أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

الوجود وهو مستحيل بين العلّة والمعلول.

ولكنّ الصحيح في الاجابة أن يقال بأنّ الترشح ليس بمعنى السببية والعلية ، بل بمعنى الملازمة في الوجود ولو بوجود علّة مشتركة لهما على ما سيأتي شرحه ، وعليه فلا مانع من حصول التأكّد في الارادة والشوق بوجود ارادة واحدة مؤكّدة.

الثالث : لغوية الوجوب الغيري بعد فرض الوجوب النفسي للجزء.

وفيه : انّ اللغوية مانع عن الانشاء والاعتبار والفعل الاختياري للمولى ، وليس الوجوب الغيري انشائياً اعتبارياً على ما سوف يأتي ، بل هو أمر نفساني تكويني ، والذي نعبر عنه بروح الحكم ومبادئه ، وهي الارادة والشوق ، فإذا كانت علتها فعلية تحققت لا محالة ، سواء كان يترتب عليها أثر أم لا.

وهكذا يتّضح عدم تمامية شيء من الوجوه البرهانية التي ساقوها لاثبات خروج المقدمة الداخلية عن محلّ النزاع.

وأمّا الوجه الوجداني فقد ذكره في الدراسات بنحو ساذج ، حاصله : حكم الوجدان بالفرق بين المقدمة الخارجية والداخلية ، وانّ الأولى يترشح عليها الارادة والشوق الغيري ، بخلاف الثانية ، سواء في ذلك الارادة التكوينية أو التشريعية.

وهذا الوجدان لا ريب فيه ، ويمكن صياغته بصورة برهان حاصله : أنّ الارادة الغيرية إنّما تنقدح في النفس ـ سواء في التكوينية أو التشريعية ـ للتوصل إلى المراد النفسي ـ على ما سوف يأتي في شرح حقيقة الوجوب الغيري ـ وهذا فرع خروج المقدمة عن متعلّق الارادة النفسية ، وإلاّ كانت هي المراد النفسي

٢٤١

المطلوب أصالةً ، فلا يعقل ارادة الاجزاء للتوصل بها إلى نفس الاجزاء ، وهذا واضح. كما انّه لا يعقل في المقام التأكد في ارادة الاجزاء ؛ إذ التأكّد فرع شدّة الملاك النفسي أو تعدده ، وهو مفقود في المقام ؛ إذ لا يوجد إلاّملاك نفسي واحد هو منشأ الوجوب النفسي ، فمن أين يحصل التأكّد في الارادة الحاصلة منه ، وهذا بخلاف صلاة الظهر التي فيها ملاك نفسي وملاك غيري لملاك نفسي آخر وهو العصر.

وبهذا التحليل يظهر وجه الضعف في كثير مما ذكره الاصوليون في المقام وفي أصل منهجة بحثهم.

المقام الثالث : في ثمرة القول بالوجوب الغيري للاجزاء ، وقد ذكر ذلك المحقّق العراقي مدعياً انّه على القول بالوجوب الغيري للاجزاء لا تجري البراءة في موارد الدوران بين الأقل والأكثر ؛ لعدم انحلال العلم الإجمالي بوجوب التسعة مثلاً نفسياً أو وجوبها غيرياً ، وامّا على القول بعدم وجوب الاجزاء إلاّ نفسياً جرت البراءة عن وجوب الجزء العاشر المشكوك ؛ لانحلال العلم بالوجوب النفسي وتردده بين تعلّقه بالتسعة والعشرة والتسعة واجبة ضمنها على كلّ حال.

وفيه : أوّلاً ـ إنّما يتمّ لو كان القول بوجوب الاجزاء غيرياً مساوقاً لعدم وجوبها النفسي ، أمّا على القول بالتأكّد واجتماع الوجوبين في وجوب واحد مؤكد فالانحلال الحقيقي محفوظ بلحاظ ما تجري عنه البراءة ، وهو متعلّق ذات الوجوب النفسي لا حدّه.

وثانياً ـ تمامية الانحلال الحكمي على ما قرر في محلّه ، حتى إذا لم يتمّ الانحلال الحقيقي.

٢٤٢

ص ١٩١ قوله : ( والتحقيق في تفسير حقيقة الارادة المشروطة ... ).

يلاحظ على ما ذكره السيد الشهيد بأنّ تصدّي المولى لتحصيل غرضه أيضاً كالوجوب معلّق على تحقق الشرط ؛ لأنّه بمقدار الجعل ، وهو مشروط ومعلّق بحسب الفرض ، فالمولى لم يتصدّ لتحصيل الغرض والفعل مطلقاً ، بل مشروطاً ومعلّقاً على فرض تحقّق الشرط ، وهذا لا محذور فيه ؛ لأنّ التصدّي وتحميل المسؤولية على المكلّف أيضاً فعل اختياري للمولى ، وهو روح الحكم ، ويكون بمقدار المجعول ومنتزعاً عنه لا أكثر ، فلا محذور على هذا الأساس في الواجب المشروط لا بلحاظ مرحلة الجعل والاعتبار ولا بلحاظ مرحلة الارادة بمعنى التصدّي المولوي لتحصيل الفعل من المكلّف والتي هي روح الحكم ، ولا بلحاظ الملاك ، وأمّا الارادة بمعنى الشوق المؤكّد الذي هو منشأ التصدّي والجعل وهو مشترك بين الارادة التكوينية والتشريعية فلا وجه لدعوى وجدانية فعليته قبل تحقق الشرط والعلم به ، وإنّما الموجود مجرّد العلم بأنّه إذا تحقّق الشرط ففي الفعل مصلحة أو حسن وانّه يشتاق إليه ويريده ، فليس قبل تحقق الشرط إلاّهذا العلم بأنّه إذا تحقّق الشرط فسوف يحتاج إلى الفعل ويشتاق إليه ـ ولو بعد احرازه أو الاحساس بالحاجة إليه ـ وهذا بابه باب العلم بالقضية الشرطية التعليقية لا القضية المقيّدة ، ففرق بين العلم بالمقيّد أو ارادته وبين العلم بالقضية التعليقية المذكورة ، والذي لا يستلزم العلم بطرفيها ، وهذا العلم بالقضية التعليقية والذي هو علم بالشرطية والملازمة بحسب الحقيقة كافٍ في تبرير انشاء الجعل المشروط.

فلا حاجة أساساً إلى كلّ هذا التطويل ، لوضوح انّ تمام النكتة في ذلك تبرير انشاء الحكم والقضية الحقيقية وجعلها قبل تحقق الشرط والجعل مقدمة تكوينية

٢٤٣

لتحقق غرض المولى لابد في صدوره من المولى من فعلية الارادة ، فلو لم تكن فعلية فكيف صدر منه؟

والجواب : انّه يكفي في تبرير ذلك علمه بأنّه عند تحقق الشرط سوف يكون مريداً للفعل أو يكون الفعل محققاً للمصلحة أو حسناً في ذلك الفرض ، وهذا العلم كافٍ في انشاء الجعل المشروط أو القضية الحقيقية والتصدّي المشروط ، بل لا يعقل فعلية ارادة قبل تحقق الشرط لا بنحو الارادة المتعلّقة بالمقيّد بأخذ الشرط قيداً في المراد للزوم التهافت التي أشار إليه السيّد الشهيد ، فإنّ ارادة المقيّد ارادة لقيده لا محالة في مرحلة الارادة وإن لم يوجبه المولى ؛ لكونه غير اختياري أو أخذ وجود الاتفاقي قيداً ، ففرض كون القيد مما لا تترشّح عليه الارادة تهافت ، ولا بنحو الارادة المتعلّقة بالقضية التعليقية قياساً على العلم بالقضية التعليقية كما قيل ؛ لأنّ الارادة ليست كالعلم ، فإنّ العلم كشف الواقع والتصديق به ، وهو يعقل تعلّقه بمفاد الشرطية التي هي الملازمة والنسبة التصادقية بين جملتي الشرط والجزاء ، وهذا بخلاف الارادة فإنّها لا تتعلّق إلاّ بالأفعال ، ولا بنحو الارادة المتعلّقة بالجامع كما أفاده السيد الشهيد قدس‌سره ؛ لعدم الحاجة اليها ، بل وعدم وجودها وجداناً.

وكأنّ السيد الشهيد انتهى إلى ذلك لتبرير صدور الجعل للقضية التعليقية الحقيقية ، وقد عرفت توجيه ذلك. والوجدان قاضٍ بعدم تعلّق إرادة في النفس لا في التكوينية ولا في التشريعية المشروطتين بالجامع قبل تحقق الشرط.

ومما يشهد على الوجدان المذكور انّ ارادة الجامع فرع وجود مصلحة واحدة في الجامع أو مصلحتين متساويتين في الأهمية في كل من الفردين لا يمكن الجمع بينهما ، وليس في موارد الارادة المشروطة شيء من هذا القبيل ، فأي

٢٤٤

مصلحة في أن لا يكون الإنسان مستطيعاً أو أن لا يجيء زيد في ارادة الحج على تقدير الاستطاعة أو ارادة اكرام زيد على تقدير مجيئه؟

ويمكن أن نصوغ برهاناً على عدم تعلّق الارادة بالجامع بين عدم الشرط وفعل المشروط المقيّد بالشرط في موارد الارادة المشروطة ، وحاصله : انّ لازم تعلّق الارادة بالجامع بين أمرين انّه إذا أصبح أحد عدلي الجامع مبغوضاً فسوف يسري الحب المتعلّق بالجامع إلى الفرد والعدل الآخر لا محالة ـ على ما سيأتي في بحث اجتماع الأمر والنهي ـ فمن أراد اكرام أحد الشخصين زيد أو عمرو ثمّ عاداه زيد بحيث أبغض اكرامه فسوف ينصب شوقه وارادته لاكرام أحدهما على عمرو ، فيحبّ اكرامه بالخصوص منهما.

وهذا ينتج في المقام أنّ المولى إذا أصبح عدم الشرط مبغوضاً لديه كما إذا كان الشرط لواجب فعل واجب آخر كما إذا قال له : ( إذا صلّيت الظهر فتصدّق بدرهم ) انقلب الواجب المشروط عنده إلى واجب مطلق بحسب عالم الارادة ، أي أصبحت ارادته للصدقة المقيّدة بالصلاة مطلقة لا مشروطة ؛ لأنّ ترك الصلاة ـ أي عدم الشرط ـ مبغوض له ، وهو واضح البطلان ، بل تبقى ارادة الصدقة مشروطة حتى مع فرض مبغوضية ترك الشرط.

فالحاصل : مبغوضية أو محبوبية فعل الشرط أو تركه لا يؤثر على الارادة المشروطة أصلاً ، وهذا برهان على عدم وجود ارادة فعلية متعلّقة بالجامع المذكور.

فالصحيح : ما تقدّم من انّه لا محذور في الواجب المشروط لا على مستوى الجعل ولا الارادة ولا التصدّي المولوي ولا الملاك.

٢٤٥

ثمّ انّك عرفت أنّ روح الحكم ليست ذات الشوق والارادة التي هي صفة للمفس ، بل هي الارادة بمعنى التصدّي المولوي والذي يكون من مقولة الفعل كهجمة النفس في الارادة التكوينية ، وهي مشروطة بتحقق الشرط ؛ لأنّها منتزعة من الجعل بلحاظ فعلية مجعوله ، فحتّى إذا افترضنا الارادة بما هي صفة للنفس مطلقة أو متعلّقة بالجامع فهي أجنبية عن حقيقة الحكم ، وليست موضوعاً لحكم العقل بالطاعة ، فلا حاجة إلى أصل هذا البحث ، إلاّإذا اريد تحليل حقيقة الارادة التشريعية أو التكوينية المشروطتين بما هما صفتان في عالم النفس.

ص ١٩٨ قوله : ( والجواب : انّه يوجد بحسب الحقيقة قيدان ... ).

قد يناقش بأنّ أخذ قيد القدرة على الواجب في وقته بنحو الشرط المتأخر مستلزم لأخذ قيد الوقت أيضاً لأنّه وإن كان مبايناً معه عنواناً إلاّ انّه أخص ممنه تحققاً ، إذ لا قدرة على الواجب في الوقت إلاّمع فرض تحقق الوقت وحياة المكلف فيه وأخذ الأخص قيداً أخذ للأعم لا محالة. نعم عنوان الوقت أو وجود المكلّف أو سلامته مثلاً في ذلك الوقت لم يؤخذ قيداً إلاّ انّ البحث ليس عن العناوين كما انّه لا أثر مترتب على ذلك بل واقع الوقت ولو من خلال القيد الأخص وهو القدرة على الواجب في الوقت قد اخذ قيداً للوجوب فيكون الواجب مشروطاً بالنتيجة بتحقق الوقت ـ كما يقول صاحب هذا الاعتراض وهو السيد الخوئي قدس‌سره ـ فتسميته بالمعلق كقسم من أقسام الواجب المطلق في قبال الواجب المشروط غير صحيح بل هو قسم من الواجب المشروط ـ وهذا الاعتراض في الواقع اعتراض على صاحب الفصول في تسميته ذلك بالمعلّق وجعله في قبال المشروط ، بأنّه قسم منه لا انّه قسم له ، وليس اعتراضاً على أصل امكان تقدم الوجوب وتأخر الواجب ، كما في الاعتراضات القادمة.

٢٤٦

والجواب : ما في عبارة الكتاب من انّ المقدار الذي يؤخذ هو القدرة على الواجب من غير ناحية الزمان ، أي القضية الشرطية وهي انّه لو دخل الوقت كان حياً قادراً وامّا الوقت فيبقى التكليف مطلقاً من ناحيته لأنّه متحقق على كل حال ، فلا يؤخذ نفس دخول الوقت ولا القدرة على القيدية من ناحية دخوله قيداً حتى ضمناً بل حتى قيد الحياة والسلامة والقدرة في الوقت بالخصوص ليس شرطاً في التكليف بل الشرط أعم من ذلك.

وتوضيح ذلك : انّ القدرة على الواجب في الوقت الشرط عقلاً في كل وجوب يكفي فيه القدرة على حفظ القدرة على الواجب في الوقت ولو لم تحفظ فيه لوضوح انّ القدرة على ذلك قدرة على الواجب ويكفي عقلاً لصحة تكليف العبد به بحيث إذا ما لم يحفظ قدرته أو سلامته في الوقت مع تمكنه عليه قبل ذلك كان معاقباً وعاصياً ؛ لأنّه عجز نفسه بسوء اختياره ، وهذا بخلاف ما إذا اخذت القدرة أو الحياة أو السلامة على الواجب في الوقت قيداً وشرطاً للوجوب فإنّه عندئذٍ يجوز له تعجيز نفسه في الوقت لأنّه بذلك يرفع موضوع الوجوب ، فالواجب المعلّق يراد به ما يكون مطلقاً حتى من هذه القدرة أو السلامة في الوقت وليس مشروطاً به وإنّما الشرط في ايجابه المقدار اللازم من القدرة عقلاً والذي يكفي فيه القدرة على حفظ الحياة والسلامة والمقدمات قبل الوقت ولو بشرب دواء أو نحو ذلك قبل الوقت يجعله حيّاً قادراً في الوقت ، فيتنجز الوجوب وتجب كل تلك المقدمات من قبل بما فيه مقدمة حفظ القدرة والسلامة على الواجب في الوقت.

فكأنّ نظر صاحب الفصول إلى انّ الوجوب قد يكون مشروطاً بالحياة والسلامة والقدرة على الواجب في الوقت بالخصوص فيكون من الواجب

٢٤٧

المشروط وقد يكون مطلقاً من هذه الناحية فلا يكون مشروطاً بها وإن كان مشروطاً بأصل القدرة الجامع بين القدرة في الوقت والقدرة على حفظها فيها قبل الوقت ، وهذا وإن كان متوقفاً على تحقق الوقت الاستقبالي ؛ لأنّ هذا الجامع لا يتحقق إلاّبتحقق الوقت الاستقبالي في عمود الزمان.

إلاّ انّ تحقق الزمان لا يؤخذ شرطاً حتى بنحو الشرط المتأخر بل يكون الوجوب مطلقاً من ناحيته ومشروطاً بالقدرة من ناحية سائر الجهات كحفظ الحياة والسلامة ونحوها فلا يكون الزمان الاستقبالي قيداً للوجوب حتى بنحو الشرط المتأخر لا بعنوانه ولا من خلال أخذ قيد القدرة شرطاً في عموم التكاليف ، فتدبر جيداً.

ص ١٩٩ قوله : ( وكلا التقريبين لهذا الاعتراض غير تام ... ).

التقريب الأوّل منهما للنهاوندي ، والثاني منهما للأصفهاني قدس سرهما.

والأولى في الاجابة على التقريب الأوّل أن يقال : بأنّه لو اريد من الارادة التكوينية الشوق والحب الذي هو صفة نفسانية فنمنع المقدمة الثانية ، وهي عدم تعلّق الشوق التكويني بأمر استقبالي ، كيف وقد تقدّم امكان تعلّقه بأمر مستحيل وغير مقدور أيضاً.

وإن اريد بها مقولة الفعل كهجمة النفس أو الاقدام وحركة العضلات فنمنع المقدمة الاولى ، فإنّ الارادة التكوينية بمعنى الحركة والاقدام على العمل غير موجود في التشريعية أصلاً ، وإنّما الموجود فيها الشوق النفساني ، والطلب أو الانشاء أو الابراز أو التصدي المولوي بقانون العبودية لتحصيل الفعل من قبل المكلّف ، وكلّها أفعال غير متعلقة بالفعل المأمور به أصلاً ، فلا مانع من كون

٢٤٨

المأمور به الذي لابد وأن يصدر من المكلّف استقبالياً ، وهذا هو الجمع الفني بين ما في متن الكتاب وما في الهامش.

ص ٢٠١ قوله : ( وقد تفطن صاحب الاشكال ... ).

الموجود في الحاشية على الكفاية نقضان :

أحدهما : النقض بالواجب المنجز التدريجي التحقق كالمركبات ، فإنّ الركعة الثانية قبل تحقق الركعة الاولى لا يمكن ايجادها مع انّ وجوبها فعلي ، فيلزم انفكاك البعث عن الانبعاث.

وأجاب عليه : بالالتزام بتدريجية فعلية الوجوب أيضاً في مثل ذلك.

وفيه : وضوح بطلانه ؛ لأنّ الوجوب واحد وليس في البين وجوبات استقلالية متعددة ، والوجوب الواحد ليس له إلاّفعلية واحدة.

الثاني : النقض بالواجب المقيّد بقيود أو المتوقف على مقدمات ما لم تتحقق لا يتحقق الواجب ، كالصلاة المقيّدة بالطهور قبلها ، فلا يمكن أن يكون وجوبها فعلياً.

وأجاب عليه : ـ ولعلّه جواب منه أيضاً على كلا النقضين ـ في الحاشية على الكفاية ( نهاية الدراية ) بالفرق بين مورد النقض وبين الواجب المعلّق بأنّ المعلّق قبل زمانه لا امكان وقوعي فيه ، بخلاف الصلاة المقيدة أو المتوقفة على مقدمة أو قيد ، فإنّه يمكن وقوعها في كل آن ولو بتحقيق القيد أو المقدمة قبل ذلك الآن.

وقد رجع عنه في الحاشية على الحاشية ، حيث تفطن إلى عدم الامكان الوقوعي أيضاً في مورد النقض ـ كما ذكر السيد الشهيد قدس‌سره في الكتاب ـ فإنّ

٢٤٩

الواجب المقيّد بقيد زماني وإن كان ممكناً في عمود الزمان وقوعاً ولكن وقوعه الآن دفعة واحدة لكونه تدريجياً مستحيل ، فغير المتوضي أو من لم يأت بالركعة الاولى يستحيل منه وقوع الركعة الثانية أو الصلاة المقيدة بالطهور في هذا الآن ، فلا يمكن أن يكون ايجابه عليه في هذا الآن فعلياً.

ومن هنا أجاب على النقض في الحاشية على الحاشية بأنّ الفرق بالامكان الاستعدادي وإن كان صدوره خارجاً بحاجة إلى التدرّج في عمود الزمان بخلاف الواجب المعلّق.

وفيه : ما في الكتاب من انّه إذا اريد بالامكان الاستعدادي قابلية الفاعل ـ أي عدم العجز من ناحيته ـ فهذا موجود في الواجب المعلّق أيضاً ، وإذا اريد منه ما يعمّ قابلية القابل وامكان وقوعه خارجاً فهذا رجوع إلى اشتراط الامكان الوقوعي ، والذي اعترف بعدم ثبوته في مورد النقض أيضاً.

ويمكن أن يجاب على النقضين بجواب ثالث ـ لعلّه هو مقصوده ـ وهو انّ اللازم امكان وقوع الشروع في الانبعاث نحو أصل الواجب بقيوده ومقدماته المستلزمة له لا امكان وقوع كل جزء جزء من أجزائه ؛ إذ لو لزم ذلك لما صار الوجوب والبعث فعلياً أصلاً ليتحقق الانبعاث والتحريك ، فهذا المقدار لابد من الاكتفاء به في امكان فعلية التكليف وايجاد الداعي والبعث والتحريك المولوي ، وهذا مفقود في موارد الواجب المعلّق دائماً أو غالباً ؛ لعدم توقفه على مقدمة أو قيد يستلزم تحصيله قبل الوقت ، كما هو واضح.

فالصحيح في الجواب هو الجواب الحلّي من أنّ البحث ليس عن مفهوم البعث والتحريك والداعي ونحو ذلك ، بل عمّا هو موضوع حكم العقل بالاطاعة

٢٥٠

وامكان فعليته ، ولا اشكال في انّه عبارة عن تصدي المولى لتسجيل مراده ، ولو كان زمانه استقبالياً على المكلّف من الآن بانشاء أو اخبار ، والذي هو تحريك مولوي وبقانون حق الطاعة للمولى ، وليس تحريكاً تكوينياً ، وهذا لا اشكال في كفايته في حكم العقل بلزوم الطاعة ، بحيث لو قصّر الآن ففاته الواجب في وقته الاستقبالي كان عاصياً.

ص ٢٠٢ قوله : ( ثلاثة شروط ... ).

لا يقال : مع كون الشرط مضمون التحقق يمكن للمولى أن يجعل حكمه مطلقاً من ناحيته فيكون من ناحية هذا الشرط القضية خارجية كما ذكرنا في الواجب المعلّق فيكفي الشرط الأوّل حتى إذا كان الشرط والقيد من شرائط الاتصاف.

فإنّه يقال : لا يراد بالحكم مجرد لقلقة الجعل والاعتبار بل روحه التي هي الارادة من ورائه وهنا يعلم بتقيد الارادة وعدم اطلاقها ، لأنّ ما يكون شرطاً للاتصاف بالمصلحة يكون شرطاً للاتصاف بالحب والارادة أيضاً ، وإلاّ يلزم ترشّح الحب والارادة نحو الشرط ، وهو واضح البطلان كما تقدم شرحه في الواجب المشروط.

وهذا بخلاف ما إذا كان من قيود الترتب حيث تكون الارادة فعلية فيه حتى بلحاظ قيده في مرحلة الارادة والشوق ؛ لما تقدّم من امكان الشوق نحو غير المقدور ، وإنّما التحريك والجعل المولوي كان يجب تقييده بالمقدور ، فإذا كان قيد الترتب غير المقدور محقّق الوجود ـ كما هو المفروض بحكم الشرط الأوّل من الشروط الثلاثة ـ أمكن جعل الوجوب من ناحيته مطلقاً ، فتدبر جيداً.

٢٥١

ثمّ انّ الشرط الثالث قد يقال بعدم لزومه امّا لعدم اشتراط القدرة في التكليف بل في التنجيز أو لكون الشرط المتأخر بلحاظ قيد القدرة بهذا المقدار يقبله حتى القائل باستحالة الشرط المتأخر لوضوح اشتراط بقاء القدرة على الفعل إلى آخر الوقت في وجوبه في أوّله.

إلاّأن يقال انّ مقصود السيد الشهيد بيان شرائط الواجب المعلّق في نفسه لا تخريج المقدمات المفوّتة بالخصوص ، وإن كان ذلك من ثمرات القول بالواجب المعلّق. ومن هنا لعلّ الأنسب ذكر هذه الشروط الثلاثة في أصل البحث عن الواجب المعلّق وامكانه ، خصوصاً مع ملاحظة انّ هذا التنقيح لم يرد في كلام صاحب الفصول الذي هو صاحب نظرية الواجب المعلّق.

بل لعلّ ظاهر كلامه انّ الواجب المعلّق هو ما كان الوجوب فيه حالياً والواجب مقيداً بقيد استقبالي ، سواء كان من قيود الترتب أو الاتصاف.

وأيضاً ما ورد في كلام السيد الخوئي من ارجاع الواجب المعلّق المدّعى من قبل صاحب الفصول إلى الواجب المشروط بالشرط المتأخر فجعله قسماً من الواجب المشروط لا قسماً من الواجب المطلق.

ص ٢٠٤ ( الهامش الأوّل ).

غير صحيح بكلا أمريه ، وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان ، فإنّ الاتصاف بالمصلحة غير المنكسرة لا يتوقف على تحقق الوقت خارجاً بل على فرض ثبوته في زمانه ، أي انّه من شرائط الترتب لا الاتصاف ، وإنّما اخذ شرطاً للوجوب لكونه غير اختياري ، هذا بالنسبة إلى الأمر الأوّل.

٢٥٢

وأمّا الأمر الثاني فأخذ الزمان الاستقبالي شرطاً إنّما كان لدفع التكليف بغير المقدور واستحالة الواجب المعلّق أو للاستظهار من الدليل أو لأي سبب آخر ولم يكن من أجل التحرز عن إطلاق التكليف للحصة غير النهارية من الصوم لكي يشكل عليه باللغوية. كيف وهذا الأمر لو تمّ لأبطل الشرط المتأخر في المقام على كلّ حال فليس هذا اشكالاً مربوطاً بالوجه الثاني من الوجهين كما لا يخفى.

ص ٢٠٤ قوله : ( الجواب الثالث ... ).

هذا الجواب فيه مخالفة لظاهر دليل الواجب حيث انّه يؤلِّه إلى ايجاب سدِّ أبواب العدم في عرض واحد ـ كما بيّن في الهامش ـ فهو إنّما يصار إليه إذا لم يتم وجه آخر من الوجوه السبعة والتي يحفظ فيها على ظهور تعلّق الأمر النفسي بنفس العنوان الوجودي الواجب.

ثمّ إنّ هنا جواباً آخر ذكره المحقق الخراساني قدس‌سره في الكفاية وهو القول بالوجوب النفسي التهيئي للمقدمات المفوّتة قبل الوقت ، فالوجوب نفسي وإن كان الغرض والملاك منه التهيؤ لأداء الفعل الاستقبالي في وقته.

وهذا الجواب امّا أن يرجع إلى ما سيذكره الميرزا قدس‌سره من متمم الجعل في الوجه السادس أو لا يكون صحيحاً.

توضيحه : انّه إذا كان هذا الايجاب النفسي منوطاً بالواجب الآخر لبّاً وروحاً وملاكاً وإن لم يكن منوطاً به خطاباً فهذا هو متمم الجعل الذي يجعل الخطابين واحداً روحاً ولبّاً وإن تعددا خطاباً وتحريكاً وبعثاً ، وإن فرض استقلاله عنه فهذا غير صحيح إذ لا إشكال في انّه إذا لم يكن يجب عليه الواجب النفسي الاستقبالي

٢٥٣

في وقته لم تجب المقدمات المفوّتة.

فهذا الجواب لابد في توجيهه وتخريجه من ارجاعه إلى الجواب السادس بتقريب الميرزا قدس‌سره لا السيد الخوئي قدس‌سره ؛ ولعلّه لهذا لم يذكره السيد الشهيد قدس‌سره مستقلاًّ.

ثمّ انّ ما يذكره السيد الشهيد قدس‌سره حلّ لاشكال وشبهة هي انّه كيف تنقدح ارادة نحو المقدمة المفوّتة في الارادة التكوينية قبل فعليتها حيث انّ الزمان الاستقبالي شرط للاتصاف ولأصل الارادة مع اعتراف الوجدان ـ كما صرّح به الميرزا ـ بأنّ الفاعل يريد المقدمات المفوّتة في هذه الموارد ، ومن هنا كبرى وجوب المقدمة المفوّتة شرعاً أو عقلاً على الأقل لا ينبغي التشكيك فيه وجداناً لوجدانية تحرك المولى نحوه لو كانت ارادته تكوينية في الغرض فيتنجز لا محالة في التشريعية. وإنّما اشكال عقلي مستلزم لانهيار الوجوه المتقدمة كلها إذا فرض عدم امكان جعلها بأن التزمنا خلافاً للوجدان بأنّ المولى لا يمكن أن يتحرك نحو المقدمات في الفرض إذ ما لا يحرّك المولى لو كان مراداً تكوينياً لا ينجز على عبده لا محالة كما قرر في محلّه. فالمسألة واقعها هكذا.

وجواب السيد الشهيد علاج لهذه المشكلة التكوينية ، ولهذا لا ينبغي أن يتوهم انّ روح الواجب والارادة التشريعية سوف تكون بالجامع بل ليس الحكم والارادة التشريعية إلاّارادة الجزاء على تقدير الشرط لأنّ التصدي المولوي للتسجيل على ذمة العبد بالجعل والخطاب ليس بأكثر من ذلك ، وامّا الباقي فمجرد ارادة تكوينية بالجامع أو بحب الذات لتصحيح امكان جعل الخطاب المشروط الذي هو فعل تكويني للمولى قبل فعلية الارادة المشروطة ـ كما تقدم

٢٥٤

في البحث السابق ـ وأيضاً لتصحيح وجوب شرعي غيري متعلق بالمقدمة المفوّتة قبل الوقت رغم عدم فعلية الوجوب المشروط لأنّ الوجوب الغيري لا يراد به إلاّالارادة الغيرية للمقدمة وهي مترشحة من ارادة فعلية بالجامع.

وقد عرفت في ذاك البحث انّ هذا لا حاجة إليه ، بل العلم بأنّه سوف يبتلى بالعطش في المستقبل وحاجته إلى الماء يكفي لأن يتحرّك نحو اعداد وتحصيل المقدمة المفوّتة له قبل الوقت ، فالعلم بل الاحتمال كافٍ لهذا المقدار من التحرك في الارادتين معاً.

ودعوى : انّه لولا حبّه لذاته فعلاً وتألمه وانزجاره من ابتلائه بالحاجة من دون امكان رفعها لما أقدم على ذلك ، فالعلم لا يكفي بل لابد من ثبوت الحب الفعلي المذكور.

مدفوعة : بأنّ هذا ليس حباً وألماً بالفعل ، بل ادراكاً بأنّه سوف يتألّم في المستقبل.

ودعوى : أنّ ارادة المقدمة المفوّتة قبل الوقت في الارادة التكوينية لا يمكن أن تكون نفسية ؛ لوضوح عدم ملاك نفسي فيها فلابد وأن تكون غيرية ومترشّحة من ارادة نفسية فعلية ، وليست هي إلاّارادة الجامع.

مدفوعة : بمنع لزوم ذلك ، بل نقول في الفاعل المختار المطّلع على المستقبل يكفي علمه بل احتماله بأنّه سوف يريد في وقته الفعل الفلاني المتوقف على مقدمة مفوّتة قبل الوقت في انبثاق ارادة غيرية نحو مقدمته قبل الوقت ، وبهذا يعرف انّ المقدمات المفوّتة كغير المفوّتة من حيث تعلّق الوجوب الغيري بها ، بلا حاجة إلى خطاب نفسي بعنوان متمّم الجعل كما ذهب إليه الميرزا قدس‌سره.

٢٥٥

فلا حاجة إلى كلّ هذا التطويل ، بل ليس بصحيح ؛ لما تقدّم من وجدانية عدم تعلّق حبّ له بعدم العطش ولو بنحو أحد عدلي الجامع ، بل قد يحب الشرط ويبغض عدمه ، فيلزم أن يصبح حبّه نحو الجزاء فعلياً طبقاً لما اعترف به السيد الشهيد قدس‌سره من تحقّق هذا الانقلاب في المقام ؛ لكون هذه الأشواق والارادات غيرية لا نفسية ، مع كونه خلاف الوجدان جدّاً.

ثمّ انّ هنا بحثاً مهماً اثباتياً كان ينبغي التعرّض إليه ، وهو انّ ثبوت وجوب المقدمات المفوّتة قبل زمان فعلية الوجوب بحاجة إلى دليل في مقام الاثبات ، ولا يكفي حتى الوجه الأخير العقلي لاثبات وجوبها قبل الوقت ؛ لاحتمال كون القدرة على الواجب في زمان فعلية الوجوب من شرائط الاتصاف ، حيث لا يمكن استظهار خلافه من دليل الخطاب ، لاشتراط القدرة في الخطابات جميعاً وسقوط الدلالة على الملاك بسقوط الخطاب.

نعم ، لو قلنا بكفاية القدرة قبل الوقت في فعلية الخطاب وعدم اشتراط العقل لأكثر من ذلك كان لازمه فعلية الخطاب في الوقت مع العجز ؛ لكونه عجزاً بسوء الاختيار. وكذلك لو قبلنا إطلاق المادة بلحاظ الملاك ـ مبنى الميرزا ـ أو كون القدرة أساساً قيداً في التنجيز لا الفعلية أو استظهار انّ القدرة عرفاً شرط في الاستيفاء لا الاتصاف.

ص ٢١٢ قوله : ( الفرض الثاني : أن يعلم ... ).

في هذا الفرض لا فرق بين علمه بأنّه إذا لم يتعلّم فسوف تفوته فرصة التعلّم في المستقبل أو احتماله ذلك ، فإنّه أيضاً منجّز ، فإنّ التكليف المنجّز في المستقبل يجب حفظه ، وتفويته الاحتمالي مع القدرة على حفظه أيضاً موجب لاستحقاق العقوبة ، وهذا كان ينبغي ذكره في الكتاب.

٢٥٦

ص ٢١٣ قوله : ( واخرى بما عنه أيضاً ... ).

ظاهر كلام السيد الخوئي في تقريرات الفياض انّ روايات التعلم واردة في موارد احتمال الابتلاء بحيث لا يمكن تخصيصها بمورد العلم أو الاطمئنان بالابتلاء ، فلو جرى الاستصحاب في هذه الموارد لم يبق تحت عمومات التعلّم إلاّ موارد نادرة فتتقدم عليه لا محالة.

وقد أجاب السيد الشهيد عليه بأنّ الموارد الباقية ليست بالنادرة إذ يبقى تحتها مورد العلم بالوجوب مع الجهل بخصوصيات الواجب وموارد عدم جريان الاستصحاب والأصل المؤمن للعلم الإجمالي بالابتلاء.

ويمكن أن نضيف مورد العلم بالصغرى والجهل بالكبرى بناءً على ما هو الصحيح من عدم جريان الاستصحاب والاصول المؤمنة قبل الفحص في الشبهة الحكمية لقصور في إطلاق أدلّتها لا لمانعية دليل وجوب التعلّم.

إلاّ انّ هذا الجواب وإن كان يدفع هذا الوجه ، إلاّ انّه لا يتم بناءً على مبنى السيد الشهيد بحق الطاعة والاحتياط العقلي ؛ لأنّ غايته التعارض بنحو العموم من وجه بين دليل الأصل المؤمن الشرعي ودليل وجوب التعلّم ـ الطريقي ـ وبعد التساقط يكون المرجع الاحتياط العقلي.

نعم ، لو قلنا بأنّ دليل حجّية الأصل المؤمن يكون وارداً على وجوب التعلّم حيث لا يراد به تعلّم خصوص الحكم الواقعي بل الأعم منه ومن الحجة والمؤمن الظاهري ، أو قلنا بأنّ الاستصحاب المذكور موضوعي حاكم على دليل التعلّم ؛ لأنّه ينفي صغرى التكليف ، تمَّ هذا الجواب حتى على مسلك حق الطاعة ، ويتلخص في انّه إذا كان يبقى لدليل التعلم مورد افتراق معتد به قدم دليل

٢٥٧

الاستصحاب ـ أو أي أصل مؤمن ـ بالحكومة وإلاّ كان بحكم الأخص والمقيد لاطلاق دليل الاستصحاب ، وحيث انّ الأوّل هو الصحيح فلا يتم الوجه الذي ذكره السيد الخوئي قدس‌سره.

ص ٢١٤ قوله : ( ورابعة بما يمكن أن يكون مقصود المحقق النائيني قدس‌سره ... ).

تارة : يدعى انّ وجوب التعلّم حكم نفسي موضوعه الشك وعدم العلم كما عن المحقق الأردبيلي قدس‌سره. فعندئذٍ لا يجري الاستصحاب الموضوعي المذكور إلاّ بناءً على المبنى الذي تقدم في ردّ الوجه الثالث المتقدم من قيامه مقام القطع الموضوعي حتى إذا لم يكن له أي أثر طريقي.

واخرى : يدعى انّه حكم طريقي أي تنجيز أو ايجاب احتياط تجاه الحكم الواقعي المشكوك قبل الفحص والتعلّم ـ كما هو الصحيح ـ ولا شك انّ مفاد هذا الحكم عندئذٍ انّ الجهل بالحكم قبل الفحص والتعلّم ليس عذراً ، وهذا لا ينفي معذرية الجهل بالموضوع لأنّه خارج عن دائرة التعلّم كما هو واضح ، ومن هنا تجري البراءة في الشبهة الموضوعية حتى إذا كان حكمه أيضاً مجهولاً قبل الفحص والتعلّم كما تقدّم في الفرضية الرابعة.

وعندئذٍ قد يقال في المقام : انّ المكلّف قبل ابتلائه جاهل بالموضوع بحسب الفرض بمعنى انّه بلحاظ حاله قاطع بعدم فعلية الموضوع وبلحاظ المستقبل جاهل بتحققه فيجري في حقه الأصل الموضوعي المؤمن عنه فهو عذره الآن وعند الابتلاء به يكون غير قادر بحسب الفرض فهو عذره عندئذٍ ولا يحتاج إلى اثبات شيء آخر بعد ثبوت المؤمّن والعذر عليه في الحالتين ولا يحتاج إلى اثبات عنوان عدم الوقوع في المخالفة من ناحية الجهل.

٢٥٨

وهذا نظير نفي وجوب سائر المقدمات المفوّتة عليه إذا كان يشك في ابتلائه بموضوع التكليف في المستقبل كما إذا شك في انّه سيمرّ على صحراء لا ماء فيه في طريقه أم لا مثلاً فإنّه لا شك في جريان الأصل الموضوعي لنفي وجوب تحصيل المقدمات المفوّتة من قبل وعند الابتلاء وتحقق موضوع التكليف يكون غير قادر ومعذوراً لا محالة.

وملخص جواب السيد قدس‌سره عن الاشكال أنّ مفاد أخبار التعلّم تنجز الواقع بمعنى عدم رضا الشارع بمخالفة التكليف نتيجة ترك التعلّم ، وهذا معناه انّ كل تعلّم يحتمل أن يكون مؤثراً في أداء التكليف وامتثاله يكون منجزاً على المكلّف. والمفروض انّ دليل التعلّم مقدم على اطلاقات الاصول العملية بالأخصية أو الحكومة حتى إذا فرض جريان الأصل النافي للابتلاء وعدم كونه مثبتاً ، وهذا الاحتمال في المقام موجود بخلاف الفرض الرابع أو سائر المقدمات المفوّتة ، لأنّ المكلّف يحتمل ابتلاءه بالواجب بنحو بحيث لا يمكنه تعلم كيفيته عند الابتلاء فيفوته ، وهذا الاحتمال منجز بحسب الفرض والأصل المؤمن من استصحاب استقبالي أو براءة لا يؤمن من ناحية هذا الاحتمال وإنّما يؤمن من ناحية احتمال فوات التكليف واقعاً نتيجة الجهل بالموضوع.

فالحاصل قبل الابتلاء توجد ناحيتان للتنجيز لابدّ من التأمين عنهما :

احداهما : فوات التكليف واقعاً من ناحية الجهل بتحقق موضوعه ، وهذا يؤمن عنه الاستصحاب الاستقبالي أو أي أصل مؤمن آخر يكون جارياً بلحاظه.

والاخرى : فوات التكليف نتيجة عدم تعلمه بحيث لو كان قد تعلّمه لم يكن

٢٥٩

يفته في وقته ، وهذا مشمول لدليل التعلّم بحسب الفرض وخارج عن اطلاقات الاصول المؤمنة ، وليس عنوان فوت التكليف موضوعاً لوجوب التعلّم ليجري استصحاب عدم الفوت في المستقبل ، بل الموضوع التكليف المحتمل ، واستصحاب العدم الموضوعي الاستقبالي أو أي أصل آخر حتى إذا قيل بقيامه مقام القطع الموضوعي لا يجدي في التأمين عن هذه الناحية ، إمّا لكونه مثبتاً أي لا ينفي احتمال فوت التكليف من هذه الناحية إلاّبالملازمة العقلية أو لتقدّم إطلاق أخبار التعلّم عليه بالحكومة أو الأخصّية ، أو لأنّ نظر الاصول المؤمّنة إلى التفويت من ناحية الجهل لا من ناحية ترك التعلّم المحتمل أدائه إلى ترك الواجب كما أشرنا إليه ، فيجب التعلّم بالخصوص من المقدمات المفوّتة على المكلّف.

نعم ، إذا كان يعلم بأنّه سوف يبقى شاكّاً في الصغرى حتى في المستقبل وأنّ الحكم الظاهري الفعلي في حقّه عند زمان الابتلاء أيضاً هو الترخيص الشرعي الجاري في الشبهات الموضوعية مطلقاً ، فلا يجب عليه التعلّم عندئذٍ ؛ لأنّه من قبيل مورد العلم بعدم ابتلائه بالموضوع مستقبلاً وللعلم بعدم التفويت من هذه الناحية.

وكذلك الحال إذا فرض انّ القدرة على الامتثال حتى من ناحية التعلّم كان من شرائط الاتصاف في وقت الابتلاء ، فإنّه أيضاً على القاعدة لا يجب التعلّم من المقدمات المفوّتة.

ص ٢١٧ السطر الأخير قوله : ( ويتمّ إطلاق الهيئة ... ).

بيانه الفني : أنّ هذا بحسب الحقيقة بابه باب مقيدية العلم بعدم شمول المادة للحصة الواقعة قبل القيد ، والعلم مقيديته تكون بمقداره لا أكثر ولا علم بأكثر

٢٦٠