري أصالة الاشتغال ، وهذا يتمّ في كلّ واجب ، لأنّه يثبت القصور الذاتي ظاهراً وفي تمام أقسام النهي بناءً على امتناع اجتماعها مع الأمر.

وفيه : انّه إذا كان لدليل الأمر إطلاق بلحاظ مدلول الهيئة فهو يوجب البطلان واقعاً وبدليل اجتهادي لا ظاهراً وإن لم يكن كذلك فتجري البراءة لكونه من الشك في التكليف كما انّه مبني على الامتناع.

وأفاد السيّد الشهيد بأنّ البراهين الثلاثة السابقة أيضاً مبنية على القول بالامتناع إذ على القول بالجواز بأي ملاك من الملاكات الثلاثة له تثبت مصلحة الأمر فينتفي البرهان الأوّل ، ولابد وانّ كون المصلحة غير مندكة وغير مغلوبة فينتفي البرهان الثاني ، ومع فعلية الأمر يمكن قصده فينتفي البرهان الثالث وتستكشف المصلحة وتحرز فينتفي البرهان الرابع.

وهذا الكلام سديد فيما عدا البرهان الثاني فإنّه قد تقدم انّه لا يلزم من فعلية الأمر وجواز الاجتماع بالملاك الأوّل عدم اندكاك ملاك الأمر وغلبة المفسدة عليه بل يمكن أن تكون غالبة ومع ذلك يبقى الأمر على الجامع لعدم المزاحمة بين اقتضائهما ، نعم بناءً على تعدد المعنون ينتفي هذا البرهان أيضاً.

البرهان الخامس : ويرتكز على عدم امكان التقرب بالمبغوض لأنّ حال المولى عند الترك أحسن فلا يمكن الاتيان بالمبغوض لأجله. وهذا يختص

٤٤٦

بالتعبّديات المشروطة بقصد التقرب كما انّه يعمّ أقسام النهي عدا الرابع كما انّه يتم حتى على القول بالجواز بالملاك الأوّل كما انّه يختص بصورة العلم بالنهي ؛ لأنّ المنظور هنا القرب العقلي المنوط بحالة المكلّف وعدم إمكان تقربه.

وفيه : ما أفاده السيد الشهيد قدس‌سره من انّ المقربية والمبعدية ليست بالعمل الخارجي ، بل بالدواعي النفسانية المحركة نحو العمل ، فهي سبب البعد والقرب بالعمل ، ولهذا يتحقق حتى لو تخيل وقوع الفعل ولم يقع فعل خارجاً أصلاً ، أو كان فعلاً مبغوضاً للمولى واقعاً ، فكلما تعقلنا داع مولوي محرك كان القرب وكلما كان هناك داع مبعِّد عن المولى وحقّه كان البعد ، فلو أمكن وجود داعيين الهي وشيطاني تحقق البعد والقرب ؛ لأنّه يمكن اجتماع الداعيين ويكون من باب تعدد الداعي الذي كل منهما مستقل في الداعوية.

وهذا ممكن إذا كانت المصلحة ومطلوب المولى في الجامع والمفسدة في الفرد ، لا ما إذا كانت المصلحة أيضاً في الفرد أو الحصة من الجامع الموجودة فيه بالخصوص ، كما هو مشروح في الكتاب.

لا يقال : إن اريد من هذا البرهان عدم إمكان التقرب بالمبغوض واقعاً رجع إلى البرهان الثاني ، وإن اريد عدم تأتي قصد التقرب والداعي للمكلف إذا كان عالماً بالنهي لكون الفعل عندئذٍ معصيةً وقبيحاً فهذا يرجع إلى البرهان القادم ، وهو فرع أن تكون المبغوضية صالحة للتنجز فلا يتم في النهي الغيري ، وهذا ما هو مذكور في هامش الكتاب.

فإنّه يقال : الملحوظ في هذا البرهان انّ علم العبد بالمبغوضية للمولى يمنع عن إمكان اضافة الفعل إليه بملاك انّه يكون أسوأ حالاً من تركه بلحاظ أغراضه

٤٤٧

المعلومة والمنكشفة للمكلّف لا من ناحية القبح العقلي. بينما في البرهان السادس والسابع الملحوظ قبح الفعل لكونه معصية فلا يصح للمقربية العقلية لكون الفعل قبيحاً ، وهاتان نكتتان مستقلتان.

وجواب الأوّل إمكان الاضافة مع كون المصلحة في الجامع لأنّ حال المولى بلحاظ تحقق الجامع أحسن من عدمه. وجواب الثاني انّ المبعد والمقرب العقلي ليس هو الفعل الخارجي ، بل هو مع الداعي النفساني لتحقيقه ، فإذا أمكن تعدد الداعي في الفعل الواحد وهو الحصة بلحاظ جهتين فيها كان الفعل الواحد مبعداً من جهة ومقرباً من جهة اخرى فلا محذور كما سيأتي بيانه.

البرهان السادس : ويرتكز على عدم إمكان التقرب بالمعصية فيتم حتى في القسم الرابع من النهي لكونه معصية بحسب الفرض. إلاّ انّه لا يتم في الغيري ، وقد غفل عن الإشارة إلى ذلك في الكتاب.

وقد أبطله الاستاذ بما تقدم من أنّ سبب القرب والبعد هو الداعي لا الفعل الخارجي ليقال بلزوم اتحاد المبعد والمقرب وهو محال والداعي متعدد كلما تعدد الأمر والنهي في الفرد بنحو جاز اجتماعهما فيكون له داعي امتثال الجامع المنطبق فيه لأنّ حال المولى عند تحققه أحسن من عدم ايجاده ، ولهذا كان يحققه حتى لو لم يكن له الداعي الآخر وهذا داع الهي ، ويكون له في نفس الوقت داعي تحقق الحصة والفرد المحرم وهو داع شيطاني ؛ نعم لو كان متعلق المصلحة والأمر الحصة أيضاً لم يمكن اجتماع الداعيين إلاّ انّه في مثله لا يمكن اجتماع الأمر والنهي أيضاً ، وهذا يعني انّه كلما جاز الاجتماع ولو بالملاك الأوّل للجواز بأن كان الأمر متعلقاً بصرف الوجود والجامع والنهي متعلقاً بالفرد

٤٤٨

والحصة جاز تعدد الداعيين الرحماني والشيطاني فيكون الابتعاد بلحاظ أحدهما والاقتراب بلحاظ الآخر.

وهذا الذي أفاده الاستاذ صحيح إذا فسرنا العبادية بمجموع أمرين :

١ ـ ايقاع متعلق الأمر خارجاً ـ تحقق الامتثال ـ.

٢ ـ أن يكون للمكلف حين ايقاعه داعٍ الهي أي أن يكون دافعه امتثال الأمر المتعلق بما ينطبق على ما حققه خارجاً.

فإنّ كلا هذين الأمرين في المقام متحقق رغم وجود الداعي الشيطاني والعصيان بما حققه بناءً على الاجتماع.

وأمّا إذا قلنا بأنّ العبادية صفة للفعل المأمور به أي أن يكون ما يحقّقه تعبداً وخضوعاً وقرباً للمولى ـ نظير ما يقال في باب التشريع من انّه صفة لنفس الفعل الواقع خارجاً بنية التشريع لا مجرد النية ـ فمن الواضح أنّ التعبد والتقرب بهذا المعنى الخارجي ليس صفة للداعي وحده لكي يقال بتعدده في المقام بناءً على الجواز ، بل صفة للعمل والفعل الصادر من المكلف خارجاً وهو فعل واحد وايجاد واحد لا فعلين ، فإذا كان هذا الايجاد الواحد ولو من ناحية واحدة معصية وقبيحاً فلا يتّصف بكونه انقياداً وتقرباً عملياً للمولى ؛ لأنّ اتصاف الفعل الخارجي بكونه قبيحاً يكفي فيه أن يكون كذلك من جهة واحدة لا من جميع الجهات ، وهذا غير ما يأتي في البرهان السابع من أنّه يشترط أن لا يكون إلى جانب الداعي الالهي داعٍ شيطاني.

البرهان السابع : ويرتكز على مبنى فقهي وهو اشتراط أن لا يكون إلى جانب الداعي الرحماني داع شيطاني ، أي الخلوص من داعٍ شيطاني ، فإنّ الله لا يطاع

٤٤٩

من حيث يعصى ، ويدعى انّ هذا داخل في معقد الإجماع على اشتراط القربية في العبادات وهذا يختص كالسابق بفرض وصول النهي وكونه نفسياً ، ويثبت البطلان بملاك عدم إمكان التقرب لا القصور الذاتي ، وهو يتم حتى على القول بجواز الاجتماع بالملاك الأوّل والثاني دون الثالث.

إلاّ انّ هذا البطلان والفساد بنكتة فقهية خاصة بالعبادات وليست بنكتة اصولية. والظاهر من الاستاذ الموافقة عليها.

وقد تلخص من مجموع ما تقدم : اننا تارة نبني على امتناع اجتماع الأمر والنهي ، واخرى نبني على الجواز بالملاك الثالث ـ الجواز الميرزائي ـ وثالثة نبني على الجواز بالملاك المختار من إمكان الأمر بصرف الوجود والنهي عن الفرد.

فعلى الأوّل يلزم من ثبوت النهي بطلان العبادة المتعلق بها النهي للقصور الذاتي حيث يرتفع الأمر عن الفرد المنهي عنه لا محالة ، ومعه لا محرز للملاك أيضاً فتبطل العبادة واقعاً تمسكاً باطلاق الهيئة في دليل الأمر المقتضي للاعادة أو القضاء ، وهذا هو البرهان الرابع الأعم من البراهين الاخرى ؛ لأنّه يثبت البطلان الواقعي ـ بمعنى عدم الاجتزاء به ولزوم الاعادة مع الامكان والقضاء خارج الوقت إذا كان فيه قضاء ـ حتى في صورة الجهل بالنهي ، كما انّه يثبته حتى في الواجبات التوصلية.

كما أنّ هذا يتم في تمام الأقسام الخمسة للنهي إذا كان التضاد بين الأمر والنهي الموجب للامتناع بلحاظ نفس الأمر والنهي وأمّا إذا كان بلحاظ مبادئهما أي المحبوبية والمبغوضية فهو لا يتم في القسم الرابع من النهي لعدم المبغوضية في

٤٥٠

متعلقه ليمتنع اجتماعه مع محبوبية الأمر فيه.

وعلى الثاني لا تبطل العبادة إذا كان متعلق النهي عنواناً آخر بينه وبينها العموم من وجه ـ لأنّ هذا هو مورد الجواز الميرزائي ـ في جميع الأقسام للنهي ولا يتم عندئذٍ شيء من البراهين السبعة المتقدمة أيضاً ؛ لأنّه يكون من قبيل النظر إلى الأجنبية حين الصلاة.

وعلى الثالث تبطل العبادة بالبرهان السادس أو السابع وهو يوجب البطلان في حال العلم بالنهي وتنجزه لأنّه بملاك عدم إمكان التقرب لا القصور الذاتي فتكون العبادة في صورة عدم تنجز النهي صحيحة واقعاً لاطلاق الأمر وتحقق القربة كما انّه يتم في الأقسام الخمسة للنهي عدا الثالث وهو النهي الغيري لعدم منجزيته أو مبعديته.

ص ١٢١ قوله : ( إذاً فالمبغوضية الفعلية لهذا الفرد ... ).

يمكن أن يناقش في ذلك بأنّ الكراهة والمبغوضية غير اللزومية قد تكون ناشئة عن مفسدة لو كانت وحدها كانت لزومية ، ولكنه للكسر والانكسار مع مصلحة الواجب المقدار الباقي منها غير لزومي فأوجبت الكراهة بناءً على الامتناع والسراية إلى الفرد ، فهي تجتمع مع انحفاظ ذات مصلحة الواجب في الفرد ، فلا يكون النهي كاشفاً عن عدمها فيه.

والجواب : انّ المفسدة في الفرد لو كانت لزومية كانت موجبة لحرمة الفرد قطعاً لا كراهته لامكان الجمع بينها وبين المصلحة اللزومية في الجامع ، وذلك بالآمر بالجامع ضمن فرد آخر بناءً على الامتناع ، نعم يمكن جعل هذا منبهاً على عدم سراية الحب من الجامع البدلي إلى الفرد المبغوض وعدم وقوع الكسر

٤٥١

والانكسار بين ملاك النهي في الفرد وملاك الأمر في الجامع البدلي وهو مبنى الجواز بالملاك الأوّل كما تقدّم في محلّه.

ومنه يعرف انّ ما في الهامش في المقام غير تام ؛ لأنّه خلف فرض السراية والامتناع.

ص ١٢٢ قوله : ( التنبيه الثاني ... ).

ينبغي التفصيل في ردّ كلام الميرزا كالتالي :

تارة يقصد بطلان العبادة باعتبار مانعية الجزء المحرّم ، واخرى يراد بطلان العبادة من ناحية عدم إمكان التقرب بالمركب الذي وقع ضمنه الحب المحرم وكلاهما باطل.

أمّا الأوّل فلوضوح أنّ حرمة الجزء لا تستلزم مانعيته ، وتقيد المركب بعدمه إذا جيىء بالجزء غير المحرم في مقام التدارك ، وما ذكره الميرزا هنا من الحيثيات الفقهية كلزوم القران أو الزيادة مضافاً إلى انها نكات فقهية لا اصولية ، ومختصة بباب الصلاة لا كل عبادة غير تامة في نفسها ، وتفصيلها في الفقه.

وأمّا الثاني فلأنّ التقرب إنّما يكون بالأجزاء المحققة للمركب العبادي وليس منها الجزء المنهي عنه ، ومجرد اقترانه معها لا يمنع عن التقرب بها ، هذا إذا فرض عبادية المركب بما هو مركب المساوق مع عبادية تمام أجزائه ، وإلاّ كانت العبادية لخصوص الأجزاء العبادية ، ولا مجال لتوهم عدم إمكانها لمجرد اقترانها بفعل محرم ، فحاله حال النظر إلى الأجنبية ضمن الصلاة ـ بل لو فرض الجزء المنهي عنه توصلياً وقيل بالجواز صحّ التقرب بالمركب المشتمل عليه أيضاً ؛ لأنّ المقصود من التقرب بالمركب بما هو مركب عندئذٍ هو قصد التقرب بتمام

٤٥٢

المركب وهي حيثية اخرى غير الجزء المأتي به المحرم.

وأمّا الشرط إذا تعلّق به النهي فقد ذكر السيد الشهيد انّه إذا كان عبادياً كالوضوء يبطل ، وإلاّ فلا يبطل.

والصحيح : انّه لابد من التفصيل بين عبادية الشرط بمعنى اشتراط قصد القربة فيه فهذا لا يمنع من التمسك باطلاق الشرطية في موارد الجهل بالنهي وحصول قصد القربة والتوصّل بالشرط إلى الواجب النفسي لعدم لزوم الاجتماع ؛ إذ الأمر بالتقيد لا القيد ، وهذا هو المقصود ممّا ذكرناه في هامش الكتاب وبين ما إذا كان بمعنى أنّ ما يكون عبادة في نفسه شرط في الصلاة فاطلاق الشرطية لا يثبت العبادية عندئذٍ لعدم الأمر بالشرط بعد فرض تعلّق الحرمة به بناءً على الامتناع.

والمحققون أضافوا النهي عن الوصف وبحثوا فيه كالنهي عن الجهر في القراءة وحاله حال النهي عن الشرط بل أحسن منه لعدم الأمر به ، لأنّ الوصف غير الموصوف فيعقل النهي عنه مع الأمر بذات الموصوف حتى على القول بالامتناع ولا يدخل في باب الاجتماع. نعم ، قد يدخل في باب التزاحم إذا كان الوصف ملازماً مع الموصوف. كما انّه إذا فرض الوصف متحداً خارجاً مع الموصوف بحيث يرى عرفاً فعلاً وعملاً واحداً واشترط التقرب العملي في ذلك الفعل فإذا تعلّق به النهي والتحريم قد يبطل العمل من ناحية القربة ، وقد حذف السيد قدس‌سره في الدورة الثانية هذا القسم وهو الأولى.

ص ١٢٣ قوله : ( فنقول : لو افترضنا انّ المكلّف كان يعلم ... ).

ظاهر العبارة أنّ من يعلم بعدم الأمر لا يمكنه الاتيان بالعمل مع قصد التشريع ،

٤٥٣

إلاّ انّ هذا غير صحيح ، فإنّ التشريع المحرّم في حق العالم بالعدم معقول أيضاً ، بل أشدّ حرمة ؛ لأنّه افتراء أشد على الله سبحانه وتعالى من التشريع في مورد الشك واحتمال الأمر.

وكأنّ المقصود بيان أنّ العمل تارة يبطل لعدم تأتي قصد القربة فيه كمن يعلم بعدم الأمر ، واخرى يبطل مع امكان قصد التقرّب به ؛ لاحتمال الأمر وامكان قصده رجاءً ، إلاّ انّ المكلّف يقصد الأمر بنحو الجزم واليقين ويسنده إلى الشارع فيكون تشريعاً فيبطل العمل من جهة الحرمة التشريعية ومانعيتها عن صحّة العبادة بأحد الوجوه الثلاثة المذكورة.

وهنا وجه رابع غير الوجوه الثلاثة ، وحاصله : أنّه إذا سلّمنا عدم حرمة التشريع وعدم قبحه العقلي مع ذلك لم يكن الفعل المأتي به بقصد الأمر الجزمي التشريعي عبادة صحيحاً لأنّ هذا ليس قصداً قربياً ، أي ليست اضافة حقيقية للمولى ومن أجله ، وإنّما اضافة صورية إذ المراد بنية القربة أن يكون داعيه أمر المولى ومن يعلم انّه يدعي عليه أمراً لا يعلم بثبوته ـ والمفروض انّه لا يقصد الرجاء ـ فهو ليس داعيه امتثال أمر المولى إلاّاسماً وصورةً لا واقعاً وحقيقة.

فالحاصل الداعي المولوي المعقول إنّما هو قصد الرجاء فإذا لم يكن متحققاً منه فلا يعقل في حقه داعٍ الهي آخر إلاّصورة فتبطل العبادة لعدم الداعي القربي ، الحقيقي لا لمانعية قصد التشريع وحرمته.

ثمّ إنّ هنا تنبياً آخر ذكره السيد الشهيد في دورته السابقة وحذفها في هذه الدورة وهو موجود في الكفاية ، حاصله : انّ النهي التحريمي الذاتي في العبادة إن اريد به النهي عن ذات العبادة أي العمل فهو معقول وموجب لبطلانها بأحد البيانين والبرهانين من البراهين المتقدمة ، إلاّ انّه غير ملتزم به فقهياً عادة في

٤٥٤

موارد ثبوت الحرمة الذاتية كصوم العيدين مثلاً. وإن اريد به النهي عن العبادة بما هي عبادة فهذا ممتنع ويمكن أن يذكر في وجه الامتناع عدة تقريبات :

الأوّل : ما ذكره في الكفاية من انّ تعلّق النهي والحرمة الذاتية بالعبادة بما هي عبادة مستلزم لاجتماع حرمتين وهو من اجتماع المثلين لأنّ العبادة إذا كانت منهياً عنها فلا أمر بها فلا يعقل التعبد بها إلاّبقصد التشريع وهو محرم في نفسه بحرمة التشريع فلو كان محرماً بحرمة ذاتية أيضاً لزم اجتماع المثلين وهو محال.

الثاني : ما ذكره المحقق النائيني انّ فرض العبادية يلازم فرض المقربية ، كما انّ فرض النهي الذاتي يلازم فرض المبعدية ويمتنع أن يكون شيء واحد مقرباً ومبعداً ، وهذا يعني انّه يستحيل تعلّق النهي التحريمي بالعبادة بما هي عبادة للزوم التضاد أو التناقض.

الثالث : قد يذكر من انّ تعلّق النهي بالعبادة بما هي عبادة يوجب امتناع تحقق المتعلّق لامتناع التعبد والتقرّب بعد فرض تعلّق النهي والحرمة ، ومعه يمتنع النهي أيضاً لاستحالة أن يكون محركاً وزاجراً بعد أن أصبح متعلقه ممتنعاً خارجاً ، فلو اريد أن يكون مانعاً عن فعل العبادة فالمفروض امتناعه ، وإن اريد أن يكون مانعاً وزاجراً عن غيرها فهو محال أيضاً ؛ لأنّ التكليف يحرك نحو متعلقه لا غيره مع انّه غير مقصود في المقام ، ولعلّه لهذه النكتة ذهب أبو حنيفة على ما نسب إليه من انّ النهي في العبادة يقتضي صحّتها.

الرابع : قد يذكر أيضاً من انّ التعبد والتقرب كلما أمكن كان حسناً ذاتاً فلا يعقل النهي عنه شرعاً ، فإنّه كالأمر بالمعصية ممتنع ؛ لأنّ حسن الطاعة والانقياد كقبح المعصية حكم عقلي تنجيزي لا يعقل الردع والمنع عنه شرعاً.

٤٥٥

ويمكن الجواب عن هذه الاشكالات بوجوه :

الأوّل : ما ذكره الكثيرون ـ من أنّ المراد تعلّق النهي التحريمي بما هو عبادة لولا النهي والمقصود أنّ البحث عن اقتضاء النهي التحريمي للفساد مرجعه إلى انّه لو تعلّق نهي تحريمي بعبادة بالمقدار الممكن والمعقول لتعلقه به ولو بتعلقه بذات العبادة ـ فهذا يوجب فسادها وعدم وقوعها صحيحة بأحد الوجهين المتقدمين من ارتفاع الأمر وعدم امكان قصد القربة.

فالتنافي بين النهي التحريمي والأمر أو بين النهي والمقربية مستفاد من نفس هذا البحث ، فليس البحث لغواً. وامّا هل ثبت ذلك في مورد من الفقه ويمكن الالتزام به في بعض النواهي عن العبادات بحملها على النهي التحريمي بذات العمل أو لابدّ من حملها على الارشادية فذاك بحث فقهي غير ضائر بالبحث الاصولي ، فإنّ تمام هدف البحث الاصولي اثبات هذه الملازمة والممانعة بين النهي التحريمي ولو عن ذات العبادة والصحة وتسميته بالاقتضاء وانّ النهي هو الذي دلّ على الفساد لأنّه لولا النهي كان صحيحاً لفعلية الأمر تمسكاً باطلاق دليله وإمكان قصد القربة فليس النهي متعلقاً بفعل لم يكن متعلقاً للأمر ولا عبادة ليقال بأنّه لغو ، فارتفاع عباديته في طول تعلق النهي ، وكفى بذلك أثراً في البحث الاصولي.

وثانياً : يمكن افتراض تعلّق النهي التحريمي بالفعل المأتي به بقصد الأمر ، وما ذكره صاحب الكفاية من لزوم اجتماع المثلين لأنّ قصد الأمر عندئذٍ تشريع محرم ممنوع حتى إذا قيل بحرمة الفعل المأتي به تشريعاً شرعاً.

إذ مضافاً إلى عدم توقف ذلك على قصد التشريع في تمام الصور كما إذا لم يصل إليه التحريم فإنّه يمكنه قصد الأمر ولو الاحتمالي رجاءً.

٤٥٦

نعم ، يرد عندئذٍ انّ مثل هذا التحريم لا يمكنه أن يصل إليه إلاّويمتنع عليه متعلقه وهذا اشكال آخر سيأتي التعليق عليه.

أقول : مضافاً إلى ذلك لا مانع من اجتماع حرمتين في الفعل المأتي به مع قصد الأمر التشريعي لاجتماع حيثيتين محرمتين فيه فيكون فيه حرمتان فعليتان احداهما حرمة التشريع والآخر كونه عبادة أي ذاك الفعل مع قصد الأمر نظير حرمة شرب الماء المغصوب والنجس والنسبة بينهما عموم من وجه في المقام أيضاً كما اتّضح ، فلا وجه للاندكاك.

وثالثاً : يمكن افتراض تعلّق النهي التحريمي بالعبادة بما هي عبادة بحيث لا يكون ذات الفعل محرماً ويكون ارتفاع الأمر وعدم امكان التقريب من جهة هذه الحرمة الذاتية للعبادة الفعلية.

وما يقال من امتناع ذلك للزوم اجتماع الضدين أو سائر الوجوه المتقدمة ممنوع بمعنى انّه لا اجتماع للضدين لا بلحاظ مبادىء النهي والحرمة وهي المبغوضية الذاتية للعبادة بما هي عبادة ولا بلحاظ المنتهى ومرحلة الامتثال لأنّ العبادية لا تتوقف على ثبوت واقع الأمر ليلزم تعلّق المبغوضية بالمحبوب ، بل تتوقف على أن يعتقد أو يحتمل المكلّف الأمر لكي يتأتى منه الانقياد وقصد القربة ولو لم يكن أمر واقعاً.

نعم ، لو كان النهي والبغض متعلقاً بالعبادة بمعنى الفعل مع قصد أمره الواقعي لزم التناقض بناءً على الامتناع ، ولكنّ العبادية ليست متوقفة على ذلك كما لا تضاد بلحاظ المنتهى ومقام العمل والامتثال كما لعله ظاهر كلام الميرزا حيث قال في الوجه المتقدم لزوم اجتماع المقربية والمبعدية فإنّ المقرب إنّما هو الفعل الذي يأتي به المكلّف بقصد الأمر الرجائي أو القطعي ، حيث لا يعلم بالنهي

٤٥٧

المولوي ولم يصل إليه ، وليس العمل عندئذٍ إلاّمقرباً وإن كان مبغوضاً ، نظير من قتل ابن المولى بتصور انّه صديقه فإنّه انقياد وحسن وليس المقصود بالقرب إلاّ ذلك لا الانبساط النفساني للمولى ، كما انّه بعد وصول النهي المولوي لا يكون الاتيان بالعمل إلاّمبعداً فلم يلزم اجتماع المبعدية والمقربية في فعل واحد ، وهذا واضح. وبناءً عليه فيعقل أن تكون العبادة الفعلية مبغوضةً للمولى ـ كما إذا فرض انها كانت تشبهاً ببعض مخالفي المولى وأعدائه أو لأي سبب آخر أوجب بغض المولى لتعبد المكلف بذاك الفعل لا بغضه لذات الفعل من دون تعبد ، فإنّه لا إشكال وجداناً في معقولية ذلك غاية الأمر هذا البغض لو وصل إلى المكلّف امتنع عليه متعلقه ، وليس منه قصد التشريع كما توهمه صاحب الكفاية لما تقدم من انّ التشريع ليس فيه تعبد واضافة للمولى.

إلاّ انّ هذا ليس محذوراً ثبوتياً منافياً مع روح التحريم وحقيقته وإنّما هو مخالف لظاهر خطاب التحريم في المحركية والزاجرية حيث لا يعقل ذلك عندئذٍ بل يكون الممنوع شرعاً ممتنعاً تكويناً في طول النهي والمبغوضية المولوية فيكون النهي اخباراً عن المبغوضية المولوية وإن كانت نتيجته عجز المكلف عن تحقيقه إذا كان النهي المذكور واصلاً إليه ، أي إذا علم بهذه المبغوضية. فلا يلزم اجتماع الضدين لا الأمر والنهي ولا المبعدية والمقربية.

كما انّه لا محذور في عدم محركية النهي إلاّاثباتاً لا ثبوتاً ، وامّا ما ذكر من انّ الانقياد والطاعة حسن ذاتاً وعقلاً فجوابه واضح ، وهو انّه بعد وصول البغض المولوي المذكور يرتفع موضوع التعبد والانقياد الحسن عقلاً وهو الأمر الذي كان يتوهمه المكلف ، وقبل وصوله يكون حسناً ولكنه مبغوض ولا محذور فيه ، نظير من انقاد للمولى فقتل صديقه بتصور انّه عدوّه ، لامكان اجتماع حسن

٤٥٨

الانقياد مع الحرمة والمبغوضية الواقعية من جهة أغراض المولى ومنافعه.

فالاعتراضات المذكورة بتمامها مندفعة ، والله العالم.

وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية وتابعه عليه بعض آخر من امكان تعلّق النهي التحريمي بالعبادة الذاتية كالسجود لله فهذا لا يجدي في حلّ الاشكال ، لأنّ ما هو عبادة ذاتاً بمجرد تعلّق النهي به ووصوله للمكلف يخرج عن كونه عبادة حقيقة أي مقرّباً للمولى وإن سمّي باسم العبادة أو السجود لغة ، فإنّ البحث ليس لفظياً وعن الأسماء بل عن واقع العبادة الفعلية التي لا تكون إلاّبالانقياد والتقرّب ، وهذا ممتنع مع تعلّق الحرمة بالسجود ، كما هو واضح.

ثمّ إنّ هنا بحثاً آخر حذفه السيد الشهيد موجود في الكفاية والمحاضرات وغيره من كتب الاصول ـ في مقدمات بحث اقتضاء النهي للفساد ـ عنوانه ما يقتضيه الأصل في المسألة عند الشك.

وقد ذكر في الكفاية انّه لا أصل في المسألة الاصولية أي في الاقتضاء وعدمه عند الشك فيه ، وامّا المسألة الفرعية أي صحّة العبادة أو المعاملة المشكوكة فالأصل العملي يقتضي الفساد لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة ، وامّا العبادة فكذلك لعدم الأمر بها مع النهي عنها كما لا يخفى.

وتابعه في المحاضرات بتوضيح انّه لا أصل في المسألة الاصولية ؛ لأنّ الملازمة على تقدير ثبوتها أزلية فليست لها حالة سابقة عدمية ليستصحب عدمها ، وامّا المسألة الفرعية ففي العبادة الأصل الفساد لانتفاء الأمر بتعلّق النهي وعدم امكان اثبات الملاك ، فالأصل يقتضي الاشتغال.

والواقع انّ هنا اشكالاً في هذه المنهجة أساساً ، إذ الأصل في المسألة

٤٥٩

الاصولية لا ينبغي أن يراد به عنوان الملازمة أو الاقتضاء كيف ولو كانت للملازمة حالة سابقة عدمية أيضاً لم يكن يجري استصحابه ؛ لأنّه لا يثبت اللازم والحكم الشرعي إلاّبنحو الأصل المثبت ، وإنّما المراد بالملازمة نكتة وبرهان الاقتضاء فلابدّ من أن يراد من الشك في المسألة الاصولية الشك في صحة البرهان الرابع أو السابع أي الشك في انّ تعلّق النهي هل يوجب ارتفاع الأمر أم لا أي الشك في امتناع اجتماع الأمر مع النهي وعدمه أو الشك في منافاة النهي مع قصد القربة المعتبرة في العبادة.

ومن الواضح انّ هذا الشك شك في المسألة الاصولية الكلية ونكتتها العامة ، وليس شكاً في مورد عبادة أو معاملة معينة نظير الشك في امكان جعل الحجّية والحكم الظاهري وعدمه ، فلا وجه لما قاله الكفاية وتبعه الآخرون من افتراض عدم امكان اجتماع الأمر مع النهي ، وبالتالي عدم احراز الملاك وانّ الأصل في المسألة الفقهية فساد العبادة ، فإنّ هذا بنفسه أحد أدلّة وبراهين الاقتضاء كما ذكره السيد الشهيد في البرهان الرابع قبل تعديله.

وعلى هذا نقول : انّه إذا كان الشك في اقتضاء النهي للفساد في العبادة فإن رجع إلى الشك في امتناع اجتماع الأمر والنهي كان مقتضى الأصل عدم الامتناع ، أي بقاء إطلاق الأمر وشموله للفرد المحرم أيضاً وبالتالي الاجتزاء به رغم حرمته وتعلّق النهي به.

وإن كان مرجعه إلى الشك في امكان التقرب مع فرض جواز الاجتماع فهذا مرجعه بالنحو المعقول للشك إلى الشك في اشتراط ذلك المعنى من قصد القربة المتقدم في البرهان السابع أي القربة الخالصة عن داع شيطاني معه ، وهذا أيضاً يكون مقتضى الأصل اللفظي والعملي فيه الصحة ؛ امّا اللفظي فبالتمسك باطلاق

٤٦٠