غاية المأمول من علم الأصول - ج ١

الشيخ محمّد تقي الجواهري

غاية المأمول من علم الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد تقي الجواهري


المحقق: مجمع الفكر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-5662-79-6
الصفحات: ٧١٩
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

كتاب غاية المأمول من علم الأصول

الجزء الأوّل

بقلم

محمّد تقي الجواهري

من تقريرات بحث أستاذه الأوحد

العلّامة العلم زعيم الحوزة العلميّة الكريمة

آية الله المحكمة جناب السيّد أبو القاسم الخوئي أدام الله أيّام إفاداته القيّمة

وإفاضاته العامّة وجمع به شمل العلم وشمل أهله وأدام فضله

بعميم فضله إنّه المتفضّل المنّان والمبتدي بالإحسان

٥
٦

كلمة المجمع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله ، وأفضل الصلاة والسلام على خاتم رسله محمّد وآله الأطهرين.

يسرّ مجمع الفكر الإسلامي أن يقطف ثمرة جديدة من الشجرة المباركة العريقة ، الحوزة العلوية الشريفة في النجف الأشرف ليقدّمها إلى ذوي الفضل والعلم.

وان نظرة إلى سير الدراسات العلميّة ولا سيّما الفقهية والاصوليّة الصادرة عن هذه المدرسة المباركة خلال تاريخها الوضّاء تكشف عن عدم فتور وتوقّف دورها الفاعل وبحوثها العلميّة ، بل تعرب عن تطوّرها وتكاملها رغم الظروف العسيرة والأحداث المرّة التي مرّت عليها ، فكان لها الحظّ الأوفر في إكمال مسيرة الفقه الإمامي واصوله.

ومن النتاجات الاصولية المتميزة لهذه المدرسة هي ما قرّره الحجّة الشهيد آية الله الشيخ محمد تقي آل صاحب الجواهر ـ تغمّده الله برحمته الواسعة ـ اثناء تتلمذه لاستاذه المرجع الأعلى سماحة آية الله العظمى السيّد الخوئي قدس‌سره وحضوره في أكثر من دورة واحدة من دروسه لاصول الفقه.

٧

وممّا يلفت النظر أنه رحمه‌الله التزم بتدوين الملاحظات التي أبداها الاستاذ في دوراته التدريسية المتتالية ممّا قد يكون رجوعا أو تعميقا أو تعديلا لما أملاه سابقا.

وها هو (غاية المأمول) نقدّمه في حلّته الأنيقة وبتحقيق شامل لشتّى جوانبه ، وذلك بفضل جهود نخبة من العلماء المختصّين بشئون التحقيق ، وهم :

١ ـ سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة الله الرحمتي الأراكي.

٢ ـ سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ أحمد المحسني.

حيث قاما بتدقيق المتن ووضع العلامات الفنيّة وما إلى ذلك من مستلزمات التحقيق.

وجدير بالذكر أن هناك ـ مثلما أسلفنا ـ إضافات كثيرة مكتوبة في هامش النسخة الخطيّة ، قد عيّن المقرّر كثيرا من مواردها وترك بعضها الآخر دون إعلام بمواضعها. كما يلاحظ أحيانا أنّه عدل عن بعض المقاطع ممّا كتبه واستبدله بكتابة اخرى لكنّه لم يحذف ولم يشر إلى حذف المقطع المعدول عنه. فكلّ هذا ممّا عولج بإجراءات لازمة مناسبة.

وفي بعض الموارد أضاف المقرّر ملاحظاته وآراءه الخاصّة وختمها بتوقيعه (جواهري) ونحن أيضا ميّزنا هذه التعليقات عن سائر تعاليقه باضافة اللقب (الجواهري) إلى آخرها. علما بأنّ هوامش المقرّر كلّها فصلت عن هوامش التحقيق بعلامة النجمة (*).

٣ ـ سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيّد حافظ موسى زاده.

٤ ـ سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد باقر حسن پور.

حيث عهدت إليهما مهمّة استخراج المصادر والتثبّت منها.

٥ ـ الأخ الفاضل رعد المظفّر.

٦ ـ الأخ الفاضل صباح البهبهاني.

٨

وقد تولّيا مقابلة الكتاب بعد الطباعة.

وهنا نقدّم خالص شكرنا لهؤلاء الأخوة الأفاضل وسائر المساهمين في إنجاز هذا المشروع. وندعو لهم بحسن التوفيق. كما ونشكر جزيل الشكر لسماحة العلّامة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حسن الجواهري ـ نجل المؤلّف ـ دام مجده على مراجعته للكتاب والإشراف على مراحل تحقيقه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مجمع الفكر الإسلامي

١٤٢٨ ه

٩
١٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ترجمة المؤلف

اسمه ونسبه :

هو الشيخ محمد تقي ابن الشيخ عبد الرسول ابن الشيخ شريف ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ الأكبر محمد حسن قدس‌سره صاحب كتاب جواهر الكلام في شرح كتاب شرائع الإسلام ، وهو شيخ الأسرة الجواهرية وعلمها في زمانه.

هذا نسبه من قبل الآباء ، أما نسبه من جهة الأمهات فأمّه من الأسرة الجواهرية ، وهي كريمة آية الله الشيخ محمد حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ صاحب الجواهر قدس‌سره.

كانت أخلاقه العالية وعلمه وفقاهته الواسعة وملكاته العالية في تربية طلّاب الحوزة ؛ من عراقيين وإيرانيين ولبنانيين وبحرانيين وأحسائيين وقطيفيين وهنود وباكستانيين وأفغانيين ، قد جعلته ممن يشار إليه في تسلّم مسئولية إدارة المرجعية والحوزات العلمية ، فلا تجد في أي قطر من أقطار الشيعة الإمامية ممن يتّبع مدرسة النجف إلّا وله فيها طلّاب قد تسنموا كرسي التدريس والإرشاد والدفاع عن الدين الحقّ والوكالة عن المرجعية الدينية.

١١

مولده ونشأته :

اختلفت المصادر التي أرّخت للشيخ المؤلف ولادته ، فذكر بعضها أنّ ولادته كانت سنة (١٣٤٢ هجري قمري) وذكر البعض الآخر أنّها كانت سنة (١٣٤١ هجري قمري) كما ذكر البعض أنّ ولادته كانت سنة (١٣٤٠ هجري قمري) ، ولكن الذي وجدناه في سجلّه الرسمي كان يشير إلى أنّ ولادته كانت سنة (٣١ / ١ / ١٣٠٤ هجري شمسي).

وقد نشأ المترجم له رحمه‌الله نشأة دينية في محيط علمي ، فليس هو مبتدأ في اختياره المسلك الديني ، بل ورث ذلك من أسرته العلمية الذائعة الصيت ، وآبائه العلماء الأعلام ، المنتسبون إلى شيخ الطائفة (صاحب جواهر الكلام) الذي كان على سيرة آبائه العلماء الأعلام في النشأة الدينية أبا عن جد.

فقد ذكر صاحب ماضي النجف وحاضرها عن أسرة آل الجواهري فقال :

«من مشاهير الأسر العلمية النجفية ودوحة من دوحات الفضل العليّة ، بزغ بدرها في أفق النجف ، واشتهرت بعنوانها (الجواهر) الذي صار علما لها ومتسما اتسمت به في أواسط القرن الثالث عشر. وكان لآبائها في النجف ذكر قبل ذلك في أوائل القرن الثاني عشر ، فإن جدها الأعلى عبد الرحيم الشريف الموصوف بالكبير النجفي كتب له بعض تلامذته شعرا سنة ١١٤٩ ه‍.

شعّ ضوء هذه الأسرة وطار صيتها من حين نبوغ جدّها الأعلى الشيخ صاحب الجواهر ، فتقمّص أبراد الفضل والعلوم الروحية ، وتوارثها منه ابناؤه الغرّ الاماثل فتكونت على تعاقب الأعوام والسنين منه أسرة علمية شهيرة نبغ فيها علماء مشاهير وأدباء وشعراء فطاحل وضمّ بعضهم إلى فضله الغزير أدبه الوافر ، كما حاز رجال منها الزعامة العلمية والبلدية.

أقول : نشأ المترجم له في محيط علمي أدبي ، إذ رأى أن أسرته قد حازت جناحي السبق في العلوم الدينية والعالي من الأدب العربي والشعر ، فاينما

١٢

يحطّ يجد علما عاليا وأدبا وشعرا راقيا ، ومما نقله لنا السيد حسين ابن السيد محمد تقي بحر العلوم «وقد كنّا نلتقي به في مكتبة العلمين» : «إن ديوان أسرة آل الجواهري كان يلتقي فيه أكثر من سبعين شيخا منهم ، تعلوهم العمائم والكرائم البيضاء».

وكان أكثر بل كل هؤلاء من الأدباء الكبار كما يشهد بذلك تراجمهم التي ذكرها لهم مؤرخو زمانهم.

في هذا الجوّ وتحت ظلّ أب عالم زاهد «ترك التصدي للمرجعية الدينية رغم اصرار تلامذته واقرانه على ذلك» فوجهه وجهة أهل العلم والفضل والكمال ، فنبغ في العلوم الدينية مبكرا وحاز شاعرية فياضة قوية ، في مقتبل عمره كما سنعرض نماذج من شعره فيما بعد.

هذا هو الجوّ العلمي والأدبي الذي نشأ به المترجم فكان أفضل مثال للطالب النجفي والعالم المتقي والأديب الهادف والشاعر المدافع عن كيان الشريعة الغراء.

ما كتب عنه المؤرخون :

وقد كتب عنه المؤرخون رغم حداثة سنّة وبداية تطلّعه ، فقد كتب عنه صاحب شعراء الغري (أو النجفيات) فقال :

هو الشيخ محمد تقي ابن الشيخ عبد الرسول ابن الشيخ شريف ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ الأكبر محمد حسن صاحب جواهر الكلام : عالم فاضل ، وأديب بارع ، وشاعر مطبوع.

ولد في النجف (٢٥ جمادى الأولى من عام ١٣٤١ ه‍) ونشأ بها على والده الحجة الفقيه فقرأ عليه المقدّمات وعني بتوجيهه وتدريسه فنال العلم الجم على صغره ، واختلف على حلقات أعلام عصره كحلقة والده في الفقه ، وفي الأصول على حلقة السيد أبو القاسم الخوئي والشيخ ميرزا باقر الزنجاني.

١٣

والمترجم له شاب يحمل عقل الشيوخ ، وإنسان يتصف بصفات الإنسان الصحيح ، عرفته منذ طفولته فلم أجد فيه همزة أو غمزة ، ولاحظته وهو يختلف على مجالس أهل العلم فكان يصغي لما يدور فيها من حوار علمي ، فإذا وجد الظرف ملائما والمجادل قد اتّصف بالهدوء النفسي نزل إلى ساحة النقاش معه ، وهذه أبرز الظواهر التي شاهدتها منذ خمس وعشرين عاما حتى الآن في والده ـ حفظه الله ـ وبذلك لم أجد من أولاد العلماء من تأثر بخلق أبيه كصاحبنا الذي جمع بين جمال الخلق وحسن الخلق (١).

وقال عنه صاحب ماضي النجف وحاضرها :

الشيخ محمد تقي ابن الشيخ عبد الرسول ابن الشيخ شريف ، ولد في النجف يوم الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة (١٣٤٠ ه‍) ، ربّاه والده تربية أهل العلم ، وهذبه تهذيب أهل الكمال ، فهو مع صغر سنّه يحمل أخلاقا فاضلة وخلالا حميدة ، ويضم مع حسن خلقه الفضل والأدب فينظم الشعر ويحسن صوغه ، وهو مع ذلك محافظ على محلّه العلمي ووقته الثمين الذي لا يصرفه إلّا في خدمة والده وما يتوخاه من طلب العلم (٢).

وقال عنه صاحب معجم رجال الفكر والأدب في النجف :

محمد تقي ابن الشيخ عبد الرسول ابن الشيخ شريف ولد (١٣٤٠ / ١٩٢٢).

عالم فاضل مجتهد جليل ، شاعر نحرير من أجلاء المشتغلين في الفقه والأصول.

ولد في النجف الأشرف وأنهى مقدّمات العلوم وحضر على والده وعلى السيّد أبو القاسم الخوئي ، والسيّد محسن الحكيم ، وتصدّى للتدريس ، ينظم الشعر ويحسن

__________________

(١) شعراء الغري أو النجفيات ، علي الخاقاني ٧ : ٣٣٧.

(٢) ماضي النجف وحاضرها ٢ : ١٢٦ / ٢١.

١٤

صوغه ويبرهن على قريحته الفياضة وشاعريته الرصينة. ترك الشعر وانصرف بكامله إلى دراسة وتدريس الفقه والأصول ، بعد أن نشرت له قصائد قيمة في الصحف النجفية. أولاده : أمين ، كاظم ، صادق ، الدكتور حسين ، الشيخ حسن ، الشيخ علي ، الشيخ محمد ، محمد رضا.

له : ديوان شعر ، كتابات وحواشي في الفقه والأصول ، مدارك العروة الوثقى ، منظومة في فروع العلم الإجمالي (١).

وقال عنه الشيخ المؤرخ الكبير : شيخ آقا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة :

هو الشيخ محمد تقي ابن الشيخ عبد الرسول ابن الشيخ شريف ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد حسن مؤلف : (الجواهر) : عالم أديب.

«آل الجواهري» من أسر العلم والزعامة في النجف نبغ فيها جماعة من الفقهاء الفطاحل والشعراء العباقرة والزعماء الدينيين ، يأتي ذكر كلّ منهم في محلّه إن شاء الله تعالى ، ولد المترجم له في النجف (٢٥ / ١ : ١٣٤١) فأخذ الأوليات وقرأ السطوح على بعض الأعلام والأفاضل وحضر على والده وعلى السيّد أبي القاسم الخوئي والشيخ الميرزا باقر الزنجاني وغيرهم ، وقرض الشعر فأجاد فيه وله آثار علمية وأدبية منها «غاية المأمول» في علم الأصول و «مدارك العروة الوثقى» ومنظومة في فروع العلم الإجمالي ، وديوان شعر صغير سمّاه «درر الجواهر» ووالده من علماء النجف ، يأتي ذكره وقد صلّى في مسجد جدّه صاحب الجواهر رحمه‌الله يوم وفاة والده المقدّس سنة (١٣٨٧) (٢).

__________________

(١) معجم رجال الفكر والأدب في النجف ١ : ٣٧٤.

(٢) طبقات أعلام الشيعة ، نقباء البشر في القرن الرابع عشر ١ : ٢٥٩.

١٥

وقد قال عنه الحاج حسين الشاكري :

«على رغم قلّة التشرف بخدمته إلّا في مناسبات نادرة ، ولكنّي أعرف الكثير عن متانة خلقه وعلمه الجمّ ومركزه الاجتماعي وأدبه وجرأته في كلام الحقّ ولو كان مرّا ، وتصدّى لرموز الضلال والانحراف وطغاة أرباب الأفكار المسمومة الوافدة ، سواء كان في المدّ الأحمر ، وهذه الفئة الضالّة المضلّة المجرمة (يقصد حزب البعث العميل الكافر) ، ممّا حملهم على التخطيط لاختطافه وإيداعه في غياهب السجون وظلم المطامير كساداته من الأئمة الطاهرين وذلك في سنة (١٩٧٩ م).

تحقّقت شهادة آية الله الشيخ محمد تقي الجواهري والأستاذ شفيق ابن العلّامة الشيخ محمد حسن الجواهري وبعض المؤمنين شيبا وشبّانا من أسرتهما بعد سقوط حكم صدام التكريتي وزمرته الكافرة حين اكتشفت مقابر جماعية سنة (١٤٢٤ ه‍ ـ ٢٠٠٣ م) من الشهداء الأبرار في جميع أنحاء العراق» (١).

وآخر ما وجدناه ممّن كتب عن المؤلف هو ما جاء في كتاب شهداء العلم والفضيلة الصادر من المجمع العالمي لأهل البيت فجاء فيه :

ولد الشهيد آية الله الشيخ محمد تقي الجواهري نجل آية الله الشيخ عبد الرسول في مدينة النجف الأشرف عام (١٣٤٢ ه‍ ، ١٩٢٢ م) واعتقله جلاوزة حزب البعث عام (١٣٩٩ ه‍ ، ١٩٧٩ م) واقتادوه إلى سجون صدام الرهيبة.

جدّه الشيخ عبد الحسين نجل صاحب الجواهر.

ينحدر الشهيد السعيد من أسرة أصيلة ومعروفة بالفضل والأدب والتقوى.

نشأ الشهيد في أحضان والده. وكان الأدب لا يألو جهدا في تربية ولده ؛ فقد بدأ تعليمه في سنّ مبكرة جدّا لما عرف عنه من ذكاء حاد وفطنة.

__________________

(١) ذكرياتي / الأعلام الذين عاصرتهم خلال ستين عاما / القسم الخامس : ٢٣٠.

١٦

منزلته العلمية :

ارتقى الشهيد سلّم العلم ، وبلغ في ذلك مراتب متقدمة ، رأى فيه البعض أهليّته للمرجعية بعد السيّد أبي القاسم الخوئي ؛ لسعة علمه وتقواه وما وهبه الله من فضائل أخلاقية.

كانت حلقاته الدراسية التي تعقد في مسجد الجواهري المعروف تكتظ بالتلاميذ وتغص بطلّاب العلم والمعرفة.

وإضافة إلى تضلعه في الفقه والعلوم الحوزوية فقد كان يتمتع بشاعرية فيّاضة ، وله ديوان مليء بالأشعار الجميلة ، اضطرت أسرته بعد اعتقاله إلى إتلافه خوفا من السلطات الظالمة ؛ ذلك أن أشعاره كانت مفعمة بالحماسة وروح المقاومة التي تدعو إلى مواجهة كلّ اشكال الانحراف والفساد.

أساتذته :

تتلمّذ الشهيد السعيد والعالم الرباني على أيدي أساتذة كبار نشير إلى طائفة منهم :

١ ـ والده آية الله الشيخ عبد الرسول الجواهري.

٢ ـ آية الله الميرزا باقر الزنجاني.

٣ ـ آية الله العظمى السيّد الخوئي.

٤ ـ آية الله الشيخ حسين الحلّي.

جهاده :

كان الشهيد السعيد رجلا شجاعا ومجاهدا جريئا لا يخاف في الله لومة لائم ، ولهذا وقف في مواجهة النظام البعثي دفاعا عن حرمة الإسلام.

وبعد اعتقاله من قبل مرتزقة حزب البعث أبناء الصهيونية العالمية ، قام السيّد الخوئي بمساعي حثيثة من أجل إطلاق سراحه.

١٧

وفي مقابل إصرار السيّد الخوئي على إطلاق سراحه ، قام النظام بإرسال شريط مسجل بصوت الشهيد جاء فيه : لا يجوز التعاون مع البعثيين ؛ لأنهم أنجس وأقذر من اليهود.

وشعر السيّد الخوئي بالإعجاب لهذا الشهيد الشجاع قائلا : أتعجب من الشيخ الجواهري كيف لا يرهب البعثيين القتلة ولا يخشاهم؟!

وقف الجواهري بكلّ وجوده مساندا للثورة الإسلامية في إيران وقائدها الخميني الراحل رضى الله عنه وكان يؤكد باستمرار على أنّ مساندة الثورة واجب شرعي.

ولشدّة حبّه للإمام الخميني فقد أنشد أبيات أرسلها إلى الإمام الراحل :

أبا المصطفى سدّدت في كلّ خطوة

وحالفك التوفيق في القرب والبعد

غضبت لدين الله ديست أصوله

وبدّل من أحكامه محكم القصد

فيا قامعا للظلم والجور ناصرا

لدين الهدى تملو البسيطة بالرشد

تغيّب عنّا بدر وجهك بازغا

بطهران شمسا بعد ليل الدجى تهدي

هبطت «وروح الله أنت من السماء»

ليملأها عدلا بنصرتك المهدي

استشهاده :

كان النظام البعثي الحاقد ينظر إلى الشهيد السعيد ويرى في وجوده خطرا يهدّد استمراره في الحكم والهيمنة والتحكم بمقدّرات الشعب العراقي ؛ ولهذا قام جلاوزة النظام باعتقاله واقتياده إلى سجون البعث وطواميره المظلمة.

وقد اخفقت وساطة آية الله العظمى السيّد الخوئي في إطلاق سراحه.

وانقطعت أخبار الجواهري منذ ذلك التاريخ. وبعد سقوط نظام حزب البعث المنحط تبيّن أن الشيخ الجواهري قد نال وسام الشهادة على أيدي البعثيين القتلة الجناة.

١٨

تغمد الله الشهيد برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جنّاته (١).

هذا ما كتبه عنه المؤرخون في حياته وهو ما زال في ريعان شبابه.

أقول : وقد سمعت من علماء كثيرين وصلوا إلى مرتبة الاجتهاد «كالشيخ ميرزا أحمد الدشتي حفظه الله تعالى شارح اللمعة الدمشقية وقد خرج له منها أربعة أجزاء» ثناءهم على الوالد رحمه‌الله بحدّ يصل إلى تسنّم مقام المرجعية لو بقي على قيد الحياة بعد مرجعية السيّد الخوئي قدس‌سره فكانت كلّ صفات المرجع المتّقي المتضلّع موجودة فيه. ولا زالت عبارته ترنّ في أذني إذ قال : لو بقي الشيخ لما وصلت المرجعية لغيره. وكذا قال عميد جامعة النجف الدينية المرحوم السيّد محمد كلانتر المعروف ببعد النظر إلى صهره الأخ الشيخ محمد الجواهري وكان يقسم على ذلك.

وكان رحمه‌الله مما أوصانا به : عدم استلام المال من غير المراجع ومن يرتبط بهم ؛ وذلك لأمرين :

الأول : لا يناسب المعمم المرتبط أن يكون محتاجا إلى غير المراجع ومن يرتبط بهم.

الثاني : خشية أن يكون هذا المال مؤديا إلى انزلاق المعمم فيما لا يرضاه الشارع المقدس أو مقدمة لعمل ينفع صاحب المال من دون تصريح بذلك فيكون المعمم مستأجرا لصاحب المال.

نعم ، استلام الحقوق الشرعية شيء آخر لا ربط له بأخذ المال الذي هو أعم من كونه حقّا شرعيّا ويحتمل أن يكون لمآرب أخرى غير صحيحة.

__________________

(١) شهداء العلم والفضيلة في العراق : ٩٨ ـ ١٠١.

١٩

تربيته لأولاده :

كان الشهيد المترجم له رحمه‌الله حريصا أشدّ الحرص على تربية أولاده تربية دينية حوزوية ، وكان يعمل كل ما في وسعه لانخراطهم في نهج الحوزة العلمية الدينية ، حيث كان يؤكد على أن هذا الطريق فيه خير الدنيا وخير الآخرة ، فيحفظ الانسان دينه ودين غيره بالارشاد والتوعية ، وفيه رضا الله تعالى ، وهذه كلها أمور تنفع الانسان في آخرته ، أما سعادته في دنياه : فهي عبارة عن ثقة الناس به واحترامهم له باعتباره ملتزما بما التزمه على نفسه من العلم والتقوى في سلوكه.

وكان رحمه‌الله يعدّ العدّة لهذا الأمر ، فكان يصحب أولاده في مقتبل عمرهم معه إلى مدرسة الخليلي الدينية ، وإلى الصحن الحيدري الشريف ، وإلى درس السيّد الخوئي ، وإلى مجالس التعزية والمناسبات الدينية بغية تمهيدهم للأمر الذي يريده منهم.

وعند ما لم تكن ظروف الانخراط في نهج الحوزة ـ في ذلك الجوّ البعيد عن العلم والتقوى ـ مواتية ، وكانت ظروف طالب العلم تعيسة بالنسبة للموظف عند الحكومة ، آثر الأخ الأكبر الأستاذ محمد أمين ـ حفظه الله ـ الدخول في جامعة بغداد ونهج منهج الموظفين بعد ذلك ، وحينئذ ما كان من الشيخ الشهيد رحمه‌الله إلّا أن يسلك معه سلوكا آخر للحفاظ على دين هذا الولد الذي سيغادر مجتمع النجف ويندمج في مجتمع بغداد الذي هو يختلف عن المحيط الديني العلمي النجفي ، فكان قد أوصاه بهاتين الوصيتين :

١ ـ قراءة صفحة من القرآن الكريم بعد صلاة الصبح.

٢ ـ صلاة الوتيرة بعد صلاة العشاء.

ثمّ قدّم له خاتمه العقيق.

وكانت هاتان الوصيتان بمثابة الالتزام بالمستحبات فضلا عن الواجبات. ثمّ حرص الشيخ الشهيد على دخول ولديه (الشيخ حسن والشيخ علي) كلّية الفقه

٢٠